المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٢

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في قتل الوزَغ وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر

- ‌الترغيب في إنجاز الوعد والأمانة والترهيب من إخلافه ومن الخيانة والغدر وقتل المعاهد أو ظلمه

- ‌القتل في سبيل الله يكفر الدنوب كلها إلا الأمانة

- ‌الترغيب في الحب في الله تعالى والترهيب من حب الأشرار وأهل البدع ونحوهم لأن المرء مع من أحب

- ‌الترهيب من السحر وإتيان الكهان والعرافين والمنجمين بالرمل والعصى أو نحو ذلك وتصديقهم

- ‌الترهيب من الطيرة

- ‌فوائد يختم بها الباب:

- ‌الترهيب من تصوير الحيوانات والطيور في البيوت وغيرها

- ‌الترهيب من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية

- ‌الترهيب من اللعب بالنرد

- ‌الترغيب في الجليس الصالح والترهيب من الجليس السيئ

- ‌الترهيب أن ينام المرء على سطح لا تحجير له أو يركب البعر عند ارتجاجه

- ‌الترهيب أن ينام الإنسان على وجهه من غير عذر

- ‌الترهيب من الجلوس بين الظل والشمس والترغيب في الجلوس مستقبل القبلة

- ‌الترهيب من سفر الرجل وحده أو مع آخر فقط وما جاء في خير الأصحاب

- ‌ترهيب المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم

- ‌الترغيب في ذكر اللّه تعالى لمن ركب دابة

- ‌الترهيب من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره

- ‌الترغيب في الدلجة وهو السّير بالليل والترهيب من السفر أوله ومن التعريس في الطرق والافتراق في المنزل والترغيب في الصلاة إذا عرس الناس

- ‌الترغيب في ذكر اللّه تعالى لمن عثرت دابته

- ‌الترغيب في كلمات يقولوهن من نزل منزلا

- ‌الترغيب في دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر

- ‌[الترغيب في دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر]

- ‌الترغيب في الموت في الغربة

- ‌الترغيب في سكنى الشام وما جاء في فضلها

- ‌كتاب التوبة والزهد واتباع السيئة الحسنة

- ‌الترغيب في التوبة والمبادرة بها

- ‌الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى والترهيب من الاهتمام بالدنيا والإقبال عليها

- ‌الترغيب في العمل الصالح عند فساد الزمان

- ‌الترغيب في المداومة على العمل

- ‌الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم

- ‌الترغيب في الزهد في الدنيا والاكتفاء منها بالقليل والترهيب من حبها والتكاثر فيها والتنافس وبعض ما جاء في عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المأكل والملبس والمشرب ونحو ذلك

الفصل: ‌الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم

‌الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم

4804 -

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بين أيديكم عقبة كؤودا لا ينجو منها إلا كل مخف. رواه البزار

(1)

بإسناد حسن.

قوله: "عن أبي الدرداء" تقدم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بين أيديكم عقبة كؤودا" الحديث، العقبة الكئود بفتح الكاف وبعدها همزة مضمومة هي العقبة الصعبة. قاله الحافظ المنذري. وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي في المتجر الرابح: الكئود هي العقبة الوَعِرة الصعبة المرتقى. قوله: "لا ينجو منا إلا كلّ مخف"، المخف الخفيف الحال يقال أخف الرجل إذا خفت حاله.

4805 -

وعن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنهما قال: قلت له: مالك لا تطلب ما يطلب فلان وفلان؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن وراءكم عقبة كؤودا لا يجوزها المثقلون فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة. رواه الطبراني

(2)

بإسناد صحيح.

(1)

مختصر زوائد مسند البزار (2297)، وقال البزار: هذا إسناد صحيح، لا نعلمه إلا من هذا الوجه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3176)، وفي السلسلة الصحيحة (2480).

(2)

معجم ابن الأعرابي (515)، وأخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 531)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 226)، والحاكم (4/ 618)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 97): رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3177).

ص: 524

[الكؤود] بفتح الكاف وبعدها همزة مضمومة: هي العقبة الصعبة.

قوله: "وعن أم الدرداء عن أبي الدرداء"، أم الدرداء هي خيرة بفتح الخاء المعجمة بنت أبي حدرد الأسلمية من فاضلات الصحابيات وعاقلاتهن وعابداتهن، ماتت بالشام في خلافة عثمان رضي الله عنه. قاله الكرماني

(1)

. وتقدم الكلام على ترجمة أبي الدرداء.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ من وراءكم عقبة كئودا" أي أمامكم، كما في قوله تعالى:{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}

(2)

، لأن العقبة إذا كانت أمام المسافر وقدامه هي التي يخافها لأنه يحتاج إلى أن يقطعها فأما التي تكون خلفه فإنه لا يبالي بها. والكئود الشاقة [الصعبة]، وتقدم ذلك. قاله شارح الأربعين الودعانية.

قوله: "لا يجوزها المثقلون"، الحديث، وفي حديث آخر خففوا أثقالكم الحديث الأثقال جمع ثقل بفتحتين وهو متاع المسافر ومتاع البيت وجمع ثِقْل أيضًا بوزن حِمل. قال الله تعالى:{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ}

(3)

، والمراد بها في الحديث الخطايا والأوزار، كما في قوله تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}

(4)

، والمراد بتخفيف الأثقال تقليل الذنوب والخطايا والله أعلم. قوله:

(1)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/ 40).

(2)

سورة الكهف، الآية:79.

(3)

سورة النحل، الآية:7.

(4)

سورة العنكبوت، الآية:13.

ص: 525

"فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة" الحديث. يقال أخف الرجل فهو مُخِف وخفّ وخفيف إذا خفت حاله ودابته وإذا كان قليل الثقل يريد به المخف من الذنوب وأسباب الدنيا وعلقها ومنه الحديث الآخر: نجا المخفّون، ومنه حديث ابن مسعود أنه كان خفيف ذات اليد، أي فقيرا قليل المال والحظّ من الدنيا، ويجمع الخفيف على أخفاف، اهـ، قاله في النهاية

(1)

.

4806 -

وروي عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو آخذ بيد أبي ذر، فقال: يا أبا ذر: أعلمت أن بين أيدينا عقبة كؤودا لا يصعدها إلا المخفون. قال رجل: يا رسول الله أمن المخفين أنا أم من المثقلين؟ قال: عندك طعام يوم؟ قال: نعم، وطعام غد. قال: وطعام بعد غد؟ قال: لا. قال: لو كان عندك طعام ثلاث كنت من المثقلين. رواه الطبراني

(2)

.

قوله: "وروي عن أنس"، تقدم. قوله:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو آخذ بيد أبي ذر"، وفي الحديث ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر، الحديث. الخضراء: السماء، والغبراء: الأرض. توفي رضي الله عنه بالربذة وهي بلدة معروفة على ثلاث مراحل من المدينة قريبة من ذات عرق، وتقدمت ترجمته رضي الله عنه. وتقدم الكلام على حديثه في الحديثين قبله.

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 54).

(2)

الطبراني في الأوسط (4809)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 263) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جنادة بن مروان قال أبو حاتم: ليس بالقوي، وبقية رجاله ثقات، وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1847)، والضعيفة (6692): ضعيف جدًا.

ص: 526

4807 -

وعن أبي أسماء أنه دخل على أبي ذر وهو بالربذة وعنده امرأة سوداء مشنعة ليس عليها أثر المحاسن، ولا الخلوق، فقال: ألا تنظرون إلى ما تأمرني هذه السويداء؟ تأمرني أن آتي العراق، فإذا أتيت العراق مالوا علي بدنياهم، وإن خليلي صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة، وإنا أن تأتي عليه، وفي أحمالنا اقتدار واضطمار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه، ونحن مواقير. رواه أحمد

(1)

، ورواته رواة الصحيح.

[الدحض] بفتح الدال وسكون الحاء المهملتين، وبفتح الحاء أيضًا، وآخره ضاد معجمة: هو الزلق.

قوله: "وعن أبي أسماء" اسمه عمرو بن مرثد الرحبى الشامى الدمشقى قال ابن سميع: اسم أبيه أسماء روى عن ثوبان وأبي ذر وشداد بن أوس ومعاوية بن أبي سفيان وأبي هريرة وأبي ثعلبة الخشني وعمرو البكالي وأبي الأشعث الصنعاني إن كان محفوظا روى عنه أبو الأشعث الصنعاني وأبو قلابة الجرمي وشداد بن عمار ومكحول الشامي وراشد بن داود الصنعاني ويحيى بن الحارث الذماري وربيعة بن يزيد القصير وصالح بن جبير. قال

(1)

أحمد (21416)، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 236)، والحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث (1087)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (1/ 161)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 258) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 436): رواه أبو بكر بن أبي شيبة والحارث بن أبي أسامة. وأحمد بن حنبل بسند الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3178).

ص: 527

العجلي: شامي تابعي ثقة ذكره بن حبان في الثقات وقال ابن زبر: الرحبي نسبة إلى رحبة دمشق قرية من قراها بينه وبين دمشق ميل رأيتها عامرة قلت وذكر أبو سعد بن السمعاني أنه من رحبة حمير وقال: مات في خلافة عبد الملك بن مروان ويروي عن أبي داود أن اسم أبي أسماء الرحبي عبد الله.

قوله: "أنه دخل على أبي ذر وهو بالربذة وعنده امرأة سوداء مشنعة ليس عليها أثر المجاسد ولا الخلوق" الحديث. المشنعة القبيحة، يقال: منظر شنيع وأشنع ومشنع، قاله ابن الأثير في النهاية

(1)

، وفي بعض نسخ الترغيب: وعنده امرأة سوداء شعثة، ولعله تصحيف، والشعثة بكسر العين المهملة الشعثاء وهي المغبرة الرأس المنتشرة الشعر، قاله الكرماني

(2)

.

قوله: "ليس عليها أثر المجاسد" هي جمع مجسد بضم الميم وهو المصبوغ المشبع بالجسد وهو الزعفران أو العصفر. قاله في النهاية

(3)

. وقال صاحب المغيث

(4)

المجاسد هي جمع مجسد بضم الميم وهو الثوب المصبوغ المشبع بالجساد وهو الزعفران والعصفر أيضًا والمجسد بكسر الميم الثوب الذي يلي الجسد، اهـ. وقال بعضهم أيضًا المجاسد الثياب الحمر واحدها مجسد، اهـ. والخلوق بفتح الخاء المعجمة طيب يخلط

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 505).

(2)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (19/ 173).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 271).

(4)

المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/ 328).

ص: 528

بزعفران. قوله: "ألا تنظرون إلى ما تأمرني هذه السويداء" يعني امرأته، "تأمرني أن آتي العراق فإذا أتيت العراق مالوا علي بدنياهم" الحديث. السويداء تصغير السوداء، والعراق إقليم معروف. كذا قوله:"وإن خليلي صلى الله عليه وسلم عهد إلي أنّ دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة" الحديث، عهد إليّ: أوصاني.

وقوله: "طريقا ذا دحض ومزلة" الدحض بفتح الدال وسكون الحاء المهملتين، وبفتح الحاء أيضًا، وآخره صاد معجمة، هو الزلق، قاله الحافظ. والمزلة بفتح الميم وفي الزاي لغتان مشهورتان بالكسر والفتح، هو المكان الذي لا تثبت عليه القدم إلا زلت.

قوله: "وإنا إن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار واضطمار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير" الحديث.

قوله: وأحرى، بالحاء المهملة، مقصورا معناه أولى وأوجب والمواقير جمع موقر وهو الذي حمل فوق طاقته، قاله الحافظ الدمياطي، والوِقر بكسر الواو الحمل وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار، والله أعلم.

4808 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل ليحمي (11) عبده المؤمن الدنيا، وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب (12). رواه الحاكم

(1)

، وقال: صحيح الإسناد.

(1)

الحاكم (4/ 208). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1814)، وفي صحيح الترغيب والترهيب (3179).

ص: 529

قوله: "وعن أبي سعيد" تقدم. قوله: "إنّ الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب" الحديث، أي كما تمنعون مريضكم الطعام والشراب، والحمية المنع، فأشار إلى الحمية والحمية الدينية، الحمية أصلها من حميته حماية أي دافعت [عنه]، تقول حميت المريض الطعام حمية وحموة واحتميت من الطعام احتماء.

قال الشيخ أبو عبد الله القرطبي

(1)

، في شرح الأسماء الحسنى: حكي أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعلي بن حسين ليس في كتابكم من علم الطيب شيء، والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان، فقال له علي: قد جمع الله الطب في نصف آية من كتابنا، فقال: ما هي؟ فقال: قوله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}

(2)

، فقال النصراني: لا يؤثر عن رسولكم شيء من الطب؟ فقال علي: رسولنا صلى الله عليه وسلم جمع الطيب في كلمات يسيرة، قال: ما هي؟ قال: المعدة بيت الأدواء والحِمْيَة رأس الدواء، وأعطِ كل جسد ما عودته. فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا. ثم قال: قال علماؤنا: يقال أن معالجة المريض نصفان نصف دواء ونصف حمية، فإن اجتمعا فكأنك بالمريض قد برئ وصح وإلا فالحمية به أولى إذ لا ينفع دواء مع ترك الحمية وقد تنفع الحمية مع ترك الدواء، ويقال أن الهند جل معالجتهم بالحمية؛ [يمتنع] المريض عن الأكل والشرب والكلام عدة [عدة

(1)

تفسير القرطبي (7/ 192).

(2)

سورة المسرفين، الآية:31.

ص: 530

أيام، فيبرأ و] يصح، وقال بعض الحكماء أكبر الدواء تقدير الغذاء وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بيانًا شافيًا يغني عن كلام الأطباء فقال: ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، الحديث.

قال العلماء: لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه، وقالوا ليس للبطنة أنفع من جوعة [تتبعها]، اهـ. قاله في الديباجة.

4809 -

وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله عز وجل عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء. رواه الطبراني

(1)

بإسناد حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه

(2)

، والحاكم

(3)

بلفظ

(1)

المعجم الكبير للطبراني (4/ 252) 4296)، وأخرجه أحمد بن منيع (المطالب العالية 13/ 628)، والطبري في تهذيب الآثار مسند ابن عباس (484)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2661، 2662)، والبيهقي في شعب الإيمان (9965)، والقضاعي في مسند الشهاب (1397)، والشجري في الأمالي (2/ 163)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 285) رواه الطبراني، وإسناده حسن. قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 431) رواه أحمد بن منيع. ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه عن قتادة بن النعمان مرفوعًا. . . فذكره. وله شاهد من حديث أبي سعيد رواه الحاكم وصححه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3180).

(2)

صحيح ابن حبان (669)، وأخرجه الترمذي (2036)، وقال: وهذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث، عن محمود بن لبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلا. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3181).

(3)

المستدرك (4/ 230)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وشيوخ هذا الحديث وبيانه فيما أمر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 531

من حديث أبي قتادة وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

قوله: "وعن رافع بن خديج" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحبّ الله عبدا حماه الدنيا" تقدم معناه في الحديث قبله.

4810 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء. رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

، ورواه أحمد

(3)

بإسناد جيد من حديث عبد الله بن عمرو إلا أنه قال فيه: واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء.

قوله: "وعن ابن عباس" تقدمت ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء" الحديث، الاطلاع عبارة كذا.

4811 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن موسى صلوات الله وسلامه عليه قال: أي رب عبدك المؤمن تقتر عليه في الدنيا؟ قال: فيفتح له باب من الجنة فينظر إليها، قال له: يا موسى: هذا ما أعددت له، فقال موسى: أي رب وعزتك وجلالك لو كان أقطع اليدين والرجلين يسحب على

(1)

علقه البخاري (6449).

(2)

صحيح مسلم (94)(2737).

(3)

مسند أحمد (6611)، وأخرجه ابن أبي شيبة (المطالب العالية 18/ 628) ابن حبان في صحيحه (7489)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 261) رواه أحمد، وإسناده جيد، وقال ابن حجر: هذا إسناد حسن. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2800)، وضعيف الترغيب والترهيب (1892)، وضعيف الجامع الصغير وزيادته (911).

ص: 532

وجهه منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة، وكان هذا مصيره لم ير بؤسا قط. قال: ثم قال موسى: أي رب عبدك الكافر توسع عليه في الدنيا؟ قال: فيفتح له باب من النار، فيقال له: يا موسى! هذا ما أعددت له. فقال موسى: أي رب وعزتك وجلالك لو كان له الدنيا منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة، وكان هذا مصيره كأن لم ير خيرا قط. رواه أحمد

(1)

من طريق ابن لهيعة عن دراج.

قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "عن موسى صلى الله عليه وسلم أنه قال أي رب عبدك المؤمن تقتر عليه في الدنيا" الحديث، التقتير عبارة عن التضييق في الرزق، ضد التوسع في الرزق. قوله:"لم ير بؤسا قط" البؤس والبأس هو الشدة. قوله في آخر الحديث: "من طريق ابن لهيعة" وابن لهيعة اسمه عبد الله تقدم الكلام عليه.

تنبيه: قال ابن عباس رضي الله عنهما: شكى نبي من الأنبياء إلى ربه عز وجل فقال: يا رب أطيعك وأجتنب معاصيك وتزوي عني الدنيا وتعرض لي البلاء، والكافر يعصيك وتبسط له الدنيا. فأوحى الله تعالى إليه: إن العباد لي والبلاد لي وكل يسبح بحمدي فيكون المؤمن عليه من الذنوب فأزوي عنه الدنيا وأعرض له البلاء فيكون كفارة لذنوبه وزيادة في درجاته ويكون للكافر حسنات فأبسط له الدنيا وأزوي عنه البلاء جزاء بحسناته وزيادة

(1)

مسند أحمد (11767) ومن طريقه أبو نعيم في صفة الجنة (41) والحديث؛ أخرجه أبو نعيم، في صفة الجنة (40). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 267) رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، ودراج، وقد وثقا على ضعف فيهما، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1849).

ص: 533

في درجاته، اهـ. تنبيه: قال القاضي عياض

(1)

: انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم والله أعلم كذا كذا كذا.

4812 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟ قال: إنهم كانوا عبادا يعبدوني، ولا يشركون بي شيئا، وتسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء. قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار رواه أحمد

(2)

والبزار

(3)

، ورواتهما ثقات، وابن

(1)

شرح النووي على مسلم (3/ 87).

(2)

مسند أحمد (6570).

(3)

البزار (3665)، وأخرجه ابن أبي عاصم في الأوائل (57)، وعبد بن حميد في المنتخب (352)، والطبري في التفسير (7/ 491)، والآجري في الغرباء (52)، وأبو نعيم في الحلية 1/ 347، وفي صفة الجنة (81)، والبيهقي في البعث (414)، وفي الشعب (10380)، وابن عساكر الأربعون في الجهاد (1/ 90)، وإسماعيل الأصبهاني قوام السنة في الترغيب والترهيب (837)، وعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي في التوحيد لله عز وجل (ص 110)، وقال =

ص: 534

حبان في صحيحه

(1)

.

