المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زكاة الزروع والثمار - فقه السنة - جـ ١

[سيد سابق]

فهرس الكتاب

- ‌عموم الرسالة:

- ‌الغاية منها:

- ‌التشريع الاسلامي أو الفقه:

- ‌الطهارة

- ‌المياه وأقسامها

- ‌الماء المطلق

- ‌ الماء المستعمل

- ‌ الماء الذي خالطه طاهر

- ‌ الماء الذي لاقته النجاسة

- ‌السؤر:

- ‌النجاسة:

- ‌(1) الميتة:

- ‌2 - الدم:

- ‌3 - لحم الخنزير:

- ‌4، 5، 6 - قئ الادمي وبوله ورجيعه:

- ‌7 - الودي:

- ‌8 - المذي:

- ‌9 - المني:

- ‌10 - بول وروث ما لا يؤكل لحمه:

- ‌11 - الجلّالة:

- ‌(12) الخمر:

- ‌(13) الكلب:

- ‌تطهير الأرض:

- ‌تطهير السمن ونحوه:

- ‌‌‌تطهير جلد الميتة:

- ‌تطهير جلد الميتة:

- ‌‌‌تطهير المرآة ونحوها:

- ‌تطهير المرآة ونحوها:

- ‌‌‌تطهير النعل:

- ‌تطهير النعل:

- ‌قضاء الحاجة:

- ‌سنن الفطرة:

- ‌1 - الختان:

- ‌4، 5 - تقليم الاظافر وقص الشارب أو إحفاؤه

- ‌6 - إعفاء اللحية

- ‌7 - إكرام الشعر

- ‌8 - ترك الشيب وإبقاؤه

- ‌9 - تغيير الشيب بالحناء والحمرة والصفرة ونحوها

- ‌10 - التطيب بالمسك وغيره من الطيب

- ‌الوضوء:

- ‌سنن الوضوء:

- ‌نواقض الوضوء:

- ‌ما لا ينقض الوضوء:

- ‌ما يجب له الوضوء:

- ‌ما يستحب له:

- ‌المسح على الخفين:

- ‌الغسل:

- ‌يجب الغسل لأمور خمسة:

- ‌ما يحرم على الجنب:

- ‌الأغسال المستحبة:

- ‌(1) غسل الجمعة:

- ‌(2) غسل العيدين:

- ‌(3) غسل من غسل ميت

- ‌(4) غسل الإحرام:

- ‌(5) غسل دخول مكة:

- ‌(6) غسل الوقوف بعرفة:

- ‌‌‌أركان الغسل

- ‌أركان الغسل

- ‌سننه:

- ‌غسل المرأة:

- ‌مسائل تتعلق بالغسل:

- ‌التيمم:

- ‌المسح على الجبيرة ونحوها:

- ‌الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌ما يحرم على الحائض والنفساء:

- ‌الاستحاضة:

- ‌الصلاة:

- ‌منزلتها في الاسلام:

- ‌حكم ترك الصلاة:

- ‌مناظرة في تارك الصلاة:

- ‌صلاة الصبي:

- ‌عدد الفرائض:

- ‌مواقيت الصلاة:

- ‌غاية الابراد

- ‌استحباب تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها:

- ‌النوم عن الصلاة أو نسيانها:

- ‌الأوقات المنهي عن الصلاة فيها:

- ‌التطوع أثناء الإقامة:

- ‌الاذان:

- ‌شروط الصلاة:

- ‌كيفية الصلاة:

- ‌فرائض الصلاة:

- ‌سنن الصلاة:

- ‌هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة بعد الفاتحة:

- ‌ما يستحب أثناء القراءة:

- ‌مواضع الجهر والاسرار بالقراءة:

- ‌القراءة خلف الإمام:

- ‌التطوع:

- ‌قيام الليل:

- ‌صلاة الضحى:

- ‌صلاة الاستخارة:

- ‌صلاة التسبيح:

- ‌صلاة الحاجة:

- ‌صلاة التوبة:

- ‌صلاة الكسوف:

- ‌صلاة الاستسقاء:

- ‌سجود التلاوة:

- ‌سجدة الشكر:

- ‌سجود السهو:

- ‌صلاة الجماعة:

- ‌موقف الإمام والمأموم:

- ‌المساجد:

- ‌المواضع المنهى عن الصلاة فيها:

- ‌السترة أمام المصلي:

- ‌(ما يباح في الصلاة) :

- ‌مكروهات الصلاة:

- ‌مبطلات الصلاة:

- ‌صلاة المريض:

- ‌صلاة الخوف:

- ‌صلاة الطالب والمطلوب:

- ‌صلاة السفر:

- ‌الجمع بين الصلاتين:

- ‌الصلاة في السفينة والقاطرة والطائرة:

- ‌أدعية السفر:

- ‌الجمعة:

- ‌وجوب صلاة الجمعة:

- ‌من تجب عليه ومن لا تجب عليه:

- ‌خطبة الجمعة:

- ‌قطع الإمام الخطبة للأمر يحدث:

- ‌حرمة الكلام أثناء الخطبة:

- ‌صلاة العيدين:

- ‌الزكاة

- ‌زكاة النقدين:

- ‌ضم النقدين:

- ‌زكاة الحلى:

- ‌زكاة التجارة:

- ‌زكاة الزروع والثمار

- ‌زكاة الحيوان:

- ‌زكاة الابل:

- ‌زكاة البقر

- ‌زكاة الغنم

- ‌حكم الأوقاص:

- ‌ما لا يؤخذ في الزكاة:

- ‌زكاة غير الأنعام:

- ‌زكاة الفصلان والعجول والحملان

- ‌ما جاء في الجمع والتفريق:

- ‌زكاة الركاز والمعدن

- ‌المال المستفاد:

- ‌وجوب الزكاة في الذمة لا في عين المال

- ‌هلاك المال بعد وجوب الزكاة وقبل الأداء:

- ‌ضياع الزكاة بعد عزلها

- ‌تأخير الزكاة لا يسقطها:

- ‌دفع القيمة بدل العين:

- ‌الزكاة في المال المشترك

- ‌الفرار من الزكاة

- ‌مصارف الزكاة:

- ‌هل يعطى القوي المكتسب من الزكاة

- ‌المالك الذي لا يجد ما يفي بكفايته:

- ‌من الذي يقوم بتوزيع الزكاة:

- ‌ إعطاء الزكاة للحكومات المعاصرة:

- ‌استحباب اعطاء الصدقة للصالحين

- ‌استحباب اعطاء الزكاة للزوج والاقارب

- ‌اعطاء طلبة العلم من الزكاة دون العباد

- ‌اظهار الصدقة

- ‌زكاة الفطر:

- ‌صدقة التطوع:

- ‌أولى الناس بالصدقة:

- ‌التصدق بالحرام:

- ‌جواز التصدق بكل المال:

- ‌جواز الصدقة على الذمي والحربي:

- ‌الصدقة على الحيوان:

- ‌الصدقة الجارية:

- ‌شكر المعروف:

- ‌الصيام

- ‌فضل شهر رمضان، وفضل العمل فيه:

- ‌الترهيب من الفطر في رمضان:

- ‌بم يثبت الشهر:

- ‌اختلاف المطالع:

- ‌من رأى الهلال وحده:

- ‌أركان الصوم:

- ‌صيام الصبي:

- ‌من يرخص لهم في الفطر، ويجب عليهم القضاء:

- ‌الأيام المنهي عن صيامها:

- ‌صيام التطوع:

- ‌آداب الصيام

- ‌مباحات الصيام

- ‌ما يبطل الصيام

- ‌قضاء رمضان:

- ‌من مات وعليه صيام:

- ‌ليلة القدر

- ‌الاعتكاف:

- ‌ما يباح للمعتكف

- ‌ما يبطل الاعتكاف

- ‌قضاء الاعتكاف

- ‌المعتكف يلزم مكانا من المسجد، وينصب فيه الخيمة:

- ‌نذر الاعتكاف في مسجد معين

- ‌الجنائز

- ‌شكوى المريض:

- ‌المريض يكتب له ما كان يعمل وهو صحيح:

- ‌عيادة المريض:

- ‌التداوي:

- ‌الطبيب الكافر

- ‌جواز استطباب المرأة

- ‌ العلاج بالرقى والادعية

- ‌النهي عن التمائم:

- ‌منع المريض من السكن بين الأصحاء

- ‌النهي عن الخروج من الطاعون أو الدخول في أرض هو بها:

- ‌كراهة تمني الموت:

- ‌فضل طول العمر مع حسن العمل:

- ‌العمل الصالح قبل الموت دليل على حسن الختام:

- ‌استحباب الدعاء والذكر لمن حضر عند الميت:

- ‌ما يسن عند الاحتضار:

- ‌استحباب الدعاء والاسترجاع (1) عند الموت:

- ‌استحباب اعلام قرابته وأصحابه بموته:

- ‌البكاء على الميت:

- ‌النياحة:

- ‌الاحداد على الميت:

- ‌استحباب صنع الطعام لأهل الميت:

- ‌استحباب طلب الموت في أحد الحرمين:

- ‌ثواب من مات له ولد:

- ‌تجهيز الميت:

- ‌صفة الغسل:

- ‌الكفن:

- ‌الصلاة على الميت:

- ‌كيفية الصلاة على الجنازة:

- ‌استحباب الصفوف الثلاثة وتسويتها:

- ‌استحباب الجمع الكثير:

- ‌المسبوق في صلاة الجنازة:

- ‌من يصلى عليهم ومن لا يصلى عليهم:

- ‌الصلاة على الكافر:

- ‌الصلاة على القبر:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌الصلاة على الميت في المسجد:

- ‌الصلاة على الجنازة وسط القبور:

- ‌أولى الناس بالصلاة على الميت:

- ‌ما يكره مع الجنازة:

- ‌ترك الجنازة من أجل المنكر:

- ‌الدفن:

- ‌السنة في بناء المقابر:

- ‌تحريم المساجد والسرج على المقابر:

- ‌النهي عن الجلوس على القبر والاستناد إليه والمشي عليه:

- ‌النهي عن تجصيص القبر والكتابة عليه:

- ‌دفن أكثر من واحد في قبر:

- ‌الميت في البحر:

- ‌المرأة تموت وفي بطنها جنين حي:

- ‌المرأة الكتابية تموت وهي حامل من مسلم تدفن وحدها:

- ‌تفضيل الدفن في المقابر:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌قراءة القرآن عند القبر:

- ‌نبش القبر:

- ‌نقل الميت:

- ‌التعزية:

- ‌الجلوس لها:

- ‌صفة الزيارة:

- ‌زيارة النساء:

- ‌الأعمال التي تنفع الميت وهل يجوز إهداء الثواب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أفضل ما يهدى للميت:

- ‌أولاد المسلمين وأولاد المشركين:

- ‌الذكر

- ‌الحج

- ‌فضله:

- ‌شروط وجوب الحج:

- ‌حج المرأة:

- ‌من حج لنذر وعليه حجة الاسلام:

- ‌الاقتراض للحج:

- ‌حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌يوم التروية:

- ‌المواقيت الزمانية:

- ‌المواقيت المكانية:

- ‌‌‌الإحرامقبل الميقات:

- ‌الإحرام

- ‌أنواع الإحرام:

- ‌ثياب الإحرام:

- ‌طواف القارن والمتمتع وسعيهما وأنه ليس لاهل الحرم إلا الإفراد:

- ‌التلبية:

- ‌ما يباح للمحرم:

- ‌محظورات الإحرام:

- ‌جزاء قتل الصيد:

- ‌حكومة عمر وما قضى به السلف:

- ‌كيفية الإطعام والصيام:

- ‌الإشتراك في قتل الصيد:

- ‌صيد الحرم وقطع شجره:

- ‌حدود الحرم المكي:

- ‌حرمة المدينة:

- ‌ما يستحب لدخول مكة والبيت الحرام:

- ‌ الطواف

- ‌شروط الطواف:

- ‌سنن الطواف:

- ‌طواف الرجال مع النساء:

- ‌ركوب الطائف:

- ‌استحباب الشرب من ماء زمزم:

- ‌آداب الشرب منه:

- ‌استحباب الدعاء عند الملتزم:

- ‌استحباب دخول الكعبة وحجر إسماعيل:

- ‌السعي بين الصفا والمروة:

- ‌الوقوف بعرفة:

- ‌صيام عرفة:

- ‌الجمع بين الظهر والعصر:

- ‌الإفاضة من عرفة:

- ‌أعمال يوم النحر:

- ‌رمي الجمار:

- ‌من أين يؤخذ الحصى:

- ‌هل يجوز تأخير الرمي إلى الليل:

- ‌الرمي في الأيام الثلاثة:

- ‌استحباب التكبير والدعاء مع كل حصاة ووضعها بين أصابعه:

- ‌النيابة في الرمي:

- ‌المبيت بمنى:

- ‌متى يرجع من منى

- ‌الهدي:

- ‌الحلق أو التقصير:

- ‌استحباب امرار الموسى على رأس الأصلع:

- ‌طواف الإفاضة:

- ‌تعجيل الإفاضة للنساء:

- ‌العمرة

- ‌جوازها قبل الحج وفي أشهره:

- ‌وقتها:

- ‌ميقاتها:

- ‌طواف الوداع

- ‌كيفية أداء الحج:

- ‌استحباب تعجيل العودة:

- ‌الاحصار:

- ‌موضع ذبح هدي الإحصار:

- ‌لا قضاء على المحصر إلا أن يكون عليه فرض الحج:

- ‌جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه:

- ‌كسوة الكعبة:

- ‌تطييب الكعبة:

- ‌النهي عن الإلحاد في الحرم:

- ‌استحباب شد الرحال إلى المساجد الثلاثة:

- ‌آداب دخول المسجد النبوي وآداب الزيارة:

- ‌استحباب كثرة التعبد في الروضة المباركة:

- ‌استحباب إتيان مسجد " قبا " والصلاة فيه:

- ‌فضل الموت في المدينة:

الفصل: ‌زكاة الزروع والثمار

وهذا قول الثوري والاحناف، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، وابن المنذر.

ثم إذا نقص النصاب أثناء الحول، وكمل في طرفيه، لا ينقطع الحول عند أبي حنيفة، لانه يحتاج إلى أن تعرف قيمته في كل وقت، ليعلم أن قيمته فيه تبلغ نصابا، وذلك يشق.

وعند الحنابلة: أنه إذا نقص أثناء الحول، ثم زاد حتى بلغا نصابا، استأنف الحول عليه، لكونه انقطع بنقصه في أثنائه.

‌زكاة الزروع والثمار

وجوبها: أوجب الله تعالى زكاة الزروع والثمار فقال: (يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض) والزكاة تسمى نفقة، قال تعالى:(وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أمثر وءاتوا حقه يوم حصاده) .

قال ابن عباس: حقه، الزكاة المفروضة.

وقال: العشر، ونصف العشر.

الاصناف التي كانت تؤخذ منها الزكاة على عهد الرسول:

وقد كانت الزكاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤخذ من الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

فعن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم، فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الاربعة: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب.

ص: 347

رواه الدارقطني، والحاكم، والطبراني، والبيهقي، وقال: رواته ثقات وهو متصل.

قال ابن المنذر وابن عبد البر: وأجمع العلماء: على أن الصدقة واجبة في الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب.

وجاء في رواية ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة.

وفي إسناد هذه الرواية، محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك..الاصناف التي لم تكن تؤخذ منها: ولم تكن تؤخذ الزكاة من الخضروات، ولا من غيرها من الفواكه إلا العنب والرطب.

فعن عطاء بن السائب: ان عبد الله بن المغيرة أراد أن يأخذ صدقة من أرض موسى بن طلحة من الخضروات فقال له موسى بن طلحة: ليس لك ذلك، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:(ليس في ذلك صدقة) .

رواه الدارقطني، والحاكم، والاثرم في سننه.

وهو مرسل قوي.

وقال موسى بن طلحة: جاء الاثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسة أشياء: الشعير، والحنطة، والسلت (1) والزبيب، والتمر، وما سوى ذلك مما أخرجت الارض فلا عشر فيه.

وقال: إن معاذا لم يأخذ من الخضر صدقة.

قال البيهقي: هذه الاحاديث كلها مراسيل، إلا أنها من طرق مختلفة، فيؤكد بعضها بعضا، ومعها من أقوال الصحابة عمر وعلي وعائشة.

وروى الاثرم: أن عامل عمر كتب إليه في كروم فيها من الفرسك (2) والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافا؟ فكتب إليه: إنه ليس عليها عشر، هي من العضاه.

قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل (3) العلم: أنه ليس في الخضروات صدقة.

وقال القرطبي: إن الزكاة تتعلق بالمقتات، دون الخضروات وقد

(1)(السلت) نوع من الشعير.

(2)

(الفرسك) الخوخ.

(3)

يقصد: أكثرهم.

ص: 348

كان بالطائف الرمان والفرسك والاترج فما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منها زكاة، ولا أحد من خلفائه.

قال ابن القيم: ولم يكن من هديه أخذ الزكاة من الخيل والرقيق، ولا البغال، ولا الحمير، ولا الخضروات، ولا الاباطخ والمقاتي، والفواكه التي لا تكال ولا تدخر إلا العنب والرطب فإنه يأخذ الزكاة منه جملة، ولم يفرق بين ما يبس وما لم ييبس.

رأي الفقهاء: لم يختلف أحد من العلماء في وجوب الزكاة في الزروع والثمار، وإنما اختلفوا في الاصناف التي تجب فيها، إلى عدة آراء نجملها فيما يلي:

1 -

رأي الحسن البصري والشعبي أنه لا زكاة إلا في المنصوص عليه، وهو الحنطة، والشعير والذرة، والتمر، والزبيب.

لان ما عداه لا نص فيه، واعتبر الشوكاني هذا، المذهب الحق.

2 -

رأي أبي حنيفة: أن الزكاة واجبة في كل ما انبته الارض، لا فرق بين الخضروات وغيرها، واشترط أن يقصد بزراعته استغلال الارض ونماؤها عادة، واستثنى الحطب، والقصب الفارسي (1) والحشيش، والشجر الذي لا ثمر له. واستدل لذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم. (فيما سقت السماء العشر) وهذا عام يتناول جميع أفراده، ولانه يقصد بزراعته نماء الارض فأشبه الحب.

3 -

رأي أبي يوسف ومحمد: أن الزكاة واجبة في الخارج من الارض، بشرط أن يبقى سنة بلا علاج كثير، سواء أكان مكيلا كالحبوب، أو موزونا كالقطن والسكر.

فإن كان لا يبقى سنة، كالقثاء والخيار، والبطيخ، والشمام ونحوها من الخضروات والفواكه، فلا زكاة فيه.

(1)(القصب الفارسي) هو البوص في اللغة العامية المصرية.

ص: 349

4 -

مذهب مالك: أنه يشترط فيما يخرج من الارض أن يكون مما يبقي وييبس ويستنيته بنو آدم، سواء أكان مقاتا كالقمح والشعير، أو غير مقتات، كالقرطم والسمسم، ولا زكاة عنده في الخضروات والفواكه، كالتين، والرمان والتفاح.

5 -

وذهب الشافعي: إلى وجوب الزكاة فيما تخرجه الارض.

بشرط أن يكون مما يقتات ويدخر، ويستنبته الادميون، كالقمح والشعير.

قال النووي: مذهبنا: أنه زكاة في غير النخل والعنب من الاشجار. ولا في شئ من الحبوب إلا فيما يقتات ويدخر، ولا زكاة في الخضروات.

وذهب أحمد: إلى وجوب الزكاة في كل ما أخرجه الله من الارض، من الحبوب، والثمار، مما ييبس، ويبقى، ويكال ويستنبته الادميون في أراضيهم (1) سواء أكان قوتا: كالحنطة، أو من القطنيات (2) ، أو من الاباريز، كالكسبرة: والكراويا، أو من البذور: كبذر الكتان، والقثاء، والخيار، أو حب البقول: كالقرطم والسمسم.

وتجب عنده أيضا، فيما جمع هذه الاوصاف من الثمار اليابسة كالتمر، والزبيب، والمشمش، والتين واللوز والبندق والفستق.

ولا زكاة عنده في سائر الفواكه كالخوخ، والكمثرى والتفاح، والمشمش والتين، اللذين لا يجففان ولا في الخضروات كالقثاء،

والخيار، والبطيخ، والباذنجان واللفت والجزر.

زكاة الزيتون:

قال النووي: وأما الزيتون، فالصحيح عندنا أنه لا زكاة فيه: وبه قال الحسن بن صالح، وابن أبي ليلى، وأبو عبيد.

وقال الزهري والاوزاعي، والليث، ومالك، والثوري، وأبو حنيفة

(1) وإن اشترى زرعا بعد بدو صلاحه أو ثمرة بدا صلاحها أو ملكها بجهة من جهات الملك لم تجب فيها الزكاة.

(2)

(القطنيات) هي الحبوب سوى البر والشعير سميت بذلك لانها تقطن في البيوت أي تخزن وهي كالعدس، والحمص، والبسلة، والجلبان، والترمس واللوبيا، والفول.

ص: 350

وأبو ثور: فيه الزكاة.

قال الزهري، والليث، والاوزاعي: يخرص فتؤخذ زكاته زيتا.

وقال مالك: لا يخرص، بل يؤخذ العشر بعد عصره وبلوغه خمسة أوسق. انتهى.

سبب الخلاف ومنشؤه:

قال ابن رشد: وسبب الخلاف: أما بين من قصر الزكاة على الاصناف المجمع عليها، وبين من عداها إلى المدخر المقتات، فهو اختلافهم في تعلق الزكاة بهذه الاصناف الاربعة، هل هو لعينها، أو لعلة فيها، وهي الاقتيات؟ فمن قال: لعينها، قصر الوجوب عليها.

ومن قال: لعلة الاقتيات، عدى الوجوب لجميع المقتات.

