الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعَلى هَذَا الأسلوب
كتب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه عهد مَالك الأشتر النَّخعِيّ حِين ولاه مصر وَهُوَ من العهود البليغة جمع 193 ب فِيهِ بَين معالم التَّقْوَى وسياسة الْملك
وَهَذِه نسخته
هَذَا مَا أَمر عَليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ مَالك بن الْحَارِث الأشتر فِي عَهده إِلَيْهِ حِين ولاه مصر جباية خراجها وَجِهَاد عدوها واستصلاح أَهلهَا وَعمارَة بلادها وَأمره بتقوى الله وإيثار طَاعَته وَاتِّبَاع مَا أَمر بِهِ فِي كِتَابه من فريضته وسنته الَّتِي لَا يسْعد أحد إِلَّا باتباعها وَلَا يشقى إِلَّا مَعَ جحودها وإضاعتها وَأَن ينصر الله تَعَالَى بِيَدِهِ وَقَلبه وَلسَانه فَإِنَّهُ جلّ اسْمه قد تكفل بنصر من نَصره وإعزاز من أعزه وَأمره أَن يكسر من نَفسه عِنْد الشَّهَوَات ويزعها عِنْد الجمحات فَإِن النَّفس لأمارة بالسوء إِلَّا مَا رحم الله
ثمَّ اعْلَم يَا مَالك أَنِّي قد وجهتك إِلَى بِلَاد قد جرت عَلَيْهَا دوَل قبلك من عدل وجور وَأَن النَّاس يبصرون من أمورك مثل مَا كنت تنظر فِيهِ من أَمر الْوُلَاة قبلك وَيَقُولُونَ فِيك مَا كنت تَقول فيهم وَإِنَّمَا يسْتَدلّ على الصَّالِحين بِمَا يجْرِي الله لَهُم على ألسن عباده فَلْيَكُن أحب الذَّخَائِر إِلَيْك الْعَمَل الصَّالح فاملك هَوَاك وشح بِنَفْسِك عَمَّا لَا يحل لَك فَإِن الشُّح بِالنَّفسِ الانتصاف مِنْهَا فِيمَا أحبت وكرهت وأشعر قَلْبك بِالرَّحْمَةِ للرعية والمحبة لَهُم واللطف بهم وَلَا تكونن عَلَيْهِ سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فَإِنَّهُم صنفان إِمَّا أَخ لَك فِي الدّين وَإِمَّا نَظِير لَك فِي الْخلق يفرط مِنْهُم الزلل وَتعرض لَهُم الْعِلَل وَيُؤْتى على أَيْديهم فيالعمد وَالْخَطَأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الَّذِي تحب أَن يعطيك الله من عَفوه وصفحه فَإنَّك فَوْقهم ووالي الْأَمر عَلَيْهِم فَوْقك وَالله فَوق من ولاك وَقد استكفاك أَمرهم 194 اوابتلاك بهم وَلَا تنصبن نَفسك لِحَرْب الله
مَا اسْتَطَعْت يستر الله مَا تحب ستره من عيبك
أطلق عَن النَّاس عقدَة كل حقد واقطع عَنْهُم سَبَب كل وتر وتجاف عَن كل مَا لَا يَصح لَك وَلَا تعجلن إِلَى تَصْدِيق ساع فَإِن السَّاعِي غاش وَإِن تشبه بالناصحين وَلَا تدخلن فِي مشورتك بَخِيلًا يعدل بك عَن الْفضل ويعدك الْفقر وَلَا جَبَانًا يضعفك عَن الْأُمُور وَلَا حَرِيصًا يزين لَك الشره بالجور فَإِن الْبُخْل والجبن والحرص غرائز شَتَّى يجمعها سوء الظَّن بِاللَّه
شَرّ وزرائك من كَانَ للأشرار قبلك وزيرا وَمن شاركهم فِي الآثام فَلَا يكونن لَك بطانة فَإِنَّهُم أعوان الأثمة وإخوان الظلمَة وَأَنت وَاجِد مِنْهُم خير الْخلف من لَهُ مثل آرائهم ونفاذهم وَلَيْسَ عَلَيْهِ مثل آصارهم وأوزارهم مِمَّن لم يعاون ظَالِما على ظلمه وَلَا آثِما على إثمه أُولَئِكَ أخف عَلَيْك مئونة وَأحسن لَك مَعُونَة وأحنى عَلَيْك عطفا وَأَقل لغيك إلفا فَاتخذ أُولَئِكَ خَاصَّة لخلواتك وحفلاتك ثمَّ ليكن آثرهم عنْدك أقولهم لَك بمر الْحق وَأَقلهمْ مساعدة فِيمَا يكون
مِنْك مِمَّا كره الله لأوليائه وَاقعا ذَلِك من هَوَاك حَيْثُ وَقع والصق بِأَهْل الصدْق والورع ثمَّ رضهم على أَن لَا يضروك وَلَا يبجحوك بباطل لم تَفْعَلهُ فَإِن كَثْرَة الإصغاء تحدث الزهو وتدنى من الْغرَّة وَلَا يكونن المحسن عنْدك والمسيء بِمَنْزِلَة وَاحِدَة فَإِن فِي ذَلِك ترهيبا لأهل الْإِحْسَان وتريبا لأهل الْإِسَاءَة
…
وَإنَّك لَا تَدْرِي إِذا جَاءَ سَائل
أَأَنْت بِمَا تعطيه أم هُوَ أسعد
عَسى سَائل ذُو حَاجَة إِن منعته
من الْيَوْم سؤلا أَن يكون لَهُ غَد
وَفِي كَثْرَة الْأَيْدِي عَن الْجَهْل زاجر