قوله: "وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "هل تدرون أو من يدخل الجنة من خلق الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: الفقراء المهاجرون" الحديث، وفي الخبر أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه أفضل الصلاة والسلام إذا رأيت الفقر مقبلا إليك فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنا مقبلا إليك فقل ذنب عجلت عقوبته.

فائدة: مراد القوم وهم السادة الصوفية بالفقر تحقيق العبودية والافتقار إلى الله تعالى في كل حالة وهذا الفقر الذي يشيرون إليه لا تنافيه الجِدَة ولا الأملاك فقد كان رسل الله وأنبياؤه في ذورته مع جدتهم وملكهم كإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام كان أبا الضيفان وكانت له المواشي والأموال وكذلك كان سليمان عليه السلام وكذلك داود وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)}

(2)

فكانوا أغنياء في فقرهم، فقراء في غناهم،

= الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 259): قلت: له حديث في الصحيح غير هذا. رواه أحمد، والبزار، والطبراني، وزاد بعد قول الملائكة: وسكان سماواتك: وإنك تدخلهم الجنة قبلنا. ورجالهم ثقات.، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 270) رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر، وعبد بن حميد، وأحمد بن حنبل، والبزار، وأبو يعلى، وعنه ابن حبان في صحيحه. ورواه أحمد بن منيع مختصرا،، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (10/ 405) 7378)، وصحيح الترغيب والترهيب (3183).

(1)

ابن حبان (7421).

(2)

سورة الضحى، الآية:9.

ص: 535

فالفقر الحقيقي هو دوام الافتقار إلى الله تعالى في كل حال وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى من كل وجه. وقيل: أركان الفقر أربعة: ذكر يؤنسه وورع يحجزه ويقين يحمله وعلم يسوسه. وقال الشبلي: حقيقة الفقر أن لا تستغني بشيء دون الله

(1)

، قاله في تهذيب النفوس.

قوله: "المهاجرون" المهاجرون هم الذين هاجروا من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة لإظهار دين الله تعالى. قوله: "تُسدّ بهم الثغور"، [الثغور] جمع ثغر وهو الموضع الذي يكون حدا فاصلا بين بلاد المسلمين والكفار؛ وهو موضع المخافة من أطراف البلاد.

قوله: "وتتقى بهم المكاره" جمع مكره وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه، والكره بالضم والفتح: المشقة.

4813 -

وعن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حوضي ما بين عدن إلى عمان أكوابه عدد النجوم، ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل، وأكثر الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين. قلنا: يا رسول الله صفهم لنا قال: شعث الرؤوس دنس الثياب الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم السدد الذين يعطون ما عليهم، ولا يعطون ما لهم. رواه الطبراني

(2)

،

(1)

مدارج السالكين (2/ 410 - 412).

(2)

الطبراني في المعجم الكبير (2/ 99/ 1437)، (2/ 100/ 1443)، وفي الشاميين (904) و (1206) و (1411) و (1625)، وفي الأوسط (396)، وفي الأوائل (39) أخرجه =

ص: 536

ورواته رواة الصحيح، وهو في الترمذي

(1)

وابن ماجه

(2)

بنحوه. [السدد] هنا: هي الأبواب.

قوله: "وعن ثوبان" هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقدم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم:"إن حوضي ما بين عدن إلى عمان" الحديث، عدن بلدة معروفة في اليمن مما يلي البحر سميت برجل من حمير عدن بها أي أقام وهي مدينة لطيفة وإنما اشتهر اسمها لأنها مرسى [البحرين].

ومنها تسافر مراكب الهند والسند والصين وإليها [تجلب] بضائع هذه الأقاليم ويحيط بها من شمالها جبل دائر [من] البحر إلى البحر [وفي طرفيه نقبان] كالبابين يدخل منهما ويخرج وبينهما [وبين] البابين مدينة [الزنج] مسيرة أربعة أيام وعمّان البلقاء بتشديد الميم وفتح العين [فهي] قرية من عمل دمشق بالشام وسميت بعمّان بن لوط بن هاران كان سكنها فيما ذكروا وسيأتي الكلام على ذلك في أحاديث الحوض أبسط من هذا.

= أحمد (5/ 275)، والحاكم (4/ 184)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 260) رواه الطبراني.- وفي رواية عنده: وأكثر الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين. بدل: أول من يرده. ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (2060). (3162) وانظر: الصحيحة (1082)، صحيح الترغيب والترهيب (3184).

(1)

الترمذي (2444)، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، عن النبي، وأبو سلام الحبشي اسمه: ممطور، وهو شامي ثقة.

(2)

ابن ماجه (4303)

ص: 537

قوله: "أكوابه عدد النجوم"[الأكواب] جمع كوب وهو كوز لا عروة له، وسيأتي الكلام على ذلك في أحاديث الحوض.

تنبيه: قال النووي

(1)

: الصواب أن هذا العدد للآنية على ظاهره ولا مانع عقلي ولا شرعي يمنع من ذلك، بل ورد الشرع به مؤكدا بالقسم وقال القاضي عياض

(2)

هذا إشارة إلى كثرة العدد وغاية الكثرة من باب قوله صلى الله عليه وسلم: لا يضع العصى عن عاتقه والله، وسيأتي ذلك في أحاديث الحوض، والله أعلم. قوله:"قلنا يا رسول الله صفهم لنا. قال: شعث الرءوس دنس الثياب"، الحديث، الشعب بضم الشين المعجمة جمع أشعث وهو البعيد العهد بدهن رأسه وغسله وتسريح شعره، والدنس ثيابا بضم الدال والنون جمع دنس وهو الوسخ. قوله:"ولا تفتح لهم السّدد" قال الحافظ: السدد هنا هي الأبواب، اهـ، أي لا تفتح لهم الأبواب لعدم الاكتراث بهم.

4814 -

وعن أبي سلام الأسود أنه قال لعمر بن عبد العزيز: سمعت ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأوانيه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وأول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المنعمات، ولا تفتح لهم السدد. قال عمر: لكني قد نكحت المنعمات فاطمة بنت عبد الملك،

(1)

شرح النووي على مسلم (15/ 56).

(2)

شرح النووي على مسلم (15/ 56).

ص: 538

وفتحت إلي السدد، لا جرم أني لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ. رواه الترمذي

(1)

، وابن ماجه

(2)

والحاكم

(3)

، واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد.

قوله: "وعن أبي سلام الأسود" كذا. قوله: "أنه قال لعمر بن عبد العزيز" الحديث. وعمر بن عبد العزيز هو ابن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس الأموي التابعي الخليفة الراشد وهو أشج [بني أمية]، أجمع على جلالته وفضله ووفور علمه وزهده وعدله وشفقته على المسلمين، صلى أنس بن مالك خلف قبل خلافته ثم قال ما رأيت أحدا

(1)

الترمذي (2444) قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

ابن ماجه (4303).

(3)

الحاكم (4/ 184)، والحديث؛ أخرجه الطيالسي (1088)، وأحمد (22367)، وابن أبي عاصم، في السنة (706) و (707) و (747) و (749)، وفي الآحاد والمثاني (459) و (460)، وفي الأوائل (186)، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (3)، والبزار (4167)، والروياني (653)، والباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (63)، (64)، (65)، والدولابي في الكنى 2/ 77، وتمام في فوائده (1760)، والآجري في الشريعة ص 353، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1385)، والبيهقي في البعث والنشور (135)، وفي الشعب (10003).

وقال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه متصلا بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه عن ثوبان وإسناده حسن محمد بن مهاجر ثقة والعباس بن سالم ليس به بأس، وأبو سلام مشهور. وانظر: الصحيحة (1082)، صحيح سنن ابن ماجه برقم (3472)، ضعيف سنن ابن ماجه برقم (937).

ص: 539

أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، تولى الخلافة سنة تسع وتسعين ومدة خلافته سنتان وخمسة أشهر وأربعة عشر يوما نحو خلافة الصديق رضي الله عنه فملأ الأرض قسطا وعدلا ولي الأمر بعهد من سليمان بن عبد الملك له وذلك أنه لما توفي سليمان [صاح النساء عليه، تحيَّر الناس]، فخرج [إليهم]

(1)

رجاء بن حيوة ومعه ابن معبد فقال رجاء إن سليمان مات وقد أعلمتكم في حياته [أنه قد عهد] عندي عهدا وها هو [ففضّ] فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله سليمان أمير المؤمنين إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم سلام عليكم، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على محمد صلى الله عليه وسلم، وقد استخلفت عليكم عمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك من بعده اسمعوا لهما وأطيعوا، والسلام.

بكى عمر بن عبد العزيز يوما فبكت زوجته فاطمة لبكائه وبكت أهل الدار معهما ثم قالت له زوجته يا أمير المؤمنين [مم] بكيت؟ قال: يا فاطمة ذكرت منصرف القوم بين يدي الله عز وجل فريق في الجنة وفريق في السعير ثم خر وغشي عليه.

وقال رضي الله عنه لها: تمت حجة الله على ابن الأربعين فمات لها عمر لعشر [ليال] بقين من رجب وقيل لست سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثين سنة وستة أشهر. وتوفي بدير سمعان من أرض حمص وقبره هناك، وصلى عليه يزيد بن عبد الملك. وقال رجاء بن حيوة قومت ثياب عمر بن عبد

(1)

هكذا في الأصل وهو الأصوب، وفي النسخة الهندية:(الناس) ولعله سبق قلم.

ص: 540

العزيز وهو خليفة اثنا عشر درهما. صفته: كان [أسمر] نحيفا حسن الوجه غائر العينين حسن اللحية بجبهته أثر شجة من دابة، فلذلك قيل أشج بني أمية، وخطه الشيب، اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء" فذكر الحديث إلى أن قال: "من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا" الحديث، الظمأ مقصور مهموز هو العطش. قوله: قال عمر بن عبد العزيز لكني نكحت المنعمات فاطمة بنت عبد الملك، هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، وتقدم الكلام على غريب ألفاظ هذا الحديث في الأحاديث قبله والله أعلم.

4815 -

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا، فقيل: صفهم لنا؟ قال: الدنسة ثيابهم الشعثة رؤوسهم الذين لا يؤذن لهم على السدات، ولا ينكحون المنعمات توكل بهم مشارق الأرض ومغاربها يعطون كل الذي عليهم، ولا يعطون كل الذي لهم. رواه الطبراني في الكبير

(1)

(1)

الطبراني في المعجم الكبير (12/ 315/ 13223)، وفي مسند الشاميين (649) وأخرجه أحمد (6162)، والإسماعيلي في معجمه (45) ومن طريقه البيهقي في الشعب (10381)، وقال ابن أبي حاتم (العلل 2/ 133): وسألت أبي عن حديث؛ رواه قتادة بن الفضيل، عن أبي حاضر، عن الوضين بن عطاء، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا الحديث.

قال أبي: هذا حديث باطل بهذا الإسناد، يروون هذا الحديث عن أبي سلام، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشبه أن يكون هذا من حديث سالم. قلت: ما حال قتادة بن الفضل؟ =

ص: 541

والأوسط

(1)

، ورواته ثقات. ورواه مسلم

(2)

مختصرًا: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فقراء أمتي المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا. رواه ابن حبان في صحيحه

(3)

مختصرا أيضًا، وقال: بأربعين عامًا.

قوله: "وعن عبد الله بن عمرو" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا"، تقدم الكلام على الفقراء المهاجرين، وأما الخريف فهو الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء ويؤيد به هنا أربعين سنة لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة فإذا انقضى

= قال: شيخ هو رهاوي.

قلت: أبو حاضر من هو قال: مجهول قال الهيثمي: أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه منكرُ الحديث (المجمع)(1/ 170) قال الذهبي في (الميزان)(4/ 512): (مجهول) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 366) قلت: حديث ابن عمر في الصحيح بغير هذا السياق، وهذا على الصواب موافقا لرواية الناس، والذي في الصحيح: كما بين جربى وأذرح. وهما قريتان إحداهما إلى جنب الأخرى. وقال بعض مشايخنا - وهو الشيخ العلامة: صلاح الدين العلائي -: إنه سقط منه، وهو: كما بينكم وبين جربى وأذرح. وإنه وقع بها سمعت هذا منه. رواه أحمد، والطبراني من رواية عمرو بن عمر الأحموسي، عن المخارق بن أبي المخارق، واسم أبيه: عبد الله بن جابر، وقد ذكرهما ابن حبان في الثقات، وشيخ أحمد: أبو المغيرة من رجال الصحيح. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 260) رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات.، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3186).

(1)

الأوسط (3477).

(2)

أخرجه مسلم (2979) عن عبد الله بن عمرو.

(3)

ابن حبان (678) عن عبد الله بن عمرو.

ص: 542

أربعون خريفا فقد مضت أربعون سنة ومنه الحديث أن أهل النار يدعون مالكا أربعين خريفا، قاله في النهاية

(1)

. قال أبو طالب المكي

(2)

إن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا، كذلك أغنياء الكفار يدخلون النار قبل فقرائهم بأربعين خريفا، اهـ.

4816 -

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجتمعون يوم القيامة، فيقال: أين فقراء هذه الأمة؟ قال: فيقال لهم: ماذا عملتم؟ فيقولون: ربنا ابتلينا فصبرنا، ووليت الأموال والسلطان غيرنا، فيقول الله جل وعلا: صدقتم. قال: فيدخلون الجنة قبل الناس، ويبقى شدة الحساب على ذوي الأموال والسلطان. قالوا: فأين المؤمنون يومئذ؟ قال: يوضع لهم كراسي من نور ويظلل عليهم الغمام يكون ذلك اليوم أقصر على المؤمنين من ساعة من نهار. رواه الطبراني

(3)

وابن حبان في صحيحه

(4)

.

قوله: "وعن عبد الله بن عمرو" تقدم. قوله: "توضع كراسي من نور" الكراسي جمع كرسي كذا.

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 25).

(2)

الديلمي عن أبي برزة، وفيه: نفيع بن الحارث متروك كنز العمال (6/ 203).

(3)

المعجم الكبير للطبراني (13، 14/ 553/ 14445)، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 206) عن الطبراني، وقال أبو نعيم: غريب من حديث شعبة، تفرد به عنه مسكين بن بكير، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 337) رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير أبي كثير الزبيدي، وهو ثقة، وقال الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (10/ 405) حسن - التعليق الرغيب (4/ 87)، وصحيح الترغيب والترهيب (3187).

(4)

ابن حبان (7419).

ص: 543

4817 -

وعن عبد الرحمن بن سابط قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى سعيد بن عامر: إنا مستعملوك على هؤلاء تسير بهم إلى أرض العدو، فتجاهد بهم. قال فذكر حديثا طويلا قال فيه: قال سعيد: وما أنا بمتخلف عن العنق الأول بعد إذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فقراء المسلمين يزفون كما تزف الحمام فيقال لهم: قفوا للحساب، فيقولون: والله ما تركنا شيئا نحاسب به، فيقول الله عز وجل: صدق عبادي، فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عاما. رواه الطبراني

(1)

وأبو الشيخ بن حيّان في الثواب، ورواتهما ثقات إلا يزيد بن أبي زياد.

قوله: "وعن عبد الرحمن بن سابط" هو عبد الرحمن بن سابط بن أبي حميضة بن عمرو بن أهيب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي المكي ذكره الهيثم عن عبد الله بن عياش في الفقهاء من أصحاب ابن عباس. قال الواقدي وغير واحد: مات سنة ثماني عشرة ومائة وقال ابن سعد: أجمعوا على ذلك وكان ثقة كثير الحديث. له في صحيح مسلم حديث واحد في الفتن

(1)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6/ 59/ 5511)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 246)، المعافى بن عمران في الزهد (42)، والبيهقي في البعث والنشور (413)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (21/ 145)، وابن الجوزي في المنتظم (4/ 301)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 261) رواه الطبراني. - وذكر بعده عن سعيد بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثله. وفي إسناديهما يزيد بن أبي زياد، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجالهما ثقات. ورواه البزار، عن سعيد بن عامر بنحوه كذلك. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1850).

ص: 544

قلت: وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين يقول: عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط ومن قال عبد الرحمن بن سابط فقد أخطأ وكذا ذكره البخاري وأبو حاتم وابن حبان في الثقات وغير واحد كلهم في عبد الرحمن بن عبد الله وقال تابعي ثقة.

قوله: "أرسل عمر بن الخطاب إلى سعيد بن عامر إنا مستعملوك على هؤلاء تسير بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم"، سعيد بن عامر قال أبو الفرج بن الجوزي: أسلم قبل خيبر وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل إليه عمر بن الخطاب

(1)

: إنا مستعملوك على هؤلاء تسير بهم إلى أرض العدو ولما أتى أمير عمر [إلى] الشام طاف بكُوَرها ثم نزل بحمص فأمر أن يكتب له فقراؤهم فكتب له فلما رفع إليه الكتاب إذا فيه سعيد بن عامر أمير حمص، [قال]

(2)

فعجب عمر، قال: كيف يكون أميرهم فقيرا، أين عطاؤه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين لا يمسك شيئا. فبكى عمر ثم عمد إلى ألف دينار فصرَّها وبعث بها إليه، وقال أقرِه مني السلام [وقولوا] بعث بهذه إليك لتستعين بها على حاجتك، فلما وصلت إليه نظرها فإذا هي دنانير فجعل يسترجع، فقالت له امرأته ما شأنك يا فلان؟ مات أمير المؤمنين؟ [قال:] بل أعظم من ذلك. قالت: [فما] شأنك؟ قال: الدنيا أتتني، الفتنة دخلت عليّ، قالت: فاصنع بها ما شئت، قال: فأخذ [ذريعة] له فصرّ الدنانير فيها صررا ثم جعلها في مخلاة

(1)

صفة الصفوة (1/ 664)، والزهد لابن حنبل (ص 185).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 545

ثم دفعها إلى جيش من جيوش المسلمين فأمضاها كلها.

وفي رواية أخرى: أنه تصدق بها على الأرامل واليتامى والمساكين، ثم قال لامرأته دفعناها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها. قال الواقدي: توفي سنة عشرين قاله في مجمع الأحباب. قوله: "إن فقراء المسلمين يزفون كلما يزف الحمام" وفي حديث آخر: فيجيء فقراء المسلمين يزفون كما تزف العروس، الحديث. قول سعيد: وما أنا بمتخلف عن العنق الأول، المراد بالعنق الأول الطائفة أو الجماعة من الناس، هذا هو الذي يظهر من قوله العنق، ومنه الحديث يخرج عنق من النار، الحديث.

