الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بخلاف المصلحة المرسلة؛ فإنها - لكي تعتبر شرعًا - لا بد أن تندرج تحت مقاصد الشريعة، وأن تكون خادمة لها، وإلا لم تعتبر.
5 -
وتنفرد المصلحة المرسلة بأن عدم وقوعها في عصر النبوة إنما كان لأجل انتفاء المقتضي لفعلها، أو أن المقتضي لفعلها قائم لكن وجد مانع يمنع منه، بخلاف البدعة فإن عدم وقوعها في عهد النبوة كان مع قيام المقتضي لفعلها، وتوفر الداعي، وانتفاء المانع.
والحاصل: أن المصالح المرسلة إذا روعيت شروطها كانت مضادة للبدع، مباينة لها، وامتنع جريان الابتداع من جهة المصلحة المرسلة؛ لأنها - والحالة كذلك - يسقط اعتبارها ولا تسمى إذ ذاك مصلحة مرسلة، بل تسمى إما مصلحة ملغاة أو مفسدة.
المسألة الثامنة: خصائص البدعة
بنظرة فاحصة في القيود الثلاثة الواردة في المعنى الشرعي للبدعة يمكننا استخراج سمات البدعة وخصائصها، تلك الخصائص التي تفترق بها البدعة عما يشتبه بها ويقترب منها. وهي أربع خصائص:
الأولى: أنه لا يوجد في النهي عن البدعة - غالبًا - دليل خاص (1)، وإنما يستدل على النهي عنها والمنع منها بالدليل الكلي العام.
(1) يستثنى من ذلك البدع التي نُهي عنها بأعيانها، وهي قليلة جدًا. انظر اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 586، 587).
الثانية: أن البدعة لا تكون إلا مناقضة لمقاصد الشريعة، هادمة لها، وهذا هو الدليل الكلي على ذمها وبطلانها، ولأجل ذلك وُصفت في الحديث بأنها ضلالة.
الثالثة: أن البدعة - في الغالب - إنما تكون بفعل أمور لم تعرف في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد صحابته رضي الله عنهم.
قال ابن الجوزي: (البدعة: عبارة عن فعلٍ لم يكن؛ فُابتُدع)(1).
ولذا سميت البدعة بدعة؛ فإن البدعة في اللغة: الشيء الذي أحدث على غير مثال سواء كان محمودًا أو مذمومًا، ومن هذا الوجه أطلق بعض السلف لفظ البدعة على كل أمر - محمودًا كان أو مذمومًا - لم يحدث في عهده صلى الله عليه وسلم، كما ورد ذلك عن الإمام الشافعي.
الرابعة: أن البدعة مشابهة ولا بد للأمور الشرعية ملتبسة بها.
بيان ذلك: أن البدعة تحاكي المشروع وتضاهيه من جهتين:
1 -
من جهة مستندها؛ إذ البدعة لا تخلو من شبهة أو دليل موهوم، فهي تستند إلى دليل يظن أنه دليل صحيح (2)، كما أن العبادة المشروعة تستند ولا بد إلى دليل صحيح.
(1) تلبيس إبليس (16).
(2)
وهذا الدليل لا يخلو أن يكون واحد من نوعين: إما أدلة عامة مطلقة، أو أدلة خاصة واهية.