الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب العاشر (الجَنَائِز)
.
تعريفها: الجنائز: جمع جنازة، مِن جَنَزَه، إذا ستره وجَمَعه. والجنازة بفتح الجيم وكسرها اسم للميت في النعش.
ما يسنّ فعله للمُحْتَضَر:
-1 - أن يضجع على شقه الأيمن، ويجوز على ظهره، ويُرفع رأسه قليلاً ليصير وجهه إلى القبلة. لما روي عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور فقالوا: توفي وأوصى بثلثه لك يا رسول الله، وأوصى أن يوجه إلى القبلة لما احتضر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أصاب الفطرة، وقد رددت ثلثه على ولده..)(1) .
-2 - أن يُلَقَّن الشهادة لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)(2) ، ولا يؤمر بها ولا يُلَحُّ عليها فيها.
أما إن كان كافراً فيؤمر بالشهادتين، لما روي عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار)(3) .
ويجزئ عن التلقين أن يقال عنده صيغة استغفار كنحو قوله: "أستغفر الله الذي لا إله هو" حتى لا يشعر بالاحتضار.
-3 - يستحب دخول أهله وجيرانه عليه للقيام بحقه وتذكيره وتجريعه وسقيه الماء لأن العطش يغلب على المحتضر. وليذكروه برحمة الله وكرمه، ويحسنوا ظنه بالله تعالى أنه يرحمه ويعفو عنه.
-4 - أن يُتلى عند رأسه سورة "يس"، لما روى الهيثمي عن المشيخة "أنهم حضروا غضيف بن الحارث حين اشتد سوقه فقال: هل منكم أحد يقرأ يس. قال فقرأها صالح بن شريح السلوي فلما بلغ أربعين منها قبض. قال فكان المشيخة يقولون: إذا قرئت عند الموت خفف عنه بها" (4) . كما يستحسن قراءة سورة الرعد لأنها تهون خروج الروح.
-5 - يفضل إخراج الحائض والجنب من عنده لحضور الملائكة.
(1) البيهقي: ج 3 / ص 384.
(2)
الترمذي: ج 3 / كتاب الجنائز باب 7/976.
(3)
البخاري: ج 1 / كتاب الجنائز باب 78/1290.
(4)
مجمع الزوائد: ج 2 / ص 321 وفيه من لن يُسم.
ما يسن فعله بعد الوفاة:
-1 - أن يقال عنده: "سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، لمثل هذا فليعمل العاملون، وَعْدٌ غير مكذوب".
-2 - أن يُشدّ لِحيَاه (1) بعصابة عريضة تعمّهما تُربط فوق الرأس.
-3 - أن تُغمض عيناه ويقال: "بسم الله وعلى ملة رسول الله. اللهم يسّر عليه أمره، وسهِّل عليه ما بعده، وأَسعِده بلقائك، واجعل ما خرج إليه خيراً مما خرج عنه". لما روي عن بكر بن عبد الله بن عبد الله قال: "إذا غمضت الميت فقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا حملته فقل بسم الله ثم سبح ما دمت تحمله"(2)، وعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرتم موتاكم فأَغْمِضوا البصر، فإن البصر يتبع الروح. وقولوا خيراً، فإن الملائكة تؤمِّن على ما قال أهل البيت)(3) .
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شقّ بصره. فأغمضه.. ثم قال: (اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين. واغفر لنا له يا رب العالمين. وافسح له في قبره. ونوّر له فيه)(4) .
-4 - أن يسجّى بثوب، لما روت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:(سجّي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات بثوب حبرة)(5) . ويحضر عنده طبيب.
-5 - وضع ثِقَل أو حديدة على بطنه لئلا ينتفخ، روى البيهقي قال:"مت مولى لأنس بن مالك عند مغيب الشمس، فقال أنس رضي الله عنه: ضعوا على بطنه حديدة"(6) .
-6 - وضع يديه بجنبيه (7) ولا يجوز وضعهما على صدره (8) .
-7 - تليين مفاصله وأصابعه ليسهل غسله وإدراجه في الكفن.
-8 - لا بأس بإعلام الناس بموته لتكثير المصلين عليه. لما روي عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم)(9) . وليؤدي أقاربه وأصدقاؤه حقه، لا على جهة التفخيم والإفراط في المدح.
ويجب التعجيل (10) بتجهيزه إكراماً له، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله)(11) .
أما تلاوة القرآن بقرب الميت قبل غسله فاختلف فيها حسب الخلاف في نجاسة الميت. فمن قال: إن نجاسته نجاسة خبث كره قراءة القرآن بقربه تنزيهاً للقرآن عن النجاسة، ومن قال بأنها نجاسة حدث قال: لا مانع من قراءة القرآن عنده. وهذا هو المعتمد. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يقبّل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل)(12) . وروى البخاري تعليقاً (13) عن ابن عباس رضي الله عنهما: "المسلم لا ينجس حياً ولا ميتاً"(14)، وروي عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنجسوا موتاكم، فإن المسلم ليس بنجس حياً ولا ميتاً)(15) .
(1) اللِّحْيان: تثنية لحَى: منبت اللحية، من الأسنان وغيره أو العظم الذي عليه الأسنان.
(2)
البيهقي: ج 3 / ص 385.
(3)
ابن ماجة: ج 1 / كتاب الجنائز باب 6/1455.
(4)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 4/7.
(5)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 14/48.
(6)
البيهقي: ج 3 / ص 385.
(7)
إشارة لتسليمه لربه عز وجل.
(8)
لأنه صنيع أهل الكتاب.
(9)
البخاري: ج 4 / كتاب المغازي باب 42/4014.
(10)
ومن الأمور التي لا تؤخر: تزويج كفء، وتعجيل جنازة، وقضاء دين، والتوبة.
(11)
أبو داود: ج 3 / كتاب الجنائز باب 38/3159.
(12)
أبو داود: ج 3 / كتاب الجنائز باب 40/3163.