وللحلم أبقى للرِّجَال وأعود
…
والمواصلة لكل 195 ب من حمى الْبَيْضَة وأخلص النِّيَّة والكون تَحت ظلّ أَمِير الْمُؤمنِينَ وذمته وَمَعَ عز دولته أبي مَنْصُور فِي حوزته وَالله جلّ اسْمه يعرف لأمير الْمُؤمنِينَ حسن العقبى فِيمَا أبرم وَنقض وسداد الرَّأْي فِيمَن رفع وخفض وَيجْعَل عَزَائِمه مقرونة بالسلامة محجوبة عَن موارد الندامة وَحسب أَمِير الْمُؤمنِينَ الله وَنعم الْوَكِيل
أمره بتقوى الله الَّتِي هِيَ الْعِصْمَة المتينة وَالْجنَّة الحصينة والطود الأرفع والمعاذ الأمنع والجانب الْأَعَز والمجأ الأحرز وَأَن يستشعرها سرا وجهرا ويستعملها قولا وفعلا ويتخذها ذخْرا نَافِعًا لنوائب الْقدر وكهفا حاميا من حوادث الْغَيْر فَإِنَّهَا أوجب الْوَسَائِل وَأقرب الذرائع وأعودها على العَبْد بمصالحه وأدعاها إِلَى كل مناجحه وأولاها بالاستمرار على هدايته والنجاة من غوايته والسلامة فِي دُنْيَاهُ حِين توبق موبقاتها وتردى مردياتها وَفِي آخرته حِين
تروع رائعاتها وتخيف مخيفاتها وَأَن يتأدب بآداب الله فِي التَّوَاضُع والإخبات والسكينة وَالْوَقار وَصدق اللهجة إِذا رَمق وكظم الغيظ إِذا حنق وَحفظ اللِّسَان إِذا غضب وكف الْيَد عَن المآثم وصون النَّفس عَن الْمَحَارِم وَأَن يذكر الْمَوْت الَّذِي هُوَ نَازل بِهِ والموقف الَّذِي هُوَ صائر إِلَيْهِ وَيعلم أَنه مسئول عَمَّا اكْتسب مجزى عَمَّا تزمك واحتقب ويتزود من هَذَا الْمَمَر لذاك الْمقر ويستكثر من أَعمال الْخَيْر لتنفعه وَمن مساعي الْبر لتنقذه ويأتمر بالصالحات قبل أَن يَأْمر بهَا ويزدجر عَن السَّيِّئَات قبل أَن يزْجر عَنْهَا ويبتدئ بإصلاح نَفسه قبل إصْلَاح رَعيته فَلَا يَبْعَثهُم على مَا يَأْتِي ضِدّه وَلَا ينهاهم عَمَّا يقترف مثله وَيجْعَل ربه رقيبا عَلَيْهِ فِي خلواته ومروءته مَانِعَة من شهواته فَإِن أَحَق من غلب سُلْطَان الشَّهْوَة وَأولى من صرع أَعدَاء الحمية من 196 املك أزمة الْأُمُور
واقتدر على سياسة الْجُمْهُور وَكَانَ مُطَاعًا فِيمَا يرى مُتبعا فِيمَا يَشَاء يَلِي على النَّاس وَلَا يلون عَلَيْهِ ويقتص مِنْهُم وَلَا يقتصون مِنْهُ فَإِذا إطلع الله مِنْهُ على نقاء جيبه وطهارة ذيله وَصِحَّة سَرِيرَته واستقامة سيرته أَعَانَهُ على حفظ مَا استحفظه وأنهضه بثقل مَا حمله وَجعل لَهُ مخلصا من الشُّبْهَة ومخرجا من الْحيرَة فقد قَالَ تَعَالَى {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} وَقَالَ عز من قَائِل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} وَقَالَ {اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} إِلَى آي كَثِيرَة حضنا بهَا على أكْرم الْخلق وَأسلم الطّرق فالسعيد من نصبها إزاء ناظرة والشقي من نبذها وَرَاء ظَهره وأشقى مِنْهُمَا من بعث عَلَيْهَا وَهُوَ صَادف عَنْهَا وأهاب إِلَيْهَا وَهُوَ بعيد مِنْهَا وَله ولأمثاله يَقُول الله تَعَالَى {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم وَأَنْتُم تتلون الْكتاب أَفلا تعقلون}
وَأمره أَن يتَّخذ كتاب الله إِمَامًا مُتبعا وطريقا متوقعا وَيكثر من تِلَاوَته إِذا خلا بفكره ويملأ بتأمله أرجاء صَدره فَيذْهب مَعَه فِيمَا أَبَاحَ وحظر ويقتدى بِهِ إِذا نهى وَأمر ويستبين ببيانه إِذا استغلقت دونه المعضلات ويستضيء بمصابيحه إِذا غم عَلَيْهِ فِي المشكلات فَإِنَّهُ عُرْوَة الْإِسْلَام الوثقى ومحجته الْوُسْطَى وَدَلِيله الْمقنع وبرهانه المرشد والكاشف لظلم الخطوب والشافي من مرض الْقُلُوب وَالْهَادِي لمن ضل والمتلافي لمن زل فَمن نجا بِهِ فقد فَازَ وَسلم وَمن لَهَا عَنهُ فقد خَابَ وَنَدم قَالَ الله تَعَالَى {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} وَأمره أَن يحافظ على الصَّلَوَات وَيدخل فِيهَا فِي حقائق الْأَوْقَات قَائِما على حُدُودهَا 196 ب مُتبعا لرسومها جَامعا فِيمَا بَين نِيَّته وَلَفظه متوقيا
