المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني (أركان الحج) - فقه العبادات على المذهب الحنفي

[نجاح الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [المؤلفة]

- ‌الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه

- ‌تعريف بالأحكام التكليفية

- ‌تختلف الأحكام التكليفية بحسب ثبوت طلبها من الشارع وترتيب العقوبة على تركها. وهي:

- ‌ القواعد العامة في ترجيح أقوال أئمة الحنفية

- ‌[متن الكتاب]

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول [المياه، الآسار]

- ‌الفصل الأول: المياه

- ‌الفصل الثاني: الأَسْآر

- ‌الباب الثاني (قَضَاءُ الحاجَة)

- ‌الفصل الأول (سننها ومكروهاتها)

- ‌الفصل الثاني: الاستنجاء

- ‌الباب الثالث (الوُضوُءُ)

- ‌الفصل الأول: تعريفه، سببه، شروطه، حكمه

- ‌الفصل الثاني: فرائض الوضوء

- ‌الفصل الثالث: سنن الوضوء

- ‌الفصل الرابع: آداب الوضوء

- ‌الفصل الخامس: مكروهات الوضوء

- ‌الفصل السادس: نواقض الوضوء

- ‌الباب الرابع (المسح على الخفين)

- ‌الباب الخامس (الغُسْلُ)

- ‌الباب السادس (التَيَمُّم)

- ‌الباب السابع (الحَيْض والنِّفاس والاسْتِحَاضَة)

- ‌الباب الثامن (الطهارة من النجاسات الحقيقية)

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الباب الأول (مقدمات)

- ‌الباب الثاني (الأذان والإقامة)

- ‌الباب الثالث (أحكام الصلاة)

- ‌الفصل الأول: شروط الصلاة

- ‌الفصل الثاني: أركان الصلاة

- ‌الفصل الثالث: واجبات الصلاة

- ‌الفصل الرابع: سنن الصلاة

- ‌الفصل الخامس: آداب الصلاة

- ‌الفصل السادس: مكروهات الصلاة

- ‌الفصل السابع: مفسدات الصلاة

- ‌الباب الرابع [سجود السهو والشكر والتلاوة]

- ‌الفصل الأول: سجود السَّهْو

- ‌الفصل الثاني: سُجُود التِّلَاوة

- ‌الفصل الثالث: سُجُود الشّكر

- ‌الباب الخامس: الوتر

- ‌الباب السادس (صَلَاة النَّوافل)

- ‌الفصل الأول: النوافل التابعة للفرائض

- ‌الفصل الثاني: النوافل غير التابعة للفرائض

- ‌الباب السابع (صَلَاة الجَمَاعة)

- ‌الباب الثامن (الصلوات التي فرضت جماعة)

- ‌الفصل الأول: صَلَاة الجُمُعَة

- ‌الفصل الثاني: صَلاة العيدين

- ‌الباب التاسع (صلاة المُسافر وصَلَاة المَريض وصَلاة الخوف)

- ‌الفصل الأول: صَلَاة المُسَافر

- ‌الفصل الثاني: صَلاِة المريض

- ‌الفصل الثالث: صَلَاة الخوف

- ‌الباب العاشر (الجَنَائِز)

- ‌كتاب الصيام

- ‌الباب الأول [تعريفه، أقسامه، ما يستحب ويكره فيه]

- ‌الفصل الأول: تعريف الصوم

- ‌الفصل الثاني: أقسَام الصوم

- ‌القسم الأول (الصَّوْم المفرُوض)

- ‌القسم الثاني (الصَّوْم المَسْنُون)

- ‌القسم الثالث (الصَّوْم المَندوب)

- ‌القسم الرابع (الصَّوْم المَكرُوه)

- ‌الفصل الثالث [ما يستحب ويكره]

- ‌الباب الثاني (الاعتكاف)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الباب الأول [تعريفها، شروطها، الأنواع التي تجب فيها]

- ‌الباب الثاني [زكاة النعم، الزروع والثمار، النقد، العروض التجارية]

- ‌الفصل الأول: زَكاة النَّعَم

- ‌الفصل الثاني: زَكاة الزرُوع والثِّمَار

- ‌الفصل الثالث: زَكاة النّقد

- ‌الفصل الرابع: زَكاة العروض التجارية

- ‌الباب الثالث (مصارف الزكاة)

- ‌الباب الرابع (صَدقة الفِطر)

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول (تعريف الحج وشروطه)

- ‌الباب الثاني (أرْكَان الحجّ)

- ‌الباب الثالث (واجبَات الحجّ)

- ‌الباب الرابع (سُنَنْ الحّج وآدابه)

- ‌الباب الخامس [أوجه تأدية الحج، التحلل، الحج عن الغير]

- ‌الفصل الأول: أوجُه تأدَية الحَجّ

- ‌الفصل الثاني: التحلل

- ‌الفصل الثالث: الحَجّ عن الغير

- ‌الباب السادس (العمرة)

- ‌الباب السابع (الجِنايات)

- ‌الباب الثامن (الإحصار)

- ‌الباب التاسع (الهدي)

- ‌فصل في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌نهاية الكتاب

الفصل: ‌الباب الثاني (أركان الحج)

‌الباب الثاني (أرْكَان الحجّ)

.

ص: 180

الركن الأول - الإحرام:

معنى الإحرام:

لغة: هو مصدر من أَحرم، أي دخل في حرمة لا تُنتهك (أي في ذِمَّة) .

شرعاً: الدخول في حُرُمات مخصوصة؛ أي التزامها. وقد عرَّفه البعض بأنه النية مع التلبية.

حكمه: هو فرض يجمع بين الشرط والركن. فهو شرط ابتداء، لذا يصح قبلا أشهر الحج مع الكراهة. وله معنى الركن، لأنه لو فاته الحج في العام الذي أحرم فيه حَلَّ بعمرة ثم يقضي في العام القادم بإحرام جديد، ولأنه في الوقت نفسه داخل في أفعال الحج.

شروط تحقق الإحرام:

-1 - النية: وهي قصد القلب الدخول بالحج أو العمرة، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)(1) . وإذا أبهم الإحرام فلم يعين ما أحرم به جاز، لكن عليه التعيين قبل أن يَشرع في الطواف، فإن أُحصِر أو فسد إحرامه قبل التعيين صرف العمرة، ولا يصرف للحج إلا إذا عينه قبل أن يبدأ بالأفعال. ولو وقف بعرفة قبل الطواف تعين إحرامه للحج. ولو أطلق نية الحج صرف للفرض، وإن عين نفلاً صار نفلاً، إلا عند محمد إن عين نفلاً ولم يكن قد حج للفرض صرف للفرض. وبناء على هذا يجوز عند الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف أن يحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه، ولا يجوز عند الإمام محمد ولو حج عن غيره ولم يكن قد حج عن نفسه انصرفت الحَجة له.

ويستحب التلفظ بالنية وكماله أن يقول: نويت الحج وأحرمت به لله تعالى.

كما يستحب أن يقرن النية بالدعاء فيقول: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبَّلْه مني (2) . ويسن أن يذكر ما نواه أثناء التلبية، فعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لبيك عمرة وحجاً)(3) .

-2 - الذكر وهو التلبية أو ما يقوم مقامها ويسمى بالخصوصية. فلو نوى ولم يذكر لا يصير محرماً.

شروط تحقق الذكر:

-1 - أن يكون مقروناً بالنية للمرة الأولى.

-2 - أن يتلفظ به لسانه، وقيل: حتى الأخرس يلزمه تحريك لسانه، ولا يشترط أن يكون بالعربية فيصح بغيرها.

-3 - أن يكون بالصيغة التالية: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) (4) . ويكره تحريماً أن يُنقِص عن هذه الصيغة.

ويسن في التلبية:

-1 - أن يزيد على الصيغة السابقة وخاصة بالمأثور، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:"كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل"(5) . وعن أنس رضي الله عنه قال: "كانت تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لبيك حجاً حقاً تعبداً ورقاً"(6) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات، فلما قال لبيك اللهم لبيك. قال: إنما الخير خير الآخرة)(7) .

-2 - أن يرفع الصوت بها، لما روى خلاد بن السائب عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية)(8) .

-3 - أن يكررها دائماً، لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من محرم يَضْحَى لله يومه، يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمه)(9) .

ما يقوم مقام الذكر: تقليد بدنة، وهو ما يسمى بالخصوصية. ويشترط في التقليد (10) اقترانه بالنية.

(1) البخاري: ج 1 / كتاب بدء الوحي باب 1/1.

(2)

طلب التيسير لوجود المشقة وطول زمن الحج، وطلب القبول اقتداء بإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:{ربنا يقبل منا إنك أنت السميع العليم} فهما طلبا ذلك في بناء البيت، والعبادة في المساجد عمارة لها ناسبها هذا الدعاء.

(3)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 34/215.

(4)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 25/1474.

(5)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 3/21.

(6)

مجمع الزوائد: ج 3 / ص 223.

(7)

مجمع الزوائد: ج 3 / ص 223.

(8)

الترمذي: ج 3 / كتاب الحج باب 15/829.

(9)

ابن ماجة: ج 2 / كتاب المناسك باب 17/2925.

(10)

التقليد: هو ربط عنق البدنة (بقر أو جمل) ، ولا يجزئ تقليد الشاة.

ص: 181

واجبات الإحرام:

-1 - الإحرام من الميقات.

-2 - اجتناب محظورات الإحرام.

أولاً - الإحرام من الميقات:

الميقات لغة: الحدّ، وشرعاً: زمن العبادة ومكانها.

وميقات الإحرام الزماني: أشهر الحج: شوال وذو العقدة وعشر ليال من ذي الحجة. ودليله: قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} (1) .

ويجوز الإحرام في غير هذه الأشهر مع الكراهة.

وأما الميقات المكاني للإحرام فيختلف باختلاف الجهة التي يأتي منها الحاج:

-1 - بالنسبة للآفاقي (2) : يحرم الآفاقي من أحد المواقيت التالية حسب جهة قدومه:

-1 - ذو الحُلَيْفَة: وهو ميقات أهل المدينة ومن جاء منها. وبينها وبين مكة تسع مراحل، وهو أبعد المواقيت عن مكة.

-2 - الجُحْفَة: وهي ميقات أهل الشام ومصر، ومن مرّ عليهما من غير أهلهما. وقد أبدلت اليوم برابغ.

-3 - يَلَمْلَم: وهو ميقات أهل اليمن وتهامة والهند. ويلملم جبل صغير على بعد مرحلتين من مكة.

-4 - قَرْن المنازل: وهو ميقات أهل نجد والحجاز، وهو جبل مشرف على عرفات على بعد مرحلتين منه.

-5 - ذاتُ عِرْق: وهي ميقات أهل العراق وسائر أهل المشرق، وهي قرية على بعد مرحلتين من مكة، وسميت بذلك لوجود جبل فيها يسمى عِرقاً يشرف على وادي العقيق.

وهذه المواقيت لأهل الجهات ولمن مر بها أو حاذاها جواً. والأفضل للآفاقي أن يحرم دُوَيْرَة أهله إذ أن ذلك من تمام الحج.

-2 - لمن هو داخل المواقيت وخارج مكة: من حيث أنشأ الحج، أي ميقاته الحل.

-3 - لأهل مكة: الحرم.

ودليل تحديد المواقيت حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحُلَيفة، ولأهل الشام الجُحْفَة، ولأهل نجد قَرن المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم. فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمُهلُّهُ من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يُهلّون منها)(3) .

(1) البقرة: 197.

(2)

الآفاقي: هو من كان خارج المواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 9/1454.

ص: 182

حكم الإحرام لاجتياز الميقات:

-1 - إذا كان آفاقياً قاصداً مكة لنسك أو غيره، فيجب أن لا يتجاوز الميقات إلا محرماً، وإلا وجب عليه دم وكان آثماً؛ إلا أن يعود إلى الميقات فيُحرِم منه قبل أن يبدأ بالمناسك، أو يحرم من مكة ويعود إلى الميقات ملبياً.

-2 - أما لو كان آفاقياً وجاء يقصد الإقامة بجدة مثلاً، ولا يريد نُسَكاً ولا يريد دخول مكة، فله أن يتجاوز الميقات بدون إحرام ولا شيء عليه.

وأما من كان داخل الميقات فله أن يدخل مكة بدون إحرام ومتى شاء.

ثانياً - اجتناب محظورات الإحرام:

من واجبات الإحرام اجتناب محظورات الإحرام إلا الجماع فهو إن وقع مفسد للحج أصلاً إذا كان قبل الوقوف بعرفة.

ومحظورات الإحرام هي:

-1 - ما يتعلق منها باللباس:

أ - بالنسبة للرجل:

-1 - يحرم على الرجل لبس ما يحيط ببدنه، سواء نتيجة غرز أو لصق أو نسج، أو أي ثوب لبساً معتاداً كالقميص والسراويل والعمامة والقباء. لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلبس القُمُص ولا العمائم ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبِس خفين وليقطعهما أسفل الكعبين..)(1) . أما إذا لم يكن اللبس على الهيئة المعتادة، كأن ألقيت عليه عباءة وهو نائم فلا مانع. وإذا وضع العباءة على كتفيه دون أن يزرِّر أو يدخل يديه في كميها فيكره، وإن زرّر يحرم.

-2 - يحرم على الرجل لبس الخفين إلا أن لم يجد النعلين فيقطع الخفين أسفل الكعبين ثم يلبسهما للحديث المتقدم.

-3 - يحرم عليه لبس القفازين.

-4 - يحرم ستر الرأس والوجه، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه)(2)، وروي عنه أيضاً أنه كان يقول:"ما فوق الذقن من الرأس فلا يُخمره المحرم"(3) . وسواء في الحرمة تغطية بعض الوجه أو الرأس أو كله. ولا يجوز للرجل أن يحمل فوق رأسه شيئاً اعتاد الناس أن يغطوا رؤوسهم به. أما لو حمل عِدْلاً (4) فلا بأس، والمعتمد في الحرمة هو القصد.

ويكره تحريماً أن يُدخِل رأسه تحت أستار الكعبة، وإن طال لمدة يوم وليلة ففيه دم. ويكره عصب الرأس ولو فعله يوماً وليلة ففيه صدقة.

وتجوز تغطية وجه الميت ورأسه إن مات مُحرِماً لانقطاع الإحرام بالموت، بدليل ما روي عن بعض أهل العلم قوله:"إذا مات انقطع إحرامه ويصنع به كما يصنع بغير المحرم"(5) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به، أو صدقة تجري له، أو ولد صالح يدعو له)(6) . أما قوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وَقَصَته دابته: (لا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)(7) فهو مخصوص به لإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، أما غيره فقد انقطع إحرامه بالموت.

ب - بالنسبة للمرأة:

يجوز للمرأة لبس المخيط والثياب المعتادة لكن:

-1 - يحرم عليها ستر وجهها بساتر يَلْمَسُ البشرة. أما إن كان الساتر متجافياً بحيث لا يمسّ الوجه فلا مانع منه. لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين

) (8) .

-2 - يندب لها عدم لبس القفَّازين.

-2 - ما يتعلق منها بالبدن:

-1 - إزالة الشعر: فلا يصح للمحرم أن يزيل شيئاً من شعر رأسه وجسده كيفما كان حلقاً أو قصاً أو نتفاً، ولا يحلق رأس غيره ولو كان حلالاً، ولا يمكِّن غيره أن يحلق له. إلا شعرة نبتت في العين فلا شيء في إزالتها. وذلك لقوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي مَحِلَّه} (9) ، ولأن فيه إزالة الشَّعث (10)، روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الحاج؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الشَّعِث التَّفِل)(11) .

-2 - التطيب: ويقصد به استعمال الطيب في الثوب والبدن وإن لم يقصده فلا يجوز أن يستعمل طلاءً للتداوي إن كان مطيباً، ولا يغسل بصابون إن كان معطراً، ولا يلبس ثوباً مُعَصْفراً أو مُطَيَّباً، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (

ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران أو الورس) (12) . أما الثياب المبخرة فلا شيء فيها. كما يكره شمّ الطيب، لما روى البيهقي بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أنه سئل عن الريحان أيشمه المحرم، والطيب، والدهن، فقال: لا"(13) . كما لا يجوز للمحرم أن يشرب ما خالطه طيب إن كان غالباً كالقهوة مع الهيل.

-3 - الادِّهان: فلا يجوز للمحرم أن يَدْهن رأسه بزيت أو غيره فيما يستعمل للتطيَّب والتزيّن، إلا إذا كان للتداوي فيجوز. كما يجوز دهن جسمه بما ليس بطيب كالفازلين أو غيره. ويجوز أكل الزيت مطلقاً.

-4 - إزالة الأظافر: أي قطعها، ولو واحداً بنفسه أو غيره، أو قَلْمُ ظُفرِ غيره. إلا إذا انكسر بحيث لا ينمو فلا بأس بإزالته، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في المحرم: "

وإذا انكسر ظفره طرحه" (14) .

-3 - ما يتعلق بالأفعال:

-1 - الرفث: وهو الجماع، أو ذِكره وخاصة بحضرة النساء. والمحرَّم هو فعل الجماع وليس العقد، فيجوز للمحرم أن يعقد لنفسه أو لغيره. قال تعالى:{فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (15) .

-2 - الفسوق: وهي المعاصي، وتركها في غير الحج واجب وفي الحج أوجب. روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن حج هذا البيت فلم يَرْفُث ولم يفْسُق رجع كيوم ولدته أمه)(16) .

-3 - الجدال: وهو الخصومة مع الرفقاء والخدم والمُكَارين (17)، لقوله تعالى:{فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} .

-4 - صيد البر: يحرم على المحرم قتل صيد البر (18) سواء أكان مأكولاً أم لا، بدليل قوله تعالى:{أُحِلَ لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً} (19)، وقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} (20) .

ولا يجوز للمحرم أن يشير إليه ولا يدل عليه لأن الدلالة والإشارة في معنى الصيد من حيث إزالة الأمن عن الحيوان، وكذلك لا يجوز له أن يكسر بيض الحيوان لأنه أصله.

أما إذا اصطاد غير محرم فيجوز للمحرم أكله إذا لم يعنه، لما روي عن عبد الله بن أبي قتادة قال: كان أبو قتادة في نفر محرمين وأبو قتادة محل. واقتص الحديث وفيه "أنه اصطاد حمار وحش فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكله" قال: (هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء، قالوا: لا يا رسول الله. قال: فكلوا)(21) .

-5 - يحرم على المحرم قتل الهوامّ والقمل، لأن فيه إزالة الشعّث. ويجوز له قتل البراغيث والبقّ والذُّباب والحية والعقرب والفأرة والذئب والغراب والحَدَأة، لأنها ليست صيداً ولا متولدة من البدن وليس في قتلها إزالة الشّعث، ولأن منها ما هو مؤذٍ ويبتدئ بالإيذاء ولأن المحظور التعرض للحيوانات الآمنة لا دفع أذاها. ودليل ما روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(خمس فواسق يُقتَلْن في الحِلِّ والحرم: الحية والغراب الأبقع (22) والفأرة والكلب العقور (23) والحديا) (24)

-6 - يحرم على المحرم قطع شجر الحرم إلا الإِذْخر، لأنه محظور على الحلال فهو على المحرم أولى. وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حرم مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحِلَّت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها، ولا يُعْضَد شجرها ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لُقَطَتُها إلا لمعَّرف وقال العباس: يا رسول الله إلا الإِذخِرَ، لصاغتنا وقبورنا. فقال: إلا الإِذخِر) (25) .

(1) البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 20/1468.

(2)

الدارقطني: ج 2 / ص 294.

(3)

الموطأ: ص 224.

(4)

العدْل: المتاع.

(5)

الترمذي: ج 3 / كتاب الحج باب 105.

(6)

سنن الدرامي: ج 1 / ص 139.

(7)

البخاري: ج 1 / كتاب الجنائز باب 19/1206.

(8)

البخاري: ج 1 / كتاب الإحصار باب 24/1741.

(9)

البقرة: 196.

(10)

الشَّعِث: من كان ذا شعر مُغبر متلبد.

(11)

البيهقي: ج 5 / ص 58.

(12)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 20/1468.

(13)

البيهقي: ج 5 / ص 57.

(14)

البيهقي: ج 5 / ص 62.

(15)

البقرة: 197.

(16)

البخاري: ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 11/1724.

(17)

المُكَاري: المستأجر.

(18)

البري: ما كان مسكنه في البر ويعيش في البر.

(19)

المائدة: 96.

(20)

المائدة: 95.

(21)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 8/64.

(22)

أُحِل قتله لأنه يأكل الجيف ولا يؤكل لحمه.

(23)

يمثل الكلب العقور كل سبع صائل.

(24)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 9/67.

(25)

البخاري: ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 20/1736.

ص: 183

ما يباح للمحرم:

-1 - صيد البحر بكل أنواعه، لقوله تعالى:{أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة} .

-2 - ذبح الإبل والبقر والغنم لأنها ليست صيداً، ودليل ذلك ما روي عن ناجية الخزاعي رضي الله عنه صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(قلت يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من البدن. قال: انحرها)(1) .

-3 - الاغتسال لأنه قد يحتاج إليه من الجنابة، لكن يحترز من سقوط الشعر أو القمل. وقد روي عن عبد الله بن حنين أنه سأل أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم. قال:"فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه: اصبب. قال: فصب على رأسه ثم حرك أبو أيوب رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر. ثم قال: هكذا رأيته يفعل صلى الله عليه وسلم "(2) . فإن سقطت شعرة ففيها شيء من طعام، وفي ثلاث شعرات كفّ من بُرّ.

-4 - يجوز للمحرم أن يقف تحت سقف أو يستظل بظل لا يلامس رأسه، فعن أم الحصين رضي الله عنها قالت:"حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة"(3) .

-5 - يجوز له أن يشدّ وسطه بزُنّار، وأن يحمل سلاحه ويقاتل عدوه إن قاتله.

-6 - يجوز له الاختتان والاحتجام، وقلع ضرسه، أو حكّ بدنه ورأسه، أو جبر كسره. وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم)(4)، وعنه أيضاً قال في المحرم: (

ويدخل الحمام، وينوع ضرسه، ويفقأ القرحة، وإذا انكسر ظفره أماط عنه الأذى) (5) .

(1) الترمذي: ج 2 / كتاب الحج باب 71/910.

(2)

أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 38/1840.

(3)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 51/312.

(4)

أبو داود: ج 2 / كتاب الحج باب 36/1835.

(5)

البيهقي: ج 5 / ص 63.

ص: 184

سنن الإحرام:

يستحب لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة ما يلي:

-1 - أن يقلّم أظافره، ويقصّ شاربه، ويحلق عانته.

-2 - أن يغتسل ويتوضأ، لما روى خارجة بن زيد عن أبيه رضي الله عنه (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل)(1) . والمقصود بهما هنا النظافة مطلقاً، لذا يستحب للحائض والنفساء أن تغتسل وتتوضأ، لحديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال:(فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة. فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر. فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي)(2) .

-3 - أن يلبس إزاراً ورداء أبيضين جديدين أو مغسولين طاهرين، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)(3) ، ولأن رسول الله ارتدى عند إحرامه الجديد، وقال فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما:(البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم)(4) .

-4 - أن يُطَيِّب بدنَه قبل الإحرام، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:(كنت أطيِّب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم)(5)، وعنها أيضاً قالت:(كأني أرى وبيص الطيب في مَفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثة وهو محرم)(6) . أي لا يضر بقاء أثر الطيب، من لون وريح، على البدن بعد الإحرام. أما الثوب فيضر.

-5 - أن يصلي ركعتين قبل إحرامه بنية سنة الإحرام، إذا لم يكن الوقت وقت كراهة، لما روى نافع قال:"كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب، وإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل"(7) . وتجزئ عنهما الفريضة.

-6 - أن يكثر من التلبية بعد كل صلاة، وكلما علا شَرَفاً، أو هبط وادياً، أو لاقى صاحباً، أو دخل في وقت السَّحر. لما روى جابر رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي إذا رأى راكباً أو صعد أكمة، أو هبط وادياً، وفي إدبار المكتوبة، وآخر الليل) . ويستحب أن يرفع صوته بها، لما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الحج أفضل؟ قال:(العَجُّ والثَّجُّ)(8) . والعج هو رفع الصوت بالتلبية لأنه شعار الحجاج، والثّج هو إسالة الدم بالذبح لنفع أهل الحرم.

(1) الترمذي: ج 3 / كتاب الحج باب 16/830.

(2)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 19/147.

(3)

مسند الإمام أحمد: ج 2 / ص 34.

(4)

الترمذي: ج 3 / كتاب الجنائز باب 18/994.

(5)

أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 11/1745.

(6)

ابن ماجة: ج 2 / كتاب المناسك باب 18/2928. والوبيص: البريق واللمعان.

(7)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 28/1479.

(8)

الترمذي: ج 3 / كتاب الحج باب 14/827.

ص: 185

الركن الثاني - الوقوف بعرفة:

دليله: ما روي عن عبد الرحمن بن يَعْمُر الديلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه)(1) . والمعنى أنه من فاته الوقوف بعرفة في وقته فقد فات حجه، فيطوف ويسعى ويتحلل من الإحرام، ثم يقضي الحج في العام الذي يليه.

(1) ابن ماجة: ج 2 / كتاب المناسك باب 57/3015.

ص: 186

مكان الوقوف وصفته:

ليس المقصود الوقوف ذاته بل مطلق الحضور. فيصح ولو مجتازاً، أو هارباً، أو طالب غريم، أو نائماً، أو مجنوناً، أو سكران بأرض عرفة، ولو على دابة أو شجرة.

ويصح الحضور في أي موضع من جبل عرفات إلا بطن عرنة، لما روي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ووقفت ههنا، وعرفة كلها موقف)(1) . وعنه أيضاً قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل عرفة موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة)(2) .

وحَدُّ عرفة: من الجبل المشرف على وادي عرنة إلى الجبال المقابلة له، إلى ما يلي منطقة بساتين بني عامر. ويفضل للإمام أن ينزل في مسجد نمرة أولاً وبعد الصلاة ينتقل إلى الموقف.

(1) مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 20/149.

(2)

ابن ماجة: ج 2 / كتاب المناسك باب 55/3012.

ص: 186

شرطه:

يشترط أن يكون الوقوف في وقته المخصص، وهو يبدأ من زوال شمس يوم عرفة (التاسع من ذي الحجة)، ويستمر إلى طلوع فجر يوم النحر. والدليل على ذلك حديث عبد الرحمن ابن يعمر الديلي المتقدم وحديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه صلى الله عليه وسلم أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له)(1) .

والركن هو مطلق الحضور، فلو وقف ساعة بعد الزوال ثم أفاض أجزأه، لحديث عروة بن مضرس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى هذه الصلاة معنا، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه)(2) .

(1) مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 19/147.

(2)

النسائي: ج 5 / ص 264.

ص: 186

واجبه:

أن يمتد الوقوف إلى ما بعد الغروب حتى يكون أخذ قسطاً من الليل، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم)(1) ، والأمر بالمكث هنا للوجوب، فإن دفع من عرفة قبل الغروب لزمه دم. أما من وصل عرفة بعد الغروب فليس عليه دم.

ولا يشترط للوقوف بعرفة طهارة، بل يصح من المحدث والجنب والحائض والنفساء، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما حاضت:(افعلي كما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)(2) .

(1) الترمذي: ج 3 / كتاب الحج باب 53/883.

(2)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 80/1567.

ص: 186

سنن الوقوف بعرفة:

-1 - الغسل، لأنه يوم يجتمع فيه الناس. وقيل الوضوء سنة والغسل مستحب. لما روي عن عبد الرحمن بن يزيد قال:"اغتسلت مع ابن مسعود يوم عرفة تحت الأراك"(1) .

-2 - الإكثار من التلبية والتهليل، ولا يترك التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، بعد طلوع شمس يوم النحر، لما روي عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبّى حتى رمى جمرة العقبة)(2) .

-3 - الإكثار من الدعاء جهراً مع الاجتهاد والإلحاح في المسألة، لحديث طلحة بن عبيد الله ابن كريز رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)(3) .

وزاد البيهقي في رواية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل لي في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر. اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر)(4) .

-4 - يسن القيام أثناء الدعاء مستقبلاً القبلة وبخشوع، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل شيء سيداً وإن سيد المجلس قبالة القبلة)(5) .

-5 - يسن للحاج أن يُفْطر يوم عرفة، لأن الفطر أعون له على الدعاء، بخلاف غيره فيسن له الصوم. لما روت أم الفضل رضي الله عنها قالت:"شك الناس يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فبعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشراب فشربه"(6) .

-6 - النزول في مسجد نمرة بعد الزوال، حيث يجتمع الحجاج مع الإمام الأعظم أو نائبه.

-7 - يسن للإمام خطبتان بعد الزوال قبل صلاة الظهر كخطبتي الجمعة، يعلم فيهما الناس المناسك. وإن خطب قبل الزوال أجزأه مع الكراهة لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عرفة وقال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام

) (7) .

-8 - يسن للإمام أن يجمع صلاة الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان وإقامتين، لحديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم:(ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً)(8) . ويسر بالقراءة، ولا يفصل بين الصلاتين بشيء من السنن كما في الحديث، بل يقيم للظهر ويصليه ويقيم للعصر ويصليه. ويقصر الإمام إن كان مسافراً.

أما إذا صلى الحجاج في رحلهم فلا يجمعوا، بل يصلوا الظهر في وقته والعصر في وقته عند الإمام، وعند الصاحبين يجمعوا. ودليل الإمام أن الجمع صح على خلاف الأصل، فلا يجوز إلا بشروطه، وشروط الجمع هي:

-1 - الإحرام بالحج.

-2 - الحضور بعرفة.

-3 - أن تكون الصلاة جماعة.

-4 - أن يقيم الصلاة الإمام الأعظم أو نائبه.

-9 - يسن للحاج الوقوف مع الإمام الأعظم عند الصخرات قرب جبل الرحمة، مستقبلاً القبلة، ويتوجه للدعاء ولا يقطعه إلا بالتلبية ثم يعود إليه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى جابر رضي الله عنه في صفة حجه صلى الله عليه وسلم:(حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس)(9) .

وينبغي للحاج أن يجتهد في الدعاء، فيدعو بما يحفظه أو يقرؤه، لما ورد في فضيلة الدعاء يوم عرفة وإجابة الدعاء فيه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عبداً فيه من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء؟)(10) . ومن الأدعية الواردة في هذا اليوم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يا رفيع الدرجات، يا منزل البركات، يا فاطر الأرضين والسماوات ضجّت إليك الأصوات تسألك الحاجات وحاجتي أن ترحمني في دار البلاء إذا نسيني أهل الدنيا. أسألك أن توفقني لما افترضت عليّ وأن تعينني على طاعتك وأداء حقك وقضاء المناسك، التي أريتها خليلك إبراهيم، وعلمت عليها حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم لكل متضرع إليك إجابة، ولكل مسكين لديك رأفة، ولقد جئتك متضرعاً إليك مسكيناً لديك، فاقض حاجتي واغفر ذنوبي ولا تجعلني من أخيب وفدك، وقد قلتَ وأنت لا تُخلف الميعاد: ادعوني أستجب لكم، وقد دعوتك متضرعاً سائلاً. فأجب دعائي وأعتِقني من النار ووالدي وجميع المسلمين والمسلمات برحمتك يا أرحم الراحمين".

ويستحب أن يقول عند الغروب قبل الإفاضة: "اللهم لا تجعله آخر العهد بهذا الموقف، وارزقنيه ما أبقيتني، واجعلني اليوم مُفلحاً مرحوماً مستجاباً دعائي، مغفورة ذنوبي، يا أرحم الراحمين".

-10 - تسن الإفاضة بعد غروب الشمس مع الإمام، لما روى ميسرة الأشجعي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنه حج معه حتى وقف بعرفات

ثم قال: "لقد كان المشركون لا يفيضون من عرفات حتى تعمم الشمس في الجبال فتصير في رؤوسها كعمائم الرجال في وجوههم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يفيض حتى تغرب الشمس"(11) . وعن جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل في صفة حجه صلى الله عليه وسلم: (فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام" (12) . ولا يجوز الدفع قبل الإمام حتى تغرب الشمس، أما التأخر بعد الغروب لزحمة فجائز.

-11- أن يكثر من الاستغفار عند الإفاضة لقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} (13) .

وأن يمشي على هينته، لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يا أيها الناس عليكم السكينة)(14) .

(1) مجمع الزوائد: ج 3 / ص 253.

(2)

أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 28/1815.

(3)

البيهقي: ج 5 / ص 117.

(4)

البيهقي: ج 5 / ص 117.

(5)

مجمع الزوائد: ج 8 / ص 59، رواه الطبراني.

(6)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 84/1575.

(7)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 19/147.

(8)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 19/147.

(9)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 19/147.

(10)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 79/436.

(11)

مجمع الزوائد: ج 3 / ص 255.

(12)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 19/147.

(13)

البقرة: 199.

(14)

الترمذي: ج 2 / كتاب الحج باب 54/885.

ص: 186

الركن الثالث - الطواف بالبيت أربعة أشواط:

ويسمى طواف الركن لأنه الركن الثاني من أركان الحج، كما يسمى طواف الإفاضة لأن الحاج يفعله بعد إفاضته من منى إلى مكة. ويسمى أيضاً طواف الزيارة لأن الحاج يأتي من منى فيزور البيت ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى.

ومن ترك طواف الإفاضة ظل على إحرامه، ولا يحل له قربان النساء أبداً، وكلما جامع لزمه دم إذا تعدد المجلس، إلا أن يقصد الرفض (1) .

(1) الرفض: أي أن يقول رفضت إحرامي، عندها لو جامع في عدة مجالس لا يجب عليه غير دم واحد. إلا أنه يبقى محرماً باعتبار الشارع لأنه لا يخرج من إحرامه إلا بتمام أفعال الحج وهو طواف الركن.

ص: 187

دليل فرضيته:

قوله تعالى: {وليَطوَّفوا بالبيت العتيق} (1) .

وحديث عائشة رضي الله عنها أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(أحابسَتُنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت. قال: فلا إذاً)(2) .

(1) الحج: 29.

(2)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 144/1670.

ص: 187

وقته:

أ - أول وقته: طلوع فجر يوم النحر، وذلك لقوله تعالى:{فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} - يعني الأضحية - ثم قال: {وليطوفوا بالبيت العتيق} (1) . فجمع بين الذبح والطواف فكان وقتهما واحداً. ولو طاف قبل يوم النحر أعاد.

ب - آخر وقته: حتى آخر العمر. إلا من مات بعد الوقوف بعرفة وقبل الطواف، وأوصى بإتمام الحج، فيجبر عنه بَبَدنة ويُقبل حجه. ولو لم يوص صح حجه ولا شيء عليه.

جـ - وقته الواجب: أيام النحر. ويجزئ عنه أي طواف تطوعٍ بعد الوقوف بعرفة، فلو أخّره بدون عذر إلى ما بعد أيام النحر فعليه دم، إلا إن كانت حائضاً فتؤخره لعذر الحيض وليس عليها دم. ما لم تكن طهرت قبل غروب الشمس من ثالث أيام النحر بوقت يسع طهورها وطوافها أربعة أشواط، أو حاضت بعد دخول يوم النحر بوقت يسع ذلك ولم تَطُف، فيلزمها دم.

د - وقته المكروه تنزيهاً: تأخيره عن أول يوم النحر.

(1) الحج: 29.

ص: 187

شروط صحة الطواف:

-1 - الإسلام.

-2 - الإحرام.

-3 - أن يكون قد وقف بعرفة قبله.

-4 - أن يكون الطواف حول البيت بنيته، فلو طاف يسعى وراء غريم لم يصح.

-5 - فعله في وقته.

-6 - أن يباشر الطواف بنفسه، فلا تصح فيه النيابة إلا للمغمى عليه.

-7 - أن يكون الطواف حول الكعبة داخل المسجد ما لم يخرج عن الحرم.

ويجوز الطواف في هواء المسجد، وعلى سطحه ولو مرتفعاً عن البيت. ولا بأس بالحائل بين الطائف والبيت.

واجباته:

-1 - ستر العورة: فلو كشف ربع العضو فأكثر وجب عليه دم، بدليل ذلك ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع، يوم النحر، في رهط، يؤذن في الناس:(ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)(1) .

-2 - الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)(2)، وروي عنها أيضاً في صفة حجه صلى الله عليه وسلم:(أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت)(3) . ولو طاف جنباً وجب عليه بَدَنة وصح طوافه (4) ، أما لو طاف مُحدِثاً وجب عليه شاة. وكذا الطهارة من النجاسة في الثوب والبدن والمكان، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه)(5) . وإذا انتقض وضوؤه جدده، وبنى على طوافه الأول.

-3 - أن يطوف ماشياً إلا لعذر، من مرض شديد أو غيره، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي. فقال: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)(6) . ولو طاف راكباً لغير عذر وجب عليه أن يعيد الطواف ما دام بمكة، فإن غادرها قبل أن يعيد فعليه دم. أما ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه طاف في حجة الوداع على بعير (7) ، فمحمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان مريضاً مُسِناً.

-4 - التيامن، بأن يطوف عن يمين البيت، جاعلاً البيت عن يساره، ماراً تلقاء وجهه. وهو واجب لأن الكعبة كالإمام والطائف كالمؤتم بها والواحد يقف عن يمين الإمام، ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه، ثم مضى على يمينه)(8) . ولو تركه أعاد ما دام بمكة، فإن لم يُعِد وجب عليه دم.

-5 - الابتداء من الحجر الأسود في كل شوط، فلو بدأ من غيره لم يُحسب له ما طاف قبله. ويجب أن يبدأه قبل الحجر بقليل ليكون ماراً بكل جسده حول الحجر.

-6 - أن يكون الطائف خارجاً بجميع بدنه عن جميع البيت، ويُعتبر الشاذروان من البيت وكذا، حِجْر سيدنا إسماعيل، وهو الحطيم لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:(سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجَدْر أمن البيت هو؟ قال: نعم)(9)، وفي رواية مسلم أنه قال:(وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة)(10) .

-7 - إتمام الطواف إلى سبعة أشواط من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، فإن ترك شيئاً من السبع لم يجزئه عن الواجب، بدليل حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:(قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين)(11) . ولو طاف شوطاً ثامناً متعمداً لزمه تتمة السبع، لأن طوافه صار لازماً بالشروع. ولو شك في عدد الأشواط لا يبني على الأقل في طواف الركن والواجب بل يعيد الأشواط، أما في طواف السنة فيبني على الأقل، لأنه مبني على التوسعة. وقيل إن كان كثير الشك يتحرى، فإن أخبره عدل صدقه ويستحب أن يأخذ بقوله ولو أخبره عدلان وجب العمل بقولهما.

-8 - أن يتمّ طوافه في وقته الواجب، وهو أيام النحر، فلو أخره عنها لغير عذر لزمه دم.

-9 - أن يصلي ركعتين بعد كل طواف خلف مقام إبراهيم عليه السلام أو في أي مكان من المسجد ثم في الحرم، ثم لا فضيلة بعد الحرم بل الإساءة. ويفضل أن يقرأ فيهما بـ الكافرون والإخلاص، وذلك اقتداء لفعله صلى الله عليه وسلم، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حجه صلى الله عليه وسلم: (

حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً. ثم قام إلى مقام إبراهيم فقال: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} . فجعل المقام بينه وبين البيت - فكأن أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ في الركعتين قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد..) (12) .

ويستحب أن يدعو بعد الركعتين بالدعاء المأثور: "اللهم إنك سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سُؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي. اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما قسمت لي".

ولو صلى أكثر من ركعتين جاز، ولا تجزئ الصلاة المكتوبة ولا المنذورة عنهما.

وتكره صلاة ركعتي الطواف في وقت الكراهة بخلاف الطواف، فلو طاف بعد العصر يؤخر ركعتي الطواف إلى ما بعد صلاة المغرب قبل السنة. ولا تنعقد ركعتا الطواف في ثلاثة من الأوقات المنهي عنها: عند طلوع الشمس، وعند الاستواء، وعند الغروب. وتنعقد مع الكراهة بعد الفجر والعصر.

ويصلي لكل سبعة أشواط ركعتين، ويكره أن يجمع إلا إذا طاف وقت الكراهة، فإنه يؤخر الصلاة ويطوف طوافاً آخر وبعد زوال وقت الكراهة يصلي ما وجب عليه من ركعات الطواف. وإن جمع في غير ذلك جاز مع الكراهة.

(1) البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 66/1543.

(2)

البخاري: ج 1 / كتاب الحيض باب 7/299.

(3)

البيهقي: ج 5 / ص 86.

(4)

وكذا لو حاضت المرأة، وهمَّ الركب بالرحيل، وعليها طواف الزيارة، تطوف وتكون آثمة بدخولها المسجد وهي حائض، فتذبح بَدَنة.

(5)

الترمذي: ج 3 / كتاب الحج باب 112/960.

(6)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 73/1552.

(7)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 57/1530.

(8)

البيهقي: ج 5 / ص 90.

(9)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 41/1507.

(10)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 69/401.

(11)

البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 71/1547.

(12)

ابن ماجة: ج 2 / كتاب المناسك باب 84/3074.

ص: 187

سنن الطواف:

-1 - أن يستقبل البيت أول طوافه، فيقف مستقبلاً الحجر الأسود، بأن يجعل منكبه الأيمن عند طرف الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني، وينوي الطواف، ثم يمر مستقبلاً ومحاذياً ببدنه الحجر الأسود إلى أن يصير طرف الحجر الذي إلى جهة باب الكعبة محاذياً منكبه الأيسر، ثم ينتقل جاعلاً البيت عن يساره متوجهاً إلى جهة الباب.

-2 - أن يسلم الحجر بيده في ابتداء الطواف، فيضع كفّيه على الحجر الأسود ويسجد عليه ويقبله لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبله وسجد عليه ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت"(1)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"قَبَّل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أما والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"(2) . ويستحب أن يكرر ثلاثاً، وأن يستلم في ابتداء كل شوط وفي ختم الطواف وقبل ركعتي الطواف، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:(كان رسول الله لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة. قال: وكان عبد الله بن عمر يفعله)(3) .

فإن عجز عن الاستلام والتقبيل أشار بيده، لما روي عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن)(4) .

وكذا يسن استلام الركن اليماني بلا تقبيل عند الإمام محمد.

ولا يسن للنساء استلام ولا تقبيل إلا عند خُلوِّ المطاف.

ويسن أن يقول عند الاستلام: "اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم "، لما روي عن علي رضي الله عنه أن كان يقول إذا استلم الحجر:"اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم "(5) .

-3 - أن يقول قبالة الكعبة: "اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار. مشيراً إلى مقام إبراهيم عليه السلام".

وعند الركن اليماني يقول: "اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وعملاً مقبولاً وتجارة لن تبور، يا عزيز، يا غفور".

ويقول بين الركنين: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"(6) .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: احفظوا هذا الحديث وكان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان يدعو بين الركنين: (رب قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه، واخلف عليّ كل غائبة لي بخير)(7) .

ويقول أثناء الطواف: "اللهم إني أعوذ بك من الشِّرك والشك والنفاق والشِّقاق وسوء الأخلاق وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد".

وتحت الميزاب: "اللهم أظلَّني تحت ظل عرشك يوم لا ظلّ إلا ظِلك".

ويسن الإكثار من الدعاء ورفع الأيدي في جميع الطواف، ومأثور الدعاء أفضل.

-4 - يسن الرَّمَل (8) للرجل في الطوفات الثلاث الأولى إذا أعقب الطواف سعي. ويسن المشي على الهينة في الأربع الأخيرة، وأن يقول أثناء الرمل:"اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وعملاً مقبولاً وتجارة لن تبور، يا عزيز، يا غفور". وذلك لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب. قال المشركون: إنه يقْدم عليكم غداً قوم وهنتهم الحمى ولَقُوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحِجْر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جَلَدَهم فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا)(9) .

-5 - يسن الاضطباع للرجل والصبي، في طواف يسن فيه الرمل، وذلك بأن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر. ولا يسن الاضطباع في ركعتي الطواف. ودليل ذلك ما روى؟ يعلى؟ رضي الله عنه قال:(طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً ببرد أخضر)(10) .

أما المرأة فلا ترمل ولا تضطبع.

-6 - الموالاة بين أشواط الطواف، فلا يقطع الطواف إلا لضرورة، فإن عرضت له حاجة ضرورية قطع الطواف فإذا عاد بنى على ما مضى، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يطوف بالبيت فلما أقيمت الصلاة صلى مع الإمام ثم بنى على طوافه، وكذا إذا أحدث في الطواف أو حضرت جنازة صلى جنازة صلى عليها ثم يبني على طوافه.

-7 - يسن الاقتراب من البيت للرجل لأنه أيسر في الاستلام والتقبيل، إلا أن يؤدي إلى الأذى فالبعد أولى.

-8 - تُسن الموالاة بين الطواف وصلاة الركعتين، ويكره تأخيرها عنه إلا في حالة الوقت المكروه.

-9 - يسن عدم الكلام إلا في خير كتعليم جاهل أو غير ذلك، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(من طاف بالبيت سبعاً، ولا يتكلم إلا بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، محيت عنه عشر سيئات وكتبت له عشر حسنات، ورفع له بها عشرة درجات)(11) .

ويكره في الطواف الأكل والشرب ووضع اليد على فيه بلا حاجة، وأن يشبك بين أصابعه، وليكن طوافه بحضور قلب ولزوم أدب.

(1) البيهقي: ج 5 / ص 74.

(2)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 41/248.

(3)

أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 48/1876.

(4)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 42/257. والمحجن: القضيب.

(5)

البيهقي: ج 5 / ص 79.

(6)

أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 52/1892.

(7)

المستدرك: ج 1 / ص 455.

(8)

الرمل: هو المشي بسرعة مع تقارب الخُطَا وهزّ الكتفين.

(9)

مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 39/240.

(10)

أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 50/1883.

(11)

ابن ماجة: ج 2 / كتاب المناسك باب 32/2957.

ص: 187

مندوبات الطواف:

-1 - استلام الركن اليماني دون تقبيل.

-2 - يستحب أن يأتي زمزم بعد الركعتين.

-3 - أن يقف عند المُلْتَزم قبل الخروج للسعي، وقيل يلتزم قبل الصلاة ثم يصلي ثم يأتي زمزم وبعدها يعود لاستلام الحجر الأسود إن أراد السعي فيهلل ويكبر ثم يخرج للسعي. لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنه كان يلزم ما بين الركن والباب وكان يقول ما بين الركن والباب يدعى الملتزم لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه"(1) .

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: "طفت مع عبد الله، فلما جئنا دُبُر الكعبة قلت: ألا تتعوَّذ، قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره، ووجهه، وذراعيه، وكفيه هكذا، وبسطهما بسطاً، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل"(2) .

(1) البيهقي: ج 5 / ص 164.

(2)

أبو داود: ج 2 / كتاب الحج باب 55/1899.

ص: 187