الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توطئة:
لما كانت قواعد معرفة البدع تجمعها أصول ثلاثة اقتضى ذلك الإشارة إلى هذه الأصول قبل الشروع في بيان القواعد. فأقول ومن الله أستمد الإعانة والتوفيق:
قد عُلم مما تقدم في حد البدعة أن المعني الكلي للابتداع هو الإحداث في الدين.
ولفظ الدين يشمل جانبين:
الجانب الأول: التقرب إلى الله بما شرعه سبحانه من الدين.
والجانب الثاني: الانقياد لدين الله بالخضوع.
هذا ما دلَّ عليه حديث عائشة رضي الله عنها: «من أحدث في أمرنا هذا» ؛ إذ المراد بأمره ها هنا: دينه وشرعه.
وقد ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث: «من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو رد» (1). والمراد بالدين: دين الإسلام، وهو حكم الله وشرعه، والانقياد لشريعته بالطاعة، قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ} يقال: دنتهم فدانوا: أي قهرتهم فأطاعوا (2).
(1) ذكر هذا اللفظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 176).
(2)
انظر المفردات للراغب (323)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 148).
من هنا يُعلم أن الإحداث في الدين يحصل بواحد من أصلين:
الأصل الأول: التقرب إلى الله بما لم يشرع.
ذلك أن القاعدة المطردة في هذا الدين أن التقرب إلى الله لا يكون إلا بفعل ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من العبادة فمن تعبد الله بشيء لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فقد ابتدع.
والأصل الثاني: الخروج على نظام الدين.
ذلك أن القاعدة المطردة في هذا الدين هي وجوب الرجوع إلى هذه الشريعة، والانقياد إلى أحكامها بالخضوع والطاعة، فمن أعطى غير شريعة الإسلام حق الانقياد والطاعة فقد ابتدع.
فهذا أصلان جامعان للابتداع.
ويلحق بهذين الأصلين أصلٌ ثالث، وهو:
الذرائع المفضية إلى البدعة.
ذلك أن الإحداث في الدين كما يقع ابتداء فقد يقع مآلاً، وذلك بفعل أمر لا إحداث فيه البتة: لا من جهة التقريب إلى الله بما لم يشرع، ولا من جهة الخروج على نظام الدين، لكن الإحداث في الدين وقع بفعل هذا الأمر في ثاني الحال؛ لكونه يفضي في المآل إلى الإحداث، فأُعطيت الذرائع المؤدية إلى البدعة حكم البدعة.
وقد أشار إلى هذا الأصل رواية: «من عمل عملاً» التي تدل على أن الابتداع قد يحصل ممن قام بالإحداث وابتدأه، وقد يحصل ممن كان تابعًا فيه غير إحداث منه ولا قصد (1).
فهذه ثلاثة أصول جامعة:
(أ) التقرب إلى الله بما لم يشرع.
(ب) الخروج على نظام الدين.
(ج) الذرائع المفضية إلى البدعة.
وإليك فيما يأتي مزيد بيان لهذه الأصول الثلاثة:
(1) انظر الإبداع للشيخ علي محفوظ (46).