لمطامح سَهْوه ولحظه مُنْقَطِعًا إِلَيْهَا عَن كل قَاطع لَهَا مَشْغُولًا بهَا عَن كل شاغل عَنْهَا متثبتا فِي ركوعها وسجودها مُسْتَوْفيا عدد مفروضها ومسنونها موفرا عَلَيْهَا ذهنه صارفا إِلَيْهَا همه عَالما بِأَنَّهُ وَاقِف بَين يَدي خالقه ورازقه ومحييه ومميته ومعاقبه ومثيبه لَا يستر دونه خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور فَإِذا قَضَاهَا على هَذِه السَّبِيل مُنْذُ تَكْبِيرَة الْإِحْرَام إِلَى خَاتِمَة التَّسْلِيم أتبعهَا بِدُعَاء يرْتَفع بارتفاعها ويستمع باستماعها وَلَا يتَعَدَّى فِيهِ مسَائِل الْأَبْرَار ورغائب الأخيار من إستصفاح وإستغفار وإستقالة وإسترحام وإستدعاء لصالح الدّين وَالدُّنْيَا وعوائد الْآخِرَة وَالْأولَى فقد قَالَ تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} وَقَالَ تَعَالَى {وأقم الصَّلَاة إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} وَأمره بالسعي فِي أَيَّام الْجمع فِي الْمَسَاجِد الجامعة وَفِي الأعياد إِلَى الْمُصَليَات الضاحية بعد التَّقَدُّم فِي فرشها وكسوتها وَجمع القوام المؤذنين والمكبرين فِيهَا
واستسعاء النَّاس إِلَيْهَا وحضهم عَلَيْهَا آخذين الأهبة متنظفين فِي البزة مؤدين لفرائض الطَّهَارَة وبالغين فِي ذَلِك أقْصَى الإستقصاء معتقدين خشيَة الله وخيفته مدرعين تقواه ومراقبته مكثرين من دُعَائِهِ عز وجل وسؤاله مصلين على مُحَمَّد رَسُوله صلى الله عليه وسلم وعَلى آله بقلوب على الْيَقِين مَوْقُوفَة وهمم إِلَى الدّين مصروفة وألسن بالتسبيح وَالتَّقْدِيس فصيحة وآمال فِي الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة فسيحة فَإِن هَذِه الْمُصَليَات والمتعبدات بيُوت الله الَّتِي فَضلهَا ومناسكه الَّتِي شرفها وفيهَا يُتْلَى الْقُرْآن وَمِنْهَا ترْتَفع الْأَعْمَال وَبهَا يلوذ اللائذون ويعوذ العائذون ويتعبد المتعبدون ويتهجد المتهجدون وحقيق على الْمُسلمين أَجْمَعِينَ من وَال وَمولى عَلَيْهِ أَن يصونوها ويعمروها ويواصلوها وَلَا يهجروها 197 اوأن يقيموا الدعْوَة على منابرها لأمير الْمُؤمنِينَ ثمَّ لأَنْفُسِهِمْ على الرَّسْم الْجَارِي فِيهَا قَالَ الله تَعَالَى فِي هَذِه الصَّلَاة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع}
وَقَالَ فِي عمَارَة الْمَسَاجِد {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَأقَام الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وَلم يخْش إِلَّا الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا من المهتدين}
وَأمره أَن يرْعَى أَحْوَال من يَلِيهِ من طَبَقَات جند أَمِير الْمُؤمنِينَ ومواليه وَيُطلق لَهُم الأرزاق فِي وَقت الْوُجُوب والإستحقاق وَأَن يحسن فِي معاملتهم ويجمل فِي إستخدامهم ويتصرف فِي سياستهم بَين رفق من غير ضعف وخشونة من غير عنف مثيبا لمحسنهم مَا زَاد بالإبانة فِي حسن الْأَثر وَسلم مَعهَا من دواعي الأشر ومتغمدا لمسيئهم مَا كَانَ التغمد لَهُ نَافِعًا وَفِيه ناجعا فَإِن تَكَرَّرت زلاته وَتَتَابَعَتْ عثراته تنَاوله من عُقُوبَته بِمَا يكون لَهُ مصلحا وَلغيره واعظا وَأَن يخْتَص أكابرهم وأماثلهم وَأهل الرَّأْي والخطر مِنْهُم بالمشاورة فِي الْعلم والإطلاع على بعض المهم مستخلصا نخائل قُلُوبهم بالبسط والإدناء ومستشحذا بصائرهم بالإكرام والإحتفاء
فَإِن فِي مُشَاورَة هَذِه الطَّبَقَة إستدلالا على مواقع الصَّوَاب وتحرزا من غلط الإستبداد وأخذا لمجامع الحزامة وَأمنا من مُفَارقَة الإستقامة وَقد حض الله تَعَالَى على الشورى فِي قَوْله لرَسُوله صلى الله عليه وسلم {وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله إِن الله يحب المتوكلين}
