الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الزهد في الدنيا والاكتفاء منها بالقليل والترهيب من حبها والتكاثر فيها والتنافس وبعض ما جاء في عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المأكل والملبس والمشرب ونحو ذلك
4855 -
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، فقال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس. رواه ابن ماجه
(1)
، وقد حسن بعض مشايخنا إسناده، وفيه بعد لأنه من رواية خالد بن
(1)
ابن ماجه (4102)، وأخرجه العقيلي (2/ 11) وابن حبان في روضة العقلاء (ص 141)، والطبراني في الكبير (6/ 193/ 5972)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (447)، وابن عدي في الكامل (3/ 31)، والحاكم في المستدرك (4/ 313)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 252 - 253 و 7/ 136) وفي أخبار أصبهان (2/ 244 - 245) والقضاعي في مسند الشهاب (643) والبيهقي في الشعب (10043) وابن الجوزي في العلل (1352)، وقال العقيلي: ليس له من حديث الثوري أصل. وقال البيهقي: خالد بن عمرو هذا ضعيف.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ورده الذهبي فقال: قلت: خالد وضاع. وقال السخاوي في المقاصد (ص 52): وقال الحاكم: إنه صحيح الإسناد، وليس كذلك فخالد مجمع على تركه بل نسب إلى الوضع لكن قد رواه غيره عن الثوري. وقال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث أبي حازم لم يروه عنه متصلا مرفوعا إلا سفيان الثوري. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 210): هذا إسناد ضعيف. ثم ذكر كلام النقاد في خالد بن عمرو وخالف في ذلك النووي فقال: حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة =
عمرو القرشي الأموي السعيدي عن سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل، وخالد هذا قد ترك واتهم، ولم أر من وثقه، لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة، ولا يمنع كون راويه ضعيفا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وقد تابعه عليه محمد بن كثير الصنعاني
(1)
عن سفيان، ومحمد هذا قد وثق على ضعفه وهو أصلح حالا من خالد، والله أعلم.
قوله: "عن سهل بن سعد الساعدي" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا
= في الأربعون النووية (حديث 31)، وتعقبه ابن رجب الحنبلي فقال: وفي ذلك نظر فإنّ خالد بن عمرو القرشي الأموي قال فيه أحمد: منكر الحديث، وقال مرة: ليس بثقة يروي أحاديث بواطيل، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال مرة: كان كذابا يكذب، حدّث عن شعبة أحاديث موضوعة في جامع العلوم (2/ 174 - 175). وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (4/ 215): سنده ضعيف.
(1)
أخرجه ابن عدي (3/ 902)، والصيداوي في معجم الشيوخ (ص 312)، والبيهقي في الشعب (10044) والبغوي في شرح السنة (4037) وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (1499)، والخليلي في الإرشاد (2/ 479)، وقال ابن عدي: ولا أدري ما أقول في رواية ابن كثير عن الثوري لهذا الحديث فإنّ ابن كثير ثقة وهذا الحديث عن الثوري منكر. وقال العقيلي: لعل مُحَمَّدْ بن كثير أخذه عن خالد بن عمرو ودلسه لأنّ المشهور به خالد هذا. وسأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث مُحَمَّدْ بن كثير فقال: هذا أيضًا حديث باطل. يعني بهذا الإسناد العلل 2/ 107
قلت: لم ينفرد خالد بن عمرو به بل تابعه غير واحد عن سفيان الثوري به، منهم: أبو قتادة عبد الله بن واقد الحرّاني الحِمّاني. أخرجه البيهقي في الشعب (10045). علي بن مُسْهِر القرشي. أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 252 - 253)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (944).
يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس" الحديث. قال النووي
(1)
: هو حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة، وهو أحد الأحاديث الأربعة التي عليها مدار الإسلام، قال أبو أيوب السجستاني: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث الثابت منها أربعة آلاف حديث وهي ترجع إلى أربع أحاديث وعُدّ منها هذا الحديث، وقال [ابن]
(2)
الفاكهاني في شرح هذا الحديث. قال العلماء: الدنيا عبارة عما حواه الليل والنهار وأظلته السماء وأقلته الأرض، هذه ذاتها وحقيقتها، وأما المزهود فيه منها فنقل الحارث بن أسد المحاسبي في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: الدينار والدرهم.
والثاني: المطعم والمشرب والملبس والمسكن.
والثالث: الحياة [فكانوا يزهدون في الحياة]
(3)
. ثم قال الشارح: والذي أعتقده ولا أرتاب فيه أن دنيا كل إنسان بحاله حتى أن كلام الفقيه بين طلبته وكلام الشيخ بين تلامذته وكلام الأمير بين أجناده وما أشبه ذلك دنيا بالنسبة إليهم إلا أن يقصد بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة، وهذا لا [يكاد] يصح إلا من [موقن] قد لاح له من علم الآخرة [لائح] فاشتاق إلى لقاء مولاه وغلب شيطانه وهواه فصرف نفسه عن الدنيا وتقمص لباس التقوى، كما قال
(1)
رياض الصالحين (ص: 175).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
جابر للنبي صلى الله عليه وسلم
(1)
: أصبحت مؤمنا حقا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن لكل حق حقيقة، ما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي ذهبها ومدرها وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتنعمون وإلى أهل النار في النار يعذبون، فقال حارثة عرفتَ فالزم
خليليّ لا والله ما أنا منكما
…
إذا عَلَمٌ من آل ليلي بَدَا لِيَا
فمثل هذا تكون الدنيا له سجنا ومقامه فيها هما وغما، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فنسأل الله تعالى التوفيق والهداية إلى أقوم طريق بمنه وكرمه.
واعلم: أن الزهد في اللغة هو الإعراض عن الشيء لاستقلاله واحتقاره وارتفاع الهمة عنه، مأخوذ من قولهم شيء زهيد أي قليل، وفي الحديث إنك لزهيد، أما في الحكم فهو على أقسام:
أحدها: الزهد في الحرام وهو الزهد الواجب العام.
(1)
رواه الطبراني (3/ 266/ 3367)، وابن أبي شيبة في المصنف (30425)، والسلمي في الأربعين الصوفية (10)، وأبو نعيم في الأربعين (44)، والشجري في الأمالي (1/ 31)، والبيهقي في شعب الإيمان (10107)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1575): أخرجه البزار من حديث أنس، والطبراني من حديث الحارث بن مالك، وكلا الحديثين ضعيف. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 57) رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة، وفيه من يحتاج إلى الكشف عنه. وقال ابن حجر في الإصابة (1/ 290): فيه يوسف بن عطية الصفار وهو ضعيف جدا، وقال الألباني في الإيمان لابن أبي شيبة (115): معضل وله طرق أخرى مرسلة وبعضها موصول.
(2)
صحيح مسلم (1)(2956).
الثاني: الزهد في الشبهات والأشبه وجوبه لأنه وسيلة إلى [إيقاع] الوقوع في الحرام لقوله صلى الله عليه وسلم: [و] من وقع في الشبهات وقع في الحرام، الحديث. واجتناب الحرام واجب ووسيلة [الواجب واجب] فالزهد في الشبهات واجب.
الثالث الزهد فيما عدا الضرورات من المباحات؛ وهو المراد من هذا الحديث ظاهر وهو زهد الخواص العارفين بالله تعالى.
الرابع: الزهد فيما سوى الله تعالى من دنيا وجنة وغير ذلك فلا قصد لصاحب هذا الزهد إلا الوصول إلى الله عز وجل والقرب منه وهو زهد المقربين فلا جرم لما حصل لهم مقصودهم واندرج في ضمنه كل مقصود لغيرهم [عفوا] من غير طلب ولا قصد له ولا جعلوه ثمن عبادتهم وكل الصيد في جوف القرى، قاله الطوفي في شرح الأربعين النووية.
وقد أكثر الناس الكلام في الزهد وكل أشار إلى ذوقه ونطق عن حاله وشاهده فإن غالب عبارات القوم عن أذواقهم وأحوالهم والكلام بلسان العلم أوضع من الكلام بلسان الذوق وأقرب إلى الحجة والبرهان، فالزهد عند أهل الحقيقة بغض الدنيا والإعراض عنها، وقيل هو ترك راحة الدنيا طلبا لراحة الآخرة، وقال الجنيد.
(1)
وخلو اليد من الدنيا وخلو القلب من طلبها [وقيل هو ترك كل ما يشغل عن الله تعالى]
(2)
وقيل هو ترك كل ما سوى الله تعالى، وقال سفيان الثوري
(1)
نهاية الأرب في فنون الأدب (5/ 265).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
[وأحمد بن حنبل وغيرهما.
(1)
الزهد قصر الأمل في الدنيا، وزاد سفيان الثوري]
(2)
ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباء. وقيل حقيقة الزهد في قوله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}
(3)
فالزاهد هو الذي لا يفرح بموجود من الدنيا ولا يحزن على مفقود منها. وقال الإمام أحمد مرة قصر [الأمل][في الدنيا]
(4)
واليأس والإعراض عنها، اهـ.
وقال الجنيد: سمعت سريًّا يقول
(5)
: إن الله تعالى سلب الدنيا عن أوليائه وحماها عن أصفيائه وأخرجها من قلوب [أهل] وداده لأن لم يرضها لهم. وقال يحيى بن معاذ
(6)
الزهد يورث السخاء بالملك والحبّ يورث السخاء بالروح.
وقال الإمام أحمد بن حنبل
(7)
: الزهد عدم فرحه بإقبال الدنيا وحزنه على إدبارها فإنه رضي الله عنه سئل عن الرجل يكون معه ألف دينار هل يكون زاهدا؟
(1)
إحياء علوم الدين (4/ 242)، ونهاية الأرب في فنون الأدب (5/ 265).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سورة الحديد، الآية:23.
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
البيهقي الزهد الكبير (1/ 76)، وتاريخ مدينة دمشق)،، وقال النووي في (20 ص 179)، الرسالة القشيرية (1/ 152).
(6)
نهاية الأرب في فنون الأدب (5/ 265).
(7)
مدارج السالكين (2/ 11).
فقال: نعم، على شريطة أن لا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا أنقصت. وقال ابن المبارك
(1)
: الزهد هو الثقة بالله تعالى مع حب الفقر، وقال عبد الواحد بن زيد
(2)
ترك الدينار والدرهم.
وقال أبو سليمان الداراني: ترك ما يشغل عن الله تعالى. وقال يحيى بن معاذ لا يبلغ أحد حقيقة الزهد حتى تكون فيه ثلاث خصال: عملا بلا علاقة وقول بلا طمع وعز بلا رياسة. وقال الإمام أحمد بن حنبل
(3)
: الزهد على ثلاثة أوجه: ترك الحرام وهو زهد العوام، والثاني ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص، والثالث ترك ما يشغل عن الله تعالى وهو زهد العارفين، والذي أجمع عليه العارفون أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا وأخذه في منازل الآخرة ومتعلقه أشياء لا يستحق العبد اسم الزهد حتى يزهد فيها وهي المال والصورة والرياسة والناس والنفس وكل ما دون الله تعالى وليس المراد رفضها من الملك فقد كان سليمان وداود عليهما [الصلاة والسلام] من أزهد [أهل زمانهما، ولهما من المال والنساء والملك ما لهما، وكان نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أزهد] البشر على الإطلاق وله تسع نسوة وكان عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزبير من الزهد [بمكان] مع ما لهم من الأموال، وكان الحسن بن علي من
(1)
الإمتاع والمؤانسة (1/ 295).
(2)
انظر: الزهد الكبير (1/ 79).
(3)
الرسالة القشيرية (1/ 155)، والآداب الشرعية (2/ 231).
الزهاد مع أنه كان من أكثر الأمة محبة للنساء ونكاحا لهن وأغناهم، وكان عبد الله بن المبارك من أئمة الزهاد مع [ما له من] مال كثير، وكذلك الإمام الليث بن سعد وسفيان من أئمة الزهاد وكان له رأس مال يقول لولا هو لتمندل بنا هؤلاء. ومن أحسن ما قيل في الزهد قول الحسن
(1)
أو غيره ليس الزهد في الدنيا تحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك وأن تكون في المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك [فيما] لو لم تصبك فهذا من أجمع كلام في الزهد وأحسنه، وقد روي مرفوعا وقال ابن الجلاء الزهد [هو] النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها.
وقال إبراهيم بن [آدم]
(2)
الزهد ثلاثة أصناف: فزهد فرض وزهد فضلة وزهد سلامة، فالزهد الفرض الزهد في الحرام والزهد الفضل الزهد في الحلال والزهد السلامة الزهد في الشبهات. وقد اختلف الناس هل يستحق اسم الزهد من زهد في الحرام خاصّة ولم يزهد في فضول المباحات أم لا على قولين: أحدهما [أنه] يستحق اسم الزهد بذلك وهو قول الزهري وابن عيينة وغيرهما.
(1)
يروى عن يونس بن ميسرة الجبلاني انظر: الزهد (1/ 108)، الزهد وصفة الزاهدين (1/ 20)، مدارج السالكين (2/ 13).
(2)
ابن أبي الدنيا في الزهد (ص 126)، والمجالسة وجواهر العلم (905)، والزهد وصفة الزاهدين (12)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (8 ص 26).
والثاني: لا يستحق اسم الزهد بدون الزهد في فضول المباح وهو قول طائفة من العارفين وغيرهم. وقال أبو سليمان الداراني: اختلفوا علينا في الزهد بالعراق، فذكروا فيه اختلافا كثيرا، قال: وأنا أذهب إلى [أن]
(1)
الزهد في ترك ما شغلك عن الله عز وجل وهذا الذي قاله أبو سليمان حسن وهو يجمع جميع معاني الزهد وأقسامه وأنواعه، قاله ابن رجب
(2)
. قال القاضي أبو الوليد بن رشد وغيره: الزهد راحة القلب والبدن وفي الدنيا والآخرة، فالزهاد هم الملوك في الحقيقة وهم العقلاء لإيثارهم الباقي على الفاني. وقد قال الإمام الشافعي وأصحابه
(3)
: لو أوصى لأعقل الناس صرف إلى الزهاد فكم بين من شغله الله وبين من شغلته الدنيا، شتّان ما بين الشغلين.
[تشاغل قوم بدنياهم] وقوم تخلوا لمولاهم
فألزمهم باب مرضاته وعن سائر الخلق أغناهم.
(4)
وقال سفيان بن عيينة
(5)
: الزهد ثلاثة أحرف زاي وهاء ودال فالزاي ترك الزينة والهاء ترك الهوى والدال ترك الدنيا بجملتها.
والزهد في اللغة خلاف الرغبة، يقال زهد في الشيء وعن الشيء زهدا
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
جامع العلوم والحكم (2/ 186).
(3)
انظر: روضة الطالبين (6/ 169)، وكفاية الأخيار (1/ 344).
(4)
انظر: فيض القدير (4/ 282).
(5)
البيهقي في الزهد الكبير (60) أبا بكر الخراش يقول سئل أبو بكر الوراق عن الزهد فقال الزهد ثلاثة أحرف أما الزاي فترك الزينة وأما الهاء فترك الهوى وأما الدال فترك الدنيا.
وزهادة. وأما حقيقته الشرعية فاختلف فيها اختلافا كثيرا يطول ذكره والراجح عند بعضهم أنه استصغار الدنيا بجملتها واحتقار جميع شأنها لتصغير الله لها وتحقيره إياها وتحذيره من غرورها في غير ما آية من كتاب الله تعالى كقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى}
(1)
، وكقوله {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}
(2)
فالزاهد هو المستصغر للدنيا المحتقر لها الذي انصرف قلبه عنها لصغر قدرها عنده فلا يفرح بشيء منها ولا يحزن على فقد ولا يأخذ منها إلا ما [أمر] بأخذه مما يعينه على طاعة ربه ويكون مع ذلك دائم الشغل بذكر الله تعالى وذكر الآخرة وهذا هو أرفع أحوال الزهد لأن من بلغ إلى هذه الرتبة فهو في الدنيا بشخصه وفي الآخرة بروحه وعقل، اهـ قاله في الديباجة.
فائدة: وقد اختلف الناس في الزهد هل هو ممكن في هذه الأزمنة؟ فقال أبو حفص
(3)
: الزهد لا يكون إلا في الحلال ولا حلال في الدنيا فلا زهد وخالفه الناس في هذا وقالوا بل الحلال موجود أو على تقدير أن لا يكون فيها الحلال فهذا أدعى إلى الزهد فيها وتناول ما تناوله المضطر فيها كتناوله للميتة والدم ولحم الخنزير، ثم اختلف هؤلاء في متعلق الزهد فقالت طائفة الزهد إنما هو في الحلال لأن ترك الحرام فريضة، وقالت [فرقة] بل الزهد لا
(1)
سورة النساء، الآية:77.
(2)
سورة لقمان، الآية:33.
(3)
الرسالة القشيرية (1/ 154).
يكون إلا في الحرام وأما الحلال فنعمة من الله على عبده والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده فشكره على نعمه والاستعانة بها على طاعته واتخاذها طريقا إلى جنته أفضل من الزهد فيها والتخلي عنها ومجانبة أسبابها والتحقيق أنها شغلته عن الله تعالى فالزهد فيها أفضل وإن لم تشغله عن الله بل كان شاكرا لله فيها فحاله أفضل، والزهد فيها تجريد القلب عن التعلق بها والطمأنينة إليها والله أعلم.
[قوله صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله" الحديث، فأمّا كون الزهد في الدنيا سببا لمحبة الله تعالى فلأن الله عز وجل يحب من أطاعه ويبغض من عصاه وطاعة الله عز وجل لا تجتمع مع محبة الدنيا، عرف ذلك بالنصوص والنظر والتجربة والطبع والتواتر. وأما كون [الزهد]
(1)
فيما عند الناس [سببٌ] لمحبة الناس فلأن الناس يتهافتون على الدنيا بطباعهم إذ الدنيا ميتة والناس كلابها فمن زاحمهم عليها أبغضوه ومن زهد فيها ووفرها عليهم أحبّوه، وعدوّ المرء من يعمل عمله. ومما يروى من شعر الشافعي في هذا المعنى:
وما هي إلا جيفة مستحيلة
…
عليها كلاب همُّهنَّ اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها
…
وإن تجتذبها نازعتك كلابها
وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالاستعفاف [عن مسألة] الناس والاستغناء عنهم فمن سأل الناس ما بأيديهم كرهوه وأبغضوه لأن المال محبوب لنفوس بني آدم فمن طلب منهم [مما] يحبّونه كرهوه لذلك.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
وأما من زهد فيما في أيدي الناس وعف عنهم فإنهم يحبونه ويكرمونه لذلك ويسود به عليهم كما قال أعرابي لأهل البصرة من سيد هذه القرية؟ قالوا: الحسن. قال: [بم] سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى عن دنياهم. قاله ابن رجب
(1)
، فهذا الحديث يدل على أن الله تعالى يحب الزاهدين في الدنيا.
قال بعض السلف: قال [الحواريون] لعيسى عليه السلام: يا روح الله علمنا عملا واحدا يحبنا الله عز وجل عليه. قال: ابغضوا الدنيا يحبكم الله عز وجل وقد ذم الله تعالى من يحب الدنيا ويؤثرها على الآخرة. وقال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)}
(2)
، وقال تعالى:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)}
(3)
، والمراد حب المال [فإذا] ذم من أحب الدنيا دل على مدح من لا يحبها بل يرفضها ويتركها. اهـ. قاله ابن رجب
(4)
]
(5)
. قوله: "يحبك الله" هو بفتح الياء المشددة والأصل يحببك الله بكسر الباء الأولى وسكون الثانية مجزوم على جواب الأمر الذي هو ازهد في الدنيا فأسكنت الباء الأولى عند إرادة الإدغام
(1)
جامع العلوم والحكم (2/ 206).
(2)
سورة الفجر، الآية:20.
(3)
سورة العاديات، الآية:8.
(4)
جامع العلوم والحكم (2/ 202).
(5)
حصل تأخير لهذه الصحيفة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وقد يقع لي ذلك مع بعضهم كانوا يتوددون إليّ بالكلام في بعض الليالي زمن الانقطاع والتوجه لا في هذا الوقت فالله تعالى المسئول في حسن العاقبة إنه كريم جواد، اهـ. قاله في الديباجة).
بنقل حركتها إلى الساكن قبلها وهو الحاء فاجتمع ساكنان فحرك الآخر لالتقاء الساكنين بالفتح تخفيفا. ثم قال: ولا بد من ذكر حقيقة المحبة هنا بالنسبة إلى الله تعالى، فنقول: قال أبو عبد الله المازري: الباري سبحانه وتعالى لا يوصف بالصفة المعهودة [فينا] لأنه مقدس عن أن يميل أو يمال بالصفات المعهودة في غيره وإنما محبته سبحانه وتعالى للخلق إرادته لثوابهم وتنعمهم ومعنى محبة المخلوقين له إرادتهم أن ينعمهم ويحسن إليهم ويدفع المضارّ عنهم كما قال عليه الصلاة والسلام جُبلت القلوب على حب من أحسن إليها ولا [إحسان] في الحقيقة إلا الله تعالى خالق المحسنين وإحسانهم فهو الحقيق بالمحبة دون من سواه ومن محبته محبة من أحبه من نبي وملك وولي وغير ذلك ومن ذلك محبته أيضًا وامتثال أمره واجتناب نهيه واتباع سنة [رسوله]صلى الله عليه وسلم ولا [تصح] حقيقة المحبة إلا بذلك ولقد أحسن من قال:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
…
هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته
…
إن المحب لمن أحب مطيع
ولذلك قال سهل بن عبد الله التستري: المحبة ملازمة الطاعة ومباينة المخالفة، وقال أبو علي الرودباري المحبة الموافقة وقال يحيى بن معاذ ليس بصادق من ادّعى محبة الله ولم يحفظ حدوده.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وازهد فيما في أيدي الناس" الحديث، سبب ذلك والله أعلم أن القلوب مجبولة مطبوعة على حب الدنيا غالبا ومن نازع إنسانا في محبوبه
كرهه وقلاه ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه، قال الشارح ولا [يبعد عندي] أن الزاهد تحبه الإنس والجن أخذا بعموم لفظ الناس. قال: وقد يقع لي ذلك مع بعضهم كانوا يتوددون إليّ بالكلام في بعض الليالي زمن الانقطاع والتوجه لا في هذا الوقت فالله تعالى المسئول في حسن العاقبة إنه كريم جواد، اهـ. قاله في الديباجة.
4856 -
وعن إبراهيم بن أدهم قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل يحبني الله عليه، ويحبني الناس عليه؟ فقال: أما العمل الذي يحبك الله عليه فالزهد في الدنيا، وأما العمل الذي يحبك الناس عليه، فانبذ إليهم ما في يديك من الحطام. رواه ابن أبي الدنيا
(1)
هكذا معضلا، ورواه بعضهم عنه عن منصور عن ربعي بن حراش قال: جاء رجل. فذكره مرسلا
(2)
.
قوله: "وعن إبراهيم بن أدهم" وليس لإبراهيم بن أدهم في الكتب الستة ذكر إلا في هذا المحل. وإبراهيم، قال الإمام أبو الحسن
(1)
ابن أبي الدنيا في مداراة الناس (33)، وفي الزهد (118)، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 177) وخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الدنيا، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3214) حسن لغيره.
(2)
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 177): خرجه أبو سليمان بن زبر الدمشقي في مسند إبراهيم بن أدهم وأخرجه أبو نعيم في الحلية 8/ 41 من طريق إبراهيم بن أدهم، عن منصور، عن مجاهد، عن أنس، به؛ لكن وصله خطأ، قال أبو نعيم عقب الحديث:"ذكر أنس في هذا الحديث وهم من عمر أو أبي أحمد، فقد رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع فلم يجاوزوا فيه مجاهدا"، ثم ساقه مرسلا من طريق مجاهد.
الماوردي صاحب الحاوي معناه بالسّريانية أب رحيم، قال [الفضل] بن موسى حجّ أدهم أبو إبراهيم بن أدهم بأم إبراهيم وكانت به حبلى فولدت إبراهيم بمكة فجعلت تطوف به على الخلق في المسجد ادعوا لابني أن يجعله الله رجلا صالحا.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري في الرسالة
(1)
كان إبراهيم بن [آدم] من كورة بلخ وكان من أبناء الملوك فخرج يوما متصيدا فأثار ثعلبا أو [أرنبا] وهو في طلبه فهتف به هاتف ألهذا خلقت أم بهذا أمرت؟ ثم هتف به من قربوس سرجه والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فنزل عن دابته وصادف راعيا لأبيه فأخذ جبة الراعي من الصوف فلبسها وأعطاه فرسه وما معه ثم إنه دخل البادية تم دخل مكة وصحب بها سفيان الثوري والفضيل بن عياض، ودخل الشام ومات بها وكان يأكل من عمل يده مثل الحصاد وحفظ البساتين وغير ذلك وأنه رأى في البادية رجلا علمه اسم الله الأعظم [فدعا به بعده فرأى الخضر عليه الصلاة والسلام، وقال: إنما علمك أخي داود اسم الله الأعظم]، أخبرني بذلك الشيخ أبو عبد الله السلمي.
وقال [خادمه] أبو سعيد الخراساني إبراهيم بن بشار وكان من كبار مشائخ الصوفية صحبت إبراهيم بن [آدم] فقلت أخبرني عن بدء أمرك هذا، وكان إبراهيم بن [آدم][كبير الشأن]
(2)
في باب الورع يحكى عنه أنه قال أطب
(1)
الرسالة القشيرية (1/ 22).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
مطعمك ولا عليك أن لا تقوم بالليل ولا تصوم بالنهار؛ وقيل كان عامة دعائه اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك. وقال أبو حاتم الرازي سمعت أبا نعيم يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: إبراهيم بن [آدم] كان يشبه إبراهيم الخليل ولو كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان رجلا فاضلا، اهـ.
قوله: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله دلني على عمل يحبني الله عليه وتحبني الناس عليه. فقال: أما العمل الذي يحبك الله عليه فالزهد في الدنيا، وأما العمل الذي تحبك الناس عليه فانبذ إليهم ما في يديك من الحطام"، الحديث. النبذ الطرح، والحطام الدنيا.
قوله: "معضلا" الحديث المعضل في اصطلاح المحدثين هو الذي سقط من رواته [راويين] فأكثر أو كما ذكر وقد اشتمل هذا الحديث على وصيتين عظيمتين، إحداهما الزهد في الدنيا فإنه مقتض لمحبة الله عز وجل لعبده، والثانية الزهد فيما في أيدي الناس فإنه مقتض لمحبة الناس، فأما الزهد في الدنيا فقد كثر في القرآن الإشارة إلى مدحه وإلى ذم الرغبة في الدنيا. قال الله تعالى:{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)}
(1)
، الآية. وقال تعالى:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}
(2)
، والآيات في ذلك كثيرة.
وقد ذمّ الله تعالى من كان يريد الدنيا بعمله وسعيه ونيته، [و] الأحاديث في ذم الدنيا [وحقارتها عند الله تعالى] كثيرة، قاله ابن رجب
(3)
.