وسبب الخلاف بين من قصر الوجوب على المقتات، وبين من عداه إلى جميع ما تخرجه الارض - إلا ما وقع عليه الاجماع من الحشيش، والحطب، والقصب - معارضة القياس لعموم اللفظ: أما اللفظ الذي يقتضي العموم، فهو قوله عليه الصلاة والسلام:(فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) و (ما) بمعنى الذي، و (الذي) من الفاظ العموم.

وقوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات) الاية إلى قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) .

وأما القياس فهو أن الزكاة إنما المقصود بن سد الحلة، وذلك لا يكون غالبا إلا فيما هو قوت.

فمن خصص العموم بهذا القياس، أسقط الزكاة مما عدا المقتات.

ومن غلب العموم، أوجبها فيما عدا ذلك، إلا ما أخرجه الاجماع.

والذين اتفقوا على المقتات، اختلفوا في اشياء، من قبل اختلافهم فيها، هل هي مقتاتة أم ليست بمقتاتة، وهل يقاس على ما اتفق عليه أو ليس يقاس؟ مثل اختلاف مالك، والشافعي، في الزيتون، فإن مالكا ذهب إلى وجوب الزكاة فيه ومنع الشافعي ذلك في قوله الاخير بمصر.

ص: 351

وسبب اختلافهم، هل هو قوت، أو ليس بقوت.

نصاب زكاة الزروع والثمار:

ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الزكاة لا تجب في شئ من الزروع والثمار، حتى تبلغ خمسة أوسق بعد تصفيتها من التبن والقشر، فإن لم تصف، بأن تركت في قشرها (1) فيشترط أن تبلغ عشرة أوسق.

1 -

فعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) .

رواه أحمد، والبيهقي بسند جيد.

2 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة) .

والوسق، ستون صاعا بالاجماع، وقد جاء ذلك في حديث أبي سعيد، وهو حديث منقطع.

وذهب أبو حنيفة ومجاهد إلى وجوب الزكاة في القليل والكثير، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:(فيما سقت السماء العشر) ، ولانه لا يعتبر له حول، فلا يعتبر له نصاب.

قال ابن القيم - مناقشا هذا الرأى - وقد وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في تقدير نصاب المعشرات بخمسة أوسق، بالمتشابه من قوله:(فيما سقت السماء العشر وما سقي بنضح أو غرب فنصف العشر) .

قالوا وهذا يعم القليل والكثير وقد عارضه الخاص، ودلالة العام قطعية كالخاص وإذا تعارضا قدم الاحوط، وهو الوجوب.

فيقال: يجب العمل بكلا الحديثين، ولا يجوز معارضة أحدهما بالاخر، وإلغاء أحدهما بالكلية، فإن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض في هذا، وفي هذا، ولا تعارض بينهما - بحمد الله تعالى - بوجه من الوجوه فإن قوله (فيما سقت السماء العشر) إنما أريد به التمييز، بين ما يجب فيه العشر، وما يجب فيه نصفه، فذكر النوعين، مفرقا بينهما في مقدار الواجب.

وأما

(1) كالارز إذا ترك في قشره.

ص: 352

مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث، وبينه نصا في الحديث الاخر، فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما أول عليه ألبتة، إلى المجمل المتشابه، الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم لم يقصدوا بيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصصها من النصوصين؟ اه

وقال ابن قدامة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) متفق عليه: هذا خاص يجب تقديمه وتخصيص عموم ما رووه به كما خصصنا قوله: (في كل سائمة من الابل الزكاة) بقوله: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة) وقوله: (في الرقة ربع العشر) بقوله: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) ولانه مال تجب فيه الصدقة، فلم تجب في يسيره، كسائر الاموال الزكوية. وانما لم يعتبر الحول، لانه يكمل نماؤه باستحصاده، لا ببقائه. واعتبر الحول في غيره، لانه مظنة لكمال النماء في سائر الاموال. والنصاب اعتبر ليبلغ حدا يحتمل المواساة منه، فلهذا اعتبر فيه.

يحققه: أن الصدقة إنما تجب على الاغنياء ولا يحصل الغني بدون النصاب، كسائر الاموال الزكوية.

هذا، والصاع قدح وثلث.

فيكون النصاب خمسين كيلة فإن كان الخارج لا يكال، فقد قال ابن قدامة:(ونصاب الزعفران والقطن، وما ألحق بهما من الموزونات، ألف وستمائة رطل بالعراقي، فيقوم وزنه مقامه. (1)

قال أبو يوسف: إن كان الخارج مما لا يكال، لا تجب فيه الزكاة إلا إن بلغ قيمة نصاب من أدنى ما يكال.

فلا تجب الزكاة في القطن إلا إذا بلغت قيمته خمسة أوسق، من أقل ما يكال، كالشعير ونحوه.

لانه لا يمكن اعتباره بنفسه، فاعتبر بغيره، كالعروض يقوم بأدنى النصابين من الاثمان.

(1) الخمسة الاوسق تساوي ألفا وستمائة رطل عراقي والرطل العراقي 130 درهما تقريبا.

ص: 353

وقال محمد: يلزم أن يبلغ خمسة أمثال من أعلى ما يقدر به نوعه، ففي القطن لا تجب فيه الزكاة إن بلغ خمسة قناطير، لان التقدير بالوسق فيما يوسق كان باعتبار أنه أعلى ما يقدر به نوعه.

مقدار الواجب: يختلف القدر الذي يجب إخراجه، باختلاف السقي: فما سقي بدون استعمال آلة - بأن سقي بالراحة - ففيه عشر الخارج، فإن سقي بآلة أو بماء مشترى، ففيه نصف العشر.