وَأمره أَن يعمد لما يتَّصل بنواحيه من ثغور الْمُسلمين ورباط المرابطين وَيقسم لَهَا قسما وافرا من عنايته وَيصرف إِلَيْهَا طرفا بل شطرا من رعايته ويختار لَهَا أهل الْجلد والشدة وَذَوي الْبَأْس والنجدة مِمَّن عجمته الخطوب 197 ب وعركته الحروب وإكتسب دربه بخدع المتنازلين وتجربة بمكائد المتقارعين وَأَن يستظهر بكشف عَددهمْ وإخيار عَددهمْ وإنتخاب خيلهم وإستجادة أسلحتهم غير مجمر بعثا إِذا بَعثه وَلَا مستكرهه إِذا وَجهه بل يناوب بَين رِجَاله مناوبة تريحهم وَلَا تملهم وترفههم وَلَا تؤودهم فَإِن ذَلِك من فَائِدَة الإجمام وَالْعدْل فِي الإستخدام وتنافس رجال
النوب فِيمَا عَاد عَلَيْهِم بعد الظفر والنصر وَبعد الصيت وَالذكر وإحراز النَّفْع وَالْأَجْر مَا يحِق أَن يكون الْوُلَاة بِهِ عاملين وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ حاملين وَأَن يُكَرر فِي أسماعهم وَيثبت فِي قولبهم مواعيد الله لمن صابر ورابط وسمح بِالنَّفسِ وجاهد من حَيْثُ لَا يقدمُونَ على تورط غرَّة وَلَا يحجمون عَن إنتهاز فرْصَة وَلَا ينكصون عَن تورد معركة وَلَا يلقون بِأَيْدِيهِم إِلَى التَّهْلُكَة فقد أَخذ الله تَعَالَى ذَلِك على خلقه والمرامين عَن دينه وَأَن يزيح الْعلَّة فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من راتب نفقات هَذِه الثغور وحادثها وَبِنَاء حصونها ومعاقلها وإستطراق طرقها ومسالكها وإفاضة الأقوات والعلوفات للمتربين فِيهَا وللمترددين إِلَيْهَا والمحامين لَهَا وَأَن يبْذل أَمَانه لمن يَطْلُبهُ ويعرضه على من لم يَطْلُبهُ ويفي بالعهد إِذا عَاهَدَ وبالعقد إِذا عَاقد غير مخفر ذمَّة وَلَا جارح أَمَانَة فقد أَمر الله تَعَالَى فَقَالَ جلّ من قَائِل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} وَنهى عَن النكث فَقَالَ عز من قَائِل {فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه}
وَأمره أَن يعرض من فِي حبوس عمله على مَرَاتِبهمْ وإنعام النّظر فِي جناياتهم وجرائمهم فَمن كَانَ إِقْرَاره وَاجِبا أقره وَمن كَانَ إِطْلَاقه سائغا أطلقهُ وَأَن ينظر فِي الشرطة والأحداث نظر عدل وإنصاف ويختار لَهَا من الْوُلَاة من يخَاف الله تَعَالَى ويتقيه وَلَا يحابي وَلَا يراقب الله فِيهِ ويتقدم إِلَيْهِم بقمع الْجُهَّال وردع الضلال وتتبع الأشرار 1198 وَطلب الدعار مستدلين على أماكنهم متوغلين إِلَى مكامنهم متولجين عَلَيْهِ فِي مظانهم متوثقين مِمَّن يجدونه مِنْهُم منفذين أَحْكَام الله تَعَالَى فيهم بِحَسب الَّذِي يتَبَيَّن من أُمُورهم ويتضح من فعلهم فِي كَبِيرَة إرتكبوها وعظيمة إحتقبوها ومهجة أفاضوها واستهلكوها وَحُرْمَة أباحوها وانتهكوها فَمن اسْتحق حدا من حُدُود الله الْمَعْلُومَة أقاموه عَلَيْهِ غير مخففين مِنْهُ وأحلوه بِهِ غير مقصرين عَنهُ بعد أَلا يكون عَلَيْهِم فِي الَّذِي يأْتونَ بِهِ حجَّة وَلَا تعترضهم فِي وُجُوبه شُبْهَة فَإِن الْمُسْتَحبّ فِي الْحُدُود أَن تُقَام بِالْبَيِّنَاتِ وَأَن تدرأ
بِالشُّبُهَاتِ فَأولى مَا توخاه رُعَاة الرعايا فِيهَا أَلا يقدموا عَلَيْهَا مَعَ نُقْصَان وَلَا يتوقفوا عَنْهَا مَعَ قيام دَلِيل وبرهان وَمن وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل احتاط عَلَيْهِ بِمثل مَا يحْتَاط بِهِ على مثل من الْحَبْس الْحصين والتوثق الشَّديد وَكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ بِخَبَرِهِ وَشرح جِنَايَته وثبوتها بِإِقْرَار يكون مِنْهُ أَو شَهَادَة تقع عَلَيْهِ ولينتظر من جَوَابه مَا يكون عمله بِحَسبِهِ فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا يُطلق سفك دم مُسلم أَو معاهد إِلَّا مَا أحَاط بِهِ علما وأتقنه فهما وَكَانَ مَا يمضيه فِيهِ عَن بَصِيرَة لَا يخالطها شكّ وَلَا يشوبها ريب وَمن ألم بصغيرة من الصَّغَائِر ويسيرة من الجرائر من حَيْثُ لم يعرف لَهُ مثلهَا وَلم تتقدم لَهُ أُخْتهَا وعظه وزجره وَنَهَاهُ وحذره واستتابه وأقاله مَا لم يكن عَلَيْهِ خصم فِي 1 لَك يُطَالب بقصاص مَه وَجَزَاء لَهُ فَإِن عَاد تنَاوله من التَّقْوِيم والتهذيب والتغريب والتأديب بِمَا يرى انه قد كفى فِيمَا اجترم ووفى فِيمَا قدم فقد قَالَ تَعَالَى {وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ}
وَأمره أَن يعطل مَا فِي أَعماله من الحانات والمواخير ويظهرها من القبائح والمناكير وَيمْنَع من تجمع أهل الْخَنَا فِيهَا ويؤلف شملهم بهَا فَإِنَّهُ 198 ب شَمل يصلحه التشتيت وَجمع يحفظه التَّفْرِيق وَمَا زَالَت هَذِه المواطن الذميمة والمطارح الدنية دَاعِيَة لمن يأوي إِلَيْهَا ويعكف عَلَيْهَا إِلَى ترك الصَّلَوَات وركوب الْمُنْكَرَات واقتراف الْمَحْظُورَات وَهِي بيُوت الشَّيْطَان الَّتِي فِي عمارتها لله مغضبة وَفِي إخرابها للخير مجلبة وَالله تَعَالَى يَقُول لنا معشر الْمُؤمنِينَ {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه} وَيَقُول عز من قَائِل لغيرنا من المذمومين {فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة وَاتبعُوا الشَّهَوَات فَسَوف يلقون غيا}
وَأمره أَن يُولى الحماية فِي هَذِه الْأَعْمَال أهل الْكِفَايَة
والغناء من الرِّجَال وَأَن يضم إِلَيْهِم كل من خف ركابه فأسرع عِنْد الصَّرِيخ جَوَابه مُرَتبا لَهُم فِي المسالح وسادا بهم ثغر المسالك وَأَن يوصيهم بالتيقظ ويأخذهم بالتحفظ ويزيح عللهم فِي علوفة خيلهم والمقرر من أَزْوَادهم وميرهم حَتَّى لَا يثقل لَهُم على الْبِلَاد وَطْأَة ويدعوهم إِلَى تحيفهم وثلمهم حَاجَة أَن يحوطوا السابلة بادئة وعائدة ويتداركوا القوافل صادرة وواردة ويحرسوا الطّرق لَيْلًا وَنَهَارًا ويتقصوها رواحا وإبكارا وينصبوا لأهل الْعَبَث الأرصاد ويتمكنوا لَهُم بِكُل وَاد ويتفرقوا عَلَيْهِم حَيْثُ يكون التَّفَرُّق مضيقا لفضائهم ومؤديا إِلَى انفضاضهم ويجتمعوا حَيْثُ يكون الِاجْتِمَاع مطفئا لحجرتهم وصادعا لمروتهم وَلَا يخلوا هَذِه السبل من حماة لَهَا وسيارة فِيهَا يَتَرَدَّدُونَ فِي جواديها ويتعسفون فِي عواديها حَتَّى تكون الدِّمَاء محقونة وَالْأَمْوَال مصونة والفتن محسومة والغارات مَأْمُونَة وَمن حصل فِي أَيْديهم من لص خاتل وصعلوك خارب ومخيف لسبيل ومنتهك لحريم امتثل فِيهِ أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُوَافق لقَوْل الله عز وجل {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض ذَلِك لَهُم خزي فِي الدُّنْيَا وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم}
وَأمره أَن يوضع الرصد على من يجتاز فِي أَعماله من أباق العبيد وَالِاحْتِيَاط عَلَيْهِم وعَلى من يكون مَعَهم والبحث عَن الْأَمَاكِن الَّتِي فارقوها والطرق الَّتِي استطرقوها ومواليهم الَّذين أَبقوا مِنْهُم ونشزوا عَنْهُم وَأَن يردوهم عَلَيْهِم قهرا ويعيدوهم إِلَيْهِم صغرا وَأَن ينشدوا الضَّالة بِمَا أمكن أَن تنشد ويحفظوها على رَبهَا بِمَا جَازَ أَن تحفظ ويتجنبوا الامتطاء لظوهرها وَالِانْتِفَاع بأوبارها وَأَلْبَانهَا مِمَّا يجز ويحلب وَأَن يعرفوا اللّقطَة ويتبعوا أَثَرهَا ويشيعوا خَبَرهَا فَإِذا حضر صَاحبهَا وَعلم أَنه مستوجبها سلمت إِلَيْهِ وَلم يعتر فِيهَا عَلَيْهِ فَإِن الله عز وجل يَقُول {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَيَقُول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ضَالَّة الْمُؤمن حرق النَّار
وَأمره أَن يُوصي عماله بالشد على أَيدي الْحُكَّام وتنفيذ مَا يصدر عَنْهُم من الْأَحْكَام وَأَن يحضروا مجَالِسهمْ حُضُور الموقرين لَهَا الذابين عَنْهَا المقيمين لرسوم الهيبة وحدود الطَّاعَة فِيهَا وَمن خرج عَن ذَلِك من ذِي عقل سخيف وحلم ضَعِيف نالوه بِمَا يردعه وَأَحلُّوا بِهِ مَا يزعه وَمَتى تقاعس متقاعس عَن حُضُور مَعَ خصم يستدعيه وَأمر يُوَجه الْحَاكِم إِلَيْهِ فِيهِ أَو التوى ملتو بِحَق يحصل عَلَيْهِ وَدين يسْتَقرّ فِي ذمَّته قادوه إِلَى ذَلِك بأزمة الصغار وخزائم الِاضْطِرَار وَأَن يحبسوا ويطلقوا بقَوْلهمْ ويثبتوا الْأَيْدِي فِي الْأَمْلَاك والفروج وينزعوها بقضاياهم فَإِنَّهُم أُمَنَاء الله فِي فصل مَا يفصلون وَبت مَا يبتون وَعَن كِتَابه وَسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يوردون وَيَصْدُرُونَ وَقد قَالَ تَعَالَى {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله إِن الَّذين يضلون عَن سَبِيل الله لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب} وَأَن يتوخى بِمثل هَذِه المعاونة
عُمَّال الْخراج فِي اسْتِيفَاء حُقُوق مَا استعملوا عَلَيْهِ وَاسْتِيفَاء حُقُوق مَا بقائهم فِيهِ والرياضة لمن تسوء معامليهم وإحضارهم طائعين أَو كارهين بَين أَيْديهم فَم آدَاب الله تَعَالَى للْعَبد الَّذِي يحِق عَلَيْهِ أَن يتخذها أدبا ويجعلها إِلَى الرضى عَنهُ سَببا قَوْله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب}
وَأمره أَن يجلس للرعية جُلُوسًا عَاما وَينظر فِي مظالمها نظرا تَاما يُسَاوِي فِي الْحق بَين خاصها وعامها ويوازي فِي الْمجَالِس بَين عزيزها وذليلها وينصف الْمَظْلُوم من ظالمه وَالْمَغْصُوب من غاصبه بعد الفحص والتأمل والبحث والتبيين حَتَّى لَا يحكم إِلَّا بِعدْل وَلَا ينْطَلق إِلَّا بفصل وَلَا يثبت يدا إِلَّا فِيمَا وَجب تثبتها فِيهِ وَلَا يقبضهَا إِلَّا عَمَّا وَجب قبضهَا عَنهُ وَأَن يسهل الْإِذْن لجماعتهم وَيرْفَع الْحجاب بَينه وَبينهمْ ويوليهم من حصانة الكنف ولين المنعطف والاشتمال
والعناية والصون وَالرِّعَايَة مَا يتعادل بِهِ أقسامهم وتتوازي مِنْهُ أقساطهم وَلَا يصل الْمِسْكِين مِنْهُم إِلَى استضامة من تَأَخّر عَنهُ وَلَا ذُو السُّلْطَان إِلَى هضيمة من حل دونه وَأَن يَدعُوهُم إِلَى أحسن الْعَادَات وَالْخَلَائِق ويحضهم على أَحْمد الْمذَاهب والطرائق وَيحمل عَنْهُم كُله ويمد عَلَيْهِم ظله وَلَا يسومهم عسفا وَلَا يلْحق بهم حيفا وَلَا يكلفهم شططا وَلَا يجشمهم مضلعا وَلَا يثلم لَهُم معيشة وَلَا يداخلهم فِي جريمة وَلَا يَأْخُذ بَرِيئًا مِنْهُم بسقيم وَلَا حَاضرا بعديم فَإِن الله عز وجل نهى أَن تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى وَجعل كل نفس 200 أرهينة بمكسبها بريئة من مكاسب غَيرهَا وَيرْفَع عَن هَذِه الرّعية مَا عَسى أَن يكون سنّ عَلَيْهَا من سنة ظالمة وسلك بهَا من محجة جائرة ويستقري آثَار الْوُلَاة قبله عَلَيْهَا فِيمَا أزجوه من خير أَو شَرّ إِلَيْهَا فَيقر من ذَلِك مَا طَابَ وَحسن ويزيل مَا خبث وقبح
فَإِن من يغْرس الْخَيْر يحظى بمعسول ثمره وَمن يزرع الشَّرّ يصلى بمرور ريعه وَالله تَعَالَى يَقُول {والبلد الطّيب يخرج نَبَاته بِإِذن ربه وَالَّذِي خبث لَا يخرج إِلَّا نكدا كَذَلِك نصرف الْآيَات لقوم يشكرون}
وَأمره أَن يصون أَمْوَال الْخراج وأثمان الغلات ووجوه الجبايات موفرا وَيزِيد ذَلِك مثمرا بِمَا يَسْتَعْمِلهُ من الْإِنْصَاف لأَهْلهَا وإجرائهم على صَحِيح الرسوم فِيهَا فَإِنَّهُ مَال الله الَّذِي بِهِ قُوَّة عبَادَة وحماية بِلَاده ودرور حلبه واتصال مدده وَبِه يحاط الْحَرِيم وَيدْفَع الْعَظِيم ويحمى الذمار وتذاد الأشرار وَأَن يَجْعَل افتتاحه إِيَّاه بِحَسب إِدْرَاك أصنافه وَعند حُضُور مواقيته وأحيانه غير مستسلف شَيْئا قبلهَا وَلَا مُؤخر لَهَا عَنْهَا وَأَن يخص أهل الطَّاعَة والسلامة بالترفيه لَهُم وَأهل الاستصعاب والامتناع بالشد عَلَيْهِ لِئَلَّا يَقع إرهاق لمذعن أَو إهمال لطامع وعَلى المتولى لذَلِك أَن يضع كلا من الْأَمر مَوْضِعه ويوقعه موقعه متجنبا
