الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتكاف:
(1)
معناه: الاعتكاف لزوم الشئ وحبس النفس عليه، خيرا كان أم شرا.
قال الله تعالى: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) أي مقيمون متعبدون لها.
والمقصود به هنا لزوم المسجد والاقامة فيه بنية التقرب إلى الله عزوجل.
(2)
مشروعيته: وقد أجمع العلماء على أنه مشروع، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما.
رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه، وقد اعتكف أصحابه وأزواجه معه وبعده، وهو إن كان قربة، إلا أنه لم يرد في فضله حديث صحيح.
قال أبوداود: قلت لاحمد رحمه الله: تعرف في فضل الاعتكاف شيئا؟ قال: لا، إلا شيئا ضعيفا.
(3)
أقسامه: الاعتكاف ينقسم إلى مسنون وإلى واجب، فالمسنون ما تطوع به المسلم تقربا إلى الله، وطلبا لثوابه، واقتداء بالرسول صلوات الله وسلامه عليه، ويتأكد ذلك في العشر الاواخر من رمضان لما تقدم، والاعتكاف الواجب ما أوجبه المرء على نفسه، إما بالنذر المطلق، مثل أن يقول: لله علي أن أعتكف كذا، أو بالنذر المعلق كقوله: إن شفا الله مريضي لاعتكفن كذا.
وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه " وفيه: أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال:" أوف بنذرك ".
(4)
زمانه: الاعتكاف الواجب يؤدى حسب ما نذره وسماه الناذر، فإن نذر
الاعتكاف يوما أو أكثر وجب الوفاء بما نذره.
والاعتكاف المستحب ليس له وقت محدد، فهو يتحقق بالمكث في المسجد مع نية الاعتكاف طال الوقت أم قصر.
ويثاب ما بقي في المسجد، فإذا خرج منه ثم عاد إليه جدد النية إن قصد الاعتكاف، فعن يعلى بن أمية قال: إني لامكث في المسجد ساعة ما أمكث إلا لاعتكف.
وقال عطاء: هو اعتكاف ما مكث فيه، وإن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف. وإلا فلا.
وللمعتكف أن يقطع اعتكافه المستحب متى شاء، قبل قضاء المدة التي نواها.
فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه.
وأنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الاواخر من رمضان فأمر ببنائه (1) فضرب.
قالت عائشة: فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضرب، وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائه فضرب.
فلما صلى الفجر نظر إلى الابنية، فقال: ما هذه؟ " آلبرتردن "(2) قالت: فأمر ببنائه فقوض (3) ، وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الاول " يعني من شوال " فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بتقويض أبنيتهن وترك الاعتكاف بعد نيته منهن دليل على قطعه بعد الشروع فيه.
وفي الحديث أن للرجل أن يمنع زوجته من الاعتكاف
(1) في هذا دليل على جواز اتخاذ المعتكف لنفسه موضعا من المسجد ينفرد فيه مدة اعتكافه ما لم يضيق على الناس، وإذا اتخذه يكون في آخر المسجد ورحابه لئلا يضيق على غيره وليكون أخلى له وأكمل لانفراده.
(2)
" البر " الطاعة، في شرح مسلم سبب إنكاره أنه خاف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه أو غيرته عليهن فكره ملازمتهن المسجد مع أنه يجمع الناس ويحضره الاعراب والمنافقون. وهن محتاجات إلى الخروج والدخول لما يعرض لهن فيبتذلن بذلك. أو لانه صلى الله عليه وسلم رآهن عنده في المسجد وهو في المسجد فصار كأنه في منزله بحضوره مع أزواجه وذهب المهم من مقصود الاعتكاف، وهو التخلي عن الازواج ومتعلقات الدنيا وشبه ذلك، أو لانهن ضيقن المسجد بأبنيتهن. انتهى.
(3)
أزيل وهدم.
بغير إذنه، وإليه ذهب عامة العلماء، واختلفوا فيما لو أذن لها، هل له منعها بعد ذلك؟ فعند الشافعي وأحمد وداود: له منعها وإخراجها من اعتكاف التطوع.
(5)
شروطه: ويشترط في المعتكف أن يكون مسلما، مميزا طاهرا من الجنابة والحيض والنفاس، فلا يصح من كافر ولا صبي غير مميز ولاجنب ولاحائض ولا نفساء.
(6)
أركانه: حقيقة الاعتكاف المكث في المسجد بنية التقرب إلى الله تعالى، فلو لم يقع المكث في المسجد أو لم تحدث نية الطاعة لا ينعقد الاعتكاف.
أما وجوب النية فلقول الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " وأما أن المسجد لا بد منه فلقول الله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) ووجه الاستدلال، أنه لو صح الاعتكاف في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد لانها منافية للاعتكاف، فعلم أن المعنى بيان أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد.
(7)
رأي الفقهاء في المسجد الذي ينعقد فيه الاعتكاف:
اختلف الفقهاء في المسجد يصح الاعتكاف فيه فذهب أبو حنيفة واحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أنه يصح في كل مسجد يصلى فيها الصلوات الخمس وتقام فيه الجماعة، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كل مسجد له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح " رواه الدارقطني.
وهذا حديث مرسل ضعيف لا يحتج به.
وذهب مالك والشافعي وداود، إلى أنه يصح في كل مسجد لانه لم يصح في تخصيص بعض المساجد شئ صريح.
وقالت الشافعية الافضل أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع، لان
الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد الجامع، ولان الجماعة في في صلواته اكتر، ولا يعتكف في غيره إذا تخلل وقت الاعتكاف صلاة جمعة حتى لا تفوته.
وللمعتكف أن يؤذن في المئذنة إن كان بابها في المسجد أو في صحنه.
ويصعد على ظهر المسجد لان كل ذلك من المسجد، فإن كان باب المئدنة خارج المسجد بطل اعتكافه إن تعمد ذلك، ورحبة المسجد منه عند الحنفية والشافعية، ورواية عن أحمد.
وعن مالك ورواية عن أحمد، أنها ليست منه، فليس للمعتكف أن يخرج إليها.
وجمهور العلماء على أن المرأة لا يصح لها أن تعتكف في مسجد بيتها، لان مسجد البيت لا يطلق عليه اسم مسجد، ولا خلاف في جواز بيعه، وقد صح أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن في المسجد لنبوي.
صوم المعتكف المعتكف إن صام فحسن، وإن لم يصم فلا شئ عليه.
روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام.
فقال: " أوف بنذرك " ففي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالوفاء بالنذر دليل على ان الصوم ليس شرطا في صحة الاعتكاف، إذ أنه لا يصح الصيام في الليل.
وروى سعيد بن منصور عن أبي سهل.
قال، كان على امرأة من أهلي اعتكاف.
فسألت عمر بن عبد العزيز، فقال ليس عليها صيام، إلا أن تجعله على نفسها.
فقال الزهري: لا اعتكاف إلا بصوم.
فقال له عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا.
قال: فعن أبي بكر؟ قال: لا.
قال: فعن عمر؟ قال: لا.
قال: واظنه قال عن عثمان؟ قال: لا.
فخرجت من عنده فلقيت عطاء وطاووسا فسألتهما؟ فقال طاووس: كان فلان لا يرى عليها صياما إلا أن تجعله على نفسها.
وقال عطاء: ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها.
قال الخطابي، وقد اختلف الناس في هذا، فقال الحسن البصري: إن اعتكف من غير صيام أجزأه، وإليه ذهب الشافعي.
وروي عن علي وابن مسعود أنهما قالا: إن شاء صام
وإن شاء أفطر.
وقال الاوزاعي ومالك: لا اعتكاف إلا بصوم، وهو مذهب أهل الرأي وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة، وهو قول سعيد ابن المسيب وعروة بن الزبير والزهري وقت دخول المعتكف والخروج منه تقدم أن الاعتكاف المندوب ليس له وقت محدد.
فمتى دخل المعتكف المسجد ونوى التقرب إلى الله بالمكث فيه صار متعكفا حتى يخرج، فإن نوى اعتكاف العشر الاواخر من رمضان، فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس.
فعند البخاري عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان
اعتكف معي فليعتكف العشر الاواخر ".
والعشر اسم لعدد الليالي، أول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين أو ليلة العشرين.
وما روي أنه صلى الله عليه وسلم: كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه.
فمعناه أنه كان يدخل المكان الذي أعده للاعتكاف في المسجد.
أما وقت دخول المسجد للاعتكاف فقد كان أول الليل.
ومن اعتكف العشر الاواخر من رمضان فإنه يخرج بعد غروب الشمس آخر يوم من الشهر عند أبي حنيفة والشافعي.
وقال مالك وأحمد: إن خرج بعد غروب الشمس أجزأه، والمستحب عندهما أن يبقى في المسجد حتى يخرج إلى صلاة العيد.
وروى الاثرم بإسناده عن أبي أيوب عن أبي قلابة: أنه كان يبيت في المسجد ليلة الفطر، ثم يغدو كما هو إلى العيد، وكان - يعنى في اعتكافه - لا يلقى له حصير ولا مصلى يجلس عليه، كان يجلس كأنه بعض القوم، قال: فأتيته في يوم الفطر فإذا في حجره جويرية مزينة، ما ظننتها إلا بعض بناته، فإذا هي أمة له، فأعتقها، وغدا كما هو إلى العيد.
وقال إبراهيم.
كانوا يحبون لمن اعتكف الشعر الاواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفطر في المسجد، ثم يغدو إلى المصلى من المسجد ومن نذر اعتكاف يوم أو أيام مسماة، أو أراد ذلك تطوعا فإنه يدخل في اعتكافه قبل أن يتبين له طلوع الفجر، ويخرج إذا غاب جميع قرص الشمس
سواء أكان ذلك في رمضان أم في غيره، ومن نذر اعتكاف ليلة أو ليال مسماة، أو أراد تطوعا، فإنه يدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس ويخرج إذا تبين له طلوع الفجر.
قال ابن حزم: لان مبدأ الليل إثر
غروب الشمس، وتمامه بطلوع الفجر، ومبدأ اليوم بطلوع الفجر، واتمامه بغروب الشمس، وليس على أحد إلا ما التزم أو نوى.
فإن نذر اعتكاف شهر أو أراده تطوعا بدأ الشهر من أول ليلة منه.
فيدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس، ويخرج إذا غابت الشمس كلها من آخر الشهر سواء رمضان وغيره.
ما يستحب للمعتكف وما يكره له يستحب للمعتكف أن يكثر من نوافل العبادات، ويشغل نفسه بالصلاة وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة والسلام على النبي صلوات الله وسلامه عليه والدعاء، ونحو ذلك من الطاعات التي تقرب إلى الله تعالى وتصل المرء بخالقه جل ذكره.
ومما يدخل في هذا الباب دراسة العلم واستذكار كتب التفسير والحديث، وقراءة سير الانبياء والصالحين وغيرها من كتب الفقه والدين، ويستحب له أن يتخذ خباء في صحن المسجد انتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ويكره له أن يشغل نفسه بما لا يعنيه من قول أو عمل، لما رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي بسرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ويكره له الامساك عن الكلام ظنا منه أن ذلك مما يقرب إلى الله عزوجل، فقد روى البخاري وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم فسأل عنه؟ فقالوا: أبو اسرائيل.
نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يتكلم ويصوم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه.
" وروى أبو داود عن على رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل " (1)
(1) أي لا يسمى من فقد أباه يتيما بعد بلوغه، والصمات: السكوت.