1 -

فعن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والبعل (1) ، والسيل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) رواه البيهقي، والحاكم، وصححه.

2 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون، أو كان عشريا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) رواه البخاري، وغيره.

فإن كان يسقى تارة بآلة، وتارة بدونها، فإن كان ذلك على جهة الاستواء ففيه ثلاثة أرباع العشر.

قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافا، وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الاقل تابعا للاكثر، عند أبي حنيفة، وأحمد، والثوري، وأحمد قولي الشافعي.

وتكاليف الزرع من خصاد وحمل ودياسة، وتصفية، وحفظ، وغير ذلك من خالص مال المالك، ولا يحسب منها شئ من مال الزكاة.

ومذهب ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنه يحسب ما اقترضه من أجل زرعه وثمره.

عن جابر بن زيد: عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما في الرجل

(1) البعل والعثري: الذي يشرب بعرقه دون سقي، والنضح: السقي من ماء بئر أو نهر بساقية.

ص: 354

يستقرض فينفق على ثمرته وعلى أهله - قال: قال ابن عمر: يبدأ بما استقرض فيقضيه ويزكي ما بقي.

قال (1) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يقضي ما أنفق على الثمرة، ثم يزكي ما بقي (2) رواه يحيى بن آدم في الخراج.

وذكر ابن حزم عن عطاء: أنه يسقي مما أصاب النفقة فإن بقي مقدار ما فيه الزكاة زكي، وإلا فلا.

الزكاة في الارض الخراجية:

تنقسم الارض إلى:

1 -

عشرية (3) وهي الارض التي أسلم أهلها عليها طوعا، أو فتحت عنوة وقسمت بين الفاتحين، أو التي أحياها المسلمون.

2 -

وخراجية، وهي الارض التي فتحت عنوة، وتركت في أيدي أهلها، نظير خراج معلوم.

والزكاة كما تجب في أرض العشر، تجب كذلك في أرض الخراج، إذا أسلم أهلها، أو اشتراها المسلم، فيجتمع فيها العشر والخراج، ولا يمنع أحدهما وجوب الاخر.

قال ابن المنذر: وهو قول أكثر العلماء.

وممن قال به، عمر بن عبد العزيز، وربيعة، والزهري، ويحيى الانصاري

ومالك، والاوزاعي، والثوري، والحسن بن صالح، وابن أبي ليلى، والليث، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وداود، واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة، والمعقول - أي القياس -.

أما الكتاب فقول الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض) فأوجب الانفاق من الارض

(1) قوله: (قال الخ) أي قال جابر.

(2)

اتفق ابن عباس وابن عمر على قضاء ما أنفق على الثمرة وزكاة الباقي واختلفا في قضاء ما ما أنفق على أهله.

(3)

(عشرية) أي التي تجب فيها زكاة العشر.

ص: 355

مطلقا، سواء كانت الارض خراجيه، أو عشرية.

وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام: (فيما سقت السماء العشر) وهو عام يتناول العشرية والخراجية.

وأما المعقول، فلان الزاكة والخراج حقان بسببين مختلفين لمستحقين فلم يمنع أحدهما الاخر، كما لو قتل المحرم صيدا مملوكا.

ولان العشر وجب بالنص، فلا يمنعه الخراج الواجب بالاجتهاد.

وذهب أبو حنيفة: إلى أنه لا عشر في أرض الخراجية، وإنما الواجب فيها الخراج فقط كما كانت، وإن من شروط وجوب العشر أن لا تكون الارض خراجية.

أدلة أبي حنيفة ومناقشتها:

استدل الامام أبو حنيفة لمذهبه:

1 -

بما رواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم) .

وهذا الحديث مجمع على ضعفه، انفرد به يحيى بن عنبسة، عن أبي حنيفة، عن حماد عن إبراهيم النخعي عن علقمة، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال البيهقي في معرفة السنن والاثار: (هذا المذكور إنما يرويه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم من قوله، فرواه يحيى هكذا مرفوعا.

ويحيى بن عنبسة مكشوف الامر في الضعف لروايته عن الثقات، الموضوعات.

قاله أبو أحمد ابن عدي الحافظ فيما أخبرنا به أبو سعيد الماليني عنه) . وضعفه كذلك الكمال بن الهمام من أئمة الحنفية (1) .

2 -

وربما رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، قالها

(1) رجح الكمال مذهب الجمهور، وناقش مذهبه بما لا يخرج عن مضمون هذا النقاش.

ص: 356

ثلاثا، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه) (1) .

وليس في هذا الحديث دلالة على عدم أخذ الزكاة من الارض الخراجية، فقد أوله العلماء على معنى أنهم سيسلمون، وتسقط الجزية عنهم.

أو أنه إشارة إلى الفتن التي تقع آخر الزمان، المؤدية إلى منع الحقوق الواجبة عليهم، من زكاة، وجزية، وغيرهما.

قال النووي - عقب التأويلين -: لو كان معنى الحديث ما زعموه، للزم أن لا تجب زكاة الدراهم والدنانير والتجارة، وهذا لا يقول به أحد.

3 -

وروى: (أن دهقان بهر الملك، لما أسلم، قال عمر بن الخطاب: سلموا إليه الارض، وخذوا منه الخراج.

وهذا صريح في الامر بأخذ الخراج، دون الامر بأخذ العشر) .

وهذه القصة يقصد بها أن الخراج لا يسقي بإسلامه، ولا يلزم من ذلك

سقوط العشر، وإنما ذكر الخراج، لانه ربما يتوهم سقوطه بالاسلام كالجزية، وأما العشر، فمعلوم أنه واجب على الحر المسلم فلم يحتج إلى ذكره.