(1)
سورة الأعلى، الآية:16.
(2)
سورة الأنفال، الآية:67.
(3)
جامع العلوم والحكم (2/ 178).
قوله في الحديث في الكلام عليه "عن ربعي بن حراش": ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر المهملة وتشديد الياء، وحراش بكسر المهملة وبالراء الخفيفة وبالشين المنقطة وليس في الصحيحين حراش بالحاء المهملة سواه، ابن جحش بالجيم المفتوحة والميم المهملة الساكنة وبالمعجمة العبسي بالمهملة المفتوحة الموحدة الساكنة وبالمهملة الكوفي الأعور العابد الورع، يقال له لم يكذب قط، وكان له ابنان عاصيان على الحجاج فقيل للحجاج إن أباهما لم يكذب كذبة قط، لو أرسلت إليه فسألته عنهما، فأرسل إليه فقال هما في البيت، فقال قد عفونا عنهما بصدقك، وحلف أنه لا يضحك حتى يعلم أين مصيره إلى الجنة أو النار، فما ضحك إلا بعد موته.
وله أخوان مسعود وهو الذي تكلم بعد الموت وربيع وهو أيضًا حلف أن لا يضحك حتى يعرف [إلى] الجنة أم لا فقال غاسله إنه لم يزل [متبسما] على سريره حتى فرغنا.
وقال ابن المديني ولم يرو عن مسعود شيء إلا كلامه بعد الموت. والربعي بحسب اللغة المنسوب إلى الربع والحراش جمع الحرش هو الأثر، اهـ، قاله الكرماني
(1)
.
وقال الحافظ أبو نعيم
(2)
: عن ربعي بن حراش أسند عن عمر بن الخطاب
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (2/ 109).
(2)
أبو نعيم في الحلية (4/ 367).
وعلي بن أبي طالب وحذيفة وغيرهم [فمن ما] رواه عن حذيفة
(1)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي عليكم زمان لا يكون فيه شيء أعز من ثلاثة: أخ يستأنس به أو [درهم حلال أو] سنة يعمل بها حديث [غريب، و] قال أبو الفرج، قال: فلقد أخبر [غاسله] أنه لم يزل مبتسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه، توفي سنة أربع ومائة والله أعلم. [قوله:] فذكره مرسلا، تقدم الكلام على الحديث المرسل في اصطلاح المحدثين.
لطيفة: عن عاصم الأحول
(2)
قال: بلغني أن ابن عمر سمع رجلا يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فأراه قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فقال عن هؤلاء فسل. [انتهى.
4857 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزهد في الدنيا يريح القلب والجسد. رواه الطبراني
(3)
، وإسناده مقارب.
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (88)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 370 و 7/ 127)، وقال أبو نعيم: غريب؛ تفرد به روح بن صلاح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 172) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه روح بن صلاح، ضعفه ابن عدي، وقال الحاكم: ثقة مأمون. وذكره ابن حبان في الثقات، وبقية رجاله موثقون .. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3296)، والضعيفة (3713).
(2)
الزهد لابن السري (563)، وحلية الأولياء (1/ 307).
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (6120)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 286): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أشعث بن نزار ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم. وابن عدي في الكامل (1/ 375)، والبيهقي في الشعب (10537) عن أبي هريرة، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3196)، وضعيف الترغيب والترهيب (1867).
قوله:] "وعن أبي هريرة" تقدم قوله صلى الله عليه وسلم "الزهد في الدنيا يريح القلب والجسد". تقدم الكلام على الزهد في الدنيا.
4858 -
وعن الضحاك رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله من أزهد الناس؟ قال: من لم ينس القبر والبلى، وترك فضل زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى، ولم يعد غدا في أيامه، وعد نفسه من الموتى. رواه ابن أبي الدنيا
(1)
مرسلا وستأتي له نظائر في ذكر الموت إن شاء الله تعالى.
قوله: "وعن الضحاك" هو بن مزاحم الهلالي أبو القاسم ويقال أبو محمد الخراساني روى عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وزيد بن أرقم وأنس بن مالك وقيل لم يثبت له سماع من أحد من الصحابة وعن الأسود بن يزيد النخعي وعبد الرحمن بن عوسجة وعطاء وأبي الأحوص الجشمي والنزال بن سبرة وعنه جماعة قال عبد الله بن أحمد عن أبيه ثقة مأمون وقال ابن معين وأبو زرعة ثقة وقال أبو قتيبة عن شعبة قلت لمشاش الضحاك سمع من ابن عباس قال ما رآه قط وقال سلم بن قتيبة أبو داود عن شعبة حدثني عبد الملك بن ميسرة قال الضحاك لم يلق ابن عباس إنما لقي سعيد بن جبير بالري فأخذ عنه التفسير وقال أبو أسامة عن المعلى عن شعبة عن عبد الملك قلت للضحاك سمعت من ابن عباس قال لا قلت فهذا الذي
(1)
ابن أبي الدنيا في الزهد (100)، وابن أبي شيبة في المصنف (34318)، والبيهقي في شعب الإيمان (10081) عن الضحاك بن مزاحم، وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1868)، وفي السلسلة الضعيفة (1292): ضعيف مرسل.
تحدثه عمن أخذته قال عن ذا وعن ذا وقال ابن المديني عن يحيى بن سعيد كان شعبة لا يحدث عن الضحاك بن مزاحم وكان ينكر أن يكون لقي ابن عباس قط وقال علي عن يحيى بن سعيد كان الضحاك عندنا ضعيفا وقال البخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن حكيم بن الديلم عن الضحاك يعني بن مزاحم قال سمعت ابن عمر يقول ما طهر كف فيها خاتم من حديد وقال لا أعلم أحدا قال سمعت ابن عمر إلا أبو نعيم وقال أبو جناب الكلبي عن الضحاك جاورت ابن عباس سبع سنين وذكره ابن حبان في الثقات وقال لقي جماعة من التابعين ولم يشافه أحدا من الصحابة ومن زعم أنه لقي ابن عباس فقد وهم وكان معلم كتاب ورواية أبي إسحاق عن الضحاك قلت لابن عباس وهم من شريك وقال ابن عدي عرف بالتفسير وأما روايته عن ابن عباس وأبي هريرة وجميع من روى عنه ففي ذلك كله نظر وإنما اشتهر بالتفسير قاله الحسين بن الوليد مات سنة 106 وقال أبو نعيم مات سنة خمس ومائة.
قوله: "من أزهد الناس؟ قال: من لم ينس القبر والبِلَا" الحديث، سيأتي الكلام عليه في ذكر الموت إن شاء الله تعالى.
4859 -
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل ناجى موسى بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام، فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم لما وقع في مسامعه من كلام الرب عز وجل، وكان فيما ناجاه ربه أن قال: يا موسى إنه لم يتصنع لي المتصنعون بمثل
الزهد في الدنيا، ولم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم، ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي قال موسى: يا رب البرية كلها، ويا مالك يوم الدين، ويا ذا الجلال والإكرام: ماذا أعددت لهم، وماذا جزيتهم؟ قال: أما الزهاد في الدنيا، فإني أبحتهم جنتي يتبوؤون منها حيث شاؤوا، وأما الورعون عما حرمت عليهم فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبق عبد إلا ناقشته وفتشته إلا الورعون فإني أستحييهم وأجلهم وأكرمهم، فأدخلهم الجنة بغير حساب، وأما البكاؤون من خشيتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركون فيه. رواه الطبراني
(1)
والأصبهاني
(2)
.
قوله: "وروي عن ابن عباس" تقدم. قوله: "إن الله ناجى موسى عليه الصلاة والسلام بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام"، الحديث. موسى هذا هو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب كظيم الله بن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله [وهارون أخوه لأبيه وأمه، واسم أمهما،
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (3937)، وفي المعجم الكبير (12/ 120/ 12650).
(2)
الأصبهاني في الترغيب (227)، وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (545 - 1099)، وابن أبي الدنيا في الزهد (198)، والآجري في الشريعة (693)، وابن شاهين في جزء من حديثه (17)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (481)، والبيهقي في شعب الإيمان (10047)، والقضاعي في مسند الشهاب (1458)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 203): رواه الطبراني، وفيه جويبر وهو ضعيف جدا. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5258)، وضعيف الترغيب والترهيب (1869).
وقيل: يوحاند. قال ابن إسحاق: اسمها نجيبة، وولد موسى بعد هارون ثلاث سنين. قال في تاريخ كنز الدرر]. سؤال: لِمَ لَمْ يكلم الله سائر الأنبياء مشافهة إلا موسى عليه السلام؟ قيل: لأنه لم يكن لنبي من الأنبياء من الأعداء ما لموسى عليه السلام كفرعون واليهود وقارون ولم يكن قوم أسوأ أدبا وأقسى قلبا من قومه فخصه الله بكلامه ليحتمل ما امتحن به من البلاء، وأيضا كان موسى عليه السلام في مدرجة الشوق فلو لم يسمعه كلامه بعدما منعه الرؤية لمات قلبه، فإن قال قائل: بأي شيء علم موسى أنه كلام الله؟ قيل: لأنه لم ينقطع كلام بالنفس، ويقال: لأنه سمع الكلام من الجوانب الستة ويقال لأن جميع جوارحه صارت كسمعه ووجد اللذة لها من كلامه كما وجد بسمعه، ويقال: كلام الله في نفسه معجزة يعرف بمعنى الكلام [أنه كلام الله]
(1)
، فإن قيل لم منعه الرؤية، قيل لأن الرؤية غاية الكرامة [وغاية الكرامة]
(2)
تُعطى لأكرم الخلق وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ويقال لو أراه لوجب عليه شكره ولو شكر لاستحق الزيادة ولا مزيد على الرؤية فلذلك حرمه وهذا هو المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا، والله أعلم. قاله ابن العماد، قوله: فلما سمع كلام الآدميين مقتهم، الحديث. المقت هو أشد البغض وتقدم ذلك.
تنبيه: كلام الله تعالى يباين كلام البشر من ثلاثة أوجه: أحدها أنه يسمع
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
من غير حرف ولا صوت، وكذلك سمعه موسى عليه السلام. الثاني: أنه لا تقطيع فيه ولا تنفس لأنه لا يكون بجارحة. الثالث أنه لا يسمع بالأذن وحدها بل يسمع بسائر البدن من سائر الجهات، وتحصل اللذة بسماعه لأنه تعالى ليس في جهة وكذلك سمعه موسى صلى الله عليه وسلم، قاله الكرماني.
وروى الحاكم في المستدرك
(1)
من أحاديث أبي معشر واسمه نجيح [السندي] المدني صاحب أبي هريرة وصاحب المغازي مرفوعا، قال: مكث موسى بعد أن كلمه الله أربعين يوما لا يراه أحد إلا مات وأبو معشر ضعفه الأكثرون، وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه ويضحك إذا ذكره ويتعجب من جرأته على وضع الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: "أما الزهاد في الدنيا" الحديث، الزهاد جمع زاهد وتقدم الكلام على الزهد مبسوطا، وأما الورعون فهم جمع ورع، تقدم الكلام على الورع في
(1)
المستدرك (2/ 629)، وأخرجه ابن معين في تاريخه - رواية الدوري (3/ 183)، ومن طريقه: ابن عدي في الكامل (4/ 310)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 54) وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (543 و 1097)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1558/ 8926)، و (9/ 2973/ 16883) وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/ 536)، وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية، وقال الذهبي في التلخيص: إسناده لين. وأبو مَعْشَرٍ هو نجيح المدني، ضعيف، وذكره الذهبي في الميزان (4/ 247) في ترجمته ضمن الأحاديث التي أنكرت عليه. وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية من صغار التابعين، وهو متكلم فيه.
بابه. وأما البكاءون فهم جمع باكٍ وسيأتي الكلام على البكاء في بابه. قوله صلى الله عليه وسلم "فأولئك لهم الرفيق الأعلى" الحديث، والمراد بالرفيق الأعلى من ذكرهم الله تعالى في سورة النساء:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}
(1)
، ومعنى الآية أنه يكون مع النبيين في الجنة لا تفوته رؤيتهم ولا مجالستهم، فالرفيق الأعلى جماعة الأنبياء الذين يسكنون في أعلى عليين وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط والرفيق المرافق في الطريق.
تنبيه: وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند الموت
(2)
: اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى أي الملائكة أصحاب الملأ الأعلى.
فإن قلت: هذا فيه التمني للموت إذ لا يمكن الإلحاق [بهم] إلا بالموت. قلت: هذا ليس تمنيا للموت غايته أن يكون مستلزما لذلك، والمنهي ما هو المقصود بذاته أو المنهي هو المقيد وهو ما يكون من ضر أصابه، وهذا ليس منه بل للاشتياق إليهم.
قال ابن بطال
(3)
: فإن قيل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ألحقني تمني للموت، أجيب بأنه قال ذلك بعد أن علم أنه ميت في يومه ذلك ورأى الملائكة المبشرة له عن ربه عز وجل بالسرور الكامل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة
(1)
سورة النساء، الآية:69.
(2)
صحيح البخاري (4440)، وصحيح مسلم (85)(2444).
(3)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 388).
- رضي الله عنها
(1)
لا كرب على أبيك بعد اليوم، وكانت نفسه مسرعة في اللحاق بكرامة الله تعالى وسعادة الأبد، وكان ذلك خيرا له من كونها في الدنيا، وبهذا أمر صلى الله عليه وسلم أمته حيث قال: فليقل اللهم توفني ما كانت الوفاة خيرا لي، انتهى. قاله الكرماني
(2)
. وقيل معنى ألحقني بالرفيق الأعلى، أي بالله تعالى، فقال الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة، وهو فعيل بمعنى فاعل. فقوله [صلى الله تعالى عليه وسلم:] الرفيق الأعلى، قال الخطابي
(3)
والصاحب المرافق وهو هنا بمعنى الرفقاء، يعني الملائكة والظاهر أنه معهود من قوله تعالى:{وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}
(4)
، أي أدخلني في جملة أهل الجنة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اهـ.
ففيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم خيّر بين الحياة والموت فاختار القدوم على ربه عز وجل. وعن عائشة رضي الله عنها
(5)
أنها لما سمعت ذلك قالت: إذا لا يختارنا.
ويروى أن عمر بن عبد العزيز لما حضرته الوفاة قال أجلسوني، فأجلسوه فقال
(6)
: أنا الذي أمرتني فقصّرت ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأبدّ النظر ثم قال إني لأرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قُبض رضي الله تعالى عنه.
(1)
صحيح البخاري (4462).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (20/ 201).
(3)
عمدة القاري (18/ 64).
(4)
سورة النساء، الآية:69.
(5)
صحيح البخاري (6348)، وصحيح مسلم (87 - 2444).
(6)
حلية الأولياء (5/ 335).
4860 -
وروي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما تزين الأبرار في الدنيا بمثل الزهد في الدنيا. رواه أبو يعلى
(1)
.
قوله: "وروي عن عمار بن ياسر"، ياسر ضد العاسر، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمانه من الشيطان، [وأمّه سمية جارية لأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي، وزوجها ياسر، فولدت له عامر فأعتقه أبو حذيفة فهو مولاه، قاله الكرماني
(2)
، والله تعالى أعلم] فهو عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس بن [الحصين العنسي] بالنون، الشامي الدمشقي كان من السابقين إلى الإسلام، وكان هو وأبوه وأمه سمية ممن أسلم أولا، وكان إسلام عمار وصهيب في وقت واحد، كان النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم، أسلم بعد بضعة وثلاثين رجلا وكان هو وأبوه وأمه يعذبون في الله عز وجل على إسلامهم ويمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. وقتل أبو جهل سمية رضي الله عنها فهي أول [قتيلة] في الإسلام [وأبوه ياسر أول مقتول في الإسلام]
(3)
، وقتل عمار بصفين مع علي بن أبي طالب في شهر ربيع الأول،
(1)
مسند أبي يعلى الموصلي (1617)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 286): رواه أبو يعلى، وفيه سليمان الشاذكوني، وهو متروك. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (236)، وضعيف الترغيب والترهيب (1870): موضوع.
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/ 75) انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 37).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
وقيل الآخر سنة سبع وثلاثين وهو ابن بضع وتسعين سنة، وأوصى أن يدفن بثيابه فدفنه علي بها ولم يغسله، وقال قبل أن يقتل ايتوني بشربة لبن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن، وفي الصحيحين
(1)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، الفئة الباغية هي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام، وأصل البغي مجاوزة الحد، وكان الصحابة يوم صفين يتبعونه حيث توجّه لعلمهم بأنه مع الفئة العادلة لهذا الحديث، واستعمله عمر على الكوفة، [وفي] حديث علي بن أبي طالب أنه قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن عمار فقال: مرحبا بالطيب المطيب، رواه أحمد
(2)
والحاكم
(3)
والترمذي
(4)
وزاد في الرواية الأخرى أنه ملئ إيمانا
(1)
صحيح البخاري (447 - 2812)، وصحيح مسلم (70)(2915) عن أبي سعيد الخدري.
(2)
أخرجه أحمد (1/ 99 - 100 و 125 - 126 و 130)، وفي الفضائل (1599)، والبخاري في الأدب المفرد (1031) وفي التاريخ الكبير (4/ 2/ 229)، وابن ماجه (416)، والبزار (739)(741)، وأبو يعلى (403)، (492 و 493)، والآجري في الشريعة (1972)، (1973)، والطبراني في الصغير (238)، والدارقطني في العلل (4/ 152)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 140 و 7/ 135)، والخطيب في التاريخ (1/ 151)، (6/ 155)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (5594)، والتعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (10/ 169) صحيح لغيره - المشكاة (6226)، الصحيحة (2/ 466)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 375/ 1898).
(3)
الحاكم (3/ 388) وقال: صحيح الإسناد.
(4)
الترمذي (3798) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
من قرنه إلى قدمه. ومعنى الطيب المطيب الطاهر المطهر لأنه مطهر من الشرك ومن الغلّ والحسد والأخلاق الذميمة. وقال الحاكم كان عمار وأبوه وأمه أهل بيت إسلام، وكان بنو المخزوم يعذبونهم [وأمّه سمية جارية لأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي وزوَّجها يسارا فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة فهو مولاه. قاله الكرماني
(1)
وغيره والله أعلم]
(2)
. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تزين الأبرار بمثل الزهد في الدنيا" الأبرار جمع بار وهو الذي يكثر بره ويتسع إحسانه ويتجنب العقوق والعصيان وتقدم الكلام على الزهد في الدنيا.
4861 -
وروي عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم من يزهد في الدنيا فادنوا منه، فإنه يلقى الحكمة. رواه أبو يعلى
(3)
.
قوله: "وعن عبد الله بن جعفر" هو ابن أبي طالب، تقدم الكلام على مناقبه. قوله:"إذا رأيتم من يزهد في الدنيا فادنوا منه"، الدنو القرب. قوله:"فإنّه يُلقَّن الحكمة" تقدم الكلام على الحكمة في كتاب العلم. وروي عن
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/ 75) انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 37).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية من هذا الموضع، وتقدمت قريبة عند ابتداء شرح الحديث.
(3)
مسند أبي يعلى الموصلي (6803). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 286): رواه أبو يعلى، وفيه عمر بن هارون البلخي، وهو متروك. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1871).
أبي ذر رضي الله عنه
(1)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زهد عبد في الدنيا إلا أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصّره عيب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام.
4862 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا أعلمه إلا رفعه قال: صلاح أول هذه الأمة بالزهادة واليقين، وهلاك آخرها بالبخل والأمل. رواه الطبراني
(2)
، وإسناده محتمل للتحسين، ومتنه غريب.
قوله: "وعن عبد الله بن عمر" تقدم الكلام على مناقبه، قوله:"لا أعلمه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم" ليس شكا في ذلك لأن لفظة العلم تنافي الشك بل جزم
(1)
أخرجه البيهقي في الشعب (10532 و 10533)، والديلمي - كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 277) قلت: هذا موضوع، بشير بن زاذان: ضعفه الدارقطني، ووصفه ابن الجوزي بالتدليس عن الضعفاء وقال ابن معين: ليس بشيء. قال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن حبان: شيخ من أهل الكوفة
…
غلب الوهم على حديثه حتى بطل. انظر: لسان الميزان (2/ 37)، ضعفاء العقيلي (1/ 144)، المجروحين (1/ 192)، الكامل (2/ 20). وقال البيهقي: وعمر بن صبح، ضعيف بمرة.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (7650)، وأخرجه أحمد في الزهد (ص 16)، وابن أبي الدنيا في اليقين (3)، وابن عدي (6/ 2139)، وابن بشران (536 و 907)، والبيهقي في الشعب (10046)، (10350)، (10351)، والخطيب في التاريخ (7/ 186)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (165)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 255): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عصمة بن المتوكل، وقد ضعفه غير واحد، ووثقه ابن حبان. وقال في (10/ 286): رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم. وحسنه لغيره الألباني في ضعيف الجامع (6746)، وصحيح الترغيب والترهيب (3339).
[برفعه] إلى النبي صلى الله عليه وسلم، اهـ. قوله:"صلاح أول هذه الأمة الزهادة" وفي نسخة: "بالزهد واليقين" تقدم الكلام على الزهد.
4863 -
وروي عن أنس رضي الله عنه يرفعه قال: ينادي مناد: دعوا الدنيا لأهلها، دعوا الدنيا لأهلها، دعوا الدنيا لأهلها. من أخذ من الدنيا أكثر مما يكفيه أخذ حتفه، وهو لا يشعر. رواه البزار
(1)
، وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه.
قوله: "وعن أنس" تقدم، وقوله:"ينادي مناد دعوا الدنيا لأهلها، دعوا الدنيا لأهلها" الحديث، قيل: دخل قوم إلى الحسن فشكوا الشيطان إليه، قال قد خرج من عندي الساعة وشكى منكم، وقال: قل لهم يتركوا دنياي حتى أترك لهم دينهم، اهـ. قوله:"من أخذ من الدنيا أكثر مما يكفيه أخذ حتفه وهو لا يشعر" الحديث، الحتف الموت، ولا يشعر أي لا يعلم.
4864 -
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير الذكر الخفي. وخير الرزق أو العيش ما يكفي، الشك من ابن
(1)
البزار = البحر الزخار (6444)، وقال: هذه الأحاديث لا نعلم تروى، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، عن أنس وعبد الله بن سليمان قد حدث بأحاديث لا يتابع عليها عن المقبري وعن غيره، ولا نعلم روي هذه الأحاديث عنه إلا هانيء بن المتوكل وإنما ذكرناها لأنا لا نحفظها من حديث غيره. وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1136) أخرجه البزار من حديث أنس وفيه هانئ بن المتوكل ضعفه ابن حبان. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 254) رواه البزار، وفيه هانئ بن المتوكل، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2980)، والضعيفة (1691)، (3599)، وضعيف الترغيب والترهيب (1872)، وضعيف الجامع الصغير (2980).
وهب. رواه أبو عوانة
(1)
وابن حبان في صحيحيهما
(2)
والبيهقي
(3)
.
قوله: "وعن سعد بن أبي وقاص" تقدم. قوله: "خير الذكر الخفي" الحديث، تقدم الكلام عليه في كتاب الذكر والدعاء.
4865 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء. رواه مسلم
(4)
والنسائي
(5)
. وزاد: فما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
(1)
أبو عوانة في الرقاق كما في إتحاف المهرة (5/ 122/ 5038)، وأخرجه وكيع في الزهد (118 و 339) ابن أبي شيبة في المصنف (29654 و 34366)، وأبو يعلى في مسنده (731)، وأحمد في المسند (1477)، (1478)، (1559)، (1623)، وفي الزهد (ص 16)، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث (2/ 845)، وأبو سعيد الأعرابي في الزهد وصفة الزاهدين (ص 91)، وعبد بن حميد في مسنده (137)، والشاشي في مسنده (183)، والطبراني في الدعاء (1883)، والدورقي في مسند سعد (74)، والقضاعي في مسنده (1220)، وقال الهيثمي في المجمع 10/ 81: رواه الإمام أحمد وأبو يعلى، وفيه: محمد بن عبد الرحمن بن لبية وقد وثقه ابن حبان وقال: روى عن سعد بن أبي وقاص. قلت: وضعفه ابن معين، وبقية رجالهما رجال الصحيح ا. هـ. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2887)، وضعيف الترغيب (1060)، (1873).
(2)
ابن حبان في صحيحه (183).
(3)
البيهقي في الشعب (550).
(4)
مسلم (2742).
(5)
النسائي في الكبرى (9224)، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب (3216).
قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم. قوله: "إن الدنيا خضرة حلوة" الحديث، ومعناه يحتمل أن المراد به شيئان أحدهما حسنها للنفوس ونضارتها ولذتها كالفاكهة الخضراء الحلوة، فإن النفوس تطلبها طلبا حثيثا فكذا الدنيا، والثاني سرعة فنائها كالفاكهة الخضراء فإنها سريعة الذهاب فشبه الدنيا بالشيء الأخضر في هذين الوصفين الدنيا في الحال حلوة خضرة وفي المآل مرة كدرة، [فنعمت] المرضعة وبئست الفاطمة، "شعر":
إنما الدنيا نهار ضوءُهُ ضوء مُعارُ
…
بينما عيشك غضٌّ ناعمٌ فيه اخضرارُ
إذ رمَاه زمَنَاهُ فإذا فيه اصفرارُ
…
وكذلك الليل يأتي ثم يمحوه النهارُ
الذي بشّر أمته بفتح الدنيا عليهم حذّرهم من الاغترار بزهرتها وخوفهم من خضرتها وحلاوتها وأخبرهم بخرابها وفنائها وأن بين أيديهم دارا لا تنقطع خضرتها وحلاوتها فمن وقف مع زهرة هذه العاجلة انقطع وهلك ومن لم يقف معها وسار إلى تلك وصل ونجا، قاله ابن رجب
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن الله مستخلفكم فيها"، الحديث، أي جعلكم خلفا من القرن الذي قبلكم فينظر هل تعملون بطاعته أم بمعصيته وشهواتكم وقيل معنى مستخلفكم فيها جاعلكم فيها أي جاعلكم خلفاء في الدنيا تملكونها وتتصرفون فيها وقيل استخلافهم فيها هو ما أورثهم الله منها مما كان في أيدي الأمم من قبلهم كفارس والروم وحذرهم من فتنة الدنيا وفتنة النساء خصوصا فإن النساء أول ما ذكره الله تعالى من شهوات الدنيا ومتاعها في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ
(1)
لطائف المعارف لابن رجب (ص: 310).
حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ}
(1)
الآية.
تنبيه: في بعض الأحاديث: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، هكذا في جميع النسخ، فاتقوا الدنيا ومعناه اجتنبوا الافتتان بها وبالنساء، ويدخلن في النساء الزوجات وغيرهن وأكثرهن فتنة الزوجات لدوام فتنتهن وابتلاء أكثر الناس بهن والله أعلم].
