المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السعي بين الصفا والمروة: - فقه السنة - جـ ١

[سيد سابق]

فهرس الكتاب

- ‌عموم الرسالة:

- ‌الغاية منها:

- ‌التشريع الاسلامي أو الفقه:

- ‌الطهارة

- ‌المياه وأقسامها

- ‌الماء المطلق

- ‌ الماء المستعمل

- ‌ الماء الذي خالطه طاهر

- ‌ الماء الذي لاقته النجاسة

- ‌السؤر:

- ‌النجاسة:

- ‌(1) الميتة:

- ‌2 - الدم:

- ‌3 - لحم الخنزير:

- ‌4، 5، 6 - قئ الادمي وبوله ورجيعه:

- ‌7 - الودي:

- ‌8 - المذي:

- ‌9 - المني:

- ‌10 - بول وروث ما لا يؤكل لحمه:

- ‌11 - الجلّالة:

- ‌(12) الخمر:

- ‌(13) الكلب:

- ‌تطهير الأرض:

- ‌تطهير السمن ونحوه:

- ‌‌‌تطهير جلد الميتة:

- ‌تطهير جلد الميتة:

- ‌‌‌تطهير المرآة ونحوها:

- ‌تطهير المرآة ونحوها:

- ‌‌‌تطهير النعل:

- ‌تطهير النعل:

- ‌قضاء الحاجة:

- ‌سنن الفطرة:

- ‌1 - الختان:

- ‌4، 5 - تقليم الاظافر وقص الشارب أو إحفاؤه

- ‌6 - إعفاء اللحية

- ‌7 - إكرام الشعر

- ‌8 - ترك الشيب وإبقاؤه

- ‌9 - تغيير الشيب بالحناء والحمرة والصفرة ونحوها

- ‌10 - التطيب بالمسك وغيره من الطيب

- ‌الوضوء:

- ‌سنن الوضوء:

- ‌نواقض الوضوء:

- ‌ما لا ينقض الوضوء:

- ‌ما يجب له الوضوء:

- ‌ما يستحب له:

- ‌المسح على الخفين:

- ‌الغسل:

- ‌يجب الغسل لأمور خمسة:

- ‌ما يحرم على الجنب:

- ‌الأغسال المستحبة:

- ‌(1) غسل الجمعة:

- ‌(2) غسل العيدين:

- ‌(3) غسل من غسل ميت

- ‌(4) غسل الإحرام:

- ‌(5) غسل دخول مكة:

- ‌(6) غسل الوقوف بعرفة:

- ‌‌‌أركان الغسل

- ‌أركان الغسل

- ‌سننه:

- ‌غسل المرأة:

- ‌مسائل تتعلق بالغسل:

- ‌التيمم:

- ‌المسح على الجبيرة ونحوها:

- ‌الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌ما يحرم على الحائض والنفساء:

- ‌الاستحاضة:

- ‌الصلاة:

- ‌منزلتها في الاسلام:

- ‌حكم ترك الصلاة:

- ‌مناظرة في تارك الصلاة:

- ‌صلاة الصبي:

- ‌عدد الفرائض:

- ‌مواقيت الصلاة:

- ‌غاية الابراد

- ‌استحباب تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها:

- ‌النوم عن الصلاة أو نسيانها:

- ‌الأوقات المنهي عن الصلاة فيها:

- ‌التطوع أثناء الإقامة:

- ‌الاذان:

- ‌شروط الصلاة:

- ‌كيفية الصلاة:

- ‌فرائض الصلاة:

- ‌سنن الصلاة:

- ‌هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة بعد الفاتحة:

- ‌ما يستحب أثناء القراءة:

- ‌مواضع الجهر والاسرار بالقراءة:

- ‌القراءة خلف الإمام:

- ‌التطوع:

- ‌قيام الليل:

- ‌صلاة الضحى:

- ‌صلاة الاستخارة:

- ‌صلاة التسبيح:

- ‌صلاة الحاجة:

- ‌صلاة التوبة:

- ‌صلاة الكسوف:

- ‌صلاة الاستسقاء:

- ‌سجود التلاوة:

- ‌سجدة الشكر:

- ‌سجود السهو:

- ‌صلاة الجماعة:

- ‌موقف الإمام والمأموم:

- ‌المساجد:

- ‌المواضع المنهى عن الصلاة فيها:

- ‌السترة أمام المصلي:

- ‌(ما يباح في الصلاة) :

- ‌مكروهات الصلاة:

- ‌مبطلات الصلاة:

- ‌صلاة المريض:

- ‌صلاة الخوف:

- ‌صلاة الطالب والمطلوب:

- ‌صلاة السفر:

- ‌الجمع بين الصلاتين:

- ‌الصلاة في السفينة والقاطرة والطائرة:

- ‌أدعية السفر:

- ‌الجمعة:

- ‌وجوب صلاة الجمعة:

- ‌من تجب عليه ومن لا تجب عليه:

- ‌خطبة الجمعة:

- ‌قطع الإمام الخطبة للأمر يحدث:

- ‌حرمة الكلام أثناء الخطبة:

- ‌صلاة العيدين:

- ‌الزكاة

- ‌زكاة النقدين:

- ‌ضم النقدين:

- ‌زكاة الحلى:

- ‌زكاة التجارة:

- ‌زكاة الزروع والثمار

- ‌زكاة الحيوان:

- ‌زكاة الابل:

- ‌زكاة البقر

- ‌زكاة الغنم

- ‌حكم الأوقاص:

- ‌ما لا يؤخذ في الزكاة:

- ‌زكاة غير الأنعام:

- ‌زكاة الفصلان والعجول والحملان

- ‌ما جاء في الجمع والتفريق:

- ‌زكاة الركاز والمعدن

- ‌المال المستفاد:

- ‌وجوب الزكاة في الذمة لا في عين المال

- ‌هلاك المال بعد وجوب الزكاة وقبل الأداء:

- ‌ضياع الزكاة بعد عزلها

- ‌تأخير الزكاة لا يسقطها:

- ‌دفع القيمة بدل العين:

- ‌الزكاة في المال المشترك

- ‌الفرار من الزكاة

- ‌مصارف الزكاة:

- ‌هل يعطى القوي المكتسب من الزكاة

- ‌المالك الذي لا يجد ما يفي بكفايته:

- ‌من الذي يقوم بتوزيع الزكاة:

- ‌ إعطاء الزكاة للحكومات المعاصرة:

- ‌استحباب اعطاء الصدقة للصالحين

- ‌استحباب اعطاء الزكاة للزوج والاقارب

- ‌اعطاء طلبة العلم من الزكاة دون العباد

- ‌اظهار الصدقة

- ‌زكاة الفطر:

- ‌صدقة التطوع:

- ‌أولى الناس بالصدقة:

- ‌التصدق بالحرام:

- ‌جواز التصدق بكل المال:

- ‌جواز الصدقة على الذمي والحربي:

- ‌الصدقة على الحيوان:

- ‌الصدقة الجارية:

- ‌شكر المعروف:

- ‌الصيام

- ‌فضل شهر رمضان، وفضل العمل فيه:

- ‌الترهيب من الفطر في رمضان:

- ‌بم يثبت الشهر:

- ‌اختلاف المطالع:

- ‌من رأى الهلال وحده:

- ‌أركان الصوم:

- ‌صيام الصبي:

- ‌من يرخص لهم في الفطر، ويجب عليهم القضاء:

- ‌الأيام المنهي عن صيامها:

- ‌صيام التطوع:

- ‌آداب الصيام

- ‌مباحات الصيام

- ‌ما يبطل الصيام

- ‌قضاء رمضان:

- ‌من مات وعليه صيام:

- ‌ليلة القدر

- ‌الاعتكاف:

- ‌ما يباح للمعتكف

- ‌ما يبطل الاعتكاف

- ‌قضاء الاعتكاف

- ‌المعتكف يلزم مكانا من المسجد، وينصب فيه الخيمة:

- ‌نذر الاعتكاف في مسجد معين

- ‌الجنائز

- ‌شكوى المريض:

- ‌المريض يكتب له ما كان يعمل وهو صحيح:

- ‌عيادة المريض:

- ‌التداوي:

- ‌الطبيب الكافر

- ‌جواز استطباب المرأة

- ‌ العلاج بالرقى والادعية

- ‌النهي عن التمائم:

- ‌منع المريض من السكن بين الأصحاء

- ‌النهي عن الخروج من الطاعون أو الدخول في أرض هو بها:

- ‌كراهة تمني الموت:

- ‌فضل طول العمر مع حسن العمل:

- ‌العمل الصالح قبل الموت دليل على حسن الختام:

- ‌استحباب الدعاء والذكر لمن حضر عند الميت:

- ‌ما يسن عند الاحتضار:

- ‌استحباب الدعاء والاسترجاع (1) عند الموت:

- ‌استحباب اعلام قرابته وأصحابه بموته:

- ‌البكاء على الميت:

- ‌النياحة:

- ‌الاحداد على الميت:

- ‌استحباب صنع الطعام لأهل الميت:

- ‌استحباب طلب الموت في أحد الحرمين:

- ‌ثواب من مات له ولد:

- ‌تجهيز الميت:

- ‌صفة الغسل:

- ‌الكفن:

- ‌الصلاة على الميت:

- ‌كيفية الصلاة على الجنازة:

- ‌استحباب الصفوف الثلاثة وتسويتها:

- ‌استحباب الجمع الكثير:

- ‌المسبوق في صلاة الجنازة:

- ‌من يصلى عليهم ومن لا يصلى عليهم:

- ‌الصلاة على الكافر:

- ‌الصلاة على القبر:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌الصلاة على الميت في المسجد:

- ‌الصلاة على الجنازة وسط القبور:

- ‌أولى الناس بالصلاة على الميت:

- ‌ما يكره مع الجنازة:

- ‌ترك الجنازة من أجل المنكر:

- ‌الدفن:

- ‌السنة في بناء المقابر:

- ‌تحريم المساجد والسرج على المقابر:

- ‌النهي عن الجلوس على القبر والاستناد إليه والمشي عليه:

- ‌النهي عن تجصيص القبر والكتابة عليه:

- ‌دفن أكثر من واحد في قبر:

- ‌الميت في البحر:

- ‌المرأة تموت وفي بطنها جنين حي:

- ‌المرأة الكتابية تموت وهي حامل من مسلم تدفن وحدها:

- ‌تفضيل الدفن في المقابر:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌قراءة القرآن عند القبر:

- ‌نبش القبر:

- ‌نقل الميت:

- ‌التعزية:

- ‌الجلوس لها:

- ‌صفة الزيارة:

- ‌زيارة النساء:

- ‌الأعمال التي تنفع الميت وهل يجوز إهداء الثواب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أفضل ما يهدى للميت:

- ‌أولاد المسلمين وأولاد المشركين:

- ‌الذكر

- ‌الحج

- ‌فضله:

- ‌شروط وجوب الحج:

- ‌حج المرأة:

- ‌من حج لنذر وعليه حجة الاسلام:

- ‌الاقتراض للحج:

- ‌حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌يوم التروية:

- ‌المواقيت الزمانية:

- ‌المواقيت المكانية:

- ‌‌‌الإحرامقبل الميقات:

- ‌الإحرام

- ‌أنواع الإحرام:

- ‌ثياب الإحرام:

- ‌طواف القارن والمتمتع وسعيهما وأنه ليس لاهل الحرم إلا الإفراد:

- ‌التلبية:

- ‌ما يباح للمحرم:

- ‌محظورات الإحرام:

- ‌جزاء قتل الصيد:

- ‌حكومة عمر وما قضى به السلف:

- ‌كيفية الإطعام والصيام:

- ‌الإشتراك في قتل الصيد:

- ‌صيد الحرم وقطع شجره:

- ‌حدود الحرم المكي:

- ‌حرمة المدينة:

- ‌ما يستحب لدخول مكة والبيت الحرام:

- ‌ الطواف

- ‌شروط الطواف:

- ‌سنن الطواف:

- ‌طواف الرجال مع النساء:

- ‌ركوب الطائف:

- ‌استحباب الشرب من ماء زمزم:

- ‌آداب الشرب منه:

- ‌استحباب الدعاء عند الملتزم:

- ‌استحباب دخول الكعبة وحجر إسماعيل:

- ‌السعي بين الصفا والمروة:

- ‌الوقوف بعرفة:

- ‌صيام عرفة:

- ‌الجمع بين الظهر والعصر:

- ‌الإفاضة من عرفة:

- ‌أعمال يوم النحر:

- ‌رمي الجمار:

- ‌من أين يؤخذ الحصى:

- ‌هل يجوز تأخير الرمي إلى الليل:

- ‌الرمي في الأيام الثلاثة:

- ‌استحباب التكبير والدعاء مع كل حصاة ووضعها بين أصابعه:

- ‌النيابة في الرمي:

- ‌المبيت بمنى:

- ‌متى يرجع من منى

- ‌الهدي:

- ‌الحلق أو التقصير:

- ‌استحباب امرار الموسى على رأس الأصلع:

- ‌طواف الإفاضة:

- ‌تعجيل الإفاضة للنساء:

- ‌العمرة

- ‌جوازها قبل الحج وفي أشهره:

- ‌وقتها:

- ‌ميقاتها:

- ‌طواف الوداع

- ‌كيفية أداء الحج:

- ‌استحباب تعجيل العودة:

- ‌الاحصار:

- ‌موضع ذبح هدي الإحصار:

- ‌لا قضاء على المحصر إلا أن يكون عليه فرض الحج:

- ‌جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه:

- ‌كسوة الكعبة:

- ‌تطييب الكعبة:

- ‌النهي عن الإلحاد في الحرم:

- ‌استحباب شد الرحال إلى المساجد الثلاثة:

- ‌آداب دخول المسجد النبوي وآداب الزيارة:

- ‌استحباب كثرة التعبد في الروضة المباركة:

- ‌استحباب إتيان مسجد " قبا " والصلاة فيه:

- ‌فضل الموت في المدينة:

الفصل: ‌السعي بين الصفا والمروة:

ومن لم يتمكن من دخول الكعبة، يستحب له الدخول في حجر إسماعيل والصلاة فيه فإن جزءا منه من الكعبة.

روى أحمد بسند جيد، عن سعيد بن جبير، عن عائشة قالت: يا رسول الله، كل أهلك قد دخل البيت غيري! فقال:" أرسلي إلى شيبة (1) فيفتح لك الباب "، فأرسلت إليه.

فقال شيبة: ما استطعنا فتحه في جاهلية، ولا إسلام، بليل.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صلي في الحجر فإن قومك استقصروا (2) عن بناء البيت، حين بنوه ".

‌السعي بين الصفا والمروة:

أصل مشروعيته: روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبراهيم عليه السلام ب " هاجر " وبابنها " إسماعيل " عليه السلام، وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم، فوضعهما تحتها وليس بمكة يومئذ من أحد، وليس بها ماء، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شئ؟ فقالت له ذلك مرارا، فجعل لا يلتفت إليها، فقالت: الله أمرك بهذا؟..قال: نعم.

قالت: إذن لا يضيعنا.

وفي رواية: فقالت له: إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله.

فقالت: قد رضيت. ثم رجعت.

فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات، رفع يديه وقال: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم،

(1) ابن عثمان بن طلحة كان بيده مفتاح الكعبة.

(2)

" استقصروا ": أي تركوا منه جزءا وهو الحجر.

ص: 709

ربنا ليقيموا لصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) .