إحلال الغلظة من لَا يَسْتَحِقهَا وَإِعْطَاء الفسحة من لَيْسَ من أَهلهَا وَالله تَعَالَى يَقُول {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى}
وَأمره أَن يتَخَيَّر عماله على الأعشار وَالْخَرَاج والضياع والجهبدة وَالصَّدقَات والجوالي من أهل الظلْف والنزاهة والضبط والصيانة والجزالة والشهامة وَأَن يستظهر مَعَ ذَلِك عَلَيْهِ بِوَصِيَّة تعيها أسماعهم وعهود تتقلدها أَعْنَاقهم بِأَن لَا يضيعوها حَقًا وَلَا يأكلوها سحتا 200 ب وَلَا يستعملوها ظلما وَلَا يقارفوا غشما وَأَن يقيموا العمارات ويحتاطوا على الغلات ويتحرزوا من ترك حق لَازم أَو تَعْطِيل رسم عَادل مؤدين فِي جَمِيع ذَلِك الْأَمَانَة متجنبين للخيانة وَأَن يَأْخُذُوا جهابذتهم بِاسْتِيفَاء وزن المَال على تَمَامه واستجادة نَقده على عياره وَاسْتِعْمَال الصِّحَّة فِي قبض مَا يقبضون وَإِطْلَاق مَا يطلقون وَأَن يوعزوا إِلَى سعاة الصَّدقَات بِأخذ الْفَرَائِض من سَائِمَة مواشي الْمُسلمين دون عاملتها
وَكَذَلِكَ الْوَاجِب فِيهَا وَأَن لَا يجمعوا فِيهَا مُتَفَرقًا وَلَا يفرقُوا مجتمعا وَلَا يدخلُوا فِيهَا خَارِجا عَنْهَا وَلَا يضيفوا إِلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا من فَحل إبل أَو أكولة رَاع أَو عقيلة مَال فَإِذا اجتبوها على حَقّهَا واستوفوها على رسمها أخرجوها فِي سلها وقسموها على أَهلهَا الَّذين ذكرهم الله فِي كِتَابه إِلَّا الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم الَّذين ذكرهم الله عز وجل فِي كِتَابه وَسقط سهمهم فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل فَرِيضَة من الله وَالله عليم حَكِيم} وَإِلَى جباة جماجم أهل الذِّمَّة أَن يَأْخُذُوا مِنْهُم الْجِزْيَة فِي الْمحرم من كل سنة بِحَسب مَنَازِلهمْ فِي الْأَحْوَال وَذَات أَيْديهم فِي الْأَمْوَال وعَلى الطَّبَقَات المطبقة فِيهَا وَالْحُدُود المحدودة الْمَعْهُودَة لَهَا وَأَن لَا يأخذوها من النِّسَاء وَلَا مِمَّن لم يبلغ الْحلم من الرِّجَال وَلَا من ذِي سنّ عالية
وَلَا ذِي عِلّة بادية وَلَا فَقير معدم وَلَا مترهب متبتل وَأَن يُرَاعِي جمَاعَة هَؤُلَاءِ الْعمَّال مُرَاعَاة يسرها ويظهرها ويلاحظهم مُلَاحظَة يخفيها ويبديها لِئَلَّا يزولوا عَن الْحق الْوَاجِب أَو يعدلُوا عَن السّنَن اللاحب فقد قَالَ تَعَالَى {وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولا}
وَأمره أَن ينْدب لعرض الرِّجَال وإعطائهم وَحفظ جراياتهم وأوقات إطعامهم من يعرفهُ بالثقة فِي متصرفه 201 أوالأمانة فِيمَا يجْرِي على يَده والبعد عَن الإسفاف إِلَى الدنية والاتباع للدناءة وَأَن يَبْعَثهُ على ضبط حلى الرِّجَال وسيات الْخَيل وتجديد الْعرض بعد الِاسْتِحْقَاق وإيقاع الِاحْتِيَاط فِي الْإِنْفَاق فَمن صَحَّ عرضه وَلم يبْق فِي نَفسه شَيْء مِنْهُ من شكّ يعرض لَهُ أَو رِيبَة يتوهمها أطلق أَمْوَالهم موفورة وَجعلهَا فِي أَيْديهم غير مثلومة وَأَن يرد على بَيت المَال أرزاق من سقط بالوفاة والإخلال ناسبا ذَلِك إِلَى جِهَته موردا لَهُ على حَقِيقَته وَأَن يُطَالب الرِّجَال بإحضار الْخَيل المختارة والآلات والسكك
المستكملة على مَا يُوجب مَنَافِع أَرْزَاقهم وَحسب مَنَازِلهمْ ومراتبهم فَإِن أخمد أحدهم شَيْئا من ذَلِك قاصه بِهِ من رزقه وأغرمه مثل قِيمَته فَإِن المقصر فِيهِ خائن لأمير الْمُؤمنِينَ ومخالف لرب الْعَالمين إِذْ يَقُول سُبْحَانَهُ {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ}
وَأمره أَن يعْتَمد فِي أسواق الرَّقِيق ودور الضَّرْب والطرز والحسبة على من يجْتَمع فِيهِ آلَات هَذِه الولايات من ثِقَة وَأَمَانَة وَعلم وكفاية وَمَعْرِفَة ودراية وتجربة وحنكة وحصافة ومسكة فَإِنَّهَا أَحْوَال تضارع الحكم وتناسبه وتدانيه وتقاربه وَأَن يتَقَدَّم إِلَى وُلَاة أسواق الرَّقِيق بالتحفظ فِيمَن يطلقون بَيْعه ويمضون أمره والتحرز من وُقُوع تخون فِيهِ وإهمال لَهُ إِذْ كَانَ ذَلِك عَائِدًا بتحصين الْفروج وتطهير الْأَنْسَاب
وَأَن يبعدوا من أهل الرِّيبَة ويقربوا من أهل الْعِفَّة وَلَا يمضوا بيعا على شُبْهَة وَلَا عقدا على تُهْمَة وَإِلَى وُلَاة الْعيار بتخليص عين الدِّرْهَم وَالدِّينَار ليكونا مضروبين على الْبَرَاءَة من الْغِشّ والنزاهة من الزيف وتخصيصه بِالْإِمَامِ الْمُقَرّر بِمَدِينَة السَّلَام وحراسة السكَك من أَن تتداولها الْأَيْدِي المدغلة وتتناقلها الْجِهَات المبطلة 201 ب وَإِثْبَات اسْم أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا يضْرب مِنْهَا ذَهَبا وَفِضة وإجراء ذَلِك على الرَّسْم وَالسّنة وَإِلَى وُلَاة الطرز بِأَن يجروا الِاسْتِعْمَال فِي جَمِيع المناسج على أتم النيقة وَأسلم الطَّرِيقَة وَأحكم الصَّنْعَة وَأفضل الصِّحَّة وَأَن يثبتوا اسْم أَمِير المؤم على طرز الكسا والفرش والأعلام والبنود وَإِلَى وُلَاة الْحِسْبَة أَن يتصفحوا أَحْوَال الْعَوام فِي حرفهم ومتاجرهم ومجتمع أسواقهم ومعاملاتهم وَأَن يعايروا الموازين والمكاييل ويفرزوها على التَّعْدِيل والتكميل وَمن
اطلعوا مِنْهُ على حِيلَة أَو تلبيس أَو غيلَة أَو تَدْلِيس أَو بخس فِيمَا يُوفيه أَو استفضال فِيمَا يَسْتَوْفِيه نالوه بغليظ الْعقُوبَة وعظيمها وخصوه بوجيعها وأليمها واقفين بِهِ فِي ذَلِك عِنْد الْحَد الَّذِي يرونه لذنبه مجازيا وَفِي تأديبه كَافِيا فقد قَالَ الله تَعَالَى {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذين إِذا اكتالوا على النَّاس يستوفون وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون}
هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك وحجته عَلَيْك وَقد وقفك بِهِ على سَوَاء السَّبِيل وأرشدك فِيهِ إِلَى وَاضح الدَّلِيل وأوسعك تعلميا وتحكيما وأقنعك تعريفا وتفهيما وَلم يألك جهدا فِيمَا عصمك وعصم على يدك وَلم يدخرك مُمكنا فِيمَا أصلح بك وأصلحك وَلَا ترك لَك عذرا فِي غلط تغلطه وَلَا طَرِيقا إِلَى تورط تتورطه بَالغا بك فِي الْأَوَامِر والزواجر إِلَى حَيْثُ يلْزم الآئمة أَن يندبوا النَّاس إِلَيْهِ ويحثوهم عَلَيْهِ مُقيما لَك على منجيات المسالك صارفا بك عَن مرديات المهالك مرِيدا فِيك مَا يسلمك فِي دينك ودنياك وَيعود بالحظ
عَلَيْك فِي آخرتك وأدلاك فَإِن اعتدلت وَعدلت فقد فزت وغنمت وَإِن تجانفت واعوججت فقد خسرت وندمت وَالْأولَى بك عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ مَعَ مغرسك الزاكي ومنبتك النامي وعودك الأنجب وعنصرك الأطيب أَن تكون لظَنّه فِيك محققا ولمخيلته فِيك مُصدقا وَأَن تستزيد بالأثر الْجَمِيل قربا من رب الْعَالمين وثوابا يَوْم الدّين وزلفى عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وثناء حسنا 202 أَمن الْمُسلمين فَخذ مَا نبذ إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ من معاذيره وَأمْسك بِيَدِك على مَا أعْطى من مواثيقه وَاجعَل عَهده مِثَالا تحتذيه وإماما تقتفيه واستعن بِاللَّه يعنك واستهده يهدك وأخلص إِلَيْهِ فِي طَاعَته يخلص لَك الْحَظ من معونته وَمهما أشكل عَلَيْك من خطب أَو أعضل عَلَيْك من صَعب أَو بهرك من باهر أَو بهظك من باهظ فأكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَنْهِيّا وَكن إِلَى مَا يرد عَلَيْك منتهيا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته