الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَطَالَ الله بَقَاءَك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك ونعمتك وأمتع أَمِير الْمُؤمنِينَ بك وبالموهبة فِيك وعندك وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته
الْمَذْهَب الثَّالِث
أَن يفْتَتح الْعَهْد بِلَفْظ إِن أولى أَو إِ أَحَق وَمَا أشبه ذَلِك وَهِي طَريقَة غَرِيبَة خَارِجَة عَن أصُول الْكِتَابَة من حَيْثُ إِن رُتْبَة الْمُلُوك فِيمَا يكْتب لَهُم التَّعْظِيم وَمثل هَذَا الِافْتِتَاح إِنَّمَا يكْتب لأَصْحَاب الرتب السافلة الَّتِي لَا تقَارب رُتْبَة الْملك وَلَا مَا دونهَا
على أَنه قد كتب بذلك إِلَى ديوَان الْخلَافَة بِبَغْدَاد للسُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف على جلالة قدره بتقليد الديار المصرية والبلاد الشامية واليمنية فِي بعض الأحيان 216 أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ ذَلِك إِنَّمَا وَقع حِين كَانَ الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله متغيرا عَلَيْهِ حِين تلقب بِالْملكِ النَّاصِر لما فِي ذَلِك من مضاهاة لقب الْخَلِيفَة
وَهَذِه نُسْخَة الْعَهْد الْمَكْتُوب بِهِ على هَذِه الطَّرِيقَة
إِن أولى من جَادَتْ رباعه سحب الاصطناع وَخص من الاصطفاء والاحتباء بالصفايا والمرباع من توسم فِيهِ انتهاج الجدد القويم وَالطَّرِيق الْوَاضِح الْمُسْتَقيم واعتلق من الْأَوْلِيَاء بأوثق عصمه وحباله والفناء الَّذِي يَهْتَدِي بأنواره فِي متصرفاته وأعماله والتحلي بجميل الذّكر فِي سيرته وخلوص الاعتناء بِأُمُور عطيته وَكَانَ رَاغِبًا فِي اقتناء حميد الْخلال مُجْتَهدا فِي طَاعَة الله بِمَا يفيضه من الْعدْل الممتد الظلال عَاملا فِيمَا يناط بِهِ بِمَا يتضوع نشر مختبره ويجتني بِحسن صنعه يَانِع ثمره باذلا وَسعه فِي الصّلاح مؤذنة مساعيه بفوز القداح
وَلما كَانَ الْملك الْأَجَل السَّيِّد صَلَاح الدّين نَاصِر الْإِسْلَام عماد الدولة جمال الْأمة فَخر الْملَّة صفي الْخلَافَة تَاج الْمُلُوك والسلاطين قامع الْكَفَرَة
وَالْمُشْرِكين قاهر الْخَوَارِج والمتمردين عز الْمُجَاهدين ألب غَازِي بك بن يُوسُف بن أَيُّوب أدام الله علوه على هَذِه السجايا مُقبلا وبصفاتها الْكَامِلَة مُشْتَمِلًا مؤثرا تضَاعف المأثرات مثابرا متأثرا على مَا تزكو بِهِ الْأَعْمَال الصَّالِحَات متحليا بالمحامد الرائقة مستبدا بالمناقب الَّتِي هِيَ لجميل أَفعاله مُوَافقَة مُطَابقَة محصلا من رضَا الله تَعَالَى مَا يؤثره ويرومه من طَاعَة الدَّار العزيزة لَا زَالَت مشيدة الْبناء سابغة النعماء دائمة الاستبشار عزيزة الْأَنْصَار من اسْتِمْرَار الظفر مَا يستديمه