(13)
الحديث المعلق: هو ما حذف من أول إسناده واحد فأكثر على التوالي، ويعزى الحديث إلى من فوق المحذوف من رواته.
(14)
البخاري: ج 1 / كتاب الجنائز باب 8.
(15)
الدارقطني: ج 2 / ص 70.
حق الميت على المكلفين:
-1 - مسلم غير شهيد:
يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن.
-2 - مسلم شهيد:
تعريف الشهيد شرعاً: هو من قتله أهل الحرب مباشرة أو تسبباً بأي سبب كان، أو من قتله أهل البغي أو قطاع الطرق أو اللصوص في منزله، أو وُجِد في المعركة مع الكفار وبه أثر جُرح أو كسر أو حرق أو خروج دم من أُذُن أو عين، لا من الفم والأنف (لأن الدم يخرج من هذه المخارج من غير ضرب) ، أو قتله مسلم ظلماً عمداً لا خطأ بمحدَّد (1) لا بمثقل (2) ، وشمل من قتله أبوه أو سيده. وسمي شهيداً لأنه مشهود له بالجنة.
(1) المحدَّد: ما كان حاداً كالسيف أو السكين أو ما يشبههما.
(2)
المُثَقَّل: ما كان ذا وزن ثقيل كالحديدة أو الحجر.
أحكام الشهيد:
-1 - يكفّن بدمه لما روي عن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: (.. أنا شهيد على هؤلاء، لُفّوهُم في دمائهم، فإنه ليس جريح يجرح إلا وجاء جرحه يوم القيامة يُدمى لونه لون الدم وريحه ريح المسك)(1) .
-2 - لا يغسل إلا إن علم كونه جنباً فقال الإمام بوجوب غسله استدلالاً بتغسيل الملائكة لحنظلة رضي الله عنه حين استشهد يوم أحد، فعن عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن صاحبكم تغسله الملائكة - يعني حنظلة - فاسألوا أهله ما شأنه؟ فسئلت صاحبته فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة)(2) .
وعند الصاحبين لا يغسل الشهيد ولو علم كونه جنباً. وعلى هذا الخلاف غسل الحائض أو النفساء إن ماتت شهيدة.
ويغسل الشهيد إن كان صبياً أو مجنوناً، كما يغسل إن كان رثيثاً وعاش مقدار وقت صلاة في خيمة أو مستشفى، أو أكل أو شرب قبل أن يموت، أو أوصى بشيء من أمور الدنيا. أما لو أوصى بشيء من أمور الآخرة فلا يغسل كما فعل سعد بن الربيع رضي الله عنه حين أوصى الأنصار فقال:"لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى رسول الله وفيكم شعر يطرف"(3) . وفاضت نفسه رحمه الله، وذلك في غزوة أحد ولم يُغْسَّل.
-3 - يصلى على الشهيد مطلقاً، لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه في حديث طويل ذكر فيه:(فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه. وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة، ثم جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه، ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذٍ سبعين صلاة)(4) .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث له (عن غزوة أحد) قال: (ثم جيء بحمزة فصلى عليه ثم يجاء بالشهداء فتوضع إلى جانب حمزة فيصلى عليهم، ثم ترفع ويترك حمزة حتى صلى على الشهداء كلهم)(5) .
-4 - يُنْزَع عن الشهيد ما ليس صالحاً للكفن كالفَرو والحشو والسلاح والدِّرع، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم)(6) . ويزاد إن نقص ما عليه عن كفن السُنَّة.
أما شهداء الآخرة فيغسَّلون ويكفَّنون ويُصلى عليهم.
وهم كما عدَّهم السيوطي -: من مات مبطوناً (7) ، أو بالغرق، أو بالهدم، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله عز وجل (8) . أو مات بذات الجنب لما روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الميت بذات الجنب شهيد)(9) . أو الحمل لما روي عن حسناء بنت معاوية قالت: حدثنا عمي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (النبي في الجنّة، والشهيد في الجنّة، والمولودة والوليدة)(10) . أو بالسل، أو الصرع. وكذا من مات دون أهله أو ماله أو دمه أو مظلمة فهو شهيد، لما روي عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد)(11) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون مظلمة فهو شهيد)(12) . أو مات شَرَقاً، أو بافتراس السبع، أو حَبَسَه سلطان ظلماً، أو لدغته هامة، أو مات على طلب العلم الشرعي، أو مؤذناً محتسباً، أو تاجراً صدوقاً. لما روي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (
…
أو وقصته فرسه أو بعيره، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه، أو بأي حتف شاء الله، فإنه شهيد، وإن له الجنة) (13) .
ومن مات بالعشق مع العفاف والكتمان فهو شهيد.
ومن سعى على امرأته وولده وما ملكت يمينه، يقيم فيهم أمر الله تعالى، ويطعمهم من حلال كان حقاً على الله تعالى أن يجعله مع الشهداء في درجاتهم يوم القيامة.
والمتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عند فساد أمته له أجر شهيد، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد)(14) .
(1) البيهقي: ج 4 / ص 11.
(2)
البيهقي: ج 4 / ص 15.
(3)
المستدرك: ج 3 / ص 201.
(4)
مسند الإمام أحمد: ج 1 / ص 463.
(5)
المستدرك: ج 2 / ص 119.
(6)
البيهقي: ج 4 / ص 14
(7)
استسقاء أو إسهال.
(8)
مسلم: ج 3 / كتاب الإمارة باب 51/164.
(9)
مسند الإمام أحمد: ج 4 / ص 157.
(10)
مسند الإمام أحمد: ج 5 / ص 409.
(11)
مسند الإمام أحمد: ج 1 / ص 190.
(12)
مسند الإمام أحمد: ج 1 / ص 305.
(13)
أبو داود: ج 3 / كتاب الجهاد باب 15/2499.
(14)
الفتح الكبير: ج 3 / ص 253.
