الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذِه نسخته
هَذَا عهد شرِيف تشهد بِهِ الْأَمْلَاك لأشرف الْمُلُوك وتسلك فِيهِ من قَوَاعِد العهود المقدسة أحسن السلوك من عبد الله ووليه الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ للسُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور حسام الدُّنْيَا وَالدّين أبي الْفَتْح لاجين المنصوري أعز الله سُلْطَانه
أما بعد فَالْحَمْد لله مؤتى الْملك من يَشَاء من عباده ومعطي النَّصْر من يُجَاهد فِيهِ حق جهاده ومرهف حسام انتقامه على من جاهر بعناده ومفوض أَمر هَذَا الْخلق إِلَى من أودعهُ سر رأفته فِي محبته وَمُرَاد نقمته فِي مُرَاده وجامع كلمة الْإِيمَان بِمن اجتباه لإِقَامَة دينه وارتضاه ليرْفَع عماده ومقر الْحق فِي يَد من منع سَيْفه الْمُجَرّد فِي سَبِيل الله أَن يقر فِي أغماده وناصر من لم تزل كلمة الْفتُوح مستكنة فِي صُدُور سيوفه جَارِيَة على أَلْسِنَة صعاده وجاعل ملك الْإِسْلَام من حُقُوق من إِذا عد أهل الأَرْض على اجْتِمَاعهم كَانَ هُوَ الْمُتَعَيّن على انْفِرَاده الَّذِي شرف
أسرة ملك الْإِسْلَام بإستيلاء حسام دينه عَلَيْهَا وزلزل ممالك أعدائه بِمَا بعث من سَرَايَا رعبه إِلَيْهَا وَثَبت بِهِ أَرْكَان الأَرْض الَّتِي ستحتوي ملكه فِي طرفيها وضعضع بسلطانه قَوَاعِد مُلُوك الْكفْر فودعت مَا كَانَ مودعا لأيامه من ممالك الْإِسْلَام فِي يَديهَا وأقامه وليه بأَمْره فَلم يخْتَلف عَلَيْهِ وَاثْنَانِ من خلقه وقلده أَمر بريته لما أقدره عَلَيْهِ من 206 أالنهوض بحقهم وَحقه وأظهره على من نصب لَهُ الغوائل {وَالله غَالب على أمره} وَنَصره فِي مَوَاطِن كَثِيرَة لما قدره فِي الْقدَم من رفْعَة شَأْنه وإعلاء قدره وَجعل عدوه وَإِن أعرض عَن طلبه بجيوش الرعب محصورا وَكَفاهُ بنصره على الْأَعْدَاء التوغل فِي سفك الدِّمَاء فَلم {يسرف فِي الْقَتْل إِنَّه كَانَ منصورا} وَنقل إِلَيْهِ الْملك بِسَيْفِهِ والدماء مصونة وَحكمه فِيمَا كَانَ بيد غَيره من الأَرْض والبلاد آمِنَة والفتن مَأْمُونَة فَكَانَ أَمر من ذهب سَحَابَة صيف أَو خلسة طيف لم تحل لَهُ روعة فِي الْقلب وَلم يذعرها وَقد ألبسهُ الله مَا نزع
عَن سواهُ سالب وَلَا مسلوب إِجْرَاء لهَذِهِ الْأمة على عوائد فَضله العميم واختصاصا بِمَا آتَاهُ من ملكه {وَالله يُؤْتِي ملكه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم}
يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا منح فِي أَيَّامه الدّين من اعتضاده بحسامه والاعتماد فِي ملك الْمُسلمين على من يَجْعَل جباه مُلُوك الشّرك تَحت أقدامه والاعتداد بمساعي من حصونه فِي الْجِهَاد ظُهُور جياده وقصوره أَطْرَاف حسامه
وَيشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة حَاكم بِمَا أرَاهُ حَامِد لَهُ فِي ملك الْإِسْلَام على مَا يسر مَا وطده وَدفع مَا عداهُ معتصم بِهِ فِي كل مَا أثْبته بِالْحَقِّ من قَوَاعِد الدّين وأوثقه بالتقوى من عراه مستمد مَلَائِكَة نَصره لمن أغنته عَزَائِمه فِي جِهَاد أَعدَاء الدّين عَن سيره فِي ذَلِك وسراه وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي جعله من عصبته الشَّرِيفَة وعصبته وشرفه بوراثة خِلَافَته فِي أمته قدر رتبته وقصره على إِقَامَة من يرهب العدا بنشر
دَعوته فِي الْآفَاق مَعَ مواقع رغبته ويسأله أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَاة تفتح لَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَى الْعِصْمَة طَرِيقا وتجعله فِي الْأُخْرَى مَعَه وَمَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من آبَائِهِ الشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ {وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا 206 ب وَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ لما اختصه الله بِهِ من السِّرّ الْمُودع فِي قلبه والنور الَّذِي أصبح فِيهِ على بَيِّنَة من ربه والتأييد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ عَمَّن شرف بِقُرْبِهِ وَالنَّص الَّذِي أسره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى جده الْعَبَّاس من بَقَاء هَذَا الْأَمر فِي ورثته دون أَقَاربه وَصَحبه لم يزل يرغب إِلَى الله تَعَالَى ويستخيره فِي إِقَامَة من ينْهض فِي ملك الْإِسْلَام حق النهوض ويفوض أَمر الْأمة إِلَى من يرى أَدَاء الْأَمَانَة فيهم من آكِد الْفُرُوض وَمن إِذا قَالَ النفير يَا خيل الله ارْكَبِي سابقت خيله خياله وَجَازَت عَزَائِمه نصاله وَأخذ عَدو الدّين من مأمنه وغالب بِسَيْفِهِ الْأَجَل على انتزاع روحه من بدنه وَقَاتل
لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا وجاهد لإِقَامَة منار الْإِسْلَام لَا للتعرض إِلَى عرض الدُّنْيَا وقدمت لَهُ مُلُوك الدُّنْيَا حصونها وبذلت لَهُ مَعَ الطَّاعَة مصونها وأقيم لَهُ بِكُل قطر مِنْبَر وسرير وَجمع مُلُوك العدا فِي رق طَاعَته من هُوَ على جمعهم إِذا يَشَاء قدير وَمن يُقيم الْعدْل على مَا شرع وَالشَّرْع على مَا أَخذ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَسمع وَيُمِيت الْبدع بإحياء السّنَن وَيعلم أَن الله جعل لخلقه على لِسَان نبيه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم سننا وَلَا يعدل بهم عَن ذَلِك السّنَن
وَلما كَانَ السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور حسام الدُّنْيَا وَالدّين أَبُو الْفَتْح لاجين المنصوري خلد الله سُلْطَانه هُوَ الَّذِي جعل الله صَلَاح الْأمة على يَدَيْهِ وَاخْتَارَهُ لإِقَامَة دينه فساق ملك الْإِسْلَام عنْوَة إِلَيْهِ وأنهضه بذلك وَقد أمده بِجُنُود نَصره وَأنزل سكينته عَلَيْهِ وَجمع قُلُوب أهل الْإِسْلَام على حبه وَفرق أَعدَاء الدّين خوف حربه وَجعل النَّصْر حَيْثُ توجه من أشياعه وَحزبه
وعضده لنصرة الْإِسْلَام بملائكة سمائه وَأقَام بِهِ عَمُود الدّين الَّذِي بِالسَّيْفِ قَامَ وَلَا غرو فَإِن الحسام من أَسْمَائِهِ وَأَقْبَلت إِلَيْهِ طوائف 207 أجيوش الْإِسْلَام مذعنين وَأدّى فِي كرامتهم حُقُوق طَاعَة الله الَّذِي أيده بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ وتلقاهم بشير كرامته ونعمه وَقَالَ ادخُلُوا مصر إِن شَاءَ الله آمِنين وطارت مخلقات البشائر بِملكه فِي الْآفَاق وأغص العدا بسلطانه فَمَا توهموا فِي أَمر الْإِسْلَام وَالِاخْتِلَاف حَتَّى تحققوا بِحَمْد الله ويمن أَيَّامه الْوِفَاق واختالت المنابر الإسلامية بِذكر أَمِير الْمُؤمنِينَ وَذكره وأعلنت الْأمة المحمدية بِحَمْد الله الَّذِي أقرّ بِهِ الْحق فِي مركزه ورد بِهِ شارد الْملك إِلَى وَكره وَتحقّق أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنه الْمكنون فِي طويته والمستكن فِي إضماره والقائم فِي عمَارَة بَيته النَّبَوِيّ وسلامته مقَام سلمانه وعماره فعهد إِلَيْهِ حِينَئِذٍ فِي كل مَا تَقْتَضِيه أَحْكَام إِمَامَته فِي أمة نبيه وَجعله فِي التَّصَرُّف الْمُطلق عَنهُ قَائِما مقَام وَصِيَّة فِي الْملَّة ووليه وقلده أَمر ملك الْإِسْلَام تقليدا عَاما وفوض إِلَيْهِ حكم السلطنة الشَّرِيفَة تفويضا تَاما
وَألبسهُ من ذَلِك مَا خلعه عَن سواهُ وَنشر عَلَيْهِ لِوَاء الْملك الَّذِي زوى ظله عَن غَيره وطواه وَحكمه فِي كل مَا تَقْتَضِيه خِلَافَته المقدسة وتمضية إِمَامَته الَّتِي هِيَ على التَّقْوَى مؤسسة من إِقَامَة منار الْإِسْلَام وَالْحكم الْعَام فِي أمة مُحَمَّد عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي تَقْلِيد الْمُلُوك والوزراء وتقدمة الجيوش وتأمير الْأُمَرَاء وَفِي تجهيز العساكر والسرايا وإرسال الطَّلَائِع والروايا وَتَجْرِيد الْجنُود الَّذين مَا ندبهم إِلَى العدا إِلَّا أَتَوا بالنهاب وبالسبايا وَفِي غَزْو الْعَدو كَيفَ أرَاهُ الله إِن شَاءَ بِنَفسِهِ أَو جنده وَفِي استنزال النَّصْر بالثبات وَالصَّبْر فَإِن الله يَجْزِي الصابرين وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْده وَفِي محاصرة الْعَدو ومصابرته وإنظاره ومناظرته وَإِنْزَالهمْ على مَا شرع الله فيهم من الْأَحْكَام والتوخي فِي ذَلِك مَا حكم بِهِ سعد بن معَاذ فِي زمن الرَّسُول عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام 207 ب وَفِي ضرب الهدن وإمضائها وَالْوَفَاء بِالْعُقُودِ الْمَشْرُوعَة إِلَى انْتِهَاء مددها وانقضائها وَفِي إرضاء السيوف مِمَّن نكث وَلم يتم عَهده إِلَى مدَّته فَإِن إسخاط الْكفْر فِي
إرضائها وَفِي الْأَمْصَار يقر بهَا من شَاءَ من الْجنُود وَيبْعَث إِلَيْهَا مَا شَاءَ من الْبعُوث والحشود وَفِي سداد الثغور بِالرِّجَالِ الَّذين تفتر بهم عَن شنب النَّصْر وتأمن بهم أعدادها من غوائل الْحصْر وتوفر سهامها من سِهَام الْقُوَّة الَّتِي ترمي العدا بشرر كالقصر وإمداد بحرها بالشواني المجربة الْمُجَرَّدَة والسفن الَّتِي كَأَنَّهَا الْقُصُور الممهدة على الصروح الممردة فَلَا تزَال تدب إِلَيْهِم من ذَوَات الأرجل عقاربها وتخطف غربانهم الطائرة بأجنحة القلوع مخالبها وَفِي تقدمة الألوف وتنفيذ السَّرَايَا الَّتِي لَا تزَال أسنتها إِلَى نحور الْأَعْدَاء مقومة وإنفاق مَا يرَاهُ فِي مصَالح الْإِسْلَام من القناطير المقنطرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْخَيْل المسومة وَفِي إعلاء منار الشَّرْع الشريف والانقياد إِلَيْهِ والمسارعة إِلَى نُفُوذ حكمه فِيمَا لَهُ وَعَلِيهِ وتقوية يَد حكامه على كل أَمِير ومأمور أقرّ الشَّرْع فِي يَده شَيْئا أَو انتزعه من يَدَيْهِ وتفويض الحكم إِلَى كل من يتَعَيَّن لذَلِك من أَئِمَّة الْأمة وَإِقَامَة الشَّرْع الشريف على قَوَاعِده الْأَرْبَع فَإِن اتِّفَاق الْعلمَاء حجَّة وَاخْتِلَافهمْ رَحْمَة وَفِي
مصَالح الْحَرَمَيْنِ الشريفين وثالثهما الَّذِي تشد الرّحال أَيْضا إِلَيْهِ وَفِي إِقَامَة سبل الحجيج الَّذِي دعاهم الله فلبوه واستدعاهم فقدموا عَلَيْهِ وفوض إِلَيْهِ كل مَا هُوَ من لَوَازِم خِلَافَته لله فِي أرضه مَا ذكر وَمَا لم يذكر تفويضا لَازِما وتقليدا جَازِمًا وعقدا محكما وعهدا فِي مصَالح الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين محكما وَاكْتفى عَن الْوَصَايَا بِمَا جبل عَلَيْهِ خلقه الشريف من التَّقْوَى وَهدى نَفسه النفيسة إِلَيْهِ من التَّمَسُّك بالسبيل الأقوم وَالسَّبَب الْأَقْوَى فَمَا يُنَبه على حسنه إِلَّا وَهُوَ 208 أأسبق إِلَيْهَا وَلَا يدل على معدلة إِلَّا وفكره الشريف أسْرع من فكر الدَّال عَلَيْهَا وَقد وثق بِبَرَاءَة الذِّمَّة من حق قوم أضحوا لفضل مثله راجين وَتَحْقِيق حُلُول النِّعْمَة على أمة أبدا إِلَى لاجين وَقد استخار أَمِير الْمُؤمنِينَ الله تَعَالَى فِي ذَلِك كثيرا ولجأ إِلَى الله فِي توفيقه وتوقيفه على الصَّوَاب مِمَّا يجده فِي الحكم بذلك هاديا ونصيرا وسارع إِلَى التَّسْلِيم لأمر الله تَعَالَى فِيمَا فوض إِلَيْهِ من أُمُور عباده