الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمَّا الرجمُ فهذا، وإن كان حدًّا، لكنَّ المقصودَ درؤُه متى ما أمكن. فلو أخذه في النظم لحصل تنويهُ أمره، وتشهيرُ ذكره، والمقصودُ إخمالُه. كيف ولو كان في القرآن، لكان وحيًا يُتْلَى إلى مدى الدهر، فلم يَحْصُل المقصودُ. ولهذا المعنى جَمَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينهما مرَّةً، واكتفى بأحدهما أخرى وهو معنى ما عن عمر في «الفتح» حين سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَكْتُبَ آيةَ الرجم، حيث قال له:«كيف وأنَّهم يَتَهَارَجُون تهارُجَ الحُمُرِ» . أراد به أنَّ التهارُجَ شائعٌ، وجزاءَه الرجمُ، فلو أَكْتُبُهُ لحصل تنويهٌ. فالأوْلى أن يكونَ الرجمُ باقيًا في العمل، وخاملًا في القرآن، ولو كتبتُه في القرآن لتأكد أمرُه، فلا يُنَاسِبُهُ الدرءُ، والمقصودُ هو ذلك مهما أمكن
(1)
.
ثم في حديث عليّ: أنَّ رجمَه إيَّاها كان بالسنة. وقال الفقهاء: إنَّه بالآيةِ المنسوخةِ التلاوة، الباقيةِ الحكمِ. قلتُ: وتلك الآية، وإن نُسِخَت في حقِّ التلاوة، إلَّا أن هذا الركوعَ كلَّه في قصة الرجم.
6814 -
قوله: (فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ)
…
إلخ. وهي شرطٌ
(2)
عندنا لهذا الحديث. وإذا وَرَدَ التفصيلُ في موضعٍ، فَلْيُحْمَل عليه الإِجمالُ من موضعٍ آخر.
8 - باب لَا يُرْجَمُ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ
وَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ
(1)
قلتُ: ونصُّ الحافظِ هكذا: عن زيد بن أسلمَ أن عمرَ خَطَبَ النَّاسَ، فقال: لا تَشُكُّوا في الرجم، فإنَّه حقٌّ. ولقد هَمَمْتُ أن أكتُبَهُ في المصحف، فسألتُ أُبيَّ بن كعب، فقال: أليس أنني - وأنا استقرؤها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعت في صدري، وقلت: استقرئه آية الرجم، وهم يتسافدون تسافد الحُمُر" اهـ. قال الحافظُ: ورجالُه ثقاتٌ: ص 117 - ج 12 قُبَيْل باب رجم الحبلى. قلتُ: ولعلَّ هذا الذي أراده الشيخُ، إلَّا أن الظاهرَ أنَّ في النسخة سقمًا. وراجعتُ له النسخة الميرية، فوجدتُ فيها كذلك، فَلْيُصَحَّحْ الألفاظُ من مظانِّها.
(2)
قلتُ: وعند أبي داود عن يزيد بن نُعَيْم بن هَزَّال، عن أبيه، كما في "المشكاة" في قصة ماعز:"أنَّه حين أقرَّ أربعَ مرَّاتٍ. قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّك قد قلتها أربعَ مرَّاتٍ، فبمن؟ ". وتمسَّك بها الشيخُ ابن الهُمَام في "الفتح". وكذا بروايةٍ أخرجها أحمدُ، وابنُ أبي شيبة، وغيرُهما، عن أبي بكر، قال:"أتى ماعزٌ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاعترف وأنا عنده مرَّةً، فردَّه. فاعترف عنده الثانيةَ، فردَّه. فاعترف عنده الثانيةَ، فردَّه. ثم جاء، فاعترف عنده الثالثة، فردَّه. قلتُ: إن اعترفت الرابعةَ رَجَمَكَ. قال: فاعترف الرابعةَ، فحبسه". اهـ ففيه دليل على أنَّه لا بدَّ للرجم من الاعتراف أربع مرَّاتٍ، وأنَّ ذلك كان معروفًا بينهم.
قال العلَّامةُ المَاردِيني: وفي "الاستذكار" قال أبو حنيفة، وأصحابُه، والثوريُّ، وابنُ أبي ليلى، والحسنُ بن حَيّ، والحكمُ بن عُتَيبَة، وأحمدُ، وإسحاقُ: لا يُحَدُّ حتى يُقِرَّ أربع مرَّاتٍ اهـ. قال المارديني: قولُ أبي بكرٍ: "إن اعترفت الرابعة"، وقول الراوي:"يَشْهَدُ على نفسه أربع شهاداتٍ"، وقوله عليه الصلاة والسلام:"إنَّك قلتها أربع مرَّاتٍ"، دليلٌ على أن الإقراراتِ الماضيةَ معتبرةٌ، مفسَّرةٌ بالزنا. وإنَّما قال عليه الصلاة والسلام:"فلعلَّك"، تلقينًا له. هكذا في النسخة ليرجع إليه. اهـ: ص 175 - ج 2 "الجوهر النقي".
حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ؟ 205/ 8
6815 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِى الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «أَبِكَ جُنُونٌ» . قَالَ لَا. قَالَ «فَهَلْ أَحْصَنْتَ» . قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» . أطرافه 5271، 6825، 7167 - تحفة 15217، 13208
6816 -
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِى مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ. أطرافه 5270، 5272، 6814، 6820، 6826، 7168 - تحفة 3169
قوله: (وعن النَّائِمِ حتَّى يَسْتَيْقِظَ) وراجع له كلامَ شمس الأئمة السَّرَخْسِيّ، فإنَّه أجاد فيه، ووضع له فصلًا مستقلاًّ في كتابه.
6816 -
قوله: (فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ)
…
إلخ. واعلم أنَّ الرجمَ إن كان بالبينة، فلا عِبْرَةَ برجوعه، وفراره. وإن كان بالإِقرار، فإن فرَّ قبل إقامة الرجم يُتْرَكُ، ويكون فرارُه دليلًا على رجوعه. وإن فرَّ بعدَه فرارَ المتألِّم، يُرْجَمُ، ولا يَسْقُطُ عنه الرجمُ. وذلك لأنَّ فرارَه هذا طبعيٌّ، والإِنسانُ مجبولٌ على ذلك. وإليه يُشِيرُ كلامُ "البدائع": وهو الظاهرُ من قوله: "فلمَّا أَذْلَقَتْهُ الحجارةُ
(1)
".
وقال المالكيةُ
(2)
: إنه يُسْأَلُ لِمَ يَفِرُّ؟ فإن كان من ألم الحجارة، يُرْجَمُ، وإلَّا لا.
وقال الشافعيةُ: إن له خيارًا في الرجوع قبل أن يُرْجَمَ، فإذا دخل النَّاسُ في الرجم لا يعتبر بفراره.
ومذهبُ الحنفية، والجوابُ على طورهم ما سمعت.
ولنا أيضًا أن نقولَ: إنَّا لو سلَّمنا سقوطَ الرجم عنه في القصة المذكورة، فإِنَّما لم
(1)
والذي يقوِّي أن فرارَه لم يكن للرجوع ما رواه مسلم عن أبي سعيدٍ في قصته، قال:"فاشتدَّ واشتددنا خلفه حتى أتى عُرْضَ الحَرَّةِ، فانْتَصَبَ لنا، فَرَمَيْنَاهُ بِجَلَامِيدِ الحَرَّةِ -يعني الحجارة- حتى مات" اهـ. قال النوويُّ: عُرْضُ الحَرَّةِ: جانبُها. فالانتصابُ دليلٌ على أن فِرَارَه كان للتألُّم لا للرجوع.
(2)
قال ابن رُشْدٍ: وفصَّل مالكٌ، فقال: إن رَجَعَ إلى شبهةٍ، قُبِلَ رجوعُه. وأمَّا إن رَجَعَ إلى غير شبهةٍ، فعنه في ذلك روايتان: إحداهما يُقْبَلُ، وهي الروايةُ المشهورة. والثانية: لا يُقْبَلُ. اهـ: ص 377 - ج 2 "بداية المجتهد".
قلتُ: وأخرج ابنُ رُشْدٍ فيه لفظًا يُشْكِلُ جوابُه علينا، وهو: "أنَّ ماعزًا لمَّا هرب، فاتبعوه. فقال لهم: رُدُّوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقتلوه رجمًا، وذكروا ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: هلَّا تركتموه؟!. اهـ.