-3 - حق المولود المسلم على المسلمين إن مات:
أ - يُسمَّى، ويُغسَّل، يُكفَّن، ويُصلَّى عليه ويُدفن ويرث ويورث، إن ولد حياً ثم مات، وكانت ظهرت عليه علامة الحياة بحركة، أو صوت، أو خرج رأسه وصدره، أو خرجت رجلاه وسرته وعليها علامة حياة. ويقبل في ذلك خبر الواحد ولو امرأة كالقابلة. لما روي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحق ما صليتم عليه أطفالكم)(1) . وعنه أيضاً قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم. ومات وهو ابن ستة عشر شهراً)(2) .
وإن ماتت الأم واضطرب الولد في بطنها يُشقّ ويُخرج الولد.
ب - يُسمَّى، ويدرج في خِرقة ويُدفن، ويُصلى عليه، إن وُلِد ميتاً.
(1) البيهقي: ج 4 / ص 9.
(2)
البيهقي: ج 4 / ص 9.
-4 - حق الصبي إن سُبِي من دار الحرب ثم مات:
أ - إن سبي مع أحد أبويه يُدرج في خِرقة ويُدفن، فإن علم إسلام أحد أبويه ألحق به فيحكم بإسلامه، وإن أسلم هو قبل أن يموت صحّ منه فيغسل ويصلَّى عليه.
ب - إن سبي وحده فهو مسلم تبعاً للدار أو للسابي، فإنه يغسل ويصلى عليه.
-5 - حق الكافر على القريب المسلم:
إن لم يكن له وليّ كافر حاضر يُغسله المسلم بدون مراعاة السنن، ويكفن في خرقة، ثم يُلقى في حفرة من غير وضع كالجيفة، لحقّ القرابة، أو يدفعه لأهل ملّته. ويتبع جنازته من بعيد. ولا يمكّن الكافر من قريبه المسلم لأنه فرض على المسلمين كفاية ولا يدخل قبره لأن الكفر تنزل عليه اللعنة والمسلم محتاج إلى الرحمة خصوصاً في هذه الساعة.
-6 - المرتد:
لا يمكَّن أحد من تغسيله لأنه لا ملة له، فيُلقى في حفرة كالجيفة.
-7 - البغاة وقطّاع الطرق:
يغسلون، ولا يُصلّى عليهم وإن كانوا مسلمين، لأن الصلاة شفاعة لا يستحقونها. أما إذا قُتِلوا بعد ثبوت يد الحاكم عليهم، فإنهم يغسلون ويُصلّى عليهم.
-8 - القاتل غيلة:
لا يصلى عليه، ولا على مُكابر في المِصْر، ولا على المقتول عصبية إهانة لهم وزجراً لغيرهم. كما لا يصلى على قاتل أحد أبويه عمداً إهانة له.
-9 - المنتحر:
يُغسل ويصلَّى عليه على المعتمد، ولو لم يكن قَتْلُه لنفسه ناجماً عن شدة وجع، وذلك لأنه مؤمن مذنب. وهو أعظم وزراً من قاتل غيره، وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه قال:"لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة. والذي قتل نفسه يصلى عليه"(1) . وصح الحسن أنه قال: "يصلى على من قال لا إله إلا الله، وصلى على القبلة، إنما هي شفاعة"(2) .
(1) المحلى لابن حزم: ج 5 / ص 252.
(2)
المحلى لابن حزم: ج 5 / ص 252.
نفقة تجهيز الميت:
يجب أن تكون نفقة التغسيل والتكفين والدفن من مال الميت، فإن لم يكن له مال فمؤنة تجهيزه على من تلزمه نفقته من أقاربه؛ وإذا تعدد من وجبت عليه النفقة فنفقة تجهيزه على قدر ميراثهم. فإن لم يوجد من تجب عليه نفقته، أي من يرثه، فتجب على بيت مال المسلمين. وتجب نفقة المرأة على زوجها إن كانت معسرة لا مال لها.
وورد في فضل تجهيز الميت أحاديث، منها ما روي عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من غسل مسلماً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة، ومن حفر له فأجنه (1) أجري عليه كأجر مسكين أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة) (2) .
(1) أجنه: ستره.
(2)
البيهقي: ج 3 / ص 395.
أولاً - تغسيل الميت:
-1 - يوضع الميت بعد التأكد من موته على سرير مبخَّر لإخفاء رائحته الكريهة، ووجهه ورجلاه إلى القبلة كالمريض، وقيل يوضع كما يوضع في القبر.
-2 - تستر عورته ثم يجرد من ثيابه، لما روي عن علي رضي الله عنه: قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت)(1) . وعن عبد الله بن الحارث بن نوفل "أن علياً رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وعلى النبي صلى الله عليه وسلم قميص وبيد علي رضي الله عنه خِرقة يتبع بها تحت القميص"(2) .
-3 - تغسل عورته بخرقة ملفوفة على يد الغاسل وتدخل من تحت الساتر. وينوي الغاسل إسقاط الفرض عن المسلمين.
-4 - يُوضّأ وضوءاً عادياً بدون مضمضة واستنشاق بل يمسح فمه وأنفه بخرقة، إلا أن يكون جُنُباً أو حائضاً فيُكلف غسل فمه وأنفه.
-5 - يُصبّ عليه ماء ساخن ممزوج بسِدر، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقته:(اغسلوه بماء وسدر)(3) .
-6 - يُغْسَل شعره ويُدَّهَن بالطيب.
-7 - يُضجع على يساره فيُغْسَل شِقُّه الأيمن ابتداء لأن البداءة بالميامن سنة، ثم يضطجع على يمينه فيغسل شقه الأيسر حتى يصل الماء إلى سائر جسده. لما روي عن أم عطية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهن في غسل ابنته:(ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)(4) .
-8 - يُجلس الميت مستنداً إلى الغاسل ويُمسح بطنه مسحاً رفيقاً لتخرج فضلاته، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من غسل ميتاً فليبدأ بعصره)(5) . وما يخرج منه يغسل فقط للنظافة ولا يعاد غسله ولا وضوءه لأنه ليس بناقض في حقه.
ومن تعذر غسله يُصبّ عليه الماء صباً. ثم ينشّف ويُلبَس القميص. ولا تُقصّ الأظافر.