4818 -

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فطلعت الشمس فقال: يأتي قوم يوم القيامة نورهم كنور الشمس قال أبو بكر: نحن هم يا رسول الله؟ قال: لا، ولكم خير كثير، ولكنهم الفقراء المهاجرون الذين يحشرون من أقطار الأرض. فذكر الحديث. رواه أحمد

(1)

والطبراني

(2)

وزاد ثم قال: طوبى للغرباء. قيل: من الغرباء؟ قال: أناس

(1)

أحمد (6650)، (7072)، وأخرجه ابن المبارك في المسند (23)، وزهده ص 267 ومن طريقه الآجري في الغرباء (6)، والفسوى في التاريخ (2/ 517)، وابن وضاح في البدع والنهى عنها (ص 64)، والبيهقي في الزهد الكبير (203)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (41/ 326).

(2)

أخرجه الطبراني المعجم الكبير (13، 14/ 363/ 1478 و 14179)، وفي المعجم الأوسط (8985 و 8986)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 278)، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وقال: أناس صالحون قليل، وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، =

ص: 546

صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم. وأحد إسنادي الطبراني رواته رواة الصحيح.

قوله: "وعن عبد الله ابن عمرو" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "يأتي قوم يوم القيامة نورهم كنور الشمس" الحديث، الشمس تجمع على شموس كأنهم جعلوا كل واحدة [منها] شمسا، وهي في السماء الرابعة وهي أفضل من القمر، قاله الدميري

(1)

.

4819 -

وعن أبي الصديق الناجي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بأربعمائة عام. قال: فقلت: إن الحسن يذكر أربعين عاما؟ فقال: عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة عام حتى يقول المؤمن الغني: يا ليتني كنت عيلا. قال: قلت يا رسول الله: سمهم لنا بأسمائهم؟ قال: هم الذين إذا كان مكروه بعثوا إليه، وإذا كان نعيم بعث إليه سواهم، وهم الذين يحجبون عن الأبواب. رواه أحمد

(2)

من رواية زيد بن الحواري عنه.

= وفي (10/ 258 - 259) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير، وزاد في الكبير: ثم قال: طوبى للغرباء، طوبى للغرباء قيل: ومن الغرباء؟ قال: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، وفي رواية: فقال أبو بكر وعمر: نحن هم؟ وله في الكبير أسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3921)، والصحيحة (1619)، وصحيح الترغيب والترهيب (3188).

(1)

النجم الوهاج في شرح المنهاج (2/ 9).

(2)

مسند أحمد (23103)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 260) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير زيد بن أبي الحواري، وقد وثق على ضعفه. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1851).

ص: 547

قوله: "عن أبي الصديق الباجي"، [بكسر الصاد مثل أبي الصديق، وسمي أبو بكر الصديق بذلك مبالغة من الصدق والتصديق، قال الله تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}

(1)

، واسمه بكر من عمر، وقاله شارح مشارق الأنوار]، ويقال: بكر بن قيس، قاله [في] الديباجة. روي عن أبي سعيد الخدري وغيره ثقة روى له الجماعة، والباجي بالباء المنقوطة بواحدة وبالجيم بعد الألف هذه النسبة إلى ثلاثة مواضع أحدها إلى باجة مدينة بالأندلس منها أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي أديب شاعر فقيه متكلم رحل إلى المشرق وسمع بمكة من أبي ذر الهروي وبالعراق من جماعة ودرس الكلام بالموصل ومن شعره:

إذا كنتُ أعلم علمًا يقينًا

بأنّ جميع حياتي كساعة

فلم لا أكون ضنينًا بها

واجعلها في صلاح وطاعة

والثاني باجة قرية من إفريقية على مرحلتين أو ثلاثة من تونس والثالث قرية من قرى أصبهان تسمى باجة وكل واحدة منها خرج منها علماء ينسبون إليها، قاله في الأنساب. توفي سنة ثمان ومائة والله أعلم. [والصديق بكسر الصاد مثل أبي بكر الصديق وسمي أبو بكر الصديق بذلك مبالغة من الصدق والتصديق، قال الله تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}

(2)

، قاله عياض

(3)

. واسمه بكر بن عمرو، قاله شارح مشارق الأنوار]

(4)

.

(1)

سورة الزمر، الآية:33.

(2)

سورة الزمر، الآية:33.

(3)

مشارق الأنوار (2/ 53).

(4)

سقطت هذه الفقرة من هذا الموضع في النسخة الهندية، وتقدم نظيرها قريبا.

ص: 548

قوله صلى الله عليه وسلم: "يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بأربعمائة عام حتى يقول المؤمن الغني يا ليتني كنت عيِّلا" أي فقيرًا، وفيه تفضيل الفقر على الغنا، وقد سبقت المسألة في الاختلاف في ذلك بين العلماء في باب العزلة، وفيه تفضيل الفقراء والضعفاء.

4820 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم، وهو خمسمائة عام. رواه الترمذي

(1)

وابن حبان في صحيحه

(2)

، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

[قال الحافظ]: ورواته محتج بهم في الصحيح، ورواه ابن ماجه

(3)

بزيادة من حديث موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر.

(1)

الترمذي (2353)(2354)، وأخرجه أحمد (2/ 343)(2/ 296 و 451)، وهناد في الزهد (589) والنسائي في الكبرى (11348)، وأبو يعلى (6018)، وابن أبي شيبة (13/ 246) وابن المقرئ في المعجم (240) وابن بشران (84) وأبو نعيم في الحلية (7/ 91) والبيهقي في البعث (408) وفي الشعب (9897)، وابن عبد البر في الجامع (1352)، والخطيب في التاريخ (5/ 34) (7/ 225) وفي الموضح (2/ 209) وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.

وقال أيضًا: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 212) بلفظ: بمائة عام، وقال الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (2/ 119) حسن صحيح - وصححه في المشكاة (5243)، التعليق على كشف الأستار (ص 106)، وصحيح الترغيب والترهيب (3189).

(2)

ابن حبان (676).

(3)

ابن ماجه (4122).

ص: 549

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم" وهو خمسمائة عام، قال الحافظ شرف الدين الدمياطي قلت:[قد]

(1)

تقدم في حديث عبد الله بن عمرو أن الفقراء يسبقون الأغنياء بأربعين خريفا، أي سنة. وفي حديث سعيد بن عامر: بسبعين عاما. وفي حديث أبي الصديق الباجي: بأربعمائة عام، وفي حديث أبي هريرة: بخمسمائة عام، و [لا اختلاف]

(2)

بين هذه الأحاديث والذي في الصحيح أن سبقهم لهم بأربعين خريفا فإما أن يكون هو المحفوظ وإما أن يكون [كلاهما] محفوظًا والجمع بين الأحاديث [ممكن]

(3)

ولكن الظاهر أنهم [متفاوتون] في مدة السبق بحسب تفاوتهم في درجات الفقر والرضا به وبحسب تفاوتهم في رتب الصلاح ونحوه، ويحتمل وجوها أخر والله أعلم، اهـ.

وقال صاحب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح

(4)

: وتختلف مدة السبق بحسب أحوال الفقراء والأغنياء، فمنهم من يسبق بأربعين ومنهم من يسبق بخمسمائة كما يتأخر مكث العصاة من الموحدين في النار بحسب جرائمهم والله أعلم، ولكن ها هنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وإن سبقه غيره في الدخول، والدليل على هذا أن في الأمة من يدخل

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(والاختلاف).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

حادي الأرواح (1/ 81).

ص: 550

الجنة بغير حساب وهم السبعون ألفا وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم والغني إذا حوسب على غناه فوجد قد شكر الله فيه وتقرب إليه بأنواع البر والخير والصدقة والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول ولم تكن له تلك الأعمال ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله هو وزاد عليه فيها، {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}

(1)

. فالمزية مزيتان: مزية سبق ومزية رفعة، وقد يجتمعان وقد ينفردان، فيحصل لواحد السبق والرفعة ويعدمهما آخر. ويحصل لآخر السبق دون الرفعة ولآخر الرفعة دون السبق، وهذا بحسب المقتضى للأمرين أو لأحدهما وعدمه، وبالله التوفيق. اهـ.

4821 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التقى مؤمنان على باب الجنة: مؤمن غني، ومؤمن فقير كانا في الدنيا، فأدخل الفقير الجنة، وحبس الغني ما شاء الله أن يحبس، ثم أدخل الجنة، فلقيه الفقير فقال: يا أخي ماذا حبسك؟ والله لقد حبست حتى خفت عليك، فيقول: يا أخي إني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ما وصلت إليك حتى سال مني من العرق ما لو ورده ألف بعير كلها أكلة حمض النبات لصدرت عنه رواء. رواه أحمد

(2)

بإسناد جيد قوي.

(1)

سورة الكهف، الآية:30.

(2)

رواه أحمد (2770) في الزهد (ص 473 - 474) قال الإمام أحمد: هذا حديث منكر المنتخب لابن قدامة من العلل للخلال (6). قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1582) وفيه دريد غير منسوب يحتاج إلى معرفته قال الهيثمي في مجمع الزوائد =

ص: 551

[الحمض]: ما ملح وأمر من النبات.

قوله: "وعن ابن عباس" تقدم. قوله: "التقى مؤمنان على باب الجنة مؤمن غني ومؤمن فقير" فذكر الحديث إلى أن قال: "فيقول - يعني الغني للفقير - يا أخي إني حبست بعدك محبسا فظيعا" الحديث، الفظيع هو الشنيع المهول. قوله:"حتى سال مني من العرق ما لو ورده ألف بعير كلها آكلة حمض لصدرت عنه رواء" الحمض ما ملح وأمرّ من النبات، قاله الحافظ المنذري. ولقد صحّف هذه اللفظة بعض الوعاظ فقال:[أكلة] الحمص، بالصاد المهملة بدل الضاد المعجمة وقد فسره الحافظ فقال مؤلفه عفا الله عنه: ولقد أخبرني بعض عرب البادية أن عندهم بالبحيرة بالوادي نباتا أخضر يقال له الباقل مرا ومالح طول قامة الإنسان وهو جالس تسرح إليه الإبل فتأكل منه أكلا بليغا فإذا شبعت منه طلبت الماء فشربت منه شربا بليغا حتى تكاد [تنقد حتى يخرج الماء] من أفواهها ومناخرها، اهـ.

قوله: "التقى مؤمنان مؤمن فقير ومؤمن غني" الحديث، اعلم أن الفقر على ثلاثة أقسام [والغنا على ثلاثة أقسام]

(1)

فأحد أقسام الفقر هو فقر الخلق إلى ربهم الحق، كما قال تعالى: {[يَاأَيُّهَا النَّاسُ] أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى

= (10/ 263) رواه أحمد، وفيه دويد غير منسوب، فإن كان هو الذي روى عن سفيان فقد ذكره العجلي في كتاب الثقات، وإن كان غيره لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح غير مسلم بن بشير، وهو ثقة. وقال الألباني في الضعيفة (6779)، وضعيف الترغيب والترهيب (1852): منكر.

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 552

اللَّهِ}

(1)

، وحقيقة هذا الفقير الصادق في فقره أن يكون صابرًا محتسبًا في اختيار الله له الفقر صائنًا لدين [كاتمًا] لفقره مستغنيًا بربه في فقره لا يغنيه شيء دون ربه ولا يرى معه غيره، يعد الفقر رحمة منه عليه يخاف على زواله كما يخاف الغني على زوال غناه فإذا كان بهذه الصفة دخل الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم. والقسم الثاني من أقسام الفقر هو عدم الجدات والأملاك من أعراض الدنيا، وهذا الفقير يستغني بوجود دنياه.

والقسم الثالث فقر وهو الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الفقير لا يغنيه شيء ولا يستغني [بوجوده] شيء وهو ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا، الحديث. وأما أحد أقسام الغنا فالغنا بالله عز وجل والاستغناء به عن جميع ما في الدارين وهذا [الغنا يناله] بالافتقار إليه فإذا صح الافتقار إليه [كان] الغنا به [عز وجل]. والثاني غنا النفس وهو الذي غناه بالدين لا بالدنيا لا يستأنس بوجود الدنيا ولا يستوحش من فقدها، وكان في غناه مفتقرا إلى ربه عز وجل في فقره [مستغنيًا] به. والثالث الغنا بالمال وهذا الغنا يحصل بوجود شيء من أعراض الدنيا وهو غنا [مجاز] لأن الفقر لا [يزايله].

4822 -

وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه أجمع ما كانوا، فقال: إني رأيت الليلة منازلكم في الجنة، وقرب منازلكم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل على أبي بكر رضي الله عنه، فقال يا أبا بكر: إني

(1)

سورة فاطر، الآية:15.

ص: 553

لأعرف رجلا أعرف اسمه، واسم أبيه وأمه لا يأتي بابا من أبواب الجنة إلا قالوا: مرحبا مرحبا، فقال سلمان: إن هذا: المرتفع شأنه يا رسول الله؟ قال: فهو أبو بكر بن أبي قحافة، ثم أقبل على عمر رضي الله عنه فقال: يا عمر لقد رأيت في الجنة قصرا من درة بيضاء لؤلؤه أبيض، مشيد بالياقوت، فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لفتى من قريش، فظننت أنه لي، فذهبت لأدخله، فقال: يا محمد هذا لعمر بن الخطاب، فما منعني من دخوله إلا غيرتك يا أبا حفص، فبكى عمر وقال: بأبي وأمي عليك أغار يا رسول الله؟ ثم أقبل على عثمان رضي الله عنه، فقال يا عثمان إن لكل نبي رفيقا في الجنة، وأنت رفيقي في الجنة، ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه، فقال يا علي: أوما ترضى أن يكون منزلك في الجنة مقابل منزلي، ثم أقبل على طلحة والزبير رضي الله عنهما، فقال: يا طلحة ويا زبير: إن لكل نبي حواري، وأنتما حواري، ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقال: لقد بطأ بك عنا من بين أصحابي حتى خشيت أن تكون هلكت، وعرقت عرقا شديدا، فقلت: ما بطأ بك؟ فقلت: يا رسول الله من كثرة مالي ما زلت موقوفا محاسبا أسأل عن مالي من أين اكتسبته، وفيما أنفقته، فبكى عبد الرحمن، وقال: يا رسول الله هذه مائة راحلة جاءتني الليلة من تجارة مصر، فإني أشهدك أنها على فقراء أهل المدينة وأيتامهم لعل الله يخفف عني ذلك اليوم. رواه البزار

(1)

، واللفظ له

(1)

مسند البزار = البحر الزخار (3343)، وقال: وعمار بن سيف صالح وعبد الرحمن المحاربي ثقة وابن أبي مواتية صالح، وسائر الإسناد لا يسأل عنه لثقتهم وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الله بن أبي أوفى إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.

ص: 554

والطبراني

(1)

ورواته ثقات إلا عمار بن سيف، وقد وثق.

[قال الحافظ]: وقد ورد من غير وجه، ومن حديث جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يدخل الجنة حبوا لكثرة ماله، ولا يسلم أجودها من مقال، ولا يبلغ منها شيء بانفراده درجة الحسن، ولقد كان ماله بالصفة التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم المال الصالح للرجل الصالح، فأنى تنقص درجاته في الآخرة، أو يقصر به دون غيره من أغنياء هذه الأمة؟ فإنه لم يرد هذا في حق غيره إنما صح سبق فقراء هذه الأمة أغنياءهم على الإطلاق، والله أعلم.

قوله: "وعن عبد الله بن أبي أوفى" اسمه: علقمة الأسلمي المدني من أصحاب بيعة الرضوان، روى له خمسة وتسعون حديثًا للبخاري خمسة عشر مات وهو آخر من بقي من الصحابة بالكوفة سنة سبع وثمانين. قوله:"فقلت لمن هذا؟ فقيل: لفتى من قريش"، قريش قبيلة [من قبائل العرب]، أبوهم النضر ولقبه قريش بن كنانة وتقدم الكلام على قريش قريبا.

قوله: "فقال بأبي وأمي أعليك أغار" الغيرة معروفة في حق الآدمي. قوله: "ثم أقبل على طلحة والزبير فقال: يا طلحة ويا زبير إن لكل نبي حواري

(1)

حلية الأولياء (1/ 99)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 155) رواه البزار والطبراني بنحوه، وفيه: عمار بن سيف، ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود ووثقه العجلي وغيره، وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (6592)، وضعيف الترغيب والترهيب (1853): موضوع.

ص: 555

وأنتما حواريّ" الحديث. ومثله الحديث الآخر: ما من نبي إلا كان له حواريون وأصحاب يهتدون بهديه، الحواري بتخفيف الواو وتشديد الياء لفظ مفرد.

قال القاضي

(1)

: اختلف في ضبطه [فضبطه]

(2)

جماعة من المحققين بفتح الياء من الثاني كمصرخي وضبطه أكثرهم بكسرها. والحواري معناه الناصر، وقيل:[الخاص] الصافي، [وإذا أضيف إلى ياء المتكلم فقد تحذف الياء وحينئذ ضبطه جماعة بفتح الياء وأكثرهم بكسرها.

قالوا: القياس الكسر لكنهم [استثقلوا] الكسر وثلاث ياءات حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من الكسرة فتحه وقد قرئ في الشواذّ {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ}

(3)

بالفتح اهـ قاله الكرماني

(4)

.

وفي حديث آخر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزبير ابن عمتي وحواري من أمتى أي خاصتي من أصحابي وناصري ومنه الحواريون أصحاب المسيح عليه السلام أي خلصانه وأنصاره وأصله من التحوير التبييض، قيل أنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها. وقال الأزهري: الحواريون خلصان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتأويله الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب، اهـ.

(1)

شرح النووي على مسلم (15/ 188).

(2)

هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(فضبط).

(3)

سورة الأعراف، الآية:196.

(4)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (12/ 135).

ص: 556

فإن قلت: الصحابة كلهم أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم خلصا له فما وجه التخصيص؟ قلت: هذا قاله حين قال يوم الأحزاب: من يأتيني بخبر القوم؟ فقال: أنا. وهكذا قال مرة ثالثة ولا شك أن في ذلك الوقت هو نصر نصرة زائدة على [غيره]، قاله الكرماني

(1)

]

(2)

. والحواريون جمع حواري وهم خلصان الأنبياء الناصرون لهم الذين أخلصوا في محبتهم وخلصوا من كل عيب، وحُوارَى الدقيق الذي نُخِل، قاله الأزهري. وقال ابن الأنباري: هم المختصون المفضلون، وسمي خبز الحُوارى لأنه أشرف الخبز. وقيل في حوارى عيسى أنهم كانوا بيض الثياب وقيل مبيضون لها وقيل مجهادون وقيل صيادون.

قال ابن عطية في قوله تعالى [عن نوح عليه الصلاة والسلام]: {يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا}

(3)

أن الياءات لما اجتمعت [استثقلت] اجتماع المماثلة فخفف ذلك الاستثقال بالفتح إذ هو أخف الحركات، هذا مذهب سيبويه وعلى هذا حمل قول عليه [الصلاة و] السلام حواري الزبير، اهـ. قاله في الديباجة.

(1)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (15/ 6).

(2)

حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(هذا مذهب سيبويه وعلى هذا حمل قول عليه [الصلاة و] السلام حواري الزبير، اهـ. قاله في الديباجة).

(3)

سورة هود، الآية:42.

