الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاِحْتِيَالِ فِى الْبُيُوعِ، وَلَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلإِ
6962 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلإِ» . طرفاه 2353، 2354 - تحفة 13811
6 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَاجُشِ
6963 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ النَّجْشِ. طرفه 2142 - تحفة 8348
7 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الْخِدَاعِ فِى الْبُيُوعِ
وَقَالَ أَيُّوبُ: يُخَادِعُونَ اللَّهَ كَمَا يُخَادِعُونَ آدَمِيًّا، لَوْ أَتَوُا الأَمْرَ عِيَانًا كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ.
6964 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ فِى الْبُيُوعِ فَقَالَ «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» . تحفة 7229
8 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الاِحْتِيَالِ لِلْوَلِىِّ فِى الْيَتِيمَةِ الْمَرْغُوبَةِ، وَأَنْ لَا يُكَمِّلَ صَدَاقَهَا
6965 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]. قَالَتْ هِىَ الْيَتِيمَةُ فِى حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِى مَالِهَا وَجَمَالِهَا، فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ، إِلَاّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِى إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} [النساء: 127] فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. أطرافه 2494، 2763، 4573، 4574، 4600، 5064، 5092، 5098، 5128، 5131، 5140 - تحفة 16474 - 32/
9
9 -
باب إِذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ، فَقُضِىَ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ الْمَيِّتَةِ، ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فَهْىَ لَهُ، وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ وَلَا تَكُونُ الْقِيمَةُ ثَمَنًا
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْجَارِيَةُ لِلْغَاصِبِ، لأَخْذِهِ الْقِيمَةَ. وَفِى هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جَارِيَةَ رَجُلٍ لَا يَبِيعُهَا، فَغَصَبَهَا وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا مَاتَتْ، حَتَّى يَأْخُذَ رَبُّهَا قِيمَتَهَا، فَيَطِيبُ لِلْغَاصِبِ جَارِيَةَ غَيْرِهِ. قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
6966 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ» . أطرافه 3188، 6177، 6178، 7111 - تحفة 7162
واعْلَم أَنَّ بِنَاءَ إِيرَادِه على خِلافيةٍ أُخْرَىَ، وهي أَنَّ قَضَاءَ القاضي بِشَهَادَةِ الزُّورِ هل يَنْفُذُ ظاهرًا وباطنًا، أَمْ لا؟ وقَدْ فَصَّلَها في - المَبْسُوطِ - بما لا مَزِيدَ عليه، والشيخُ ابنُ الهُمَامِ وإِنْ نَقَلَ بَعْضَهُ، إلا أَنَّه لا يُغْنِي عن الإِصْبَاحِ بالمِصْبَاحِ، فَرَاجِع كلامَ «المبْسُوطِ» فإِنَّه كَفَى وَشَفى.
وجملةُ الكَلَامِ أَنَّ في المَسْأَلَةِ قُيُودًا وشُرُوطًا:
ومنها: كونُه في العُقُودِ والفُسُوخِ، فون الأَمْلاكِ المُرْسَلَةِ؛ ومنها: كونُ المَحَلِّ صالحًا للإِنْشَاءِ؛ ومنها: أَنْ لا يكُونَ القاضي عَلِمَ بِكَذِبِ الشَّاهِدَيْنِ.
أَمَّا الفَرْقُ بين العُقُودِ والفُسُوخِ، فَعَلَى ما ذَكَرَهُ الطَّحَاوي: أَنَّها عِبَارةٌ عن الإِيجابِ والقَبُولِ، ولَيس لها مَحْكي عنه سوى هذا القول، فإذا حَكَمَ بها القاضي، فَكَأَنَّه يَتَوَلَّى بإِنْشَائِها
(1)
الآن، بخلافِ الأملاكِ المُرْسَلَةِ، فإِنَّها عبارةٌ عَنْ دَعوَى المِلْكِ بلا سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، فَلَها محكى عنه في نَفْسِ الأمْرِ أيضًا، فلو حَكَمَ بها لأحدٍ لا يَحِلُ له أَنْ يَتَصَرَّفَ فيه تَصَرُّفَ المَالِكِ، لأَنَّه ليس بِيَدِ القاضي إِثباتُها على غير ما ثَبَتَتْ عليهِ في الواقعِ، بخلافِ العُقُودِ، فإِنَّها إِنْ لم تَكُنْ ثابتةً في الواقعِ، فَقَدْ أَثبتَها القاضي الآن مِنْ ولايَتِهِ، ففيها إِثْبَاتُ ما ليس بِثَابتٍ في الخارِجِ، لا أَنَّه تغييرُ الوَاقِع عمَّا هو عليه.