ويندب للغاسل الغسل من تغسيل الميت، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غسّل ميتاً فليغتسل)(6) .
(1) البيهقي: ج 3 / ص 388.
(2)
البيهقي: ج 3 / ص 388.
(3)
مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 14/93.
(4)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 12/43.
(5)
البيهقي: ج 3 / ص 388.
(6)
ابن ماجة: ج 1 / كتاب الجنائز باب 8/1463.
أولى الناس بغسل الميت:
يُغسِّل الميت أقرب أهله، وإلا فأهل الأمانة والورع لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليغسل موتاكم المأمونون)(1) . ويكره أن يكون الغاسل جنباً أو حائضاً.
ويغسل المرأة امرأة، فلو ماتت مع محارمها يمّموها، ولا يغسلها زوجها لأنها حَرُمت عليه بعد الموت. أما الرجل فتغسله زوجته إن اضطرت لكونها في العِدّة ولو كانت رجعية، أما إذا بانت منه قبل الوفاة فلا يجوز. ولو مات رجل بين نساء يمَّمنه بخرقة.
أما الصغار إلى ما قبل الاشتهاء فيجوز للمرأة والرجل تغسيلهم لأنه ليس لأعضائهم حكم العورة.
(1) ابن ماجة: ج 1 / كتاب الجنائز باب 8/1461.
ثانياً - تغسيل الميت:
حكم التكفين: فرض كفاية بالنظر لعامة المسلمين.
ما يكفن به الميت:
الكفن على ثلاثة أنواع:
-1 - الكفن الكامل المسنون: قميص من العنق إلى القدمين، وإزار من القرن (1) إلى القدم، ولفافة يكون طولها من الرأس إلى القدم مع زيادة للربط من جنس الكفن؛ ويكون مما يلبسه الرجل يوم الجمعة والعيدين. وذلك لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كفن أحدكم أخاه فليحسّن كفنه)(2) .
ولا يُغالي في تحسين الكفن، لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تَغَالوا في الكفن، فإنه يُسلب سريعاً)(3) . ولو أوصى بالغالي يُكفن بالوسط.
وقد كُفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سَحُولية، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:(كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سَحُولية من كُرْسُفٍ ليس فيها قميص ولا عمامة)(4) .
أما المرأة فزاد لها خمار يغطي وجهها ورأسها، وخرقة عرضها ما بين الثدي إلى السرة لربط ثدييها. فيكون كفن المرأة: درعاً وإزاراً وخماراً وخرقة ولفافة. فعن ليلى بيت قائف الثقفية رضي الله عنها قالت: (كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها. فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحِقاء، ثم الدِرع، ثم الخِمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب. قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند الباب معه كفنها يناولناها ثوباً ثوباً)(5) .
-2 - كفن الكفاية: عند قلة المال وكثرة الورثة. وهو إزار ولفافة للرجل، ويزاد خمار للمرأة.
وتكره العمامة على الأصح، لأنها لم تكن في كفن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم.
واستحسنها بعضهم، لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعمم الميت ويجعل العَذَبَة (6) على وجهه.
ويفضل في الكفن القطن والبياض، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(البَسُوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفِنّوا فيها موتاكم)(7) .
والجديد والمغسول سواء في الكفن.
-3 - كفن الضرورة للرجل والمرأة: يُكتفى فيه بكل ما يوجد. لما روي أن حمزة رضي الله عنه كفن في ثوب واحد، ومصعب بن عمير رضي الله عنه لم يوجد ما يكفن فيه إلا نَمِرة، فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه في حديثه عن مصعب رضي الله عنه قال:(فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر)(8) . وهذا دليل على أن ستر العورة وحدها لا يكفي (9) .
وأما الصغير فيكفن بثوب واحد، والصغيرة بثوبين. والسَّقْط يُلفّ ولا يكفن ولا يكفن كالعضو من الميت.
(1) القَرن: الذؤابة، وخَصّ بعضهم به ذؤابة المرأة وضفيرتها والجمع قرون. وقَرن الرجل: حدّ رأسه.
(2)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 15/49.
(3)
البيهقي: ج 2 / ص 403. ومعنى لا تغالوا في الكفن: أي تتغالوا فيه بأن تكون قيمته رفيعة، أو بالإكثار من أنواع الثياب، أو بكثرة اللفائف، فإنه يسرع إليها البِلَى والفساد فيكون إضاعة مالٍ وهي حرام.
(4)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 13/45، وسحولية: منسوبة إلى سحول مدينة باليمن تحمل منها هذه الثياب.
(5)
أبو داود: ج 3 / كتاب الجنائز باب 36/3157.
(6)
العَذَبَة: عذبة كل شيء: طرفه.
(7)
أبو داود: ج 4 / كتاب الطب باب 14/3878.
(8)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 13/44.
(9)
خلافاً للشافعي رضي الله عنه.
كيفية التكفين:
أ - للرجل: تبسط اللفافة ويذر عليها الحَنُوط (1) والكافور (2) ، ثم الإزار كذلك، ثم يوضع الميت مقمصاً، ثم يُعطف عليه الإزار من جهة اليسار ثم من جهة اليمين ليكون أعلى، ثم يفعل كذلك في اللفافة. ويعقد الكفن إن خيف انتشاره صيانة للميت عن الكشف. ولا بأس أن تحشى مخارق الجسم بالقطن.
ب - للمرأة: يجعل شعرها ضفيرتين توضعان على صدرها، ثم يوضع الخمار على رأسها ووجهها فوق القميص، ثم تربط الخرقة فوق اللفافة لئلا تنتشر الأكفان وتعطف من اليسار ثم من اليمين.
ويسن تبخير الكفن قبل إدراج الميت فيه سواء للرجل أو للمرأة.
ويُغطى رأس المُحرِم ووجهَ المحرمة عند التكفين كغير المُحْرِمين.
(1) الحنوط: عطر مركب من أشياء طيبة ويدخل فيه المسك.
