الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الثَّانِي
من الْبَاب السَّادِس
فِي الْكتب الصادرة عَن الْمُلُوك وَمن فِي معناهم إِلَى الْخُلَفَاء وولاة الْعَهْد بالخلافة
أما الْكتب الصادرة إِلَى الْخُلَفَاء
فللكاتب فِيهَا سِتَّة أساليب
الأسلوب الأول وَهُوَ أقدمها اصْطِلَاحا أَن يفْتَتح الْكتاب بِلَفْظ لفُلَان من فلَان ثمَّ يصدر بِالسَّلَامِ والتحميد وسؤال الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يُقَال أما بعد فَإِن كَذَا وَيخْتم بِالسَّلَامِ وَنَحْوه على نَحْو مَا تقدم فِي المكاتبات عَن الْخُلَفَاء لَا يخْتَلف ذَلِك فِي شَيْء إِلَّا فِي تَقْدِيم اسْم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ على الْمَكْتُوب عَنهُ
وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي غَالب كتبهمْ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم لمُحَمد رَسُول الله
كَمَا كتب إِلَيْهِ خَالِد بن الْوَلِيد رضي الله عنه بِإِسْلَام بني الْحَارِث بن كَعْب حِين وَجهه إِلَيْهِم
لمُحَمد النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَسُول الله من خَالِد بن الْوَلِيد
السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
أما بعد يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْك فَإنَّك بعثتني إِلَى بنى الْحَارِث بن كَعْب وأمرتني إِذا أتيتهم أَن لَا أقاتلهم ثَلَاثَة أَيَّام وَأَن أدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أَسْلمُوا قبلت مِنْهُم وعلمتهم معالم الْإِسْلَام ثَلَاثَة أَيَّام وَكتاب الله وَسنة نبيه وَإِن لم يسلمُوا قاتلتهم وَإِنِّي قدمت إِلَيْهِم فدعوتهم إِلَى الْإِسْلَام ثَلَاثَة أَيَّام كَمَا أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبعثت فيهم ركبانا يَا بنى الْحَارِث أَسْلمُوا تسلموا فأسلموا وَلم يقاتلوا وَأَنا مُقيم بَين أظهرهم آمُرهُم بِمَا أَمرهم الله بِهِ وأنهاهم عَمَّا نَهَاهُم
الله عَنهُ وأعلمهم معالم الْإِسْلَام وَسنة النَّبِي حَتَّى يكْتب إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالسَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته
وعَلى نَحْو من ذَلِك كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم
النَّجَاشِيّ ملك الْحَبَشَة والمقوقس صَاحب مصر أَيْضا فِي رِوَايَة ذكرهَا ابْن عبد الحكم وَقد ذكرت كِتَابَيْهِمَا فِي صبح الْأَعْشَى فِي كِتَابَة الإنشا
ثمَّ لما كَانَت خلَافَة عمر بن الْخطاب رضي الله عنه ولقب أَمِير الْمُؤمنِينَ وَزَاد فِي أول كتبه الصادرة عَنهُ لفظ عبد الله قبل اسْمه فَكَانَ يكْتب من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا تقدم ذكره فِي المكاتبات الصادرة عَن الْخُلَفَاء اعتمدوا مثل ذَلِك فِي الْمُكَاتبَة إِلَيْهِ أَيْضا
كَمَا كتب عَمْرو بن الْعَاصِ لأمير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فِي جَوَاب الْكتاب الْوَارِد من أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ يذكر فِيهِ بِأَنَّهُ بلغه فَاشِية مَال فَشَتْ لَهُ
لعبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