وبِعِبَارَةٍ أُخْرَىَ: إنَّ الأملاكَ المرسلةِ إذا كان لها مَحْكِي عنه، فهي حاكية عن حقيقةٍ ثَابتةَ في نَفْسِ الأَمْرِ، وليس بيدِ القاضي تغييرها عمَّا هي عليه في الوَاقِعِ، بخلفِ العُقُودِ، فإِنَّها إنشاءاتٌ ليست حاكيةً عن شيء، وبِيَدِ العَاقِدَيْنِ إِنْشَاؤُها، فَكَما جَازَ لَهُما العَقْدُ والفسخُ، حال رِضَائِهما، كذلك جازَ أَنْ يَنُوبَ عنهما القاضي عند اخْتِلافِهما، وإِلَّا فأيُ حِيلةٍ لِرَفْعِ النِّزَاعِ عند تَجَاذُبِا لآرَاءِ؟ فأَقامَهُ الشَّرْعُ مَقَامَ العاقَدَيْنِ، بل يَجِبُ أَنْ يكونَ تَصرُفُه أَقْوَى مِنْهُما، حتَى يَنْفُذَ عليهما، على خلافِ رِضَاهُما.
وأَمَّا اشتراط صلاحِ المَحلِّ، فلأنَّ المَحَلَّ إذا لم يَصْلُح له، كيف يَنْفُذُ قَضَاؤُه باطنًا، فإِنْ كانت امرأةٌ معتدةُ الغير، أو منكوحةً، وادعى عليها رجلٌ أَنَّها امرأتُه، وأَتَى
(1)
قال صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وجوابُه إنْ لم نَجْعَل الحرامُ المحض، وهي الشَّهَادة الكاذبة من حيث إِنَّه إخبارٌ كاذبٌ، سببًا للحِلِّ، بل حُكْمُ القاضي صارَ كإِنشاءِ عَقْدٍ جديدٍ، وهو ليس حرامًا، بل هو واجبٌ، لأنَّ القاضي غيرُ عالمٍ بِكَذِبِ الشُّهودِ، اهـ. قُلْتُ: وهذا الجوابُ غيرُ وافٍ، ما لم يُراجَع إلى ما ذَكَرَهُ الشيخُ قُدِّس سِرُّهُ، واللهُ تعالى أَعْلَمُ بالصَّوابِ.
عليها بِبَيِّنَةٍ، فَكَكَمَ بها القاضي، ليس له أَنْ يَطَأَهَا، ولا يَنْفُذُ قضاؤُه باطنًا، لأَنَّها مَشْغُولةٌ بحقِ الغَيْرِ، وقضاؤُه إِنَّما يَنْفُذُ باطنًا إذا صَادَفَ محلًا صالحًا لِنَفَاذِهِ، ولم يُوجَدْ، ولو قُلْنَا به لَزِمَ اجتماعُ الحُكْمَيْنِ المُتَنَاقِضَيْنِ في محلٍ واحدٍ.
ونَعْنِي بِقَوْلِنَا: يَنْفُذُ باطنًا، أَنَّها تَحِلُّ للمُدَّعي إذا كانت فارغةً عن حقِ الغَيْرِ، ولا يكونُ الزَّوْجُ آثِمًا، بِوَطْئِها، ولا هي بَتَمْكِينِهِ، ولا القاضي بقضائه، أَمَّا عَدَمُ تَأْثِيمِ القاضي، فظاهرٌ، فإِنَّه تَابِعٌ للحُجَّةِ، فإِنَّه لا عِلْمَ له بِالبَوَاطِن، وإِذْ لم يَعْلَمِ الوَاقِعَ، فإِنَّه يَحْكُم بالحُجَّةِ لا مَحَالَة، كيفَ كانت، وهو مَعْنَى قولِهِ صلى الله عليه وسلم «ولعلَّ بعضَكُم أَنْ يكونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بعض
…
» إلخ، وكذا المرأةُ غيرُ آثمةٍ في التَّمْكِينِ، لأنَّ القاضي إذا حَكَمَ عليها بِحُجَّةٍ شرعيةٍ، لم يَسَع لها النُّشُوز، نعم في الزَّوْجِ بعضُ إشكالٍ، فإِنَّه قد عَلِمَ أَنَّها ليست مَنْكُوحَة، ولا هو مَجْبُورٌ في الاستِمْتَاعِ منها، فكيفَ يَحِل لهُ أَنْ يَطَأَها؟.
قُلْنَا: إِنَّا لم نَحْكُم بِحِلِّ الاستمتاعِ مع قِيَامِ المُحَرَّمِ، كما زَعَمُوهُ، فأَلزَمُوا علينا أَنَّ فِيه توفيرًا للزِّنَا، وتَرْوِيجًا للفَوَاحِش، بل نقولُ: إِنَّها أَحَلَّها القَضاءُ، فَيَسْتَمْتِعُ منها، وهي حلالٌ له، أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكاحَ ليس عِبَارةٌ إلا عَنِ الإِيجابِ والقَبُولِ بِحَضْرَةِ الشَّاهِدَيْنِ، فإِذا تَعَذَّرَ العِلْمُ بالحقيقةِ، فَقَدْ تَوَلَّى به القاضي ونابَ عنهما؛ حتى إِنَّ بَعْضَ الحنفيةِ شَرَطُوا الشَّهَادَةَ عند صُدُورِ هذا القضاء أيضًا، لتكونَ شاكلةَ القضاءِ كشَاكِلَةِ العَقْدِ بِعَيْنِها، وهذا ليس بمُخْتَار، فإن الشهادَةَ إِنَّما تُشْتَرَطُ للعَقْدِ القَصْدي، وهذا عَقْدٌ ضِمْني، وكَمْ مِنْ شيءٍ يَثْبُت ضِمْنًا، ولا يَثْبُتُ قَصْدًا، فالصَّوابُ أَنَّ الشَهَادَةَ لا تُشْتَرَطُ له.
وبالجملة إنَّ الإِشْكَالَ
(1)
إِنَّما هو على مَنْ قالَ بهْلِّ الاسْتِمْتَاعِ مع عَدَمِ النِّكاح، أَمَّا مَنْ قال: إِنَّ قَضَاءَهُ حَلَّ مَحَلَّ النِّكاحِ، فلا إِيرَادَ عليه أصلًا، نعم يَلْزَمُ الزِّنا على مَذْهبِ الشافعيةِ، فإِنَّه إذا قَضَى عليها بالنِّكَاحِ، ولم يَنْفُذ قَضَاؤُه باطنًا، فحينئذٍ لا يكونُ استمتَاعُه إلا حَرَامًا، وزِنَا، فليَعْدِل أَنَّ توفِيرَ الزِّنَا على أي المَذْهَبَيْنِ أَلزَم، على أَنَّه ماذا يكونُ حُكْمُ الأَوْلادِ عِنْدَهُم؟ فإِنَّها كُلُّها ولدُ زَنْيَة على هذا التقدير؛ وبالجملة يَلْزَمُ عليه مَفَاسد غير عديدة، ولذا تَرَدَّدَ فيه الشيخُ الأكبر أيضًا.
ولعلَّ أصلَ النِّزاعِ في أَنَّ فَصْلَ الأقْضِيَةِ إذا وَقَعَ حسبَ قَواعِدِ الشَّرْعِ، فهل يكونُ ذلك قضاءً على الوَاقِعِ، أَوْ لَا؟ فَمَنِ اخْتَارَ أَنَّهُ فَصْلٌ بِحَسَبِ الوَاقِعِ أيضًا ذَهَبَ إلى نَفَاذِهِ
(1)
قال مولانا فَتحُ محمد: إِن القضاءَ بشهادةِ الزُّورِ مُشْكِلٌ، فخلافُه أيضًا مُشْكِلٌ في مسألةِ القَضَاءِ للرَّجُلِ على المرأةِ، لأنَّ القضاءَ إن لم يَنْفُذ باطنًا، فيجبُ على المرأةِ المظلومة إما أَنْ تَعْصي الإِمامَ، أو تَفِرُّ وتَخْتَفي، حيثُ لا يَجِدْهَا أحدٌ، أو تَرْضَى بما لا تَرْضَى به النَّفْسُ، وهو الوطءُ الحَرَامُ، ويلزَمُها أَنْ لا تَأْخُذ منه النفقةَ، ولا المهرَ، ولا الميراثَ، إلى آخر ما قال في حاشية "شرحِ الوقاية".
ظَاهرًا وبَاطِنًا، ومَنْ أَنْكَرَهُ قَصَرَ على الظَّاهِرِ فَقَط، ولم يَقُل بِنَفَاذِهِ في البَاطِنِ، وهناكَ مسألةٌ أُخْرَى عند المَالِكِية عَبَّرُوا عنها بَقَضَاءِ القاضي بخلافِ عِلْمِهِ، فقالوا: إِنَّه إذا عَلِمَ الواقِعَ، ثم جَاءَ عندَهُ المُدَّعي يُقِيمُ البينةَ بخِلافِهِ ليس لهُ أَنْ يَقْضي بِها، ولَكِنَّه يَرْفَعُهَا إلى قاضٍ آخر لِيَحْكُم بها بما أَرَاهُ اللهُ، وإليهِ ذَهَبَ الشيخُ الأَكْبَرَ، وقال: إِنَّ العَمَلَ بقَوَاعِدِ الشَّرْعِ لا يَجِبُ أَنْ تُطَابِقَ الواقِعَ دائمًا، فإذا خَالفَ الواقعَ لا يكونُ موجبًا للبَرَكَةِ، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم «ولعلَّ بعضكم ألحن من بعض» .
ومن ههنا اخْتَلَفت الأَنْظَارُ، فَذَهَبَ بعضُهم إلى أَنَّ الحُكْمَ إذا وَقَعَ على قَواعدِ الشَّرْعِ، قامَ مَقَامَ الواقعِ، فكأَنَّهُ الواقع، وإِنْ كان خِلافُه في نَفْسِ الأَمْرِ، وسَنَحَ لبَعْضِهم أَنَّه بَعُدَ على خلافِ الواقعِ كما كان، واختارَ الشيخُ الأكبر اعتبارَهُ كالواقعِ في حق الأموالِ، دون الحُدُودِ والنُّفُوسِ، لأَنَّ أَمْرَهَا أشَدُّ إلا أَنَّه سَمَّاهُ بقضاءِ القاضي بخلافِ علمه.
ولنا ما في «البَدَائعِ» نَقْلًا عن «المَبْسُوطِ»
(1)
: أَنَّ عليًا قَضَى في رَجُلٍ ادَّعَى على امرَأَةٍ بمثلِ ذلك، فَلمَّا رَأت المرأةُ ذلكَ قالت: زَوِّجْني يا أميرَ المؤمنين، تريدُ العَفَافَ عَنِ الزِّنَا: فقال لها: شاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ فَتَأَيَّدَ ما قُلْنا، بِقَضَاءِ مَنْ كان أَقْضَاهُم وأَرْضَاهُم له، ولعلَّ قضاءَ عليّ هذا لم يَبْلُغ أهلَ المدينةِ، وإلا لقالوا به أَلْبَتَةَ، وذلك لأَنَّ مالكًا لم يَتَعَلَّم فتاوَى عليّ إلا من قِبَلِ ابنِ إِدْرِيس، فإِنَّه كان يَخْتَلِفُ إليه، ولم تَكُنْ عندَهُ ذَرِيعةٌ مستقلةٌ، فَأَخَذَ عنه ما كان عِنْدَهُ، وما فاتَ عنه فقد فاتَ عنه أيضًا.
ثُمَّ إِنَّ الطَّحَاوِي قد استدلَّ للمذهبِ من القياسِ على اللِّعان، فإِنَّ الواقِعَ فيه غَيرُ معلومٍ للقاضي، ثُمَّ إِنَّكم قلتم: إِنَّهُ يُفَرَّقُ بين الزَّوْجَيْنِ، ورأَيتُم أَنَّ تَفْرِيقَه نافذٌ باطنًا أيضًا، فإِذا نَابَ القاضي عن الزَّوْجِ في حقِ التفريقِ عندَكم حتى قُلتُم: إِنَّ تفريقَهُ طلاقٌ كذلك. قلنا: بقيامه مقامهُ في حقِّ التزويجِ، كيفَ وقد عَلِمْتُم أَنَّ الشرْعَ لم يَجْعَل الطلاقَ إلا بيدِ منْ كان له عُقْدَةُ النِّكاحِ، فلا نَرَى بين الأَمرينِ فرقًا، فكما قُلْتُم: إنَّها حَرُمَتْ عليه بعد التفريقِ، مع أَنَّها كانت حلالًا له، كذلك قلنا: إِنَّها حلَّتْ له بعدَ قضائه، وإِنْ كانت حرامًا قَبْلَهُ، وعلى عكْسِهِ نقولُ: إِنَّ القاضي إِنْ كان لا ينوبُ عنه في التزويجِ، فكيفَ نابَ عنه في التفريقِ؟ فتبيَّنَ منه أَنَّ الشرعَ عند جهالةِ الواقِعِ أَقَامَ القضاءَ مقامَ الواقعِ، وجعَلَهُ إنشاءً في الحال مِنْ ولايَتِه. ولذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في قِصَة اللعانِ:«إِنَّ أحدَكُما كاذبٌ» ، ثُمَّ لم
(1)
قلتُ: قال الشيخُ في -دَرْسِ الترمذي- لم أجِدْهُ إلا عند السَّرَخْسِي في "المبسوطِ" ولا أَذْكُر أَنَّه ذَكَرَ له إسنادًا، ولعلهُ من المبلَّغاتِ، غَيْرَ أَن الحافظَ نقلَهُ في "الفتحِ" ثم سَكَتَ عنه، وفي "المبسوط" فتوَى الشَّعْبي أيضًا، بمثل ما مرَّ عن عليِّ.
يتوجه إلى إثباتِ كَذِبِ أحدِهِما، بل فَرَّقَ بينهما، ورآه تَفْريقًا في الوَاقِعِ، وإلا لَزِمَ أَنْ يكونَ حق الرجل باقيًا في تلكَ المرأَةِ بعد قضائِه صلى الله عليه وسلم أيضًا، فافهم.
قلتُ: ولي فيهِ نَظَرٌ مَرَّ، فَتَذَكَّرْهُ، وإِنْ صحَّ قيامُ الطحاوي، فأقولُ: إِنَّ للفسخِ عند علمائِهم صُوَرًا أُخْرَى أيضًا، فقالوا بالتَّفريق في صورةِ إِعْسَارِ الزوجِ، ولا دَليلَ عليه عندَهُم غيرَ ما نقلوهُ عن سعيد بن المسَيَّب، ولا شيءَ له في المرفوعِ، ولا عنِ السَّلفِ، وكذا قالوا به في العيوب الخَمسةِ في الزوج، فالعجبُ أَنَّهم ضَيَّقُوا في العقودِ، حتى طَعَنُوا على مَنْ قال بها، ووسَّعُوا في الفُسوخ أزيدَ منَّا، فقالوا بنفاذِهَا ظاهِرًا وباطِنًا.
ثمَّ إِنَّ الشامي سها في الردِّ على مَنْ قال: إِنَّ القضاءَ مثبتٌ، واخْتَارَ أَنَّه مُظْهِرٌ، قلتُ: فيه جهتانِ: جهةُ الإِثباتِ، وجهةُ الإِظهارِ، فَقَضاؤُه مثبتٌ أيضًا، إلا أَنَّ الحنفيةَ احتاطوا في الحُدُودِ، وقصرُوه في العقودِ والفسوخِ، وذلك أيضًا بشرائِطَ، ولذا أَقُول: إِنَّ صاحبَ «الهدايةِ» لو أَتَى بلفظِا لأموالِ، بدلَ الأملاكِ المُرْسَلَةِ، فكان أحسن، لدَلالتِه على خِفَّةِ أمرِ الأَمْوَالِ بالنِّسبةِ إلى الحدودِ، إلا أَنَّ مِنَ اوالِ ما كان يَدْخُلُ تحتَ العقودِ والفسوخِ، فأَدْرَجَها فيها، وَوَضَع لفظ: الأملاكِ المرسلةِ بَدَلَها، ويَدُلَّك على ما قلنا ما ذَكَرَهُ صاحبِ «الهداية»: أَنَّ تَصَرُّفاتِ الصبي إذا لَحِقَهُ القضاءُ يصيرُ مُحْكمًا، لأنَّ فيها ضَعْفًا، فإِذا لَحِقَهُ القضاءُ زال، وما ذلك إلا أَنَّه اعتُبِرَ فيه جهةُ الأثباتِ، والله تعالى أعلم بالصواب
(1)
.
فإن قلتَ: إِنَّ قوله صلى الله عليه وسلم «لعل بعضَكم» أَنْ يكونَ ألحنَ بحجتِه من بعض، فأَقْضِي له على نحو ما سَمِعَ، فمن قَضَيْتُ له مِن أخيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذ، فإِنَّما أَقْطَع له قطعة من النار» صريحٌ في عدمِ نفاذِ قَضَائِه باطنًا قلتُ: أَيْنَ أنتَ منهُ، فإِن الحديثَ لا يَمَسُ بموضعِ النِّزاعِ، لأنَّه لم يَرِدْ فيمن أَتَى ببينةٍ كاذبةٍ، إِنَّما هو فِيمَن قَطَعَ له النَّبي صلى الله عليه وسلم مالًا مِنْ أَجْلِ طلاقةِ لسانِه، وفصاحَةِ مَنْطِقِه، وهو المرادُ بلحن الحُجَّة، لا أَنَّه أَتَى بشهادةِ الزُّور، ومعلومٌ أَنَّ الإِنسانَ قد يتأثرُ من سورةِ الكلامِ، - وإِنَّ منَ البيانِ لسِحْرًا - فذلكَ بابٌ آخر، فَأَمْعَنَ النَّظر فيه بعينِ القَبُولِ، ولا تُسرع في الرَّدِ والقبولِ، وترجمةُ اللَّحْنِ في الحُجةِ جرب زبانى، وأنت تَعلمُ أَنَّه لا دخلَ له في القضاءِ، فهو كذلك عندنا أيضًا، لأَنَّه ليس بشهادةٍ، بضابطةِ الشَّرْعِ. وحاصلُه في لسانِنَا كه اكر زبان زورى اور جرب زبانى سى هى كوئى فيصله كراى تواو سكايه حكم هى ثم إِنَّه قد يَذْهَب إلى بعض الأَوْهَامِ أَنَّه لا غَائِلةَ بإِتيانِ شهادةِ الزُّورِ عندنا، قلتُ: حاشا للحنفيةِ أَنْ يقولوا به:
(1)
قلتُ: وقد بلغني أنَّ في المسألةِ كلامًا شريفًا مِنْ شيخِ الهندِ ذَكَرَه في رسالتِه "إيضاحُ الأَدِلَّةِ" إلا أَني أتأسفُ على أني لم أَنْتَهِزَ فرصةً لمراجَعَتِها، فعليكَ بها.