(2)
الكافور: نبت طيب الريح.
ثالثاً - صلاة الجنازة:
حكمها:
فرض كفاية على المسلمين، إذا فعلها البعض سقطت عن الآخرين، وذلك لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(صلوا على صاحبكم)(1) . ولو كانت فرض عين ما ترك صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه. فإن لم يحضرها سوى شخص واحد صارت فرض عين عليه. ويكفر جاحدها (2) .
(1) ابن ماجة: ج 2 / كتاب الصدقات باب 13/2415.
(2)
قيل هي من خصائص هذه الأمة كالوصية بالثلث. وروي: (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم) .
دليلها:
ثبتت مشروعيتها بالقرآن والسنة والإجماع.
من القرآن: قوله تعالى: {وصلِّ عليهم} (1) .
ومن السنة: ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا خلف كل بَرٍّ وفاجر، وصلوا على كل بَرِّ وفاجر)(2) .
وروى أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الملائكة غسلت آدم، وكبّرت عليه أربعاً، وقالوا: هذه سنتكم يا بني آدم)(3) .
وقد روي في فضل الصلاة على الميت عدة أحاديث، منها: ما روي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من صلى على جنازة فله قيراط، فإن شهد دَفْنها فله قيراطان. القيراط مثل أحد)(4) .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شُفِّعُوا فيه)(5) .
(1) التوبة: 104.
(2)
البيهقي: ج 4 / ص 19.
(3)
مجمع الزوائد: ج 3 / ص 35، رواه الطبراني في الأوسط.
(4)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 17/57.
(5)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 18/58.
أركانها:
-1 - القيام للقادر عليه، فلا تصح قاعداً أو راكباً من غير عذر.
-2 - أربع تكبيرات: تقوم كل واحد مقام ركعة، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، فخرج بهم إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات)(1) . وتقوم التكبيرة الأولى مقام ركعة الافتتاح لذا فإن فيها معنى الشرط. ويرفع يديه بالتكبيرة الأولى فقط لأن فيها معنى الافتتاح. ولو كبر الإمام خامسة لا يتابعه المصلون بل ينتظرونه للتسليم.
(1) مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 22/62.
شروطها:
-1 - أن يكون الميت مسلماً، لأن الصلاة عليه شفاعة وليس للكافر شفاعة. لقوله تعالى:{ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره} (1) .
-2 - أن يغسل ويكفن قبل الصلاة، فإن صلوا عليه قبل التغسيل أعيدت بعده؛ إذ تشترط الطهارة من النجاسة في البدن والمكان.
أما إن دفن ولم يغسل وأهيل عليه التراب فيصلى على القبر ولا يُنبش، لما روي عن الشعبي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد ما دفن فكبر عليه أربعاً)(2) . وإن لم يُهَل عليه التراب ويغسل ويصلى عليه ما لم يتفسخ.
-3 - يشترط للمصلين كل ما يشترط في الصلاة، من طهارة، وستر عورة، واستقبال القبلة.
-4 - أن يكون الميت متقدماً أمام القوم.
-5 - أن يكون الموجود من الميت كله أو أكثره ويكفي النصف مع الرأس. ولا يصلى على الغائب وصلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي من خصوصياته، وكانت بمشاهدة منه كرامة ومعجزة له صلى الله عليه وسلم.
-6 - أن يكون الميت موضوعاً على الأرض لكونه الإمام من وجه، فإن كان محمولاً على أيدي الناس أو على دابة فلا تجوز الصلاة عليه.
-7 - النية: بأن يحدد نية الصلاة على الجنازة الحاضرة.
(1) التوبة: 85.
(2)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 23/68.
واجباتها:
التسليم بعد التكبيرة الرابعة ولا يفصل بينهما شيء، لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن، تركهن الناس: إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة)(1) . وينوي بالتسليمتين السلام على الميت مع القوم.
ولا يرفع صوته بالتسليم بل يُخافِت في كل الصلاة إلا التكبير فيجهر به. واستحسن بعض المشايخ أن يقول بد التكبيرة الرابعة: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} .
(1) البيهقي: ج 3 / ص 43.
سننها:
-1 - قيام الإمام أمام صدر الميت ذكراً كان أم أنثى لأنه موضع القلب وفيه نور الإيمان.
-2 - قراءة دعاء الثناء بعد التكبيرة الأولى، كما يسن قراءة الفاتحة (1)، لما روي عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال:"صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، فقال: ليعلموا أنها سنة"(2) ، وللخروج من خلاف الأئمة. ولا تقرأ الفاتحة على سبيل التلاوة بل على سبيل الثناء، حيث تكره قراءة القرآن في صلاة الجنازة.
-3 - أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، وصيغتها كالصلوات الإبراهيمية. لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه "أنه سأل عبادة بن الصامت عن الصلاة على الميت فقال: أنا والله أخبرك تبدأ فتكبر ثم تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم" (3) .
-4 - الدعاء للميت وللمسلمين ولنفسه بعد التكبيرة الثالثة، بأن يبدأ بالدعاء لنفسه ثم للميت، والأفضل أن يدعو بالمأثور. ومن المأثور ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال: (اللهم اغفر لحيِّنا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده)(4) .
وروي عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة. فحفظت من دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافِهِ واعفُ عنه. وأكرم نُزُلَه. ووسِّع مدخَلَه واغسله بالماء والثلج والبَرَد. ونقِّه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدّنس. وأبدِله داراً من خيراً من داره. وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه. وأدخِله الجنة وأعِذه من عذاب القبر - أو من عذاب النار - قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت)(5) .
ويزيد في الصلاة على الصبي والمجنون قوله: "اللهم اجعله فَرَطاً (6) ، واجعله لنا أجراً وذُخراً، واجعله لنا شافعاً مُشَفَّعاً".
-5 - أن يرفع يديه في تكبيرة الإحرام فقط، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود)(7) .
(1) هي فرض عند الإمام الشافعي.