اقْتَضَت الآراء الشَّرِيفَة لَا زَالَ التَّوْفِيق قرينها والتأييد مظافرها ومعينها إِمْضَاء تصرفه وإنفاذ حكمه فِي بِلَاد 216 ب مصر وأعمالها والصعيد الْأَعْلَى والإسكندرية وَمَا يَفْتَحهُ من بِلَاد الغرب والساحل وبلاد الْيمن وَمَا افتتحه مِنْهَا واستخلصه بعد من ولايتها والتعويل فِي هَذِه الولايات عَلَيْهِ واستنقاذ مَا استولى عَلَيْهِ الْكفَّار من الْبِلَاد وإعزاز كل من أذلوه واضطهدوه من الْعباد لتعود الثغور بيمن نقيبته ضاحكة المباسم وبإصابة رَأْيه قَائِمَة المواسم
أمره بادئا بتقوى الله الَّتِي هِيَ الْجنَّة الواقية والذخيرة الْبَاقِيَة والعصمة الكافية والزاد إِذا أنفض وَفد الْآخِرَة وأرملوا والعتاد النافع إِذا وجدوا شَاهدا لَهُم وَعَلَيْهِم مَا عمِلُوا فَإِنَّهَا الْعلم الْمَنْصُوب للرشد قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله ولتنظر نفس مَا قدمت لغد}
وَأمره أَن يتَّخذ كتاب الله لزواجره ومواعظه وَيعْتَبر بتخويفه وملاحظة ويصغى إِلَيْهِ بسمعه وَقَلبه وجوارحه ولبه وَيعْمل بأوامره المحكمة وَيقف عِنْد نواهيه المبرمة ويتدبر مَا حوته آيَاته من الْوَعْد والوعيد والزجر والتهديد قَالَ الله عز وجل {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد}
وَأمره أَن يكون على صلَاته محافظا ولنفسه عَن الْإِخْلَال وَالتَّقْصِير فِي أَدَاء فَرضهَا واعظا فيغتنم الاستعداد
أَمَام أَوْقَاتهَا للْأَدَاء ويحترز من فَوَاتهَا وَالْحَاجة إِلَى الْقَضَاء موفيا حَقّهَا من الرُّكُوع وَالسُّجُود على الْوَصْف الْوَاجِب الْمَحْدُود مخلصا سره عِنْد الدُّخُول فِيهَا وناهيا نَفسه عَمَّا يصدها بالأفكار ويلهيها مُجْتَهدا فِي نفي الْفِكر والوسواس عَن قلبه منتصبا فِي إخلاص الْعِبَادَة لرَبه ليغدو بِوَصْف الْأَبْرَار منعوتا قَالَ الله تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا}
وَأمره بِقصد الْمَسَاجِد الجامعة فِي أَيَّام الْجمع امتثالا لأمر الله المتبع بعزيمة فِي الْخَيْر صَادِقَة وَنِيَّة لِلْعِبَادَةِ مُوَافقَة وَفِي الأعياد إِلَى الْمُصَليَات 217 أَمِير الْمُؤمنِينَ المصحرة المجملة بالمنابر الحالية الَّتِي هِيَ من الأدناس مطهرة نابية فَإِنَّهَا من مَوَاضِع الْعِبَادَة ومواطنها ومظان تِلَاوَة الْقُرْآن الْمَأْمُور بِحِفْظ آدابها وسننها فقد وصف الله تَعَالَى من وَفقه لتجميل بيوته بالعمارة بِمَا أوضح فِيهِ الْإِشَارَة وشرفه بِوَضْع سمة الْإِيمَان عَلَيْهِ بالإكرام الفاخر فَقَالَ {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر}
فيقيم الدعْوَة الهادية على المنابر على عَادَة من تقدمه ومنتهيا فِيهَا إِلَى أحسن مَا عَهده وَعلمه
