الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرشد فِي التَّفْوِيض إِلَى حسن قِيَامه وَكَمَال اعتنائه فليقدر النِّعْمَة عَلَيْهِ فِي هَذِه الْحَال حق قدرهَا وليكثر بأَدَاء الْوَاجِب بِمَا غلب عَلَيْهِ من جزيل الشُّكْر بسرها وليطالع مَعَ الْأَوْقَات بِمَا يشكل عَلَيْهِ من الْأُمُور الغوامض وَلينه إِلَى الْعُلُوم الشَّرِيفَة المقدسة أجلهَا الله تَعَالَى مَا يلتبس عَلَيْهِ من الشكوك والعوارض ليرد عَلَيْهِ من الْأَمْثِلَة مَا يُوضح لَهُ وَجه الصَّوَاب فِي الْأُمُور ويستمد من المراشد الشَّرِيفَة الَّتِي هِيَ شِفَاء لما فِي الصُّدُور بِمَا يكون وُرُوده عَلَيْهِ وتتابعه إِلَيْهِ نورا على نور إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَهَذِه نُسْخَة الْعَهْد الَّذِي كتب بِهِ للْملك الظَّاهِر بيبرس عَن الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن ثَانِي الْخُلَفَاء بالديار المصرية من إنْشَاء الصاحب فَخر الدّين ابراهيم بن لُقْمَان
وَهَذِه نسخته
الْحَمد لله الَّذِي أضفى ملابس الشّرف وَأظْهر
درره وَكَانَت خافية بِمَا استحكم عَلَيْهَا من الصدف وشيد مَا وَهِي من علائه حَتَّى أنسى ذكر مَا سلف وقيض لنصره ملوكا اتّفق على طاعتهم من اخْتلف
أَحْمَده على نعمه الَّتِي رتعت الْأَعْين مِنْهَا فِي الرَّوْض الْأنف والطاقة الَّتِي وقفت الشُّكْر عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ عَنْهَا منصرف وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة توجب من المخاوف أمنا وتسهل من الْأُمُور مَا كَانَ حزنا وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي جبر من الدّين وَهنا وَصفيه الَّذِي أظهر من المكارم فنونا لَا فَنًّا صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الَّذين أضحت مناقبهم بَاقِيَة لَا تفنى وَأَصْحَابه الَّذين أَحْسنُوا فِي الدّين فاستحقوا الزِّيَادَة من الْحسنى
وَبعد فَإِن أولى الْأَوْلِيَاء بِتَقْدِيم ذكره وأحقهم أَن يصبح الْقَلَم سَاجِدا رَاكِعا فِي تسطير مناقبه وبره من سعى فأضحى بسعيه الْجَمِيل مُتَقَدما ودعا إِلَى طَاعَته
فَأجَاب من كَانَ منجدا ومتهما وَمَا بَدَت يَد من المكرمات إِلَّا كَانَ لَهَا زندا ومعصما وَلَا استباح بِسَيْفِهِ حمى وغى إِلَّا أضرمه نَارا وأجراه دَمًا