وقعدت أم إسماعيل تحت الدوحة، ووضعت ابنها إلى جنبها وعلقت شنها تشرب منه، وترضع ابنها، حتى فني ما في شنها، فانقطع درها، واشتد جوع ابنها حتى نظرت إليه يتشحط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فقامت على الصفا - وهو أقرب جبل يليها - ثم استقبلت الوادي تنظر، هل ترى أحدا؟..فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا.

حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي إنسان مجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها ونظرت، هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فلذلك سعى الناس بينهما ".

حكمه:

اختلف العلماء في حكم السعي بين الصفا والمروة، إلى آراء ثلاثة:(أ) فذهب ابن عمر، وجابر، وعائشة من الصحابة رضي الله عنهم، ومالك، والشافعي، وأحمد - في إحدى الروايتين عنه - إلى أن السعي ركن من أركان الحج.

بحيث لو ترك الحاج السعي بين الصفا والمروة، بطل حجه ولا يجبر بدم، ولا غيره.

واستدلوا لمذهبهم بهذه الادلة:

1 -

روى البخاري عن الزهري قال عروة: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة.

قالت: بئسما قلت يا ابن أخي: إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما.

ولكنها أنزلت في الانصار: كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل،

ص: 710

فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة. فلما أسلموا، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بى الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى:(إن الصفا والمروة من شعائر الله) الآية.

قالت عائشة رضي الله عنها: وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لاحد أن يترك الطواف بينهما.

2 -

وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون - يعني بين الصفا والمروة - فكانت سنة، ولعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة.

3 -

وعن حبيبة بنت أبي تجراه - إحد نساء بني عبد الدار - قالت:

دخلت مع نسوة من قريش دارآل أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يسعى بين الصفا والمروة وإن مئزره ليدور في وسطه من شدة سعيه، حتى إني لاقول: إني لارى ركبتيه، وسمعته يقول:" اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي "(1) .

رواه ابن ماجه، وأحمد، والشافعي.

4 -

ولانه نسك في الحج والعمرة، فكان ركنا فيهما، كالطواف بالبيت.

(ب) وذهب ابن عباس، وأنس، وابن الزبير، وابن سيرين، ورواية عن أحمد: أنه سنة، لا يجب بتركه شئ.

1 -

استدلوا بقوله تعالى: (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) .

ونفى الحرج عن فاعله: دليل على عدم وجوبه، فإن هذا رتبة المباح.

وإنما تثبت سنيته بقوله: " من شعائر الله ".

وروى في مصحف أبي، وابن مسعود:" فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ".

وهذا، وإن لم يكن قرآنا، فلا ينحط عن رتبة الخبر، فيكون تفسيرا.

2 -

ولانه نسك ذو عدد، لا يتعلق بالبيت، فلم يكن ركنا، كالرمي.

(ج) وذهب أبو حنيفة، والثوري، والحسن: إلى أنه واجب، وليس

(1) في إسناه عبد الله بن المؤمل، وهو ضعيف كما سيأتي بعد.

إلا أن طرقا أخرى إذا انضمت إلى بعضها قويت كما في الفتح.

ص: 711

بركن، لا يبطل الحج أو العمرة بتركه، وأنه إذا تركه وجب عليه دم.

ورجح صاحب المغني هذا الرأي فقال:

1 -

وهو أولى، لان دليل من أوجبه، دل على مطلق الوجوب، لاعلى كونه لا يتم الواجب إلا به.

2 -

وقول عائشة رضي الله عنها في ذلك معارض بقول من خالفها من الصحابة.

3 -

وحديث بنت أبي تجراه، قال ابن المنذر يرويه عبد الله بن المؤمل، وقد تكلموا في حديثه. وهو يدل على أنه مكتوب، وهو الواجب.

4 -

وأما الآية فإنها نزلت لما تحرج ناس من السعي في الاسلام، لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية، لاجل صنمين، كانا على الصفا والمروة.

شروطه:

يشترط لصحة السعي أمور:

1 -

أن يكون بعد طواف.

2 -

وأن يكون سبعة أشواط.

3 -

وأن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة (1) .

4 -

وأن يكون السعي في المسعى، وهو الطريق الممتد بين الصفا والمروة (2) .

لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، مع قوله:" خذوا عني مناسككم ".

فلو سعى قبل الطواف، أو بدأ بالمروة وختم بالصفا، أو سعى في غير المسعى، بطل سعيه.

الصعود على الصفا:

ولا يشترط لصحة السعي أن يرقى على الصفا والمروة. ولكن يجب عليه

(1) يقدر طوله 420 مترا.

(2)

مذهب الاحناف: أنهما واجبان لا شرطان، فإذا سعى قبل الطواف، أو بدأ بالمروة وختم بالصفا، صح سعيه، ووجب عليه دم.

ص: 712

أن يستوعب ما بينهما، فليصق قدمه بهما في الذهاب والاياب، فإن ترك شيئا لم يستوعبه، لم يجزئه حتى يأتي.

الموالاة في السعي:

ولا تشترط الموالاة في السعي (1) .

فلو عرض له عارض يمنعه من مواصلة الاشواط، أو أقيمت الصلاة، فله أن يقطع السعي لذلك، فإذا فرغ مما عرض له، بني عليه وأكمله.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يطوف بين الصفا والمروة، فأعجله البول، فتنحى ودعا بماء فتوضأ، ثم قام، فأتم على ما مضى. رواه سعيد بن منصور.

كما لا تشترط الموالاة بين الطواف والسعي.

قال في المغني: قال أحمد: لا بأس أن يؤخر السعي حتى يستريح، أو إلى العشي.

وكان عطاء والحسن لا يريان بأسا - لمن طاف بالبيت أول النهار - أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشي.

وفعله القاسم وسعيد بن جبير، لان الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي، ففيما بينه وبين الطواف أولى.

وروى سعيد بن منصور: أن سودة زوج عروة بن الزبير سعت بين الصفا والمروة، فقضت طوافها في ثلاثة أيام، وكانت ضخمة.

الطهارة للسعي: ذهب أكثر أهل العلم: إلى أنه لا تشترط الطهارة للسعي بين الصفا والمروة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة - حين حاضت -: " فاقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي ".

رواه مسلم.

وقالت عائشة وأم سلمة: إذا طافت المرأة بالبيت وصلت ركعتين، ثم حاضت، فلتطف بالصفا والمروة.

رواه سعيد بن منصور.

وإن كان المستحب أن يكون المرء على طهارة في جميع مناسكه فإن الطهارة أمر مرغوب شرعا.

(1) عند مالك موالاة السعي - بلاد تفريق كثير - شرط

ص: 713

المشي والركوب فيه:

يجوز السعي راكبا وماشيا، والمشي أفضل.

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم مشى، فلما كثر عليه الناس وغشوه ركب ليروه ويسألوه.

قال أبو الطفيل لابن عباس رضي الله عنهما: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا، أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة.

قال: صدقوا وكذبوا.

قال: قلت: وما قولك: صدقوا وكذبوا؟

قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد، هذا محمد، حتى خرج العواتق (1) من البيوت قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه الناس ركب. والمشي والسعي (2) أفضل.

رواه مسلم، وغيره.

والركوب، وإن كان جائزا، إلا أنه مكروه.

قال الترمذي: وقدكره قوم من أهل العلم أن يطوف الرجل بالبيت وبين الصفا والمروة راكبا إلا من عذر، وهو قول الشافعي.

وعند المالكية: أن من سعى راكبا من غير عذر أعاد، إن لم يفت الوقت، وإن فات فعليه دم، لان المشي عند القدرة عليه واجب.

وكذا يقول أبو حنيفة.

وعللوا ركوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكثرة الناس وازدحامهم عليه، وغشيانهم له.

وهذا عذر يقتضي الركوب.

استحباب السعي بين الميلين:

يندب المشي بين الصفا والمروة، فيما عدا ما بين الميلين، فإنه يندب الرمل بينهما، وقد تقدم حديث بنت أبي تجراه وفيه: ان النبي صلى الله عليه وسلم سعى، حتى إن مئزره ليدور من شدة السعي.

(1)" العواتق ": جمع عائق وهي البكر البالغة، سميت بذلك لانها عتقت من الابتذال والتصرف الذي تفعله الطفلة.

(2)

السعي يكون في بطن الوادي بين الميلين.

والمشي فيما سواه.

ص: 714

وفي حديث ابن عباس المتقدم: والمشي والسعي أفضل.

أي السعي في بطن الوادي بين الميلين، والمشي فيما سواه.

فإن مشى دون أن يسعى جاز.

فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يمشي بين الصفا والمروة.

ثم قال: إن مشيت، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي.

وإن سعيت، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى، فأنا شيخ كبير.

رواه أبو داود الترمذي.

وهذا الندب في حق الرجل.

أما المرأة فإنه لا يندب لها السعي، بل تمشي مشيا عاديا.

روى الشافعي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت - وقد رأت نساء يسعين -: أما لكن فينا أسوة؟

ليس عليكن سعي (1)

استحباب الرقي على الصفا والمروة والدعاء عليهما مع استقبال البيت:

يستحب الرقي على الصفا والمروة، والدعاء عليهما بما شاء من أمر الدين والدنيا، مع استقبال البيت.

فالمعروف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم: أنه خرج من باب الصفا.

فلما دنا من الصفا قرأ: " (إن الصفا والمروة من شعائر الله) .

أبدأ بما بدأ الله به " فبدأ بالصفا فرقي عليه، حتى رأى البيت.

فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ثلاثا، وحمده وقال:" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده " ثم دعا بين ذلك، وقال مثل هذا، ثلاث مرات.

ثم نزل ما شيا إلى المروة، حتى أتاها، فرقي عليها، حتى نظر إلى البيت، ففعل على المروة، كما فعل على الصفا.

وعن نافع قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو على الصفا يدعو - يقول: اللهم إنك قلت: (ادعوني أستحب لكم) وإنك

(1) أي إنهن يمشين ولا يسعين، إذ لا خلاف في وجوب السعي عليهن.

ص: 715

لاتخلف الميعاد، وإني أسألك - كما هديتني للاسلام - أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم.

الدعاء بين الصفا والمروة: يستحب الدعاء بين الصفا والمروة، وذكر الله تعالى، وقراءة القرآن.

وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في سعيه " رب اغفر وارحم واهدني السبيل الاقوم ".

وروي عنه: رب اغفر وارحم، إنك أنت الاعز الاكرم ".

وبالطواف والسعي تنتهي أعمال العمرة.

ويحل المحرم من إحرامه بالحلق أو التقصير إن كان متمتعا، ويبقى على

إحرامه إن كان قارنا.

ولا يحل إلا يوم النحر، ويكفيه هذا السعي عن السعي بعد طواف الفرض، إن كان قارنا.

ويسعى مرة أخرى، بعد طواف الافاضة إن كان متمتعا.

ويبقى بمكة حتى يوم التروية.

التوجه الى منى من السنة التوجه إلى منى يوم التروية (1) .

فإن كان الحاج قارنا، أو مفردا، توجه إليها بإحرامه.

وإن كان متمتعا، أحرم بالحج، وفعل كما فعل عند الميقات.

والسنة: أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه.

فإن كان في مكة: أحرم منها، وإن كان خارجها: أحرم حيث هو.

ففي الحديث: " من كان منزله دون مكة فمهله من أهله، حتى أهل مكة يهلون من مكة ".

ويستحب الاكثار من الدعاء والتلبية عند التوجه إلى منى وصلاة الظهر

(1)" يوم التروية " هو اليوم الثامن من ذي الحجة.

وسمي بذلك، لانه مشتق من الرواية، لان الامام يروي للناس مناسكهم.

وقيل من الارتواء لانهم يرتوون الماء في ذلك اليوم، ويجمعونه بمنى.

ص: 716