(2)
البخاري: ج 1 / كتاب الجنائز باب 64/1270.
(3)
البيهقي: ج 4 / ص 40.
(4)
أبو داود: ج 3 / كتاب الجنائز باب 60/3201.
(5)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 26/85.
(6)
الفَرَط: الذي يتقدم الإنسان من ولده أي أجراً متقدماً.
(7)
الدارقطني: ج 2 / ص 75.
المسبوق:
لا يقتدي المسبوق بالإمام وهو بين تكبيرتين بل ينتظره حتى يكبِّر فيدخل معه ثم يقضي ما فاته من التكبيرات بسرعة مع الدعاء إن أمن رفع الجنازة، وإلا كبَّر متتابعاً من غير أن يقول شيئاً قبل رفع الجنازة عن الأرض.
فواتها:
تفوت صلاة الجنازة إذا حضر بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام.
مكروهاتها:
-1 - تكره الصلاة على الجنازة في مسجد الجماعة كراهة تنزيهية، وإن خشي التلويث فهي كراهة تحريمية. لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له) .
-2 - تكره صلاة الجنازة في الشارع وفي أراضي الغير.
أولى الناس بالصلاة على الميت:
السلطان، ثم نائبه أو إمام الحي، ثم الوليّ. وإذا صلى من هو دون الولي بدون إذنه يجوز للولي إعادة الصلاة. والأصل أنه لو صلى الوليّ لا تعاد صلاة الجنازة، لأنه لا يصح فيها التنفل.
وإذا كثرت الجنائز فإفراد كل واحدة بصلاة أولى. وإن صليت على الجميع مرة واحدة جاز، لما روي عن الشعبي قال:"صلى علي يوم صفين على عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة، فكان عمار أقربهما إلى علي وكان هاشم أقربهما إلى القبلة"(1) . وتجعل جميعها صفاً واحداً مما يلي القبلة، ويقف الإمام محاذياً لصدرهم جميعاً، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما "أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء، فجعل الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة، وصفهم صفاً واحداً"(2) .
(1) مجمع الزوائد: ج 3 / ص 36.
(2)
البيهقي: ج 4 / ص 33.
رابعاً - حمل الجنازة ودفنها:
أولاً - حمل الجنازة:
ما يسن في حملها:
-1 - أن يحملها أربعة رجال من أركانها الأربعة تكريماً وتخفيفاً وتحاشياً من تشبيهها بالأمتعة. وأن يحمل كل رجل أربعين خطوة ليؤديها حقها وتُكَفَّر ذنوبه، لما روي عن وائلة قال:"من حمل بجوانب السرير الأربع غفر له أربعون كبيرة"(1) . يبدأ الحامل بمقدمها الأيمن وهو يسار السرير فيضعه على عاتقه الأيمن، ثم يضع مؤخرها الأيمن على عاتقه الأيمن، ثم يضع مقدمها الأيسر على عاتقه الأيسر، ثم يختم بالجانب الأيسر بحملها على عاتقه الأيسر، فيكون من كل جانب عشر خطوات.
-2 - الإسراع في الحمل دون الخَبَب (2)، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أسرعوا بالجنازة، فإنها إن تك صالحة فخير تقدمونها، وإن تك سوى ذلك فشرّ تضعونه عن رقابكم)(3) .
-3 - المشي خلفها لا أمامها، لما روي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال:"كنت مع علي بن أبي طالب في جنازة وعلي آخذ بيدي ونحن خلفها وأبو بكر وعمر أمامها، فقال علي: إن فضل الماشي خلفها على الذي يمشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وإنهما ليعلمان من ذلك ما أعلم ولكنهما يسهلان على الناس"(4) . وورد أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجنازة متبوعة ولا تتبع. ليس منا من تقدمها)(5) . وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى خلف جنازة ابنه إبراهيم حافياً) (6) . أي تواضعاً.
ويكره أن يتقدم الكل عليها أو ينفرد متقدم واحد.
ويجوز للراكب أن يسير خلف الجنازة، والماشي أمامها قريباً منها، لما روي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها)(7) .
ويستحب لمن مرت به جنازة أن يقول: "سبحان الحي الذي لا يموت" ويدعو للميت بالخير والتثبيت.
(1) الجامع الصغير: ج 2 / ص 170، وهو حديث ضعيف.
(2)
الخَبَب: نوع من السير. أي يمشون به دون الخبب بحيث لا يضطرب الميت على الجنازة.
(3)
البخاري: ج 1 / كتاب الجنائز باب 50/1252.
(4)
المحلى لابن حزم: ج 5 / ص 243.
(5)
مسند الإمام أحمد: ج 1 / ص 394.
(6)
البيهقي: ج 3 / ص 408.
(7)
النسائي: ج 4 / ص 56.
ما يكره في حمل الجنازة:
-1 - رفع الصوت بالذكر أو بالقرآن، وعليهم الصمت.
-2 - اتباع النساء الجنائز، لما روي عن أم عطية رضي الله عنها قالت:(نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا)(1) والكراهة تحريمية.
-3 - يكره الجلوس قبل وضعها، لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اتبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع)(2) .
-4 - يكره النَّدب وشقّ الثوب، لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليس منا من ضرب الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)(3) . ويحرم النوح ولا بأس بالبكاء، لما روي عن أم عطية رضي الله عنها قالت:(أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة ألا ننوح)(4)، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم)(5) .
(1) مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 11/35.
(2)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 24/76.
(3)
البخاري: ج 1 / كتاب الجنائز باب 37/1235.
(4)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 10/31.
(5)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 6/12.
ثانياً - دفن الميت:
حكمه: هو فرض كفاية.
كيفيته:
-1 - يحفر بمقدار طول قامة إنسان وبعرض نصف قامته، لأن ذلك أبلغ في الحفظ.
-2 - أن يلحد في القبر، أي تُجعل حُفَيْرة فيجانب القبلة من القبر يوضع فيها الميت، ويُنْصَب عليه الَّلبِن (1) . وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللحد لنا والشقّ لغيرنا)(2) أي لغير المسلمين. ثم يهال عليه التراب.
