الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولهما: التقرب إلى الله بالعادت أو بالمعاصي، وهذه هي العبادات المخترعة من جهة أصلها ووصفها.
وهذا النوع من الإحداث لا يكون بدعة إلا مع قصد القربة.
وثانيهما: التقرب إلى الله بالعبادات الثابتة من جهة أصلها، المخترعة من جهة وصفها.
وهذا النوع - حتى يكون بدعة - لا يفتقر إلى قصد القربة، بل يقع بدعة على كل حال؛ إذ لا يتصور في أمور العبادات غير قصد القربة.
وأما افتراض عدم قصد القربة في العبادات فهو افتراض تخيلي لا يمكن وقوعه.
وبذلك يعلم أن الإحداث في العبادات المحضة بدعة على كل حال؛ سواء قصد المُحدِث بعبادته القربة أو لم يقصدها.
والابتداع الحاصل من جهة هذا الأصل - في كلا النوعين - يتأتّى من العبَّاد والنسَّاك والمنتسبين إلى الدين.
الأصل الثاني: الخروج على نظام الدين
معنى هذا الأصل: أن كل من جعل لغير شريعة الإسلام حقَّ الانقياد والطاعة فقد جاء ببدعة ضلالة؛ إذ الانقياد والإذعان لا ينبغي أن يكون لشيء إلا لدين الإسلام.
قال الشاطبي: (وكذلك جاء «لا حمى إلا حمى الله ورسوله» (1) ثم جرى بعض الناس ممن آثر الدنيا على طاعة الله؛ على سبيل حكم الجاهلية {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} .
ولكن الآية والحديث وما كان في معناهما أثبت أصلاً في الشريعة مطردًا لا ينخرم، وعامًا لا يتخصص، ومطلقًا لا يتقيد، وهو أن الصغير من المكلفين والكبير، والشريف والدنيء، والرفيع والوضيع في أحكام الشريعة سواء.
فكل من خرج عن مقتضى هذا الأصل خرج من السنة إلى البدعة، ومن الاستقامة إلى الاعوجاج) (2).
فالأصل المستقر: أن يكون الدين والخضوع لله وحده، فمن أحدث شيئًا يخرج به عن دين الله وشرعه فهو مبتدع، سواء كان المُحدَث رأيًا أو عادة أو تعاملاً.
والابتداع الحاصل من جهة هذا الأصل يتأتّى من أصحاب الرئاسات وأهل المطامع والأهواء.
قال شارح الطحاوية: (فالملوك الجائرة يعترضون على الشريعة بالسياسات الجائرة، ويعارضونها بها، ويقدمونها على حكم الله ورسوله.
(1) أخرجه البخاري (5/ 44) برقم 2370.
(2)
الاعتصام (2/ 48، 49).
وأحبار السوء، وهم العلماء الخارجون عن الشريعة بآرائهم وأقيستهم الفاسدة، المتضمنة تحليل ما حرم الله ورسوله، وتحريم ما أباحه، واعتبار ما ألغاه، وإلغاء ما اعتبره، وإطلاق ما قيَّده، وتقييد ما أطلقه، ونحو ذلك.
والرهبان وهم جهال المتصوفة، والمعترضون على حقائق الإيمان والشرع بالأذواق والمواجيد والخيالات والكشوفات الباطلة الشيطانية، المتضمنة شرع دين لم يأذن به الله، وإبطال دينه الذي شرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم) (1).
والابتداع من جهة هذا الأصل واقع على كل حال، حتى لو لم يقصد مُحدِث البدعة بفعلها معارضة الشرع والخروج على نظام الدين.
ولا يشترط أيضًا في مثل هذه المحدثات حتى تكون بدعة أن يقصد بها فاعلها التقرب إلى الله، فهي بدعة دون هذا القصد.
أما إذا اقترن بهذا النوع من المحدثات قصد القربة فإنها تنتقل بهذا القصد إلى الأصل الأول، وهو التقرب إلى الله بما لم يشرع.
وبذلك يعلم الفرق بين هذين الأصلين: أصل التقرب إلى الله بما لم يشرع، وأصل الخروج على نظام الدين.
(1) شرح العقيدة الطحاوية (222).