وَلما كَانَت هَذِه المناقب الشَّرِيفَة مُخْتَصَّة بالْمقَام العالي المولوي السلطاني الملكي الظَّاهِرِيّ الركني شرفه الله تَعَالَى وَأَعلاهُ ذكره الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ الإمامي المستنصري أعز الله تَعَالَى سُلْطَانه تنويها بشريف قدره واعترافا بصنعه الَّذِي تنفد الْعبارَة المسهبة وَلَا تقوم بشكره وَكَيف لَا وَقد أَقَامَ الدولة العباسية بعد أَن أقعدتها زمانة الزَّمَان وأذهبت مَا كَانَ لَهَا من محَاسِن وإحسان وعتب دهرها المسئ لَهَا فأعتب وأرضى عَنْهَا زمانها وَقد كَانَ صال عَلَيْهَا صولة مغضب فَأَعَادَ لَهَا سلما بعد أَن كَانَ عَلَيْهَا حَربًا وَصرف اهتمامه فَرجع كل متضايق من أمورها وَاسِعًا رحبا ومنح أَمِير الْمُؤمنِينَ عِنْد الْقدوم عَلَيْهِ حنوا وعطفا وَأظْهر لَهُ من الْوَلَاء رَغْبَة فِي ثَوَاب الله مَا لَا يحفى وَأبْدى من الاهتمام بالبيعة أمرا لَو رامه غَيره لامتنع عَلَيْهِ وَلَو تمسك بحبله
متمسك لانقطع بِهِ قبل الْوُصُول إِلَيْهِ لَكِن الله ادخر هَذِه الْحَسَنَة ليثقل بهَا فِي الْمِيزَان ثَوَابه ويخفف بهَا يَوْم الْقِيَامَة حسابه فَهَذِهِ منقبة أَبى الله إِلَّا أَن يخلدها فِي صحيفَة صنعه وتكرمة قَضَت لهَذَا الْبَيْت الشريف بجمعه بعد أَن حصل الْإِيَاس من جمعه وأمير الْمُؤمنِينَ يشْكر لَك هَذِه الصَّنَائِع وَيعرف أَنه لَوْلَا اهتمامك لاتسع الْخرق على الراقع وَقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية والديار البكرية والحجازية واليمنية والفراتية وَمَا يَتَجَدَّد من الفتوحات غورا ونجدا وفوض أَمر جندها ورعاياها إِلَيْك حِين أَصبَحت فِي المكارم فَردا وَلَا جعل مِنْهَا بَلَدا من الْبِلَاد وَلَا حصنا من الْحُصُون مُسْتَثْنى وَلَا جِهَة من الْجِهَات تعد فِي الْأَعْلَى وَلَا الْأَدْنَى
فلاحظ أُمُور الْأمة فقد أَصبَحت لَهَا حَامِلا وخلص نَفسك من التَّبعَات الْيَوْم فَفِي غَد تكون مسئولا لَا سَائِلًا ودع الاغترار بالدنيا فَمَا نَالَ أحد مِنْهَا طائلا وَمَا رَآهَا أحد بِعَين الْحق إِلَّا رَآهَا خيالا زائلا فالسعيد من قطع آماله الموصولة وَقدم لنَفسِهِ زَاد التَّقْوَى فتقدمه غير
التَّقْوَى مَرْدُودَة لَا مَقْبُولَة وابسط يدك بِالْإِحْسَانِ وَالْعدْل فقد أَمر الله تَعَالَى بِالْعَدْلِ والاحسان فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن وَكفر بِهِ عَن الْمَرْء ذنوبا وآثاما وَجعل يَوْمًا وَاحِدًا فِيهِ كعبادة العابد سِتِّينَ عَاما وَمَا سلك آحد سَبِيل الْعدْل والاحسان إِلَّا واجتنيت ثماره من أفنان وَرجع الْأَمر بِهِ بعد أَن تداعى أَرْكَانه وَهُوَ مشيد الْأَركان وتحصن بِهِ من حوادث زَمَانه والسعيد من تحصن من حوادث الزَّمَان وَكَانَت أَيَّامه فِي الْأَيَّام أبهى من الأعياد وَأحسن فِي الْعُيُون من الْغرَر فِي أوجه الْجِيَاد وَأحلى من الْعُقُود إِذا حلى بهَا عطل الأجياد