ص: 557

قوله صلى الله عليه وسلم في حق عبد الرحمن بن عوف

(1)

: "نعم المال الصالح للرجل الصالح" وهو الذي يأخذه بحقه ويضع في حقه فهذا يوصله ماله إلى الله تعالى فمن أخذ من المال بحق ما يقويه على طاعة الله تعالى ويستعين به عليها كان أخذه طاعة ونفقته طاعة فما أخذ من الدنيا بنية التقوي على طلب الآخرة فهو داخل في قسم إرادة الآخرة والسعي لها في إرادة الدنيا والسعي لها. قال بعض العارفين: كل ما أصبت من الدنيا ما تريد به الدنيا فهو مذموم

(1)

أخرجه أحمد (17763) وفي فضائل الصحابة (1745) والبخاري في الأدب المفرد (299) وابن أبي شيبة (7/ 17 - 18) وفي مسنده (إتحاف الخيرة 6344) وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (43) وأبو يعلى (7336) والطحاوي في المشكل (6056)، (6057) وابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص 163)، وأبو بكر الخلال في الحث على التجارة (54) وابن قانع في الصحابة (2/ 213 - 214) وابن حبان (3210)(3211) وأبو محمد الفاكهي في حديثه (14) وأبو نعيم في الصحابة (4995) والطبراني في الأوسط (3213 و 9008) والقضاعي (1315) والبغوي في شرح السنة (2495).

والحاكم (2/ 2)(2/ 236)، قال: صحيح على شرط مسلم. قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1138) أخرجه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عمرو بن العاص بسند صحيح بلفظ نعما وقالا للمرء قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1446) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث عمرو بن العاص بسند جيد. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 64) ورواه أبو يعلى بنحوه، ورجال أحمد، وأبي يعلى رجال الصحيح.

وقال ابن حجر في الإصابة (7/ 413) أَحمد بسند حسن، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (1/ 450) صحيح - المشكاة (3756).

ص: 558

وكل ما أصبت منها تريد به الآخرة فليس من الدنيا، اهـ. قاله ابن رجب

(1)

.

قوله: قال الأئمة أن المال ليس بمذموم لذاته بل قد منّ الله به علينا ونهانا عن دفعه إلى السفهاء وذكر أن به [قوام] أمورنا وإنما يذم المال لما قد يجر إليه مما لا يرضي الرب جل جلاله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

: نعم العون على تقوى الله المال. قال الإمام أبو العباس الإقليشي في شرح الشهاب من أنفق ماله فيما له خمس خلال فقد نال طريق الكمال إحداها كون المال حلالا، [والثاني] أن يقول به في عباد الله هكذا وهكذا. [والثالث] أن يضعه [في] موضعه، الرابعة أن لا يشوب عطيته رياء ولا منة ولا محبة ثناء ولا سبب من الأسباب المحبطة لأجر العطية [أو] القادحة بل تكون لوجه الله تعالى خالصا. [و] الخامسة أن لا يشغله ماله عن الله تعالى، فهذا هو المال الصالح للرجل الصالح.

وأما إن كان المال حراما أو كان حلالا إلا أنه وضعه في غير موضعه أو وضعه في موضعه إلا أنه شابه شائبة من الرياء أو محبة الثناء أو غيرهما من قوادح الأشياء أو شغله ماله عن الله تعالى فهذا مال مشئوم وصاحبه مَلوم ولنفسه ظلوم.

(1)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 312).

(2)

قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1446) رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من رواية محمد بن المنكدر عن جابر. ورواه أبو القاسم البغوي من رواية ابن المنكدر مرسلا: ومن طريقه رواه القضاعي في مسند الشهاب هكذا مرسلا. الألباني في السلسلة الضعيفة (2042) وهو في مسند الشهاب (2/ 260/ 1317)

ص: 559

فإن قلت: فإذا تقرّر بما ذكرت أن المال ليس مذموما لذاته وإنما يذم إذا لم تؤد زكاته فما معنى ما ثبت في الصحيح.

(1)

عن أبي ذر، قال انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال هم الأخسرون ورب الكعبة الحديث. وعن أبي ذر

(2)

أنه كان يقول بيضاء أو حمراء أكوى به يوم القيامة. وفي مسند البزار

(3)

عن عبد الرحمن بن

(1)

صحيح البخاري (6638)، وصحيح مسلم (30)(990).

(2)

اللباب في علوم الكتاب (10/ 81)، وتفسير البغوي (2/ 288).

(3)

أخرجه البزار في مسنده - البحر الزخار (1005) وقال: لا يثبت في هذا شيء، وقد شهد عبد الرحمن بن عوف بدرا، وشهد صلى الله عليه وسلم له بالجنة، وهو أحد العشرة، فلا تلتفت إلى أحاديث ضعيفة، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 131) الطبراني في مسند الشاميين (1616) وعنه: أبو نعيم في حلية الأولياء (8/ 334)، وفي (1/ 99)، وابن عدي في الكامل (3/ 425) وعنه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 264)، والبيهقي في شعب الإيمان (3064) ابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 216) وابن زنجويه في الأموال (2/ 789/ 1366) والحاكم (3/ 311)، وقال: صحيح الإسناد. ورده الذهبي بقوله: قلت: خالد ضعفه جماعة، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الحافظ: ضعيف مع كونه فقيها، وقد اتهمه ابن معين.

وقال ابن عدي: وهذا عن يزيد بن أبي مالك عن عطاء يرويه عنه ابنه خالد، ولا أعلم يرويه عن ابنه خالد غير سليمان بن عبد الرحمن ولم أكتبه بعلو إلا، عن أبي قصي.

وقال أبو نعيم في حلية الأولياء (8/ 334): هذه الأحاديث هي عندي راويها يزيد بن أبي مالك واسم أبي مالك هانئ ومن رآه عبد الله بن موهب فهو واهم عندي.

وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1173): أخرجه البزار من حديث أنس بسند ضعيف والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عوف يا ابن عوف إنك من الأغنياء ولن تدخل الجنة إلا زحفا وقال صحيح الإسناد قلت: بل ضعيف فيه خالد بن أبي مالك ضعفه الجمهور. وقال الهيثمي في المجمع (9/ 155) رواه البزار، وفيه: خالد بن يزيد بن أبي مالك، =

ص: 560

عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمن إنك من الأغنياء وإنك لن تدخل الجنة إلا زحفا فأقرض الله يطلق قدميك فقال عبد الرحمن رضي الله عنه، ما الذي أقرض أو أخرج؟ وخرج عبد الرحمن، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مُرْ عبد الرحمن فليضف الضيف وليطعم المسكين وليعط السائل، فإن ذلك يجزيه من كثير ما هو فيه، فالجواب أن جمع المال لا يخلوا عن فتنة ما، فإذًا طريق التخلص منه بإنفاقه [بكثرة] الطاعات.

[قوله]: فبكى عبد الرحمن بن عوف وقال يا رسول الله هذه مائة راحلة جاءتني الليلة من تجارة مصر فإني أشهدك أنها على فقراء أهل المدينة وأيتامهم، الحديث. وقيل أن عائشة بينما هي في بيتها إذ سمعت صوتا رجت له المدينة فقالت: ما هذا؟ قالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام، وكانت سبع مائة راحلة، فقالت عائشة أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا، فبلغ ذلك عبد الرحمن فأتاها فسألها عما بلغه فحدثته فقال إني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله عز وجل، وباع أرضا من عثمان بأربعين ألف دينار فقسم ذلك في بني زهرة وفقراء المسلمين وأمهات المؤمنين، وبعث إلى عائشة [بمال من ذلك]. فقالت عائشة أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

(1)

: لن

= وضعفه الجمهور، ولا يثبت في دخوله زحفا حديث. الألباني في السلسلة الضعيفة (1772): ضعيف جدا، وفي (6593): منكر جدا، بل موضوع.

(1)

أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 133)، وأحمد (24724)، (25032)، وفي فضائل الصحابة (1249 - 1250)، وفي الزهد (ص: 162) وإسحاق (1755)، =

ص: 561

يحنوا عليكن بعدي إلا الصالحون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة وكان له من الولد ثمانية وعشرون ولدا ذكورا وإناثا وتوفي في سنة اثنين وثلاثين في خلافة عثمان. وصلى عليه علي، وقيل الزبير، لأنه كان قد هجر عثمان بسبب تأمير أقاربه فلما قال له الناس هذا فعلك، دخل عليه ولامه وقال [إنما قدمتك] ووليتك لتسير بسيرة الشيخين وقد خالفتهما، وقد [وقد أوطنت أهل] بيتك على رقاب المسلمين فقال عثمان:[كان عمر] يقطع

= والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3566)، والطبراني في المعجم الأوسط (9115) وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 98) والحاكم (3/ 310 - 311)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 283) وقال الهيثمي في المجمع (9/ 155): رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 132) وأحمد (26559)(26580)، وابن أبي عاصم في السنة (1412) والبغوي في معجم الصحابة (4/ 408)، والطبراني (23/ 378/ 896)، وابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة (165) والحاكم (3/ 310 - 311)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (477)، وفي فضائل الخلفاء الراشدين (118) ابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 285) وفي كتاب الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين (ص: 104) عن أم سلمة، وقال ابن عساكر في الأربعين: غريب من حديث عوف بن الحارث. . . تفرد به محمد بن إسحاق بن يسار عن محمد بن عبد الرحمن التميمي.

وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 223): رواه أبو بكر بن أبي شيبة والحارث بن أبي أسامة واللفظ له وأحمد بن حنبل بسند ضعيف لتدليس محمد بن إسحاق. وله شاهد من حديث عائشة رواه ابن حبان في صحيحه. وقال الهيثمي في المجمع (9/ 155): وعن أم سلمة. . . . رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1594).

ص: 562

أقاربه في الله عز وجل وأنا [أوصلهم] في الله عز وجل، فقال عبد الرحمن عليّ نذر أن لا أكلمك أبدا، فلم يكلم عثمان وكان رضي الله عنه فيما ترك من الذهب بعد هذه الصدقات العظيمة ما قطع بالفئوس حتى مجلت منه أيدي الرجال وترك أربع نسوة صولحت امرأة من ثمنها بثمانين ألفا. ومناقبه كثيرة مشهورة. قاله في مجمع الأحباب. قوله في عبد الرحمن بن عوف:"إنه يدخل الجنة حبوا" فسر في الحديث زحفا قال ابن دريد [الزحف] المشي على الإست مع إشرافه بصدره. قال الحربي: حبا الصبي مشى على يديه، والاحتباء أن ينصب ساقيه [ويدير عليهما ثوبه] أو يعقد يديه على ركبتيه معتمدا على ذلك، والاسم الحبوة بالضم والكسر، والحبية بالياء، اهـ. قاله عياض

(1)

. وأما ما نقل عن أبي ذر فهذا كان مذهبه بخلاف مذاهب [كثير] من الصحابة، اهـ. ولعل هذا مذكور في تهذيب النفوس.

4823 -

وعن أسامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار، فإذا عامة من دخلها النساء. رواه البخاري

(2)

ومسلم

(3)

.

[الجد]: بفتح الجيم: هو الحظ والغنى.

(1)

مشارق الأنوار (1/ 176).

(2)

صحيح البخاري (5196 - 6547).

(3)

صحيح مسلم (93)(2736).

ص: 563

قوله: "وعن أسامة"، هو أسامة بن زيد الصحابي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، و [ابن] مولاه وحبه وابن حبِّه، كنيته أبو محمد وقيل أبو زيد وقيل أبو يزيد وقيل أبو خارجة، أسامة بن زيد، وأمه أم أيمن بركة، وتقدم الكلام على مناقبها رضي الله عنها، رُوِي لأسامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وثمانية وعشرون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بحديثين، ولّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارة الحبشة وفيهم عمر بن الخطاب، وعقد له اللواء، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله عشرون سنة وقيل تسع عشرة وقيل ثمان عشرة، توفي أسامة بالمدينة، وقيل بوادي القرى وحمل إلى المدينة سنة أربع وخمسين وقيل تسع وخمسين وقيل سنة أربعين بعد علي بقليل.

قال ابن عبد البر وغيره: الصحيح سنة أربع وخمسين والله أعلم. تنبيه: كانت الجاهلية [تقدح] في نسب أسامة بن زيد لكونه وزيد أبيض فمرّ بهما مجزّز المدلجي بفتح الجيم وكسر الزاي الأولى المشددة، وهما تحت قطيفة وقد بدت من تحتها أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فلما قضى هذا القائف بإلحاق نسبه وكان العرب تعتمد قول القائف ويعترفون بحقية القيافة فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم[لكونه] زجرًا لهم عن الطعن في النسب وكانت أم أسامة اسمها بركة حبشية سوداء واختلف العلماء في العمل بقول القائف فأثبته الشافعي لأنه عليه الصلاة لا يظهر الفرح ولا يقرره إلا فيما كان حقا ونفاه أبو حنيفة والمشهور عن مالك إثباته في [الإماء] ونفيه في الحرائر،

ص: 564

اهـ. قاله الكرماني

(1)

.

تنبيه: القائف هو الذي يلحق الفروع بالأصول بالشّبه والعلامات ويراد به هنا مجزز المدلجي كما تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين" الحديث عامة بالنصب خبر كان واسمه المساكين ودخلها بمعنى دخل فيها مثل [دخلت] الدار [أي في الدار] على الأصح. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأصحاب الجد محبوسون"، قوله: محبوسون أي ممنوعون عن دخول الجنة موقوفون للحساب أو حتى يدخلها الفقراء بدليل قوله [صلى الله تعالى عليه وسلم:] وأما أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار أي من استحق النار منهم بكفره أو بمعصيته وبقي غيرهم للحساب أو للتأخر عن منزلة الفقراء [والجد] بفتح الجيم هو الحظ والغنا. قاله المنذري. وقال بعض العلماء الصحيح المشهور الجد بالفتح وهو الحظ والغنا والعظمة والسلطان وأصحاب الجد هم أصحاب البخوت والحظوظ الدنيوية بالمال [والجياه]، ويحتمل أن يريد الملوك المعظمين، وروي بالكسر وهو الاجتهاد والمعنى لا ينفع ذا الحظ في الدنيا حظه في العقبى إنما ينفعه طاعتك، وقال بعضهم أيضًا قيل المراد به أصحاب البخت والحظ في الدنيا والغنا والوجاهة بها.

وقيل: المراد أصحاب الولايات، يعني أصحاب الأمر والسلطنة من قوله: تعالى جد ربنا، أي عظمته وسلطانه، والله أعلم. ومعناه محبوسون للحساب

(1)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (14/ 142).

ص: 565

أو لسبقهم الفقراء بخمسمائة عام كما جاء في الحديث. وقيل: محبوسون أي لم يؤذن لهم بعد في دخول الجنة.

قوله: "غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار" وغير بالنصب وهو بمعنى الاستثناء المنقطع ومعناه من استحق من أهل الغنا النار بكفره أو معاصيه. قوله: "وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء" ومعنى قمت أي وقفت فنظرت وهذا القيام إما ليلة أسري به، أو حين خسفت الشمس. وفي الحديث تفضيل الفقر على الغنا، وقد سبق الخلاف في ذلك في العزلة، وفي فضيلة الفقراء والضعفاء.

4824 -

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت أني دخلت الجنة، فإذا أعالي أهل الجنة فقراء المهاجرين، وذراري المؤمنين، وإذا ليس فيها أحد أقل من الأغنياء والنساء، فقيل لي: أما الأغنياء فإنهم على الباب يحاسبون ويمحصون، وأما النساء فألهاهن الأحمران: الذهب والحرير. الحديث. رواه أبو الشيخ ابن حيّان وغيره

(1)

من طريق عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه.

(1)

أحمد بن منيع (إتحاف الخيرة المهرة (6/ 355) وقال البوصيري: هذا إسناد ضعيف لضعف مطرح بن يزيد، ضعفه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي والدارقطني وغيرهم، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 159) رواه أحمد بن منيع. . . بسند ضعيف لضعف مطرح بن يزيد والحارث بن أبي أسامة وفي سنده علي بن يزيد وهو ضعيف ورواه أحمد بن حنبل مطولا. وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1255): ضعيف جدًا.

ص: 566

قوله: "وعن أبي أمامة" واسمه صدي بن عجلان الباهلي، تقدم. قوله:"وأما الأغنياء فإنهم على الباب يحاسبون ويمحصون" التمحيص هو عبارة عن التخليص، ومنه تمحيص الذنوب، أي إزالتها أي يخلصون بعضهم من بعض، كما يخلص ذهب المعدن من التراب، وقيل: يختبرون كما يختبر الذهب؛ لتعرف جودته من رداءته.

قوله: "عبيد الله بن زحر" قال ابن معين ليس بشيء.

وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات وإذا روى عن علي بن زيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد عبيد الله وعلي بن زيد والقاسم بن عبد الرحمن لم يكن ذلك الحديث غلا مما عملت أيديهم.

وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال أبو زرعة الرازي: صدوق، وقال النسائي: لا بأس به وحسن الترمذي غير ما حديث له عن علي بن زيد عن القاسم.

4825 -

وروي عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة، فقالت عائشة: لم يا رسول الله؟ قال: إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا يا عائشة لا تردي مسكينا، ولو بشق تمرة. يا عائشة حبي المساكين وقربيهم، فإن الله يقربك يوم القيامة. رواه الترمذي

(1)

، وقال: حديث غريب، وتقدم في صلاة

(1)

أخرجه الترمذي (2352)، والبيهقي (7/ 12)، وفي الشعب (1380 و 10025)، والخطيب في المتفق والمفترق (452)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 142)، =

ص: 567

الجماعة حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني الليلة آت من ربي، وفي رواية: ربي في أحسن صورة. فذكر الحديث إلى أن قال: قال يا محمد. قلت: لبيك وسعديك. فقال: إذا صليت، قل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون. الحديث. رواه الترمذي

(1)

وحسنه.

4826 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم أحيني مسكينا، وتوفني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة. رواه ابن ماجه

(2)

إلى

= والذهبي في تذكرة الحفاظ (3/ 851) قال الترمذي: هذا حديث غريب وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1139) أخرجه الترمذي من حديث أنس وابن ماجه والحاكم وصحح إسناده من حديث أبي سعيد. وقال ابن حجر في فتح الباري (11/ 274): ضعيف. وصححه الألباني في إرواء الغليل (رقم 853) السلسلة الصحيحة (308)، وقال في صحيح الترغيب والترهيب (3192): حسن لغيره.

(1)

أخرجه الترمذي (3233)(3234)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. والحديث؛ أخرجه أحمد (3484)، وعبد بن حميد (683)، وابن أبي عاصم، في السنة (469)، والبزار (4727)، أبو يعلى (2608)، وابن خزيمة، في التوحيد (319)، (320) والطبراني في الدعاء (1420) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (408).

