الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثالثة
(3)
إذا تَرَكَ الرسول صلى الله عليه وسلم فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائمًا ثابتًا، والمانع منها منتفيًا؛ فإن فعلها بدعة (1).
ومن الأمثلة على ذلك:
التلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة.
والأذان لغير الصلوات الخمس.
والصلاة عقب السعي بين الصفا والمروة (2).
توضيح القاعدة:
يرتبط بيان هذه القاعدة بمعرفة السنة التركية.
والمقصود بالسنة التركية: أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم فعل أمر من الأمور (3). وإنما يعرف ذلك بأحد طريقين: (4)
(1) انظر اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 591 - 597) ومجموع الفتاوى (6/ 172) والاعتصام (1/ 361) والإبداع للشيخ علي محفوظ (34 - 45).
(2)
وقد مثل لذلك البعض - في غير العبادات - بنكاح المحلل فإنه بدعة لوجود المعنى المقتضي للتخفيف والترخيص للزوجين في عهد النبوة. انظر الاعتصام (1/ 364).
(3)
شرح الكوكب المنير (2/ 165).
(4)
إعلام الموقعين (2/ 389 - 391).
أحدهما: تصريح الصحابي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك كذا وكذا ولم يفعله؛ كقوله: (صلى العيد بلا أذان ولا إقامة)(1).
والثاني: عدم نقل الصحابة للفعل الذي لو فعله صلى الله عليه وسلم لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدَّث به في مجمع أبدًا عُلم أنه لم يكن، وهذا كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمونين وهم يؤمَّنون على دعائه دائمًا بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات.
والواجب على المؤمنين الإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فيما يفعل وفيما يترك على حد سواء.
وتركه صلى الله عليه وسلم فعل أمر من الأمور لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يترك صلى الله عليه وسلم الفعل لعدم وجود المقتضي له، وذلك كتركه قتال مانعي الزكاة، فهذا الترك لا يكون سنة.
الحالة الثانية: أن يترك صلى الله عليه وسلم الفعل مع وجود المقتضي له، بسبب قيام مانع يمنع من فعله، وذلك كتركه صلى الله عليه وسلم فيما بعد قيام رمضان جماعة بسبب خشيته أن يُكتب قيامُه على أمته (2)، فهذا الترك لا يكون سنة.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (1/ 298) برقم 1147 وأصله في الصحيحين.
(2)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه (13/ 264) برقم 7290.
الحالة الثالثة: أن يترك صلى الله عليه وسلم الفعل مع وجود المقتضي له وانتفاء الموانع؛ فيكون تركه صلى الله عليه وسلم والحالة كذلك - سنة كتركه صلى الله عليه وسلم الأذان لصلاة التراويح.
وبهذا يعلم أن تَرْكَه صلى الله عليه وسلم إنما يكون حجة، فيجب تَرْكُ ما تَرَكَ بشرطين:
الشرط الأول: أن يوجد السبب المقتضي لهذا الفعل في عهده صلى الله عليه وسلم فإذا ترك صلى الله عليه وسلم فعْل أمرٍ من الأمور مع وجود المقتضي لفعله - بشرط انتفاء المانع - علمنا بذلك أنه صلى الله عليه وسلم إنما تركه ليسن لأمته تركه.
أما إذا كان المقتضي لهذا الفعل منتفيًا فإنَّ تركه صلى الله عليه وسلم لهذا الفعل عندئذ لا يعد سنة، بل إنَّ فعْل ما تركه صلى الله عليه وسلم يصير مشروعًا غير مخالف لسنته متى وُجد المقتضي له ودلت عليه الأدلة الشرعية، وذلك كقتال أبي بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة (1)، بل إن هذا العمل يكون من سنته لأنه عمل بمقتضى سنته صلى الله عليه وسلم.
ويشترط في هذا المقتضي الذي يوجد بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
ألا يكون قد حدث بسبب تفريط الناس وتقصيرهم، كفعل بعض الأمراء (2) في تقديمه الخطبة على الصلاة في العيدين حتى لا ينفض الناس
(1) انظر صحيح البخاري (12/ 275) برقم 6924، 6925.
(2)
هو مروان بن الحكم، فعل ذلك لما كان أمير للمدينة في عهد معاوية رضي الله عنه انظر صحيح البخاري (2/ 448) برقم 956.
قبل سماع الخطبة، وقد كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفضُّون حتى يسمعوا الخطبة أو أكثرهم.
قال ابن تيمية: (فيقال له: سبب هذا تفريطك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطبهم خطبة يقصد بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم، وأنت قصدك إقامة رياستك
…
فهذه المعصية منك لا تبيح لك إحداث معصية أخرى، بل الطريق في ذلك: أن تتوب إلى الله، وتتبع سنة نبيه) (1).
الشرط الثاني: انتفاء الموانع، لأنه صلى الله عليه وسلم قد يترك فعل أمر من الأمور - مع وجود المقتضي له في عهد - بسبب وجود مانع يمنع من فعله.
وذلك كتركه صلى الله عليه وسلم قيام رمضان مع أصحابه في جماعة - بعد ليال - وعلل ذلك بخشيته أن يُفرض عليهم، فإذا زال المانع بموته صلى الله عليه وسلم كان فعل ما تركه صلى الله عليه وسلم إذا دلت على هذا الفعل الأدلة الشرعية - مشروعًا غير مخالف لسنته، وذلك كما فعل عمر رضي الله عنه في جمعه الناس على إمام واحد في صلاة التراويح (2)، بل إن هذا العمل يكون من سنته صلى الله عليه وسلم لأنه عمل بمقتضاها.
بهذين الشرطين يكون تركه صلى الله عليه وسلم حجة يجب إتباعها.
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 597).
(2)
انظر صحيح البخاري (4/ 250) برقم 2010.