الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنَّه كَانَ بعباده خَبِيرا بَصيرًا وَأشْهد الله وَمَلَائِكَته وَمن حَضَره من الْمُؤمنِينَ على نَفسه بِمَا تضمنه هَذَا الْعَهْد الْكَرِيم وَحكم بِمُقْتَضَاهُ على الْأمة {فَمن بدله بعد مَا سَمعه فَإِنَّمَا إثمه على الَّذين يبدلونه إِن الله سميع عليم} والخط الشريف الإمامي الحاكمي أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وعَلى مثل ذَلِك كتب الْمولى شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن القيسري
عهد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون عَن الْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد بن الْحُسَيْن الْمُقدم ذكره فِي سلطنته الثَّانِيَة عِنْد عوده من الْكَرم بعد خلع الْمَنْصُور لاجين
وَهَذِه نسخته
هَذَا عهد يعمر بك لِلْإِسْلَامِ الْمعَاهد وينصر مِنْك الاعتزام فتغنى عَن الموَالِي والمعاهد ويلقى إِلَيْك
مقاليد الْأُمُور لتجتهد فِي مراضي الله وتجاهد وَيَبْعَثُك على الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة ليكونا شَاهِدين لَك عِنْد الله فِي أعظم الْمشَاهد فَخذ كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ بِقُوَّة تبركا بِأخذ يحيى عليه السلام الْكتاب وحاسب نَفسك محاسبة تَجِد نَفعهَا يَوْم يقوم الْحساب اعْمَلْ صَالحا 208 ب فَالَّذِينَ آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات طُوبَى لَهُم وَحسن مآب
من عبد الله ووليه الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى السُّلْطَان الْأَجَل الْعَالم الْعَادِل الْمُجَاهِد المرابط المظفر الْملك النَّاصِر نَاصِر الدُّنْيَا وَالدّين سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سيد الْمُلُوك والسلاطين فاتح الْأَمْصَار مبيد الأرمن والفرنج والتتار وَارِث الْملك سُلْطَان الْعَرَب والعجم وَالتّرْك خَادِم الْحَرَمَيْنِ صَاحب الْقبْلَتَيْنِ أبي الْفَتْح مُحَمَّد قسيم أَمِير الْمُؤمنِينَ أعز الله سُلْطَانه ولد السُّلْطَان الشَّهِيد الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون قدس الله روحه
أما بعد فَالْحَمْد لله الَّذِي أَقَامَ نَاصِر الْإِسْلَام وَأَهله
بِخَير نَاصِر وَأحل فِي السلطنة المعظمة من اسْتحقَّهَا بِذَاتِهِ الشَّرِيفَة وَشرف العناصر وَوضع الإصر بِمن كثرت مِنْهُ وَمن سلفه الْكَرِيم على الرعايا والأواصر وَعقد لِوَاء الْملك لمن هُوَ وَاحِد فِي الْجُود ألف فِي الوغى فَفِي حاليه تعقد عَلَيْهِ الخناصر وَجمع كلمة الْأمة بمتفرد فِي الْمَعَالِي متوحد فِي المفاخر متصف بمناقب أربى بهَا على أَرْبَابهَا من الْمُلُوك الْأَوَائِل والأواخر وَأقر النواظر والخواطر بِمن أشرق عَلَيْهِمَا نروه الباهر وَظهر آثَار وجود وجوده على البواطن والظواهر وَأعَاد شبيبة الْأَيَّام فِي اقتبال سر السرائر وسارت بشائر مقدمه فِي الْآفَاق سير الْمثل وَمَا ظَنك بِالْمثلِ السائر وَفعلت مهابته فِي التَّمْهِيد والتشييد فعل القنا المتشاجر وشفت الصُّدُور بِوُجُود الِاتِّفَاق وَعدم الشقاق بعد أَن بلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وأورث الْبِلَاد والعباد صفة ذُرِّيَّة ورثوا السِّيَادَة كَابِرًا عَن كَابر وسرى سره إِذا ولد الْمَوْلُود مِنْهُم تهللت الأَرْض واهتزت إِلَيْهِ المنابر