(2)

ابن ماجه (4126)، وأخرجه ابن أبي شيبة كما في مصباح الزجاجة (4/ 218)، والبخاري في الكنى (ص 75)، وعبد بن حميد في المنتخب (1003)، وأبو سعيد الأشج في حديثه (75) والطبراني، في الدعاء (1425 و 1426)، والبيهقي (7/ 13)، والخطيب في التاريخ (4/ 111)، وابن عساكر في معجم الشيوخ (1190)، وابن الجوزي في الموضوعات =

ص: 568

قوله: المساكين، والحاكم

(1)

بتمامه، وقال صحيح الإسناد.

ورواه أبو الشيخ والبيهقي

(2)

عن عطاء بن أبي رباح سمع أبا سعيد يقول: يا أيها الناس: لا تحملنكم العسرة على طلب الرزق من غير حله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم توفني فقيرا، ولا توفني غنيا، واحشرني في زمرة المساكين، فإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا، وعذاب الآخرة. قال أبو الشيخ: زاد فيه غير أبي زرعة عن سليمان بن عبد الرحمن: ولا تحشرني في زمرة الأغنياء.

قوله: "وروي عن أنس" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين" الحديث، فإن قيل: فقد جاء في الترمذي

= (3/ 141)، والذهبي في معجم الشيوخ (2/ 302)، وفي الميزان (4/ 568 - 569)، وقال ابن عساكر: هذا حديث غريب، وأبو المبارك لا يعرف له اسم، وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو حاتم: أبو مبارك رجل مجهول، وقال ابن معين: يزيد بن سنان ليس بشيء، وقال ابن المديني: ضعيف الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث ووافقه الذهبي في تلخيص كتاب الموضوعات (ص: 173)، وقال: يزيد واه وشيخه مجهول. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة 4/ 218: هذا إسناد ضعيف، أبو المبارك لا يعرف اسمه، وهو مجهول، ويزيد بن سنان التيمي أبو فروة ضعيف.

(1)

الحاكم (4/ 322)، وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه الطبراني في الدعاء (1426)، وفي الأوسط كما في المجمع (10/ 267)، وابن عدي (3/ 884) وابن بشران (412)، والبيهقي (7/ 13)، وفي الشعب (10024)، وابن عساكر في معجم الشيوخ (1555)، وقال ابن عساكر: غريب. انظر: إرواء الغليل (رقم 853).

(2)

شعب الإيمان (5111).

ص: 569

هذا اللفظ قلنا ضعيف ولئن سلمنا صحته على ما قاله الحاكم حمل على مسكنة التواضع لا القلة، قاله في شرح الإلمام أراد [به]

(1)

صلى الله عليه وسلم التواضع والإخبات وأن لا يكون من الجبارين والمتكبرين وقد تكرر في الحديث ذكر المسكين والمساكين والمسكنة والتمسكن وكلها يدور معناها على الخضوع والذلة وقلة المال والحال السيئة، واستكان إذا خضع، والمسكنة فقر النفس وتمسكن إذا تشبه بالمساكين وهم جمع المسكين وهو الذي لا شيء له، وقيل هو الذي له بعض الشيء وقد تقع المسكنة على [الضعيف] والله أعلم، قاله في النهاية

(2)

.

قوله: "لا تردي مسكينا ولو بشق تمرة"، تقدم الكلام على المسكين وشق التمرة نصفها أو جانبها.

وقد تقدم حديث ابن عباس في صلاة الجماعة وفيه أتاني ربي في أحسن صورة، [وفي حديث: رأيت ربي في أحسن صورة] قد ثبت وتقرر أن الله تعالى لا مناسبة بينه وبين العالم المحدث من كل وجه من الوجوه، لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}

(3)

الآية، ولو تمسكنا بظاهر هذا الخبر وما يشبهه لجعلناه مثل العالم المحدث ولم نكن عاملين بقوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فيجب أن يكون لهذه الأخبار معانٍ الله ورسوله ثم العلماء أعلم

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 385).

(3)

سورة الشورى، الآية:11.

ص: 570

بمعانيها فيجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله تعالى لا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات ولا يوصف بالصورة والتحول والانتقال، [وإذا رأينا آية مشكلة أو خبرا مشكلا يقتضي التشبيه والتحول والانتقال] كقوله: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا، لا يغير اعتقادنا عما هو عليه ونكل معناه إلى الله و [إلى] رسوله ثم العلماء. فقوله صلى الله عليه وسلم:"رأيت ربي في أحسن صورة"[عائد] على النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قال رأيت ربي وأنا في أحسن صورة لأن الإنسان أحسن ما يكون وجهه إذا رأى أسرّ الأشياء وأفضلها عنده. قاله الإمام المحاسبي في عقيدته.

(1)

4827 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: أحبوا الفقراء، وجالسوهم وأحب العرب من قلبك، وليردك عن الناس ما تعلم من نفسك. رواه الحاكم

(2)

، وقال: صحيح الإسناد.

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله: "أحبّوا الفقراء وجالسوهم للمحبة"[المحبة] هي ميل القلب إلى من يحبه. قال الشيخ أبو عثمان المقرئ الصوفي العظيم القدر ووفاته سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة: من آثر صحبة الأغنياء على مجالسة الفقراء ابتلاه الله تعالى بموت القلب. وفي الترمذي من حديث

(1)

انظر: النهاية في غريب الأثر (3/ 59)، الإنصاف للبطليوسي (1/ 184)، وجامع الأصول (9/ 549).

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 332) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه إن كان عمر الرياحي سمع من حجاج بن الأسود، ووافقه الذهبي، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (175) والسلسلة الضعيفة (1838)، وضعيف الترغيب والترهيب (1857).

ص: 571

عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومجالسة الموتى، قيل: ومن الموتى؟ قال الأغنياء. ضعَّفه الترمذي لكن رواه الحاكم وصحح إسناده.

(1)

4828 -

وعن عائذ بن عمرو: أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاره، فقال: يا أبا بكر: لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فأتاهم أبو بكر، فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أخي. رواه مسلم

(2)

وغيره.

قوله: "وعن عائذ بن عمرو" وعائذ بن عمرو وهو بالعين المهملة وبعد الألف ياء آخر الحروف ثم ذال معجمة، المزني الصحابي، وكنيته أبو هبيرة،

(1)

أخرجه الترمذي (1780)، وفي ترتيب علل الترمذي الكبير (544)، وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح بن حسان، وسمعت محمدا، يعني البخاري، يقول: صالح بن حسان منكر الحديث، وصالح بن أبي حسان الذي روى عنه ابن أبي ذئب ثقة والحديث؛ أخرجه أبو يعلى (4610)، والطبراني في الأوسط (5128)، والبيهقي، في شعب الإيمان (5770 و 9913 و 9914)، والبغوي (3115)، والحاكم (4/ 347)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأخرجه ابن عدي، في الكامل 5/ 79، في ترجمة صالح بن حسان، وقال: هذا رواه بعضهم، عن أبي يحيى الحماني، عن صالح بن حسان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، ومن قال: عن صالح، عن عروة أصح. وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 669) أخرجه الترمذي وضعفه والحاكم وصحح إسناده، وقال: الألباني: ضعيف جدا.

(2)

صحيح مسلم (170)(2504).

ص: 572

كان رضي الله عنه ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة، وكان من صالحي الصحابة، توفي رضي الله عنه في إمرة عبد الله بن زياد وأيام يزيد بن معاوية. قوله:"أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر" الحديث، والنفر من ثلاثة إلى تسعة، والفرق بين الرهط والنفر أن النفر من الثلاثة إلى التسعة كما تقدم، والرهط من الثلاثة إلى العشرة. قاله الكرماني

(1)

.

وأما أبو سفيان فاسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي، وأما سلمان فهو الفارسي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسئل عن نسبه فقال: أنا سلمان ابن الإسلام، وقصته أنه كان مجوسيًا فهرب من أبيه يطلب الحق فلحق براهب ثم بجماعة رهابين واحدًا بعد واحد يصحبهم إلى وفاتهم حتى دله الراهب الأخير على الذهاب إلى الحجاز وأخبره بظهور نبي آخر الزمان فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به فباعوه في وادي القرى ليهودي ثم اشتراه منه يهودي آخر من بني قريظة فقدم به المدينة، فأقام مدة حتى قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه بصدقة فلم يأكلها ثم أتي بهدية فأكل منها ثم رأى خاتم النبوة وكان الراهب وصف له هذه العلامات الثلاث للنبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه وحدثه بشأنه كله فأسلم وصار من علماء الصحابة وزهادهم.

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراه على العتق، والمشهور أنه عليه السلام قال له يا سلمان كاتب عن نفسك فكاتبه على أن يغرس ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية

(1)

انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 93).

ص: 573

من ذهب، فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم له بيده المباركة الكل، وقال أعينوا أخاكم فأعانوه حتى أدى الذهب كله، وقال عليه السلام

(1)

: سلمان منا أهل البيت، حتى تنازع الأنصار والمهاجرون فيه إذ قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حفر الخندق عليهم، فقال الأنصار سلمان منا وقال المهاجرون سلمان منا. فإن قلت: كيف أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتابة وهو حر؟

قلت: أراد بالكتابة صورة الكتابة لا حقيقتها فكأنه قال افد نفسك من ظلمه، ولاه عمر رضي الله عنه العراق وكان يعمل الخوص بيده [فيأكل] منه، عاش مائتين وخمسين سنة بلا خلاف وقيل ثلاثمائة وخمسين، ومات سنة ست وثلاثين بالمدائن، وتقدم الكلام على مناقبه مبسوطا.

وأما صُهيب فهو بضم الصاد المهملة ابن سنان الرومي وأصله من العرب من النمر بن قاسط بالقاف وكانت منازل قومه بأرض الموصل فأغارت

(1)

أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 82) و (7/ 318)، والطبري في التفسير (19/ 39)، وفي تاريخ الرسل والملوك (2/ 567)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (1/ 205) الطبراني في المعجم الكبير (6/ 212)(6040)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 80)، وفي معرفة الصحابة (3347)، والحاكم (3/ 598)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 418)، والبغوي في التفسير (6/ 323)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (21/ 408) وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/ 540): سنده ضعيف. وأعله الذهبي في السير، فقال: كثير متروك. وقال ابن كثير جامع المسانيد (3/ 495): فيه نظر.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 130): رواه الطبراني، وفيه كثير بن عبد الله المزني، وقد ضعفه الجمهور، وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (3704): ضعيف جدا.

ص: 574

الروم على تلك الناحية فسَبَت صهيبا وهو غلام صغير فابتاعه [منهم]

(1)

كلب، ابتاعه بمعنى اشتراه، ثم قدم به مكة واشتراه عبد الله بن جُذعان بضم الجيم فأعتقه وأسلم قديما، من المستضعفين المعذبين في الله ثم هاجر إلى المدينة وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من السابقين الأولين، وقال صهيب لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط إلا كنت حاضره ولا غزى غزاة إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله، ولم [يسر] سرية إلا كنت حاضره، قيل إن صهيبا هو ابن عم حمران مولى عثمان بن عفان، وهاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم بقباء قبل أن يدخل المدينة وتوفي بها سنة ثمان وثلاثين وهو ابن سبعين سنة، وكان أحمر [شديد] الحمرة ليس بالطويل ولا بالقصير كثير الشعر وأما بلال فهو ابن رباح الحبشي، اشتراه الصديق رضي الله عنه من بني جمح بضم الجيم وسكون المهملة الأولى، فأعتقه وهؤلاء [الثلاثة] كانوا مأسورين تحت حكم الكفار ممن عُذِّبوا في الإسلام كثيرا، اهـ. قاله الكرماني

(2)

.

قوله: "فقالوا ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها" الحديث، ضبطوا مأخذها بوجهين: أحدهما: [فتح الخاء مأخذها] بالقصر والثاني بالمد وكسرها وكلاهما صحيح أي لم تستوف حقها من عنقه لسوء فعاله، وهذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهُدنة بعد صلح الحديبية. وفي

(1)

هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(منه) ولعله خطأ.

(2)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (10/ 69).

ص: 575

هذا الحديث فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقته هؤلاء، وقال بعضهم أيضًا في هذا الحديث إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يلين القول للفقراء والمساكين والضعفاء والسائل واليتيم ونحوهم والتواضع معهم وعدم انتهارهم وكان بلال خازن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيت ماله روى عنه أبو بكر وعمر وابنه عبد الله وأسامة بن زيد وغيرهم من الصحابة وكبار التابعين، اهـ. وفيه مراعاة قلوب الضعفاء وأهل الدين وإكرامهم وملاطفتهم.

قوله: "فأتاهم أبو بكر فقال يا إخوتاه أغضبتكم؟ فقالوا: لا يغفر الله تعالى لك يا أخي"، أما [قوله] يا أُخيّ فضبطوه بضم الهمزة على التصغير وهو تصغير تحبيب وترفيق وملاطفة وفي بعض النسخ بفتحها، اهـ.

وقال النووي

(1)

: يا أخي روي بفتح الهمزة وكسر الخاء وتشديد الياء، اهـ. قال القاضي قد روي عن أبي بكر أنه نهى عن مثل هذه الصيغة وقال: قل عافاك الله، رحمك الله، لا تزد. أي لا تقل قبل الدعاء لا فتصير صورته صورة نفي الدعاء، [وقد] قال بعضهم قل لا ويغفر الله لك.

قوله: "وعن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد" وأمية هذا لم يخرّج له أصحاب الكتب يعني الستة شيئا كذا.

قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المسلمين"، وفي رواية يستنصر بصعاليك المسلمين أي يفتتح بهم القتال تيمّنا بهم وفعل يستنصر

(1)

شرح النووي على مسلم (16/ 66).

ص: 576

بهم من قوله تعالى {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ}

(1)

، ومنه حديث الحديبية: هو فتح، أي نصر. قاله في النهاية

(2)

.

4829 -

وَعَن أُميَّة بن عبد الله بن خَالِد بن أسيد قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك الْمُسلمين رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح وَهُوَ مُرْسل وَفِي رِوَايَة يستنصر بصعاليك الْمُسلمين

(3)

.

4830 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان ليعقوب أخ مؤاخ في الله تعالى، فقال ذات يوم: يا يعقوب ما الذي أذهب بصرك؟ قال: البكاء على يوسف. قال: ما الذي قوس ظهرك؟ قال الحزن على بنيامين، فأتأه جبريل فقال: يا يعقوب! إن الله يقرئك السلام. ويقول: أما تستحي أن تشكوني إلى غيري؟ قال: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}

(4)

، فقال جبريل: الله أعلم بما تشكو يا يعقوب، ثم قال يعقوب: أي رب أما ترحم الشيخ الكبير! أذهبت بصري، وقوست ظهري، فاردد علي ريحانتي أشمه شمة قبل الموت، ثم اصنع بي ما أردت، قال: فأتاه جبريل، فقال: إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: أبشر، وليفرح قلبك، فوعزتي لو كانا ميتين

(1)

سورة الأنفال، الآية:19.

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 407).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 292 رقم 857 و 858 و 859)، وأبو نعيم في المعرفة (975). قال الهيثمي 10/ 262: رواه الطبراني، ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1858).

(4)

سورة يوسف، الآية:46.

ص: 577

لنشرتهما، فاصنع طعامًا للمساكين فإن أحب عبادي إلي الأنبياء والمساكين، وتدري لم أذهبت بصرك وقوست ظهرك، وصنع إخوة يوسف بيوسف ما صنعوا؟ إنكم ذبحتم شاة، فأتاكم مسكين يتيم، وهو صائم، فلم تطعموه منه شيئا. قال: فكان يعقوب عليه السلام بعد ذلك إذا أراد الغداء أمر مناديا فنادى: ألا من أراد الغداء من المساكين فليتغد مع يعقوب، وإن كان صائما أمر مناديا فنادى: ألا من كان صائمًا من المساكين فليفطر مع يعقوب عليه السلام. رواه الحاكم

(1)

ومن طريقه البيهقي

(2)

عن حفص بن عمر بن الزبير عن أنس قال

(1)

الحاكم (2/ 378)، وقال: هكذا في سماعي بخط يد حفص بن عمر بن الزبير وأظن الزبير وهما من الراوي فإنه حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك فإن كان كذلك فالحديث صحيح.

(2)

شعب الإيمان (3131 - 3132)، وقال: ورواه الحسين بن عمرو بن محمد القرشي، عن أبيه، عن زافر، عن يحيى بن عبد الملك، عن رجل، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات (154)، وفي الفرج بعد الشدة (43) ومن طريق أبو علي التنوخي (1/ 256)، والحديث اختلف فيه على يحيى بن عبد الملك، مما يزيده وهنا:

1 -

فقيل: عن يحيى بن عبد الملك عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه أخرجه إسحاق بن راهويه في تفسيره - كما في الترغيب والترهيب (3/ 238).

2 -

وقيل عنه: عن حفص بن عمر بن أبي الزبير، عن أنس. ابن أبي حاتم في تفسيره (7/ 2188) تفسير ابن كثير (4/ 348)، وقال عقبه: وهذا حديث غريب فيه نكارة.

3 -

وقيل عنه: عن حصين بن عمر عن أبي الزبير عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان ليعقوب، خرجه الطبراني في الأوسط (6105)، وفي الصغير (857)، والحاكم (3328)، وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 40)، ورواه أبان بن أبي عياش وهو متهم، عن أنس، أخرجه محمد بن يحيى ابن أبي عمر، في مسنده - كما في المطالب العالية، (14/ 252)، وإتحاف الخيرة المهرة (7/ 56).

ص: 578

الحاكم: كذا في سماعي عن حفص بن عمر بن الزبير، وأظن الزبير وهم، وأنه حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة، فإن كان كذلك فالحديث صحيح، وقد أخرجه إسحق بن راهويه في تفسيره

(1)

قال: أنبأنا عمرو بن محمد حدثنا زافر بن سليمان عن يحيى بن عبد الملك عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

قوله: "وعن أنس بن مالك" تقدم. قوله: "كان ليعقوب أخ مواخ في الله تعالى، فقال له ذات يوم يا يعقوب ما الذي أذهب بصرك؟ قال: البكاء على يوسف. قال: ما الذي قوّس ظهرك؟ قال: الحزن على بنيامين" الحديث.

لطيفة تتعلق بذلك في حبس بنيامين عند عزيز مصر حين قالوا سرق: قيل: لما دخل إخوة يوسف على يوسف عليه السلام شكوا إليه حالهم وما حصل عند أبيهم يعقوب عليه السلام من فراق ولده بنيامين وأعطوه كتابا بعثه إلى يعقوب ففتحه فإذا فيه: باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر [المظهر] العدل الموفي في الكيل، أما بعد، فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء فأما جدي إبراهيم فشدت يداه ورجلاه ألقي في النار فجعلها الله عليه بردا وسلامًا. وأما [أبي] إسحاق فشدت يداه ورجلاه ووضع السكين على قفاه ليذبح ففداه الله بذبح عظيم. وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب أولادي إليّ فذهب به إخوته إلى البرية وأتوني بقميصه [ملطخا] بالدماء وقالوا [قد] أكله

(1)

الحاكم (2/ 378) وقد أخرج الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي هذا الحديث في التفسير مرسلًا.