كما أنه لم يذكر أخذ زكاة الماشية منه.

وكذك زكاة النقدين، وغيرها، أؤ لان الدهقان لم يكن له ما يجب فيه العشر.

4 -

(وأن عمل الولاة والائمة على عدم الجمع بين العشر والخراج) .

وهذا ممنوع بما نقله ابن المنذر من أن عمر بن عبد العزيز جمع بينهما.

5 -

(وأن الخراج يباين العشر: فإن الخراج وجب عقوبة بينما العشر وجب عبادة، ولا يمكن اجتماعهما في شخص واحد فيجبا عليه معا.

وهذا صحيح في حالة الابتداء، ممنوع في حالة البقاء وليس كل صور الخراج أساسها العنوة والقهر، بل يكون في بعض صورة مع عدم العنوة، كما في الارض القريبة من أرض الخراج، أو التي أحياها وسقاها بماء الانهار الصغار.

6 -

(أن سبب كل من الخراج والعشر واحد، وهو الارض النامية،

(1) وجه الدلالة في الحديث: أنه إخبار عما يكون من منع الحقوق الواجبة وبين هذه الحقوق، وأنها عبارة عن الخراج، فلو كان العشر واجبا لذكره معه.

ص: 357

حقيقة، أو حكما، بدليل أنها لو كانت سبخة لا منفعة لها، لا يجب فيها خراج ولا عشر، وإذا كان السبب واحدا، فلا يجتمعان معا في أرض واحدة، لان السبب الواحد لا يتعلق به حقان من نوع واحد، كما إذا ملك نصابا من السائمة للتجارة سنة، فإنه لا يلزمه زكاتان) .

والجواب: أن الامر ليس كذلك، فإن سبب العشر الزرع الخارج من الارض، والخراج يجب على الارض، سواء زرعها أم أهملها.

وعلى تسليم وحدة السببية، فلا مانع من تعلق الوظيفتين بالسبب الواحد، الذي هو الارض.

كما قال الكمال ابن الهمام..يرى جمهور العلماء أن من استأجر أرضا فزرعها فالزكاة عليه، دون مالك الارض.

وقال أبو حنيفة: الزكاة على صاحب الارض.

قال ابن رشد: والسبب في اختلافهم، هل العشر حق الارض أو حق الزرع؟ فلما كان عندهم أنه حق لاحد الامرين، اختلفوا في أيهما أولى أن ينسب إلى موضع الانفاق.

وهو كون الزرع والارض لمالك واحد.

فذهب الجمهور: إلى أنه ما تجب فيه الزكاة، وهو الحب.

وذهب أبو حنيفة: إلى أنه ما هو أصل الوجوب، وهو الارض.

ورجح ابن قدامة رأي الجمهور فقال: (إنه واجب في الزرع، فكان على مالكه، كزكاة القيمة، فيما إذا أعده للتجارة، وكعشر زرعه في ملكه، ولا يصح قولهم: إنه من مؤنة الارض لانه لو كان من مؤنتها، لوجب فيها، وإن لم تزرع، كالخراج، ولوجب على الذمي، كالخراج، ولتقدر بقدر الارض لا بقدر الزرع، ولوجب صرفه إلى مصارف الفئ، دون مصرف الزكاة.

تقدير النصاب في النخيل والاعناب بالخرص (1) دون الكيل:

إذا أزهى النخيل والاعناب، وبدا صلاحها، اعتبر تقدير النصاب فيها

(1)(الخرص) الحزر والتخمين.

ص: 358

بالخرص دون الكيل، وذلك بأن يحصي الخارص الامين العارف، ما على النخيل، والاعناب، من العنب والرطب، ثم يقدره تمرا وزبيبا، ليعرف مقدار الزكاة فيه، فإذا جفت الثمار أخذ الزكاة التي سبق تقديرها منها.

فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى، إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(اخرصوا، وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق، فقال لها: أحصي ما يخرج منها) رواه البخاري.

هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل أصحابه من بعده وإليه ذهب أكثر أهل العلم (1) .

وخالف في ذلك الاحناف: لان الخرص ظن وتخمين، لا يلزم به حكم.

وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى، فإن الخرص ليس من الظن في شئ، بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمر، كالاجتهاد في تقويم المتلفات.

وسبب الخرص، أن العادة جرت بأكل الثمار رطبا، فكان من الضروري إحصاء الزكاة قبل أن تؤكل وتصرم (2) ومن أجل أن يتصرف أربابها بما شاءوا، ويضمنوا قدر الزكاة.

وعلى الخارص، أن يترك في الخرص الثلث، أو الربع، توسعة على أرباب الاموال، لانهم يحتاجون إلى الاكل منه، هم وأضيافهم وجيرانهم.

وتنتاب الثمرة النوائب من أكل الطير والمارة وما تسقطه الريح، فلو أحصي الزكاة من الثمر كله، دون استثناء الثلث، أو الربع، لاضر بهم.

فعن سهل بن أبي حثمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع (3)) رواه أحمد، وأصحاب السنن، إلا ابن ماجه.

ورواه الحاكم، وابن حبان وصححاه. قال الترمذي: والعمل على حديث سهل، عند أكثر أهل العلم.

(1) يرى مالك أنه واجب.

وعند الشافعي وأحمد: سنة.

(2)

(تصرم) تقطع.

(3)

يتبع ذلك كثرة الاكلة وقلتهم فالثلث إذا كثروا، والربع إذا قلوا.

ص: 359

وعن بشير بن يسار قال: بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا حثمة الانصاري على خرص أموال المسلمين، فقال: إذا وجدت القوم في نخلهم قد خرفوا (1) فدع لهم ما يأكلون، لا تخرصه عليهم.

وعن مكحول قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال: (خففوا على الناس، فإن في المال العرية والواطئة والاكلة) رواه أبو عبيد.

وقال: الواطئة (السابلة) سموا بذلك، لوطئهم بلاد الثمار مجتازين.

والاكلة: أرباب الثمار، وأهلوهم، ومن لصق بهم.

الاكل من الزرع:

يجوز لصاحب الزرع أن يأكل من زرعه، ولا يحسب عليه ما أكل منه قبل الحصاد، لان العادة جارية به، وما يؤكل شئ يسير.

وهو يشبه ما يأكله أرباب الثمار من ثمارهم فإذا حصد الزرع، وصفى الحب، أخرج زكاة الموجود.

سئل أحمد عما يأكل أرباب الزروع من الفريك؟ قال: لا بأس أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه.

وكذلك قال الشافعي، والليث، وابن حزم (2) .

ضم الزروع والثمار:

اتفق العلماء على أنه يضم أنواع الثمر بعضه إلى بعض، وإن اختلف في الجودة، والرداءة واللون، وكذا يضم أنواع الزبيب بعضها إلى بعض وأنواع الحنطة، بعضها إلى بعض، وكذا أنواع سائر الحبوب (3) .

واتفقوا أيضا على أن عروض التجارة تضم إلى الاثمان وتضم الاثمان إليها، إلا أن الشافعي لا يضمها إلا إلى جنس ما اشتريت به، لان نصابها معتبر به.

واتفقوا على أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر، في تكميل النصاب، في غير الحبوب والثمار.

(1)(خرفوا) اي أقاموا في نخلهم وقت الخريف.

(2)

قال مالك وأبو حنيفة: يحسب على الرجل ما أكل من زرعه قبل الحصاد من النصاب.

(3)

إن ضم الجيد إلى الردئ أخذت الزكاة بحسب قدر كل واحد منهما، فإن كان الثمر أصنافا أخذ من وسطه.

ص: 360

فالماشية لا يضم جنس منها إلى جنس آخر.

فلا يضم الابل إلى البقر في تكميل النصاب، والثمار لا يضم جنس إلى غيره، فلا يضم التمر إلى الزبيب.

واختلفوا في ضم الحبوب المختلفة، بعضها إلى بعض.

وأولى الاراء وأحقها: أنه لا يضم شئ منها في حساب النصاب، ويعتبر النصاب في كل جنس منها قائما بنفسه، لانها أجناس مختلفة، وأصناف كثيرة، بحسب أسمائها فلا يضم الشعير إلى الحنطة، ولا هي إليه، ولا التمر إلى الزبيب، ولا هو إليه، ولا المحص إلى العدس.

وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وإحدى الروايات عن أحمد، وإليه ذكب كثير من علماء السلف.

قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنه لا تضم الابل إلى البقر، ولا إلى الغنم، ولا البقر إلى الغنم، ولا التمر إلى الزبيب، فكذا لا ضم في غيرها، وليس للقائلين بضم الاجناس دليل صحيح صريح فيما قالوه.

متى تجب الزكاة في الزروع والثمار: تجب الزكاة في الزروع إذا اشتد الحب وصار فريكا، وتجب في الثمار إذا بدا صلاحها، ويعرف ذلك باحمرار البلح، وجريان الحلاوة في العنب (1) .

ولا تخرج الزكاة إلا بعد تصفية الحب وجفاف الثمر. وإذا باع الزارع زرعه بعد اشتداد الحب، وبدو صلاح الثمر فزكاة زرعه وثمره عليه، دون المشتري، لان سبب الوجوب العقد، وهو في ملكه.

إخراج الطيب في الزكاة:

أمر الله سبحانه المزكي بإخراج الطيب من ماله، ونهاه عن التصدق بالردئ، فقال:(يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا (2) الخبيث (3) منه تنفقون ولستم

(1) هذا مذهب الجمهور، وعند أبي حنيفة ينعقد سبب الوجوب بخروج الزروع وظهور الثمر.

(2)

(تيمموا) أي تقصدوا.

(3)

(الخبيث) أي الردئ غير الجيد.

ص: 361

بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه (1) واعملوا أن الله غني حميد) .

روى أبو داود والنسائي، وغيرهما، عن سهل بن حنيف، عن أبيه قال:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لونين من التمر: الجعرور (2) ، ولون الحبيق (3) .

وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم فيخرجونها في الصدقة. فنهوا عن ذلك، ونزلت:(ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) .

وعن البراء قال: في قوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) نزلت فينا معشر الانصار، كنا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو، والقنوين فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة (4) ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع، أتى القنو فضربه بعصاه فسقط البسر والتمر، فيأكل، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير، يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص، والحشف والقنو قد انكسر، فيعلقه، فأنزل الله تعالى:(ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) .

قال: لو أن أحدكم أهدى إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء.

قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده.

رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.

قال الشوكاني: فيه دليل على أنه لا يجوز للمالك أن يخرج الردئ عن الجيد الذي وجبت فيه الزكاة، نصا في التمر، وقياسا في سائر الاجناس التي تجب فيها الزكاة وكذلك لا يجوز للمصدق أن يأخذ ذلك.

ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا زكاة في العسل.

قال البخاري: ليس في زكاة العسل شئ يصح. (5)

(1)(تغمضوا) أي تتغاضوا في أخذه.

(2 و 3)(الجعرور والحبيق) نوعان رديئان من التمر.

(4)

(أهل الصفة) أي فقراء المهاجرين.

(5)

أي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 362