وَالْحَمْد لله الَّذِي اجتبى سيدنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم من أشرف بَيت وقبيلة ومنح الْأمة برسالته من خيري
الدُّنْيَا 209 أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالْآخِرَة الْوَسِيلَة وَأوجب الشَّفَاعَة لمن سَأَلَ الله لَهُ أَعلَى دَرَجَة لَا ينالها إِلَّا رجل وَاحِد وَهِي الْوَسِيلَة وَجعل شملهم بمبايعته فِي الْهِدَايَة نظيما وحض على ذَلِك بقوله تَعَالَى {إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما} وبلغهم بِهِ من السَّعَادَة غَايَة مطلوبهم وأيده بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَألف بَين قُلُوبهم وزان شَرِيعَته المطهرة بمحاسن أبهى منْظرًا ومخبرا من الْعُقُود وَفرض على الْمُؤمنِينَ أَن يوفوا بالعهود والعقود وأقدرهم على حمل الْأَمَانَة الَّتِي أشفقت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال من حملهَا وَأنزل فِي كِتَابه الْعَزِيز {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا}
وَالْحَمْد لله الَّذِي اخْتَار أَمِير الْمُؤمنِينَ من سلالة عَم نبيه الْعَبَّاس وَاصْطفى بَيته الْمُبَارك من خير أمة أخرجت للنَّاس وقوى بِهِ جأش الْمُسلمين وجيوش الْمُوَحِّدين على
الْمُلْحِدِينَ وآتاه بسيادة جده وسعادة جده مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين وَحفظ بِهِ للْمُؤْمِنين ذماما وَجعله لِلْمُتقين إِمَامًا وَخَصه بمزيد من الشرفين نسبه ومنصبه وَجعل مزية الرتبتين كلمة بَاقِيَة فِي عقبه وصان بِهِ حوزة الدّين صِيَانة العرين بالأسود وصير الْأَيْدِي الْبيض مشكورة لحاملي راياته السود
يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ حمد من اخْتَارَهُ من السَّمَاء فاستخلفه فِي الأَرْض وَجعل إمرته على الْمُؤمنِينَ فرضا لتقام بِهِ السّنة وَالْفَرْض وَيشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ {الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} وَبلغ الْأمة بِهِ من النجَاة والنجاح الْغَرَض الْأَقْصَى وَيشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي كشف بمبعثه عَن الْقُلُوب حجب الغي 209 ب وأشرقت أنوار نبوته فأضاء بهَا يَوْم دُخُوله الْمَدِينَة كل شَيْء صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين مِنْهُم من أَقَامَهُ فِي الْإِمَامَة مقَامه وَأَشَارَ إِلَى الِاقْتِدَاء بِهِ
من بعده وَمِنْهُم من أعز الله بِهِ الْإِسْلَام فِي كل قطر مَعَ قربه وَبعده وَمِنْهُم من كَانَت الْيَد الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة فِي بيعَة الرضْوَان خيرا لَهُ من يَده وَمِنْهُم من أَمر الله تَعَالَى بالمباهلة بالأبناء والنفوس فباهل خَاتم الْأَنْبِيَاء صلى الله عليه وسلم بِهِ وبزوجه وَولده وعَلى بَقِيَّة الْعشْرَة الَّذين غَدَتْ بهم دَعْوَة الْحق مشتهرة منتشرة وعَلى عميه أَسد الله وَأسد رَسُوله عليه السلام وجد الْأَئِمَّة المهديين أُمَرَاء الْمُؤمنِينَ وخلفاء الْإِسْلَام وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَإِن الله تَعَالَى جعل سجية الْأَيَّام الشَّرِيفَة الإمامية الحاكمية أدام الله إشراقها وَقسم بهَا بَين الْأَوْلِيَاء والأعداء آجالها وأرزاقها رد الْحُقُوق إِلَى نصابها وإعادتها إِلَى مستحقيها وَلَو تمادت الْأَيَّام على اغتصابها وإقرارها عِنْد من هُوَ من دون الورى أولى بهَا ليحقق أَن نِسْبَة الشريف أظهر على أوامره دَلَائِل الإعجاز وحلى كلماتها بالإيجاز وهباتها بالإنجاز وَإِن الله جعل الِاسْم الشريف الحاكمي فِي الحكم بأَمْره على خير مُسَمّى وقوى مِنْهُ فِي تأييد كلمة الْحق جنَانًا وعزما وَلم يخرج من أَحْكَامه عَن اتِّبَاع أَمر الله قَضِيَّة وَلَا حكما
وَكنت أَيهَا السَّيِّد الْعَالم الْعَادِل السُّلْطَان الْملك
النَّاصِر نَاصِر الدُّنْيَا وَالدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن السُّلْطَان الشَّهِيد الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون قدس الله روحه أولى الْأَوْلِيَاء بِالْملكِ الشريف لما لسلفك من الْحُقُوق وَمَا أسلفوه من فضل لَا يحسن لَهُ التناسي وَلَا العقوق وَلما أوجب لَك على العساكر الإسلامية سَابق الْأَيْمَان وصادق الْإِيمَان ولأنك جمعت فِي الْمجد بَين طارف وتالد وفقت بزكي نفس وَأَخ ووالد وجلالة مَا ورثتها عَن كَلَالَة وخلال 210 أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا لَهَا بالسيادة إخلال ومفاخر تكاثر الْبَحْر الزاخر ومآثر أعجز وصفهَا النَّاظِم والناثر وَكَانَ ركابك العالي قد سَار إِلَى الكرك المحروس وَقَعَدت عَنْك الْأَجْسَام وسافرت مَعَك النُّفُوس ووثقت الخواطر بأنك إِلَى السلطنة تعود وَأَن الله يجدد لَك صعُودًا إِلَى مَرَاتِب السُّعُود وأقمت بهَا وذكرك فِي الْآفَاق سَائِر والآمال مبشرة بأنك إِلَى كرْسِي مملتك صائر فَلَمَّا احْتَاجَ الْملك الشريف فِي هَذِه الْمدَّة إِلَى ملك يسر سَرِيره وسلطان تَغْدُو بإستقراره عُيُون الْأَنَام وَالْأَيَّام قريرة لما للْمُسلمين فِي ذَلِك من
تيسير أوطار وتعمير أوطان وَلِأَنَّهُم لَا ينفذون فِي الْمصَالح الإسلامية إِلَّا بسُلْطَان لم يدر فِي الأذهان وَلَا خطر لقاص وَلَا دَان إِلَّا أَنَّك أَحَق النَّاس بالسلطنة الشَّرِيفَة وأولاهم برتبتها المنيفة وَلَا ذكر أحد إِلَّا حُقُوق بَيْتك وفضلها وَلَا قَالَ عَنْك إِلَّا بقول الله تَعَالَى {وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا} لِأَن الْبِلَاد فتوحات سُيُوفكُمْ ورعاياها فِيمَا هم فِيهِ من الْأَمْن وَالْخَيْر بِمَنْزِلَة ضيوفكم وَلِأَن العساكر الإسلامية استرقهم ولاؤك ووالوك لأَنهم أرقاؤك فَلم يقل أحد أَنى لَهُ الْملك علينا بل أقرّ كل مِنْهُم لَك بِالْيَدِ وقر بولايتك عينا وَأَخْلصُوا فِي موالاتك العقائد وَاسْتَبْشَرُوا مِنْك بمبارك الْوَجْه ماجد جائد وَلم يغب غَائِب خَلِيفَته جَيش أَبِيه وجده الصاعد وَرفعت الممالك يَد الضراعة سَائِلَة وراغبة وخطبتك لعقائلها ومعاقلها والخطباء على المنابر لَك خاطبة وبدعائك مُخَاطبَة وقصدت لذَلِك أبوابك الَّتِي لَا تزَال تقصد ودعيت للعود الْمُبَارك وعود مُحَمَّد للْأمة المحمدية أَحْمد وَفعلت الجيوش المنصورة من طَاعَتك كل مَا سر وأربت
فِي صدق النيات وبرها على كل من بر 210 ب
…
وَلَو أَن مشتاقا تكلّف فَوق مَا
فِي وَسعه لسعى إِلَيْك الْمِنْبَر
…