أما بعد فَإِنَّهُ أَتَانِي كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ يذكر فِيهِ فَاشِية مَال فَشَتْ لي وَأَنه يعرفنِي قبل ذَلِك وَلَا مَال لي وَإِنِّي أعلم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنِّي بِبَلَد السّعر فِيهِ رخيص وَأَنِّي أعالج من الزِّرَاعَة مَا يعالجه النَّاس وَفِي رزق أَمِير الْمُؤمنِينَ سَعَة وَالله لَو رَأَيْت خِيَانَتك حَلَالا مَا خنتك
فِي كَلَام آخر وَجرى النَّاس بعد ذَلِك على هَذَا الأسلوب فِي الدولة الأموية وَأول الدولة العباسية
كَمَا كتب الْحجَّاج بن يُوسُف إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان
فِي جَوَاب كِتَابه إِلَيْهِ بتوبيخه لَهُ بِسَبَب تعرضه لأنس بن مَالك رضي الله عنه على مَا تقدم ذكره
لعبد الله عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْهِ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
أما بعد أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ وأبقاه وشلا حَظه وحاطه وَلَا أعدمناه فقد وصلني كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بقاه وَجَعَلَنِي من كل مَكْرُوه فدَاه يذكر شتمي وتوبيخي بآبائي وتعييري بِمَا كَانَ قبل نزُول النِّعْمَة بِي من عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ أتم الله نعْمَته عَلَيْهِ وإحسانه إِلَيْهِ وَيذكر أَمِير الْمُؤمنِينَ استطالة مني على أنس بن مَالك وأمير الْمُؤمنِينَ أَحَق من أقَال عثرتي وَعَفا عَن ذَنبي وأمهلني وَلم يعجلني عِنْد هفوتي للَّذي جبل عَلَيْهِ من كريم طباعه وَمَا قَلّدهُ الله من أُمُور عباده فَرَأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أصلحه الله فِي تسكين روعي وإفراج كربتي فقد ملئت رعْبًا وفرقا من سطواته وقحمات نقماته وأمير الْمُؤمنِينَ أقاله الله العثرات وَتجَاوز لَهُ عَن السَّيِّئَات وضاعف لَهُ الْحَسَنَات وَأَعْلَى لَهُ الدَّرَجَات أَحَق من صفح وَعَفا وتغمد وَأبقى وَلم يشمت بِي عدوا مكبا وَلَا حسودا مضبا وَلم يجرعني عصصا وَالَّذِي وصف أَمِير الْمُؤمنِينَ من صنيعته إِلَيّ وتقويمه بِمَا أسْند من عمله إِلَيّ وأوطأني رِقَاب رَعيته فصادق فِيهِ مَجْزِي عَلَيْهِ
بالشكر والتوسل منى إِلَيْهِ بِالْولَايَةِ والتقرب لَهُ بالكفاية وَقد خضعت عِنْد كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن رأى طوقنى الله شكره وأعانني على تأدية حَقه وَبَلغنِي إِلَى مَا فِيهِ مُوَافقَة مرضاته وَمد فِي أَجله أَن يَأْمر بِالْكتاب إِلَى من رِضَاهُ وسلامة صَدره مَا يؤمنني بِهِ من سفك دمي وَيرد مَا شرد من نومي ويطمئن بِهِ قلبِي فعل فقد ورد عَليّ أَمر جليل خطبه عَظِيم أمره شَدِيد كربه أسأَل الله أَن لَا يسْخط أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ وَأَن ينيله فِي حزمه وعزمه وسياسته وفراسته ومواليه وحشمه وعماله وصنعائه مَا يحمد بِهِ حسن رَأْيه إِنَّه ولي أَمِير الْمُؤمنِينَ والذاب عَن سُلْطَانه والصانع لَهُ فِي أمره وَالسَّلَام
وَلما زَاد الْمَأْمُون فِي الْكتب الصادرة عَنهُ بعد التَّحْمِيد وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله ألحقت فِي الْكتب الْمَكْتُوبَة إِلَى الْخَلِيفَة أَيْضا وَيُؤْتى بعد البعدية بِالدُّعَاءِ للخليفة بِمَا يُنَاسِبه من طول الْبَقَاء وَنَحْوه
وَالَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال بعد ذَلِك فِي الدولة العباسية فِي الْعرَاق على مَا ذكره قدامَة فِي كتاب الْخراج أَن يكْتب
لعبد الله فلَان أبي فلَان باسمه وكنيته ونعته ثمَّ يُقَال أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلام على أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْهِ الله الَّذِي لَا إِلَيْهِ إِلَّا هُوَ وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم
أما بعد أَطَالَ الله بَقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ وأدام عزه وتأييده وكرامته وحراسته وَأتم نعْمَته عَلَيْهِ وَزَاد فِي إحسانه إِلَيْهِ وفضله عِنْده وَجَمِيل بلائه لَدَيْهِ وجزيل عطائه لَهُ
قَالَ فِي صناعَة الْكتاب ثمَّ يُقَال أما بعد فَإِن كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَأْتِي على الْمعَانِي الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا وَتَكون الْمُكَاتبَة وَقد فعل عبد أَمِير الْمُؤمنِينَ كَذَا فَإِذا زَادَت حَاله لم يقل عبد أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِذا بلغ إِلَى الدُّعَاء ترك فضاء وَكتب أتم الله على أَمِير الْمُؤمنِينَ نعْمَته وهنأه كرامته وَألبسهُ عَفوه وعافيته وأمنه وسلامته وَالسَّلَام على أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَاعْلَم أَنه إِن كَانَ الْكتاب فِي معنى حُدُوث نعْمَة من فتح أَو غَيره أَتَى بعد البعدية
بِخطْبَة مفتتحة بِالْحَمْد وَرُبمَا زيد على ذَلِك إِلَى ثَلَاث تحميدات وَيكون خطاب الْخَلِيفَة بأمير الْمُؤمنِينَ وتعبير الْمَكْتُوب عَنهُ عَن نَفسه بِلَفْظ الْإِفْرَاد وَيخْتم الْكتاب بالإنهاء وَمَا فِي مَعْنَاهُ
وَهَذِه نُسْخَة كتاب كتب بِهِ أَبُو إِسْحَاق الصابي
عَن عز الدولة بن معز الدولة بن بويه الديلمي إِلَى الْمُطِيع لله عِنْد وُصُوله الْموصل وانهزام أبي تغلب بن حمدَان عَنْهَا فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة يُوضح لَك هَذِه الطَّرِيقَة وَيبين سبلها وَهُوَ
لعبد الله الْفضل الإِمَام الْمُطِيع لله أَمِير الْمُؤمنِينَ من عَبده وصنيعته عز الدولة بن معز الدولة مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلام على أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله فَإِنِّي أَحْمد إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم
أما بعد أَطَالَ الله بَقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ وأدام لَهُ الْعِزّ والتأييد والتوفيق والتسديد والعلو وَالْقُدْرَة والظهور والنصرة وَالْحَمْد لله الْعلي الْعَظِيم الأزلي الْقَدِيم الْمُنْفَرد بالكبرياء والملكوت المتوحد بالعظمة والجبروت الَّذِي لَا تحده الصِّفَات وَلَا تحوزه الْجِهَات وَلَا تحصره قرارة مَكَان وَلَا يُغَيِّرهُ مُرُور زمَان وَلَا تتمثله الْعُيُون بنواظرها وَلَا تتخيله الْقُلُوب بخواطرها فاطر السَّمَوَات وَمَا تظل وخالق الأَرْض وَمَا تقل الَّذِي دلّ بلطيف صَنعته على جميل حكمته وَبَين بجلي برهانه على خَفِي وحدانيته وَاسْتغْنى بِالْقُدْرَةِ على الأعوان واستقلى بِالْعِزَّةِ على الأقران الْبعيد عَن كل معادل ومضارع الْمُمْتَنع عَن كل مطاول ومقارع الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول وَلَا يحول الْعَادِل الَّذِي لَا يظلم وَلَا يجور الْكَرِيم الَّذِي لَا يضن وَلَا يبخل الْحَلِيم الَّذِي لَا يعجل وَلَا يجهل ذَلِكُم الله ربكُم {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَادعوهُ مُخلصين لَهُ الدّين} منزل الرَّحْمَة على كل ولي توكل عَلَيْهِ وفوض إِلَيْهِ وائتمر
بأوامره وازدجر بزواجره وَمحل النقمَة بِكُل عَدو صد عَن سَبيله وسننه وصدف عَن فَرَائِضه وسننه وحاد فِي مكسب يَده ومسعاه قدمه وخائنة عينه وخافية صَدره وَهُوَ راتع رتعة النعم السَّائِمَة فِي أكلاء النعم السابغة وجاهل جهلها بشكر آلائها ذاهل ذهولها عَن طرق استيفائها فَلَا يلبث أَن ينْزع سرابيلها صاغرا ويتعرى مِنْهَا حاسرا وَيجْعَل الله كَيده فِي تضليل ويورده شَرّ المورد الوبيل إِن الله لَا يصلح عمل المفسدين وَلَا يهدي كيد الخائنين
وَالْحَمْد لله الَّذِي اصْطفى للنبوة أَحَق عباده بِحمْل أعبائها وارتداء ردائها مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم وَعظم خطره وكرم فصدع بالرسالة وَبَالغ فِي الدّلَالَة ودعى إِلَى الْهِدَايَة ونجى من الغواية وَنقل النَّاس عَن طَاعَة الشَّيْطَان الرَّجِيم إِلَى طَاعَة الرَّحْمَن الرَّحِيم وأعلقهم بحبال خالقهم ورازقهم وعصمة محييهم ومميتهم بعد انتحال الأكاذيب والأباطيل واستشعار المحالات والأضاليل والتهوك فِي الاعتقادات الذابة عَن النَّعيم إِلَى
الْعَذَاب الْأَلِيم فصلى الله عَلَيْهِ من نَاطِق بِالْحَقِّ ومنقذ لِلْخلقِ وناصح للرب ومؤد للْفَرض صَلَاة زاكية نامية رَائِحَة غادية تزيد على اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار وتعاقب الأعوام والأدوار
وَالْحَمْد لله الَّذِي انتخب أَمِير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ من ذَلِك السنح الشريف والعنصر المنيف والعترة الثَّابِت أَصْلهَا الممتد ظلها الطّيب جناها الْمَمْنُوع حماها وَحَازَ لَهُ مَوَارِيث آبَائِهِ الطاهرين صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ واختصه من بَينهم بتطاول أمد الْخلَافَة واستحصاف حبلها فِي يَده ووفقه لإصابة الْغَرَض من كل مرمى يرميه ومقصد ينتحيه وَهُوَ جلّ ثَنَاؤُهُ الْحقيق بإتمام ذَلِك عَلَيْهِ وَالزِّيَادَة فِيهِ لَدَيْهِ وأحمده سُبْحَانَهُ حمدا أبتديه ثمَّ أُعِيدهُ وأكرره وأستزيده على أَن أهل ركن الدولة أَبَا عَليّ وعضد الدولة أَبَا شُجَاع موليا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأهلني للأثرة عِنْده الَّتِي نددنا فِيهَا الْأَكفاء وفتنا فِيهَا القرناء وتقطعت دونهَا أنفاس
المنافسين وتضرمت عَلَيْهَا أحشاء الحاسدين وَإِن أولاني فِي كل مغزى فِي خدمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أغزوه ومنحى أنحوه وثأئ أرأبه وشعث ألمه وعدو أرغمه وزائغ أقومه أفضل مَا أولاه عباده السليمة غيوبهم النقية جيوبهم اطأمونة ضمائرهم المشحوذة بصائرهم من تَمْكِين يَده وتثبيت قدمه ونصرة رَأْيه وإعلاء كَلمته وتقريب بغيته وإنالة أمْنِيته وَكَذَلِكَ يكون من إِلَى وَلَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ اعتزاؤه وبشعاره اعتزازه وَعَن زناده قدحه وَفِي طَاعَته كدحه وَالله ولي بإدامة مَا خولنيه من هَذِه المنقبة وسوغنيه من هَذِه الموهبة وَأَن يتوحد أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي جَمِيع خدمه الذابين عَن حوزته المنتمين إِلَى دَعوته بيمن الطَّائِر وسعادة الطالع ونجاح الْمطلب وَإِدْرَاك الأرب وَفِي أعدائه العامطين لنعمته الناقضين مواثيق بيعَته بإضراع الخد وإتعاس الْجد وإخفاق الأمل وإحباط الْعَمَل بقدرته
وَلم يزل مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ يُنكر
قَدِيما من فضل الله بن نَاصِر الدولة أحوالا حَقِيقا مثلهَا بالإنكار ومستحقا من ارتكبها الْإِعْرَاض وَأَنا أذهب فِي حفظ غيبه وإجمال محضره وتمحل حجَّته وتلفيقها وتأليف معاذيره وتنميقها مذهبي الَّذِي أعمر بِهِ كل من جرى مجْرَاه من نَاشِئ فِي دولته ومغتذ بنعمته ومنتسب إِلَى ولَايَته ومشهور بصنيعته وأقدر أَن أستصلحه لأمير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ وَأَصْلحهُ لنَفسِهِ بالتوقيف على مسالك الرشاد ومناهج السداد وَهُوَ يرينى أَن قد قبل وارعوى وَأبْصر واهتدى حَتَّى رغبت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الله فِيمَا شفعني مت فِيهِ من تَقْلِيده أَعمال أَبِيه والقناعة مِنْهُ فِي الضَّمَان بميسور بذله وإيثاره بِهِ على من هُوَ فَوْقه من كبراء إخْوَته وَأَهله
فَلَمَّا بلغ هَذِه الْحَال ألط بِالْمَالِ وخاس بالعهد وطرق لفسخ العقد وأجرى إِلَى أُمُور كرهتها ونفد الصَّبْر منى عَلَيْهَا وَخفت أَن أستمر على الإغضاء عَنْهَا والمسامحة فِيهَا فَيطلع الله مني على إِضَاعَة الِاحْتِيَاط فِي أَمر قلدني أَمِير الْمُؤمنِينَ زمامه وضمنني دركه وإرخاء
لبب رجل قبل فِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ رَأْيِي وعول فِي أَخذه بِمَا يلْزمه على نَظَرِي واستيفائي فتناولته بأطراف الْعدْل ملوحا ثمَّ بأثباجه مفصحا مُصَرحًا
ورسمت لعبد أَمِير الْمُؤمنِينَ الناصح أبي طَاهِر أَن يحل بِهِ وبوسطائه وسفرائه فِي حَال وَيدخل عَلَيْهِم من طَرِيق المشورة والرفق فِي أُخْرَى وينتقل مَعَه بَين الخشونة الَّتِي يقفو فِيهَا أثري واللين الَّذِي لَا يجوز أَن يحسه مني تَقْديرا لانثنائه وَزَوَال التوائه فَفعل ذَلِك على رسمه فِي التأني لكل فَاسد حَتَّى يصلح وَلكُل آب حَتَّى يسمح وَلم يدع التناهي فِي وعظه والتمادي فِي نصحه وتعريفه سوء عَاقِبَة اللجاج ومغبة الإحراج وَهُوَ يزِيد طَمَعا فِي الْأَمْوَال وشرها وعمى فِي الرَّأْي وعمها إِلَى أَن كَاد أمرنَا مَعَه يخرج عَن حد الِانْتِظَار إِلَى حد الرضى بالإصرار فاستألفت ادراع الحزم وامتطاء الْعَزْم ونهضت إِلَى أَعمال الْموصل وَعِنْدِي أَنه يغنيني عَن الْإِتْمَام ويتلقاني بالإعتاب وينقاد إِلَى المُرَاد ويتجنب طرق العناد
فحين عرف خبر مسيري وجدي فِيهِ وتشميري برز بروز الْمُخَالف المكاشف وتجرد تجرد المواقع المواقف وَهُوَ مَعَ ذَاك إِذا ازددت مِنْهُ قربا ازْدَادَ مني رعْبًا وَإِذا دلفت إِلَيْهِ ذِرَاعا نكص عني باعا
وتوافت إِلَى حضرتي وُجُوه الْقَبَائِل من عقيل وشيبان وَغَيرهمَا فِي الْجمع الكثيف من صعاليكهما وَالْعدَد الْكثير من صناديدهما داخلين فِي الطَّاعَة متصرفين فِي عوارض الْخدمَة
فَلَمَّا شارفت الحديثة انتقضت عزائم صبره وتقوضت دعائم أمره وَبَطلَت أمانيه ووساوسه واضمحلت خواطره وهواجسه واضطرب عَلَيْهِ من ثقاته وغلمانه من كَانَ بهم يعتضد وَعَلَيْهِم يعْتَمد وبدأوا بخذلانه وَالْأَخْذ لنفوسهم ومفارقته والطلب لحظوظهم وَحصل مِنْهُم بحضرتي إِلَى هَذِه الْغَايَة زهاء خَمْسمِائَة رجل ذَوي خيل مختارة وأسلحة شاكية فصادفوا عِنْدِي مَا أملوا من فائض الْإِحْسَان وغامر الإمتنان وَذكروا عَمَّن وَرَاءَهُمْ من نظرائهم التنزي إِلَى الانجذاب والحرص على الاستئمان وَأَنَّهُمْ يردون وَلَا يتأخرون ويبادرون وَلَا يتلومون
وَلما رأى ذَلِك لم يملك نَفسه أَن مضى هَارِبا على طَرِيق سنجار منكشفا عَن هَذِه الديار قانعا من تِلْكَ الآمال الخائبة والظنون الكاذبة بسلامة حشاشة هِيَ رهينة غيها وصريعة بغيها
وَكَانَ انهزامه بعد أَن فعل الْفِعْل السخيف وكاذ بالكيد الضَّعِيف بِأَن أغرق سفن الْموصل وعروبها وأحرق جسرها واستذم إِلَى أَهلهَا وتزود مِنْهُم اللَّعْن المطيف بِهِ أَيْن يمم الْكَائِن مَعَه حَيْثُ خيم
ودخلتها يومي هَذَا أيد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ دُخُول الغانم الظافر المستعلي الظَّاهِر فسكنت من نفوس سكانها وشرحت صُدُور قطانها وأعلمتهم مَا أَمرنِي بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ أدام الله عزه وَأَعْلَى الله أمره من تأنيس وحشتهم ونظم ألفتهم وَضم نشرهم وَلم شعثهم وإجمال السِّيرَة فيهم فِي ضروب معاملاتهم وعلقهم وصنوف متصرفاتهم ومعايشهم وَكثر مِنْهُم الثَّنَاء
وَالدُّعَاء وَالله سامع مَا رفعوا ومجيب مَا سَأَلُوا وأجلت حَال هَذَا الْجَاهِل أيد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن أقبح هزيمَة وأذل هضيمة وأسواء رَأْي وَأنكر إخساء لِأَنَّهُ لم يلقنى لِقَاء الباخع بِالطَّاعَةِ المعتذر من سالف التَّفْرِيط والإضاعة وَلَا لِقَاء الْمُصدق لدعواه فِي الِاسْتِقْلَال بالمقارعة الْمُحَقق لزعمه فِي الثباث للمدافعة وَلَا كَانَ فِي هذَيْن الْأَمريْنِ بِالْبرِّ التقى وَلَا الْفَاجِر الغوي بل جمع بَين نقيصة شقاشقه وغدره وفضيحة جبنه وخوره متنكبا للصلاح عادلا عَن الصَّوَاب قد ذهب عَنهُ الرشاد وَضربت بَينه بَينه الأسداد وأنزله الله منزلَة مثله مِمَّن أَسَاءَ حفظ الْوَدِيعَة وَجوَار الصنيعة واستوجب نزعهما مِنْهُ وتحويلهما عَنهُ وتأملت أيد الله مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أمره على التجريب وتصفحته بالتقليب فَإِذا هُوَ الرجل الَّذِي أطَاع أَبوهُ فِيهِ هوى أمه وَعصى دواعي رَأْيه وحزمه وَقدمه من وَلَده على من هُوَ آنس
رشدا وأكبر سنا وَأثبت جأشا وأجرأ جنَانًا وَأَشْجَع قلبا وأوسع صَدرا وأجدر بمخايل النجابة وشمائل اللبابة فَلَمَّا اجْتمعت لَهُ أَسبَاب الْقُدْرَة والثروة وأمكنته مناهز الْغرَّة والفرصة وثب عَلَيْهِ وثبة السرحان فِي ثلة الضان وجزاه جَزَاء أم عَامر بمجيرها إِذْ فرته بأنيابها وأظافرها وَاجْتمعَ وَأَخُوهُ من الْأُم المرتضع مَعَه لبان الْإِثْم المكنى أَبَا البركات وَلَيْسَ بأب لَهَا وَلَا جرى لشَيْء مِنْهَا على أَن نشزا عَنهُ وعقاه وقبضا عَلَيْهِ وأوثقاه وَأَقَرَّاهُ من قلعتهما بِحَيْثُ تقر العتاة وتعاقب الجناة ثمَّ أتبعا ذَلِك باستحلال دَمه وإفاضة مهجته غير راعيين فِيهِ حق الْأُبُوَّة وَلَا حانيين عَلَيْهِ حنو النُّبُوَّة وَلَا متندمين من الْإِقْدَام على مثله مِمَّن تقدّمت عِنْد سُلْطَانه قدمه وتوكدت أواصره وَعَصَمَهُ وَلَا راحمين لَهُ من ضعف شيخوخته ووهل كبرته وَلَا مصغيين إِلَى وَصِيَّة الله إيَّاهُمَا بِهِ الَّتِي نَصهَا فِي مُحكم كِتَابه وكررها فِي آيه وبيناته إِذْ يَقُول {أَن اشكر لي ولوالديك إِلَيّ الْمصير} وَإِذ يَقُول
{وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه وبالوالدين إحسانا إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما وَقل لَهما قولا كَرِيمًا واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة وَقل رب ارحمهما كَمَا ربياني صَغِيرا} فَبِأَي وَجه يلقى الله قَاتل وَالِد حدب قد أَمر أَلا ينهره وَبِأَيِّ لِسَان ينْطق يَوْم يسْأَل عَمَّا استجازه فِيهِ وَفعله وتالله لَو أَن بمكانه عدوا لَهما قد قارضهما الذحول وقارعهما عَن النُّفُوس لقبح بهما أَن يلؤما ذَلِك اللؤم عِنْد الظفر بِهِ وَأَن يركبا تِلْكَ الخطة الشنعاء فِي الْأَخْذ بناصيته وَلم يرض فضل الله بِمَا أَتَاهُ إِلَيْهِ حَتَّى استوفى حُدُود قطع الرَّحِم بِأَن تتبع أكَابِر إخْوَته السالكين خلاف سَبيله المستبرئين إِلَى الله من عَظِيم مَا اكْتسب ووخيم مَا احتقب لما غضبوا لأبيهم وامتعضوا من المستحيل فِيهِ وَفِيهِمْ فَقبض على مُحَمَّد بن نَاصِر الدولة حِيلَة وغيلة وغدرا ومكيدة ونابذ حمدَان بن نَاصِر الدولة منابذة خار الله لَهُ فِيهَا بِأَن أصاره من فنَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْجَانِب الْعَزِيز
والحرز الحريز وَأَن أجْرى الله على يَده الْحَرْب الْوَاقِعَة بَينه وَبَين الْمَعْرُوف بكنيته أبي البركات الَّتِي لقاه الله فِيهَا نحسه وأتلف نَفسه وصرعه بعقوقه وبغيه وقنعه بعاره وخزيه وَمَعَ ذَلِك لَا يتعظ وَلَا ينْزع وَلَا يقْلع وَلَا يزدجر إصرارا على الجرائر الَّتِي الله عَنْهَا حسيبه وَبهَا طليبه وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة مرصدتان لَهُ بالجزاء المحقوق عَلَيْهِ وَالْعِقَاب الْمَسْبُوق إِلَيْهِ وَأعظم من هَذَا كُله أيد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ خطبا وأوعر مسلكا ولحبا أَن من شَرَائِط الْعَهْد الَّذِي كَانَ عهد إِلَيْهِ وَالْعقد الَّذِي عقد لَهُ وَالضَّمان المخفف مبلغه عَنهُ الْمَأْخُوذ عَفوه مِنْهُ أَن يتناهى فِي ضبط الثغور وَجِهَاد الرّوم وَحفظ الْأَطْرَاف ورم الأكناف فَمَا وفى بِشَيْء من ذَلِك بل عدل عَنهُ إِلَى الاستئثار بالأموال واقتطافها وإحرازها فِي مكامنها وقلاعها والضن بهَا دون الْإِخْرَاج فِي وجوهها والوضع لَهَا فِي حُقُوقهَا وَأَن ترَاخى فِي أَمر عَظِيم الرّوم مهملا واطرح الْفِكر فِيهِ مغفلا حَتَّى هجم فِي الديار وَأثر الْآثَار وَنكى الْقُلُوب وأبكى الْعُيُون وصدع الأكباد
وأحر الصُّدُور فَمَا كَانَ عِنْده فِيهِ مَا يكون عِنْد الْمُسلم الْقَارئ لكتاب الله إِذْ يَقُول {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الَّذِي بايعتم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} بل صدف عَن ذكر الله لاهيا وَعدل عَن كِتَابه سَاهِيا واستفسخه ذَلِك البيع وَالْعقد وتنجزه الْوَعيد لَا الْوَعْد ولاطف طاغية الرّوم وهاداه وأماره وَأَعْطَاهُ وصانعه بِمَال الْمُسلمين الَّذين يلْزمه إِن سلم دينه وَصَحَّ يقينه أَن يُنْفِقهُ فِي مرابضهم ويذب بِهِ عَن حريمهم لَا أَن يعكسه عَن جِهَته ويلفته عَن وَجهه بِالنَّقْلِ إِلَى عدوهم وَإِدْخَال الوهن بذلك عَلَيْهِم وقاد إِلَيْهِ من الْخَيل الْعتاق مَا هُوَ الْآن عون للكفر على الْإِيمَان ونجدة للطاغية على السُّلْطَان وَكَانَ فِيمَا أتحفه بِهِ الْخمر الَّتِي حظر الله عَلَيْهِ أَن يشْربهَا
ويسقيها وتعبده بِأَن يجتنبها ويجتويها وصلبان ذهب صاغها لَهُ وتقرب بهَا إِلَيْهِ تقربا قد باعده الله فِيهِ عَن الْإِصَابَة والأصالة وَأَدْنَاهُ من الْجَهَالَة والضلالة حَتَّى كَأَنَّهُ عَامل من عماله أَو بطرِيق من بطارقته
فَأَما فشله عَن مكافحته ولهجه بملاطفته فضد الَّذِي أمره الله بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار وليجدوا فِيكُم غلظة وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} وَأما مَا نَقله من الْخَيل عَن ديار الْمُسلمين إِلَى ديار أعدائهم فنقيض قَوْله عز وجل {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ}
وَأما إهداؤه الْخمر والصلبان فخلاف عَلَيْهِ تبَارك اسْمه إِذْ يَقُول {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون} كل ذَلِك عنادا لرب الْعَالمين وطمسا لأعلام الدّين وضنا بِمَا
تحامى عَلَيْهِ من ذَلِك الحطام الْمَجْمُوع من الْحَرَام المثمر من الآثام المقتطع من فئ الْإِسْلَام وَقد فعل الْآن بِي وبالعسكر الَّتِي معي وَمن نضم من أَوْلِيَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذين هم إخْوَته وَصَحبه إِن كَانَ مُؤمنا وأنصاره وَحزبه إِن كَانَ موقنا من توعير المسالك وتفريق العروب وتضييق الأقوات واستهلاك الأزواد ليوصل إِلَيْنَا الضّر وَيلْحق بِنَا الْجهد فعل الْعَدو الْمُبين الْمُخَالف فِي الدّين فَهَل يجْتَمع فِي أحد المساوى أيد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا اجْتمع فِي هَذَا الناد الْعَائِد والشاذ الشارد وَهل يطْمع من مثله فِي حق يَقْضِيه أَو فرض يُؤَدِّيه أَو عهد يرعاه أَو ذمام يحفظه وَهُوَ لله عَاص ولإمامه مُخَالف ولوالده قَاتل ولرحمه قَاطع كلا وَالله بل هُوَ الْحقيق بِأَن تثنى إِلَيْهِ الأعنة وتشرع نَحوه الأسنة وتنصب لَهُ الأرصاد وتشحذ لَهُ السيوف الْحداد ليقطع الله بهَا دابره وَيجب غاربه ويصرعه مصرع الأثيم المليم الْمُسْتَحق
للعذاب الْأَلِيم أَو يفئ إِلَى الْحق إفاءة الدَّاخِل فِيهِ بعد خُرُوجه الْعَائِد إِلَيْهِ بعد مروقه التائب الْمُنِيب النَّازِل المستقيل فَيكون حكمه شَبِيها بِحكم الرَّاجِع عَن الرِّدَّة الْمَحْمُول على ظَاهر الشَّرِيعَة وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
وَالْحَمْد لله الَّذِي هدَانَا لمراشدنا ووقف بِنَا على السبل المنجية لنا والمقاصد المفضية إِلَى رِضَاهُ المعيذة من سطاه
وَالْحَمْد لله الَّذِي أعز أَمِير الْمُؤمنِينَ بالنصر وَأَعْطَاهُ لِوَاء الْقَهْر وَجعل أولياءه العالين الطاهرين وأعداءه السافلين الهابطين وهنأه الله هَذَا الْفَتْح وَلَا أخلاه من أشكال لَهُ تقفوه وتتبعه وأمثال تتلوه وتشفعه واصلا فِيهَا إِلَيّ فأوصل فِيهِ إِلَيْهِ من حيازته مهنأ لم يسفك فِيهِ دم وَلم ينتهك فِيهِ محرم وَلم ينل جهد وَلم يمسس نصب
أنهيت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ ذَلِك ليضيف صنع الله لَهُ فِيهِ إِلَى السالف من عوارفه عِنْده وأياديه وليجدد من