وَهَذِه الأقاليم المنوطة بك تحْتَاج إِلَى نواب وحكام وَأَصْحَاب رَأْي من أَصْحَاب السيوف والأقلام فَإِذا استعنت بِأحد مِنْهُم فِي أمورك فَنقبَ عَلَيْهِ تنقيبا وَاجعَل عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاته رقيبا وسل عَن أَحْوَاله فَفِي الْقِيَامَة تكون عَنهُ مسئولا وَبِمَا أجرم مَطْلُوبا وَلَا تول مِنْهُم إِلَّا من تكون مساعيه حَسَنَات لَك لَا ذنوبا
وَأمرهمْ بالأناة فِي الْأُمُور والرفق وَمُخَالفَة الْهوى إِذا ظَهرت أَدِلَّة الْحق وَأَن يقابلوا الضُّعَفَاء فِي حوائجهم بالثغر الباسم وَالْوَجْه الطلق وَأَن لَا يعاملوا أحدا على الْإِحْسَان والإساءة إِلَّا بِمَا يسْتَحق وَأَن يَكُونُوا لمن تَحت أَيْديهم من الرّعية إخْوَانًا وَأَن يوسعوهم برا وإحسانا وَأَن لَا يستحلوا حرماتهم إِذا اسْتحلَّ الزَّمَان لَهُم حرمانا فالمسلم أَخُو الْمُسلم وَلَو كَانَ عَلَيْهِ أَمِيرا وسلطانا والسعيد من نسج ولاته فِي الْخَيْر على منواله واستن بسنته فِي تَصَرُّفَاته وأحواله وَتحمل عَنهُ مَا تعجز قدرته عَن حمل أثقاله
وَمِمَّا يؤمرون بِهِ أَن يمحى مَا أحدث من سيئ السّنَن وجدد من الْمَظَالِم الَّتِي هِيَ من أعظم المحن وَأَن يَشْتَرِي بإبطالها المحامد رخيصة بأغلى ثمن وَمهما جنى مِنْهَا من الْأَمْوَال فَإِنَّمَا هِيَ بَاقِيَة فِي الذَّم حَاصِلَة وأجياد الخزائن إِن أضحت بهَا حَالية فَإِنَّمَا هِيَ على الْحَقِيقَة مِنْهَا عاطلة وَهل أَشْقَى مِمَّن احتقب إِثْمًا واكتسب بالمساعي الذميمة ذما وَجعل السوَاد الْأَعْظَم يَوْم الْقِيَامَة خصما وَتحمل
ظلم النَّاس فِيمَا صدر عَنهُ من أَعمال {وَقد خَابَ من حمل ظلما}
وحقيق بالْمقَام الشريف المولوي السلطاني الملكي الظَّاهِرِيّ الركني أَن لَا تكون ظلامات الْأَنَام مَرْدُودَة بعدله وطاعته تخفف ثقلا لَا طَاقَة لَهُم بِحمْلِهِ فقد أضحى على الْإِحْسَان قَادِرًا وصنعت لَهُ الْأَيَّام مَا لم تَصنعهُ لمن تقدم من الْمُلُوك وَإِن جَاءَ آخرا فاحمد الله على أَن وصل إِلَى جنابك إِمَام هدى يُوجب لَك مزية التَّقْدِيم وينبه الْخَلَائق على مَا خصك الله بِهِ من الْفضل الْعَظِيم وَهَذِه أُمُور يجب أَن تلاحظ وترعى ويوالى عَلَيْهَا حمد الله فَإِن الْحَمد يجب عَلَيْهَا عقلا وَشرعا وَقد تبين لَك أَنَّك صرت فِي الْأُمُور أصلا وَصَارَ غَيْرك فرعا
وَمِمَّا يجب أَيْضا تَقْدِيم ذكره أَمر الْجِهَاد الَّذِي أضحى على الْأمة فرضا وَهُوَ الْعَمَل الَّذِي يرجع بِهِ مسود الصحائف مبيضا وَقد وعد الله الْمُجَاهدين بِالْأَجْرِ الْعَظِيم وَأعد لَهُم عِنْده الْمقَام الْكَرِيم وخصهم بِالْجنَّةِ الَّتِي لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم وَقد تقدّمت لَك فِي الْجِهَاد يَد بَيْضَاء