فَمَا ضرّ بِحَمْد الله بعد الدَّار والآمال لساكنها مطيفة بل كَانَ لَك الذكرى فِي قلب الْخَلِيفَة نعم الْخَلِيفَة وَكنت لَدَيْهِ وَإِن غبت حَاضرا بجميل الذّكر ونأيت دَارا فقربك إِلَيْهِ حسن التَّصْوِير فِي الْفِكر وَكَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ قد شاهدك يافعا وَشهد خاطره أَن ستصير للْمُسلمين نَافِعًا وَتَأمل مِنْك أمائر أضحى لَهَا لترقيك آملا وهلاك دلته كرامته وَلَا تنكر لَهُ الْكَرَامَة على أَن سَيكون بَدْرًا كَامِلا وبلغه عَنْك من الْعدْل وَالْإِحْسَان مَا أعجز وَصفه بلاغتي الْقَلَم وَاللِّسَان فناداك نداه على بعد المزار وَلم يجد لَك نظيرا فَأطَال وأطاب لمقدمك السعيد الِانْتِظَار إِلَى أَن أقدمت إقدام اللَّيْث وقدمت إِلَى الْبِلَاد المتعطشة إِلَى نظرك الشريف قدوم الْغَيْث فلاح بك على الْوُجُود دَلِيل الْفَلاح وَحمد الرعايا سراك عَن الصَّباح والاستصباح وشاهدوا مِنْك أسدا فاق
بوثباته وثباته الأول وشخصا لَا يصلح إِلَّا لإدالة دوَل وَلَا تصلح إِلَّا لمثله الدول وَقَامَت بإختبارك على اختيارك الدَّلَائِل وعرفك سَرِير الْملك وَعرف فِيك من أَبِيك شمائل وَرَأى أَمِير الْمُؤمنِينَ من نجابتك فَوق مَا أخْبرت بِهِ مساءلة الركْبَان وَمن مهابتك مَا دلّ على خفض الشانئ وَرفع الشَّأْن وَمن محامدك كل مَا صغر الْخَبَر عَنْهَا الْخَبَر وأعلنت أَلْسِنَة الأقدار بِأَنَّهُ لم يبْق عَن تقليدك الممالك الإسلامية بِحَمْد الله تَعَالَى عذر فاختارك على علم على الْعَالمين واجتباك للذب عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين واستختار الله تَعَالَى فِي ذَلِك فخار وأفاض عَلَيْك من بيعَته الْمُبَارَكَة مَعَ فخرك المشتهر حلل الفخار وعهد إِلَيْك فِي كل مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ دَعْوَة إِمَامَته المعظمة وَأَحْكَام خِلَافَته الَّتِي لم تزل بهَا عُقُود الممالك فِي الطَّاعَة منظمة وفوض 211 أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك سلطنة الممالك الإسلامية برا وبحرا شاما ومصرا قربا وبعدا غورا ونجدا وَمَا سيفتح الله عَلَيْك من الْبِلَاد وتستقذه من أَيدي ذَوي الْإِلْحَاد وتقليد الْمُلُوك والوزراء وقضاة الحكم الْعَزِيز وتأمير الْأُمَرَاء وتجهيز العساكر والبعوث للْجِهَاد فِي سَبِيل الله ومحاربة من
ترى محاربته من الْأَعْدَاء ومهادنة من ترى مهادنته مِنْهُم وَجعل إِلَيْك فِي ذَلِك كُله العقد والحل والإبرام والنقض وَالْولَايَة والعزل وقلدك ذَلِك كُله تقليدا يقوم فِي تَسْلِيم الممالك إِلَيْك مقَام الإقليد وَيَقْضِي لقريبها وَيُعِيدهَا بِمَشِيئَة الله تَعَالَى بمزيد التَّمْهِيد والتشييد لتعلم أَن الله قد جعل الْأَيَّام الشَّرِيفَة الحاكمية أدامها الله تَعَالَى فلكا أبدى سالفا من الْبَيْت الشريف المنصوري أقمارا وأطلع مِنْهُم آنِفا بَدْرًا مَلأ الْخَافِقين أنوارا فَكلما ظهر لسلفه بَدَت مآثر خَلفه أظهر وَمن شاهدهم وَشَاهد شمس سعادته المنزهة عَن الأفول قَالَ هَذَا أكبر وَكلما ذكر لأَحَدهم فضل علم أَنه فِي أَيَّامه متزيد وَأَنه إِن مضى مِنْهُم سيد فِي سَبيله فقد قَامَ بأطراف الأسنة مِنْهُم سيد وصير الدولة الشَّرِيفَة الخليفية غابا إِن غَابَ مِنْهُم أسود خَلفهم شبْل بشرت مخائله أَنه عَلَيْهَا يسود فليتقلد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مَا قَلّدهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَليكن لدعوته الهادية من الملبين وَعَلَيْهَا من الْمُؤمنِينَ وليترق إِلَى هَذِه الرُّتْبَة الَّتِي اسْتحقَّهَا بِحَسبِهِ واسترقها بِنِسْبَة وليباشرها مُسْتَبْشِرًا وَيظْهر من شكر الله عَلَيْهَا مَا يَغْدُو بِهِ
