المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التشريع الاسلامي أو الفقه: - فقه السنة - جـ ١

[سيد سابق]

فهرس الكتاب

- ‌عموم الرسالة:

- ‌الغاية منها:

- ‌التشريع الاسلامي أو الفقه:

- ‌الطهارة

- ‌المياه وأقسامها

- ‌الماء المطلق

- ‌ الماء المستعمل

- ‌ الماء الذي خالطه طاهر

- ‌ الماء الذي لاقته النجاسة

- ‌السؤر:

- ‌النجاسة:

- ‌(1) الميتة:

- ‌2 - الدم:

- ‌3 - لحم الخنزير:

- ‌4، 5، 6 - قئ الادمي وبوله ورجيعه:

- ‌7 - الودي:

- ‌8 - المذي:

- ‌9 - المني:

- ‌10 - بول وروث ما لا يؤكل لحمه:

- ‌11 - الجلّالة:

- ‌(12) الخمر:

- ‌(13) الكلب:

- ‌تطهير الأرض:

- ‌تطهير السمن ونحوه:

- ‌‌‌تطهير جلد الميتة:

- ‌تطهير جلد الميتة:

- ‌‌‌تطهير المرآة ونحوها:

- ‌تطهير المرآة ونحوها:

- ‌‌‌تطهير النعل:

- ‌تطهير النعل:

- ‌قضاء الحاجة:

- ‌سنن الفطرة:

- ‌1 - الختان:

- ‌4، 5 - تقليم الاظافر وقص الشارب أو إحفاؤه

- ‌6 - إعفاء اللحية

- ‌7 - إكرام الشعر

- ‌8 - ترك الشيب وإبقاؤه

- ‌9 - تغيير الشيب بالحناء والحمرة والصفرة ونحوها

- ‌10 - التطيب بالمسك وغيره من الطيب

- ‌الوضوء:

- ‌سنن الوضوء:

- ‌نواقض الوضوء:

- ‌ما لا ينقض الوضوء:

- ‌ما يجب له الوضوء:

- ‌ما يستحب له:

- ‌المسح على الخفين:

- ‌الغسل:

- ‌يجب الغسل لأمور خمسة:

- ‌ما يحرم على الجنب:

- ‌الأغسال المستحبة:

- ‌(1) غسل الجمعة:

- ‌(2) غسل العيدين:

- ‌(3) غسل من غسل ميت

- ‌(4) غسل الإحرام:

- ‌(5) غسل دخول مكة:

- ‌(6) غسل الوقوف بعرفة:

- ‌‌‌أركان الغسل

- ‌أركان الغسل

- ‌سننه:

- ‌غسل المرأة:

- ‌مسائل تتعلق بالغسل:

- ‌التيمم:

- ‌المسح على الجبيرة ونحوها:

- ‌الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌ما يحرم على الحائض والنفساء:

- ‌الاستحاضة:

- ‌الصلاة:

- ‌منزلتها في الاسلام:

- ‌حكم ترك الصلاة:

- ‌مناظرة في تارك الصلاة:

- ‌صلاة الصبي:

- ‌عدد الفرائض:

- ‌مواقيت الصلاة:

- ‌غاية الابراد

- ‌استحباب تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها:

- ‌النوم عن الصلاة أو نسيانها:

- ‌الأوقات المنهي عن الصلاة فيها:

- ‌التطوع أثناء الإقامة:

- ‌الاذان:

- ‌شروط الصلاة:

- ‌كيفية الصلاة:

- ‌فرائض الصلاة:

- ‌سنن الصلاة:

- ‌هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة بعد الفاتحة:

- ‌ما يستحب أثناء القراءة:

- ‌مواضع الجهر والاسرار بالقراءة:

- ‌القراءة خلف الإمام:

- ‌التطوع:

- ‌قيام الليل:

- ‌صلاة الضحى:

- ‌صلاة الاستخارة:

- ‌صلاة التسبيح:

- ‌صلاة الحاجة:

- ‌صلاة التوبة:

- ‌صلاة الكسوف:

- ‌صلاة الاستسقاء:

- ‌سجود التلاوة:

- ‌سجدة الشكر:

- ‌سجود السهو:

- ‌صلاة الجماعة:

- ‌موقف الإمام والمأموم:

- ‌المساجد:

- ‌المواضع المنهى عن الصلاة فيها:

- ‌السترة أمام المصلي:

- ‌(ما يباح في الصلاة) :

- ‌مكروهات الصلاة:

- ‌مبطلات الصلاة:

- ‌صلاة المريض:

- ‌صلاة الخوف:

- ‌صلاة الطالب والمطلوب:

- ‌صلاة السفر:

- ‌الجمع بين الصلاتين:

- ‌الصلاة في السفينة والقاطرة والطائرة:

- ‌أدعية السفر:

- ‌الجمعة:

- ‌وجوب صلاة الجمعة:

- ‌من تجب عليه ومن لا تجب عليه:

- ‌خطبة الجمعة:

- ‌قطع الإمام الخطبة للأمر يحدث:

- ‌حرمة الكلام أثناء الخطبة:

- ‌صلاة العيدين:

- ‌الزكاة

- ‌زكاة النقدين:

- ‌ضم النقدين:

- ‌زكاة الحلى:

- ‌زكاة التجارة:

- ‌زكاة الزروع والثمار

- ‌زكاة الحيوان:

- ‌زكاة الابل:

- ‌زكاة البقر

- ‌زكاة الغنم

- ‌حكم الأوقاص:

- ‌ما لا يؤخذ في الزكاة:

- ‌زكاة غير الأنعام:

- ‌زكاة الفصلان والعجول والحملان

- ‌ما جاء في الجمع والتفريق:

- ‌زكاة الركاز والمعدن

- ‌المال المستفاد:

- ‌وجوب الزكاة في الذمة لا في عين المال

- ‌هلاك المال بعد وجوب الزكاة وقبل الأداء:

- ‌ضياع الزكاة بعد عزلها

- ‌تأخير الزكاة لا يسقطها:

- ‌دفع القيمة بدل العين:

- ‌الزكاة في المال المشترك

- ‌الفرار من الزكاة

- ‌مصارف الزكاة:

- ‌هل يعطى القوي المكتسب من الزكاة

- ‌المالك الذي لا يجد ما يفي بكفايته:

- ‌من الذي يقوم بتوزيع الزكاة:

- ‌ إعطاء الزكاة للحكومات المعاصرة:

- ‌استحباب اعطاء الصدقة للصالحين

- ‌استحباب اعطاء الزكاة للزوج والاقارب

- ‌اعطاء طلبة العلم من الزكاة دون العباد

- ‌اظهار الصدقة

- ‌زكاة الفطر:

- ‌صدقة التطوع:

- ‌أولى الناس بالصدقة:

- ‌التصدق بالحرام:

- ‌جواز التصدق بكل المال:

- ‌جواز الصدقة على الذمي والحربي:

- ‌الصدقة على الحيوان:

- ‌الصدقة الجارية:

- ‌شكر المعروف:

- ‌الصيام

- ‌فضل شهر رمضان، وفضل العمل فيه:

- ‌الترهيب من الفطر في رمضان:

- ‌بم يثبت الشهر:

- ‌اختلاف المطالع:

- ‌من رأى الهلال وحده:

- ‌أركان الصوم:

- ‌صيام الصبي:

- ‌من يرخص لهم في الفطر، ويجب عليهم القضاء:

- ‌الأيام المنهي عن صيامها:

- ‌صيام التطوع:

- ‌آداب الصيام

- ‌مباحات الصيام

- ‌ما يبطل الصيام

- ‌قضاء رمضان:

- ‌من مات وعليه صيام:

- ‌ليلة القدر

- ‌الاعتكاف:

- ‌ما يباح للمعتكف

- ‌ما يبطل الاعتكاف

- ‌قضاء الاعتكاف

- ‌المعتكف يلزم مكانا من المسجد، وينصب فيه الخيمة:

- ‌نذر الاعتكاف في مسجد معين

- ‌الجنائز

- ‌شكوى المريض:

- ‌المريض يكتب له ما كان يعمل وهو صحيح:

- ‌عيادة المريض:

- ‌التداوي:

- ‌الطبيب الكافر

- ‌جواز استطباب المرأة

- ‌ العلاج بالرقى والادعية

- ‌النهي عن التمائم:

- ‌منع المريض من السكن بين الأصحاء

- ‌النهي عن الخروج من الطاعون أو الدخول في أرض هو بها:

- ‌كراهة تمني الموت:

- ‌فضل طول العمر مع حسن العمل:

- ‌العمل الصالح قبل الموت دليل على حسن الختام:

- ‌استحباب الدعاء والذكر لمن حضر عند الميت:

- ‌ما يسن عند الاحتضار:

- ‌استحباب الدعاء والاسترجاع (1) عند الموت:

- ‌استحباب اعلام قرابته وأصحابه بموته:

- ‌البكاء على الميت:

- ‌النياحة:

- ‌الاحداد على الميت:

- ‌استحباب صنع الطعام لأهل الميت:

- ‌استحباب طلب الموت في أحد الحرمين:

- ‌ثواب من مات له ولد:

- ‌تجهيز الميت:

- ‌صفة الغسل:

- ‌الكفن:

- ‌الصلاة على الميت:

- ‌كيفية الصلاة على الجنازة:

- ‌استحباب الصفوف الثلاثة وتسويتها:

- ‌استحباب الجمع الكثير:

- ‌المسبوق في صلاة الجنازة:

- ‌من يصلى عليهم ومن لا يصلى عليهم:

- ‌الصلاة على الكافر:

- ‌الصلاة على القبر:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌الصلاة على الميت في المسجد:

- ‌الصلاة على الجنازة وسط القبور:

- ‌أولى الناس بالصلاة على الميت:

- ‌ما يكره مع الجنازة:

- ‌ترك الجنازة من أجل المنكر:

- ‌الدفن:

- ‌السنة في بناء المقابر:

- ‌تحريم المساجد والسرج على المقابر:

- ‌النهي عن الجلوس على القبر والاستناد إليه والمشي عليه:

- ‌النهي عن تجصيص القبر والكتابة عليه:

- ‌دفن أكثر من واحد في قبر:

- ‌الميت في البحر:

- ‌المرأة تموت وفي بطنها جنين حي:

- ‌المرأة الكتابية تموت وهي حامل من مسلم تدفن وحدها:

- ‌تفضيل الدفن في المقابر:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌قراءة القرآن عند القبر:

- ‌نبش القبر:

- ‌نقل الميت:

- ‌التعزية:

- ‌الجلوس لها:

- ‌صفة الزيارة:

- ‌زيارة النساء:

- ‌الأعمال التي تنفع الميت وهل يجوز إهداء الثواب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أفضل ما يهدى للميت:

- ‌أولاد المسلمين وأولاد المشركين:

- ‌الذكر

- ‌الحج

- ‌فضله:

- ‌شروط وجوب الحج:

- ‌حج المرأة:

- ‌من حج لنذر وعليه حجة الاسلام:

- ‌الاقتراض للحج:

- ‌حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌يوم التروية:

- ‌المواقيت الزمانية:

- ‌المواقيت المكانية:

- ‌‌‌الإحرامقبل الميقات:

- ‌الإحرام

- ‌أنواع الإحرام:

- ‌ثياب الإحرام:

- ‌طواف القارن والمتمتع وسعيهما وأنه ليس لاهل الحرم إلا الإفراد:

- ‌التلبية:

- ‌ما يباح للمحرم:

- ‌محظورات الإحرام:

- ‌جزاء قتل الصيد:

- ‌حكومة عمر وما قضى به السلف:

- ‌كيفية الإطعام والصيام:

- ‌الإشتراك في قتل الصيد:

- ‌صيد الحرم وقطع شجره:

- ‌حدود الحرم المكي:

- ‌حرمة المدينة:

- ‌ما يستحب لدخول مكة والبيت الحرام:

- ‌ الطواف

- ‌شروط الطواف:

- ‌سنن الطواف:

- ‌طواف الرجال مع النساء:

- ‌ركوب الطائف:

- ‌استحباب الشرب من ماء زمزم:

- ‌آداب الشرب منه:

- ‌استحباب الدعاء عند الملتزم:

- ‌استحباب دخول الكعبة وحجر إسماعيل:

- ‌السعي بين الصفا والمروة:

- ‌الوقوف بعرفة:

- ‌صيام عرفة:

- ‌الجمع بين الظهر والعصر:

- ‌الإفاضة من عرفة:

- ‌أعمال يوم النحر:

- ‌رمي الجمار:

- ‌من أين يؤخذ الحصى:

- ‌هل يجوز تأخير الرمي إلى الليل:

- ‌الرمي في الأيام الثلاثة:

- ‌استحباب التكبير والدعاء مع كل حصاة ووضعها بين أصابعه:

- ‌النيابة في الرمي:

- ‌المبيت بمنى:

- ‌متى يرجع من منى

- ‌الهدي:

- ‌الحلق أو التقصير:

- ‌استحباب امرار الموسى على رأس الأصلع:

- ‌طواف الإفاضة:

- ‌تعجيل الإفاضة للنساء:

- ‌العمرة

- ‌جوازها قبل الحج وفي أشهره:

- ‌وقتها:

- ‌ميقاتها:

- ‌طواف الوداع

- ‌كيفية أداء الحج:

- ‌استحباب تعجيل العودة:

- ‌الاحصار:

- ‌موضع ذبح هدي الإحصار:

- ‌لا قضاء على المحصر إلا أن يكون عليه فرض الحج:

- ‌جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه:

- ‌كسوة الكعبة:

- ‌تطييب الكعبة:

- ‌النهي عن الإلحاد في الحرم:

- ‌استحباب شد الرحال إلى المساجد الثلاثة:

- ‌آداب دخول المسجد النبوي وآداب الزيارة:

- ‌استحباب كثرة التعبد في الروضة المباركة:

- ‌استحباب إتيان مسجد " قبا " والصلاة فيه:

- ‌فضل الموت في المدينة:

الفصل: ‌التشريع الاسلامي أو الفقه:

في التوراة والانجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، وأولئك هم المفلحون) (1) .

‌الغاية منها:

والغاية التي ترمي إليها رسالة الاسلام، تزكية الانفس وتطهيرها عن طريق المعرفة بالله وعبادته، وتدعيم الروابط الانسانية وإقامتها على أساس الحب والرحمة والاخاء والمساواة والعدل، وبذلك يسعد الانسان في الدنيا

والاخرة، قال الله سبحانه (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)(2) وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (3)) .

وفي الحديث: (أنا رحمة مهداة) .

‌التشريع الاسلامي أو الفقه:

والتشريع الاسلامي ناحية من النواحي الهامة التي انتظمتها رسالة الاسلام، والتي تمثل الناحية العملية من هذه الرسالة.

ولم يكن التشريع الديني المحض - كأحكام العبادات - يصدر إلا عن وحي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، من كتاب أو سنة، أو بما يقره عليه من اجتهاد.

وكانت مهمة الرسول لا تتجاوز دائرة التبليغ والتبيين (وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى)(4) .

(1) سورة الاعراف. بعض آية 156 وآية 157.

(2)

سورة الجمعة الاية 2.

(3)

سورة الانبياء الاية 107.

(4)

سورة النجم الايتان 3، 4.

ص: 10

أما التشريع الذي يتصل بالامور الدنيوية، ومن قضائية وسياسية وحربية، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشاورة فيها، وكان يرى الرأي فيرجع عنه لرأي أصحابه، كما وقع في غزوة بدر وأحد، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إليه صلى الله عليه وسلم يسألونه عما لم يعلموه، ويستفسرونه فيما خفي عليهم من معاني النصوص، ويعرضون عليه ما فهموه منها، فكان أحيانا يقرهم على فهمهم، وأحيانا يبين لهم موضع الخطأ فيما ذهبوا إليه.

والقواعد العامة التي وضعها الاسلام، ليسير على ضوئها المسلمون هي:

1 -

النهي عن البحث فيما لم يقع من الحوادث حتى يقع، قال الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم، وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدلكم عفا الله عنها، والله غفور حكيم)(1) وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن الاغلوطات، وهي المسائل التي لم تقع.

2 -

تجنب كثرة السؤال وعضل المسائل، ففي الحديث:(إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال) وعنه صلى الله عليه وسلم: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها) وعنه أيضا: (أعظم الناس جرما، من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته) .

3 -

البعد عن الاختلاف والتفرق في الدين، قال الله تعالى:(وأن هذه أمتكم أمة واحدة)(2) وقال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا (3)) .

وقال تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ذيحكم)(4) وقال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ (5)

(1) سورة المائدة آية: 101.

(2)

سورة المؤمنون آية: 52.

(3)

سورة آل عمران آية: 103.

(4)

سورة الانفال آية: 46.

(5)

سورة الانعام آية: 159.

ص: 11

وقال تعالى: (وكانوا شيعا)(1) وقال تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات، وأولئك لهم عذاب عظيم)(2) .

4 -

رد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة. عملا بقول الله تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول (3)) وقوله تعالى: (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله)(4) وذلك لان الدين قد فصله الكتاب، كما قال الله تعالى:(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ)(5) وقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ)(6) وبينته السنة العملية، قال الله تعالى:(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم (7)) .

وقال تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله)(8) وبذلك تم أمره، ووضحت معالمه، قال الله تعالى:(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الاسلام دينا)(9) .

وما دامت المسائل الدينية قد بينت على هذا النحو، وما دام الاصل الذي يرجع إليه عند التحاكم معلوما، فلا معنى للاختلاف ولا مجال له، قال الله تعالى:(وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد)(10) وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)(11) على ضوء هذه القواعد، سار الصحابة ومن بعدهم من القرون المشهود لها بالخير، ولم يقع بينهم اختلاف، إلا في مسائل معدودة، كان مرجعه التفاوت في فهم النصوص وأن بعضهم كان يعلم منها ما يخفي على البعض الاخر.

(1) سورة الروم آية: 32.

(2)

سورة آل عمران آية 105.

(3)

سورة النساء آية: 59.

(4)

سورة الشورى آية: 100 (5) سورة النحل آية: 89.

(6)

سورة الانعام آية: 38.

(7)

سورة النحل آية: 44.

(8)

سورة النساء آية: 105.

(9)

سورة المائدة آية: 3.

(10)

سورة النساء آية: 105.

(11)

سورة النساء آية: 66.

ص: 12

فلما جاء أئمة المذاهب الاربعة تبعوا سنن من قبلهم، إلا أن بعضهم كان أقرب إلى السنة، كالحجازيين الذين كثر فيهم حملة السنة ورواة الاثار، والبعض الاخر كان أقرب إلى الرأي كالعراقيين الذين قل فيهم حفظة الحديث) لتنائي ديارهم عن منزل الوحي.

بذل هؤلاء الائمة أقصى ما في وسعهم في تعريف الناس بهذا الدين وهدايتهم به، وكانوا ينهون عن تقليدهم ويقولون: لا يجوز لاحد أن يقول قولنا من غير أن يعرف دليلنا، صرحوا أن مذهبهم هو الحديث الصحيح، لانهم لم يكونوا يقصدون أن يقلدوا كالمعصوم صلى الله عليه وسلم، بل كان كل قصدهم أن يعينوا الناس على فهم أحكام الله.

إلا أن الناس بعدهم قد فترت هممهم، وضعفت عزائمهم وتحركت فيهم غريزة المحاكاة والتقليد، فاكتفى كل جماعة منهم بمذهب معين ينظر فيه، ويعول عليه، ويتعصب له، ويبذل كل ما أوتي من قوة في نصرته، وينزل قول إمامه منزلة قول الشارع، ولا يستجيز لنفسه أن يفتي في مسألة بما يخالف ما استنبطه إمامه، وقد بلغ الغلو في الثقة بهؤلاء الائمة حتى قال الكرخي: كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ.

وبالتقليد والتعصب للمذاهب فقدت الامة الهداية بالكتابة والسنة، وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد، وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء، وأقوال الفقهاء هي الشريعة، واعتبر كل ما يخرج عن أقوال الفقهاء مبتدعا لا يوثق بأقواله، ولا يعتد بفتاويه.

وكان مما ساعد على انتشار هذه الروح الرجعية، ما قام به الحكام والاغنياء من إنشاء المدارس، وقصر التدريس فيها على مذهب أو مذاهب معينة، فكان ذلك من أسباب الاقبال على تلك المذاهب، والانصراف عن الاجتهاد، محافظة على الارزاق التي رتبت لهم! سأل أبو زرعة شيخه البلقيني قائلا: ما تقصير الشيخ تفي الدين السبكي عن الاجتهاد وقد استكمل آلته؟ فسكت البلقيني، فقال أبو زرعة: فما عندي أن الامتناع عن ذلك إلا للوظائف التي قدرت للفقهاء على المذاهب الاربعة وأن من خرج عن ذلك لم ينله شئ من ذلك، وحرم

ص: 13

ولاية القضاء، وامتنع الناس عن إفتائه، ونسبت إليه البدعة فابتسم البلقيني ووافقه على ذلك.

وبالعكوف على التقليد، وفقد الهداية بالكتاب والسنة، والقول بانسداد باب الاجتهاد وقعت الامة في شر وبلاء ودخلت في جحر الضب الذي حذرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان من آثار ذلك أن اختلف الامة شيعا وأحزابا، حتى إنهم اختلفوا في حكم تزوج الحنفية بالشافعي، فقال بعضهم: لا يصح، لانها تشك (1) في إيمانها، وقال آخرون، يصح قياسا على الذمية، كما كان من آثار ذلك انتشار البدع، واختفاء معالم السنن، وخمود الحركة العقلية، ووقف النشاط الفكري) ، وضياع الاستقلال العلمي، الامر الذي أدى إلى ضعف شخصية الامة، وأفقدها الحياة المنتجة، وقعد بها عن السير والنهوض، ووجد الدخلاء بذلك ثغرات ينفذون منها إلى صميم الاسلام.

مرت السنون، وانقضت القرون، وفي كل حين يبعث الله لهذه الامة من يجدد لها دينها، ويوقظها من سباتها، ويوجهها الوجهة الصالحة، إلا أنها لا تكاد تستيقظ حتى تعود إلى ما كانت عليه، أو أشد مما كانت.

وأخيرا انتهى الامر بالتشريع الاسلامي، الذي نظم الله به حياة الناس جميعا، وجعله سلاحا لمعاشهم ومعادهم، إلى دركة لم يسبق لها مثيل، ونزل إلى هوة سحيقة، وأصبح الاشتغال به مفسدة للعقل والقلب، ومضيعة للزمن، لا يفيد في دين الله، ولا ينظم من حياة الناس.

وهذا مثال لما كتبه بعض الفقهاء المتأخرين: عرف ابن عرفة الاجارة فقال، بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينة ولا حيوان، لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها، بعضه يتبعض بتبعيضها.

فاعترض عليه أحد تلاميذه، بأن كلمة بعض تنافي الاختصار، وأنه لا ضرورة لذكرها، فتوقف الشيخ يومين، ثم أجاب بما لا طائل تحته.

(1) لان الشافعية يجوزون أن يقول المسلم: أنا مؤمن إن شاء الله.

ص: 14

وقف التشريع عند هذا الحد ووقف العلماء لا يستظهرون غير المتون، ولا يعرفون غير الحواشي وما فيها من إيرادات واعتراضات وألغاز، وما كتب عليها من تقريرات، حتى وثبت أو رويا على الشرق تصفعه بيدها، وتركله رجلها.

فكان أن تيقظ على هذه الضربات، وتلفت ذات اليمين وذات الشمال.

إذا هو متخلف عن ركب الحياة الزاحف، وقاعد بينما القافلة تسير.

وإذا هو مام عالم جديد، كله الحياة والقوة والانتاج، فراعه ما رأى، وبهره ما شاهد، فصاح الذين تنكروا لتاريخهم وعقوا آباءهم، ونسوا دينهم وتقاليدهم: أن ها هي ذي أوروبا يا معشر الشرقيين، فاسلكوا سبيلها، وقلدوها في خيرها وشرها، وإيمانها وكفرها، وحلوها ومرها، ووقف الجامدون موقفا سلبيا، يكثرون من الحوقلة والترجيع، وانطووا على أنفسهم، ولزموا بيوتهم، فكان هذا برهانا آخر على أن شريعة الاسلام لدى المغرورين لا تجاري التطور، ولا تتمشى مع الزمن.

ثم كانت النتيجة الحتمية، أن كان التشريع الاجنبي الدخيل هو الذي يهيمن على الحياة الشرقية، مع منافاته لدينها وعاداتها وتقاليدها وأن كانت الاوضاع الاوروبية هي التي تغزو البيوت والشوارع والمنتديات والمدارس والمعاهد، وأخذت موجتها تقوى وتتغلب على كل ناحية م ن النواحي حتى كاد الشرق ينسى دينه وتقاليده ويقطع الصلة بين حاضره وماضيه، إلا أن الارض لا تخلو من قائم لله بحجة، فهب دعاة الاصلاح يهيبون بهؤلاء المخدوعين بالغربيين، أن: خذدوا حذركم، وكفوا عن دعايتكم، فإن ما عليه الغربيون من فساد الاخلاق لابد وأن ينتهي بهم إلى العاقبة السوآى، وأنهم ما لم يصلحوا فطرهم بالايمان الصحيح ويعدلوا طباعهم بالمثل العليا من الاخلاق، فسوف تنقلب علومهم أداة تخريب وتدمير، وتتحول مدنيتهم إلى نار تلتهمهم وتقضي عليهم القضاء الاخير (ألم تر كيف فعل ربك بعاد؟ إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الاوتاد.

الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد. فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد) (1) .

ويصيحون بهؤلاء الجامدين دونكم لنبع الصافي،

(1) سورة الفجر من آية: 6 - 14.

ص: 15

والهدى الكريم: لنبع الكتاب وهدى السنة، خذوا منهما دينكم وبشروا بهما غيركم، فعند ذلك تهتدي بكم هذه الدنيا الحائرة، وتسعد بكم هذه الانسانية المعذبة (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا)(1) .

وكان من فضل الله أن استجاب لهذه الدعوة رجال بررة، وتلقتها قلوب

مخلصة، واعتنقها شباب وهبها أعز ما يملك من الاموال والانفس.

فهل أذن الله لنوره أن يشرق على الارض من جديد؟ وهل أراد للانسان أن يحيا حياة طيبة، يسودها الايمان والحب والاحسان والعدل؟ هذا ما تشهد به الايات:(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا)(2) .

(سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟)(3) .

(1) سورة الاحزاب آية: 21.

(2)

سورة الفتح آية: 28.

(3)

سورة فصلت آية: 53.

ص: 16