أسرعت فِي سَواد الحساد وَعرفت مِنْك عزمه وَهِي أمضى مِمَّا تجنه ضمائر الأغماد واشتهرت بك مَوَاقِف فِي الْقِتَال هِيَ أشهر وأشهى إِلَى الْقُلُوب من الأعياد وَبِك صان الله حمى الْإِسْلَام أَن يبتذل وبعزمك حفظ على الْمُسلمين نظام هَذِه الدول وسيفك أثر فِي قُلُوب الْكَافرين قروحا لَا تندمل وَبِك يُرْجَى أَن يرجع مقرّ الْخلَافَة إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَيَّام الأول فأيقظ لنصرة الْإِسْلَام جفنا مَا كَانَ غافيا وَلَا هاجعا وَكن فِي مجاهدة أَعدَاء الله إِمَامًا متبوعا لَا تَابعا وأيد كلمة التَّوْحِيد فَمَا تَجِد فِي تأييدها إِلَّا مُطيعًا سَامِعًا وَلَا تخل الثغور من اهتمام بأمرها تبتسم لَهُ الثغور واحتفال يُبدل مَا دجا من ظلماتها بِالنورِ وَاجعَل أمرهَا على الْأُمُور مقدما وشيد مِنْهَا كل مَا غَادَرَهُ الْعَدو متهدما فَهَذِهِ حصون بهَا يحصل الِانْتِفَاع الِانْتِفَاع وعَلى الْعَدو دَاعِيَة افْتِرَاق دَاعِيَة افْتِرَاق لَا اجْتِمَاع وأولاها بالاهتمام مَا كَانَ الْبَحْر لَهُ مجاورا والعدو إِلَيْهِ ملتفتا نَاظرا وَلَا سِيمَا ثغور الديار المصرية فَإِن الْعَدو وصل إِلَيْهَا رابحا وَرَاح خاسرا واستأصلهم الله فِيهَا حَتَّى مَا أقَال مِنْهُم
عاثرا وَكَذَلِكَ الأسطول الَّذِي ترى خيله كالأهلة وركائبه سَابِقَة بِغَيْر سائق مُسْتَقلَّة وَهُوَ أَخُو الْجَيْش السُّلَيْمَانِي فَإِن ذَاك غَدَتْ الرّيح لَهُ حاملة وَهَذَا تكفلت بِحمْلِهِ الرِّيَاح السابلة وَإِذا لحظها الطّرف جَارِيَة فِي الْبَحْر كَانَت كالأعلام وَإِذا شبهها قَالَ هَذِه لَيَال تقلع بِالْأَيَّامِ وَقد سنى الله لَك من السَّعَادَة كل مطلب وآتاك من أَصَالَة الرَّأْي الَّذِي يُرِيك المغيب وَبسط بعد الْقَبْض مِنْك الأمل ونشط بالسعادة مَا كَانَ من كسل وهداك إِلَى مناهج الْحق وَمَا زلت مهتديا إِلَيْهَا وألزمك المراشد فَلَا تحْتَاج إِلَى تَنْبِيه عَلَيْهَا وَالله تَعَالَى يمدك بِأَسْبَاب نَصره ويوزعك شكر نعمه فَإِن النِّعْمَة تستتم بشكره
وَهَذِه نُسْخَة الْعَهْد الَّذِي كتبه القَاضِي مُحي الدّين بن عبد الظَّاهِر للْملك الْمَنْصُور قلاوون عَن الْخَلِيفَة الإِمَام أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْحَاكِم الأول
الْحَمد لله الَّذِي جعل آيَة السَّيْف ناسخة لكثير من الْآيَات وفاسخة لعقود أولى الشَّك والشبهات الَّذِي رفع بعض الْخلق على بعض دَرَجَات وَأهل لأمور الْبِلَاد والعباد من جَاءَت بخوارق تملكة بِالَّذِي إِن لم يكن من المعجزات فَمن المكرمات
ثمَّ الْحَمد لله الَّذِي جعل الْخلَافَة العباسية بعد القطوب حَسَنَة الابتسام وَبعد الشحوب جميلَة الاتسام وَبعد التشريد كل دَار إِسْلَام لَهَا أعظم من دَار السَّلَام