مستظهرا فقد أَرَادَ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقيام فِي نصْرَة الدّين الحنيف فأقامك أَنْت مقَامه وَصرف بك بَين أهل الطَّاعَة والعصيان إكرامه وانتقامه رِعَايَة لعهد سلفك الْكَرِيم لوما استوجبته نَفسك النفيسة من وفور التَّعْظِيم والتكريم وعناية بالعساكر 211 ب المؤيدة الَّذين وجهوا وُجُوه آمالهم إِلَيْك وأبت كلمتهم الَّتِي صانها الله عَن التَّفَرُّق أَن تَجْتَمِع فِي الطَّاعَة والخدمة إِلَّا عَلَيْك ولديك ومنة عَلَيْهِم بسُلْطَان مَا برحوا من الله تَعَالَى يطلبونه وَملك نشأوا بأبوابه الْعَالِيَة فَلهَذَا يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فاحمد الله الَّذِي جعل لَك فِي إِعَادَة الْملك أُسْوَة بِسُلَيْمَان عليه السلام ورده إِلَيْك ردا لَا انْفِصَال لعروته وَلَا انفصام فأضحيت لأمور عباده سدادا ولثغور بِلَاده سدادا وللخليفة عضدا فِي الخليقة وَفِي الدَّهْر سامي الْحَقِيقَة حامي الْحَقِيقَة وللملك وَارِثا ورقاك رقيا أَصبَحت بِهِ فِي السلطنة وَاحِدًا وللخلافة المعظمة ثَانِيًا وللمقمرين ثَالِثا
وبشراك أَن الله أبرم سَبَب تأكيدك إبراما لَا تصل الْأَيْدِي إِلَى نقضه وَأَنَّك سُئِلت عَن أَمر طالما أتعب
غَيْرك سُؤَاله فِي بعضه وَأَن الله يحسن لَك العون وَبِك الصون فقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة لَا تسْأَل الْإِمَارَة فَإنَّك إِن أعطيتهَا عَن مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا وَإِن أعطيتهَا عَن غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا
وبشراك أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ خصك بمزيد الاعتناء وأقامك مقَامه فِي حسن الْغناء وحقق أَن السَّعَادَة فِي أَيَّامه مَوْصُولَة مِنْكُم بِالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاء وبلغك بِهَذَا التَّقْلِيد الشريف الْأَمَانِي وَتوجه بِيَمِين قريبَة عهد باستلام الرُّكْن الْيَمَانِيّ واصطفاك بقلب أظهر لَهُ الكشوف إشراق تِلْكَ الستور وَغدا مغمورا بالهداية ببركة الْبَيْت الْمَعْمُور وَنظر زادته مُشَاهدَة الْحرم الشريف النَّبَوِيّ نورا على نور وقابل ذَلِك بِالْقيامِ فِي مهمات الْإِسْلَام وتدقيق النّظر فِي مصَالح الْخَاص وَالْعَام واجتهد فِي صِيَانة الممالك اجْتِهَادًا يحرس مِنْهَا الأوساط والأطراف وتنتظم بِهِ أحوالها أجل انتظام وتأتلف أجمل ائتلاف والوصايا كَثِيرَة وأولاها 212 أَمِير الْمُؤمنِينَ تقوى الله فليجعلها حلية لأوقاته ويحافظ عَلَيْهَا
مُحَافظَة من يتقيه حق تُقَاته ويتخذها نجى فكره وأنيس قلبه ويعظم حرمات الله {وَمن يعظم حرمات الله فَهُوَ خير لَهُ عِنْد ربه}
وَالشَّرْع الشريف فَهُوَ لعقد الْإِسْلَام نظام وللدين الْقيم قوام فتجتهد فِي اقتفاء سنَنه وَالْعَمَل بفروضه وسننه وتكريم أَهله وقضاته والتوسل بذلك إِلَى الله فِي ابْتِغَاء مرضاته
وأمراء دولتك فهم أنصار سلفك الصَّالح وذوو النصائح فِيمَا آثروه من الْمصَالح وخلصاء طاعتهم فِي السِّرّ والنجوى وأعوانهم على الْبر وَالتَّقوى وهم الَّذين أحلّهُم والدك من الْعِنَايَة الْمحل الْأَسْنَى وَالَّذين سبقت لَهُم بِحسن الطَّاعَة من الله الْحسنى وَلَو لم يكن لَهُم إِلَّا حسن الْوَفَاء لكفاهم عنْدك فِي مزِيد الِاعْتِمَاد والاستكفاء فَإِنَّهُم جادلوا فِي إِقَامَة دولتك وجالدوا ووفوا بالعهد فهم الموفون بعهدهم إِذا عَاهَدُوا وهم للوصايا بخدمتك واعون وَفِيمَا ائتمنتهم عَلَيْهِ لأمانتهم وَعَهْدهمْ رَاعُونَ قد أصفوا لَك النيات بِظهْر الْغَيْب وَأَخْلصُوا