(2)
وفي الحديث تنبيه على التحذر من الدنيا ومن خداعها. قال معاوية رضي الله عنه
(3)
: أما أبو بكر الصديق فلم يرد الدنيا ولم ترده وأما عمر رضي الله عنه فقد أرادته ولم يُردها وأما عثمان فقد نالها ونالت منه وأما نحن فقد تمرغنا فيها ظهرا لبطن فلا أدري إلى ما يصير الأمر والله أعلم.
4866 -
وعن عمرة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقها بارك الله له فيها، ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة. رواه الطبراني
(4)
بإسناد حسن.
(1)
سورة آل عمران، الآية:14.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
تاريخ الطبري (3/ 267).
(4)
الطبراني في المعجم الكبير (24/ 340/ 850 - 851)، وأخرجه البخاري في الكبير (1/ 1/ 190)، وابن أبي عاصم في الزهد (154)، والقضاعي (1144)، والبيهقي في الشعب (9824)، وابن الأثير في أسد الغابة (6/ 200)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1608)، وانظر الصحيحة (1592).
قوله: "وعن عمرة بنت الحارث" بن أبي ضرار الخزاعي أخت أم المؤمنين جويرية.
قوله: "إن الدنيا خضرة حلوة" الحديث، خضرة أي غضة ناعمة طرية، أراد صورة الدنيا ومتاعها حسن المنظر يعجب الناظر وقيل الدنيا حلوة خضرة أي الدنيا حلوة خضرة في ظاهر البصر، مرّة خبيثة في باطن البصيرة، فهي كالحية، مسّها ليّن وسمها قاتل. قوله:"فمن أخذها بحقها بورك له فيها" الحديث، ثم ضرب مثل المال ومثل من يأخذه بحقه ويصرفه في حقه، ومن يأخذه من غير حقه ويصرفه في غير حقه، فالمال في حق الأول خير وفي حق الثاني شر، فتبين بهذا أن المال ليس بخير مطلق بل هو خير مقيد، فإن استعان به المؤمن على ما ينفعه في آخرته كان خيرا له وإلا كان شرًّا له. قوله صلى الله عليه وسلم:"ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة" الحديث، [ومال الله بيت المال والزكاة والغنيمة والفيء]
(1)
. وأصل الخوض المشي في الماء وتحريكه ثم يستعمل في التلبس بالأمر والتصرف فيه والتخوض بفعل منه أي رب متصرف في مال الله تعالى بما لا يرضاه. وقيل هو [التخليط]
(2)
في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن، وفي حديث آخر يتخوضون في مال الله، والمراد بمال الله ورسوله الأموال التي يجب على ولاة الأمور حفظها
(1)
حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله: (قوله: (ورب متخوّض فيما اشتهت نفسه، وموضعها في الأصل هو الأصوب.
(2)
هكذا هذه العبارة في الأصل ولعله الصواب، وفي النسخة الهندية:(التمليط).
وصرفها في طاعة الله ورسوله من أموال الفيء والغنائم ويتبع ذلك مال الخراج والجزية، وكذلك أموال الصدقات التي تصرف للفقراء والمساكين كمال الزكاة والوقف ونحو ذلك؛ وفي هذا تنبيه على أن من يخوض من الدنيا في الأموال المحرم أكلها كمال الربا ومال الأيتام والذي من أكله أكل نارا أو المغصوب والسرقة والغش في البيوع والخداع والمكر وجحد الأمانات والدّعاوى الباطلة ونحوها من الحيل المحرّمة أولى أن يتخوض صاحبها في نار جهنم غدا، فكل هذه الأموال وما أشبهها يتوسع بها أهلها في الدنيا ويتلذذون بها ويتوصلون بها إلى لذات الدنيا وشهواتها ثم ينقلب ذلك بعد موتهم فيصير جمرا من جمر جهنم في بطونهم فما تفي لذتها بتبعتها كما قيل:
تفنى اللذاذة [ممن] نال لذتها
…
من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبّتها
…
لا خير في لذة من بعدها النار
قاله ابن رجب
(1)
.
4867 -
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الدنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقها بارك الله له فيها، ورب متخوض فيما اشتهت نفسه ليس له يوم القيامة إلا النار. رواه الطبراني في الكبير
(2)
. ورواته ثقات.
(1)
لطائف المعارف لابن رجب (ص: 309).
(2)
المعجم الكبير للطبراني (13، 14/ 417/ 14257)، وفي (19/ 350/ 816)، وأخرجه في المعجم الأوسط (8359)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 99)، وقال: رواه =
قوله: "عن عبد الله بن عمرو" تقدم، قوله صلى الله عليه وسلم:"الدنيا خضرة حلوة" الحديث، وخضرتها بهجة منظرها وحلاوتها طيب طعمها، فلذلك تشتهيها النفوس وتسارع إلى طلبها، وتقدم معنى ذلك مبسوطا في حديث أبي سعيد المتقدم. قوله:"ورب متخوّض فيما اشتهت نفسه"، وتقدم معنى التخوض في الحديث قبله مبسوطا.
4868 -
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينيه إلى زينة المترفين كان مهينا في ملكوت السموات، ومن صبر على القوت الشديد صبرا جميلا أسكنه الله من الفردوس حيث شاء. رواه الطبراني في الأوسط
(1)
والصغير
(2)
من رواية إسماعيل بن عمرو البجلي، وبقية رواته رواة الصحيح، ورواه الأصبهاني
(3)
إلا أنه قال: كان ممقوتا في ملكوت السموات، والباقي مثله.
= الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، وفي (10/ 246) وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3410)، وصحيح الترغيب والترهيب (3219).
(1)
المعجم الأوسط (7912).
(2)
المعجم الصغير (1071). وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (9271)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 288)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 248) رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي، وثقه ابن حبان، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1874).
(3)
الترغيب والترهيب لقوام السنة (1455).
قوله: "وعن البراء بن عازب"، البراء بالمد على المشهور، وقيل بالقصر وهو أبو عُمارة بضم العين ويقال: أبو [عمرو] ويقال: أبو الطفيل بن عازب بن الحارث الأنصاري الأوسي الحارثي المدني نزل الكوفة وتوفي بها في أيام مصعب بن الزبير وأبوه عازب بالعين المهملة وبالزاي صحابي أيضًا على الأشهر، قاله الكرماني
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قضى نهمته من الدنيا" والنهمة بفتح النون وإسكان الهاء أي شهوته ورغبته والنهمة بلوغ الهمة في الشيء. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن مدّ عينيه إلى زينة المترفين كان مهينا في ملكوت السماوات والأرض" الحديث. المترفين جمع مترف وهو المنهمك في طيبات الدنيا ولذاتها، وقيل المترفون هم المتنعمون المتوسعون في ملاذ الدنيا وشهواتها ومنه الحديث أن إبراهيم عليه السلام[فرّ به من جبار مترف] وملكوت السموات والأرض عبارة عن خلق السماوات والأرض.
قال مجاهد: ظهرت له السماوات إلى العرش حتى نظر إليها، وظهرت له الأرضون حتى نظر إليها.
قوله: "أسكن الله من الفردوس حيث شاء" الفردوس أعلى الجنة، وقوله في رواية الأصبهاني: كان ممقوتا في ملكوت السموات والأرض، المقت هو أشد البغض وتقدم معناه مرارا.
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 163).
4869 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يصيب عبد من الدنيا شيئا إلا نقص من درجاته عند الله، وإن كان عليه كريما. رواه ابن أبي الدنيا
(1)
، وإسناده جيد، وروي عن عائشة مرفوعا، والموقوف أصح.
قوله: "وعن ابن عمر" تقدم أنه عبد الله بن عمر حيث أطلق، وتقدم الكلام على مناقبه مبسوطا في أول حديث الغار من هذا التعليق، وتقدم الكلام على العبادلة منهم. قوله:"لا يصيب عبد من الدنيا شيئا إلا نقص من درجاته" الحديث، قال الفقيه أبو الليث السمرقندي من أصاب شيئا من الدنيا من حلال فلا يكون آثما في أخذه [وإن] تركه كان أنفع لآخرته، لهذا الحديث، وهو قوله:"من أصاب شيئا من الدنيا نقص من درجاته وإن كان على الله كريما".
تنبيه: في بعض الأحاديث: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، هكذا في جميع النسخ، فاتقوا الدنيا ومعناه اجتنبوا الافتتان بها وبالنساء، ويدخلن في النساء الزوجات وغيرهن وأكثرهن فتنة الزوجات لدوام فتنتهن وابتلاء أكثر الناس بهن والله أعلم.
4870 -
وروي عن ثوبان رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، ما يكفيني من الدنيا؟ قال ما سد جوعتك، ووارى عورتك، وإن كان لك بيت يظلك فذاك
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (327)، وفي الزهد (297)، وأخرجه ابن أبي شيبة (34628) وهناد في الزهد (557)، والبيهقي في شعب الإيمان (10194)، وقوام السنة في الترغيب والترهيب (1447)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3220).
وإن كانت لك دابة فبخ. رواه الطبراني في الأوسط
(1)
.
قوله: "وعن ثوبان" هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقدم الكلام عليه. قوله:"وإن كان لك دابة فبخ" الحديث، بخ كلمة تقال عند المدح والرضى بالشيء، وتكرر للمبالغة، وهي مبنية على السكون، فإن وصلت جررت ونونت فقلت بخ بخ، وربما شددت. وبخبخت الرجل، إذا قلت له ذلك. ومعناها تعظيم الأمر وتفخيمه. وقد كثر مجيئها في الحديث.
4871 -
وعن أبي عسيب رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فمر بي فدعاني فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر رحمه الله فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر رحمه الله فدعاه فخرج إليه، فانطلق حتى دخل حائطا لبعض الأنصار فقال لصاحب الحائط: أطعمنا، فجاء بعذق فوضعه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء بارد فشرب فقال: لتسألن عن هذا يوم القيامة. قال: فأخذ عمر رحمه الله العذق، فضرب به الأرض حتى تناثر البسر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا رسول الله إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: نعم إلا
(1)
المعجم الأوسط (9343)، وأخرجه ابن أبي عمر (المطالب العالية 13/ 665)، وابن عدي في الكامل (3/ 442)، (3/ 443)، (10/ 324)، والشجري في الأمالي (2/ 186)، والبيهقي في شعب الإيمان (9869: 9872)، وقال: قال أبو أحمد بن عدي: الهيثم بن عدي ضعيف جدا، وهذا لا يعرف إلا بالحسن بن عمارة، عن عدي بن ثابت، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 437): رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر والطبراني بسند ضعيف منقطع. وقال الألباني في الضعيفة (5351)، وضعيف الترغيب والترهيب (1273): ضعيف جدا.
من ثلاث: خرقة كف بها عورته، أو كسرة سد بها جوعته، أو جحر يدخل فيه من الحر والقر. رواه أحمد
(1)
، ورواته ثقات.
قوله: "وعن أبي عسيب"، أبو عسيب اسمه أحمر ووقع في الاستيعاب أحمر بن عسيب، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: "فانطلق حتى دخل حائطا" الحديث، الحائط هو البستان إذا كان [له] سياج دائر. قوله: فجاء بعذق، العذق بكسر العين العرجون بما فيه من الشماريخ، وهو العود الأصفر الذي فيه الشماريخ، والشمراخ الذي عليه البسر، وأما العذق بفتح العين هو النخلة. قوله:"لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة" سيأتي الكلام على هذا السؤال قريبا إن شاء الله تعالى.
4872 -
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء. رواه الترمذي
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد (20768) والحديث؛ أخرجه ابن أبي الدنيا في الجوع (272)، والطبري 24/ 608، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (468، 469)، والحاكم (4/ 312)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 61)، (2/ 28)، وفي معرفة الصحابة (6920)، وفي أخبار أصبهان (1/ 254)،، والطبراني في الكبير (1/ 91)، والبيهقي في شعب الإيمان (4281)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 183)، وابن الجوزي في العلل (2/ 313)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 267) رواه أحمد، ورجاله ثقات. وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3221): حسن.
(2)
الترمذي (2341)، وقال: هذا حديث صحيح والحديث؛ أخرجه الطيالسي (83)، وأحمد (440)، وعبد بن حميد (46)، والبزار (414)، والطبراني (147)، والضياء في =
والحاكم
(1)
وصححاه والبيهقي
(2)
، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شيء فضل عن ظل بيت، وكسر خبز، وثوب يواري عورة ابن آدم فليس لابن آدم فيه حق. قال الحسن. فقلت لحمران: ما يمنعك أن تأخذ؟ وكان يعجبه الجمال، يا أبا سعيد إن الدنيا تقاعدت بي.
[الجلف]: بكسر الجيم وسكون اللام بعدهما فاء: هو غليظ الخبز وخشنه، وقال النضر بن شميل: هو الخبز ليس معه إدام.
قوله: "وعن عثمان بن عفان" يجوز في عفان الصرف وعدمه وعثمان كنيته أبو عمرو ويقال أبو عبد الله ويقال أبو ليلى، وتقدم الكلام على مناقب عثمان مبسوطا. قوله: "ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يكنه وثوب
= المختارة (329)، وقال حنبل بن إسحاق: سألت أبا عبد الله، عن حريث بن السائب؟ قال: ما كان به بأس؛ إلا أنه روى حديثا منكرا، عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وليس هو عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني هذا الحديث. المنتخب من كتاب العلل للخلال (3).
وأخرجه العقيلي، في الضعفاء (2/ 116)، وقال: حريث بن السائب، عن الحسن، ولا يتابع على حديثه. وقال الدارقطني في العلل (265): كذا رواه حريث بن السائب، عن الحسن، عن حمران، عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووهم فيه. والصواب: عن الحسن، عن حمران، عن بعض أهل الكتاب. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحريث قد ضعفه الساجي، ثم ذكر كلام الدارقطني السابق، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4235)، والسلسلة الضعيفة (1063)، وضعيف الترغيب والترهيب (1876).
(1)
الحاكم (4/ 312) وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(2)
البيهقي، في شعب الإيمان (5768 و 5769 و 9882).
يواري عورته وجلف الخبز والماء"، أراد بالحق هنا ما لا يعيش بدونه، فينبغي للإنسان أن لا يضيع عمره في تحصيل المال إلا ما لا بد منه ولو ثوب يكسو به عورته وبيت يسكن فيه يقيه من الحر والبرد وجلف خبز، الحديث، فإن هذه الحاجات إذا لم تتيسر كان القلب منصرفا إلى تدبيرها ولا يتفرغ للعبادة. قال الحافظ: الجلف بكسر الجيم وسكون اللام بعدها فاء هو غليظ الخبز وخشنه، وقال النضر بن شميل هو الخبز ليس معه إدام. قاله المنذري في الأصل. وقال الترمذي
(1)
سمعت أبا داود سليمان بن مسلم البلخي يقول سمعت النضر بن شميل يقول: الجلف الخبز ليس معه إدام. وعن الحسن
(2)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لا يحاسب العبد بهنّ كسرة يشدّ بها صلبه، وثوب يواري عورته، وظل حصن يستظل به. وعن المطلب بن عبد الله قال
(3)
: لقد دخلت خير نساء العرب على سيد المرسلين أوّل العشاء عروسا وقامت آخر الليل تطحن، وهي أم سلمة رضي الله عنها.
فائدة: النضر بن شميل المذكور بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شُميل بضم الشين المعجمة المازني أبو الحسن البصري من تابع التابعين، الساكن بمرو. قال ابن المبارك: هو أحد الأحَدَين وهو إمام في العربية
(1)
سنن الترمذي (4/ 571).
(2)
مسند ابن الجعد (3208)، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (9883)، وقال: هكذا جاء مرسلا، وهو مرسل جيد في هذا المعنى، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2134).
(3)
الطبقات الكبرى (8/ 92)، والمنتخب من كتاب أزواج النبي (1/ 43)، والمستدرك (4/ 19).
والحديث، وهو أول من أظهر السنة بمَروْ وجميع خراسان، وكان أروى الناس عن شعبة، مات سنة ثلاث أو أربع ومائتين. [يروى] أنه دخل على المأمون ووقع بينهما محادثة مآلها إلى الفرق بين السداد بفتح السين الذي هو القصد في الدين وبكسرها الذي هو البلغة، فوصل إليه بهذا الحرف ثمانون ألف دينارا أنعاما والله أعلم، قاله الكرماني
(1)
. وهذه الحكاية مذكورة مبسوطة في كتاب الزكاة في باب السؤال. وقال في النهاية
(2)
: الجلف الخبز وحده لا أدم معه، وقيل الخبز الغليظ اليابس، ويروى بفتح اللام جمع جلفة وهي الكسرة من الخبز.
وقال الهروي: الجلف ههنا الظرف مثل الخرج والجوالق يريد ما يترك فيه الخبز، اهـ. وفي النهاية
(3)
أيضًا: جرف الخبز أي كسره، الواحدة جرفة بالراء، وهذا التقييد يدل على أن الرواية المأثورة بتسكين اللام. وقال يحيى بن معاذ الرازي للإنسان في ماله عند موته مصيبتان عظيمتان يؤخذ منه كله ويسأل عنه كله. اهـ.
4873 -
وعن أبي عبد الرحمن الجبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، وسأله رجل فقال: ألست من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال:
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (2/ 198).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 287).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 262).
فأنت من الأغنياء. قال: فإني لي خادما؟ قال: فأنت من الملوك. رواه مسلم
(1)
موقوفا.
قوله: "عن أبي عبد الرحمن البجلي" هو منسوب إلى بني [البجلى]
(2)
والمشهور في استعمال المحدثين ضم الباء منه والمشهور عند أهل العربية فتحها ومنهم من سكّنها والله أعلم. والحديث واضح، وتقدّم الكلام على الحديث الموقوف.
4874 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فوق الإزار، وظل الحائط، وحر الماء فضل يحاسب به العبد يوم القيامة، أو يسأل عنه. رواه البزار
(3)
، ورواته ثقات إلا ليث بن أبي سليم، وحديثه جيد في المتابعات.
قوله: "وعن ابن عباس تقدم" وحديثه واضح أيضًا.
قوله: "إلا ليث بن أبي سليم" فيه خلاف، وقد حدث عنه الناس وضعفه يحيى بن معين والنسائي.
(1)
صحيح مسلم (37)(2979).
(2)
هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(الجبل)، ولعله سبق قلم.
(3)
أخرجه البزار كما في كشف الأستار (3643)، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 100)، وقال: غريب من حديث يزيد. لم نكتبه إلا من حديث أبي حمزة عن ليث، وأبو حمزة هو السكري المروزي واسمه محمد بن ميمون، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 267) رواه البزار، وفيه ليث بن أبي سليم، وقد وثق على ضعف فيه، وبقية رجاله رجال الصحيح غير القاسم بن محمد بن يحيى المروزي، وهو ثقة. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5116)، وضعيف الترغيب والترهيب (1877).
وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، وقال مؤمل بن الفضل: سألت عيسى بن يونس عن ليث فقال: قد رأيته، وكان قد اختلط وكنت ربما مررت به ارتفاع النهار، وهو على المنارة يؤذن. وقال الدارقطني: كان صاحب سنة إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب، ووثقه ابن معين في رواية.
4875 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصح لك جسمك "6"، وأروك من الماء البارد. ورواه ابن حبان في صحيحه
(1)
والحاكم
(2)
، وقال: صحيح الإسناد.
قوله: "عن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة يقال له ألم أصح لك جسمك وأروك الماء البارد" الحديث. قال ابن
(1)
صحيح ابن حبان (7364). وأخرجه ابن الجنيد في سؤالات ابن معين (ص 200 و 310) والعباس الدوري في التاريخ (2/ 729 و 3/ 19)، والترمذي (3358)، وابن أبي عاصم في الأوائل (85 و 154)، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد (ص 40)، والطبري في تفسيره (30/ 288)، والخرائطي في الشكر (54)، والدينوري في المجالسة (75 و 3018) والطبراني في الأوسط (62)، وفي مسند الشاميين (779)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (566)، وابن بشران (34 و 997)، والبيهقي في الشعب (4287)، والخطيب في التاريخ (7/ 224 - 225 و 11/ 92 و 12/ 339)، والبغوي في شرح السنة (4120)، وفي التفسير (7/ 286)، وابن عساكر (7/ 66)، وعبد الغني المقدسي في ذكر النار (20 و 21)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
(2)
الحاكم (4/ 138)، وفي معرفة علوم الحديث (ص 187)، وقال: صحيح الإسناد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (539)، وصحيح الترغيب والترهيب (3223).
بطال
(1)
: قال المهلب والحكمة في شرب الماء البارد لاستلذاذه ببرودته ولا سيما في اليوم الحار.
وفي الحديث
(2)
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار وهو يحول الماء في حائطه فقال: إن كان عندك ماء بات في شن فاسقنا. قال عندي ماء بت في شن، فانطلق وانطلقنا معه إلى العريش فجلب لنا شاة على ماء بات في شن فشرب. رواه البخاري. [وكذلك] صب [له]
(3)
اللبن على الماء [ليقوى] برده فيجتمع برد اللبن مع برد الماء البائت. وفيه أنه لا بأس بطلب [الماء]
(4)
البارد في سموم الحرّ فإنها من جملة نعم الله تعالى كما [قاله] في أول الحديث: ألم أصح جسمك وأروك من الماء البارد، اهـ.
4876 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب، وإياك ومجالسة الأغنياء، ولا تستخلقي ثوبا حتى ترقعيه. رواه الترمذي
(5)
والحاكم
(6)
والبيهقي
(7)
من
(1)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 69).
(2)
صحيح البخاري (5621).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
أخرجه الترمذي (1780)، وفي العلل الكبير (544)، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح بن حسان، وسمعت محمدا، يعني البخاري، يقول: صالح بن حسان منكر الحديث، وصالح بن أبي حسان الذي روى عنه ابن أبي ذئب ثقة.
(6)
الحاكم (4/ 312)، وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (379)، وفي الزهد (95)، وابن السني في القناعة (54)، (55)، وابن عدي في الكامل (4/ 1370)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 139 - 140)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 89)، والبغوي في شرح السنة (3115)، وقال ابن الجوزي عقبه: هذا حديث لا يصح، قال يحيى بن معين: صالح بن حيان (كذا، والصواب: حسان) ليس حديثه بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وتعقبه السيوطي في اللآليء (2/ 323) بقوله: قلت: الحديث أخرجه الترمذي من طريقه، وهو ضعيف، لكن لم يتهم بكذب. وانظر علل الترمذي (1/ 294)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1288) وقال في الضعيفة (1294): ضعيف جدًا.
(7)
البيهقي في الشعب (5770)
طريقها وغيرها كلهم من رواية صالح بن حسان، وهو منكر الحديث عن عروة عنها، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وذكره رزين فزاد فيه:
قال عروة: فما كانت عائشة تستجد ثوبا حتى ترقع ثوبها وتنكسه، ولقد جاءها يومًا من عند معاوية ثمانون ألفًا، فما أمسى عندها درهم، قالت لها جاريتها: فهلا اشتريت لنا منه لحما بدرهم؟ قالت: لو ذكرتني لفعلت.
قوله: "وعن عائشة" تقدم الكلام عليها. قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "وإياك ومجالسة الأغنياء"، ومعنى قوله:"وإياك ومجالسة الأغنياء" هو نحو [ما روى] أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رآى من فُضل عليه في الخلق والرزق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل هو عليه [أجدر أن لا يزدري نعمة الله عليه]. قال أبو معاوية: رواه مسلم
(1)
[في آخر مائة] والترمذي في
= وقال البيهقي: تفرد به صالح بن حسان، وليس بالقوي.
(1)
صحيح مسلم (8)(2963).
الزهد
(1)
، وقال حديث صحيح. هذا حديث جامع لأنواع من الخير لأن الإنسان إذا رآى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه وهذا هو الموجود في غالب الناس.
وأما إذا نظر في أمر الدنيا إلى من هو دونه فيها ظهرت له نعمة الله تعالى فشكرها وتواضع حصل له الخير كله والله أعلم. ويروى عن عون بن عبد الله بن عتبة قال
(2)
: صحبت الأغنياء فلم أر أحدًا أكثر هما مني أرى دابة خيرا من دابتي وثوبا خيرا من ثوبي، وصحبت الفقراء فاسترحت، [انتهى]، قاله الترمذي. وعقّب [هذا] البغوي في شرح السنة بقوله: قال أنس
(3)
: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين قد رقع بين كتفيه برقاع ثلاث لبّد بعضها فوق بعض، وعن الحسن
(4)
قال خطب عمر وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة، اهـ. وتقدم أحاديث نحو هذا في كتاب اللباس والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تستخلقي ثوبا حتى ترقعيه" تستخلفي، روي بالقاف أي لا تعدينه خلقا، وروي بالفاء من استخلفه أي طلب له خلفا أي عوضا، والله
(1)
علقه عقب (1780) ووصله في (2513)، وقال: هذا حديث صحيح.
(2)
سنن الترمذي (4/ 245)، وحلية الأولياء (4/ 242)، وشرح السنة (14/ 295).
(3)
موطأ مالك (1638)، والطبقات الكبرى (3/ 327)، الزهد لأبي داود (ص 60).
(4)
الزهد لابن المبارك (964)، والطبقات الكبرى (3/ 328).
أعلم. قوله: "قال عروة فما كانت عائشة تستجد ثوبا حتى ترقع ثوبها وتنكسه" التنكيس عبارة عن كذا.
قوله: "ولقد جاءها يومًا من معاوية ثمانون ألفًا فما أمسى عندها درهم" الحديث. وقال عروة أيضًا: وبعث معاوية إلى عائشة بمائة ألف فما قامت من مجلسها حتى وزعتها، فدخل عليها الخادم فقال لو حبست علينا درهما نشتري به لحما، فقالت [هل] ذكرتِ قبل أن أفرقها، وكانت ترقع قميصا لها، وكان معاوية [رضي الله تعالى عنه] يلقى الحسين بن علي بن أبي طالب [رضي الله تعالى عن الثلاثة الأول] فيقول
(1)
: مرحبا بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأمر له بثلاثمائة ألف درهم ويلقى ابن الزبير فيقول: مرحبا بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر له بمائة ألف درهم.
تنبيه: معاوية هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي، أسلم في فتح مكة، أحد كتّاب الوحي، ولما بعث أبو بكر الجيش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد فلما مات يزيد استخلفه على عمله فأقره عمر ثم عثمان وكان فيها أيضًا زمان خلافة علي ثم سلم إليه الحسن الأمر حتى مات بدمشق سنة ستين، قاله الكرماني
(2)
.
4877 -
وعن أبي سفين عن أشياخه قال: قدم سعد على سلمان يعوده قال: فبكى، فقال سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو
(1)
الشريعة (5/ 2468).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (15/ 28).
عنك راض، وترد عليه الحوض، وتلقى أصحابك. فقال: ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا قال: لتكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب، وحولي هذه الأساود، قال: وإنما حوله إجانة وجفنة ومطهرة، فقال: يا سعد: اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند يديك إذا قسمت، وعند حكمك إذا حكمت. رواه الحاكم
(1)
وقال: صحيح الإسناد كذا قال: [قوله: وهذه الأساود حولي] قال أبو عبيد: أراد الشخوص من المتاع، وكل شخص سواد من إنسان أو متاع أو غيره.
قوله: "وعن أبي سفيان، قال: قدم سعد على سلمان يعوده، قال: فبكى، فقال سعد: وما يبكيك يا أبا عبد الله" فذكر الحديث إلى أن قال: "ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا [عهد إلينا عهدا] "[الحديث، المراد بقوله: "عهد إلينا عهدا"] أي أوصانا وصية عامة.
قوله: "قال لتكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب" الحديث، البلغة الكفاية، البلغة ما يتبلغ به من العيش، أي يكتفى به على قلّته. قاله الأصبهاني شارح الأربعين الودعانية. وقال صاحب المغيث
(2)
: أي حياة أحدكم.
(1)
أخرجه الحاكم (4/ 317)، وعنه البيهقي في الشعب (9910)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 68)، وابن أبي شيبة (34312)، وفي المسند (460)، وأحمد في الزهد (ص 221)، وهناد (1/ 316)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 195)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3224): حسن
(2)
المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/ 186).
قوله: "وحولي هذه الأساود"، قال أبو عبيد
(1)
: أراد الشخوص من المتاع، وكل شخص سواد من إنسان أو متاع أو غيره، اهـ. قاله الحافظ. وقال ابن الأثير في النهاية
(2)
يريد الشخوص من المتاع الذي كان عنده وكل شخص من إنسان أو غيره سواد ويجوز أن يريد الحيات جمع أسود شبهها بها [لاستضرارها] بمكانها. وفيه أي الحديث: أنه قال لعمر انظر إلى هؤلاء الأساود حولك أي الجماعات المتفرقة، يقال مرّ بنا أساود من الناس واسوِدات [كأنها] جمع اسْوِدة واسودة جمع قلة لسواد وهو الشخص لأنه يرى من بعيد أسود، اهـ. والإجّانة التي يغسل فيها الثياب، ويقال لها القصرية، والإجانة شبه المخضب، وقد جاء في الحديث، فأتي بمخضب من حجارة وأجلسوني في مخضب. وفي الرواية الأخرى فصغر أن يبسط يده وهذا يدل أيضًا أنه قد يسمى به ما صغر من ذلك كالتور والقدح كما جاء في هذا الحديث نفسه، فأتي بقدح رحراح أي واسع، اهـ قاله عياض
(3)
. والجفنة معروفة والمطهرة بفتح الميم وكسرها هي الإناء الذي يتطهر به وقيل: بالكسر: الإناء، وبالفتح: المكان.
4878 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: اشتكى سلمان فعاده سعد فرآه يبكي فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ أليس قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليس، أليس؟
(1)
غريب الحديث لابن سلام (4/ 134).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 419).
(3)
مشارق الأنوار (1/ 243).
قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين ما أبكي ضنا على الدنيا، ولا كراهية الآخرة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا ما أراني إلا قد تعديت. قال: وما عهد إليك؟ قال عهد إلينا أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، ولا أراني إلا قد تعديت، وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت: وعند همك إذا هممت. رواه ابن ماجه
(1)
ورواته ثقات احتج بهم الشيخان إلا جعفر بن سليمان فاحتج به مسلم وحده.
[قال الحافظ]: وقد جاء في صحيح ابن حبان
(2)
أن مال سلمان رضي الله عنه جمع، فبلغ خمسة عشر درهما، وفي الطبراني
(3)
: أن متاع سلمان بيع، فبلغ أربعة عشر درهما، وسيأتي إن شاء الله.
قوله: "وعن أنس بن مالك" دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة المال والولد وقد استجاب الله دعاءه في حقه وأكثره ماله بحيث يحكى أنه كان له بستان
(1)
ابن ماجه (3328)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في المحتضرين (275)، والطبراني (6069)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 197)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (23/ 318 - 319)، وقال أبو حاتم الرازي: يقول سنان في هذا الحديث: عن جعفر، عن ثابت، أحسبه عن أنس، وقال مرة: عن ثابت، عن أبي عثمان، وخلط فيه، وهذا أشبه مرسلًا. علل الحديث (1912). وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 320): هذا إسناد فيه مقال؛ جعفر بن سليمان الضبعي أخرج له مسلم في صحيحه عن ثابت، عن أنس عدَّة أحاديث، ووثقه ابن معين. والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب (3225)، وفي الصحيحة (4/ 295).
(2)
رواه ابن حبان (706)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 3).
(3)
الطبراني (6/ 268/ 6182).
بالبصرة يثمر في كل سنة مرتين وأكثر ولده فكان يطوف بالبيت ومعه من ذريته أكثر من سبعين نفسا. قالت أم أنس الرميصاء بالراء والمهملة الأنصارية المشهورة بأم سليم [السالم رضي الله تعالى عنها][تصغير السلم]
(1)
: ادع لخادمك. وقد استجاب الله دعاءه فيه بحيث صار أكثر أصحابه مالا وولدا، كان يطوف بالبيت ومعه أكثر من سبعين نفسا من نسله، قاله الكرماني
(2)
. قوله: "اشتكى سلمان"[أي مرض، فعاده سعد فرآه يبكي، الحديث]
(3)
. سلمان هو الفارسي. رُوي عن ابن عباس
(4)
عن سلمان أنه قال: كنت من أصبهان من قرية يقال لها جثى بفتح الجيم وشدة الياء، وكان أبي دهقانها، وتقدم الكلام على مناقبه مبسوطا في غير ما موضع. قوله:"ما أبكي ظنا على الدنيا" أي بخلا بها. قوله: "عهد إلينا عهدا" العهد عبارة عن كذا قوله: "ما أراني إلا قد تعديت" أراني بضم الهمزة.
4879 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم. فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. رواه أحمد
(5)
في حديث تقدم، ورواته رواة الصحيح وابن حبان في صحيحه
(6)
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (22/ 149).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
الطبقات الكبرى (4/ 75)، تهذيب الأسماء (1/ 218 تهذيب الكمال ج 11 ص 247).
(5)
مسند أحمد (21721) وفي الزهد (ص 19).
(6)
صحيح ابن حبان (3329).
والحاكم
(1)
، وقال: صحيح الإسناد.
4880 -
وروى الطبراني
(2)
من حديث فضالة عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. يا أيها الناس إنما هما نجدان نجد خير ونجد شر، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير؟
[النجد] هنا: الطريق، ومنه قوله تعالى: وهديناه النجدين: أي الطريقين: طريق الخير، وطريق الشر.
قوله: "وعن أبي الدرداء" تقدم. قوله: "ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان" الحديث، تقدم الكلام عليه في الإنفاق في وجوه الخير.
(1)
المستدرك (2/ 482)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأخرجه الطيالسي (979)، وابن أبي شيبة في المسند (36)، وعبد بن حميد (207)، والطبري في تهذيب الآثار - مسند ابن عباس (443)، (444)، وفي التفسير (15/ 60) وابن السني في القناعة (22) و (23) و (24)، والطبراني في معجمه الأوسط (2891)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (311)، وابن بشران في الفوائد (552)، وأبو نعيم في الحلية 1/ 226، والقضاعي في مسند الشهاب (810)، والبيهقي في شعب الإيمان (3139، 9888)، والبغوي في شرح السنة (4045)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (543 و 2075)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (443)، (920)، والتعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (5/ 232/ 3319)، وتخريج فقه السيرة (446)، وصحيح الترغيب والترهيب (1706).
(2)
المعجم الكبير (8/ 262/ 8020).
4881 -
وعن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طوبى لمن هدي للإسلام، وكان عيشه كفافا وقنع. رواه الترمذي
(1)
، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم
(2)
، وقال: صحيح على شرط مسلم.
قوله: "وعن فضالة بن عبيد" كذا.
قوله: "طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع" الحديث، أي ما أطيب عيشه دنيا وأخرى، ولا مرغب في الكفاف كهذا، وإياك والفضول، إياك {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ [وَلَا] أَوْلَادُهُمْ}
(3)
الآية، والكفاف الذي ليس فيه فضل عن الكفاية. وروى أبو الشيخ ابن حيّان في كتاب الثواب عن سعيد بن عبد العزيز أنه سئل ما الكفاف من الرزق؟ فقال: شبع يوم وجوع يوم، اهـ. قاله المنذري. وقال بعض العلماء: الكفاف ما يكف عن الحاجات ويدفع
(1)
الترمذي (2349)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (553) ومن طريقه النسائي في الكبرى (11363)، والقضاعي في مسنده (616، 617)، وابن حبان (694، 705) وأحمد (6/ 19) وفي الزهد (ص 14) وابن السني في القناعة (7 و 8)، والطبراني في الكبير (18/ 305/ 786)، (18/ 306/ 787)، وابن السني في القناعة (6) وابن شاهين في الترغيب (304)، والبيهقي في القضاء والقدر (319)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1142)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1138). (3931)، وفي السلسلة الصحيحة (1506)، وصحيح الترغيب والترهيب (830).
(2)
الحاكم (1/ 34 - 35)، (4/ 122) وقال الحاكم في الموضع الأول: صحيح على شرط مسلم وقال في الموضع الثاني: صحيح الإسناد.
(3)
سورة التوبة، الآية:55.
الضرورات والفاقات ولا يلحق بأهل الترفّهات، ومعنى هذا الحديث أن من فعل تلك الأمور واتصف بها فقد حصل على مطلوبه [وظفر] بمرغوبه في الدنيا والآخرة. قاله القرطبي
(1)
. ففيه تعريف من حصل له ذلك، فما أعظم ذلك من نعمة سعادة الدين بإسلامه والدنيا بكفاية المئونة [وإراحة] القناعة لباله وما أجمع قوله:"قد أفلح".
4882 -
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم
(2)
والترمذي
(3)
وابن ماجه
(4)
.
[الكفاف] الذي ليس فيه فضل عن الكفاية.
قوله: "وعن عبد الله بن عمرو" تقدم. قوله: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه" الحديث. الفلاح الفوز والبقاء، ففيه فضيلة هذه الأوصاف، وقد يحتج به لمذهب من يقول الكفاف أفضل من الفقر ومن الغنا، وقد تقدم أن هذا مذهب أبي علي الدقاق شيخ القشيري. وقال بعضهم الكفاف حالة متوسطة بين الغنا والفقر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: خير الأمور أوسطها
(5)
وهو حالة سليمة من آفات الغنا المطغي وآفات الفقر المدقع التي
(1)
فتح الباري (11/ 275).
(2)
أخرجه مسلم (1054).
(3)
الترمذي (2348)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (829).
(4)
ابن ماجه (4138).
(5)
أخرجه أبو نعيم في الصحابة (7296)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة =
كان يتعوذ منها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت أفضل منهما، ثم إن صاحب الكفاف حالته حالة الفقر إذ لا يترفه في طيبات الدنيا ولا في زهرتها، فكانت حالته إلى الفقر أقرب، فقد حصل له ما حصل للفقراء من الثواب على الصبر وكفي مرارته ومأثمه، وعلى هذا فأهل الكفاف هم أهل العفاف إن شاء الله صدر [كنية] الفقراء الداخلين الجنة قبل الأغنياء بخمس مائة عام لأنهم وسطهم والوسط العدل كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}
(1)
أي عدلا خيارا وليسوا من الأغنياء كما ذكرنا، ذكره الإمام القرطبي في التذكرة
(2)
. [وهذا يدل على زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وعلى تقلله منها]
(3)
. وحجة [من] قال أن الكفاف أفضل من الفقر والغنا. و [قد] ذكر في الإحياء
(4)
هذا الحديث الذي نحن فيه ثم عقبه بقوله: وقال عليه السلام
(5)
يا معشر الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا، ثم ذكر أن النبي
= (3940): موضوع والموقوف أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (7/ 142) قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت قال قال مطرف خير الأمور أوساطه.
(1)
سورة البقرة، الآية:143.
(2)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 979).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
إحياء علوم الدين (4/ 199).
(5)
قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1552) رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة، وهو ضعيف جدا، فيه أحمد ابن الحسن بن أبان المصري متهم بالكذب ووضع الحديث. قال ابن السبكي:(6/ 368) لم أجد له إسنادًا.
- صلى الله عليه وسلم قال
(1)
: يقول الله تعالى يوم القيامة: أين صفوتي من خلقي؟ فيقول الملائكة: من هم يا ربنا؟ فيقول: فقراء المسلمين القانعون بعطائي، [أي]
(2)
الراضون بقدري، ادخلوا الجنة، فيدخلونها فيأكلون ويشربون والناس في الحساب يترددون. ثم قال: وهذا في القانع الراضي، ثم قال قال: ولا يخفى أن القناعة مضادّة للطمع، وقد قال [عمر رضي الله تعالى عنه:
(3)
إنّ] الطمع فقر واليأس غنى وإنه [من] يئس عما في أيدي الناس وقنع بما في يده، استغنى عنهم. وقال ابن مسعود
(4)
: ما من يوم إلا وملك ينادي من تحت العرش يا ابن آدم قليل يكفيك خير من كثير يطغيك. وقيل لبعض الحكماء: ما الغنا؟ قال: قلة تمنيك ورضاك بما يكفيك. وقيل: كان إبراهيم ابن أدهم من أهل النعم بخراسان فبينما هو مشرف من قصر له ذات يوم إذ نظر إلى رجل في فناء القصر وبيده رغيف يأكله، فلما أكله نام، فقال إبراهيم لبعض غلمانه: إذا قام من نومه جئتني به، فلما قام جاء به، فقال له إبراهيم: أيّها الرجل أكلت الرغيف وأنت جائع. قال نعم. قال فشبعت. قال نعم. قال ثم نمت طيبا. قال: نعم. فقال إبراهيم في نفسه: فما أصنع أنا بالدنيا والنفس تقنع بهذا
(1)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 975) قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1552) رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس. قال ابن السبكي: (6/ 368) لم أجد له إسنادًا.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
الزهد لابن المبارك (631)، الزهد لوكيع (1/ 203).
(4)
إحياء علوم الدين (3/ 239).
القدر. ومرّ رجل بعامر بن قيس وهو يأكل بقلا بملح، فقال له: يا عبد الله أرضيت من الدنيا بهذا. فقال: ألا أدلك على من رضي بدون هذا؟ قال: بلى. قال: من رضي بالدنيا عوضا عن الآخرة. وكان محمد بن واسع يخرج خبزا يابسا فيبله بالماء ويأكله بالملح ويقول: من رضي من الدنيا بهذا لم يحتج إلى أحد. قال: [ويروى] في بعض كتب الله المنزلة: يا ابن آدم لو كانت الدنيا كلها لك لم يكن منها إلا القوت، فإذا أنا أعطيتك منها القوت وجعلت حسابها على غيرك فأنا إليك محسن، وقيل في القناعة:
اضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس
…
واقنع بيأس فإن العزّ في الياس
واستغن عن كل ذي قربى وذي رحم
…
إن الغني من استغنى عن الناس
[لكان أكثر من المعتاد وإسرافا في حق من لم يكن بتلك المنزلة من التوكل وذوق الطاعة، ولذلك يختلفون الناس في كثرة العيال وقلته فقوت كل أحد يتعلق بقدر عياله، اهـ والله أعلم].
4883 -
وروى أَبُو الشَّيْخ ابْن حيان فِي كتاب الثَّوَاب عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز أَنه سُئِلَ مَا الكفاف من الرزق قَالَ شبع يَوْم وجوع يَوْم
(1)
.
4884 -
وعن نقادة الأسدي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل يستمنحه ناقة، فرده، ثم بعثني إلى رجل آخر يستمنحه، فأرسل إليه بناقة، فلما أبصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك فيها وفيمن بعث بها. قال نقادة: فقلت
(1)
أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي (846)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 126)، والبيهقي في الزهد (405).
لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وفيمن جاء بها؟ قال: وفيمن جاء بها، ثم أمر بها فحلبت فدرت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أكثر مال فلان للمانع الأول، واجعل رزق فلان يومًا بيوم للذي بعث بالناقة. رواه ابن ماجه
(1)
بإسناد حسن.
قوله: "وعن نقادة الأسدي"، ونقادة هو ابن عبد الله بن خلف الأسدي له صحبة، عداده في أهل الحجاز، سكن البادي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث الواحد، خرّج ابن أبي الدنيا
(2)
من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم من أحبني فارزقه العفاف والكفاف، ومن أبغضني فأكثر ماله وولده. قوله:"بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يستمنحه ناقة فرده" الحديث،
(1)
سنن ابن ماجه 4134 والحديث؛ أخرجه الطيالسي (1347)، وابن أبي شيبة في المسند (640)، وأحمد (20735)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 126 - 127)، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 166، 167)، وابن أبي عاصم، في الآحاد والمثاني (1061)، والروياني (1462)، والطبراني في الدعاء (2014)، والبيهقي في شعب الإيمان (9962)، وابن الأثير في أسد الغابة (5/ 355 - 356)، والمزي في تهذيب الكمال (4/ 42)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 222): ليس لنقادة عند ابن ماجه سوى هذا الحديث وليس له رواية في شيء من الخمسة الأصول وإسناد حديثه فيه مقال البراء ذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي مجهول وباقي رجال الإسناد ثقات. وقال في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 440) رواه أبو داود الطيالسي بإسناد حسن. وضعفه الألباني في الضعيفة (4868)، وضعيف الترغيب والترهيب (1880).
(2)
الدينوري في المجالسة (2980)، والبيهقي في شعب الإيمان (1400)، وقال: عبد الله بن سعيد المقبري غير قوي في الحديث، وأخرجه ابن شاهين الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك (312)، وقوام السنة في الترغيب والترهيب (2350).
المنحة هي أن يعطى الرجل الرجل ناقة أو شاة ليأكل لبنها أو ينتفع بصوفها ثم يردها إليه، أو أرضا ليزرعها أو ما أشبه ذلك.
4885 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا. وفي رواية: كفافا. رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
والترمذي
(3)
وابن ماجه
(4)
.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام عليه. قوله: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا" الحديث، أي بقدر الحاجة، قال أهل اللغة والغريب معنى قوتا، أي كفايتهم من غير إسراف، وهذا هو الظاهر وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى كفافا وقيل ما يسد الرمق من الطعام، اهـ. أي ما يسمك رمق الإنسان وهو [البلغة من العيش، القيقة] وهو [البلغة] من العيش. وقال بعض العلماء: معنى قوله: قوتا، أي ما يقوتهم ويكفيهم بحيث لا يشوشهم الجهد ولا ترهقهم الفاقة ولا تذلهم المسكنة [ولا] الحاجة ولا يكون أيضًا في ذلك فضول يخرج إلى الترف والتبسط في الدنيا والركون إليها وهذا يدل على زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وعلى تقلله منها والاقتصار على القوت منها والدعاء بذلك وهو عليه الصلاة والسلام لا يسأل إلا أفضل الأحوال وأسنى
(1)
صحيح البخاري (6460).
(2)
صحيح مسلم (126)(1055).
(3)
سنن الترمذي (2361)، وقال هذا حديث حسن صحيح.
(4)
سنن ابن ماجه (4139).
المقامات والأعمال. شعر:
خذ من الرزق ما كفى
…
ومن العيش ما صفا
كل هذا سينقضي
…
كسراج إذا انطفا
[و] قد علم بهذا الحديث أن القوت لا بد منه والأقل منه مذموم عند بعض الناس والأكثر منه أيضًا مذموم عند الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم بيّن ما هو [الأصلح] للعوام والخواص، فهذا الحديث يدخل فيه جميع الناس لأن القوت عبارة عما يحتاج إليه الإنسان والناس يختلفون في القوت فبعضهم اعتاد الأكل في [كل] عشرة أيام يومًا ومنهم من اعتاد فوق ذلك فإذا بلغ الرجل الوقت الذي كان يعتاد فيه الأكل وعلم أنه لو لم يأكل للحقه ضرر فقوته يدفع عن نفسه الضرر في ذلك الوقت، فإن طلب ذلك الشخص [أكثر]
(1)
مما كان يعتاده من القوت لكان طلبه أكثر من المعتاد إسرافا في حق من لم يكن بتلك المنزلة من التوكل وذوق الطاعة، ولذلك يختلفون الناس في كثرة العيال وقلته فقوت كل أحد يتعلق بقدر عياله، اهـ والله أعلم.
4886 -
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من غني ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا. رواه ابن ماجه
(2)
.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
أخرجه ابن ماجه (4140) وأخرجه وكيع في الزهد (117)، وأحمد (12163)، وعبد بن حميد (1235)، وهناد في الزهد (599)، وأبو يعلى (3713) و (4339)، (4341)،، وابن حبان في المجروحين (3/ 56)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 69 - 70) والبيهقي في شعب الإيمان (10378)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 131)، وقال ابن حجر في =
قوله: "وعن أنس بن مالك"، تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم:"ما من غني ولا فقير إلا ودّ يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا" أي تمنى والقوت القدر الذي يمسك الرمق من الطعام، وتقدم الكلام على القوت مبسوطا في الأحاديث قبله.
4886 -
وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من غَنِي وَلا فَقير إِلَّا ود يَوْم الْقِيَامَة أَنه أُوتِيَ من الدُّنْيَا قوتا رَوَاهُ ابْن مَاجَه
(1)
.
4887 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يتبع الْمَيِّت ثَلَاث أَهله وَمَاله وَعَمله فَيرجع اثْنَان وَيبقى وَاحِد يرجع أَهله وَمَاله وَيبقى عمله رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.
(2)
4888 -
وَعَن النُّعْمَان بن بشير رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من عبد وَلا أمة إِلَّا وَله ثَلَاث أخلاء فخليل يَقُول أَنا مَعَك فَخذ مَا شِئْت ودع مَا شِئْت فَذَلِك مَاله وخليل يَقُول أَنا مَعَك فَإِذا أتيت بَاب الْملك تركتك فَذَلِك خدمه وَأَهله وخليل يَقُول أَنا مَعَك حَيْثُ دخلت وَحَيْثُ خرجت فَذَلِك عمله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بأسانيد أَحدهَا صَحِيح وَرَوَاهُ فِي الْأَوْسَط وَلَفظه قَالَ
= فتح الباري (11/ 275): نفيع وهو ضعيف. وأخرجه ابن عدي، في الكامل 8/ 329، في ترجمة نفيع، وقال: سمعت ابن حماد يقول: قال السعدي: نفيع أبو داود كذاب، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (4869)، وضعيف الترغيب والترهيب (1881): ضعيف جدًا.
(1)
أخرجه ابن ماجه (4140). وضعفه الألباني جدا الضعيفة (4474 و 4869) وضعيف الترغيب (1881).
(2)
أخرجه البخاري (6514) ومسلم (5 - 2960).
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل الرجل وَمثل الْمَوْت كَمثل رجل لَهُ ثَلاثة أخلاء فَقَالَ أحدهم هَذَا مَالِي فَخذ مِنْهُ مَا شِئْت وَأعْطِ مَا شِئْت ودع مَا شِئْت وَقَالَ الآخر أَنا مَعَك أخدمك فَإِذا مت تركتك وَقَالَ الآخر أَنا مَعَك أَدخل مَعَك وَأخرج مَعَك إِن مت وَإِن حييت فَأَما الَّذِي قَالَ هَذَا مَالِي فَخذ مِنْهُ مَا شِئْت ودع مَا شِئْت فَهُوَ مَاله وَالْآخر عشيرته وَالْآخر عمله يدْخل مَعَه وَيخرج مَعَه حَيْثُ كَانَ
(1)
4889 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مثل ابْن آدم وَمَاله وَأَهله وَعَمله كَرجل لَهُ ثَلَاثَة إخْوَة أَو ثَلَاثَة أَصْحَاب فَقَالَ أحدهم أَنا مَعَك حياتك فَإِذا مت فلست مِنْك وَلست مني وَقَالَ الآخر أَنا مَعَك فَإِذا بلغت تِلْكَ الشَّجَرَة فلست مِنْك وَلست مني وَقَالَ الآخر أَنا مَعَك حَيا وَمَيتًا. رَوَاهُ الْبَزَّار وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح
(2)
.
(1)
أخرجه البزار (3272)، والطبراني في الأوسط (7/ 244 رقم 7396)، والحاكم (1/ 74 - 75 و 1/ 372). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قال الهيثمي في المجمع 10/ 251 - 252: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورواه البزار بنحوه، وأحد أسانيده في الكبير رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (3231)
(2)
أخرجه البزار (8356)، وأبو الشيخ في أمثال الحديث (309)، والبيهقي في الشعب (13/ 85 رقم 9993). قال الهيثمي في المجمع 10/ 252: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح. وقال البوصيري في الإتحاف -خ- (3/ 89 ب) مختصر: سند صحيح. قلت: إسناده حسن، ابن عجلان هو محمَّد، قال الإمام الذهبي في المغني (2/ 613): هو حسن الحديث. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (3232).
4890 -
وعن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى ما سوى ذلك، فهو ذاهب، وتاركه للناس. رواه مسلم
(1)
.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "يقول العبد مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فاقتنى" أي أعطى ما يقتني الحديث هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة، فاقتنى بالتاء ومعناه ادخره لآخرته أي ادخر ثوابه، وفي بعض النسخ فأقنى بحذف التاء أي أرضى، قاله النووي في شرح مسلم
(2)
. قوله: "وما سوى ذلك" بمعنى غير، تقول هذا سوى زيد أي غيره، هذا إذا استعمل لغير الاستثناء، أما إذا استعمل فيه كان ظرفا بدليل وقوعه صلة الموصول في قولك جاء [من] الذي سواك أي مكانك، إذ هو كقولك جاءني الذي أمامك. قال أبو العتاهية
(3)
:
اسعد بمالك في الحياة فإنما
…
يبقى وراءك مصلح أو مفسد
فإذا تركت لمفسد لم يبقه
…
وأخو الصلاح قليله يتزيّد
فإن استطعت فكن لنفسك وارثا
…
إن المورث نفسه لمسدد
[ولمنصور الفقيه بيت:]
(4)
كل ما ليس للبر من أيدي باذِليه -
(1)
صحيح مسلم (4)(2959).
(2)
شرح النووي على مسلم (18/ 94).
(3)
تفسير القرطبي (2/ 74).
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
-- فهو للوارث والوزر على مكتَسِبيه.
4891 -
وعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ: ألهاكم التكاثر قال: يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت. رواه مسلم
(1)
والترمذي
(2)
والنسائي
(3)
، وتقدم أحاديث من هذا النوع في الصدقة وفي الإنفاق.
قوله: "وعن عبد الله بن الشخّير"[هو بشين وخاء معجمتين مكسورتين، والخاء فيه مشددة، الصحابي، هو أبو عبد الله بن الشّخير] بن عوف بن كعب بن وفدان بن الجريش وهو معاوية بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكعبي الجرسي البصري وهو والد مطرف ويزيد، روى له مسلم في صحيحه حديثين في ذكر جماعة من الصحابة المشهور بالكنا. قوله في الحديث:"أو تصدقت فأمضيت"، الحديث، معناه أي أنفذت فيه عطاءك ولم تتوقف فيه. قاله في النهاية
(4)
.
4892 -
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق، والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت: فتناوله بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن هذا بدرهم؟
(1)
صحيح مسلم (3)(2958).
