الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث (مصارف الزكاة)
.
حدّد الله تعالى الأفراد الذين يستحقون صرف الزكاة إليهم في ثمانية أصناف، وذلك في قوله تعالى:{إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل} (1) .
وللمالك أن يعطي جميع الأصناف أو يقتصر على صنف واحد؛ لأن الزكاة حق الله تعالى، وهو الآخذ الفعلي لها، قال تعالى:{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} (2)، وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله:"إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل. ثم قرأ عبد الله: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات"(3) .
وقد استثني من الأصناف الثمانية المؤلفة قلوبهم وذلك بإجماع الصحابة قالوا: إن الله عز وجل أعز الإسلام فلا حاجة لتأليف القلوب عليه فقد انتهى الحكم بانتهاء علته.
(1) التوبة: 60.
(2)
التوبة: 104.
(3)
مجمع الزوائد: ج 3 / ص 111، رواه الطبراني في الكبير.
شرح الأصناف السبعة:
-1 - الفقير (1) : وهو الذي يملك شيئاً قليلاً لا يكفيه؛ أي الذي يملك ما لا يبلغ نصاباً، أو يملك نصاباً غير نامٍ مُسْتَغْرَقَاً في حوائجه (كثمن داره التي يسكنها، أو مصروفه) ولو كان صحيحاً مكتسباً. أما إن كان يملك نصاباً غير نامٍ غير مستهلكٍ فلي حوائجه الأصلية فلا يجوز إعطاؤه من مال الزكاة ولا يجب عليه دفع الزكاة، بل تجب عليه صدقة الفطر والأضحية.
-2 - المسكين: وهو أدنى حالاً من الفقير، فهو الذي لا شيء له، قال تعالى:{أو مسكيناً ذا مَتربة} (2) . وروي عن الإمام أبي حنيفة قوله الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل.
-3 - العامل عليها: وهو الموظف على جبايتها وتوزيعها من قبل الإمام (3) ، ولو هلك مال الزكاة في يده سقط حقه في الأجر. ويجوز للعامل ولو كان غنياً لأنه فرغ نفسه لهذا العمل فيأخذ عوض عمله ما يكفيه وأعوانه بشرط أن لا يتجاوز ذلك نصف ما جبى.
-4 - الرقاب: وهم المكاتبون مكاتبة صحيحة فيعطون ما يعينهم على العِتق.
-5 - الغارم: وهو المديون الذي لا يملك لدينه وفاء، والدفع إليه أفضل منه للفقير.
-6 - في سبيل الله: وهم المنقطعون من الغزاة، أي الذين عجزوا عن اللحوق بجيش الإسلام لفقرهم بهلاك النفقة أو الدابة أو غيرهما فتحل لهم الزكاة.
-7 - ابن السبيل: هو المنقطع عن أهله، البعيد عن ماله، فيعطي من الزكاة ما يوصله إلى أهله أو ماله.
(1) الفقر شرط في جميع الأصناف إلا العامل والمكاتب وابن السبيل.
(2)
البلد: 16.
(3)
أما جُباة الجمعيات فيشترط فقرهم.
الذين لا يجوز دفع الزكاة إليهم:
-1 - بنو هاشم ومواليهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:(إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)(1)، ولما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابني عمه:(لا يحل لكما أهلَ البيت من الصدقات شيء ولا غُسالة أيدي الناس، إن لكم في خمس الخُمُس لما يغنيكم أو يكفيكم)(2) .
وقد روى أبو عصمة عن الإمام أنه يجوز الدفع إلى بني هاشم في زمانه لأن عوضها وهو خمس الخمس لم يصل إليهم.
-2 - الأغنياء: لما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَحِلّ الصدقة لغني ولا لذي مِرّة سوي)(3) . كما لا تحلّ لولد الغني الصغير (دون البلوغ) ولا إلى ابنه الكبير المُقْعَد؛ أي الذي فرضت نفقته على أبيه (أما إذا كان قبل فرض نفقته فيجوز أن يعطى) ، ولا إلى مملوكه، لأنهم أغنياء بغناه. بخلاف ولد الغني الكبير وزوجته وأبيه إن كانوا فقراء، فمن الأَوْلى جميع الأقارب الذين تجب نفقتهم على الغني إن كانوا فقراء فلا يعتبرون أغنياء بغناه.
والغني في الشرع ثلاث مراتب:
-1 - غني يحرم عليه السؤال، ويحلّ له أخذ الزكاة: وهو أن يملك قوت يومه وستر عورته، أو كان صحيحاً مكتسباً، لما روى سهل بن الحنظلية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار. فقالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه)(4) .
-2 - غني يحرم عليه السؤال والأخذ، ويوجب عليه صدقة الفطر والأضحية: وهو أن يملك نصاباً غير نامٍ عن حوائجه الأصلية.
-3 - غني يحرم عليه السؤال والأخذ، ويوجب عليه صدقة الفطر والأضحية والزكاة: وهو أن يملك نِصاباً كاملاً نامياً.
-3 - غير المسلمين: فلا يجوز دفع الزكاة إلى ذميّ أو حَرْبي، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن قال له:(فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)(5) .
أما الصدقات النافلة فيجوز أن تُدفع للذميّ بخلاف النذور والكفارات فلا يجوز دفعها عند أبي يوسف إلا لمسلم كالزكاة.
-4 - فروع المُزكّي وأصوله كالأب والجد والأم والجدة، من الجانبين، والولد وولد الولد وإن سَفل. ويجوز إعطاؤها إلى من سوى ما ذكر كالأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات الفقراء، بل هم أولى لما فيه من الصلة مع الصدقة.
-5 - زوجة المُزكي اتفاقاً، فلا يجوز للزوج أن يدفع زكاة ماله لزوجته لوجوب نفقتها عليه. واختُلِف في جواز دفع الزوجة زكاة مالها لزوجها فعند الإمام لا يجوز أن تدفع الزوجة زكاة مالها لزوجها ولو كان فقيراً، لأنه يعود بالنفع عليها، وهو القول المعتمد. وعند الصاحبين يجوز، وذلك لما روي عن زينب. فقال:(أي الزيانب؟ فقيل امرأة ابن مسعود. قال: نعم، ائذنوا لها. فأُذِن لها. قالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقتِ به عليهم)(6) .
(1) مسلم: ج 2 / كتاب الزكاة باب 51/168.
(2)
مجمع الزوائد: ج 3 / ص 91، رواه الطبراني في الكبير.
(3)
أبو داود: ج 2 / كتاب الزكاة باب 23/1634.
(4)
أبو داود: ج 2 / كتاب الزكاة باب 23/1629.
(5)
مسلم: ج 1 / كتاب الإيمان باب 7/31.
(6)
البخاري: ج 2 / كتاب الزكاة باب 43/1393.
تعقيبات:
- إذا دفع المكلف الزكاة لرجل ظنه مستوفياً للشروط فقيراً أو مسكيناً، ثم تبين له خلاف ذلك، جاز وصحت الزكاة عند الإمام خلافاً لأبي يوسف، ودليل ذلك ما روي عن معن رضي الله عنه قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:(لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن)(1) .
- لا يجوز دفع الزكاة لبناء مسجد أو إصلاح شارع، ولا يقضى بها دين عن ميت، ولا يُغسل منها ولا يُكفن.
- ما يأخذه البغاة (2) يسقط الخراج ولا يسقط الزكاة، لأنهم لا يصرفونها في مصارف الزكاة.
(1) البخاري: ج 2 / كتاب الزكاة باب 14/1356.
(2)
البغاة: هم الذين خرجوا على الإمام واستولوا على السلطة.