الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتناء العلماء بهذا الحديث
ولأهمية هذا الحديث اعتنى بعض الحفاظ به، وأفردوه بالتأليف، فجمعوا طرقه وألفاظه، وتكلموا عليها في رسائل مفردة.
فممن أفرده في جزء مستقل: الإمام الحافظ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى بالمدينة سنة 902هـ وسماه: "تحرير المقال على حديث كل أمر ذي بال "، وذكر ذلك السخاوي نفسه في كتابه:(الضوء اللامع)(1). وفي (المقاصد الحسنة)(2).
وكذا الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ في رسالة له.
كما أفرده محمد بن جعفر الكتاني في تأليف مستقل ركز على لفظ الابتداء بالبسملة وسماه: (الأقاويل المفصلة لبيان حديث الابتداء بالبسملة)(3).
وكذا أحمد بن محمد بن الصديق الغماري في رسالة سماها: (الاستعاذة والحسبلة فيمن صحح حديث البسملة)(4).
(1) انظر 8/ 18.
(2)
انظر 322.
(3)
من مطبوعات المطبعة العلمية بالمدينة المنورة عام 1339هـ.
(4)
طبع في دار البصائر.
وذكر في الرسالة المذكورة فقال: (كنت أفردت لحديث البسملة جزءا حكمت فيه بأنه من قسم الواهي. . . وسميته: (الصواعق المنزلة على من صحح حديث البسملة).
وممن توسع في دراسته الحافظ أبو محمد عبد القادر - أو عبد القاهر- بن عبد الله الرهاوي الحنبلي في أول كتاب "الأربعين البلدانية المتباينة الأسانيد"(1).
وتاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي الأنصاري السبكي المتوفى سنة 771هـ في طبقات الشافعية الكبرى (2).
وقد فصل الكلام على الحديث رواية ودراية، وبذل قصارى جهده في تصحيح الحديث، والتوفيق بين ألفاظه المختلفة، وإزالة الاضطراب، والحقيقة أنه ليس هناك اضطراب حقيقي حسب اصطلاح أهل الفن، لا في المتن ولا في الإسناد كما سيأتي توضيحه.
وكنت في بادئ الأمر أبحث عن كتاب السخاوي المذكور لأحققه وأستفيد منه، ولكني لم أقف عليه، ثم سألت بعض العلماء عمن درس هذا الحديث دراسة تفصيلية فلم أصل إلى نتيجة حتمية، فمن هنا عزمت وتوكلت على الله في دراسة الحديث رواية ودراية، فجمعت طرقه بألفاظه المختلفة، وانتهيت منها حسب التصور الذي رسمت لدراستها.
(1) انظر الطبقات الكبرى للسبكي (1/ 3 - 19).
(2)
انظر الطبقات الكبرى للسبكي (1/ 3 - 19).
وإذا بي في يوم من الأيام سألت في الحرم النبوي الشريف أحد العلماء الأفاضل بأني قمت بدراسة هذا الحديث، فأفادني بأن " الكتاني " ألف في هذا الموضوع كتابا، وقد طبع الكتاب قديما، وعندي المصور من المطبوع، فتفضل بالكتاب لأصور منه نسخة -جزاه الله خيرا- فصورت منه، وبدأت القراءة فيه، فرأيت بعض الفوائد والتحليلات من المؤلف، فنقلت ما رأيته مهما، وتبين لي من خلال قراءتي أني أضفت بعض الطرق وبعض الأقوال في حكم الحديث لم يقف عليها، ونهج منهج المتقدمين في الإحالة إلى المصادر بذكر المؤلف وكتابه بدون تحديد الجزء والصفحة.
كما أنه لم يرتب كما أردت ترتيبه، ولكل مؤلف منهجه الخاص، وكذا وقفت على كتاب الغماري بعد انتهائي من دراسة الحديث، ورأيت عنده الإيجاز.
علما بأن تركيز الكتابين على حديث البدء بالبسملة، وكان تركيزي على رواية الحمدلة، بجانب حرصي في الوصول إلى معرفة درجة الحديث، من خلال أقوال الأئمة، ومن واقع دراسة رجال الأسانيد، ومعرفة أحوالهم من قريب، ومن ثم إعطاء الحكم المقرب إلى الصواب، نتيجة لذلك.
كما أنني ذكرت جملة من الأحاديث التي تحث على ذكر اسم الله، أو حمد الله، في مواضع من أمور الحياة.
هذا وسأعرض بعد تخريج الحديث بألفاظه المختلفة أقوال الأئمة في درجته، مع دراسة رواته واختيار الراجح حسب
ما توصلت إليه إن شاء الله تعالى، وأتبعه بعد الانتهاء من تخريجه بذكر بعض المؤلفين الذين استندوا إلى هذا الحديث، فافتتحوا كتبهم امتثالا له، واستحبوا البدء به، كذا أشير إلى خطبة الحاجة لما يستأنس بها أيضا في تقوية الحديث، وقد ذكر البغوي حديثنا المذكور في آخر باب خطبة النكاح وخطبة الحاجة؛ لما بينهما من الربط الوثيق (1).
كما سأذكر جملة من الروايات التي تحدثت على ذكر اسم الله، أو تأمر بالحمد، ومواضع ذكرهما، والآثار المترتبة على ذلك لمن يلتزم بهما إن شاء الله تعالى، ويمكن أن يستأنس بها في تقوية الحديث ولو بمعناه إن شاء الله تعالى.
وإلا لو فكرنا كيف ترجى البركة في أمر مهم ذي شأن لم يذكر اسم الله ولا الثناء عليه بالحمد، ولا افتتح بذكر الله أصلا؟ فالعمل الذي لا يفتتح بذكر الله، جدير ببتر البركة وذهابها عنه وحرمانه منها، إلا نسيانا.
فمن هنا نرى اهتمام علمائنا بالعمل به، وهذا يعطينا نوعا من الاستئناس في درجة الحديث؛ لأنه لا يمكن أن يستندوا على حديث لا يصلح الاحتجاج به أصلا ولا سيما المحدثون.
فالذي يظهر لي من خلال تعاملهم بالحديث، وأقوالهم في حكمه، أنه لا يقل عن درجة الحسن بلفظه المذكور، كما حسنه
(1) انظر شرح السنة له (9/ 49 - 51
عدد من العلماء، بل وصححه بعضهم، ولا شك أنه صحيح بمعناه، حيث وردت أحاديث كثيرة تأمر بذكر اسم الله تعالى، أو بذكر الحمد والثناء عليه في مواطن كثيرة، نذكر أهمها ليتضح أنه لا غنى لنا عن اسم الله وذكر الثناء عليه في أمور حياتنا المهمة.
وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد، ومنه أستمد العون والثبات.