وَأمره بِلُزُوم نزاهة الحرمات وَاجْتنَاب الْمُحرمَات والتحلي من العفاف والورع بأجمل القلائد الرائقة والتقمص بملابس التَّقْوَى الَّتِي هِيَ بأمثاله لائقة وسلوك مناهج الصّلاح الَّذِي يجمل بِهِ فعله ويصفو لَهُ عله ونهله وَأَن يمْنَع نَفسه من الْغَضَب ويردها عَمَّا يَأْمر بِهِ من سوء الْمكتب ويأخذها بآداب الله سُبْحَانَهُ فِي نهيها عَن الْهوى وَحملهَا على التَّقْوَى وردعها عَن التورط فِي المهاوي والشبه وكل أَمر يلتبس فِيهِ الْحق وَيشْتَبه ويلزمها الْأَخْذ بِالْعَفو والصفح والتأمل لمَكَان الْأَعْمَال فِيهِ واللمح قَالَ الله تَعَالَى {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين}
وَأمره بِإِحْسَان السِّيرَة فِي الرعايا بِتِلْكَ الْبِلَاد واختصاصهم بالصون الرَّائِح والغاد وَنشر جنَاح الرِّعَايَة على الْبعيد مِنْهُم والقريب وإحلال كل مِنْهُم مَحَله على الْقَاعِدَة وَالتَّرْتِيب وإشاعة المعدلة فيهم
وإسهام دانيهم من وافر ملاحظته وقاصيهم وَأَن يحمي سرحهم من كل داعر ويذود عَنْهُم كل موارب بِالْفَسَادِ وَمظَاهر حَتَّى تصفو لَهُم من الْأَمْن الشَّرَائِع وتضفو عَلَيْهِم من بركَة ولَايَته المدارع وتستنير بضوء الْعدْل مِنْهُم الْمطَالع ويحترم أكابرهم ويحنو على أصاغرهم ويشملهم بكنفه وَدِرْعه وَيَنْتَهِي فِي مصالحهم إِلَى غيه وَسعه وَلَا يألوهم 217 ب فِي النصح جهدا وَلَا يخلف لَهُم فِي الْخَيْر وَعدا ويشاورهم فِي أمره فَإِن المشورة دَاعِيَة إِلَى الْفَلاح ومفتاح بَاب الصّلاح قَالَ الله تَعَالَى {فَاعْفُ عَنْهُم واستغفر لَهُم وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله إِن الله يحب المتوكلين}
وَأمره بِإِظْهَار الْعدْل فِي الرّعية الَّتِي تضمها جَمِيع الأكناف والأطراف والتحلي من النصفة بأكمل الْأَوْصَاف وَحمل كافتهم على أقوم جدد وعصيان الْهوى فِي تَقْوِيم كل أود والمساواة بَين الْفَاضِل والمفضول فِي الْحق إِذا ظهر صدق دَلِيله والاشتمال عَلَيْهِم بالأمن الَّذِي يعذب لَهُم برد مقِيله وكشف ظلامة من انبسطت
إِلَى تحيفه الْأَيْدِي والأطماع وأعجزته النُّصْرَة لنَفسِهِ والدفاع وتصفح أَحْوَالهم بِعَين لَا ترنو إِلَى هوى يمِيل بهَا عَن الْوَاجِب وَسمع لَا يصغى إِلَى مقَالَة مائن وَلَا كَاذِب وَلَا يغْفل عَن مصلحَة تعود إِلَيْهِم وَيرجع نَفعهَا عَلَيْهِم وَلَا عَن كشف ظلامات بَعضهم من بعض وردهم إِلَى الْحق فِي كل رفع من أَحْوَالهم وخفض فَلَا يرى إِلَّا بِالْحَقِّ عَاملا وللأمور على سنَن الشَّرِيعَة حَامِلا مجتنبا إغفال مصالحهم وإهمالها وحارسا نظامها على تتَابع الْأَيَّام واتصالها ليَكُون ذَلِك إِلَى وفور الْأجر دَاعيا وَبِحسن الأحدوثة قَاضِيا مقتديا بِمَا نطق بِهِ الْقُرْآن {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان}
وَأمره أَن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَيُقِيم مناره وَيُنْهِي عَن الْمُنكر ويمحو آثاره فَلَا يتْرك مُمكنا من إِظْهَار الْحق وإعلانه وقمع الْبَاطِل وإخماد نيرانه ويعتمد مساعدة كل مرشد إِلَى الطَّرِيق الأقصد وناه عَن التظاهر بالمحظور فِي كل مشْهد فَإِنَّهُ تضحى معونته مُشَاركَة فِي إِحْرَاز