ص: 579

الذئب فبكيت عليه حتى ذهبت عيناي، وكان لي ابن هو أخوه من أمه وكنت أتسلى به فقالوا إنه سرق وأنك حبسته لذلك وإنا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا، فارحم ترحم واردد عليّ ولدي فإن فعلت فالله يجزيك وإن لم تفعل وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك. فلما قرأ يوسف عليه السلام الكتاب بكى وعيل صبره وأدركته الرأفة ورق لشكواهم وباح لهم بما كان يكتمه من شأنه ثم رفع التاج عن رأسه وكان فيه علامة مثل الشامة لأبيه يعقوب مثلها فحين رأوها قالوا: أئنك لأنت يوسف؟ قال أنا يوسف وهذا أخي بنيامين قد منّ الله علينا بأن جمع شملنا بعدما فرق الله بيننا. اهـ.

(1)

لطيفة أخرى تتعلق بذلك:

(2)

قيل زار ملك الموت يعقوب عليه السلام ليلة، فقال له: ألا أعلمك دعاء؟ قال: بلى. قال: قل يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا [و] لا يحصيه غيرك أحدا اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث لا أحتسب. فدعا بها يعقوب عليه السلام[حتى جاء البشير يهودا إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام] وألقى القميص على وجهه فارتد بصيرا بعدما كان أعمى وقوي بعد أن كان ضعيفا، وما أحسن قول الشاعر:

جاء البشير مبشرا بقدومه

فمليت من سمعي إليه سرورا

فكأنني يعقوب من شغفي به

إذ عاد من شم القميص بصيرا

(1)

انظر: تفسير الثعلبي (5/ 252)، وتفسير البغوي (2/ 445).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة (38) ومن طريقه أبو علي التنوخي (1/ 254)، وأخرجه الدينوري في المجالسة (122) عن إبراهيم الحربي عن المثنى بن عبد الكريم به.

ص: 580

[و] ذكر هذين اللطيفتين ابن الفرات الحنفي في تاريخه.

[قوله] في الحديث، "فقال يا يعقوب إن الله يقرئك السلام" يقال: أقرئ فلانا السلام واقرأ عليه السلام، كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده، وإذا قرأ الرجل القرآن أو الحديث على الشيخ يقول: أقرأني فلان: أي حملني على أن أقرأ عليه.

قوله في الحديث: "أبشر وليفرح قلبك فوعزتي لو كان ميتين لنشرتهما" الحديث، النشر عبارة عن الإحياء، قالى الله تعالى:{وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا}

(1)

قال ابن عرفة: كيف نعلي بعفر العظام على بعض، أي كيف نركبها بعضا على بعض. وقال الأزهري: كيف نجعل العظام بعد بلائها ناشرة بعضها إلى بعض أي ترفع وتتحرك مأخوذ من النشر وهو ما ارتفع من الأرض ويقال: نشز الرجل ينشز إذا كان قاعدا فينهض قائما فهو ينشر وينشز.

4831 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ أَوْصَانِي خليلي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بخصال من الْخَيْر أَوْصَانِي أَن لا أنظر إِلَى من هُوَ فَوقِي وَأنْظر إِلَى من هُوَ دوني وأوصاني بحب الْمَسَاكِين والدنو مِنْهُم وأوصاني أَن أصل رحمي وَإِن أَدْبَرت الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(2)

.

(1)

سورة البقرة، الآية:259.

(2)

أخرجه أحمد 5/ 159 (21415) و 5/ 173 (21517)، والنسائي في الكبرى (10114)، وابن حبان (449)، والطبراني في الدعاء (1648 - 1652) والأوسط (7/ 364 - 365 رقم 7739). قال الهيثمي في المجمع 10/ 263: رواه أحمد، والطبراني في الأوسط بنحوه، وأحد إسنادي أحمد ثقات. وصححه الألباني في الصحيحة (2166) =

ص: 581

4832 -

وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف مستضعف لو يقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر. رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

وابن ماجه

(3)

.

[العتل] بضم العين والتاء وتشديد اللام: هو الجافي الغليظ. [والجواظ] بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره ظاء معجمة: هو الضخم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين، وقيل الجموع المنوع.

قوله: "وعن حارثة بن وهب" حارثة بن وهب الخزاعي أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، ومعبد بن خالد الجهني.

قوله: "ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف متضعّف" الحديث، [يعني ضعيفا في أمور الدنيا، قويا في أمر دينه، فأما من كان ضعيفا في أمور دينه لا يعبؤ بها فمذموم وذلك من صفات أهل النار. قاله القرطبي

(4)

في التذكرة]

(5)

.

= وصحيح الترغيب (2525) و (3195).

(1)

صحيح البخاري (4918).

(2)

صحيح مسلم (46)(2853).

(3)

سنن ابن ماجه (4116).

(4)

التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 807).

(5)

حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:([ومنه حديث الجنة: (ما لي لا يدخلني إلا الضعفاء؟)، قيل هم الذين يبرءون من الحول والقوة. فمراد الحديث الضعيف]).

ص: 582

[ضبطوا متضعف] بفتح العين وكسرها المشهور الفتح ولم يذكر الأكثرون غيره، ومعناه يستضعفه الناس ويستحقرونه ويتجبرون [عليه] لضعف حاله في الدنيا يقال تضعفه واستضعفه، وأما رواية الكسر [فمعناه]

(1)

متواضع متذلل خامل واضع من نفسه.

قال القاضي

(2)

: وقد يكون الضعف هنا رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان، والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء كما أن معظم أهل النار القسم الآخر؛ وليس المراد الاستيعاب في الطرفين [ومنه حديث الجنة:"ما لي لا يدخلني إلا الضعفاء؟ "، قيل هم الذين يبرءون من الحول والقوة. فمراد الحديث الضعيف].

قوله: "لو أقسم على الله لأبره" يعني لأبرّ قسمه أي لو حلف على وقوع شيء أوقعه الله تعالى إكراما له لإجابة سؤاله وصيانة له من الحنث في يمينه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر" العتل هو الجافي الغليظ. قاله الحافظ.

والجواظ قد ضبطه الحافظ وفسره، فقال: الضخم المختال في مشيته، وقيل القصير البطين، وقيل الجموع المنوع، اهـ.

4833 -

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع، وأهل الجنة الضعفاء

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

شرح النووي على مسلم (17/ 187).

ص: 583

المغلوبون. رواه أحمد

(1)

والحاكم

(2)

، وقال: صحيح على شرط مسلم.

[الجعظري] بفتح الجيم وإسكان العين المهملة وفتح الظاء المعجمة قال ابن فارس: هو المنتفخ بما ليس عنده.

قوله: "وعن عبد الله بن عمرو" تقدم، قوله صلى الله عليه وسلم:"أهل النار كل جعظري جواظ" الحديث، الجعظري قد ضبطه الحافظ [وفسره]، فقال: قال ابن فارس: هو المنتفخ بما ليس عنده. قوله: "وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون" المغلب الذي يغلب كثيرا، وشاعر مغلب أي كثيرا ما [يغالب]، والمغلب أيضًا الذي يحكم له بالغلبة، والمراد الأول، قاله في النهاية

(3)

.

4834 -

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال: ألا أخبركم بشر عباد الله؟ الفظ المستكبر. ألا أخبركم بخير عباد الله: الضعيف

(1)

أخرجه أحمد (6580 - 7009 و 7010)، وأخرجه ابن قتيبة في الغريب (1/ 256) وابن أبي الدنيا في التواضع (220)، والحارث (بغية الباحث 1098)، وأبو محمد الفاكهي في حديثه (12)، والبيهقي في الشعب (7822)، وإسماعيل الأصبهاني قوام السنة في الترغيب والترهيب (1031)، وعبد الغني المقدسي في ذكر النار (86 و 87)، وقال ابن القيم في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 121) وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 265) رواه الطبراني، ورجاله وثقوا. وقال في (10/ 393) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 214) رواه الحارث، ورواته ثقات. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1741)، وصحيح الترغيب والترهيب (3197).

(2)

الحاكم (2/ 499)، وقال: صحيح على شرط مسلم.

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 376).

ص: 584

المستضعف ذو الطمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره. رواه أحمد

(1)

ورواته رواة الصحيح إلا محمد بن جابر.

[الطمر] بكسر الطاء: هو الثوب الخلق.

قوله: "وعن حذيفة" وابن اليمان، تقدم. قوله:"ألا أخبركم بخيار عباد الله الضعيف المستضعف" تقدم تفسير ذلك.

قوله [صلى الله تعالى عليه وسلم]: "ذو الطمرين لا يؤبه له" وذو بمعنى صاحب والطمر الثوب الخلِق وجمعه أطمار، قاله في النهاية

(2)

. "لا يؤبه له" أي لا يبالى به ولا يلتفت إليه. قال ابن السكيت: يقال ما وبَهتُ له بفتح الباء وكسرها أي ما فطنت له ولم أوْبَه به وبْهًا وَوَبَهًا، قاله صاحب المغيث. وقال غيره: يعني لا يلتفت إليه لحقارته في محفل ولا في غيره.

4835 -

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم عن ملوك الجنة؟ قلت: بلى قال: رجل ضعيف مستضعف ذو طمرين لا يؤبه له

(1)

أخرجه أحمد (23457)، وابنه عبد الله في السنة (1462)، وتمام (1481)، والبيهقي في عذاب القبر (115) وابن الجوزي في الموضوعات (1767)، وقال الحافظ في القول المسدد ص 35: وأبو البختري اسمه سعيد بن فيروز لم يدرك حذيفة، ولكن مجرد هذا لا يدل على أن المتن موضوع، فإن له شواهد كثيرة لا يتسع الحال لاستيعابها. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 264) رواه أحمد، وفيه محمد بن جابر، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال العراقي: سنده ضعيف تخريج الإحياء 4/ 487)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3198)، وفي السلسلة الصحيحة (1741).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 138).

ص: 585

لو أقسم على الله لأبره. رواه ابن ماجه

(1)

، ورواة إسناده محتج بهم في الصحيح إلا سويد بن عبد العزيز.

قوله: "وعن معاذ بن جبل" تقدم. قوله: "ألا أخبركم عن ملوك الجنة؟ قلت: بلى، قال: رجل ضعيف مستضعف" يريد الذي يتضعفه الناس ويتجبرون عليه في الدنيا لفقره ورثاثة حاله.

4836 -

وعن سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا سراقة ألا أخبرك بأهل الجنة وأهل النار قلت: بلى يا رسول الله. قال: أما أهل النار، فكل جعظري جواظ مستكبر، وأما أهل الجنة فالضعفاء المغلوبون. رواه الطبراني في الكبير

(2)

والأوسط

(3)

، والحاكم

(4)

وقال: صحيح على شرط مسلم.

(1)

ابن ماجه (4115) والحديث؛ أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1192)، والبيهقي في شعب الإيمان (10006). وقال أبو حاتم في العلل (2/ 106): هذا حديث خطأ؛ إنما يروي عن أبي إدريس كلامه فقط. وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1550) سند جيد وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (9/ 115)، والتعليق الرغيب (4/ 92)، والصحيحة تحت الحديث (1741)، وضعيف الترغيب والترهيب (1860)، وضعيف الجامع (2156).

(2)

خرجه الطبراني في المعجم الكبير (7/ 129/ 6589)، وأبو نعيم في صفة الجنة (76)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 265): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناده حسن.

(3)

الأوسط (3157).

(4)

الحاكم (1/ 60 - 61)، (2/ 499)، (3/ 619)، وأخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (1/ 317)، والبيهقي في الشعب (7820)، (7821)، وقال الحاكم: صحيح على شرط =

ص: 586

قوله: "وعن سراقة بن مالك بن جعشم" بضم الجيم وبالعين المهملة الساكنة وقيل بفتح الشين، حكاه الجوهري الكناني المدلجي الحجازي، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة عشر حديثا، روى البخاري منها واحدا وهو الذي لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في الهجرة فاتفق لفرسه ما اتفق وكان ينزل قديدا وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بك إذا لبست سواري كسرى، فلما أتي عمر بتاج كسرى وسواريه دعا سراقة فألبسه السوارين وقال ارفع يديك وقل: الله أكبر الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن مالك أعرابيا من بني مدلج. ورفع [عمر] صوته بذلك. مات رضي الله عنه أول خلافة عثمان سنة أربع وعشرين. قاله الكرماني

(1)

. قوله: "ألا أخبرك بأهل الجنة وأهل النار" فذكره إلى أن قال: "أما أهل النار فكل جعظري جواظ" تقدم تفسيرهما وضبطهما.

= مسلم قلت: هو معلول بالإنقطاع: وقوله: على شرط مسلم لا يصح لما يلي: وسنده منقطع علي بن رباح لم يسمع من سراقة بن مالك توفي سنة 24 هـ. كما يستنتج مما ذكره العلائي في جامع التحصيل (ص 240 رقم 541) علي بن رباح اللخمي عن أبي بكر وعن علي رضي الله عنهما وذلك مرسل قاله أبو زرعة.

وعلي استشهد سنة (40)، وقال ابن حجر في الإتحاف (9/ 596): ليس على شرطه فإن عُليا لم يسمع من سراقة بلاشك في ذلك. وقد رواه أحمد من طريقه قال: بلغنى عن سراقة. أخرجه أحمد (17585) ومن طريقه أخرجه عبد الغني المقدسي في ذكر النار (90) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2903)، وفي صحيح الجامع (2529)، وفي السلسلة الصحيحة (1741).

(1)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (8/ 83).

ص: 587

4837 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء المسلمين ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها. رواه مسلم

(1)

.

قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم. قوله: "احتجت الجنة والنار" الحديث، أي تخاصمتا، قال في الصحاح: التّحاجّ التخاصم، وقال ابن عطية صاحب التفسير في تفسير قوله تعالى:{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ}

(2)

يقال المحاجة التحارب بالحجة والخصومة، اهـ. والظاهر أن المراد بتحاج الجنة والنار تخاصمهما في الأفضل منهما وإقامة كل منهما الحجة على أفضليته، فاحتجت النار بقهرها للمتكبرين والمتجبرين، واحتجت الجنة بكونها مأوى الضعفاء في الدنيا عوضهم الله تعالى من ضعفهم الجنة فقطع الله سبحانه وتعالى التخاصم بينهما وبيّن أن الجنة رحمته أي نعمته على الخلق إن جُعلت الرحمة صفة [فعلى] أو أقر إرادته الخير لمن يشاء إن جعلتها صفة ذات، وأن النار عذابه الناشئ عن غضبه وإرادة انتقامه جل وعلا. قوله:"الضعفاء" قال أبو العباس القرطبي

(3)

: الضعفاء جمع ضعيف يعني به

(1)

صحيح مسلم (2847).

(2)

سورة غافر، الآية:47.

(3)

طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 171).

ص: 588

الضعفاء في أمر الدين ويحتمل أن يريد به هنا الفقراء، وحمله على الفقراء أولى من حمله على الأول. وقيل معنى الضعفاء هنا وفي الحديث الآخر أهل الجنة كل ضعيف متضعف أنه الخاضع لله تعالى المذل نفس له سبحانه وتعالى ضد المتجبر المستكبر، اهـ، قاله العراقي في شرح الأحكام

(1)

. وقال الحاكم أبو عبد الله في علوم الحديث

(2)

: سئل محمد بن إسحاق بن خزيمة عن قول النبي صلى الله عليه وسلم تحاجت الجنة والنار، فقالت هذه يدخلني الضعفاء من الضعف، قال الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة يعني في اليوم عشرين مرة أو خمسين مرة. وأما المساكين فالمراد بهم المتواضعون وهم المشار إليهم في قوله عليه السلام: اللهم أحييني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين، ومعنى احتجت الجنة والنار أي [حجت] كل واحدة صاحبتها وخاصمتها، ذكره القرطبي

(3)

.

4838 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة. رواه البخاري

(4)

ومسلم

(5)

.

(1)

طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 171).

(2)

معرفة علوم الحديث (1/ 84).

(3)

يقظة أولي الاعتبار (1/ 109).

(4)

صحيح البخاري (4729).

(5)

صحيح مسلم (18)(2785).

ص: 589

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة" الحديث، قال العلماء: معنى هذا الحديث [أنه] لا ثواب لهم وأعمالهم مقابلة بالعذاب فلا حسنة لهم توزن في موازين القيامة ومن لا حسنة له فهو في النار.

وقال أبو سعيد الخدري: يؤتى بأعمال كجبال تهامة فلا [يوزن] عند الله شيئا. وقيل يحتمل أن المراد المجاز والاستعارة كأنه قال لا قدر لهم عندنا يوم القيامة، وفيه من الفقه ذم السمن لمن تكلفه وتعاطاه لما في ذلك من تكلف المطاعم [والاشتغال بها عن المكاره بل يدل على تحريم كثرة]

(1)

[الزائدة] على قدر الكفاية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الحبر السمين، اهـ، قال في التذكرة

(2)

. قوله: "لا يزن عند الله جناح بعوضة"، قال الجوهري: والبعوض البق؛ [الواحدة] بعوضة. وقال الماوردي

(3)

: [والبعوضة] من صغار سميت بعوضة لأنها كبعض [البق] لصغرها. وقال ابن عطية

(4)

: والبعوضة فعولة: من بعض إذا قطع اللحم. يقال: بعض وبضع بمعنى وعلى هذا حملوا قول الشاعر:

لنعم البيت بيت أبي دثار

إذا ما خاف بعض القوم بعضا

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 717).

(3)

النكت والعيون تفسير الماوردي (1/ 87).

(4)

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/ 111).

ص: 590

وقرئ بعوضةٌ بالرفع، قال الراغب: والبعوض بُني لفظه من بعض وذلك لصغر جسمه بالإضافة إلى سائر الحيوانات، اهـ. وفي الإحياء

(1)

في الباب السادس من أبواب العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد [لينتشر] له من الثناء ما بين المشرق والمغرب ولا يزن عند الله جناح بعوضة. قال وهب بن منبه

(2)

: لما أرسل الله تعالى البعوض على النمرود اجتمع [منه] في عسكره ما لا يحصى عددا فلما عاين النمرود ذلك انفرد عن جيشه ودخل بيته وأغلق الأبواب وأرخى الستور ونام على قفاه مفكرا فدخلت بعوضة في أنفه وصعدت إلى دماغه [فبعدت في دماغه] أربعين يوما إلى أن كان يضرب برأسه الأرض وكان أعز الناس عنده من يضرب رأسه ثم أسقطت منه كالفرخ وهو [يقول: كذلك] يسلط الله رسله على من يشاء من عباده. ثم هلك حينئذ. اهـ.

فائدة: ورد في الحديث

(3)

: يكون في آخر الزمان قوم يتسمنون أي يتكثرون بما ليس فيهم ويدّعون ما ليس لهم من الشرف. وقيل: أراد جمعهم الأموال. وقيل: يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي من أسباب السمن، ومنه الحديث الآخر

(4)

: ويظهر فيهم السمن. وفيه: ويل [للمسمنات] يوم القيامة

(1)

إحياء علوم الدين (1/ 62).

(2)

حياة الحيوان الكبرى (1/ 187).

(3)

الغريبين في القرآن والحديث (3/ 935)، الفائق في غريب الحديث (2/ 198)، النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 405).

(4)

صحيح البخاري (2651)، وصحيح مسلم (214)(2535).

ص: 591

من فترة في العظام، أي اللاتي يستعملن السمنة وهو دواء يتسمن به النساء، وقد سمنت فهي مسمنة. اهـ. قاله ابن الأثير في النهاية

(1)

، والله أعلم.

4839 -

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس. ما رأيك في هذا؟ قال رجل من أشراف الناس: هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين. هذا أحرى إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير من ملء الأرض مثل هذا. رواه البخاري

(2)

ومسلم

(3)

وابن ماجه

(4)

.

قوله: "وعن سهل بن سعد الساعدي" تقدم. قوله: "هذا أحرى إن خطب أن ينكح" الحديث، حري بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وتشديد الياء أي حقيق وجدير يقال فلان حري بكذا وحرى بكذا والحري أن يكون كذا أي جدير وخليق والمثقل يثنى ويجمع ويؤنث يقال حريان وحريّون والحريّة والمخفف يقع على الواحد والاثنين والجميع والمذكر والمؤنث على حالة واحدة لأنه مصدر، والتحري القصد والاجتهاد في الطلب في العزم على

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 405).

(2)

صحيح البخاري (5091 - 6447).

(3)

لعله وهم منه.

(4)

سنن ابن ماجه (4120).

ص: 592

تخصيص الشيء بالفعل والقول. قاله في النهاية

(1)

.

[قوله: "فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا أحرى إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال لا يسمع لقوله" الحديث. قال في الإحياء

(2)

في أول كتاب الفقر: الفقر عبارة عن [فقد] ما هو محتاج إليه، أما فقد ما لا حاجة إليه [فلا يسمى فقرا] وإن كان المحتاج إليه مقدورا [عليه] موجودا لم يكن المحتاج فقيرا.

وروي

(3)

أن عيسى عليه الصلاة والسلام مرّ في سياحته برجل نائم ملتف في عباءة فأيقظه فقال يا نائم قم فاذكر الله، فقال ما تريد مني؟ إني تركت الدنيا لأهلها. قال: نم إذن حبيبي نم [فقد فقت العابدين]. ومرّ موسى عليه السلام برجل نائم على التراب وتحت رأسه لبنة ووجهه ولحيته في التراب وهو متزر بعباءة فقال موسى [عليه الصلاة والسلام]: يا رب عبدك هذا في الدنيا ضائع، فأوحى الله إليه: يا موسى أما علمت أني إذا نظرت إلى عبدي بوجهي [كله] زويت [عنه] الدنيا كلها.

وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: "الفقر أزين للمؤمن من العذار على خد الفرس"، رواه الطبراني

(4)

من حديث شداد بن أوس [بإسناد ضعيف]. وقال

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 376).

(2)

إحياء علوم الدين (4/ 190).

(3)

قوت القلوب (1/ 438).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 294/ 7181)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1547) رواه الطبراني من حديث شداد بن أوس بسند ضعيف والمعروف أنه من =

ص: 593

كعب الأحبار: قال الله تعالى لموسى عليه السلام

(1)

: إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين. وقال عطاء الخراساني: مرّ نبي من الأنبياء بساحل [فإذا هو] برجل يصطاد حيتانا فقال: باسم الله، وألقى [شبكته] فلم يخرج فيها حوت واحد، ثم مر بآخر فقال باسم الشيطان، وألقى [شبكته] فخرج فيها من الحيتان ما كان يتقاعس عن كثرتها، فقال النبي: يا رب ما هذا فقد علمت أن ذلك كله [منك]، فقال الله تعالى للملائكة: اكشفوا لعبدي عن منزلتيهما فلما رأى ما [أعده] الله تعالى لهذا من الكرامة ولهذا من الهوان قال: رضيت. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

(2)

: يقول الله سبحانه وتعالى: بني آدم وعزتي وجلالي لئن رضيت بما قسمته لك أرحتك وأنت محمود وإن لم ترض بما قسمته لك سلطت عليك الدنيا [تركض] فيها كركض الوحش [ثم] لا يكون لك إلا ما قسمت وأنت مذموم، اهـ]

(3)

.

= كلام عبد الرحمن بن زياد ابن أنعم، رواه ابن عدي في الكامل هكذا، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4029)، والضعيفة (564).

(1)

الزهد لابن أبي الدنيا (50)، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 5)، (6/ 37)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1548) أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من رواية مكحول عن أبي الدرداء ولم يسمع منه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى. . . الحديث فذكره بزيادة في أوله. ورواه أبو نعيم في الحلية من قول كعب الأحبار غير مرفوع بإسناد ضعيف.

(2)

حياة الحيوان الكبرى (2/ 535).

(3)

حصل تأخير لهذه الصحيفة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(ولم يرد صلى الله عليه وسلم أنه أصدق لهجة من أبي بكر وعمر ولكنه على اتساع الكلام المعنى أنه متناه في الصدق، اهـ).

ص: 594

قوله: "وعن أبي ذر عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى ابن مريم"، الخضراء السماء والغبراء الأرض، ولم يرد صلى الله عليه وسلم أنه أصدق لهجة من أبي بكر وعمر ولكنه على اتساع الكلام المعنى أنه متناه في الصدق. اهـ.

4840 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر: أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب، ثم سألني عن رجل من قريش قال: هل تعرف فلانا؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فكيف تراه أو تراه. قلت: إذا سأل أعطي، وإذا حضر أدخل. قال: ثم سألني عن رجل من أهل الصفة، فقال: هل تعرف فلانا؟ قلت: لا والله ما أعرفه يا رسول الله، فما زال يجليه وينعته حتى عرفته، فقلت: قد عرفته يا رسول الله، قال: فكيف تراه أو تراه؟ قلت: هو رجل مسكين من أهل الصفة. فقال: هو خير من طلاع الأرض من الآخر.

قلت: يا رسول الله أفلا يعطى من بعض ما يعطى الآخر؟ فقال: إذا أعطي خيرا فهو أهله، وإذا صرف عنه فقد أعطي حسنة. رواه النسائي

(1)

مختصرا

(1)

رواه النسائي في السنن الكبرى (11785) مختصرًا، والطبراني في مسند الشاميين (2020)، والحاكم (4/ 327)، والبيهقي في الشعب (10344)، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وصححه الألباني في الصحيحة (3350)، وصحيح الترغيب والترهيب (827)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 487/ 2138).

ص: 595

وابن حبان في صحيحه

(1)

واللفظ له.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنا؟ قلت: نعم" الحديث، معنى: أترى أتظن وهي بضم التاء المثناة من فوق.

4841 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر أرفع رجل في المسجد قال: فنظرت، فإذا رجل عليه حلة، قلت: هذا، قال: قال لي: انظر أوضع رجل في المسجد، قال: فنظرت، فإذا رجل عليه أخلاق، قال: قلت: هذا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهذا عند الله خير يوم القيامة من ملء الأرض مثل هذا. رواه أحمد

(2)

بأسانيد رواتها محتج بهم في الصحيح، وابن حبان في صحيحه

(3)

.

قوله: "وعنه" رضي الله عنه تقدم [ذكره والثناء عليه]. قوله: "انظر أرفع رجل في

(1)

ابن حبان (685).

(2)

رواه أحمد (21395)، وفي الزهد (ص 36)، والحديث؛ أخرجه ابن أبي شيبة (34306)، وكيع في الزهد (144) وهناد في الزهد (815)، والبزار في مسنده (4018) و (4019)، والحارث بن أبي أسامة، بغية الباحث (1102)، والبيهقي، في شعب الإيمان (10479)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 115 - 116)، وقال أبو نعيم: ثابت مشهور من حديث الأعمش وقال الهيثمي في المجمع 10/ 258: رواه الإمام أحمد بأسانيد، ورجالها رجال الصحيح. وقال في (10/ 265): رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الأوسط بأسانيد، ورجال أحمد، وأحد إسنادي البزار والطبراني رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3204)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 502/ 2174).

(3)

ابن حبان (681).

ص: 596

المسجد، قال: فنظرت فإذا رجل عليه حلة" الحديث، الحلة عند العرب ثوبان فوق ثوب لأن أحدهما حل على الآخر وأرفع رجل معناه أشرف.

4842 -

وعن مصعب بن سعد قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلا على من دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم. رواه البخاري

(1)

والنسائي

(2)

، وعنده: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما تنصر هذه الأمة بضعيفيها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم.

قوله: "وعن مصعب بن سعد" مصعب بن سعد ليس من الصحابة ولم يصرح في هذا الحديث بأن [أباه] حدثه فليس بمتصل ولذلك قال الحميدي بعد ذكره الحديث: هكذا أخرجه البخاري منقطعا مرسلًا من رواية سليمان بن حرب والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ابغوني ضعفاءكم فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم" قال في النهاية

(3)

: ابغوني هو بهمزة القطع والوصل، يقال: بغى يبغي بغيا بالضم أي اطلبوني، والبغاء الطلب، وأبغيتك أعنتك على البغاء وهذا تعليم منه صلى الله عليه وسلم أمر لنا بمجالسة الضعفاء.

(1)

صحيح البخاري (2896). وقال النووي في رياض الصالحين (ص 339) رقم (271)، ورواه الحافظ أبو بكر البرقاني في صحيحه متصلًا عن مصعب عن أبيه رضي الله عنه، وانظر قول الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 362). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3205)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (7034).

(2)

النسائي (6/ 45).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 143).

ص: 597

4843 -

وَعَن أبي الدرداء رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ابغوني فِي ضعفائكم فَإنَّمَا ترزقون وتنصرون بضعفائكم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(1)

.

4844 -

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: كنت في أصحاب الصفة فلقد رأيتنا وما منا إنسان عليه ثوب تام، وأخذ العرق في جلودنا طرقا من الغبار والوسخ إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليبشر فقراء المهاجرين، إذ أقبل رجل عليه شارة حسنة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بكلام إلا كلفته نفسه أن يأتي بكلام يعلو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال: إن الله عز وجل لا يحب هذا وضربه يلوون ألسنتهم للناس لي البقر بلسانها المرعى كذلك يلوي الله عز وجل ألسنتهم ووجوههم في النار. رواه الطبراني

(2)

بأسانيد أحدها صحيح.

قوله: "وعن واثلة بن الأسقع" تقدم. قوله: "كنت في أصحاب الصفة" الحديث وأصحاب الصفة هم الفقراء المساكين الغرباء الذين يسكنون صفة

(1)

أخرجه أبو داود (2594)، والترمذي (1702)، والنسائي في المجتبى 5/ 400 (3203)، وابن حبان (4767). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2335)، الصحيحة (779) وصحيح الترغيب (3206).

(2)

المعجم الكبير للطبراني (22/ 70/ 170)، وفي مسند الشاميين (1203، 1204)، وأخرجه ابن وهب في الجامع (333)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 341)، (2/ 21)، والبيهقي في شعب الإيمان (4619 - 9839)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 261) رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3207)، والصحيحة (3426).

ص: 598

مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "إذ أقبل رجل عليه شارة حسنة" الشارة بالشين المعجمة وتخفيف الراء وهي الجمال الظاهر في الهيئة والملبس. قاله النووي في الرياض

(1)

.

وقال ابن الأثير

(2)

: ويقال: له أيضًا الشورة بالضم الجمال والحسن كأنه من الشور وهو عرض الشيء وإظهاره ومنه الحديث أن رجلا أتاه وعليه شارة حسنة وألفها مقلوبة عن الواو، ومنه حديث عاشوراء كانوا يتخذونه عيدا ويلبسون نساؤهم فيه حليهم وشارتهم أي لباسهم الحسن الجميل، اهـ.

4845 -

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلينا في الصفة، وعلينا الحوتكية، فقال: لو تعلمون ما ادخر لكم ما حزنتم على ما زوي عنكم، ولتفتحن عليكم فارس والروم. رواه أحمد

(3)

بإسناد لا بأس به.

[الحوتكية] بحاء مهملة مفتوحة ثم واو ساكنة ثم تاء مثناة فوق، قيل: هي عمة يتعممها الأعراب يسمونها بهذا الاسم، وقيل: هو مضاف إلى رجل يسمى حوتكا كان يتعممها، والحوتك: القصير، وقيل: هي خميصة منسوبة

(1)

رياض الصالحين (ص: 115).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 508).

(3)

أخرجه أحمد (17161)، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1647)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 14)، وأبو موسى المديني في اللطائف (882 و 883)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 260): رواه أحمد، ورجاله وثقوا. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2168)، وصحيح الترغيب والترهيب (3208).

ص: 599

إليه وإلى القصر، وهذا أظهر، والله أعلم.

قوله: "وعن العرباض بن سارية تقدم"، قوله:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلينا في الصفة وعليه الحوتكية" الحديث، تقدم الكلام على الصفة في مواضع من هذا التعليق، والحوتكية قد ضبطها الحافظ وفسرها فقال هي عمة تعممُها الأعراب يسمونها بهذا الاسم، وقيل هو مضاف إلى رجل يسمى حوتكا كان يتعممها والحوتك القصير، وقيل هي خميصة منسوبة إليه أو إلى القصر وهذا أظهر والله أعلم، اهـ. وفي حديث أنس: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه [خميصة] حوتكية هكذا جاء في بعض نسخ صحيح مسلم، والمعروف خميصة جونية فإن صحت الرواية فتكون منسوبة إلى هذا الرجل، قاله ابن الأثير

(1)

.

4846 -

وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم من آمن بك، وشهد أني رسولك، فحبب إليه لقاءك، وسهل عليه قضاءك، وأقلل له من الدنيا، ومن لم يؤمن بك، ويشهد أني رسولك، فلا تحبب إليه لقاءك، ولا تسهل عليه قضاءك، وكثر عليه من الدنيا. رواه ابن أبي الدنيا

(2)

والطبراني

(3)

وابن حبان في صحيحه

(4)

، وأبو الشيخ ابن حيّان في الثواب.

(1)

النهاية في غريب الأثر (1/ 338).

(2)

لعله وهم.

(3)

المعجم الكبير للطبراني (18/ 313/ 808)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 286): رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

(4)

صحيح ابن حبان (208)، وأخرجه ابن أبي عاصم في الزهد (211)، وقوام السنة في الترغيب والترهيب (2348)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1311)، والصحيحة (1338)، وصحيح الترغيب والترهيب (3209).

ص: 600

ورواه ابن ماجه

(1)

من حديث عمرو بن غيلان الثقفي وهو مختلف في صحبته قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم من آمن بي وصدقني، وعلم أن ما جئت به الحق من عندك، فأقلل ماله وولده، وحبب إليه لقاءك، وعجل له القضاء، ومن لم يؤمن بي، ولم يصدقني، ولم يعلم أن ما جئت به الحق من عندك، فأكثر ماله وولده، وأطل عمره.

قوله: "وعن فضالة بن عبيد" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك" الحديث. قوله: "ورواه ابن ماجه من حديث عمرو بن غيلان الثقفي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم من آمن بك وصدقني وعلم أن ما جئت به الحق من عندك الحديث" وليس لعمر بن غيلان في الكتب الستة سواه، وقد اختلف في صحبته وعداده في أهل الشام وكان من ساكني البصرة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ولا تصح صحبته، وأبو غيلان له صحبة وهو الذي أسلم على عشر نسوة. فإن قيل: هذا معارض لما رواه البخاري

(2)

عن أنس: قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سُليم يعني أمه فأتته بتمر وسمن

(1)

ابن ماجه (4133)، وأخرجه ابن أبي شيبة في مسنده (674) ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1/ 326 - 327)، وابن أبي عاصم في الآحاد (1607)، والطبراني في الكبير (17/ 31)، وفي مسند الشاميين (1406)، وأبو نعيم في الصحابة (5107 و 5108 و 5109)، والبيهقي في الشعب (9961)، وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 261)، والمزي (22/ 187 - 188)، وقال ابن عبد البر: عمرو بن غيلان حديثه عند أهل الشام ليس بالقوي الاستيعاب (8/ 349).

(2)

صحيح البخاري (1982).

ص: 601

فقال: أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم [في وعائه] ثم قام إلى ناحية البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت يا رسول الله إن لي خويصة. قال: ما هي؟ قالت؟ خادمك أنس. فما [ترك] خير دنيا ولا آخرة إلا دعا له بها، اللهم ارزقه ما لا وولدا وبارك له. قال: فإني لمن أكثر الأنصار مالا ودفن لصلبه مائة وبضعا وعشرين ولدا. واتفق العلماء على [مجاوزة] عمره مائة سنة. قال ابن [قتيبة] في المعارف

(1)

ثلاثة من أهل البصرة لم يموتوا حتى رأى كل واحد منهم مائة ذكر من صلبه: أنس بن مالك وأبو بكرة وخليفة بن بدر. فالجواب لم يذكره المؤلف رحمه الله تعالى. الإيمان في اللغة التصديق وَفِي الشَّرْعِ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وشهد بمعنى علم.

4847 -

وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اثنتان يكرههما ابن آدم: الموت، والموت خير من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب. رواه أحمد

(2)

بإسنادين رواة أحدهما محتج بهم في الصحيح، ومحمود له رؤية، ولم يصح له سماع فيما أرى، وتقدم الخلاف في صحبته في باب الرياء وغيره، والله أعلم.

(1)

المعارف (1/ 308).

(2)

مسند أحمد (23625)، (23626). وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (2525)، والبغوي في شرح السنة (4066)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 321) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وقال في (10/ 257) رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (139)، والسلسلة الصحيحة (813)، وصحيح الترغيب والترهيب (3210).

ص: 602

قوله: "وله عن محمود بن لبيد" محمود بن لبيد مختلف في صحبته وتقدم الخلاف في صحبته في باب الرياء. قوله صلى الله عليه وسلم: "اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت والموت خير له من الفتنة، ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب" ولهذا كان طاوس بن كيسان يقول: اللهم احرمني كثرة المال والولد وارزقني الإيمان والعمل. قال شارح البخاري معنى الفتنة في كلام العرب الاختبار والابتلاء، ومنه قوله تعالى:{وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}

(1)

أي اختبرناك. وقد أخبر الله تعالى عن الأموال والأولاد أنها فتنة وقال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)}

(2)

وخرج لفظ الخطاب على العموم لأن الله تعالى فطر العباد على حب المال والولد

(3)

، اهـ. قاله شارح الديباجة.

4848 -

وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قل ماله، وكثرت عياله، وحسنت صلاته، ولم يغتب المسلمين جاء يوم القيامة، وهو معي كهاتين. رواه أبو يعلى

(4)

والأصبهاني

(5)

.

(1)

سورة طه، الآية:40.

