الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (يُقِيمُ ذَلِكَ الحَكَمُ - أي المُنْصِفُ العَادِلُ - من الأَمَةِ العَذْرَاءِ بِقَدْرِ ثَمَنِهَا) وهذا هو الأَرْش.
قوله: (ويُجْلَدُ) الزاني هذا إذا كان غيرُ مُحْصَنٍ، وإلا فَيُرْجَم، أَوْ تكونُ المسألةُ عندَهُ في الأمةِ المَزْنِية، هي هذه، أي لا يكونُ الرَّجْمُ واجبًا على مَنْ زَنَى بها، ويُمكِنُ أنْ يكونَ المرادُ منه أقلَّ ما يجبُ عليه، وهو الجَلَد.
قوله: (ولَيْسَ في الأَمَةِ الثَّيِّبِ في قَضَاءِ الأَئِمَّةِ غُرْمٌ) أي في حُكْم العُلماء.
7 - باب يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ أَخُوهُ، إِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ نَحْوَهُ
وَكَذلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ، فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ المَظَالِمَ، وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ المُظْلُومِ فَلَا قَوَدَ عَلَيهِ وَلَا قِصَاصَ. وَإِنْ قِيلَ لَهُ: لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيتَةَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَينٍ، أَوْ تَهَب هِبَةً، وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ في الإِسْلَامِ، وَسِعَهُ ذلِكَ، لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ» .
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَوْ قِيلَ لَهُ لتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيتَةَ، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ ابْنَكَ أَوْ أَبَاكَ، أَوْ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، لَمْ يَسَعْهُ، لأَنَّ هذا لَيسَ بِمْضْطَرّ، ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ: إِنْ قِيلَ لَهُ: لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوِ ابْنَكَ أَوْ لَتَبِيعَنَّ هذا العَبْدَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَينٍ أَوْ تَهَبُ، يَلزَمُهُ في القِيَاسِ، وَلكِنَّا نَسْتَحْسِنُ وَنَقُولُ: البَيعُ وَالهِبَةُ، وَكُلُّ عُقْدَةٍ في ذلِكَ بَاطِلٌ. فَرَّقُوا بَينَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ وَغَيرِهِ، بِغَيرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاِمْرَأَتِهِ: هذهِ أُخْتِي، وَذلِكَ في اللَّهِ». وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِذَا كَانَ المُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا فَنِيَّةُ الحَالِفِ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَنِيَّةُ المُسْتَحْلِفِ.
6951 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ» . طرفه 2442 - تحفة 6877
6952 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» . فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» . طرفاه 2443، 2444 - تحفة 1083 - 29/ 9
قوله: (وإنْ قِيلَ لَهُ: لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيْتَةَ، إلى قوله: أو تَحُلُّ عُقْدَةً)، وهذه ستةُ أَشْياءَ عَدِيل واحد، وعَدِيلُه الآخر قوله: {أو لنقتلن أباك أو أخاك أو لنقتلن أباك، أو أخاك. وحاصله:
أَنِ أُكْرِهَ على هذه الأشياء، وهَدَّدَهُ بقتلِ الأبِ، أَوْ أَخٍ في الإِسلامِ، فهو مُكْرَهٌ عند المصنف.
قُلنا: إِنَّه ليس بإِكْرَاهٍ، ولَكِنَّه بابٌ آخر، فإِنَّ حِفْظَ دمِ امْرِىءٍ مسلمٍ واجبٌ في كلِّ أَوَانٍ.
- قوله: (يَلْزَمُهُ في القِيَاسِ) أي يكونُ البيعُ لازمًا، ولا يكونُ موقوفًا، فكان الإِكْرَاه غيرَ معتبرٍ فيه، وإن كان الاسْتَحْسَانُ يُوجِبُ اعتبارَهُ وبُطْلانَ البيعِ، ثُمَّ الإِكْرَاهُ عِنْدَنا لا يكونُ إلا إذا أَوْقَع بقتْلِه، أو بِقَتْلِ أَقَارِبِهِ، أَمَّا إذا هَدَّدَ بِقَتْلِ أَجْنَبيّ فليس بإِكْرَاهٍ، والبُخاريُّ يُسَوِّي الأقارب والأخ في الإِسلام
(1)
.
(1)
قلتُ: تَفْصِيلُ المَقَامِ بحيثُ يَنْحَلُّ به المَرَامُ، أَنَّ الإِكْرَاه عندنا على نَحْوَيْنِ. مُلجىءٌ، وغيرُ ملجىءٍ. والإِلجاء يَتَحَقَّقُ فيما إذا خَانَ به على نفسِهِ، وعضوٍ مِنْ أعْضَائِه، فإِنَّه يُعْدِمُ الرّضاءَ، ويُوجِبُ الإِلجاءَ، فإِنَّ الإِنسانَ مَجْبُولٌ على حِفْظِ نَفْسِهِ.
وغيرُ الملجىءِ: وهو الإِكْرَاهُ القَاصِر، بأنْ لا يَخافَ به على نَفْسِهِ، ولا على تَلَف عُضوٍ مِنْ أَعْضَائِه، كالإِكْرَاهِ بالضَّرْبِ الشَّدِيدِ والحبسِ، فإنَّه يُعْدِمُ الرَّخاءَ، ولا يُوجِبُ الإِلجاءَ، ولا يُفْسِد الاختيار، بخلافِ النَّوعِ الأَوَّل، وهذا النَّوع لا يُؤَثِّر إلا في تَصْرُّفٍ يَحْتَاجُ فيه إلى الرِّضَاء، كالبيعِ، والأول يُؤَثِّر في الكُل، ومِن ههُنَا علمتَ أنَّ الإِكْرَاه في شُرْب الخَمْرِ وأكل الميتة، ليس كالإِكرَاه في البيع ونحوِه. فإِنْ قال لهُ: لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أو لِنَقْتُلَنَّ أبَاكَ أو ابنَكَ، لم يَسَعْهُ أَنْ يَشْرَبَها، لأَنَّ حُرْمَةَ هذه الأشياء ثابتة بالنَّصِ، ولا تُباحُ إلا عند قيام الضَّرُورَةِ، وهي حالة الاضطِرَارِ، كما في المَخمَصَةِ، وهو لا يَتَحَقَّقُ إلا بإِكراه مُلْجىءٍ، بأنْ يخاف على نَفْسِهِ، أو عُضْوِهِ، ولو أَكْرَهَهُ على البيعِ في الصُّورَةِ المذكورةِ، لم يَلْزَمْه البيعَ استحسانًا، ويُعْتبَرُ في مِثله الإِكرَاه، لأنَّهُ مما يَحْتَاجُ إلى الرِّضَاء، والإِكرَاهِ بِكِلَا نَوْعَيْهِ -المُلْجِىء، وغيرِ الملجىء- يُفْسِدُ الرِّضا الذي هو شَرْطُ هذه التَّصرفات.
وجملةُ الكلامَ أَنَّ الإِكرَاهَ المُلْجِىء يُؤثِّرُ في سائرِ الأَنوَاعِ، فلو أَكرَهَهُ على شُرْبِ الخَمرِ بِقَتْلِ نَفْسِهِ أو عُضْوِهِ، وَسِعَهُ أَنْ يَشْربَها، وإِنْ فَعَلَهُ في البيعِ لا يَلْزمْهُ. أَمَّا في غيرِ المُلْجِىءِ، فإنْ تَحَقَّقَ فيما لا يَعْتَمِدُ الرِّضَاء، كشُرْبِ الخَمْرِ، لم يَسَعْهُ شُرْبها، وإنْ تَحَقَّقَ فيما يَعْتَمِدُ الرِّضَاء كالبيعِ يُعْتَبَر بهِ، ولا يَلْزَمُهُ البيعَ في الاستحسانِ، كما ذكرنا، وإن كان القياسُ يَحْكم بالتسويةِ بَيْنَ الفَصْلَيْنِ، ثُمَّ إِنَّ التهديدَ بِقَتْل الأبِ أو ذي رَحِم مُحْرَم، يُحَقِّقُ الإِلْجَاءَ ولو قاصرًا، فإنَّ الإِنسانَ حَرِيصٌ على القِتَالِ دُونَهم، ومولعٌ بصيَانَةِ دِمَائِهم ولوعَه بِصِيَانةِ دَمِه، أَمَّا إذا هَدَّدَهُ بِقَتلِ أجنبي، فإِنَّه ليس مِن الإِكرَاهِ في شيءٍ.
أمَّا كونُه واجبًا في نَفْسِهِ، فلا نُنْكِرُهُ، ولكنَّه بابٌ آخر، وليس كُلُّ ما يجبُ على الإِنسانِ فِعْلُه يتحقَّقُ به الإِلْجَاءِ، والبُخاريُ لمَّا لم يُدْرِكْ الفَرْقَ بين الطَّائِفَتَيْن، جَعَلَ الإِكرَاه بِقَتْلِ الأبِ كالإِكْرَاهِ بقتله الأجْنَبِي، وقد أَدْرَكَهُ إمامُنا أبو حنيفةَ، فقال به: كيفَ! ومسائلُ الميراثُ، ووجوبُ النفقة ونحوُها تنادي بأعْلَى نِدَاءٍ على أَنَّ بين الأَجْنَبي، وذي رَحِم مَحْرَمٍ بَوْنَاً بعيدًا، حيث يثبتُ الميراثُ لهم دون الأجنبي، وَأوْجَبَ عليه النَّفَقَةَ لأقاربه، بخلافِ الأجانبِ، ونحوَ هذه الفُروق غيرُ قليل في الفِقْه، فكيف حَكَمَ البخاري بالتسويةِ بين الطَّائِفتَين، مع وجودِ فارقٍ بينهما مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ؟ ثُمَّ إنَّ حِفْظَ دَمِ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ لو كان واجبًا على الفورِ، فَهَلَّا عَجَّلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى استيفاءِ دم خُبَيْبٍ، فَعُلِمَ أن وجوبَ حِفْظِ دم امرِىءٍ مُسلِمٍ على الفَورِ، ليس بضابطةٍ كُلَّيَةٍ.
إذا علمت هذا، فاعلم أَنَّ مُلَخَّص إيرادِ البُخاري في هذا الباب أمران:
الأول: تفريقُ الإِمام الأعظم بين حُكمِ الأَقاربِ وبين الأجنبي المُسلمِ، مَع قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: المسلمُ أَخُ المُسْلِم.
والثاني: فَرْقُه بين حُكْمِ شُرْبِ الخَمْرِ ونحو البيع. =
- قوله: (قَالَ النَّخَخِيُّ: إذا كَانَ المُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا)
…
إلخ، ولم يَجِدْ الحافظُ تَخْرِيجَهُ إلا «من كتاب الآثار، لمحمد، فلينظر الناظر أَنَّ تعليقَ البُخَاري لو توقف إسنادُه على كتاب، ولم يُوجدْ في غيرِه، فهل يَصْلُح له أَنْ يُقال: إِنَّهُ على شَرْطِ البُخَاري أَوْ لا؟ ولَمَّا لَمْ يَكُن لهذا التَّعليقِ طريق، إلا كان محمدُ بنُ الحسنِ واقعًا فيه، ساغَ لنا أَنْ نقول: إِنَّه مِنْ رِجَال البُخاري، وإنْ كان شَأْنُه في الواقعِ أَعْلَى مِنْ هذا، عند مَنْ يَعْرِفُه.
…
= ومِنْ ههُنا علمتَ أَنَّ تَقْرِيرَ المُناقَضةِ من البُخاري، إِنَّما يَتأتَى على حُكْمِ الاستحسانِ في بابِ البيعِ، أمَّا في القياس، فحكْمُه كحُكْمِ شُرْبِ الخَمْرِ مِنْ عَدَمِ اعتبار الإِكرَاهِ في البَابَيْنِ، وإذْ قد قُلْنا بعبْرَةِ الإِكرَاهِ، في نحوِ البيعِ استحسانًا، فَقَدْ وافَقْنَا البُخَاري في دائرةِ العَمَلِ، لأَنَّ كونَ القياسِ فيه عدمُ اعتبارِهِ عِنْدَنَا نظرٌ فقط، أَمَّا ما ظهر في العملِ فهو حكْمُ الاستحسانِ، وقد استَوَيْنَا فيه حَذْو المِثْقَالِ بالمثقالِ، فأيُّ إيرادٍ بَعْدَه، وأيُّ قَلَقٍ؟.
وقد ظهر لك الجوابُ عمَّا أَوْرَدَهُ البُخَاريّ ممَّا فَصَّلْنَا لكَ مِنْ مَذْهَبِ الإِمامِ الهُمَامِ، فلا نَطولُ الكلامَ بذكرهِ؛ وفي تقريرٍ مِنْ شيخِ الهند رحمه الله تعالى عندي، أَنَّ ما احتجَّ به البُخاري -مِنْ قَولِهِ صلى الله عليه وسلم:"المسلمُ أخُ المسلم"- بعد الإِمعانِ، حجةٌ لنا، فإِنَّ المكْرَهِ إذا بَاعَ مالَهُ، وأَنْقَذَ أَخَاهُ مِنَ القَتْلِ، فقد أعَانَ أخاهُ المُسْلمِ أَلْبَتَةَ، حيث رضيَ بإِضْرَارِ نَفْسِهِ، وآثَرَهُ على ضَرَرِ أخِيِهِ، بخلافِ ما إذا قُلنا: إنَّ بَيْعَهُ غيرُ معتبرٍ، فإنَّه بالبيعِ على هذا التَّقْدير لم يَتَحَمَّل ضررًا على نفسِهِ، فإِنَّ ماله بَعْدَ زَوَالِ الإِكرَاهِ، يَرْجِعُ إلى مِلكه فلم يتَضَرَّر بشيءٍ، والأخوة في الإِعانة مع الرِّضاء بالتَّضَرُّرِ، أَظهَرُ منها بدونِه، وحينئذٍ فالحديثُ أصدقُ على مَذْهَبِنَا، واللهُ تعالى أعلمُ بالصَّوابِ.