المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌وَهَذِه نسخته   هَذَا عهد من أبي بكر خَليفَة رَسُول الله صلى - مآثر الإنافة في معالم الخلافة - جـ ٣

[القلقشندي]

فهرس الكتاب

- ‌وَهَذِه نسخته

- ‌وعَلى هَذَا الأسلوب

- ‌وَهَذِه نسخته

- ‌وَهَذِه نسخته

- ‌وَهَذِه نسخته

- ‌وَهَذِه نسخته

- ‌الْمَذْهَب الثَّانِي

- ‌وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة

- ‌وَهَذِه نسخته

- ‌الْمَذْهَب الثَّالِث

- ‌ الْمَذْهَب الرَّابِع

- ‌وَهَذِه نسخته

- ‌الْفَصْل الثَّانِي من الْبَاب الرَّابِع

- ‌الأسلوب الأول

- ‌وَهَذِه نسخته

- ‌وَهَذِه نُسْخَة عهد

- ‌وَهَذِه نُسْخَة عهد بتقليد الصَّلَاة بحاضرة بَغْدَاد

- ‌الأسلوب الثَّانِي

- ‌وَهَذِه نُسْخَة عهد بالوزارة

- ‌الأسلوب الثَّالِث

- ‌وَهَذِه نُسْخَة تَفْوِيض شرِيف

- ‌الأسلوب الرَّابِع

- ‌وَهَذِه نُسْخَة توقيع من ذَلِك

- ‌الأسلوب الْخَامِس

- ‌وَهَذِه نُسْخَة توقيع من ذَلِك

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌ونسخته

- ‌وَهَذِه نُسْخَة مقاطعة

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من الْبَاب الْخَامِس

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من الْبَاب الْخَامِس

- ‌وَهَذِه نسخته

- ‌نسخته

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْمَذْهَب الأول

- ‌وعَلى ذَلِك

- ‌وعَلى هَذَا الأسلوب

- ‌وَهَذِه نسخته

- ‌الْمَذْهَب الثَّانِي

- ‌وَهَذِه نُسْخَة كتاب

- ‌وَهَذِه نسخته كتاب من ذَلِك

- ‌وَهَذِه نُسْخَة كتاب على هَذِه الطَّرِيقَة

- ‌وعَلى نَحْو من هَذِه الطَّرِيقَة

- ‌وعَلى نَحْو من هَذِه الطَّرِيقَة فِي الِابْتِدَاء

- ‌الْمَذْهَب الثَّالِث

- ‌وَهَذِه نسخته مصدرة بِآيَة من الْقُرْآن

- ‌الْمَذْهَب الرَّابِع

- ‌وَأما الْكتب الصادرة عَن وُلَاة الْعَهْد بالخلافة

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من الْبَاب السَّادِس

- ‌أما الْكتب الصادرة إِلَى الْخُلَفَاء

- ‌فللكاتب فِيهَا سِتَّة أساليب

- ‌الأسلوب الثَّانِي

- ‌وَهَذِه نُسْخَة من ذَلِك

- ‌وَهَذِه نُسْخَة كتاب من ذَلِك

- ‌الأسلوب الرَّابِع

- ‌وَهَذِه نُسْخَة كتاب من ذَلِك

- ‌الأسلوب الْخَامِس

- ‌وَهَذِه نُسْخَة كتاب من ذَلِك

- ‌الأسلوب السَّادِس

- ‌وَهَذِه نُسْخَة كتاب من ذَلِك

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي ذكر غرائب وملح وأعاجيب تتَعَلَّق بالخلفاء

- ‌غرائب تتَعَلَّق بِولَايَة الْخلَافَة

- ‌من ولى الْخلَافَة فِي حَيَاة أَبِيه

- ‌اتفاقية عَجِيبَة فِي خلع الْخُلَفَاء

- ‌ملح ونوادر تتَعَلَّق بالخلفاء

- ‌أَعَاجِيب فِي سَعَة أَمْوَال الْخُلَفَاء

- ‌الخاتمة

- ‌الْمَوْضُوع لَهُ هَذَا الْكتاب

- ‌وَفِيه فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي نسبه

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

الفصل: ‌ ‌وَهَذِه نسخته   هَذَا عهد من أبي بكر خَليفَة رَسُول الله صلى

‌وَهَذِه نسخته

هَذَا عهد من أبي بكر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لفُلَان حِين بَعثه لقِتَال من رَجَعَ عَن الْإِسْلَام عهد إِلَيْهِ أَن يتقى الله تَعَالَى مَا اسْتَطَاعَ فِي أمره كُله وسره وجهره

وَأمره بالجد فِي أَمر الله تَعَالَى ومجاهدة من تولى عَنهُ وَرجع من الْإِسْلَام إِلَى أماني الشَّيْطَان بعد أَن يعْذر إِلَيْهِم فيدعوهم بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام فَإِن أجابوه أمسك عَنْهُم وَإِن لم يُجِيبُوهُ شن غارته عَلَيْهِم ويعطيهم الَّذِي لَهُم وَلَا ينظرهم وَلَا يرد الْمُسلمين عَن قتال عدوهم فَمن أجَاب إِلَى أَمر الله عز وجل وَأقر لَهُ قبل ذَلِك مِنْهُ وأعانه عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا يُقَاتل من كفر بِاللَّه على الْإِقْرَار بِمَا جَاءَ من عِنْد الله فَإِذا أجَاب الدعْوَة لم يكن لَهُ عَلَيْهِ سَبِيل وَكَانَ الله حَسبه فِيمَا استسر بِهِ وَمن لم يجب إِلَى دَاعِيَة الله قوتل حَيْثُ كَانَ وَحَيْثُ بلغ مراغمه لَا يقبل الله من أحد شَيْئا أعطَاهُ إِلَّا الْإِسْلَام فَمن أَجَابَهُ وَأقر بِهِ قبل مِنْهُ

ص: 139

وَعلمه وَمن أَبى قَاتله فَإِن أظهره الله عز وجل عَلَيْهِ قتل فيهم كل قتلة بِالسِّلَاحِ والنيران ثمَّ قسم مَا أَفَاء الله عَلَيْهِ إِلَّا الْخمس فَإِنَّهُ مبلغناه وَيمْنَع أَصْحَابه العجلة وَالْفساد وَأَن لَا يدْخل فيهم حَشْو حَتَّى يعرفهُمْ وَيعلم مَا هم لِئَلَّا يَكُونُوا عيُونا وَلِئَلَّا يُؤْتى الْمُسلمُونَ من قبلهم وَأَن يقْصد بِالْمُسْلِمين الرِّفْق ويرفق بهم فِي السّير والمنزل ويتفقدهم وَلَا يعجل بَعضهم عَن بعض ويستوصي بالمسليمن فِي حسن الصُّحْبَة وليت الْفِعْل

وَهَذِه نُسْخَة عهد بِقَضَاء الْقُضَاة بحاضرة بَغْدَاد وَسَائِر الْأَعْمَال كتب بِهِ عَن الإِمَام النَّاصِر لدين الله للْقَاضِي محيي الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن فضلان من إنْشَاء عضد الدّين بن الضَّحَّاك

هَذَا مَا عهد عبد الله وخليفته فِي الْعَالمين المفترض الطَّاعَة على الْخلق أَجْمَعِينَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى مُحَمَّد بن يحيى بن فضلان

ص: 140

حِين سبر خلاله واستقراها وَاعْتبر طرائقه واستبراها فألفاه رشيدا فِي مذاهبه سديدا فِي أَفعاله وضرائبه موسوما بالرصانة حاليا بالورع والديانة مبرزا من الْعُلُوم فِي فنونها عَالما بمفروض الشَّرِيعَة المطهرة ومسنونها مدرعا ملابس العفاف قد أناف على أَمْثَاله فِي بوارع الْأَوْصَاف فقلده قَضَاء الْقُضَاة فِي مَدِينَة السَّلَام وَجَمِيع الْبِلَاد والأعمال والنواحي والأمصار شرقا وغربا وبعدا وقربا سكونا إِلَى مَا علم من حَاله واضطلاعه بالنهضة المنوطة بِهِ واستقلاله وركونا إِلَى قِيَامه بِالْوَاجِبِ فِيمَا أسْند إِلَيْهِ ونهوضه بعبء مَا عول فِي حفظ قوانينه عَلَيْهِ واستنامة إِلَى حُلُول الاصطناع عِنْده ومصادفته مِنْهُ مَكَانا تبوأه بِالِاسْتِحْقَاقِ وَحده وَالله تَعَالَى يعضد أَمِير الْمُؤمنِينَ بمزيد التَّوْفِيق فِي جَمِيع الْأُمُور وَيحسن لَهُ الْخيرَة فِيمَا يؤمه من مناظم الدّين وَصَلَاح الْجُمْهُور وَمَا توفيق أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب

أمره بتقوى الله تَعَالَى فِي إعلانه وإسراره وتقمص شعارها فِي إِظْهَار أمره وإظماره فَإِنَّهَا العروة الوثقى

ص: 141

والذخر الأبقى والسعادة الَّتِي مَا دونهَا فوز وَلَا فَوْقهَا مرقى وَهِي حِيلَة الْأَبْرَار وسيما الأخيار والمنهج الْوَاضِح والمتجر الرابح والسبيل الْمُؤَدِّي إِلَى النجَاة والخلاص يَوْم لَا وزر ولات حِين مناص وأنفع الْعدَد والذخائر وَخير العتاد يَوْم تنشر الصُّحُف وتبلى السرائر يَوْم تشخص الْأَبْصَار وتعدم الْأَنْصَار {وَترى الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ مُقرنين فِي الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وُجُوههم النَّار} وَلَا ينجو من عَذَاب الله يَوْمئِذٍ إِلَّا من كَانَ زَاده التَّقْوَى وَتمسك مِنْهَا بِالسَّبَبِ الْأَقْوَى قَالَ الله تَعَالَى {وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى واتقون يَا أولي الْأَلْبَاب}

وَأمره أَن يَجْعَل كتاب الله تَعَالَى أماما يَهْتَدِي بمناره ويستصبح ببواهر أنواره ويستضئ فِي ظلم المشكلات بمنير مصباحه وَيقف عِنْد حُدُود محظوره ومباحه ويتخذه مِثَالا يحتذيه ودليلا يتبع أَثَره فيهديه

ص: 142

وَيعْمل بِهِ فِي قضاياه وَأَحْكَامه ويقتدي بأوامره فِي نقضه وإبرامه فَإِنَّهُ دَلِيل الْهدى ورائده وسائق النجح وقائده ومعدن الْعلم ومنبعه ومنجم الرشاد ومطلعه وَأحد الثقلَيْن اللَّذين جَعلهمَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْأمة وَالذكر الَّذِي جعله الله تبيانا لكل شَيْء وَهدى وَرَحْمَة فَقَالَ عز من قَائِل {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء وَهدى وَرَحْمَة وبشرى للْمُسلمين}

وَأمره بِاتِّبَاع الْآثَار النَّبَوِيَّة صلوَات الله على صَاحبهَا وَسَلَامه والاهتداء بشموسها الَّتِي تنجلي بِهِ دجنة كل مُشكل وظلامه والاقتداء بِسنة الشَّرِيعَة المتبوعة وتصفح الْأَخْبَار المسموعة وَالْعَمَل مِنْهَا بِمَا قَامَت أَدِلَّة صِحَّته من جَمِيع جهاته فاستحكمت الثِّقَة بنقلته عَنهُ عليه السلام وَرُوَاته وسلمت أسانيده من قدح وَرِجَاله من ظنة وجرح فَإِنَّهَا التالية لِلْقُرْآنِ الْمجِيد فِي وجوب الْعَمَل بأوامره والانتهاء بروادعه وزواجره وَهُوَ عليه الصلاة والسلام الصَّادِق الْأمين الَّذِي مَا ضل وَمَا غوى وَمَا ينْطق عَن الْهوى وَقد

ص: 143

قرن الله سُبْحَانَهُ طَاعَته بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَل بكتابه وَالْأَخْذ بسنته فَقَالَ عز من قَائِل {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب}

وَأمره بمجالسة الْعلمَاء ومباحثة الْفُقَهَاء ومشاركتهم فِي الْأُمُور المشكلة وعوارض الحكومات المعضلة ليستبين سبل الصَّوَاب ويعري الحكم من ملابس الشّبَه والارتياب ويخلص من خطأ الِانْفِرَاد وغوائل الاستبداد فالمشورة بِالْيمن مقرونة والسلامة فِي مطاويها مَضْمُونَة وَقد أَمر الله تَعَالَى بهَا نبيه صلى الله عليه وسلم مَعَ شرف مَنْزِلَته وَكَمَال عصمته وتأييده بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَته فَقَالَ سُبْحَانَهُ {وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله إِن الله يحب المتوكلين}

وَأمره بِفَتْح بَابه وَرفع حجابه وَأَن يجلس للخصوم جُلُوسًا عَاما وَينظر فِي أُمُورهم نظرا حسنا تَاما مُسَاوِيا بَينهم فِي نظره ولحظه وإصغائه وَلَفظه محترزا من

ص: 144

ذِي اللسن وجرأة جنانه متأنيا بِذِي الْحصْر عِنْد إِقَامَة برهانه فَرُبمَا كَانَ أحد الْخَصْمَيْنِ أَلحن بحجته وَالْآخر ضَعِيفا عَن مقاومته هَذَا مقَام الفحص والاستفهام والتثبت فِي إِمْضَاء الْأَحْكَام ليسلم من خديعة محتال وَكيد مغتال مائلا فِي جَمِيع ذَلِك مَعَ الْوَاجِب سالكا طَرِيق الْعدْل اللاحب غير فَارق فِي إِمْضَاء الحكم بَين الْقوي والضعيف والمشروف والشريف وَالْمَالِك والمملوك والغني والصعلوك قَالَ الله تَعَالَى {إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما فَلَا تتبعوا الْهوى أَن تعدلوا} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ}

وَأمره بتصفح أَحْوَال الشُّهُود المسموعة أَقْوَالهم فِي الْحُقُوق وَالْحُدُود المرجوع إِلَى أمانتهم الْمَعْمُول بِشَهَادَتِهِم الَّذين بهم تُقَام الْحجَج وتدحض وتبرم الْأَحْكَام وتنقض وَتثبت الدعاوي وَتبطل وتمضي القضايا وتسجل مُجْتَهدا فِي الْبَحْث عَن طرائقهم وأحوالهم

ص: 145

وانتقاد تصاريفهم وأفعالهم واستشفاف سجاياهم وعرفان مزاياهم مُخَصّصا بالتمييز من كَانَ حميد الْخلال مرضِي الفعال رَاجعا إِلَى ورع وَدين متمسكا من الْأَمَانَة والنزاهة بِالسَّبَبِ المتين قَالَ الله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم}

وَأمره بِالنّظرِ فِي أُمُور الْيَتَامَى وَأَمْوَالهمْ ومراعاة شئونهم وأحوالهم وَأَن يرتب بِسَبَب اتساق مصالحهم الثِّقَات الأعفاء والأمناء الأتقياء مِمَّن ظَهرت ديانته وَحسنت سيرته واشتهر باللطف والعفاف والتنزه عَن الطمع والإسفاف وَيَأْمُرهُمْ بحفظها من خلل يتخللها وَيَد خَائِنَة تدْخلهَا وَليكن عَلَيْهِم حدبا وَفِي فرط الحنو أَبَا وخلفا من آبَائِهِم فِي الإشفاق عَلَيْهِم وَحسن الِالْتِفَات إِلَيْهِم فَإِنَّهُ عَنْهُم مسئول والعذر عِنْد الله تَعَالَى فِي إهمالهم غير مَقْبُول وَأَن يَأْذَن لَهُم فِي الْإِنْفَاق عَلَيْهِم بِالْمَعْرُوفِ من غير إِسْرَاف وَلَا تقتير وَلَا تضييق وَلَا تبذير فَإِذا بلغ أحدهم النِّكَاح وآنس مِنْهُ أَمَارَات الرشد

ص: 146

وَالصَّلَاح دفع مَاله إِلَيْهِ وَأشْهد بِقَبْضِهِ عَلَيْهِ على الْوَجْه الْمَنْصُوص غير مَنْقُوص وَلَا منغوص ممتثلا أَمر الله تَعَالَى فِي قَوْله سُبْحَانَهُ {فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم وَكفى بِاللَّه حسيبا}

وَأمره بتزويج الْأَيَامَى اللواتي لَا أَوْلِيَاء لَهُنَّ من أكفائهن بمهور أمثالهن وَأَن يَشْمَل ذَوَات الْغنى والفقر مِنْهُنَّ بعدله ويتحرى لَهُنَّ الْمصلحَة فِي عقده وحله

وَأمره أَن يَسْتَنِيب فِيمَا بعد عَنهُ من الْبِلَاد ودنا وَقرب مِنْهُ ونأى كل ذِي علم واستبصار وتيقظ فِي الحكم واستظهار ونزاهة شائعة وأوصاف لأدوات الِاسْتِحْقَاق جَامِعَة مِمَّن يتَحَقَّق نهوضه بذلك واضطلاعه ويؤمن استنزاله وانخداعه وَأَن يعْهَد إِلَيْهِم فِي ذَلِك بِمثل مَا عهد إِلَيْهِ فَلَا يألوهم تَنْبِيها وتذكريرا وإرشادا وتبصيرا قَالَ الله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان}

ص: 147

وَأمره بإمضاء مَا أَمْضَاهُ من قبله من الْحُكَّام من القضايا وَالْأَحْكَام غير متعقب أحكامهم بِنَقْض وَلَا تَبْدِيل وَلَا تَغْيِير وَلَا تَأْوِيل إِذا كَانَت جَائِزَة فِي بعض الْأَقْوَال ممضاة على وَجه من وُجُوه الِاحْتِمَال غير خارقة للْإِجْمَاع عَارِية من ملابس الابتداع وَإِن كَانَ ذَلِك منافيا لمذهبه جَارِيا على خلاف معتقده قَالَ الله تَعَالَى {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ}

وَأمره أَن يتَّخذ كَاتبا قيمًا بِشُرُوط القضايا والسجلات عَارِفًا بِمَا يتَطَرَّق نَحْوهَا من الشّبَه والتأويلات ويتداخلها من النَّقْص والتلبيسات متحرزا فِي كل حَال متنزها عَن ذميم الْأَفْعَال وَأَن يتَخَيَّر حاجبا نقي الجيب مَأْمُون المشهد والغيب مستشعرا للتقوى فِي السِّرّ والنجوى سالكا للطريقة المثلى غير متجهم للنَّاس وَلَا مُعْتَمد مَا يُنَافِي بسط الْوَجْه والإيناس فَإِنَّهُ وصلتهم إِلَيْهِ ووجهة الْمَشْهُود قبل الدُّخُول عَلَيْهِ فلينتخبه من بَين أَصْحَابه

ص: 148

وَمن يرتضيه من أَمْثَاله وَأَضْرَابه

وَأمره بتسلم ديوَان الْقَضَاء وَالْحكم والاستظهار على مَا فِي خزائنه بالإثبات والخم وَالِاحْتِيَاط على مَا بِهِ من المَال والسجلات والحجج والمحاضر والولايات والقبوض والوثائق والأثبات والكفالات بِمحضر من الْعُدُول الْأُمَنَاء الثِّقَات وَأَن يرتب لذَلِك خَازِنًا يُؤَدِّي الْأَمَانَة فِيهِ ويتوخى مَا توجبه الدّيانَة وتقتضيه

وَأمره بمراعاة أَمر الْحِسْبَة فَإِنَّهَا من أكبر الْمصَالح وأهمها وأجمعها لمنافع الْخلق وأعمها وأدعاها إِلَى تحصين أَمْوَالهم وانتظام أَحْوَالهم وَأَن يَأْمر المستناب فِيهَا بِاعْتِبَار سَائِر المبيعات وَمَا فِيهَا من الأقوات وَغَيرهَا فِي عَامَّة الْأَوْقَات وَتَحْقِيق أَسبَاب الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي الأسعار والتصدي لذَلِك على الدَّوَام والاستمرار وَأَن يجْرِي الْأَمر فِيهَا بِحَسب مَا تَقْتَضِيه الْحَال الْحَاضِرَة وَالْمُوجِبَات الشائعة الظَّاهِرَة وَاعْتِبَار الموازين والمكاييل وإعادة الزَّائِد والناقص مِنْهَا إِلَى التَّسْوِيَة وَالتَّعْدِيل فَإِن

ص: 149

اطلع لأحد من المتعاملين على خِيَانَة فِي ذَلِك وَفعل ذميم أَو تطفيف عدل فِيهِ عَن الْوَزْن بالقسطاس الْمُسْتَقيم ناله من التَّأْدِيب واسباب التَّهْذِيب بِمَا يكون لَهُ رادعا وَلغيره زاجرا وازعا قَالَ الله تَعَالَى {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذين إِذا اكتالوا على النَّاس يستوفون وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون أَلا يظنّ أُولَئِكَ أَنهم مبعوثون ليَوْم عَظِيم يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين}

هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك وحجته عِنْد الله تَعَالَى عَلَيْك قد أولاك من صنوف النعم والآلاء وجزيل النعم والحباء مَا يُوجب عَلَيْك الِاعْتِرَاف بِقَدرِهِ واستيزاع شكره ووقف بك على محجة الرشاد وهداك مَنْهَج الْحق وَسنَن السداد وَلم يألك تثقيفا وتبصيرا وتنبيها وتذكيرا فَتَأمل ذَلِك متدبرا وقف عِنْد حُدُود أوامره ونواهيه مستبصرا واعمل بِهِ فِي كل مَا تَأتيه وتذره وتورده وتصدره وَكن للمخيلة فِي ارتيادك محققا والمعتقد فِيك مُصدقا تفز من خير الدَّاريْنِ بمعلى القداح

ص: 150

وإحماد السرى عِنْد الصَّباح وَحسب أَمِير الْمُؤمنِينَ الله وَنعم الْوَكِيل إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَهَذِه نُسْخَة عهد بتقليد الْمَظَالِم بِمَدِينَة السَّلَام

كتب بِهِ أَبُو اسحاق الصابي عَن الْمُطِيع لله إِلَى الْحُسَيْن بن مُوسَى الْعلوِي وَهُوَ

هَذَا مَا عهد عبد الله الْفضل الإِمَام الْمُطِيع لله ذأمير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْحُسَيْن بن مُوسَى الْعلوِي حِين اجْتمع فِيهِ شرف الأعراق والأخلاق وتكامل فِيهِ يمن النقائب والضرائب وَعرف أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيهِ فضل الْكِفَايَة والغناء ورشاد الْمَقَاصِد والأنحاء فِي سالف مَا ولاه إِيَّاه من أَعماله الثَّقِيلَة الَّتِي لم يزل فِيهَا مَحْمُود الْمقَام مستمرا على النظام مُصِيب النَّقْض والإبرام سديد الإسداء والإلحام زَائِدا على الزائدين راجحا على الموازين فائتا المحاذين مبرزا على المبارين فقلده النّظر فِي الْمَظَالِم بِمَدِينَة السَّلَام وسوادها وأعمالها وَمَا يجْرِي مَعهَا ثِقَة بِعِلْمِهِ وَدينه واعتمادا على بصيرته

ص: 151

ويقينه وسكونا إِلَى أَن الْأَيَّام قد زادته تحليما وتهذيبا وَالسّن قد تناهت بِهِ تحكيما وتجريبا وَأَن صَنِيعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ مُسْتَقِرَّة مِنْهُ عِنْد أكْرم أكفائها وأشرف أوليائها برحمه الماسة الدانية وخدمته الشامخة الغالية ومعرفته الثاقبة الداعية إِلَى التَّفْوِيض إِلَيْهِ الباعثة على التعويل عَلَيْهِ وأمير الْمُؤمنِينَ يستمد الله فِي ذَلِك أحسن مَا عوده من هِدَايَة وتسديد ومعونة وتأييد وَمَا توفيقه إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب

أمره بتقوى الله الَّتِي هِيَ الْجنَّة الحصينة والعصمة المتينة وَالسَّبَب الْمُتَّصِل يَوْم انْقِطَاع الْأَسْبَاب والزاد الْمبلغ إِلَى دَار الثَّوَاب وَأَن يستشعرها فِيمَا يسر ويعلن ويعتمدها فِيمَا يظْهر ويبطن ويجعلها إِمَامه الَّذِي ينحوه ورائده الَّذِي يقفوه إِذْ هِيَ شِيمَة الْأَبْرَار والأخيار وَكَانَ أولى من تعلق بعلائقها وَتمسك بدقائقها لمفخرة الْكَرِيم ومنصبه الصميم واستظلاله مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ بدوحة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّتِي

ص: 152

يكتنان فِي فنائها ويأويان إِلَى أفيائها وحقيق على من كَانَ مِنْهَا منزعه وإليها مرجعه أَن يكون طيبا زكيا طَاهِرا نقيا عفيفا فِي قَوْله وَفعله نظيفا فِي سره وجهره قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا}

وَأمره بِتِلَاوَة الْقُرْآن وَتَأمل مَا فِيهِ من الْبُرْهَان وَأَن يَجعله نصبا لناظره ومألفا لخاطره فياخذ بِهِ وَيُعْطِي ويأتمر بِهِ وَيَنْتَهِي فَإِنَّهُ الْحجَّة الْوَاضِحَة والمحجة اللائحة والمعجزة الباهرة وَالْبَيِّنَة العادلة وَالدَّلِيل الَّذِي من اتبعهُ سلم وَنَجَا وَمن صدف عَنهُ هلك وَهوى قَالَ الله عَن من قَائِل تَعَالَى {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد}

وَأمره أَن يجلس للخصوم جُلُوسًا عَاما وَيقبل عَلَيْهِم إقبالا تَاما ويتصفح مَا يرفع إِلَيْهِ من ظلأماتهم وينعم النّظر فِي أَسبَاب محادثاتهم فَمَا كَانَ طَرِيقه طَرِيق الْمُنَازعَة الْمُتَعَلّقَة بِنَظَر الْقُضَاة وشهادات الْعُدُول رده

ص: 153

إِلَى المتولى للْحكم وَمَا كَانَ طَرِيقه طَرِيق العصوب الْمُحْتَاج فِيهَا إِلَى الْكَشْف والفحص والاستشفاف والبحث نظر فِيهِ نظر صَاحب الْمَظَالِم وانتزع الْحق مِمَّن غصب عَلَيْهِ واستخلصه مِمَّن امتدت لَهُ يَد التَّعَدِّي والتغرر إِلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى مُسْتَحقّه وَأقرهُ عِنْد مستوجبه غير مراقب كَبِيرا لكبره وَلَا خَاصّا لخصوصه وَلَا شريفا لشرفه وَلَا متسلطا لسلطانه بل يقدم أَمر الله جلّ ذكره فِي كل مَا يَأْتِي ويذر ويتوخى رِضَاهُ فِيمَا يُورد ويصدر وَيكون على الضَّعِيف المحق حدبا ورءوفا حَتَّى يتصبر وينتصف وعَلى الْقوي الْمُبْطل شَدِيدا غليظا حَتَّى ينقاد ويذعن قَالَ الله جلّ وَعز {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله إِن الَّذين يضلون عَن سَبِيل الله لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب}

وَأمره بِأَن يفتح بَابه ويسهل حجابه ويبسط وَجهه ويلين كنفه ويصبر على الْخُصُوم الناقصين فِي بيانهم حَتَّى تظهر حجتهم وينعم النّظر فِي أَقْوَال أهل

ص: 154

اللسن وَالْبَيَان مِنْهُم حَتَّى يعلم مغبتهم فَرُبمَا استظهر العريض الْمُبْطل بِفضل بَيَانه على الْعَاجِز المحق لعي لِسَانه وهنالك يجب أَن يتبع التصفح على الْقَوْلَيْنِ والاستبطال للأمرين ليؤمن أَن يَزُول الْحق عَن سنَنه ويزور الحكم عَن طَرِيقه قَالَ الله عز وجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تصيبوا قوما بِجَهَالَة فتصبحوا على مَا فَعلْتُمْ نادمين}

وَأمره بِأَن لَا يرد للقضاة حكما يمضونه وَلَا سجلا ينفذونه وَلَا يعقب ذَلِك بِفَسْخ وَلَا يطْرق عَلَيْهِ بِنَقْض بل يكون لَهُم مُوَافقا مؤازرا ولأحكامهم عاضدا ناصرا إِذْ كَانَ الْحق وَاحِدًا وَإِن اخْتلفت الْمذَاهب إِلَيْهِ فَإِذا وجد الْقَضِيَّة قد سيقت والحكومة قد وَقعت فَلَيْسَ هُنَاكَ شكّ يُوقف عِنْده وَلَا ريب يحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَنهُ وَإِذا وجد الْأَمر مشتبها وَالْحق ملتبسا والتغرر مُسْتَعْملا والتغلب مستجازا نظر فِيهِ نظر النَّاصِر لحق

ص: 155

المحقين الداحض لباطل المبطلين والمقوي لأيدي الْمُسْتَضْعَفِينَ الْآخِذ على أَيدي الْمُعْتَدِينَ قَالَ الله عز وجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم أَو الْوَالِدين والأقربين إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما فَلَا تتبعوا الْهوى أَن تعدلوا وَإِن تلووا أَو تعرضوا فَإِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا}

وَأمره أَن يستظهر على مَعْرفَته بمشاورة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء ومباحثة الربانيين وَالْعُلَمَاء فَإِن اشْتبهَ عَلَيْهِ أَمر استرشدهم وَإِن عزب عَنهُ صَوَاب اسْتدلَّ عَلَيْهِ بهم فَإِنَّهُم أزمة الْأَحْكَام وإليهم مرجع الْحُكَّام وَإِذا اقْتدى بهم فِي المشكلات وَعمل بأقوالهم فِي المعضلات أَمن من زلَّة العاثر وغلطة المستأثر وَكَانَ خليقا بِالْأَصَالَةِ فِي رَأْيه والإصابة فِي أبحاثه وَقد أَمر الله تقدست أسماؤه بالمشاورة فَعرف النَّاس فَضلهَا وأسلكهم سبلها بقوله لرَسُوله صلى الله عليه وسلم وعَلى آله {وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله إِن الله يحب المتوكلين}

ص: 156