وَالْحَمْد لله على أَن أشهدها مصَارِع أعدائها وَأحمد لَهَا عواقب إِعَادَة نصرها وإبدائها ورد تشتيتها بعد أَن ظن كل أحد أَن شعارها الْأسود مَا بقى مِنْهُ إِلَّا مَا صانته الْعُيُون فِي جفونها والقلوب فِي سويدائها
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يتلذذ بذكرها اللِّسَان وتتعطر بنفحاتها الأفواه والأردان وتتلقاها مَلَائِكَة الْقبُول فترفعها إِلَى أَعلَى مَكَان
ونصلى على سيدنَا مُحَمَّد الَّذِي أكرمنا الله بِهِ وَشرف لنا الْأَنْسَاب وأعزنا بِهِ حَتَّى نزل فِينَا مُحكم الْكتاب صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الَّذين انجاب الدّين مِنْهُم عَن أنجاب وَرَضي الله عَن صحابته الَّذين هم خير صِحَاب صَلَاة ورضوانا يُوفى قَائِلهَا أجره يَوْم الْحساب من الْكَثْرَة بِغَيْر حِسَاب يَوْم الْحساب
وَبعد حمد الله على أَن أَحْمد عواقب الْأُمُور وَأظْهر لِلْإِسْلَامِ سُلْطَانا اشتدت بِهِ للْأمة الظُّهُور وشفيت الصُّدُور وَأقَام الْخلَافَة العباسية فِي هَذَا الزَّمن بالمنصور كَمَا أَقَامَهَا فِي مَا مضى بالمنصور وَاخْتَارَ لإعلان دعوتها من يحيي معالمها بعد العفاء ورسومها بعد الدُّثُور وَجمع لَهَا الْآن مَا كَانَ جمع عَلَيْهَا فِيمَا قبل من خلاف كل ناجم ومنحها مَا كَانَت تبشرها بِهِ من الْمَلَاحِم وأنفذ كلمتها فِي ممالك الدولة العلوية بِخَير سيف مشحوذ ماضي العزائم ومازج بَين طاعتها فِي الْقُلُوب وَذكرهَا فِي الْأَلْسِنَة وَكَيف لَا والمنصور هُوَ الْحَاكِم وَأخرج لحياطه الْأمة المحمدية ملكا تقسم البركات عَن يَمِينه وتقسم السَّعَادَة بِنور
جَبينه وتقهر الْأَعْدَاء بفتكاته وتمهر عقائل المعاقل بأصغر راياته ذُو السعد الَّذِي مَا زَالَ نوره يشف حَتَّى ظهر ومعجزه يرف إِلَى أَن بهر وجوهره ينْتَقل من جيد إِلَى جيد حَتَّى علا الجبين وسره يكمن فِي قلب بعد قلب حَتَّى علم وَالْحَمْد لله نبأ تَمْكِينه فِي الأَرْض بعد حِين فاختاره الله على علم واصطفاه من بَين عباده بِمَا جبله الله عَلَيْهِ من كرم وشجاعة وحلم وأتى الله بِهِ الْأمة المحمدية فِي وَقت الِاحْتِيَاج غوثا وَفِي إبان الاستمطار غيثا وَفِي حِين عيث الأشبال فِي غير الافتراس ليثا فَوَجَبَ على من لَهُ فِي أَعْنَاق الْأمة المحمدية مبايعة رضوَان وَعند أَيْمَانهم مصافحة أَيْمَان وَمن وَجَبت لَهُ الْبيعَة باستحقاقه لميراث منصب النُّبُوَّة وَمن تصح مِنْهُ كل ولَايَة شَرْعِيَّة يُؤْخَذ كتابها مِنْهُ بِقُوَّة وَمن هُوَ خَليفَة الزَّمَان وَالْعصر وَمن بدعواته ينزل الله عَلَيْكُم معاشر كماة الْإِسْلَام مَلَائِكَة النَّصْر وَمن نسبه بِنسَب نَبِيكُم صلى الله عليه وسلم متشج وحسبه بِحَسبِهِ ممتزج أَن يُفَوض مَا فوضه الله إِلَيْهِ من أَمر الْخلق إِلَى من يقوم عَنهُ بِفَرْض الْجِهَاد وَالْعَمَل بِالْحَقِّ
وَأَن يوليه ولَايَة شَرْعِيَّة تصح بهَا الْأَحْكَام وتنضبط أُمُور الْإِسْلَام وَتَأْتِي هَذِه الْعصبَة الإسلامية يَوْم تَأتي كل أمة بإمامهم من طَاعَة خليفتهم هَذَا بِخَير إِمَام وَخرج أَمر مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ شرفه الله أَن يكون للْمقر العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوري أَجله الله وَنَصره وأظفره وأقدره وأيده وأبده كل مَا فوضه الله لمولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ من حكم فِي الْوُجُود وَفِي التهائم والنجود وَفِي الجيوش والجنود وَفِي الْمَدَائِن والخزائن وَفِي الظَّوَاهِر والبواطن وَفِيمَا فَتحه الله وَفِيمَا سيفتحه وَفِيمَا كَانَ فسد بالْكفْر والرجاء من الله أَنه سيصلحه وَفِي كل جود وَمن وَفِي كل عَطاء وَمن وَفِي كل هبة وتمليك وَفِي كل تفرد بِالنّظرِ فِي أُمُور الْمُسلمين بِغَيْر تشريك وَفِي كل تعاهد ونبذ وَفِي كل عَطاء وَأخذ وَفِي كل عزل وتولية وَفِي كل تَسْلِيم وتخلية وَفِي كل إرفاق وإنفاق وَفِي كل إنعام وَإِطْلَاق وَفِي كل استرقاق وإعتاق وَفِي كل تقليل وتكثير وَفِي كل اتساع وتقتير وَفِي كل تَجْدِيد وتعويض وَفِي كل حمد وتقريض
ولَايَة عَامَّة تَامَّة محكمَة محكمَة منضدة منظمة لَا يتعقبها نسخ من خلفهَا وَلَا من بَين يَديهَا وَلَا يعتريها فسخ يطْرَأ عَلَيْهَا يزيدها مر الْأَيَّام جدة يُعَاقِبهَا حسن شباب وَلَا يَنْتَهِي على الأعوام والأحقاب نعم ينتهى إِلَى مانصب الله للإرشاد من سنة وَكتاب وَذَلِكَ من شرع الله أَقَامَهُ للهداية علما وَجعله إِلَى اخْتِيَار الثَّوَاب سلما فَالْجَوَاب أَن يعْمل بجزئيات أمره وكلياته وَأَن لَا يخرج أحد عَن مقدماته
وَالْعدْل فَهُوَ الْغَرْس المثمر والسحاب الممطر وَالرَّوْض المزهر وَبِه تتنزل البركات وتخلف الهبات وتربى الصَّدقَات وَبِه عمَارَة الأَرْض وَبِه تُؤَدّى السّنة وَالْفَرْض فَمن زرع الْعدْل اجتنى الْخَيْر وَمن أحسن كفي الضَّرَر والضير
وَالظُّلم فعاقبته وخيمة وَمَا يطول عمر الْملك إِلَّا بالمعدلة الرحيمة
والرعية فهم الْوَدِيعَة عِنْد أولي الْأَمر فَلَا يخصص بِحسن النّظر مِنْهُم زيد وَلَا عَمْرو
وَالْأَمْوَال فَهِيَ ذخائر الْعَاقِبَة والمآل وَالْوَاجِب أَن تُؤْخَذ بِحَقِّهَا وتنفق فِي مستحقها
وَالْجهَاد برا وبحرا فَمن كنَانَة الله تفوق سهامه وتؤرخ أَيَّامه وينتضي حسامه وتجري منشآته فِي الْبَحْر كالأعلام وتنشر أَعْلَامه وَفِي عقر دَار الْحَرْب يحط ركابه ويخط كِتَابه وَترسل أرسانه وتجوس خلالها فرسانه فَيلْزم مِنْهُ ديدنا وليستصحب مِنْهُ فعلا حسنا
وجيوش الْإِسْلَام وكماته وأمراؤه وحماته فهم من قد علمت قدم هجره وَعظم نَصره وَشدَّة بَأْس وَقُوَّة مراس وَمَا مِنْهُم إِلَّا من شهد الفتوحات والحروب وَأحسن فِي المحاماة عَن الدّين الدءوب وهم بقايا الدول ونجايا الْمُلُوك الأول لَا سِيمَا أولو السَّعْي الناجح وَمن لَهُم نِسْبَة صالحية إِذا فَخَروا بهَا قيل لَهُم نعم السّلف الصَّالح فأوسعهم برا وَكن بهم برا وهم بِمَا يجب من خدمتك أعلم وَأَنت بِمَا يجب من حرمتهم أدرى
والثغور والحصون فَهِيَ ذخائر الشدَّة وخزائن العديد وَالْعدة ومقاعد لِلْقِتَالِ وكنائن الرِّجَال والآمال فَأحْسن لَهَا التحصين وفوض أمرهَا إِلَى كل قوي أَمِين وَإِلَى كل ذِي دين متين وعقل رصين
ونواب الممالك ونواب الْأَمْصَار فَأحْسن لَهُم الِاخْتِيَار وأجمل لَهُم الاختبار وتفقد لَهُم الْأَخْبَار
وَأما مَا سوى ذَلِك فَهُوَ دَاخل فِي حُدُود هَذِه الْوَصَايَا النافعة وَلَوْلَا أَن الله أمرنَا بالتذكير لكَانَتْ سجايا الْمقر الْأَشْرَف السلطاني الملكي المنصوري مكتفية بأنوار ألمعيته الساطعة وزمام كل صَلَاح يجب أَن يشغل بِهِ جَمِيع أوقاته هُوَ تقوى الله قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته} فَلْيَكُن ذَلِك نصب الْعين وشغل الْقلب والشفتين
وأعداء الدّين من أرمن وفرنج وتتار فاذقهم وبال أَمرهم فِي كل إِيرَاد للغزو وإصدار وثر لِأَن تَأْخُذ
للخلفاء العباسيين وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين مِنْهُم الثار وَاعْلَم أَن الله نصيرك على ظلمهم وَمَا للظالمين من أنصار
وَأما غَيرهم من مجاوريهم من الْمُسلمين فَأحْسن باستنقاذك مِنْهُم العلاج وطبهم باستصلاحك فبالطب الملكي المنصوري مَا زَالَ ينصلح المزاج وَالله الْمُوفق بكرمه
تَنْبِيه قد ذكر مُحَمَّد بن عمر الْمَدَائِنِي أَنه كَانَ فِي الزَّمن الْمُتَقَدّم أَنه كَانَ يكْتب لِلْأُمَرَاءِ عَن الْخُلَفَاء فِي قرطاس من نصف طومار وَتقدم فِي آخر البيعات وعهود الْخُلَفَاء أَن المُرَاد قطع الْبَغْدَادِيّ وَكَانَت الْأُمَرَاء من متقلدي الممالك عَنْهُم قَائِمَة مقَام الْمُلُوك الْآن أما الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال فِيمَا يكْتب عَن خلفاء بني الْعَبَّاس بالديار المصرية لملوكها فَفِي قطع الْبَغْدَادِيّ الْكَامِل وَلم يزل الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن تملك الْملك الْمُؤَيد شيخ سُلْطَان الْعَصْر فَكتب عَهده فِي ورق يزِيد عرضه عَن قطع الْبَغْدَادِيّ بِقدر نصفه بقلم مُخْتَصر الطومار