الطويات إخلاصا لَا شكّ مَعَ وَلَا ريب وابوا عَنْك أحسن مناب وكفا كف الْعَدو فَمَا طَال لَهُ لافتراس وَلَا اختلاس ظفر وَلَا نَاب وَاتَّخذُوا لَهُم بذلك عِنْد الله وعندك يدا وأثلوا لَهُم بِهِ مجدا يبْقى حَدِيثه الْحسن الصَّحِيح عَنْهُم مُسْندًا
واستوص بهم وبسائر عساكرك المنصورة خيرا وأجمل لَهُم سريرة وَفِيهِمْ سيرا وأحمدهم عُقبى هَذِه الْخدمَة وأوردهم منهل إِحْسَان يُضَاعف لَهُم النِّعْمَة وَالنعْمَة لتؤكد طَاعَتك على كل إِنْسَان ويثقوا بِحسن الْمُكَافَأَة {هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان} ولتزداد أوامرك ونواهيك امتثالا وَلَا يَجدوا عَن محبَّة أيامك الشَّرِيفَة انتقالا وليقال فِي حسن خدمهم وإحسانك هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا لَا
وَأما الْغَزْو 212 ب وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَمَا أوجبه فيهمَا قَوْله {انفروا خفافا وثقالا} فَأَقل مَا يُجزئ فرض الْكِفَايَة مِنْهُ مرّة فِي كل عَام وَأما فرض الْعين فوجوبه على ذَوي الِاسْتِطَاعَة من الْمُسلمين عَام وَقد
عرفت سنَن السلطانين الشهيدين والدك وأخيك قدس الله روحيهما فِي الاعتناء بجهاد الْكفَّار وغزوهم فِي عقر الدَّار وموقف أَحدهمَا فِي موطن زلت فِيهِ الْأَقْدَام عَن الْإِقْدَام وَاجْتمعَ فِيهِ الْكفْر على الْإِسْلَام وشاب من هوله الْوَلِيد ومصابرته تجاه سيف من سيوف الله تَعَالَى الإِمَام خَالِد بن الْوَلِيد واستنقاذا لآخر الْبِلَاد الساحلية الَّتِي أنقذها الله من أَيدي الْمُشْركين على يَد الصَّالِحين وَفتح لَهما أَبْوَاب الْجنَّة ببركة الافتتاحين وَأَن والدك وأخاك سدا على الْمُشْركين الفجاج وطهرا من أرجاسهم العذب الْفُرَات وَالْملح الأجاج فالكتائب المنصورة أبانت التتار بِالسُّيُوفِ المشرفية والممالك الإسلامية زهت نظاما بالفتوحات الأشرفية فاجتهد فِي إعلاء كلمة الدّين أتم اجْتِهَاد وعززهما مِنْك بثالث فِي الْغَزْو وَالْجهَاد
والرعايا بعيدهم وقريبهم ومستوطنهم وغريبهم فيوفيهم من الرِّعَايَة حظهم ويجزل صيانتهم وحفظهم وكما يرى الْحق لَهُ فليرى الْحق عَلَيْهِ وَيحسن إِلَى رعاياه كَمَا أحسن الله إِلَيْهِ
وَأما الْعدْل فَإِنَّهُ للبلاد عمَارَة وللسعادة أَمارَة وللآخرة منجاة من النَّفس الأمارة فَلْيَكُن لَهُ شعارا ودثارا وَيظْهر لسجيته الزكية فِي آثارا وليؤكد مراسمه فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر والمحافظة من ذَلِك على مَا يذكر بِهِ عِنْد الله ويشكر
وَالْحُدُود الشَّرْعِيَّة فليحل بإقامتها لِسَانه وطرسه وَلَا يتعدها بِنَقص وَلَا زِيَادَة {وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه} وَالله يخلد لَهُ رُتْبَة الْملك الَّتِي أَعلَى بهَا مقَامه ويديمه ناصرا للدّين الحنيف 213 أَمِير الْمُؤمنِينَ فأنصاره لَا يزالون ظَاهِرين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيجْعَل سَبَب هَذَا الْعَهْد الشريف مدى الْأَيَّام متينا ويجدد لَهُ فِي كل وَقت نصرا قَرِيبا وفتحا مُبينًا
والخط الشريف الحاكمي أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى