الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلتُ: والأمرُ عندي أنَّ القطعَ أوَّلًا، كان في ثمن المِجَنِّ، كما في الحديث الآتي عند البخاريِّ، وغيرِه، عن عائشةَ:«أنَّ يدَ السارق لم تُقْطَع على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا في ثمن مِجَنَ»
…
إلخ. وكان المسلمون في أوَّل أمرهم في العُسْرَةِ، فكان المِجَنُّ يساوي ثلاثةَ دراهم. حتَّى إذا جاء اللهُ لهم بالسَّعَة والفراغ، ازداد ثمنُه أيضًا، فبلغ إلى عشرة دراهم، كما هو عند النسائيِّ، عن ابن عبَّاسٍ:«كان ثمن المِجَنِّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوَّم عشرةَ دراهمٍ» . وكذا عند أبي داود، عن عطاء، عن ابن عبَّاسٍ قال:«قطع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدَ رجلٍ في مَجَنَ قيمتُه دينارٌ، أو عشرةُ دراهم»
(1)
اهـ.
فدلَّ على أنَّ الأصلَ عندهم في نصاب السرقة، كان هو المِجَنُّ، وإنَّما تدرَّج
(2)
نِصَابُه من ثلاثة إلى خمسةٍ وعشرةِ، بتدرُّج قيمة المِجَنِّ. وإذن انجلى الوجهُ، فلا أقولُ بالنسخ، ولكن أقولُ: إنَّ الأمرَ استقرَّ آخرًا على كون النصاب عشرةَ دراهمٍ. وقد سلك الطحاويُّ فيه مسلك التعارض، فتركتُه أيضًا، وأقررتُ أنَّ كلَّ ما رُوِي في الأحاديث ثابتٌ بلا ريبٍ، إلَّا أنَّ آخرَ الأمر ما قلنا.
وهكذا فعلتُ في حدِّ الخمر، ومسألة المهر. فلا بُعْدَ أن يكونَ المهرُ في ابتداء الإِسلام نحو خاتم حديدٍ، إذا كان الناسُ صعاليكَ، ليس عندهم دينارٌ، ولا درهمٌ، فلمَّا جاءهم اللهُ بالسَّعَة، استقرَّ الأمرُ على عشرة دراهمٍ واللَّهُ تعالى أعلمُ، وعلمُه أحكمُ.
15 - باب تَوْبَةِ السَّارِقِ
6800 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ يَدَ امْرَأَةٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَتْ تَأْتِى بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَتَابَتْ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا. أطرافه 2648، 3475، 3732، 3733، 4304، 6787، 6788 - تحفة 16694
6801 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِىُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضى الله عنه - قَالَ بَايَعْتُ
(1)
وراجع له "الجوهر النقي"، من: ص 179، وص 180، وص 181 - ج 2 وهو مهمٌّ، وتكلَّم الشيخُ أيضًا في أيمن، وأمِّ أيمن في تقرير الترمذيّ.
(2)
قلتُ: فهو إذن كالتدرج في أمر الدِّيَةِ، كما أخرج أبو داود، والنَّسائي، عن عمرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جده، قال:"كان يقوِّم دِيَةَ الخطأ على أهل القرى -إلى أن قال-: ويقوِّمُها على أثمان الإِبل. فإذا غَلَت، رَفع في قيمتها. وإذا هَاجَت رَخِصًا، نَقَصَ من قيمتها". وفي روايةٍ أخرى عند أبي داود بهذا الإِسناد: "أنَّ عمر لما اسْتُخْلِفَ، قام خطيبًا، فقال: إنَّ الإِبلَ قد غَلَت. قال: فَفَرَضَها عمرُ على أهل الذهب ألفَ دينارٍ، وعلى أهل الوَرِقِ اثني عشر ألفًا
…
" إلخ، فهذا نظيرُ ما ذكره الشيخُ في نِصَاب السرقة. ثم رأيتُ في تقرير الترمذيّ عندي أن الشيخَ كان قاله بعينه.
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى رَهْطٍ، فَقَالَ «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِى فِى مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِى الدُّنْيَا فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِذَا تَابَ السَّارِقُ بَعْدَ مَا قُطِعَ يَدُهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَكُلُّ مَحْدُودٍ كَذَلِكَ إِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. أطرافه 18، 3892، 3893، 3999، 4894، 6784، 6873، 7055، 7199، 7213، 7468 - تحفة 5094
والتوبةُ: الكفُّ عن المعصية. والاستغفارُ: طلب الغفران. فَيَقْتَصِرُ الأوَّل على من اقترفَ ذنبًا، بخلاف الثاني، فإنَّه يكون لنفسه، ولغيره، وقد مرَّ. وكذا التوبةُ لا تجامع الذنب، بخلاف الاستغفار، فإنَّه يُجَامِعُه، فإنه يتمكَّنُ أن يأتي بذنبٍ، وهو يستغفرُ أيضًا، ويمكن أن ينفع له أيضًا. أمَّا التوبةُ، فهي ضِدُّه، فلا يُجَامِعُه. والله تعالى أعلم.
***