والشق هو ما يحفر في وسط القبر ثم توضع بلاطة فوقه. ولا بأس فيه إن كانت الأرض رخوة.
-3 - يسن أن يغطى القبر برداء إن كان الميت امرأة ستراً لها إلى أن يسوى عليها التراب.
-4 - يستحب للحاضرين أن يحثي كل منهم ثلاث حثيات من التراب، لما روي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين دفن عثمان بن مظعون رضي الله عنه
…
حثا بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم على القبر) (3) . يقول في الأولى: {منها خلقناكم} ، وفي الثانية:{وفيها نعيدكم} ، وفي الثالثة:{ومنها نخرجكم تارة أخرى} لما روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى، بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله)(4) .
-5 - يُسنم (5) القبر بمقدار أربع أصابع أو شبر، لما روي عن سفيان التمار "أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم سَنَّماً"(6) .
-6 - يُدخل الميت من جهة القبلة، ويقول واضعه:"بسم الله وعلى ملة رسول الله"، لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضعتم موتاكم في قبورهم فقولوا: بسم الله وعلى سنة رسول الله)(7) . ويوجّهه إلى القبلة لما روي عن عبيد بن عمير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً)(8) . ويَدخُل القبر ثلاثة أو أربعة لوضع الميت، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فيمن نزل قبر النبي صلى الله عليه وسلم:"ونزل في حفرته علي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقثم أخوه، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم"(9) . ويشترط أن يكونوا أُمَنَاء أقوياء صُلَحاء.
أما المرأة فذو الرحم أولى بوضعها في قبرها من غيرهم، لما روي عن عبد الرحمن بن أبزى "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كبّر على زينب بنت جحش أربعاً، ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من يدخل هذه قبرها؟ فقلن: من كان يدخل عليها في حياتها"(10) .
-7 - يسن أن يقف جماعة بعد دفن الميت يدعون ويستغفرون له، ويقرؤون عنده شيئاً من القرآن، أو ختمة إن أمكن، ويسألون الله له التثبيت، لما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت قال: (استغفروا لميتكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسْأَل)(11) .
أما التلقين فمشروع في القبر أيضاً، لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله)(12) . وكيفيته كما رواه سعيد بن عبد الله الأودي قال: شهدت أبا أمامة رضي الله عنه وهو في النزع فقال: إذا أنا مت فاصنعوا لي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:(إذا مات أحد من إخوانكم، فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعداً، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكن لا تشعرون فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، والقرآن إماماً)(13) .
-8 - يسن وضع الجَريد (14) والإِذْخر على القبر لأنه يستغفر للميت ما دام رطباً، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في قبر كل واحدة. فقالوا يا رسول الله لِمَ صنعت هذا؟ فقال: لعلهما أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) (15) .
-9 - يستحب أن يدفن الميت في مقبرة المحلّ الذي مات فيه أو قتل، لما روي عن منصور بن صفية أمه قالت: مات أخ عائشة رضي الله عنها بوادي الحبشة فحمل من مكانه فأتيناها نعزيها فقلت: "ما أجد في نفسي أو يحزنني في نفسي إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه"(16) . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في قتلى أحد - (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم)(17) . فإذا مات شخص بعيداً عن بلده لا ينقل إليها بل يدفن حيث مات.
(1) اللَّبِن: ما يعمل من الطين مُرَبَّعاً ويُبنى به.
(2)
البيهقي: ج 3 / ص 408.
(3)
البيهقي: ج 3 / ص 410.
(4)
البيهقي: ج 3 / ص 409.
(5)
يُسنم: أي يرفع عن الأرض مقدار شبر أو أكثر مثل سنام البعير.
(6)
البخاري: ج 1 / كتاب الجنائز باب 94/1325.
(7)
البيهقي: ج 4 / ص 55.
(8)
البيهقي: ج 3 / ص 408.
(9)
ابن ماجة: ج 1 / كتاب الجنائز باب 65/1628.
(10)
البيهقي: ج 4 / ص 53.
(11)
البيهقي: ج 4 / ص 56.
(12)
أبو داود: ج 3 / كتاب الجنائز باب 20/3117.
(13)
مجمع الزوائد: ج 3 / ص 45.
(14)
الجَريد: جمع جَرِيدة وهي سَعْفَة طويلة رطبة. وقيل: الجريدة للنخلة كالقضيب للشجرة.
(15)
النسائي: ج 4 / ص 106.
(16)
البيهقي: ج 4 / ص 57.
(17)
أبو داود: ج 3 / كتاب الجنائز باب 42/3165.
ما يكره في الدفن:
-1 - يكره للنساء النزول إلى القبر.
-2 - يكره بناء القبر بالجص والآجر والخشب، وأن يكتب عليه، لما روي عن جابر رضي الله عنه قال:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبنى على القبر ويجصص أو يقعد عليه، ونهى أن يكتب عليه)(1) .
-3 - أن يدفن اثنان في قبر واحد، إلا لضرورة ويجعل بينهما تراب، لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد)(2) .
-4 - الدفن في البيوت لاختصاصه بالأنبياء، ومن مات في سفينة يغسل ويكفن ويصلى عليه ويلقى في البحر، لما روي في البحر، لما عن الحسن البصري أنه قال فيه:"يغسل ويكفن ويصلى عليه ويطرح في البحر"(3) .
-5 - نقل الميت من بلد إلى بلد لمسافة أكثر من ميلين، أما بعد الدفن فلا يجوز نقله.
-6 - ويحرم نبش القبر إلا أن يكون دفن في أرض مغصوبة فيخرج لحقّ صاحبها إن طلبه، وإن شاء سوّاه بالأرض وانتفع بها زراعة. أو أخذت الأرض بالشُفّعة (4) والشفيع يُخَيَّر.
وإن دفن بقبر يملكه غيره (5) من الأحياء بأرض ليست ملكاً لأحد ضمنت قيمة القبر من تَرِكته أو من بيت مال المسلمين.
