الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك أن الإحداث في الأصل الأول إنما حصل بقصد الدخول تحت حكم الشريعة، والانقياد لها بالطاعة والخضوع، فالمحدِث ها هنا يريد التقرب، لكنه وقع في الإحداث بتقربه هذا، وذلك لأنه تقرَّبَ إلى الله بما لم يشرع.
أما الإحداث في الأصل الثاني فإنه يوجد دون قصد التقريب، فالمحدِث ها هنا لا يريد بإحداثه التقرب إلى الله؛ إذ هو لا يقصد الدخول تحت حكم الشريعة، أو الانقياد لدين الله بالخضوع، لكنه بإحداثه هذا خرج - من حيث قصد أو لم يقصد - عن حكم هذه الشريعة ونظام هذا الدين.
الأصل الثالث: الذرائع المفضية إلى البدعة
معنى هذا الأصل: أن كل عمل - ولو كان مشروعًا - يُفضي إلى الإحداث في الدين فهو ملحق بالبدعة إن لم يكن بدعة.
قال ابن الجوزي: (فإن ابُتدع شيء لا يخالف الشريعة، ولا يوجب التعاطي عليها؛ فقد كان جمهور السلف يكرونه، وكانوا ينفرون من كل مبتدَع وإن كان جائزًا؛ حفظًا للأصل، وهو الإتباع)(1).
(1) تلبيس إبليس (16).
وهذا ما يعرف بقاعدة سد الذرائع، وهو أصل شرعي معتبر، مبناه على الاحتياط وحماية أحكام الدين (1).
قال ابن تيمية: (والذريعة: ما كان وسيلة وطريقًا إلى الشيء، لكن صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم، ولو تجردت عن ذلك الإفضاء لم يكن فيها مفسدة)(2).
مثال ذلك: أن الله نهى عن سب آلهة الكفار مع كونه من مقتيضات الإيمان بألوهيته سبحانه، وذلك لكون هذا السب ذريعة إلى أن يسبوا الله سبحانه وتعالى عدوًا وكفرًا على وجه المقابلة. قال تعالى:{وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} .
وبذلك يعلم أن ما أدى إلى الممنوع كان ممنوعًا؛ إذ للوسائل أحكام المقاصد، ولذا فإن ما أفضى إلى البدعة وأدّى إليها فهو ملحق بها، حكمه حكمها.
إلا أنه لا بد من التبيُّن في إطلاق الحكم على عمل ما من الأعمال لمجرد إفضائه إلى الابتداع بأنه ذريعة إلى البدعة؛ فإن هناك شروطًا لا بد من مراعاتها في هذا الحكم.
(1) انظر الفروق (2/ 32 - 33) وإغاثة اللهفان (1/ 361 - 370)، وإعلام الموقعين (3/ 135 - 159)، والموافقات (2/ 390).
(2)
الفتاوى الكبرى (6/ 172).