المثوبة ومساهمة ومساومة فِي اقتناء الْأجر ومقاسمة وَأَن يوعز بِإِزَالَة مظان الريب وَالْفساد فِي الداني من الْأَعْمَال والقاصي فَإِنَّهَا مَوَاطِن الشَّيْطَان وأماكن الْمعاصِي وَأَن يشد على أَيدي 218 الآمرين بِالْمَعْرُوفِ والناهين عَن الْمُنكر ويعينهم على ذَلِك بِمَا يطيب ذكره فِي كل مشْهد ومحضر ويجتهد فِي إِزَالَة كل مَحْظُور ومنكر مقدم فِي الْبَاطِل ومؤخر قَالَ الله تَعَالَى {وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر}
وَأمره أَن يقدم الِاحْتِيَاط فِي حفظ الثغور ومجاوريها من الْكفَّار وَيسْتَعْمل غَايَة التيقظ فِي ذَلِك والاستظهار ليأمن عَلَيْهَا غوائل المكائد ويفوز من التَّوْفِيق لذَلِك بأنواع المحامد ويتجرد لجهاد أَعدَاء الدّين والانتقام من الْكَفَرَة المارقين أخذا بقول رب الْعَالمين {انفروا خفافا وثقالا وَجَاهدُوا بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ فِي سَبِيل الله ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ} وَأَن يعْمل فِيمَا يحصل من الْغَنَائِم عِنْد فل جموعهم وافتتاح بِلَادهمْ وربوعهم بقول الله وَمَا أَمر بِهِ فِي قسمهَا وإيفاء كل
صَاحب حِصَّة مِنْهَا سالكا سَبِيل من غَدا لآثار الصّلاح مقتفيا وللفرض فِي ذَلِك مُؤديا وبهدى ذَوي الرشد مهتديا قَالَ الله تَعَالَى فِي مُحكم التَّنْزِيل {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل}
وَأمره أَن يُجيب إِلَى الْأمان لمن طلبه وَيكون وفاؤه مقترنا بِمَا تضمنه غير مُضْمر خلاف مَا يُعْطي بِهِ صَفْقَة أَمَانه وَلَا مُخَالف بَاطِنه مَا أظهره من مقارته إِلَى عقد الهدن وإتيانه ويجتنب الْغدر وَمَا فِيهِ من الْعَار وإسخاط الْملك الْجَبَّار قَالَ الله عز وجل {وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهدتم وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا إِن الله يعلم مَا تَفْعَلُونَ}
وَأمره بِأَن يَأْمر أَصْحَاب المعاون بمساعدة الْقُضَاة والحكام ومعونتهم بِمَا يقْضِي بلم شَمل الصّلاح فِي تَنْفِيذ القضايا والانتظام وَأخذ الْخُصُوم بإجابة الدَّاعِي إِذا استحضروا
إِلَى أَبْوَابهم للإنصاف والمسارعة إِلَى الْحق الْوَاجِب عَلَيْهِم من غير خلاف قَالَ الله تَعَالَى {وَأَكْثَرهم للحق كَارِهُون}
وَأمره بالعويل فِي الْمَظَالِم وأسواق الرَّقِيق ودور الضَّرْب والحسبة على من يأوى إِلَى عفاف وَدين وَعلم بِأَحْكَام الشَّرِيعَة وَصِحَّة يَقِين لَا يخفى عَلَيْهِ مَا حرمه الله تَعَالَى وأحله وَلَا يلتبس على علمه مَا أوضح إِلَى الْحق الْوَاضِح سبله وَإِلَى من يتَوَلَّى الْمَظَالِم بإيصال الْخُصُوم إِلَيْهِ وإنصافهم كَمَا أوجبه الله تَعَالَى عَلَيْهِ واستماع ظلاماتهم وإحسان النّظر فِي مشاجراتهم
وَأمره أَن يتلَقَّى النِّعْمَة الَّتِي أفرغت عَلَيْهِ وانساقت إِلَيْهِ بشكر ينْطق بِهِ لِسَانه ويترجم عَنهُ بَيَانه ليستديم بذلك الْإِكْرَام ويقترن الْإِحْسَان عِنْده بالالتئام وَأَن يوفيها حَقّهَا من دوَام الْحَمد 218 ب وَالْقَصْد إِلَى شكرها والعمد قَالَ الله تَعَالَى {وَمن شكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ}
وليعلم أَنه قد بَين لَهُ من الصّلاح مَا اتضحت أَعْلَامه وأثبتت فِي المرامي سهامه وأرشد إِلَى مَا أودع هَذَا المنشور من جدد الْفَوْز بمرضاة الله تَعَالَى وشكر عباده عَاملا فِي ذَلِك بِمُقْتَضى جده واجتهاده ليحرز السَّبق فِي دُنْيَاهُ وعقباه ويتوفر عِنْده مَا منح بِهِ مِمَّا أرهف عزمه وحباه وَغدا بمكانه رافلا فِي ملابس الْفَخر والبهاء نائلا مِنْهُ مَا طَال بِهِ مناكب القرناء واختص بِمَا أَعلَى دَرَجَته فَتَقَاعَسَتْ عَنهُ آمال حاسديه وَتفرد بالمكانة عَن مقَام من يباريه ويناويه وَأولى من الإنعام مَا أَمن بِهِ سرب النِّعْمَة عِنْده وأصفى من مناهل الْإِحْسَان ورده وَأهْدى إِلَيْهِ من المواعظ مَا يجب أَن يودعه وَاعِيَة الأسماع وَيَأْخُذ بِالْعَمَلِ بِهِ كل رَاع فينهج أدام الله علوه محاج الْوَلَاء الَّذِي عهد من أَمْثَاله من الْأَوْلِيَاء متنزها عَن تَقْصِير مِنْهُ فِي عَامَّة الْأَوْقَات ومراعيا أَفعاله فِي جَمِيع التَّصَرُّفَات وَيعلم أَنه مسئول عَن كل مَا يلفظ بِهِ لِسَانه ناطقا وَنظر طرفه إِلَيْهِ رامقا قبل أَن يجانب هَوَاهُ وَيبقى رهينا بِمَا اكْتسبت يَدَاهُ وَلَا يغتر من الدُّنْيَا
وزخرفها بغرار لَيْسَ الْوَفَاء من طباعه ومعير مَا أقصر مُدَّة ارتجاعه وسبيل كَافَّة الْقُضَاة والأعيان ومقدمي العساكر والأجناد ورؤساء الْبِلَاد مُتَابَعَته وموافقته وَطلب مصالحهم من جَانِبه وَالتَّصَرُّف على استصوابه وَقد أكدت وصاته فِي الرِّفْق بهم والاشتمال عَلَيْهِم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وإجمال السِّيرَة فيهم وَكلما أشكل عَلَيْهِ أَمر من المتجددات يطالع بِهِ الدِّيوَان الْعَزِيز مجده الله تَعَالَى لينهج لَهُ السَّبِيل إِلَى فتح رتاجه وسلوك منهاجه وَالله ولي والتوفيق وَالْهِدَايَة وَجمع الْكَلِمَة فِي كل إِعَادَة وبداية والمعونة على الْعِصْمَة من الزلل والتأييد فِي القَوْل وَالْعَمَل وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل
قلت وَقد عَابَ الْوَزير ضِيَاء الدّين بن الْأَثِير هَذَا التَّقْلِيد فِي كِتَابه الْمثل السائر وغض مِنْهُ وعارضه بتقليد أنشأه وَقد ذكرته فِي كتاب صبح الْأَعْشَى فِي كِتَابَة الإنشا لاتساعه وَبسط القَوْل فِيهِ افتتحه بقول أما بعد فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يبْدَأ بِحَمْد الله الَّذِي يكون