(1) المستدرك: ج 1 / ص 370.
(2)
البخاري: ج 1 / كتاب الجنائز باب 72/1280.
(3)
البيهقي: ج 4 / ص 7.
(4)
الشُّفْعَة: هي ضم بقعة مشتراة إلى عقار الشَّفيع بسبب الشِركة أو الجِوار.
(5)
من بسط مصلى في المسجد أو المجلس، فإن كان واسعاً لا يصلي عليه ولا يجلس عليه غير صاحبه، وإن كان ضيقاً جاز لغيره أن يرفع البساط ويصلي في ذلك المكان أو يجلس.
التعزية:
أ - ما يستحب في التعزية:
-1 - تستحب التعزية للرجال والنساء، لما روي عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حُلَل الكرامة يوم القيامة)(1) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عزَّى مصاباً فله مثل أجره)(2) .
-2 - يُستحب أن يعمَّ جميع الأقارب، وأن تكون صيغة التعزية بما روي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال معزياً ابنته لما مات ولدها:(إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى)(3) ، أو بما روي عن أنس رضي الله عنه في تعزية الخِضْر عليه السلام لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. "إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخَلَفاً من كل هالك وعوضاً من كل فات، فإلى الله فأنيبوا، وإليه فارغبوا، فإنما المصاب من لم يجبره الثواب"(4) .
-3 - يستحب لجيران الميت والأباعد من أقاربه تهيئة طعام لأهل الميت يُشبِعَهم يومهم وليلتهم، لما روي عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعاماً، فإنهم قد جاءهم ما يشغلهم)(5) . ويُلحّ عليهم بالأكل، لأن الحزن يمنعهم الطعام فيضعفهم، والله ملهم الصبر ومعوِّض الأجر.
(1) ابن ماجة: ج 1 / كتاب الجنائز باب 56/1601.
(2)
الترمذي: ج 3 / كتاب الجنائز باب 71/1073.
(3)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 6/11.
(4)
مجمع الزوائد: ج 3 / ص 3.
(5)
الترمذي: ج 3 / كتاب الجنائز باب 21/998.
ب - ما يكره في التعزية:
-1 - يكره الاجتماع عند أهل الميت حتى يأتي إليهم من يعزيهم، بل ينبغي إذا رجعوا من الدفن أن يتفرقوا ليشتغلوا بأمرهم.
-2 - الجلوس على باب الدار للمصيبة.
-3 - التعزية في المسجد.
-4 - تكرار التعزية.
-5 - الضيافة من أهل الميت، لما روي عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال:"كنا نرى الاجتماع إلى أهل البيت وصنعة الطعام من النياحة"(1) .
(1) ابن ماجة: ج 1 / كتاب الجنائز باب 60/1612.
زيارة القبور:
حكمها:
هي مندوبة للرجال والنساء، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(فزوروا القبور فإنها تُذكر بالموت)(1)، وعن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، واجعلوا زيارتكم لها صلاة عليهم واستغفاراً لهم)(2) .
وقيل تكره للنساء، والأصح أن الرخصة للرجال والنساء، فعن علي بن الحسين عن أبيه "أن بنت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده"(3) .
وعن عبد الله بن أبي مليكة "أن عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت. قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم. كان نهى ثم أمر بزيارتها"(4) .
(1) أبو داود: ج 3 / كتاب الجنائز باب 81/3234.
(2)
مجمع الزوائد: ج 3 / ص 59. وهو ضعيف.
(3)
البيهقي: ج 3 / ص 78.
(4)
البيهقي: ج 3 / ص 78.
كيفية الزيارة:
أن يقف قائماً - دون أن يطأ القبور - مستدبر القبلة، مستقبلاً وجه الميت ثم يلقي السلام فيقول:"السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. أسأل الله لي ولكم العافية". ولا يمسح القبر ولا يقبّله ولا يمسّه. وذلك لما روي عن بريدة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر. فكان قائلهم يقول: السلام عليكم، أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله، للاحقون. أسأل الله لنا ولكم العافية)(1) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام (2) .
ويستحب للزائر أن يقرأ سورة "يس"، لما روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفَّف اللهم عنهم يومئذ العذاب، وكان له بعدد ما فيها من حسنات)(3) .
ويستحب أيضاً أن يقرأ سورة "الإخلاص" إحدى عشرة مرة، إذ لا مانع من الجلوس على القبر لقراءة القرآن.
(1) مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 35/104.
(2)
الجامع الصغير: ج 2 / ص 151.
(3)
حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح: ص 610.
مكروهات زيارة القبور:
-1 - يكره الجلوس على القبر لغير القراءة، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر)(1) . كما يكره النوم والصلاة عنده.
-2 - يكره تحريماً قضاء الحاجة على القبور، لما روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي، أحب إليّ من أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق)(2) .
-3 - يكره قطع الحشيش الرطب وكذا الشجرة من المقبرة، لأنه يسبح الله تعالى ما دام رطباً فيؤنس الميت وتنزل بذكر الله تعالى الرحمة.
(1) النسائي: ج 4 / ص 95.
(2)
ابن ماجة: ج 1 / كتاب الجنائز باب 45/1567.
هل يثاب الأموات بما يقدمه الأحياء:
روي عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن أمي افتُلِتَت نفسها، وأَظنها لو تكلمت تصدقّتْ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم)(1) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له)(2) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من أهل بيت يموت منهم ميت فيتصدقون عنه بعد موته إلا أهداها له جبريل عليه السلام على طبق من نور، ثم يقف على شفير القبر العميق هذه هدية أهداها إليك أهلك فاقبلها، فيدخل عليه فيفرح بها ويستبشر، ويحزن جيرانه الذين لا يهدى إليهم شيء)(3) .
(1) البخاري: ج 1 / كتاب الجنائز باب 93/1322.
(2)
مسلم: ج 3 / كتاب الوصية باب 3/14.
(3)
مجمع الزوائد: ج 3 / ص 139.