(2)
سنن الترمذي (2342 - 3354)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
سنن النسائي (6/ 238).
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 339).
فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيا لكان عيبا فيه لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال: والله للدنيا أهون على الله عز وجل من هذا عليكم. رواه مسلم
(1)
.
قوله: "وعن جابر"، هو ابن عبد الله، تقدم. قوله:"أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بالسوق كنفتيه" أي جانبيه. قاله المنذري. وفي بعض النسخ: كنفيه، و معناه جانبه، ذكره النووي. قوله:"فمرّ بجدي أسك ميّت فتناوله بأذنه" الحديث. الأسك ضبطه الحافظ وفسره فقال هو الصغير الأذن، اهـ. وقال بعضهم الأذنين الضيق [صماخيهما]، وقيل هو الذي لا يسمع.
وقال ابن الأثير
(2)
أسك أي مصطلم الأذنين مقطوعهما. وقال ابن الأثير في موضع آخر
(3)
: أصك ميت، بالصاد، الصكك أن تضرب إحدى الركبتين الأخرى [عند] العدو فيؤثر فيهما أثرا كأنه لما رآه ميتا قد تقلصت ركبتاه وصفه بذلك أو كان شعر ركبتيه قد ذهب من الاصطكاك وانجرد فعرفه به. ويروى بالسين وتقدم، اهـ. قوله:"فقال والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم" الدنيا وزنها فُعلى وألفها للتأنيث وهي من الدنو بمعنى القرب، وهي صفة لموصوف محذوف كما قال تعالى:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
(4)
، غير أنه قد [أُكثِر] استعماله استعمال الأسماء، فاستغنى عن
(1)
صحيح مسلم (2)(2957).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 384).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 42).
(4)
سورة آل عمران، الآية:185.
[وصفها] كما جاء في الحديث، والمراد الدار الدنيا التي تقابلها الدار الأخرى أو الحياة الأخرى، ومعنى هوان الدنيا على الله سبحانه وتعالى أنه لم يجعلها مقصودة لنفسها بل جعلها طريقة موصلة إلى ما هو المقصود لنفسه وأنه لم يجعلها دار إقامة ولا جزاء وإنما جعلها دار رحلة وبلاء وأنه ملّكها في الغالب الكفرة والجهال وحماها الأنبياء والأولياء والأبدال. وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى [كافرا منها شربة] ماء وحسبك بها هوانا أن الله تعالى [قد] صغرها وحقرها وذمّها وأبغضها وأبغض أهلها ومحبيها ولم يرض لعاقل فيها إلا بالتزود منها والتأهب للارتحال عنها، اهـ. ويكفيك من ذلك ما رواه أبو عيسى الترمذي
(1)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم. وقال حديث حسن غريب.
4893 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة قد ألقاها أهلها فقال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها. رواه أحمد
(2)
بإسناد لا بأس به.
(1)
سنن الترمذي (2322)، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال الألباني: حسن.
(2)
أحمد في المسند (3047)، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (16236)، وابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (3)، وابن أبي عاصم في الزهد (60)، (132)، والبزار (3691 - كشف الأستار)، وأبو يعلى (2593)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 189) قال الإمام أحمد: هو عندي خطأ المنتخب لابن قدامة من العلل للخلال (4).
وقال أبو حاتم وأبو زرعة في العلل على هذا الحديث (1897) مثل ما قال الإمام أحمد - =
قوله: "وعن ابن عباس" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها" تقدم معنى هوانها على الله تعالى في الحديث قبله.
4894 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بدمنة قوم فيها سخلة ميتة فقال: ما لأهلها فيها حاجة؟ قالوا: يا رسول الله لو كان لأهلها فيها حاجة ما نبذوها، فقال: والله للدنيا أهون على الله من هذه السخلة على أهلها فلا ألفينها أهلكت أحدًا منكم. رواه البزار
(1)
والطبراني في
= يعني: إنه خطأ - وقالا: إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال: ما على أهل هذِه لو انتفعوا بإهابها فقلت لهم - أي: ابن أبي حاتم - الوهم ممن هو؟ قالا: من القرقساني.
وقال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن الأوزاعي إلا محمد بن مصعب، ولا نعلم أحدًا تابعه عليه. كشف الأستار (3691). وقال أبو نعيم في الحلية (2/ 189) غريب من حديث الأوزاعي عن الزهري، وقال الهيثمي (10/ 287): رواه أحمد، وأبو يعلى والبزار وفيه محمد بن مصعب وقد وثق على ضعفه وبقية رجالهم رجال الصحيح.
وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 427): رواه أبو يعلى الموصلي وأحمد بن حنبل بإسناد حسن وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2482)، وصحيح الترغيب والترهيب (3236)
(1)
مسند البزار= البحر الزخار (4113)، وقال: وهذا الحديث قد روي نحو كلامه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه وأعلى من يروى ذلك عنه أبو الدرداء بهذا الإسناد وإسناده صحيح من حديث أهل الشام وفي حديث أبي الدرداء زيادة على سائر الأحاديث: فلا ألفينها أهلكت أحدًا منكم. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 287) رواه البزار، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3237)، وفي الصحيحة =
[الكبير]
(1)
من حديث ابن عمر بنحوه، ورواتهما ثقات، ورواه أحمد
(2)
من حديث أبي هريرة ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسخلة جرباء قد أخرجها أهلها، فقال: أترون هذه هينة على أهلها؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها.
4895 -
وفي رواية للطبراني
(3)
من حديث ابن عمر أيضًا نحوه، وزاد فيه: ولو كانت تعدل عند الله مثقال حبة من خردل لم يعطها إلا لأوليائه وأحبابه من خلقه.
[الدمنة] بكسر الدال: هي مجتمع الدمن، وهو السرجين الملبد بعضه على بعض [والسخلة] الأنثى من ولد الضأن.
[وقوله: فلا ألفينها] بالفاء وتشديد النون: أي فلا أجدنها.
قوله: "وعن أبي الدرداء" تقدم. قوله: "مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بدمنة قوم فيها سخلة ميتة" الحديث، الدمنة، هي مجتمع الدمن وهو السرجين الملبّد
= (3392).
(1)
المعجم الكبير للطبراني (12/ 348/ 13310)، وفي المعجم الأوسط (2913)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 287): هكذا رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورجاله ثقات.
(2)
أحمد (8464)، والدارمي (2779)، وهناد في الزهد (579)، وابن أبي عاصم في الزهد (134): البزار (3693)، والقضاعي (1440)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 287) رواه أحمد، وفيه أبو المهزم، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3239).
(3)
المعجم الكبير للطبراني (12/ 348/ 13310).
بعضه على بعض، انتهى، قاله المنذري. وقال في النهاية
(1)
الدمنة مجتمع الدمن وهو ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها أي تُلبده في مرابضها وهو السرجين والسرقين بكسر السين وفتحها عجمي معرب وهو الزبل. قوله: "فيها سخلة ميتة" الحديث، السخلة الأنثى من ولد الضأن، اهـ. قاله الحافظ، وقال بعض العلماء السخلة ولد الشاة من المعز والضأن ذكرًا كان أو أنثى، والجمع سخل وسخلة وسخال. قال الشاعر:
فللموت تعدو الوالدات سخالها
…
كما لخراب الدور تبنى المساكن
وقال أبو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها من الضأن والمعز جميعًا ذكرًا كان أو أنثى سخلة ثم هي بهمة بفتح الباء الموحدة للذكر والأنثى وجمعها بهم فإذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها فما كان من أولاد المعز فهي جفار واحدها جفر والأنثى جفرة فإذا رعى وقوي فهو عريض وعتود. فرع له تعلق بالسخلة الجلالة: بمعنى السخلة المربّاة بلبن كلبة لها حكم الجلالة يكره أكلها كراهة تنزيه على الأصح، وقال ابن إسحاق والقفال كراهة تحريم ورجحه الإمام والغزالي وسئل سحنون المالكي عن خروف أرضعته خنزيرة فقال لا بأس بأكله. قال الطبري
(2)
: العلماء مجمعون على أن الجدي إذا اغتذى بلبن كلبة أو خنزيرة لا يكون حراما ولا خلاف أن ألبان الخنازير نجسة كالعذرة وسواء كانت الجلالة من الإبل أو البقر أو الغنم أو
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 134).
(2)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 26).
الدجاج والأصح أنه لا اعتبار بالكثرة بل بالرائحة فإذا علقت مدة إلى أن زال نتنها فلا كراهة وإن لم تعلق لم يزل المنع بغسل اللحم ولا بالطبخ وإن زالت الرائحة، ويكره الركوب عليها من غير حائل بين الراكب وبينها ويطهر جلدها بالدباغ والأصح أنه كاللحم لا يطهر بالذكاة عند القائل بالتنجيس والله تعالى أعلم. قوله:"لو كان لأهلها فيها حاجة فانبذوها" الحديث، النبذ الطرح. قوله:"فقال والله للدنيا أهون على من هذه السخلة على أهلها"، الحديث. قال الإمام القرطبي
(1)
: قال علماؤنا معنى هوان الدنيا على الله تعالى هو أنه لم يجعلها مقصودة لنفسها بل جعلها طريقا موصلة إلى ما هو المقصود لنفسه كما تقدم، ومع هوانها لا بد للإنسان منها لأنه السبيل المقصود والطريق المقصود. قال صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشرّ، وذم رجل الدنيا عند علي رضي الله عنه فقال علي: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها. وقال محمود الوراق
(2)
:
لا تتبع الدنيا وأيامها ذما
…
وإن دارت بك الدائرة
من شرف الدنيا ومن فضلها
…
أن بها تستدرك الآخرة
قوله: "لا ألفينها" ضبطه الحافظ وفسره فقال: أي فلا أجدنها.
4896 -
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا
(1)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (22/ 140).
(2)
أدب الدنيا والدين (1/ 158).
تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء. رواه ابن ماجه
(1)
والترمذي
(2)
، وقال: حديث حسن صحيح.
قوله: "وعن سهل بن سعد"، تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، الحديث. قال الشاعر:
إذا كان شيء لا يساوي جميعه
…
جناح بعوضة عند من أنت عبده
[وأشغل جزء منه كلك ما الذي
…
يكون على ذا الحال قدرك عنده
وأنشدوا في معناه]
(3)
:
تمتع من الدنيا إن كنت حازما
…
فإنك منها بين ناه وآمر
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه
…
فما مات من شيء فليس بضائر
وإن تعدل الدنيا جناح [بعوضة]
…
ولا وزن [زق] من جناح لطائر
[فما رضي الدنيا ثوابًا لمؤمن
…
ولا رضي الدنيا جزاء لكافر]
(4)
فائدة: والبعوض على خلقة الفيل إلا أنه أكثر أعضاء منه فإن الفيل أربعة أرجل وخرطومان وذنبا وله مع هذه الأعضاء رجلان [زائدتان] وأربعة
(1)
أخرجه ابن ماجه (4110).
(2)
أخرجه الترمذي (2320) وقال: حديث صحيح غريب، والحديث؛ أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 46)، والروياني (1059)، والطبراني في الكبير (12/ 348/ 5840 و 5921)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 253)، والبيهقي، في شعب الإيمان (9981 و 9982)، والبغوي (4027). والحاكم في المستدرك (4/ 320) وصححه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5292)، والصحيحة (943)، وصحيح الترغيب والترهيب (3240).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
أجنحة وخرطوم الفيل مصمَت وخرطومه مجوف نافد الجوف فإذا طعن جسد الإنسان [استقر] الدم وقذف به إلى جوفه فهو له كالبلعوم والحلقوم فلذلك اشتدّ عضّها وقويت على خرق الجلود الغلاظ. قال الراجز:
مثل السقاة دائما طنينها
…
ركب في خرطومها [سكينها]
والبعوضة على صغر جرمها قد أودع الله في مقدّم دماغها قوة الحفظ وفي وسطه قوة الفكر وفي مؤخره قوة الذكر وخلق لها حاسة البصر وحاسة اللمس وحاسة الشم وخلق لها منفذا للغذاء ومخرجا للفضلة وخلق لها جوفا وأمعاء وعظاما، فسبحان من قدر فهدى ولم يخلق شيئًا من المخلوقات سدى. أنشد الزمخشري في تفسير سورة البقرة:
يا من يرى مدّ البعوض جناحه
…
في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى مناط عروقها من لحمها
…
والمخ من تلك العظام النّحّل
امنن عليّ بتوبة تمحو بها
…
ما كان مني في الزمان الأول
[وقال الزمخشري:] ونقل ابن خلكان
(1)
عن بعض الفضلاء أنّ الزمخشري أوصى أن تكتب هذه الأبيات على قبره، وتوفي في ليلة عرفة [سنة] ثمان وثلاثين وخمسمائة، و [قد]
(2)
تكلم في الإحياء في باب المحبة على خلق البعوضة وصفتها وما أودعه الله فيها من الأسرار، اهـ. قاله في حياة
(1)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 188).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
الحيوان
(1)
.
لطيفة: روى البخاري في الأدب
(2)
والترمذي
(3)
في مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما من حديث عبد الرحمن بن أبي نعيم قال: كنت عند ابن عمر فسأله رجل عن دم البعوض فقال فمن أنت؟ قال: من أهل العراق. فقال: انظروا إلى هذا [يسألني] عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسمعته صلى الله عليه وسلم يقول: هما ريحانتاي من الدنيا. وقال: ولم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن والحسين، وروى ابن حبان
(4)
والترمذي
(5)
عن علي رضي الله عنه قال: كان الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسن أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك اهـ، قاله
(1)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 188).
(2)
البخاري (5994)، وفي الأدب المفرد (85).
(3)
الترمذي (3770)، وقال: هذا حديث صحيح.
(4)
ابن حبان (6974). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 176) رواه الطبراني، وإسناده جيد. وقال الألباني في ضعيف موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (ص: 175/ 275): ضعيف انظر: المشكاة (6161).
(5)
الترمذي (3779)، وقال: هذا حديث حسن غريب وأخرجه الطيالسي (130)، وأحمد (2774)، (854)، وفي فضائل الصحابة (1366)، والبغوي في معجم الصحابة (2/ 11)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 95/ 2768: 2772)، والآجري في الشريعة (1631)، وابن أبي عاصم الآحاد والمثاني (407)، والدولابي في الذرية الطاهرة (108)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2739 - 2740)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1768)، والبيهفي في دلائل النبوة (1/ 307).
في حياة الحيوان
(1)
.
4897 -
وَعَن سلمَان رضي الله عنه قَالَ جَاءَ قوم إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُم ألكم طَعَام قَالُوا نعم قَالَ فلكم شراب قَالُوا نعم قَالَ وتبردونه قَالُوا نعم قَالَ فَإِن معادهما كمعاد الدُّنْيَا يقوم أحدكُم إِلَى خلف بَيته فَيمسك أَنفه من نَتنه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح
(2)
.
4898 -
وعن الضحاك بن سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا ضحاك: ما طعامك؟ قال: يا رسول الله اللحم واللبن. قال: ثم يصير إلى ماذا؟ قال: إلى ما قد علمت. قال: فإن الله تعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا. رواه أحمد
(3)
، ورواته رواة الصحيح إلا علي بن زيد بن جدعان.
(1)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 190).
(2)
أخرجه يحيى بن صاعد في زوائد الزهد (492)، والطبراني في الكبير 6/ 248 (6119). قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 288: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3241).
(3)
مسند أحمد (15747). وأخرجه ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (210)، وفي الجوع (164)، والبغوي في معجم الصحابة (3/ 388)، وأبن قانع في معجم الصحابة (2/ 29)، والطبراني (8/ 299/ 8138) والبيهقي في شعب الإيمان (5266 و 9989). قال علي بن المديني: حديث بصري، إسناده منقطع، لأن الحسن لم يسمع من الضحاك، فكان الضحاك يكون بالبوادي، ولم يسمع منه. العلل (97). وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 426) رواه أبو يعلى وأحمد بن حنبل بسند ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 288): رجاله رجال الصحيح غير علي بن زيد بن جدعان وقد وثق. وصححه الألباني في صحيح الجامع (336). صحيح الترغيب =
"وعن الضحاك بن سفيان" هو أبو سعيد، الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة الكلابي العامري. عداده في أهل المدينة وكان ينزل بنجد، وولاه النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وهو الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها.
روى عنه ابن المسيب، والحسن البصري، ويقال: إنه كان لشجاعته يعد بمائة فارس، وكان يقوم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا" لخستها وحقارتها فالمطعم وإن تكلف الإنسان التنوق في صنعته وتطييبه وتحسينه يعود إلى حال يستقذر فكذا الدنيا المحروص على عمارتها ونظم أسبابها ترجع إلى خراب وإدبار وقال الحسن قد رأيتهم يطيبونه بالأفاويه والطيب ثم يرمون به حيث رأيتم وقد قال الله عز وجل فلينظر الإنسان إلى طعامه قال ابن عباس إلى رجيعه وقال رجل لابن عمر إني أريد أن أسألك وأستحي قال فلا تستحي واسأل قال إذا قضى أحدنا حاجته فقام ينظر إلى ذلك منه قال نعم إن الملك يقول له انظر إلى ما بخلت به انظر إلى ماذا صار وكان بشر بن كعب يقول انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيذهب بهم إلى مزبلة فيقول انظروا إلى ثمارهم ودجاجهم وعسلهم وسمنهم.
= والترهيب (2151).
4899 -
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن مطعم ابن آدم جعل مثلا للدنيا وإن قزحه وملحه، فانظر إلى ما يصير؟ رواه عبد الله بن أحمد
(1)
وابن حبان في صحيحه
(2)
.
[قوله: قزحه] بتشديد الزاي: هو من القزح، وهو التابل يقال: قزحت القدر: إذا طرحت فيها الأبزار. [وملحه] بتخفيف اللام: معروف.
قوله: "عن أبي بن كعب" تقدم الكلام على ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مطعم ابن آدم جعل مثلا للدنيا وإن قزّحه وملحه" الحديث. قزّحه بتشديد الزاي من [القزح] وهو [التبائل، انتهى قاله المنذري، وقال ابن الأثير في النهاية
(3)
: أي توبَّله] الذي يطرح في القدر أي [يطيّبه] بالأبازير [كالكمون والكزبرة ونحو ذلك، يقال قزحت القدر إذا تركت فيها الأبازير]
(4)
، اهـ. وملحه بتخفيف
(1)
أحمد (5/ 136)، والحديث؛ أخرجه ابن المبارك، في الزهد (493 و 494)، وابن أبي عاصم، في الزهد (205)، والشاشي (1501 و 1502)، والبيهقي، في شعب الإيمان (5651 و 5652 و 10473)، والطبراني في الكبير (1/ 198/ 531).
وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1119): الشطر الأول منه غريب وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 288) رواه عبد الله، والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح غير عتي، وهو ثقة.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2195)، والصحيحة (382)، وصحيح الترغيب والترهيب (2150).
(2)
ابن حبان (702).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 58).
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
اللام وهو معروف، اهـ. قاله المنذري. قال في النهاية
(1)
: وملحه، أي ألقى فيه الملح بقدر الإصلاح، يقال منه ملحت القدر بالتخفيف وأملحتها وملّحتها إذا أكثرت ملحها حتى تفسد، اهـ. قوله:"وضرب الدنيا لمطعم ابن آدم مثلا" الحديث، فأما تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم بما يخرج من الإنسان فبيّن المعنى وقد مثّل الدنيا بعض الفضلاء بالجيفة التي تجتذبها الكلاب. للقرطبي فقال:
ما هي إلا جيفة مستحيلة
…
عليها كلاب هَمُّهُنَّ اجتذابها
فطوبى لنفس أوطنت قعر دارها
…
مغلّقة الأبواب مرخى حجابها
والمعنى أن المطعم وإن تكلف الإنسان التنوق في صنعته [وتطييبه]
(2)
فإنه عائد إلى حال يكره ويستقذر فكذلك الدنيا المحروص على عمارتها وثظم أسبابها راجعة إلى خراب وإدبار. قاله في النهاية
(3)
.
4900 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما والاه، وعالم أو متعلم. رواه ابن ماجه
(4)
والبيهقي
(5)
والترمذي
(6)
، وقال: حديث حسن.
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 355).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 58).
(4)
سنن ابن ماجه (4112).
(5)
شعب الإيمان (1580).
(6)
سنن الترمذي (2322)، وقال: هذا حديث حسن غريب. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3414). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1609)، وصححه في الصحيحة (2797)، وصحيح الترغيب والترهيب (74).
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه" قيل معناه ما تابعه من اتباع أمره ونهيه، قيل وسُئل سهل عن هذا الحديث فقال: المراد بذكر الله هنا الزهد في الحرام وهو أنه إذا استقبله حرام يذكر الله تعالى ويعلم أنه مطلع عليه فيجتنب ذلك الحرام. قوله: "وعالم أو متعلم" في كثير من النسخ بالرفع والوجه النصب نسقا على ذكر الله والله أعلم. فقوله: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها" الحديث، هو حديث حسن غريب. قال أبو العباس القرطبي
(1)
: لا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقا لما رويناه من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر، [وفي حديث أبي موسى هذا:] إن العبد إذا قال لعن الله الدنيا، قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه؛ خرّجه الشريف أبو القاسم زيد بن عبد الله بن مسعود الهاشمي، ورواه الطبراني في الدعوات
(2)
من حديث ابن مسعود إلى قوله: وبها ينجو من الشر. فقال: وبها ينجو من النار. وقال علي رضي الله عنه
(3)
: لا تسبوا الدنيا فيها تصلون وفيها تصومون وفيها تعملون، فشبّه الدنيا بالمطيّة
(1)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (22/ 141).
(2)
الدعاء للطبراني (2052)، وأخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 502)، والشاشي (383)، والضياء في حديث أبي نصر العكبري وغيره (45)، وقال الألباني في الضعيفة (5420): موضوع.
(3)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 186).
لأن المؤمن مسافر عليها إلى الآخرة، وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها. فإن قيل كيف الجمع بينهما.
قال العلماء: [وجه] الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مبعدا عن الله وشاغلا عنه، كما قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله من مال أو ولد فهو عليك مشئوم، وهو الذي نبّه سبحانه وتعالى على ذمه بقوله:{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ}
(1)
، الآية. وأما ما كان من الدنيا يقرب من الله تعالى ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان، فمثل هذا لا يُسبّ بل يرغّب فيه ويُحبّ وإليه الإشارة بالاستثناء، حيث قال:"إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم" وهو المصرح به [في] قوله: نعم مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر، وبهذا يرتفع التعارض بين الحديثين والله أعلم.
4901 -
وعن المستورد أخي بني فهر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم اصبعه في هذه اليم، وأشار يحيى بن يحيى بالسبابة، فلينظر بم يرجع؟ رواه مسلم
(2)
.
قوله: "وعن المستورد أخي بني فهد" المستورد هو ابن شدّاد بن عمرو القرشي الفهري له ولأبيه صحبة، سكن الكوفة روى عنه البصريون والكوفيون والمصريون وغيرهم، استشهد به البخاري في الصحيح، [وروى]
(1)
سورة محمد، الآية:36.
(2)
صحيح مسلم (55)(2858).
له في الأدب وروى له الباقون. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم - وأشار يحيى بن يحيى بالسبابة - فلينظر بم يرجع" الحديث. وفي رواية لمسلم: وأشار إسماعيل بالإبهام؛ وإسماعيل هو ابن أبي خالد، هكذا هو في نسخ بلادنا. بالإبهام وهي الإصبع العظمى المعروفة، مؤنثة، والجمع الأباهيم، قاله الجوهري
(1)
. [وقال] القاضي عياض
(2)
: رواية السبابة أظهر من رواية الإبهام، وأشبه بالتمثيل لأن العادة الإشارة بها لا بالإبهام، ويحتمل أنه أشار بهذه مرة وبهذه مرة، قاله النووي في شرح مسلم، وفي رواية له أيضًا وأشار يحيى بن سعيد بالسبّابة ويحيى بن سعيد هو أحد رواة هذا الحديث، عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن المستورد. قوله:"ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم" الحديث، [اليم] هو البحر الذي لا يدرك قعره، قال الله تعالى:{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ}
(3)
، وقيل هو لجة البحر ومعظم مائه، اهـ. قوله:"فلينظر بم يرجع" ضبطوا ترجع بالمثناة فوق جعلوا الفعل للإصبع وهي مؤنثة، ورواه أهل البصرة بالمثناة تحت جعلوا الفعل لليم والأول أشهر، فمن رواه بالمثناة تحت أعاد الضمير إلى أحدكم ومن رواه بالمثناة فوق أعاد الضمير إلى الأصبع وهو الأضهر، ومعناه لا يَعلقُ بها شيء كثير من الماء.
(1)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 1875).
(2)
شرح النووي على مسلم (17/ 192).
(3)
سورة القصص، الآية:7.
[معنى] الحديث ما الدنيا بالنسبة [إلى الآخرة] في قصر مدتها وفناء لذتها ودوام الآخرة ودوام لذتها ونعيمها إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالإصبع إلى باقي اليم، اهـ. قاله النووي في شرح مسلم
(1)
. وقال في سلاح المؤمن، معنى الحديث: إنما قدر الدنيا في الآخرة في المساحة، والقدر والقلة في جنب الآخرة وكثرة خيرها إذ قد يُعطى الواحد من أهل الجنة وهو أدناهم منزلة مثل الدنيا وعشرة أمثالها إلى ما ورد من [غير]
(2)
هذا وقد يكون ذلك تمثيلا لزوال الدنيا وفنائها وحقارة لذتها الفانية في جنب أمر الآخرة ونعيمها الدائم ولذاتها الباقية، اهـ. قال [بعض العلماء وهو] صاحب تهذيب النفوس الحنفي: قلت: لا شيء في تحقير الدنيا يبلغ هذا المبلغ وما أحسن عقل من نوّر الله من نوّر الله قلبه ووسّع عليه عقله وفتح بصيرته حتى يعرف هذه النسبة التي نسبها الذي لا ينطق عن الهوى فتظهر له حقارة الدنيا وخسّتها ونفاسة الآخرة وشرفها وعلوها، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(3)
والله ما الدنيا من أولها إلى آخرها إلا كرجل نام فرأى في منامه شيئا عجبا فاستيقظ فإذا هو لا شيء، قال الشاعر:
إنما الدنيا كظل زائل
…
أو كضيف بات ليلًا فارتحل
أو كنوم قد رآه حالم
…
فإذا ما ذهب النوم بطل
(1)
شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 192).
(2)
هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(هذا)، ولعله سبق قلم.
(3)
الدر المنثور (2/ 594). عن الحسن
يصبح الإنسان فيها فرحا
…
ربما أمسى إلى القبر انتقل
4902 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعس عبد الدينار وعبد الدرهم، وعبد الخميصة إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه، وإن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع. رواه البخاري
(1)
، وتقدم مع شرح غريبه في الرباط.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم" تقدم الكلام على غريب هذا الحديث، ومعناه في الجهاد والله أعلم.
4903 -
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى. رواه أحمد
(2)
ورواته ثقات، والبزار
(3)
وابن حبان في صحيحه
(4)
والحاكم
(5)
(1)
صحيح البخاري (2886 - 2887).
(2)
أخرجه أحمد (19697)، (19698).
(3)
مسند البزار= البحر الزخار (3067).
(4)
أخرجه ابن حبان في صحيحه (2473) وأخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا إسماعيل بن جعفر في أحاديثه (364)، وعبد بن حميد المنتخب من مسند (568)، وابن أبي عاصم في الزهد (162)، والروياني (578)، والقضاعي في مسند الشهاب (418)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 517)، وفي الشعب (10337)، وفي الآداب (993).
(5)
الحاكم (4/ 308) وقال: صحيح على شرط الشيخين! ورده الذهبي في تلخيصه فقال: قلت: فيه انقطاع. قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1102) أخرجه أحمد =
والبيهقي في الزهد
(1)
وغيره، كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي موسى وقال الحاكم: صحيح على شرطهما.
[قال الحافظ]: المطلب لم يسمع من أبي موسى
(2)
، والله أعلم.
قوله: "وعن أبي موسى الأشعري" الصحابي واسمه عبد الله بن قيس هاجر من اليمن إلى مكة ثم هاجر منها إلى الحبشة ثم هاجر من الحبشة إلى المدينة ثلاث هجرات، وتقدم الكلام على مناقبه مبسوطا. قوله صلى الله عليه وسلم:"من أحب دنياه أضرّ بآخرته ومن أحبّ آخرته أضرّ بدنياه" الحديث، وفي الأثر
(3)
:
= والبزار والطبراني وابن حبان والحاكم وصححه. وقال الهيثمي في المجمع (10/ 249): رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجاله ثقات. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 395) رواه أبو بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد وأحمد بن حنبل والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي كلهم من طريق المطلب بن عبد لله بن حنطب عن أبي موسى وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. قال الحافظ المنذري: المطلب لم يسمع من أبي موسى.
وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود رواه الحاكم وصححه، وصححه الألباني في الصحيحة (3287)، وصحيح الترغيب والترهيب (3247). ولكنه ضعفه في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (2/ 138)، والضعيفة (5650)، وضعيف الجامع (5340).
(1)
الزهد الكبير للبيهقي (451).
(2)
المطلب بن عبد الله - وهو ابن حنطب - لا يعرف له سماع من الصحابة، فيما نقل الترمذي في العلل الكبير 2/ 964 عن البخاري. وقال أبو حاتم في المراسيل (ص 64): عامة روايته مرسل.
(3)
الرسالة القشيرية (1/ 356).
أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام: يا داود إني حرمت على القلوب أن يدخلها حبي وحب غيري. وقال [عز وجل]: يا داود إن كنت تزعم أنك تحبني فأخرج حبّ الدنيا من قلبك فإن حبّها وحبي لا يجتمعان. قوله في الكلام على الحديث "المطلب بن عبد الله بن حنطب" هو أبو الحكم المطلب بن عبد الله بن حويطب، هكذا جاء في نسخ "الموطأ" وهو غلط، والصواب ابن حنطب. كذا أصلحه ابن وضاح، وقال: وهو المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المدني، وقيل: هو المطلب بن عبد الله بن حنطب.
يُعد في أهل الحجاز. قال البخاري: وقال بعضهم: هو عبد الله بن المطلب، وكان من وجوه قريش. سمع عمر بن الخطاب، وأبا هريرة. روى عنه محمد بن عباد بن جعفر الأوزاعي. والذي ذهب إليه ابن وضاح هو الصحيح والمشهور في الكتب.
4904 -
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه لما حضرته الوفاة قال: يا معشر الأشعريين ليبلغ الشاهد الغائب، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الدنيا حلوة الآخرة. رواه الحاكم
(1)
، وقال:
(1)
الحاكم (4/ 311)، وأخرجه أحمد (22899)، وابن أبي عاصم في الزهد (158)، والبغوي في معجم الصحابة (5/ 114)، والطبراني في الكبير (3/ 291/ 3438)، وفي الشاميين (563)، والبيهقي في الشعب (15336) قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. اهـ. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 249) رواه أحمد، والطبراني، ورجاله ثقات. وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (1016): إسناد صحيح. =
صحيح الإسناد.
قوله: "وعن أبي مالك الأشعري" تقدم. قوله: "حلوة الدنيا مرّة الآخرة ومرّة الدنيا حلوة الآخرة" معناه لا تجتمع الرغبة فيها والرغبة في الله والآخرة بها ولا يسكن هاتان الرغبتان في محل واحد إلا طردت إحداهما الأخرى واستبدت بالمسكن فإن النفس واحدة والقلب واحد فإذا اشتغلت بشيء انقطع عن ضده قال الإمام الرازي: الجمع بين تحصيل لذات الدنيا ولذات الآخرة ممتنع غير ممكن والله يمكن المكلف من تحصيل أيهما شاء فإذا أشغله بتحصيل أحدهما فقط فقد فوت الأجر على نفسه.
4905 -
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أشرب حب الدنيا التاط منها بثلاث: شقاء لا ينفد عناه، وحرص لا يبلغ غناه، وأمل لا يبلغ منتهاه، فالدنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلب الدنيا طلبته الآخرة حتى يدركه الموت فيأخذه، ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه رواه الطبراني
(1)
بإسناد حسن.
= اهـ. وصححه الألباني في الصحيحة (1817)، وفي صحيح الجامع (3155).
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 201/ 10328)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (8/ 119 - 125)، والشجري في الأمالي (2/ 163)، والقضاعي في مسند الشهاب (541)، وقال أبو نعيم: غريب من حديث فضيل والأعمش وحبيب، لم نكتبه إلا من حديث جبرون عن يحيى. وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1578) أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود بسند حسن، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 249) رواه الطبراني عن شيخه: جبرون بن عيسى المقرئ، عن يحيى بن =
قوله: "وعن عبد الله بن مسعود" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من أُشرب حبّ الدنيا" الحديث. ومعنى أشرب حب الدنيا دخل فيه دخولا تاما وحلّ منه محل الشراب، ومنه قوله تعالى {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}
(1)
أي حبّ العجل، ومنه قولهم ثوب مشرب بحمرة أي خالطته الحمرة مخالطة لا انفكاك لها. قوله:"التاط منها بثلاث" الحديث، معناه التصق [قلبه من حب الدنيا بثلاث، يقال لاط الشيء بقلبه يلوط لوطا، ويليط ليطا، أي التصق]، واللوط والليط الحب اللازق بالقلب. قوله:"شقاء لا ينفد عناه وحرص لا يبلغ غناه وأمل لا يبلغ منتهاه" يجوز في شقاء وحرص وأمل الجر على أنها عطف بيان والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أخذها شقاء. قوله صلى الله عليه وسلم: "فالدنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلب الدنيا طلبته الآخرة" الحديث.
قوله: "إن الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان" يعني أن الدنيا تطلب أبناء الآخرة ويطلبها أبناؤها، فصارت أيضًا طالبة [ومطلوبة، والآخرة تطلب أبناء الدنيا ويطلبها أبناؤها، فصارت أيضًا طالبة ومطلوبة]، اهـ.
= سليمان الحفري، عن فضيل بن عياض، ولم أعرف جبرون، وأما يحيى فقد ذكر الذهبي في الميزان في آخر ترجمة يحيى بن سليمان الجعفي فقال: فأما سميه يحيى بن سليمان الحفري فما علمت به بأسا، ثم ذكر بعده يحيى بن سليمان القرشي، قال أبو نعيم: فيه مقال، وذكره ابن الجوزي، فإن كانا اثنين فالجفري ثقة والحديث صحيح على شرط الخطبة، والله أعلم، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1882)، وفي الضعيفة (6650).
(1)
سورة البقرة، الآية:93.
قاله شارح الأربعين الودعانية
(1)
.
4906 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: {إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}
(2)
(3)
. قال: في الدنيا رواه ابن حبان في صحيحه
(4)
وهو في مسلم
(5)
بمعناه في آخر حديث يأتي إن شاء الله تعالى.
قوله: "عن أبي سعيد الخدري" تقدم. قوله: " {إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ}
(6)
، قال في الدنيا، وتقدم.
4907 -
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه. رواه الترمذي
(7)
وقال: حديث حسن صحيح وابن
(1)
شرح الأربعين الودعانية (ص 295).
(2)
سورة مريم، الآية:93.
(3)
صحيح ابن حبان (652)، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 180/ 1466)، وصحيح الترغيب والترهيب (1709).
(4)
صحيح ابن حبان (652)، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 180/ 1466)، وصحيح الترغيب والترهيب (1709).
(5)
مسلم (40)(2849). وأخرجه البخاري (4730).
(6)
سورة مريم، الآية:39.
(7)
أخرجه الترمذي (2376)، وأخرجه ابن أبي شيبة (34380)، وفي المسند (498)، وأحمد (15784)، وابن المبارك في الزهد (181) - زيادات نعيم بن حماد - والدارمي 2/ 304، والطبراني في الكبير (19/ 96/ 189)، والبيهقي في الآداب (974)، والبغوي في شرح السنة (4054). =
حبان في صحيحه
(1)
.
قوله: "وعن كعب بن مالك" تقدم. قوله: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه"، الذئبان مثنى الذئب، والذئب يهمز ولا يهمز ويسمى الخاطف والسيد والسرحان والسمسام وكنيته أبو مذقة لأن لونه كذلك، قال الشاعر:
حتى إذا جنّ الظلام واختلط
…
جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
ومن كناه الشهيرة أبو جعدة. قوله: "على المال والشرف لدينه" وقد نص الله تعالى على ذم الحرص بقوله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}
(2)
، وتقدم الكلام على هذا الحديث في كتاب البيوع مبسوطًا.
لطيفة: وروى ابن عدي
(3)
عن عمرو بن خليف الحتاوي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أدخلت الجنة فرأيت فيها ذئبا، فقلت: أذئب في الجنة؟ قال: أكلت ابن شرطي. قال ابن عباس: هذا وإنما أكل ابنه فلو أكله رفع في عليين، ثم رأيته كذلك، [بنيسابور] للحاكم، وهو حديث موضوع قاله في حياة
= وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1710)، وصحيح الجامع الصغير (5620)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2092).
(1)
ابن حبان (3228).
(2)
سورة البقرة، الآية:96.
(3)
ابن عدي في الكامل (8/ 16)، وقال: وهذا الحديث بهذا الإسناد وبغير هذا الإسناد باطل، لم يروه غير عَمرو بن خليف، وأيوب بن سويد وإن كان فيه ضعف، فلا يحتمل هذا كله، وقال الذهبي في تلخيص كتاب الموضوعات (ص: 162): رواه ابن قتيبة العسقلاني وغيره عن عمرو بن خليف وهو الآفة ثنا أيوب بن سويد واه.
الحيوان
(1)
، الشرطي هو الواحد من أعوان الظلمة، وحديث ابن عمرو حديث أنس بعده بمعناه.
4908 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا ذئبان ضاريان جائعان باتا فِي زريبة غنم أغفلها أَهلهَا يفترسان ويأكلان بأسرع فِيهَا فَسَادًا من حب المَال والشرف فِي دين الْمَرْء الْمُسلم" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو يعلى بِنَحْوِهِ وإسنادهما جيد
(2)
.
4909 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا ذئبان ضاريان فِي حَظِيرَة يأكلان ويفسدان بأضر فِيهَا من حب الشّرف وَحب المَال فِي دين الْمَرْء الْمُسلم رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد حسن
(3)
.
(1)
حياة الحيوان الكبرى (1/ 501).
(2)
أخرجه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال (15) و (16) والإشراف (411) والزهد (336) وذم الدنيا (357)، وأبو يعلى (6449)، والطبراني في الأوسط (1/ 236 رقم 772) والصغير (2/ 149). وقال أبو زرعة وأبو حاتم في العلل (1799): جميعًا (يعني حديث أبي هريرة وابن عمر) واهيان، والصحيح: عن الثوري، أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي في المجمع 10/ 250: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الملك زنجويه، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وقد وثقا. وقال البوصيرى في الاتحاف 7/ 428 - 429: رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3251).
(3)
أخرجه البزار (6129)، والطبراني في الصغير (2/ 149)، وعنه أبو نعيم في الحلية (7/ 89)، وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب (2/ 26)، والبيهقي في الشعب (7/ 267). قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عمر، إلا من هذا الوجه. وقال أبو نعيم: =
4910 -
وَرُوِيَ عَن أنس يرفعهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أحد يمشي على المَاء إِلَّا ابتلت قدماه قَالُوا لا يَا رَسُول الله قَالَ كَذَلِك صَاحب الدُّنْيَا لا يسلم من الذُّنُوب رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الزّهْد
(1)
.
4911 -
وعن كعب بن عياض رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال. رواه الترمذي
(2)
، وقال: حديث حسن
= تفرد به قطبة عن الثوري، واختلف فيه على الثوري من غير وجه. وقال البيهقي: تفرد به قطبة عن الثوري، واختلف فيه على الثوري في إسناده. وقال الترمذي (4/ 508): ويروى في هذا الباب عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح إسناده. وقال أبو زرعة وأبو حاتم في العلل (1799): جميعًا (يعني حديث أبي هريرة وابن عمر) واهيان، والصحيح: عن الثوري، أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الهيثمي في المجمع (10/ 250): رواه البزار، وفيه قطبة بن العلاء، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3252).
(1)
أخرجه البيهقي في الزهد (257) والشعب (13/ 73 - 74 رقم 9973). وضعفه الألباني في الضعيفة (4741) وضعيف الترغيب (1883).
(2)
الترمذي (2336) والحديث؛ أخرجه أحمد (17471) والبخاري في الكبير (4/ 1/ 222)، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (13)، وابن أبي عاصم، في الآحاد والمثاني (2516)، والنسائي في الكبرى (11795)، وأبو القاسم البغوي في الصحابة (2020 و 2021)، والطحاوي في المشكل (4325)، وابن قانع في الصحابة (2/ 374)، والطبراني في مسند الشاميين (2027)، وفي الأوسط (3319)، وفي الكبير (19/ 179/ 404)، وأبو نعيم في الصحابة (5826)، والقضاعي (1022 و 1023) والبيهقي في شعب الإيمان (9827) وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 485) والمزي في التهذيب (24/ 187 - 188 و 188) والذهبي في تذكرة الحفاظ (3/ 883)، وقال =
صحيح، وابن حبان في صحيحه
(1)
، والحاكم
(2)
وقال: صحيح الإسناد.
قوله: "وعن كعب بن عياض" ذكره البخاريّ، وقال: له صحبة، عداده في أهل الشّام، وقال ابن السّكن: له صحبة، وقال مسلم: تفرد عنه جبير بن نفير بالرواية، وتبعه ابن السّكن والأزديّ، وأفاد ابن عبد البرّ أن جابر بن عبد الله روى عنه. وقال البغويّ: ما له غير حديث واحد.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة فتنة"، [الحديث، قال الإمام أبو عبد الله القرطبي: قال علماؤنا رحمة الله تعالى عليهم:] هذا خبر منه صلى الله عليه وسلم بأن كل الأمم افتتنت فأمم منهم افتتنوا عن توحيده بالأصنام فعبدوها وقوم بالشمس وقوم بالقمر قوم بالكواكب وقوم بنبي كان فيهم وهم اليهود عبدوا عزيرا، وقالوا هو ابن الله و [منهم] من افتتن بالعجل فعبدوه والنصارى افتتنوا بعيسى فقال قوم منهم هو إله وآخرون منهم قالوا هو ابن الله، وجعل فتنة هذه الأمة المال في حب الدرهم والدينار فغلب على أكثرهم حب المال فكدّر عليهم عبودية الكبير المتعال كما غلب على أكثر الأمم فتنة شرك الأسباب في توحيد رب الأرباب، فالمال إذا شغل عن ذكر الله تعالى وعن القيام [بحقوقه] فبئس
= الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث معاوية بن صالح، وقال ابن عبد البر: وهو حديث صحيح الاستيعاب (9/ 251)، وقال الذهبي: إسناده صالح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2148)، وصحيح الترغيب والترهيب (3253)، والصحيحة (592).
(1)
ابن حبان (3223)
(2)
الحاكم (4/ 318) وقال: صحيح الإسناد.
المال وإذا لم يمنع من ذلك فنعم المال كما قال عليه الصلاة والسلام: نعم المال الصالح للرجل الصالح. لكن لما كانت سلامة الدين مع ذلك نادرة والفتن والآفات من ذلك غالبة تعيّن التقليل منه والفرار وأن لا يأخذ المرء منه إلا ما يكفيه عند الحاجة والإضرار، وقد قال أرباب الفهوم كل ما يشغلك عن الله من أهل ومال فهو عليك مَشُوم قاله في كتاب قمع الحرص بالزهد والقناعة
(1)
والله أعلم.
4912 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له. رواه أحمد
(2)
والبيهقي
(3)
.
وزاد: ومال من لا مال له. وإسنادهما جيد.
قوله: "وعن عائشة" تقدمت ترجمتها، قوله صلى الله عليه وسلم:"الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له" الحديث، وروي أن جبريل عليه الصلاة والسلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يقرأ
(1)
قمع الحرص (ص 190 - 191).
(2)
مسند أحمد (24419).
(3)
أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (10154)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (240)، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (494): رجاله ثقات! قال الإمام أحمد: هذا حديث منكر المنتخب لابن قدامة من العلل للخلال (5). وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1103): وإسناده جيد. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 288): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير دويد، وهو ثقة. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3012)، وفي السلسلة الضعيفة (6694)، وضعيف الترغيب والترهيب (1884).
عليك السلام ويقول لك: أتحب أن أجعل لك هذه الجبال ذهبا وفضة وتكون معك حيث ما كنت؟ فأطرق ساعة ثم قال: يا جبريل إن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له يجمع لها من لا عقل له، فقال له جبريل عليه الصلاة والسلام: يا محمد ثبتك الله بالقول الثابت. روى بعضه الترمذي وبعضه الإمام أحمد في مسنده
(1)
. قاله في الديباجة]
(2)
. شعر:
ألا يا جامع الأموال حرصا
…
على الدنيا ألم تَخَفِ السؤالا
أتجمعها وتكسبها حراما
…
وتتركها لوارثها حلالا
فيسعد من جمعت له وتشقى
…
ألا أقبِحْ بذاكَ المالِ مالَا
تنبيه: فحب الدنيا رأس كل خطيئة، والله لا يحب الخطايا ولا أهلها وإن الدنيا لعب ولهو، والله تعالى لا يحب اللهو واللعب، ولأن القلب بيت الرب عز وجل، [والله عز وجل]
(3)
لا شريك له فلا [يحب] أن يشركه في بيته حب الدنيا، وبالجملة [فنحن] نعلم قطعا أن محب الدنيا مبغوض عند الله عز وجل فالزاهد فيها الراغب عنها محبوب له عز وجل، ومحبة الدنيا المكروهة
(1)
قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1547) هذا ملفق من حديثين فروى الترمذي من حديث أبي أمامة عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، قلت: لا يا رب، ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا الحديث وقال. حسن ولأحمد من حديث عائشة الدنيا دار من لا دار له. . . الحديث.
(2)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(والفضة كالجبلين العظيمين ثم يقول هذا مالنا عاد إلينا، سعد به قوم وشقي به قوم آخرون. ذكره الطوفي).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
هي إيثارها لقضاء شهوات النفس وأوطارها لأن ذلك يشغل عن الله تعالى، أما محبتها لفعل الخير وتقديم الأجر بها عند الله عز وجل ونحو ذلك فهي عبادة، لقوله صلى الله عليه وسلم
(1)
: نعم المال الصالح للرجل الصالح يصل به رحما ويصنع [فيه] معروفا، أو كما قال.
وفي الأثر إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الذهب والفضة كالجبلين العظيمين ثم يقول هذا مالنا عاد إلينا، سعد به قوم وشقي به قوم آخرون.
(1)
أخرجه وأبو عبيد في الغريب (1/ 93 - 94) وابن أبي شيبة (7/ 17 - 18) وفي مسنده (إتحاف الخيرة 6344) أحمد (17763) وفي فضائل الصحابة (1745) والبخاري في الأدب المفرد (299) وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (43) وأبو يعلى (7336) والطحاوي في المشكل (6056)(6057) وابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص 163) وأبو بكر الخلال في الحث على التجارة (54) وابن حبان (3210)(3211) وابن قانع في الصحابة (2/ 213 - 214) وأبو محمد الفاكهي في حديثه (14) والحاكم (2/ 2) وأبو نعيم في الصحابة (4995) والطبراني في الأوسط (3213 و 9008) والحاكم (2/ 236) والقضاعي (1315) والبغوي في شرح السنة (2495) والضياء المقدسي في حديث أبي عبد الرحمن المقري (31) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1138) أخرجه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عمرو بن العاص بسند صحيح بلفظ نعما وقالا للمرء قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1446) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث عمرو بن العاص بسند جيد. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 64) ورواه أبو يعلى بنحوه، ورجال أحمد، وأبي يعلى رجال الصحيح.، وقال ابن حجر في الإصابة (7/ 413) أَحمد بسند حسن، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (1/ 450) صحيح - المشكاة (3756).
ذكره الطوفي
(1)
.
4913 -
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله كل مؤنة، ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها. رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب
(2)
من رواية الحسن عن عمران، في إسناده إبراهيم بن الأشعث ثقة، وفيه كلام قريب.
قوله: "وعن عمران بن حصين" هو الخزاعي البصري، كانت الملائكة تسلم عليه حتى اكتوى فتركوا السلام عليه، ثم ترك الكيّ فعادوا إلى السلام، قاله الكرماني
(3)
. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها" الحديث،
(1)
التعيين (ص 232 - 233).
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (3359، وفي الصغير (321)، ومن طريقه: الخطيب في تاريخ بغداد (7/ 196) وأخرجه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة (26)، ومن طريقه: البيهقي في الشعب (1044)، (1289)، (1290)، وأبو العباس العصمي في جزئه (24)، والسلمي في الأربعين الصوفية (13)، والقضاعي في مسند الشهاب (497)، وابن عساكر في المعجم (1370)، والشجري في الأمالي (2/ 160 - 161)، وقال أبو العباس العصمي: غريب من حديث الحسن عن عمران، غريب من حديث الفضيل عن هشام بن حسان عن الحسن. لم يروه عنه إلا إبراهيم خادم الفضيل. وقال ابن عساكر: غريب. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 303): رواه الطبراني في الأوسط وفيه إبراهيم بن الأشعث صاحب الفضيل وهو ضعيف وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال: يغرب ويخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (6854)، وضعيف الترغيب والترهيب (1061).
(3)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (20/ 218).
وكله هو بالتخفيف أي صرف أمره إليها، وتقدم هذا الحديث.
4914 -
وروي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح وهمه الدنيا فليس من الله في شيء، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس منا. رواه الطبراني
(1)
، وتقدم في العدل حديث أبي الدحداح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: ومن كانت همته الدنيا حرم الله عليه جواري، فإني بعثت بخراب الدنيا، ولم أبعث بعمارتها. رواه الطبراني
(2)
.
قوله: "وعن أبي ذر" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح وهمّه الدنيا فليس من الله في شيء" الحديث، وفي أثر إلهي: ما لأوليائي وللهمّ بالدنيا، إن الهمّ يذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم، وقيل: أكثر الناس هما بالدنيا أكثرهم هما في الآخرة، وأقلّهم هما بالدنيا أقلّهم هما في الآخرة. قوله: "ومن [أعطى]
(3)
الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس منا" أي ليس على طريقتنا وسنتنا وليس مثلنا، وهذا لقول الأب لولده إذا أنكر منه أخلاقا وأعمالا لستَ مني وكأنه
(1)
المعجم الأوسط (471)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 248): رواه الطبراني، وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي، وهو متروك، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (310)، وضعيف الترغيب والترهيب (1062): ضعيف جدا.
(2)
المعجم الكبير للطبراني (22/ 301/ 765)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 130)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 211) رواه الطبراني عن شيخه جبرون بن عيسى، عن يحيى بن سليمان الجفري ولم أعرفهما، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في الضعيفة (1263)(6651)، وضعيف الترغيب والترهيب (1338).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
من باب نفي الشيء لانتفاء ثمرته مبالغة وليس المراد نفيه عن الملة.
4915 -
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه تعالى، ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو الله عز وجل، ومن تضعضع لغني لينال مما في يديه أسخط الله عز وجل، ومن أعطي القرآن فدخل النار فأبعده الله. رواه الطبراني في الصغير
(1)
، ورواه أبو الشيخ في الثواب من حديث أبي الدرداء إلا أنه قال في آخره: ومن قعد أو جلس إلى غني فتضعضع له لدنيا تصيبه ذهب ثلثا دينه، ودخل النار.
قوله: "وعن أنس بن مالك" تقدم، قوله صلى الله عليه وسلم:"ومن تضعضع لغني لينال مما في يديه أسخط الله عز وجل". ولبعض الفضلاء:
لا تخضعن لمخلوق على طمع
…
فإن ذلك [وهنٌ] منك في الدين
(1)
المعجم الصغير للطبراني (726)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 248) رواه الطبراني في الصغير، وفيه وهب بن راشد البصري صاحب ثابت، وهو متروك. وأخرجه ابن عدي في الكامل (10/ 250)، والشجري في الأمالي (2/ 162)، والبيهقي في شعب الإيمان (9571)، وقال البيهقي: تفرد به وهب بن راشد بهذا الإسناد، وروي ذلك بإسناد آخر ضعيف قال ابن عدي: لا أعلم أحدًا يرويه عن مالك بن دينار غير وهب بن راشد.، وقال في المقاصد الحسنة (ص: 640) وهما واهيان جدا، حتى أن ابن الجوزي ذكرهما في الموضوعات، وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1845): ضعيف جدًا، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 366) وأعله بوهب بن راشد.
واسترزق الله مما في خزائنه
…
فإنما الرزق بين الكاف والنون
واستغن بالدين في الدنيا
…
كما استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
لم ذا أذل لمخلوق على طمع
…
هلا سألت الذي أعطاه يعطيني
فكسرة من جريش العيش تشبعني
…
وشربة من قداح الماء ترويني
وخرقة من خشين الثوب تسترني
…
إلى الممات وتكفيني لتكفيني
4916 -
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله من سمع مقالتي حتى يبلغها غيره: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصح لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعاءهم يحيط من ورائهم، إنه من تكن الدنيا نيته يجعل الله فقره بين عينيه، ويشتت عليه ضيعته، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له، ومن تكن الآخرة نيته يجعل الله غناه في قلبه، ويكفيه ضيعته، وتأتيه الدنيا وهي راغمة. رواه ابن ماجه
(1)
.
(1)
أخرجه ابن ماجه (230)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 32): هذا إسناد فيه ليث بن أبي سليم وقد ضعفه الجمهور، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 247) روى ابن ماجه بعضه. رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله وثقوا.
وتقدم لفظه وشرح غريبه في الفراغ للعبادة، والطبراني
(1)
واللفظ له وابن حبان في صحيحه
(2)
، وتقدم لفظه في سماع الحديث.
قوله: "وعن زيد بن ثابت" هو أبو أسامة زيد بن حارثة، بالحاء، ابن شراحيل، بفتح الشين، ابن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر ابن عبد الله بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن كلب بن وبرة بن الحاف بن قضاعة الكلبى نسبا، القريشى الهاشمى بالولاء، الحجازى، رضى الله عنه، ويقع في نسبه اختلاف
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (5/ 143/ 4890)، (5/ 154/ 4924)، والمعجم الأوسط (7271).
(2)
ابن حبان (67 و 680)، وأخرجه الطيالسي (إتحاف الخيرة 455) ومسدد (إتحاف الخيرة 456) وأحمد (5/ 183) وفي الزهد (ص 42 - 43) والدارمي (235) وأبو داود (3660) والترمذي (2656) وابن أبي عاصم في السنة (94) والطحاوي في المشكل (1600) وابن أبي حاتم في الجرح (1/ 11) والرامهرمزي في المحدث الفاصل (3 و 4) والحاكم في المدخل إلى الصحيح (ص 84 - 85) والبيهقي في الاعتقاد (ص 245 - 246) وفي الأربعين الصغرى (1) وفي الآداب (1189) وابن عبد البر في التمهيد (21/ 275 - 276)، وفي الجامع (184 و 185 و 187)، والخطيب في الفقيه (2/ 71) وفي شرف أصحاب الحديث (19) والشجري في أماليه (1/ 64) والقاضي عياض في الإلماع (ص 12 - 13) والمزي (14/ 127 - 128)، وابن حجر في تخريج أحاديث المختصر (1/ 367 - 368) قال الترمذي: حديث حسن قال ابن حجر: هذا حديث صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (90)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (1/ 120)، وتخريج فقه السيرة (39)،، والصحيحة (950)، والتعليق الرغيب (1/ 64).
وتغيير وزيادة ونقص، وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهر مواليه، ويقال له: حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو حبه.
كان أصابه سباء في الجاهلية؛ لأن أمه خرجت به تزور قومها، فأغارت عليهم بنو القين بن جسر، فأخذوا زيدا فقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، رضى الله عنها، فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وهو ابن ثمان سنين، وقيل: رآه النبي صلى الله عليه وسلم ينادى عليه بالبطحاء، فذكره لخديجة، فقالت له يشتريه، فاشتراه من مالها لها، ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه. قال ابن عمر، رضى الله عنهما: ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل قول الله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ}
(1)
الآية.
وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين جعفر بن أبي طالب، رضى الله عنهما، وكان من أول من أسلم، حتى أن الزهري قال في رواية عنه: أنه أول من أسلم، وقال غيره: أولهم إسلاما خديجة، ثم أبو بكر، ثم على، ثم زيد، رضى الله عنهم، وفى المسألة خلاف مشهور، ولكن تقديم زيد على الجميع ضعيف.
وهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وشهد بدرًا، وأحدًا، والخندق، والحديبية، وخيبر، وكان هو البشير إلى المدينة بنصر المؤمنين يوم بدر، وكان من الرماة المذكورين، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة، وتزوج زينب بنت جحش أم المؤمنين، رضى الله عنها، ثم طلقها،
(1)
سورة الأحزاب، الآية:5.
ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصته في القرآن العزيز
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله" الحديث، تقدم الكلام عليه في أوائل هذا التعليق.
4917 -
وعن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها فقدم بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ قالوا: أجل يا رسول الله، قال: أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم. رواه البخاري
(2)
ومسلم
(3)
.
قوله: "وعن عمرو بن عوف الأنصاري" هو أبو عبد الله عمرو بن عوف بن زيد بن مليحة، بضم الميم، وقيل: ملحة، بضمها أيضًا، ابن عمرو بن بكر بن أفرك بن عثمان بن عمرو ابن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر المزني.
كان قديم الإسلام، يقال: هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: أول مشاهده الخندق، وكان أحد البكائين في غزوة تبوك الذين نزل فيهم قوله تعالى:
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 202).
(2)
صحيح البخاري (3158 - 4015).
(3)
صحيح مسلم (6)(2961).
{تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}
(1)
. توفي في آخر خلافة معاوية. له عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. ومزينة التي ينسبون إليها هي أم أولاد عثمان بن عمرو
(2)
.
[قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها" الحديث. أبو عبيدة بن الجراح هو الإمام أمير الشام أبو عبيدة بن الجراح هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن وهيب بن ضمنة بن الحارث بن فهر بن مالك، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في الأب السابع وهو فهر بن مالك القرشي، أمين هذه الأمة، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الرجلين الذين عينهما أبو بكر يوم السقيفة للخلافة والآخر عمر، وأحد الخمسة الذين أسلموا في يوم [واحد]
(3)
على يدي الصديق، ولما [هاجروا آخى] رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن معاذ وقد شهدا بدرا والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، ثبت ذلك في الصحيح
(4)
. وقال أنس بن مالك
(5)
: إن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه أن يبعث
(1)
سورة التوبة، الآية:92.
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 33).
(3)
هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(أحد) وهو خطأ.
(4)
صحيح البخاري (3744)، وصحيح مسلم (53 - (2419).
(5)
صحيح مسلم (54)(2419).
معهم رجلا يعلّمهم السنة والإسلام فأخذ بيد أبي عبيدة وقال: هذا أمين هذه الأمة؛ وفتح الله تعالى على يد أبي عبيدة بلادا كثيرة وله مع المشركين غزوات كثيرة ووقعات [شهيرة] منها وقعة حمص الأولى. توفي بالطاعون عام عمواس وقبره بغور بيسان عند قرية تسمى عمتا وعلى قبره من الجلالة ما هو لائق به، وصلى عليه معاذ بن جبل فنزل في قبره هو وعمرو بن العاصي والضحاك بن مزاحم. قاله في مجمع الأحباب]
(1)
. [قوله: "إلى البحرين"، البحران هو اسم لبلاد معروفة وإقليم مشهور يشتمل على مدن قاعدتها هجر، وهكذا يطلق البحرين بلفظ التثنية والنسبة إليه بحراني، والله أعلم]
(2)
. قوله: "فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أي جاءوا فاجتمعوا عند صلاة الصبح معه ليقسم بينهم ما جاء به أبو عبيدة لأنهم أرهقتهم الحاجة والفاقة التي كانوا عليها لا الحرص على الدنيا ولا الرغبة فيها ولذلك قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا وأمِّلوا ما يسركم. وهذا تهوين منه عليهم ما هم فيه من الشدة و [إشارة] لهم بتعجيل الفتح عليهم. قوله: "فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث، التبسم هو ظهور الأسنان عند التعجب بلا صوت، وإن كان مع الصوت فهو إمّا بحيث يسمع جيرانه أم لا [فإن]
(3)
كان فهو
(1)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وهذا تهوين منه عليهم ما هم فيه من الشدة و [إشارة] لهم بتعجيل الفتح عليهم).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
القهقهة وإلا فهو الضحك، اهـ. قاله الكرماني
(1)
. قوله: "أجل يا رسول الله" معناه: نعم.
قوله: "فوالله ما الفقر أخشى عليكم"، [الفقر منصوب على أنه مفعول مقدم بيخشى، ولا يجوز رفعه إلا على وجه بعيد، وفيه ما يدل على أن الفقر أقرب للسلامة والاتساع في الدنيا أقرب إلى الفتنة، نسأل الله تعالى الكفاف والعفاف بمنه وكرمه]، قوله:"ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها" الحديث، كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته من فتح الدنيا عليهم فيخاف عليهم الافتتان بها. قوله:"فتنافسوها" أي فتتنافسوها، فحذفت إحدى التاءين، ومعنى تنافسوها [والتنافس] من المنافسة وهي الرغبة في الشيء والانفراد به، وقيل التنافس التباغض والتحاقد مأخوذ من الشيء النفيس الجيد في نوعه، ونافست في الشيء منافسة ونفاسا إذا رغبت فيه، ونفس بالضم نفاسة أي صار مرغوبا فيه، ونفست به بالكسر أي بخلت، ونفست عليه الشيء نفاسة إذا لم يره له أهلا والله أعلم.
وقال بعض العلماء أيضًا: التنافس المسابقة إلى الشيء وكراهة أخذ غيرك إياه، وهو أول درجات الحسد. وأما الحسد فهو تمني زوال النعمة عن صاحبها، فمعنى ذلك أي يتحاسدون فيها [فيختلفون] ويتقاتلون فيهلك بعضهم بعضا كما قد ظهر ذلك ووجد. وقد سمى في هذا الحديث التحاسد تنافسا توسعا
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (21/ 213).
لقرب ما بينهما، وقال بعضهم أيضًا معناه أي [فترغبون] فيها أي في الدنيا فتكثر أشغالكم في جمعها وتقل طاعتكم وتحصل بينكم العداوة بسبب المال فيقتل بعضكم بعضا وتقعوا في المعاصي. قوله صلى الله عليه وسلم:"فتهلككم كما أهلكتهم"، ومعناه تشغلكم عن أمور دينكم وعن الاستعداد لآخرتكم، اهـ.
4918 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ، ولكن أخشى عليكم التعمد. رواه أحمد
(1)
، ورواته محتج بهم في الصحيح وابن حبان في صحيحه
(2)
، والحاكم
(3)
وقال: صحيح على شرط مسلم.
(1)
أخرجه أحمد (8074)، (10958).
(2)
ابن حبان (3222).
(3)
الحاكم في (المستدرك 2/ 534)، وعنه البيهقي في شعب الإيمان (10314)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه البزار في مسنده - البحر الزخار (9376)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 99)، والحديث ذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/ 133/ 1898)، من هذا الوجه، وعرض الخلاف فيه، وقال: سألت أبي عن أحاديث يرويها أبو نعيم عن جعفر عن ابن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة لولا أنكم تذنبون فتستغفرون فيغفر لكم لأتى الله بقوم فذكر الحديث موقوف. وبهذا الإسناد قال والله ما أخشى عليكم الفقر ولكني أخشى عليكم التكاثر وبهذا الإسناد عن أبي هريرة موقوف. ليس الغنى عن كثرة العرض الحديث قلت لأبي أليس الجزريون يسندون هذه الليلة الأحاديث قال نعم قلت فأيهما أصح قال كما يقول أبو نعيم. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 121)(10/ 236): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (5523)، والصحيحة (2216)، وصحيح الترغيب والترهيب (3256).
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله: "ما أخشى عليكم الفقر ولكن أخشى عليكم التكاثر" الحديث، والفقر منصوب بأخشى، وتقدم معنى الحديث في الحديث قبله.
4919 -
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجاء بابن آدم كأنه بذج فيوقف بين يدي الله، فيقول الله له: أعطيتك وخولتك، وأنعمت عليك، فماذا صنعت؟ فيقول: يا رب جمعته وثمرته، فتركته أكثر ما كان، فارجعني آتك به، فيقول له: أين ما قدمت؟ فيقول: يا رب جمعته وثمرته، فتركته أكثر ما كان، فارجعني آتك به، فإذا عبد لم يقدم خيرا، فيمضى به إلى النار. رواه الترمذي
(1)
عن إسماعيل بن مسلم، وهو المكي رواه عن الحسن وقتادة، وقال: رواه غير واحد عن الحسن ولم يسندوه.
[قوله: البذج] بباء موحدة مفتوحة ثم ذال معجمة ساكنة وجيم: هو ولد
(1)
أخرجه الترمذي (2427)، وقال: وقد روى هذا الحديث غير واحد، عن الحسن، قوله، ولم يسندوه، وإسماعيل بن مسلم يضعف في الحديث. والحديث أخرجه ابن المبارك في مسنده (98)، وفي الزهد والرقائق زوائد نعيم بن حماد (2/ 117)، وهناد في الزهد (2/ 435)، وأبو يعلى (7/ 151)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 310)، والبغوي (4058). وقال الهيثمي في المجمع (10/ 221): رواه أبو يعلى، وفيه مدلسون. وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (5/ 427)، وضعيف، التعليق الرغيب (3/ 11)، وضعيف الجامع الصغير (6413)، وضعيف الترغيب والترهيب (1065). أخرجه أسد بن موسى، في الزهد (83)، قتادة، عن أنس، قال: يوقف ابن آدم، فذكره موقوفًا. وأخرج المروزي في زوائد زهد المبارك (ص 357)، وقال: أخبرنا الفضل بن موسى قال: أخبرنا حزم بن مهران قال: سمعت الحسن، ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكر معناه.
الضأن، وشبه به من كان هذا عمله لما يكون فيه من الصغار والذل والحقارة والضعف يوم القيامة.
قوله: "وعن أنس" تقدم، قوله:"يُجاء بابن آدم كأنه بذج"، الحديث. البذج، [وقد ضبطه الحافظ وفسّره، فقال: هو ولد الضأن، وشبّه به من كان هذا عمله لما يكون فيه من الصغار والذل والحقارة والضعف يوم القيامة، انتهى. وقال بعض العلماء
(1)
البذخ] بالذال المعجمة من أولاد الضأن، بمنزلة العتود من أولاد المعز، وجمعه بذجان، والعتود بفتح العين الصغير من أولاد المعز إذا قوي ورعى وأتى عليه حول، والجمع أعتدة و [عدّات] وأصله عتدان فأدغم، ومعناه أنه يأتي وعليه ذل وليس له منعة كولد الضأن الصغير وهو ضد البذخ بالخاء المعجمة فإنه الفخر والتطاول، اهـ.
4920 -
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فقال: الفقر تخافون أو العوز أم تهمكم الدنيا؟ فإن الله فاتح عليكم فارس والروم، وتصب عليكم الدنيا صبا حتى لا يزيغكم بعد أن زغتم إلا هي. رواه الطبراني
(2)
وفي إسناده بقية.
(1)
غريب الحديث للقاسم بن سلام (1/ 165). الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 299). النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 110). حياة الحيوان الكبرى (2/ 257).
(2)
المعجم الكبير للطبراني (18/ 52/ 93)، وفي مسند الشاميين (1150 - 2527)، وأخرجه أحمد (23982)، وابن أبي عاصم الزهد (173 - 210)، والبزار= البحر الزخار (2758)، وأبو نعيم الأصبهاني دلائل النبوة (467)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 245) رواه الطبراني والبزار بنحوه، ورجاله وثقوا إلا أن بقية مدلس، وإن =
[العوز] بفتح العين والواو: هو الحاجة.
قوله: "وعن عوف بن مالك" هو أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حماد، ويقال: أبو عمرو عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفانى. أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وشهد معه فتح مكة، وكانت معه راية أشجع، نزل الشام، وسكن دمشق، وكانت داره عند سوق الغزل العتيق. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وستون حديثا، روى البخاري منها واحدا ومسلم خمسة.
روى عنه أبو أيوب الأنصاري، والمقدام بن معدى كرب، وأبو هريرة. وروى عنه من التابعين جماعات منهم أبو مسلم، وأبو إدريس الخولانيان، وجبير بن نفير، ومسلم ابن قرضة، وشداد أبو عمار، وراشد بن سعد، ويزيد بن الأصم، وسليم بن عامر، وسالم أبو النضر، وأبو بردة بن أبي موسى، وشرح بن عبيدة، وضمرة بن حبيب، وكثير ابن مرة، وخلق سواهم، واتفقوا على أنه توفى بدمشق سنة ثلاث وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان
(1)
.
قوله: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه" الحديث، معناه: قام فيهم خطيبا يعظهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فقال: الفقر تخافون أم العوز أم تهمكم الدنيا" الحديث. العوز قد ضبطه الحافظ وفسره فقال: هو الحاجة، اهـ. قوله: "فإن الله فاتح
= كان ثقة. وصححه الألباني في الصحيحة (688)، وصحيح الجامع الصغير (9)، وصحيح الترغيب والترهيب (3257).
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 40).
عليكم فارس والروم" الحديث، ومراده صلى الله عليه وسلم ما يفتح على أمته منها من ملك فارس والروم وغيرهم من الكفار الذين ورثت هذه الأمة ديارهم وأموالهم وأراضيهم التي يخرج منها زروعهم وثمارهم وأنهارهم ومعادنهم وغير ذلك مما يخرج من بركات الأرض، [و] هذا من أعظم المعجزات وهو إخباره بظهور أمته على كنوز فارس والروم وأموالهم وديارهم ووقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
4921 -
وروي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس عدوك الذي إن قتلته كان لك نورا، وإن قتلك دخلت الجنة، ولكن أعدى عدو لك ولدك الذي خرج من صلبك، ثم أعدى عدو لك مالك الذي ملكت يمينك. رواه الطبراني
(1)
.
قوله: "عن أبي مالك الأشعري" تقدمت ترجمته، قوله صلى الله عليه وسلم:"قال ليس عدوك الذي إن قتلته كان لك نورا وإن قتلك دخلت الجنة" الحديث، الأعداء على أقسام منها: الشيطان لقوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}
(2)
، ومنها النفس أيضًا عدوة لأنها الأمارة بالسوء إلا ما رحم الله،
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 294/ 3445)، وفي الشاميين (1668)، قال الهيثمي في المجمع (10/ 245): رواه الطبراني وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4891)، والضعيفة (4375)، وضعيف الترغيب والترهيب (1890).
(2)
سورة فاطر، الآية:6.
ومنها الزوجات والأولاد لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}
(1)
، ومنها المال، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: أعدى عدو لك مالك الذي ملكت يمينك، وبقية الأعداء كثيرة تذكر في كتب الوعظ والرقائق.
4922 -
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الشيطان لعنه الله: لن يسلم مني صاحب المال من إحدى ثلاث: أغدو عليه بهن وأروح: أخذه من غير حله، وإنفاقه في غير حقه، وأحببه إليه، فيمنعه من حقه. رواه الطبراني
(2)
بإسناد حسن.
قوله: "وعن عبد الرحمن بن عوف" تقدمت ترجمته. قوله: "قال الشيطان: لن يسلم مني صاحب المال من إحدى ثلاث أغدو عليه بهن وأروح" الحديث، الغُدوُّ هو والرواح هو.
قوله: "إنفاقه في غير حقّ" أي في المعاصي المهلكات. قوله: "وأحببه إليه فيمنعه من حقه" أي من الزكاة والطاعات.
(1)
سورة التغابن، الآية:14.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/ 136/ 288) وقد أخرجه ابن المبارك (ص 192)، والبزار= البحر الزخار (1030)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (500)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 245): رواه الطبراني، وإسناده حسن. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 434) رواه الطبراني بإسناد حسن. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1891)، وفي الضعيفة (4870).
4923 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه أَنه كَانَ يُعْطي النَّاس عطاءهم فَجَاءَهُ رجل فَأعْطَاهُ ألف دِرْهَم ثم قَالَ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ الدِّينَار وَالدِّرْهَم وهما مهلكاكم رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد جيد
(1)
.
4924 -
وَعَن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اطَّلَعت فِي الْجنَّة فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا الْفُقَرَاء واطلعت فِي النَّار فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا الْأَغْنِيَاء وَالنِّسَاء رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد
(2)
.
وتقدم معنى حديث ابن مسعود وعبد الله بن عمر اللذين بعده.
4925 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وجلسنا حوله فقال: إن مما أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها. رواه البخاري
(3)
ومسلم
(4)
في حديث.
(1)
أخرجه البزار (1612) و (1613)، وابن الأعرابى (903)، والطبراني في الكبير (10/ 95 رقم 10069). قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه. قال الدارقطني في العلل (5/ 159): الصحيح وقفه.
قال الهيثمي في المجمع 3/ 122: رواه الطبراني في الكبير، وفيه يحيى بن المنذر، وهو ضعيف. وقال في 10/ 237: رواه البزار، وإسناده جيد. وكذلك قال البوصيرى في الاتحاف: 7/ 471. وصححه الألباني في الصحيحة (1703) وصحيح الترغيب (3258).
(2)
أخرجه أحمد 2/ 159 (6611). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 261: رواه أحمد، وإسناده جيد. وقال ابن حجر في المطالب 18/ 628: هذا إسناد حسن. وضعفه الألباني في الضعيفة (2800) وضعيف الترغيب (1848) و (1892).
(3)
صحيح البخاري (1465).
(4)
صحيح مسلم (123)(1052).
قوله: "عن أبي سعيد الخدري" تقدمت ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مما أخاف عليكم ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها" الحديث. الزهر والزهرة البياض النير، وهو أحسن الألوان مأخوذ من زهرة الأشجار وهو ما يصفرّ من نوارها، والنور هو الأبيض منه، هذا قول ابن الأعرابي، وحكى أبو حنيفة أن النور والزهر سواء، وقد فسّرها عليه الصلاة والسلام بأنها بركات الأرض أي ما تزهر به الأرض من الخيرات والخصب، اهـ. قاله القرطبي
(1)
. وزهرة الدنيا حسنها وبهجتها وكثرة خيرها، ففي الحديث التحذير من الاغترار بالدنيا والنظر إليها والمفاخرة بها.
4926 -
وعن أبي سنان الدؤلي أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنده نفر من المهاجرين الأولين، فأرسل عمر إلى سفط أتي به من قلعة العراق، فكان فيه خاتم فأخذه بعض بنيه، فأدخله في فيه، فانتزعه عمر منه، ثم بكى عمر رضي الله عنه، فقال له من عنده: لم تبكي، وقد فتح الله عليك، وأظهرك على عدوك، وأقر عينك؟ فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقى الله عز وجل بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وأنا أشفق من ذلك. رواه أحمد
(2)
بإسناد حسن والبزار
(3)
(1)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/ 63).
(2)
مسند أحمد (93).
(3)
البزار (311)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 236) رواه أحمد، والبزار، وأبو يعلى في الكبير، وإسناده حسن. وقال ابن كثير في مسند الفاروق (3/ 55) هذا إسناد جيد، لأن ابن لهيعة قد صرح فيه بالتحديث فزال محذور تدليسه، لكن قال الإمام علي ابن =
وأبو يعلى
(1)
. [السفط] بسين مهملة وفاء مفتوحتين: هو شيء كالقفة أو كالجوالق.
قوله: "وعن أبي سنان الدّؤلي" اسمه يزيد بن أمية ويقال: اسمه ربيعة، روى عن علي وابن عباس وأبي واقد الليثي وعنه زيد بن أسلم ونافع والزهري قال أبو زرعة ثقة وقال أبو حاتم: ولد زمن أحد وذكره ابن حبان في الثقات وقال أراده هشام بن إسماعيل على أن يسب عليا فأبى له في السنن حديثه عن ابن عباس في الحج قلت: وما حكاه ابن حبان ذكره البخاري في تاريخه الكبير بإسناده وذكره في الأوسط في فصل من مات ما بين الثمانين إلى التسعين وذكره ابن عبد البر في أسماء الصحابة.
قوله: "أنه دخل على عمر بن الخطاب وعنده نفر من المهاجرين الأولين" الحديث. تقدم الكلام على النفر في مواضع وأنهم من الثلاثة إلى التسعة، والمهاجرون الأولون هم الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين هاجروا قبل بيعة الرضوان أو الذين شهدوا بدرا.
قوله: "فأرسل عمر إلى سفط أتي به من قلعة العراق"، الحديث. [السفط] قد ضبطه الحافظ وفسره فقال: هو شيء كالقفة أو كالجُوالق اهـ، والجُوالق
= المديني: الحسن بن موسى إنما سمعه من ابن لهيعة بآخره، وإنما يروى حديث ابن لهيعة ممن سمع منه قبل أن يصاب بكتبه، مثل ابن المبارك وأبي عبد الرحمن. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (4871)، وضعيف الترغيب والترهيب (1893).
(1)
أبو يعلى في الكبير كما في المقصد العلي (4/ 474/ 1971).
هو الوعاء من جلدو وثياب وغيرها، وهو فارسي معرب، وأصله: كواله، والجمع: الجوالق، بفتح الجيم والجواليق بزيادة الياء آخر الحروف.
وقوله: "أتي به من قلعة العراق" والقلعة بفتح اللام، لا يجوز سوى ذلك والجمع قلاع
(1)
، ومنه عند أهل النحو سماعا وقياسا رقبة ورقاب وعقبة وعقاب، والذي حكى [الجمع] جماعة من اللغويين منهم الإمام الثقة أبو زيد وكان ابن الأعرابي يقول
(2)
إن القلعة لا تجمع قلاعا، والذي قاله من جهة السماع والقياس معا، قال: وإنما تجمع قلعا. والقلعة في اللغة أيضًا السحابة العظيمة، فشبهت بها. قوله رضي الله عنه:"وأنا أشفق من ذلك"، الإشفاق الخوف.
4927 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس إذ قام أعرابي فيه جفاء فقال: يا رسول الله أكلتنا الضبع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غير ذلك أخوف عليكم حين تصب عليكم الدنيا صبابا، فيا ليت أمتي لا تلبس الذهب، رواه أحمد
(3)
والبزار
(4)
، ورواة أحمد رواة الصحيح.
(1)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1271) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1271).
(2)
الجليس الصالح والأنيس الناصح (1/ 85)، وتاريخ مدينة دمشق (58/ 231).
(3)
رواه أحمد 5/ 178، والحديث؛ أخرجه الطيالسي (448)، وابن أبي شيبة (34374)، وابن أبي عاصم في الزهد (175)، والطبراني في الأوسط (3964)، والبيهقي، في شعب الإيمان (9833)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 147)، (10/ 237): رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (4154)، وضعيف الترغيب والترهيب (1894).
(4)
البزار في مسنده (3984 و 3985)، (3986).
[الضبع] بضاد معجمة مفتوحة وباء موحدة مضمومة: هي السنة المجدبة.
قوله: "وعن أبي ذر" تقدم الكلام عليه. قوله: "إذ قام أعرابي فيه جفاء" الحديث، الأعرابي هو مفرد الأعراب، وهم سكان البادية من جيل العرب، قاله الكرماني
(1)
. قوله: "أكلنا الضبع" الضبع ضبطه الحافظ وفسره فقال هي السنة المجدبة، اهـ. وقال في النهاية
(2)
يعني السنة المجدبة وهي في الأصل الحيوان المعروف [كنى به عن سنة الجدب][والعرب تكني عن سنة الجدب]
(3)
ومنه حديث عمر رضي الله عنه خشيت أن [يأكله] الضبع. قوله صلى الله عليه وسلم: "فيا ليت أمتي لا تلبس الذهب" وفي رواية: "الديباج"، والديباج هو الثياب المتخذة من الإبريسم فارسي معرب، وسيأتي الكلام عليه قريبا.
4928 -
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنا لفتنة السراء أخوف عليكم من فتنة الضراء إنكم ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وإن الدنيا حلوة خضرة. رواه أبو يعلى
(4)
والبزار
(5)
، وفيه راو لم يسم وبقية رواته رواة الصحيح.
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (21/ 58).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 73).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
أبو يعلى في مسنده (780)، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 93)، والبيهقي في شعب الإيمان (9826)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4648)، وفي السلسلة الضعيفة (4296)، وضعيف الترغيب والترهيب (1895).
(5)
أخرجه البزار في مسنده (1168).
قوله: "وعن سعد بن أبي وقاص" تقدمت ترجمته. قوله: "وإن الدنيا خضرة حلوة" الحديث، [فأما المال فإنه خضرة حلوة]
(1)
وقد وصف المال والدنيا بهذا الوصف في أحاديث كثيرة تقدم الكلام عليها، ومعنى خضرة غضة ناعمة طرية، أي أن هذا المال شيء كالخضرة أو كالبقلة الخضرة كذا في الميسّر.
4929 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة، فاستقبلنا أحد، فقال: يا أبا ذر قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي عليه ثالثة، وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول في عباد الله: هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه، وعن شماله، وعن خلفه، ثم سار فقال: إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال: هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه، وقليل ما هم، ثم قال لي: مكانك لا تبرح حتى آتيك، الحديث. رواه البخاري
(2)
واللفظ له ومسلم
(3)
، وفي لفظ لمسلم
(4)
قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: هم الأخسرون ورب الكعبة. قال: فجئت حتى جلست، فلم أتقار أن قمت فقلت يا رسول الله: فداك أبي وأمي
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
صحيح البخاري (2388، 6268، 6444).
(3)
صحيح مسلم (32)(94).
(4)
صحيح مسلم (30)(990).
من هم؟ قال: هم الأكثرون أموالا إلا من قال: هكذا وهكذا وهكذا وهكذا من يديه، ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم، الحديث.
الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة، ورواه ابن ماجه
(1)
مختصرا: الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة إلا من قال: هكذا وهكذا، وكسبه من طيب قوله:"وعن أبي ذر" تقدم الكلام عليه. قوله: "كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة" الحديث، الحرة أرض تركبها حجارة سود. قوله:"فاستقبلنا أحد" أحد اسم جبل بالمدينة [قوله]صلى الله عليه وسلم: ما يسّرني أن عندي مثل أحد ذهبا تمضي عليه ثالثة وعندي منه دينار" [إلا شيء أرصده لدين، الحديث. الحرة أرض تركبها حجارة سود، وقوله: "فاستقبلنا أحد"، أحد اسم جبل بالمدينة. قوله: "ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي عليه ثالثة وعندي منه دينار"]
(2)
، وإنما قيّد ذلك بالثلاث لأنه لا يتأتى تفريق جبل الذهب في أقل من ثلاث ولو استغرق في ذلك أوقاته واستعان بكل أحد. قوله:"إلا شيء أرصده لدين" ومعنى أُرصِده بضمّ الهمزة أي أُعِدُّه من أرصدت كذا العقوبة
(1)
سنن ابن ماجه (4130). والحديث؛ أخرجه البزار (4071)، وابن حبان (3331)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 220): إسناده صحيح ورجاله ثقات. وقال الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (5/ 234): صحيح دون زيادة: وكسبه من طيب؛ فإنها منكرة - الصحيحة (1766 - التحقيق الثاني)، وقال في ضعيف موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (ص: 57): هو في الصحيح غير قوله: وكسبه من طيب. ضعيف بهذه الزيادة، صحيح بدونها -. انظر: صحيح الترغيب والترهيب (3260).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
إذا أعددتها له وحقيقته [إذا] جعلتها على طريقه كالمترقبة له كذا في كتاب النهاية
(1)
، وفيه دليل على تقديم وفاء الدين على الصدقة، ثم يحتمل أن يكون المراد إرصاده لصاحب دين غائب حتى يحضر فيأخذ دينه ويحتمل أن يكون المراد إرصاده لوفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفيه، اهـ. وفيه أنه لا ينبغي للمؤمن أن يستغرق في كثير الدين خشية العجز عن أدائه، قاله الكرماني
(2)
. قوله: "فقال إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة" أي أن الأكثرين مالا [هم]
(3)
الأقلون ثوابًا إلا من تصدق بماله في مرضات الله يمينا وشمالا وبين يديه.
قوله: "إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم"، والأحاديث من هذه الأنواع كثيرة جدا والمقصود أن من وثق بوعد الله تعالى وتحقق بالتوكل على الله وأيقن بالخلف من الله فيما ينفقه لله فلا يضره إنفاق جميع ماله في سبيل الله كما فعل سيدنا أبو بكر الصديق وبخ بخ ما أعظمها عند الله تعالى من فعلة وما أجلّ ثوابها وأجزل أجرها، ولكن ما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وأما من كان ضعيف التوكل واهي اليقين فليترك لعياله بعض ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك حين قال له
(4)
:
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 226).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (10/ 195).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
صحيح البخاري (2757)، وصحيح مسلم (53)(2769).
إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، وكذلك قال لسعد
(1)
: إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس.
فإن قلت: فهلا يدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم استشعر منهما ضعف التوكل كما قدمت.
قلت: الواجب أن لا يتوهم مثل هذا في الصحابة وحاشاهم من ذلك رضي الله عنهم، والظاهر [أنّ] النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهما بذلك ليتأسّى بفعلهم ضعفاء التوكل خشية أن يقتدوا بأفعال الأقوياء مع ضعفهم فيقعوا في الندم بعد الإنفاق فتنقص أجورهم أو تحبط فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، فمن كان عنده ضعف في التوكل واليقين فلينفق البعض ويترك البعض اقتداء بمن ذكر ومن قوي توكله فلينفق كيف شاء كما فعل الصديق الأكبر وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وأما ترك الإنفاق بالجملة مع القدرة فهو إلقاء باليد إلى التهلكة ولا رخصة فيه البتة، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. قاله ابن النحاس.
قوله في الحديث: "ثم قال لي: مكانك لا تبرح حتى آتيك" أي الزم مكانك وفي تتمة الحديث، "ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى. فسمعت صوتا قد ارتفع فتخوفت أن يكون أحد عَرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأردت أن آتيه فذكرت قوله لا تبرح حتى آتيك فلم أبرح حتى أتاني فقلت: لقد سمعت صوتا
(1)
صحيح البخاري (1295)، وصحيح مسلم (5)(1628).
تخوفت، فذكرت، فقال: وهل سمعت له؟ قلت: نعم. فقال: ذاك جبريل عليه السلام أتاني فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق. قال: وإن زنى وإن سرق" رواه البخاري في الرقائق
(1)
ومسلم في الزكاة
(2)
عن أبي ذر.
قوله في [الحديث]: فلم أتقارَّ أن قمت، أي [لم] ألبث؛ الحديث. أي لم يمكني القرار والثبات. وأصله: أتقارَرُ فأدغمت الراء في الراء. قوله صلى الله عليه وسلم: "قال هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا" الحديث. فيه الحث على الصدقة في وجوه الخير وأنه لا يقتصر على نوع من وجوه البر بل ينفق [في كل وجه من وجوه الخير يمكنه، وأما إشارته صلى الله عليه وسلم إلي قدام ووراء والجانبين فمعناها ما ذكرناه أنه ينبغي أن ينفق] متى حضر أمر مهم. وقال بعض العلماء إنما خص الجهات الأربع ولم يذكر فوقه وتحته موافقة لقوله تعالى حكاية عن إبليس {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ}
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم في رواية ابن ماجه "إلا من قال هكذا وهكذا وكسبه من طيب" المراد بالطيب الحلال.
فائدة تتعلق بالتوكل: فإنه تقدم الكلام على بعض معناه. قال الله تعالى:
(1)
صحيح البخاري (1237).
(2)
صحيح مسلم (153)(94).
(3)
سورة الأعراف، الآية:17.
{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
(1)
، وقال:{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
(2)
.
(3)
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}
(4)
، وقال [تعالى لرسوله]صلى الله عليه وسلم {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا}
(5)
، والآيات في ذلك كثيرة جدا.
وقال أبو ثور: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول
(6)
: نزه الله تعالى نبيه ورفع قدره فقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}
(7)
، وذلك أن الناس في التوكل على أحوال شتى، متوكل على نفسه أو على ماله أو على جاهه أو على سلطانه أو على صناعته أو على غلته أو على الناس وكل مستند إلى حي يموت أو إلى ذاهب يوشك أن ينقطع، فنزّه الله تعالى نبيه عن ذلك وأمره أن يتوكل على الحي الذي لا يموت، اهـ. وأجمع القوم على أن التوكل لا ينافي السعي في الأسباب فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فلا يصح التوكل إلا مع القيام بها وإلا فهو بطالة وتوكل فاسد، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له والتوكل بالقلب عليه إيمان به. قال سهل
(1)
سورة المائدة، الآية:23.
(2)
سورة التوبة، الآية:51.
(3)
اللوحة 168 تكرار للوحة 167 ومن اللوحة 169 - 189 مكررة.
(4)
سورة الطلاق، الآية:3.
(5)
سورة إبراهيم، الآية:12.
(6)
أحكام القرآن للشافعي (2/ 180).
(7)
سورة الفرقان، الآية:58.
التستري: من طعن في الحركة يعني في السعي والكسب فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم، والكسب سنته فمن عمل على حاله فلا يتركن سنته، قاله ابن رجب
(1)
. وقال ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس
(2)
: ظن بعضهم أن التوكل قطع الأسباب وإخراج الأموال.
قلت: لو فهم هؤلاء معنى التوكل وأنه ثقة القلب لله عز وجل لا إخراج صور المال ما قالوا هذا، ولكن قلَّ فهمهم وقد كان سادات الصحابة والتابعين يتَّجرون ويجمعون الأموال، وما قال مثل هذا أحد منهم، وقد روي عن أبي بكر الصديق أنه قال حين أمر بترك الكسب لأجل شغله بالخلافة فمن أين أطعم عيالي، اهـ. وقال أهل الحقيقة: اعلم أن معنى التوكل على الله هو الثقة بما عند الله تعالى واليأس عما في أيدي الناس، وقيل التوكل الاعتماد على الحق والتخلي من الخلق، وقيل التوكل الثقة بالوعد وترك التدبير لغد، وقال بعضهم التوكل هو انطراح القلب بين يدي الله تعالى كانطراح الميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء، وقال سهل التوكل الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد ومنهم من يفسره بالرضى فيقول هو الرضا بالمقدور. وقال بشر الحافي رحمة الله عليه
(3)
: يقول أحدهم توكلت
(1)
جامع العلوم والحكم (1/ 437).
(2)
تلبيس إبليس (1/ 227).
(3)
مدارج السالكين (2/ 115).
على الله يكذب على الله، لو توكل على الله رضي بما يفعل الله. وسئل يحيى بن معاذ
(1)
: متى يكون الرجل متوكلًا؟ فقال: إذا رضي بالله وكيلا. والذي يقوي التوكل ثلاث خصال: حسن الظن بالله تعالى، والثاني نفي التهم عن الله عز وجل.
والثالث: الرضا عن الله عز وجل فيما [جرى] به التقدير، ولا تنال هذه المنزلة إلا باليقين، فإن اليقين إذا تمّ سمى تمامه توكلًا، قاله الهروي.
وقد مدح الله تعالى التوكل وحثّ عليه في كتابه العزيز وقال النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
: التوكل نصف العبادة، وروى ابن ماجه
(3)
والترمذي
(4)
والحاكم
(5)
وصححه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو توكلتم على تعالى حق توكله لرزقكم كما
(1)
مدارج السالكين (2/ 115).
(2)
ابن ماجه (4164).
(3)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (559) وابن أبي الدنيا في التوكل (1) والنسائي في الكبرى (تحفة 8/ 79) أحمد (1/ 30) وفي الزهد (ص 25) وعبد بن حميد (10) ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 488) والبزار (340) وأبو يعلى (247) وابن حبان (730) وأبو نعيم في الحلية (10/ 69) والبيهقي في الآداب (1089) وأبو نعيم في الحلية (10/ 69) والقضاعى (1444)، والخطيب في المتفق (1710) والبغوي في شرح السنة (4108)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (652)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5254)، والصحيحة (310).
(4)
الترمذي (2344) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو تميم الجيشاني اسمه عبد الله بن مالك.
(5)
الحاكم (4/ 318) وقال: صحيح الإسناد.
يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا، معناه تذهب أول النهار ضامرة البطون من الجوع وترجع آخر النهار ممتلئة البطون. قال الإمام أحمد بن حنبل
(1)
ليس في هذا الحديث دلالة على القعود عن الكسب بل فيه ما يدل على طلب الرزق، وإنما أراد والله أعلم لو توكلوا على الله في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم وعلموا أن الخير بيده ومن عنده لم ينصرفوا إلا سالمين غانمين كالطير تغدو خماصا وتروح بطانا، لكنهم يعتمدون على قوتهم وكسبهم، وهذا خلاف التوكل.
وفي الإحياء
(2)
في أوائل كتاب أحكام الكسب قيل للإمام أحمد ما تقول في الذي يجلس في بيته أو [مسجده] ويقول لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي؟ فقال الإمام أحمد
(3)
: هذا رجل جهل العلم، [أما] سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(4)
(1)
شعب الإيمان (2/ 66)، حياة الحيوان الكبرى (2/ 136).
(2)
إحياء علوم الدين (2/ 63).
(3)
حياة الحيوان الكبرى (2/ 136).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (19629 و 33561)، وأحمد (5114 و 5115 و 5667)، وأبو داود (4031)، وعبد بن حميد (848) وأبو داود (4031) والدينوري في المجالسة (147) وابن الأعرابي في معجمه (1137) والطبراني في مسند الشاميين (216) وتمام في فوائده (843)،، والهروي في ذم الكلام وأهله (476)، والخطيب في الفقيه (2/ 73) وابن عبد البر في التمهيد (11/ 76) والبيهقي في شعب الإيمان (1154)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (766)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (67/ 257 - 258) وابن الجوزي في التلبيس (ص 212) والمزي في التهذيب (34/ 324 - 325) والذهبي في سير الأعلام (15/ 509) والبخاري تعليقًا كتاب الجهاد والسير باب ما قيل في الرماح (3/ 1067)، =
إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي. وقوله صلى الله عليه وسلم
(1)
حيث ذكر الطير تغدو خماصا وتروح بطانا، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم، والقدوة بهم، اهـ. والله أعلم.
= وقال ابن حجر في تغليق التعليق (3/ 445) عن ابن عمر مرفوعًا قال الذهبي: إسناده صالح، قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 505) رواه أحمد من حديث ابن عمر جعل رزقي تحت ظل رمحي وإسناده صحيح. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 267) رواه الطبراني، وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وثقه ابن المديني وأبو حاتم وغيرهما وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 49) رواه أحمد، وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وثقه ابن المديني، وغيره، وضعفه أحمد، وغيره، وبقية رجاله ثقات. إتحاف الخيرة المهرة (5/ 203) روى أبو داود في كتاب اللباس منه ومن تشبه بقوم فهو منهم دون باقيه، عن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به، وسكت عليه، فهو عنده حديث صالح للعمل به والاحتجاج. وصححه الألباني في صحيح الجامع (2831).
(1)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (559) أحمد (1/ 205 - 370 - 373) وفي الزهد (ص 25) وعبد بن حميد (10) الترمذي (2344) ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 488) وابن أبي الدنيا في التوكل (1) والبزار (340) والنسائي في الكبرى (11805)، وأبو يعلى (247) وابن حبان (730) والحاكم (4/ 318) وأبو نعيم في الحلية (10/ 69) والقضاعى (1444) والبيهقي في الآداب (1089)، وفي شعب الإيمان (1139)، والخطيب في المتفق (1710) والبغوي في شرح السنة (4108) وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (652) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو تميم الجيشاني اسمه عبد الله بن مالك.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد وصححه الألباني في صحيح الجامع (5254)، والصحيحة (310).
4930 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في نخل لبعض أهل المدينة فقال: يا أبا هريرة هلك المكثرون إلا من قال: هكذا وهكذا وهكذا ثلاث مرات حثا بكفيه عن يمينه، وعن يساره، ومن بين يديه، وقليل ما هم، الحديث. رواه أحمد
(1)
، ورواته ثقات وابن ماجه
(2)
بنحوه.
قوله: "وعن أبي هريرة"، تقدم. قوله:"حثى بكفيه عن يمينه وعن شماله" الحديث. قال أهل اللغة: يقال حثيت أحثي حثيا وحثوت أحثو حثوا لغتان، والحثو هو الحفن باليدين، وقد جاءت اللغتان، قاله صاحب التنقيح.
4931 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، وإن الأكثرين هم الأسفلون إلا من قال: هكذا وهكذا عن يمينه، وعن يساره، ومن خلفه، وبين يديه، ويحسي بثوبه. رواه ابن حبان في صحيحه
(3)
.
(1)
مسند أحمد (8085، 10795)، والحديث؛ أخرجه الطيالسي (2578)، وعبد الرزاق (20547)، وإسحاق بن راهوية (266: 368)، والبزار (9635)، والمعافى بن عمران الموصلي في الزهد (1)، والطبري في تهذيب الآثار مسند ابن عباس (409)، والطبراني في الدعاء (1635: 1637)، والحاكم (1/ 517)، والبيهقي، في شعب الإيمان (650)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 50): رواه أحمد، وروى الترمذي منه حديث: لا حول ولا قوة إلا بالله، وله عند ابن ماجه: الأكثرون هم الأقلون ورجاله ثقات أثبات. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1766)، وصحيح الترغيب والترهيب (3261).
(2)
ابن ماجه (4131).
(3)
صحيح ابن حبان (3217)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 441) رواه أبو =
ورواه ابن ماجه
(1)
باختصار. وقال في أوله: ويل للمكثرين.
[قال الحافظ]: وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة تدور على هذا المعنى اختصرناها.
قوله وعن ابن مسعود تقدم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن الأكثرين هم الأسفلون" قال أبو نصر [هو من الحنيفية:] إن كان [الغني] مسلما فهو أسفل درجة في الجنة وإن كان كافرا فهو أسفل درجة في النار. قوله: "إلا من قال هكذا وهكذا عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه ويحثي بثوبه"، تقدم الكلام على معنى هذا الحديث. دل الحديث على كراهية إمساك المال وما أحسن ما قال بعض الفضلاء:
إذا جادت الدنيا عليك فجُد بها
…
على الناس طُرًّا قبل أن تتفلّت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت
…
ولا البخل يبقيها إذا هي ولَّت
4932 -
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل عني، أو سره أن ينظر إلي فلينظر إلى أشعث شاحب مشمر لم يضع لبنة على لبنة،
= بكر بن أبي شيبة بسند ضعيف لضعف الهجري وصححه الألباني في الصحيحة (1766)، (2412)، التعليق الرغيب (4/ 108)، وصحيح الترغيب والترهيب (3262).
(1)
سنن ابن ماجه (4129)، والحديث؛ أخرجه هناد في الزهد (609)، وعبد بن حميد (888)، وأحمد (11259)، وأبو يعلى (1083)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 220): هذا إسناد ضعيف لضعف عطية والراوي عنه رواه الإمام أحمد في مسنده عن محمد بن عبيد عن الأعمش عن عطية به ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده هكذا، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7137)، وفي السلسلة الصحيحة (2412).
ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه، اليوم المضمار وغدا السباق، والغاية الجنة أو النار. رواه الطبراني في الأوسط
(1)
.
قوله: "وعن عائشة" تقدمت ترجمتها. قوله صلى الله عليه وسلم: "من سأل عني أو سرّه أن ينظر إليّ فلينظر إلى أشعث أغبر شاحب مشمر" الحديث. [الأشعث] الأغبر هو البعيد العهد بتسريح شعره ودهنه.
قوله: "شاحبا"[الشاحب المتغير اللون والجسم لعارض من مرض أو جزع أو سفر أو نحوهما، وقد شحب يشحب شحوبا، ومنه حديث ابن الأكوع: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحبا] شاكيا؛ وحديث الحسن: لا تلقى المؤمن إلا شاحبا، لأن الشحوب من آثار الخوف وقلة المأكل والتنعم. قاله ابن الأثير في النهاية
(2)
.
قوله: مشمر، التشمير كناية عن الاجتهاد في العبادة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لم يضع لبنة على لبنة" الحديث، اللبنة [الطوبة] التي يبني بها، وفيها لغتان: إحداهما فتح اللام وكسر [الهاء] وجمعها لبن بإسقاط الهاء كنبقة ونبق. الثانية كسر اللام وسكون الباء وجمعها لبن بكسر اللام وفتح
(1)
في المعجم الأوسط (3241)، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 10)، وقال في المجمع (10/ 258): رواه الطبراني في الأوسط وفيه سليمان بن أبي كريمة وهو ضعيف. وأورده الألباني في الضعيفة (10/ 477)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1117): وللطبراني في الأوسط من حديث عائشة بسند ضعيف، وصححه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1896).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 448).
الباء كسدرة و [سِدَرَ ذكره] القاضي عياض
(1)
وأبو العباس القرطبي
(2)
. قلت وفيها لغة ثالثة وهي بفتح اللام وإسكان الباء كنظائرها، و [قد] ذكرها النووي والله أعلم.
4933 -
وعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقلوا الدخول على الأغنياء، فإنه أحرى أن لا تزدروا نعم الله عز وجل. رواه الحاكم
(3)
، وقال: صحيح الإسناد.
"وعن عبد الله بن الشخير" هو عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب بن وقدان بن الجريش، وهو معاوية بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكعبي الجرشي البصري، وهو والد مطرف، ويزيد. روى له مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين. روى عنه ابناه
(4)
.
(1)
طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 221).
(2)
تفسير القرطبي (14/ 73)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (19/ 26).
(3)
أخرجه الحاكم (4/ 312)، وقال: صحيح الإسناد، وأخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 327)، وابن عدي في الكامل (6/ 144)، والبيهقي في الشعب (9806). وقال ابن عدي: هذا الحديث بهذا الإسناد غير محفوظ، وقال العقيلي (3/ 327) في ترجمة عمار بن زربي أبي المعتمر الضرير. فيه الغالب على حديثه الوهم ولا يعرف إلا به، وقال الذهبي في الميزان (5/ 199) وقد سمع من عمار بن زربى عبدان الأهوازي، وتركه ورماه بالكذب. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1080)، والضعيفة (2868)، وضعيف الترغيب والترهيب (1897): ضعيف جدًّا.
(4)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 272).
قوله صلى الله عليه وسلم: "أقلوا الدخول على الأغنياء فإنه أحرى أن لا تزدروا نعم الله تعالى" الحديث. أحرى معناه أجدر "تزدروا" تحتقروا. قال ابن جرير وغيره هذا حديث جامع لأنواع من الخير، لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه، وإذا نظر إلى من دونه فيها ظهرت له نعمة الله تعالى عليه فشكرها وتواضع وفعل ما فيه الخير.
[تتمة: عقّب الغزالي في الإحياء
(1)
هذا الحديث؛ [فقال: مثال للدنيا وأهلها في اشتغالهم بنعيم الدنيا، وغفلتهم عن الدنيا وحسراتهم العظيمة بسببها بقوله: اعلم أن أهل الأرض في غفلتهم مثلهم مثل قوم] ركبوا سفينة فانتهت بهم إلى جزيرة، فأمرهم الملاح بالخروج لقضاء الحاجة وحذرهم المقام وخوفهم مرور السفينة واستعجالها فتفرقوا في نواحي الجزيرة فقضى بعضهم الحاجة وبادروا إلى السفينة فصادفوا المكان خاليا [فأخذوا] أوسع الأماكن [وأثبتها] وأوفقها لمرادهم.
وبعضهم توقف في الجزيرة ينظر إلى أنوارها وأزهارها العجيبة وغياضها الملتفة ونغمات [أطيارها][الطيبة]
(2)
وألحانها الموزونة الغريبة وصار يلحظ من تربتها وأحجارها وجواهرها ومعادنها المختلفة الألوان والأشكال الحسنة المنظر العجيبة الألوان السالبة أعين الناظرين بحسن زخرفها
(1)
إحياء علوم الدين (3/ 217).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
وعجائب صورها ثم تنبه [لخطر]
(1)
[لفوات] السفينة فرجع إليها فلم يصادف إلا مكانا ضيقا حرجا فاستقر فيه. وبعضهم أكب على تلك الأصداف والأحجار وأعجبه حسنها ولم تسمح نفسه بإهمالها فاستصحب منها جملة فلم يجد في السفينة إلا مكانا ضيقا وزادته الأحجار ضيقا وصارت ثقلا عليه ووبالا فندم على أخذها ولم يقدر على رميها ولم يجد مكانا لها فحملها في السفينة على رقبته وهو يتأسف على [أخذها] ولم ينفعه التأسف. وبعضهم تولج الغياض ونسي المركب وبعد في متفرجه ومتنزهه [منه]
(2)
حتى لم يبلغه نداء الملاح لاشتغاله بأكل تلك الثمار والتشمم لتلك الأنوار والتفرج بين تلك الأشجار وهو مع ذلك خائف على نفسه من السباع وغير خال عن السقطات والنكبات ولا ينفك عن شوك ينشب بثيابه وعصاه يجرح بدنه وشوكه يدخل في رجله وصوت هائل يفزع منه وعوسج يخرق ثيابه ويهتك عورته ويمنعه عن الانصراف لو أراده فلما بلغهم نداء [أهل]
(3)
الملاح انصرف بعضهم مثقلا بما معه ولم يجد في المركب موضعا فبقي [على] الشط حتى مات جوعا. وبعضهم لم يبلغه النداء وسارت السفينة فمنهم من افترسته السباع ومنهم من تاه [فهام]
(4)
على وجهه حتى هلك
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
ومنهم من مات في الأوحال ومنهم من نهشته الحيات فتفرقوا كالجيف المنتنة. وأما من وصل إلى المركب بثقل ما أخذه من الحجارة المزبرجة فقد استرقّه وشغله الحزن بحفظها والخوف من فوتها وقد ضيقت عليه مكانه فلم يلبث أن خمدت ألوان تلك الأحجار وذبلت تلك الأزهار وظهر نتن رائحتها [فصار متأذيا برائحتها] مع كونها مضيقة عليه فلم يجد حيلة إلا أن ألقاها في البحر هربا منها وقد أثر فيه ما أكل منها فلم ينته إلى الموطن إلا بعد أن ظهر عليه من الأسقام بتلك الروائح ما [أوفقه] فبلغ سقيما عليلا. ومن رجع قريبا فما فاته إلا سعة المحل فتأذى بضيق المكان مدة ولكن لما وصل إلى الموطن استراح. ومن رجع أولا وجد المكان [واسعا] ووصل إلى الوطن سالما فهذا [مثال أوصاف] أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة ونسيانهم موردهم ومصدرهم وغفلتهم عن عاقبة [أمرهم] وما أقبح [بمن] يزعم أنه بصير عاقل أن تغره أحجار الأرض وهي الذهب والفضة وهشيم النبت وهي زينة الدنيا وشيء منه لا يصحبه عند الموت بل يصير كلا ووبالا عليه وهو في الحال شاغل له بالحزن والخوف عليه وهذه حال الخلق كلهم إلا من عصمه الله تعالى. اهـ]
(1)
.
* * *
(1)
حصل تقديم لهذه الصحائف في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله في ما سبق:
يصبح الإنسان فيها فرحًا
…
ربما أمسى إلى القبر انتقل