(2)

سورة التكاثر، الآية:1.

(3)

شرح الصحيح لابن بطال (10/ 159 - 160).

(4)

أخرجه أبو يعلى (990).

(5)

قوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2253)، وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (11/ 259)، ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 319)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 439): رواه أبو يعلى الموصلي والأصبهاني. وله شاهد من حديث أبي الدرداء، وذكره الهيثمي في المجمع (10/ 256)، ولم ينسبه إلى مخرجه. قال =

ص: 603

قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من قلّ مال وكثرت عياله وحسنت صلاته ولم يغتب المسلمين جاء يوم القيامة وهو معي كهاتين" تقدم هذا المعنى الأخير في كفالة اليتيم والمراد بقوله وحسنت صلاته إتمام ركوعها وسجودها. وتقدم الكلام على الغيبة.

4849 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره. رواه مسلم

(1)

.

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ربّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" وفي حديث آخر منهم البراء بن مالك. البراء بن مالك هذا هو أخو أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد أحدا وما بعدها، وقد صح عنه من غير ما طريق أنه قتل مائة مبارز. قوله:"أشعث أغبر" الحديث، والأشعث المتبلد الشعر متغيره الذي لا [يدهنه] ولا [يكثر غسله]، المغبر غير مدهون ولا مرجل.

ومدفوع بالأبواب: أي لا قدر له عند الناس فهم يدفعونه عن أبوابهم ويطردونه عنهم ويحجبونه احتقارا له، وقيل أنه يدفع عنه الدخول باليد أو

= ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال أحمد: عبد الرحمن بن يزيد ضعيف، وقال النسائي: متروك.

وأخرجه الطبري في تهذيب الآثار - مسند ابن عباس - (1/ 291)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (5524)، وضعيف الترغيب والترهيب (1862): موضوع.

(1)

مسلم (2622، 2854).

ص: 604

باللسان. وقوله: "لو أقسم على الله لأبره" أي لو حلف على وقوع شيء أوقعه الله تعالى إكراما له لإجابة سؤاله وصيانة له من الحنث في يمينه وهذا العظم منزلته عند الله تعالى وإن كان حقيرا عند الناس، وقيل معنى القسم هنا الدعاء، وإبراره إجابته، والله أعلم.

4850 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رب أشعث أغبر ذي طمرين مصفح عن أبواب الناس لو أقسم على الله لأبره. رواه الطبراني في الأوسط

(1)

، ورواته رواة الصحيح إلا عبد الله بن موسى التيمي.

قوله: "رب أشعث أغبر ذي طمرين مصفح عن أبواب الناس لو أقسم على الله لأبره" مصفح أي معرض عنه لا يؤذن له بل يحجب ويطرد [ولحقارته] عند الناس وخموله فمعناه لا يحنث لكرامته [عليه] يعني لو حلف يمينا طمعا في كرم الله بإبراره لأبره وقيل لو دعاه لأجابه وقيل معناه لو دعاه بدعاء المؤمنين فإنه يجيبه ويبر يمينه وإنما أجرى دعاءه مجرى القسم لأنه يذكر فيها اسم الله تعالى فيقول أسألك بأنك الإله [الواحد] الحي القيوم ذو الجلال والإكرام أن تنجيني من شدائد الدنيا وعذاب الآخرة ونحو ذلك، فصار بمنزلة القسم.

(1)

المعجم الأوسط (861)، وأخرجه عبد بن حميد (1236)، والطحاوي في المشكل (1/ 293)، والبيهقي في الشعب (10482)، والضياء في المختارة (1881 و 1882)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 264): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن موسى التيمي، وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2643)، وصحيح الترغيب والترهيب (3212).

ص: 605

4851 -

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أمتي من لو جاء أحدكم يسأله دينارا لم يعطه، ولو سأله درهما لم يعطه، ولو سأله فلسا لم يعطه، فلو سأل الله الجنة أعطاها إياه، ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره. رواه الطبراني

(1)

، ورواته محتج بهم في الصحيح.

قوله: "ذو طمرين لا يؤبه له"، الطمر: الثوب الخَلِق.

4852 -

وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا، فصبر على ذلك، ثم نقر بيده فقال: عجلت منيته، قلت بواكيه، قل تراثه. رواه الترمذي

(2)

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7548) وأخرجه البيهقي في الشعب (10447)، والشجري في الأمالي (2/ 205)، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 264): رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. وقال العراقي في المغني (3369): ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ثوبان بإسناد صحيح، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2643)، لكنه ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5535)، وضعيف الترغيب والترهيب (1863). والحديث؛ رواه مرسلًا أحمد بن حنبل الزهد (ص 18 - 19)، وهناد في الزهد (587)، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (1)، والحارث كما في بغية الباحث (ص 1312).

(2)

الترمذي (2347)، وقال: هذا حديث حسن، والقاسم هو ابن عبد الرحمن، ويكنى أبا عبد الرحمن، ويقال أيضًا: يكنى أبا عبد الملك، وهو مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية، وهو شامي ثقة، وعلي بن يزيد يضعف في الحديث، ويكنى أبا عبد الملك، وأخرجه ابن المبارك في الزهد - زوائد نعيم (196)، ووكيع في الزهد (133). الحميدي (909) أحمد (22167)، وفي الزهد (ص 11)، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (13)، والطبراني في الكبير (7829)، والحاكم 4/ 123، والشجري في أماليه 2/ 201، =

ص: 606

من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم بن أبي أمامة ثم قال: وهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، قلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوما، وأجوع يومًا، أو قال: ثلاثا، أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك. ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن.

4853 -

وروى ابن ماجه

(1)

والحاكم

(2)

الحديث الأول إلا أنهما قالا: أغبط الناس عندي. والباقي بنحوه. قال الحاكم: صحيح الإسناد كذا قال.

= الآجري في الغرباء (ص 47)، وابن عدي في الكامل 5/ 1865، والبيهقي في شعب الإيمان (10351) والبغوي في شرح السنة (4044)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1185): أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسنادين ضعيفين. قال ابن حزم في المحلى (9/ 441): "هذا حديث موضوع، وبيان وضعه أنه لو استعمل الناس ما فيه من ترك النسل، لبطل الإسلام، والجهاد وغلب أهل الكفر" أ. هـ. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 215) إسناده ضعيف لضعف أيوب بن سليمان قال فيه أبو حاتم مجهول وتبعه على ذلك الذهبي في الطبقات وغيرها صدقه بن عبد الله متفق على تضعيفه اهـ كلام الزوائد قلت حديث أبي أمامة رواه الترمذي بزيادة بإسناد آخر قد حسنه، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (5/ 347)، والمشكاة (5189/ التحقيق الثاني)، وضعيف الجامع الصغير (1397)، وضعيف الترغيب والترهيب (1864).

(1)

أخرجه ابن ماجه (4117)، والحديث؛ أخرجه الطيالسي (1229)، والروياني (1205 و 1219)، والطبراني (7829 و 7860)، والبيهقي، في شعب الإيمان (6395 و 9873)، والبغوي (4044).

(2)

الحاكم (4/ 123).

ص: 607

[قوله: خفيف الحاذ] بحاء مهملة وذال معجمة مخففة: خفيف الحال قليل المال.

قوله: "وعن أبي أمامة" اسمه صُدى بن عجلان، تقدم. قوله:"إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ" الحديث، الحاذ بحاء مهملة، وذاله معجمة مخففة، معناه خفيف الحال قليل المال، قاله الحافظ، وقال في النهاية

(1)

الحاذ والحال واحد وأصله الحاذ طريقة المتن أي الظهر وهو ما يقع عليه اللبد من ظهر الفرس أي خفيف الظهر من العيال ومنه الحديث [الآخر]

(2)

: ليأتين على الناس زمان يغبط فيه الرجل بخفه الحاذ كما يغبط اليوم أبو العشرة ضربه مثلا لقلة المال والعيال. قال الجوهري

(3)

: خفيف الحاذ بالذال المعجمة وهو الخفيف الظهر. وأما حديث خير الناس بعد المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد، فرواه أبو يعلى الموصلي

(4)

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 457).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(3)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 563).

(4)

أبو يعلى - كما في المطالب العالية (4359) - وابن الأعرابي في الزهد ص (94)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 69)، وابن عدي في الكامل (3/ 176 - 177)، والخليلي في الإرشاد (2/ 471/ منتخبه)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 197 - 198) و (11/ 225) وفي الجامع لأخلاف الراوي (62)، وفي الفوائد المنتخبة (45)، والبيهقي في الشعب (9867)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/ 55) و (18/ 211)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1051 و 1052)، والذهبي في السير (13/ 14). قال العقيلي: باطل، وقال الخليلي: وهذا لا يعرف من حديث سفيان إلا من هذا الوجه، وقد خطؤوه فيه، ورواه =

ص: 608

من حديث حذيفة ورواه الخطابي

(1)

في كتاب العزلة من حديثه وحديث أبي أمامة وكلاهما ضعيف، اهـ. قوله:"يغبط فيه الرجل"، تقول غبطت الرجل أغبطه غبطا إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ماله وأن يدوم عليه ما هو فيه، والخسران أن يكون لك ماله وأن يزول عنه ما هو فيه، ومنه حديث المتحابون في الله على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء، رواه الترمذي. وقال بعضهم أيضًا أغبط أفعل التفضيل ومعنى أغبط أي أحق ومعناه أن أولياء الله كلهم مقرب لكن أفضلهم موصوفون بالصفات المذكورة.

قوله: "ذو حظ من صلاة" الحديث، أي ذو قربة من صلاة وصيام، أي مع حضور القلب [والحظ]

(2)

النصيب.

[وقوله: "وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع"]

(3)

[فمعنى

= إبراهيم بن الهيثم البلدي، عن شيخ مجهول لا يعرف يقال له: الحسن بن حماد الخراساني، عن سفيان، مثله، وزاد: لأن يربي أحدكم بعد المئتين جرو كلب خير له من أن يربي ولدا من صلبه وهذا منكر جدا. اهـ. وقال الخطيب في الفوائد المنتخبة: هذا حديث غريب

تفرد بروايته أبو عصام رواد بن الجراح عن الثوري، وقد رواه - أيضًا - عنه غيره.

وقال الذهبي في السير: غريب جدا، تفرد به رواد. وقال في المغني: خبر منكر. علل الحديث (1890): قال أبي هذا حديث باطل. وقال الألباني في الضعيفة (3580): باطل.

(1)

الخطابي في العزلة (ص 120).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 609

الحديث أي] ذو حظ من صلاة أي مكثر منها مداوم عليها بحيث تكون غالب [أعماله][وخصها]

(1)

بالذكر لأنها أفضل عبادات البدن كما تقدم. ولأنها صلة بين العبد وبين ربه فاصلة بينه وبين ذنبه، اهـ. قوله:"وكان غامض في الناس لا يشار إليه بالأصابع" أي [لا يعرف موضعه ولا يؤبه له]

(2)

مغمورا غير مشهور [أي مستور الحال]

(3)

[والمغموص الغامص] في الناس المحتقر الذي لا [يرونه] شيئا، وقد فسر في الحديث بأنه الذي لا يؤبه له. قوله:"وكان رزقه كفافا" أي لا يفضل على ما لا بد له منه، والكفاف الذي لا يفضل عن الإنسان أو يكون بقدر الحاجة إليه. قال عمر

(4)

وددت أني سلمت من الخلافة كفافا لا عليّ ولا لي، وهو منصوب على الحال، وقيل أراد مكفوفا عن شرها، وقيل معناه أن لا تنال مني ولا أنال منها أي تكف عني وأكفّ عنها. وفي هذا الحديث تفضيل حالة الكفاف على [حالتي] الغنا والفقر مع الصبر وهو الذي ذهب إلى الشيخ أبو علي الدقاق مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم

(5)

: اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا، وفي رواية [قوتا] أي بقدر ما يمسك الرمق من المطعم، اهـ. قوله:"فصبر على ذلك" أي على الكفاف،

(1)

هكذا العبارة في الأصل وهو الأصوب، وفي النسخة الهندية:(وبعضها).

(2)

حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(أي مغمورا غير مشهور).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 62).

(5)

صحيح مسلم (126)(1055).

ص: 610

فإن الصبر تجرع المرارات مع الرضا بالقدر. قوله: "ثم نقر بيده" يعني النبي صلى الله عليه وسلم، أي ضرب، من قولهم نقرت [رأسه] بإصبعي أي ضربته، يقال نقر الطائر الحب إذا كان يلتقطه واحدا بعد واحد وأريد هنا ضرب الأنملة على الأنملة أو ضربها على الأرض كالمنقر [للشيء] كما يفعل المتعجب والمتفكر. قال ابن الأثير

(1)

: هو مثل النقر ويروى بالراء والضرب على هذه الهيئة [يفعل للتعجب] من الشيء وبالراء رواه الترمذي. قوله: "فقال: عجلت له منيته" أي لقلة تعلقه بالدنيا وغلبة شوقه إلى الآخرة، فإن الموت راحة لكل مؤمن. والمنية الموت، قال الشاعر:

ومن كتبت منيته بأرض

فليس يموت في أرض سواها.

[والمنية الموت]، سمي الموت منية لأنها مقدرة بوقت مخصوص وجمعه منايا، والمراد ما يؤدى إلى الموت من أسبابه. قوله:"قلّت بواكيه"[أي قلت له نساء باكيات لقلة عياله وقلة ميراثه لأن الميت يعذب ببكاء أهله، فالمؤمن من قلت بواكيه وشكرت مساعيه وأطلق الله الألسنة بالثناء عليه]

(2)

، والبواكي النساء اللاتي يبكين. قوله:"قل تراثه" والتراث الميراث، أي لم يخلّف مالا يورث عنه، قال الله تعالى:{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19)}

(3)

، قال في النهاية

(4)

في حديث الدعاء:

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 104).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(3)

سورة الفجر، الآية:19.

(4)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 186).

ص: 611

وإليك مآبي ولك تراثي. التراث ما يخلفه الرجل لورثته، والتاء فيه بدل من الواو [ولما كان] الميت يسأل عما [يخلف] ولا تزول قدماه يوم القيامة حتى [يسأل] عن أربع، الحديث. فاز المُخِفّون جعلنا الله منهم بمنه وكرمه [إنه على ما يشاء قدير]. وذكرنا هنا على ظاهر لفظه. تنبيه: في الحديث: إذا أحب الله عبدا اقتناه: فلم يترك له مالا ولا ولدا، أي اتخذه واصطفاه، يقال قناه يقنوه واقتناه إذا اتخذه لنفسه دون البيع، اهـ، قاله في النهاية

(1)

. [رواه الخطيب البغدادي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

(2)

: إذا أحب الله عبدا اقتناه لنفسه ولم يشغله بزوجة ولا ولد، اهـ]

(3)

. قال العلماء: محبة الله تعالى لعبده هي إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته. [وبغضه] إرادة عقابه وشقاوته ونحوه، ومحبة الملائكة للعبد يحتمل وجهين أحدهما استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم.

والثاني أن محبتهم على ظاهرها المعروف في المخلوقين وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه، وسبب حبهم إياه كونه مطيعا لله تعالى محبوبا له والله

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 117).

(2)

أبو نعيم في الحلية (1/ 25) موقوفا لكن أخرجه من طريقه ابن الجوزي، الموضوعات (2/ 278) هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الدارقطني: إسحاق بن وهب كذاب متروك حدث بالأباطيل. ووافقه الذهبي في تلخيص كتاب الموضوعات (ص: 136) رواه صاحب الحلية عن عبد الملك بن يزيد ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود مرفوعًا ولا أدري من هو عبد الملك فلعله واضعه.

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 612

أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا قلت لا يا رب ولكن أجوع يوما وأشبع يوما، الحديث. المراد باليوم هنا الوقت. قوله:"وإذا شبعت شكرتك وحمدتك".

تنبيه: حقيقة الشكر في العبودية وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافا وعلى قلبه شهودا ومحبة وعلى جوارحه انقيادا وطاعة والشكر مبني على خمس قواعد خضوع الشاكر للمشكور وحبه له واعترافه بنعمته والثناء [عليه] بها وأن لا يستعملها فيما يكره فهذه الخمسة هي أساس الشكر وثناؤه عليها فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور، فقيل [حده] أنه الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع، وقيل الثناء على المحسن بذكر إحسانه، وقيل هو عكوف القلب على محبة المنعم والجوارح على طاعته وجريان اللسان بذكره والثناء عليه وشكر العامة على المطعم والملبس وقوت الأبدان وشكر [من]

(1)

الخاصة على التوحيد والإيمان وقوت القلوب.

وقال داود عليه السلام

(2)

: يا رب كيف أشكرك وشكري نعمة عليّ من عندك تستوجب بها شكرا فقال الآن شكرتني يا داود.

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

تفسير السلمي (1/ 341)، النكت والعيون تفسير الماوردي (3/ 123)، مدارج السالكين (2/ 245).

ص: 613

وفي خبر آخر إسرائيلي أن موسى عليه السلام قال

(1)

: يا رب خلقت آدم بيديك ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك وعلمته أسماء كل شيء وفعلت وفعلت فكيف أطاق شكرك؟ فقال: الله عز وجل علم أن ذلك مني فكانت معرفته بذلك شكرا لي. وفي أثر إلهي يقول الله تعالى

(2)

: أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري أهل زيادتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعائب، اهـ. والله أعلم. قوله:"وحمدتك" تقدم الكلام على الحمد مبسوطا في خطبة هذا التعليق، ولله الحمد على ما أنعم وألهم وله الثناء الحسن الجميل وهو حسبي ونعم الوكيل كذا

4854 -

وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه خرج إلى المسجد فوجد معاذا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا. قلوبهم مصابيح الدجى يخرجون من كل غبراء مظلمة. رواه ابن ماجه

(3)

(1)

مدارج السالكين (2/ 245).

(2)

مدارج السالكين (2/ 245 - 246).

(3)

سنن ابن ماجه (3989) وأخرجه ابن أبي الدنيا في الأولياء (6)، وفي التواضع والخمول (8)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1798)، (1799)، والطبراني في الكبير (20/ 321)، (20/ 322)، وتمام الرازي في فوائده (1673)، وأبو نعيم في الحلية =

ص: 614

والحاكم

(1)

واللفظ له، وقال: صحيح، ولا علة له.

قوله: "وعن زيد بن أسلم" كذا كذا

قوله: "إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء" الأبرار جمع بر بمعنى الإحسان وهو كثيرا ما يخص بالأولياء والزهاد والعباد قوله: "قلوبهم مصابيح الدجا" الدجا عبارة عن الظلمة.

قوله: "يخرجون من كل غبراء مظلمة" الحديث، الغبراء بالمد هي التي لا يهتدى للخروج منها.

وتقدّم هذا الحديث في أوائل هذا التعليق.

= 1/ 5، والبيهقي في الشعب (6812)، وفي الأسماء والصفات (ص 499 - 500).

(1)

الحاكم (1/ 4)، (4/ 328).

ص: 615