الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن الغرض بيان أهمية ذكر اسم الله تعالى في المهمات؛ وأنه لا ينبغي أن يغفل العبد المؤمن عن ذكر اسم الله تعالى في جميع أمور حياته المهمة رجاء حصول البركة بذكر اسم الله تعالى، وحفاظا من الشيطان الرجيم، وتجنبا منه، ولطرده به، كذلك فاسم الله تعالى حصنه الحصين.
وإليك بعض الروايات المهمة في ذكر الحمد ومواضعه:
وجاء
في القرآن الكريم آيات تصرح بالأمر بالحمد لله
ومن ذلك قول الله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} (1) وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} (2) وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} (3) وقال تعالى - في تحية أهل الجنة وفي آخر دعواهم: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (4)[يونس: 10] وقال تعالى: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5)[غافر: 65].
فهذه جملة من الآيات تحث على حمد الله وتأمر به وفي بعضها إثبات الحمد لله تعالى جل وعلا.
وجاء في الحديث الصحيح عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض (6)» رواه مسلم.
(1) سورة النمل الآية 59
(2)
سورة النمل الآية 93
(3)
سورة الإسراء الآية 111
(4)
سورة يونس الآية 10
(5)
سورة غافر الآية 65
(6)
مسلم في صحيحه (1/ 202) الطهارة باب فضل الوضوء.
وجاء في رواية البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا قال: «لا أحد أغير من الله، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه (1)» رواه البخاري.
وفي الحديث المتفق عليه: «ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة (2)» .
وعن الأسود بن سريع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ليس شيء أحب إليه من الحمد الله تعالى، ولذلك أثنى على نفسه فقال: (4)» ، ويتقوى هذا الحديث بالحديثين السابقين.
وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله (5)» وفي رواية: «أفضل الشكر الحمد لله (6)» وهو
(1) في صحيحه (5/ 194) التفسير: سورة الأنعام باب " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ".
(2)
البخاري (8/ 174) كتاب التوحيد باب قوله صلى الله عليه وسلم: " لا شخص أغير من الله "، ومسلم (2/ 1136) كتاب اللعان حديث رقم (1499).
(3)
رواه أحمد في مسنده (2/ 435)، والنسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف (1/ 70)، والبخاري في الأدب المفرد (1/ 435) مع شرحه فضل الله الصمد، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (ق 125)، وابن جرير في تفسيره (1/ 9137)، وصحح حديث الحسن عن الأسود الشيخ أحمد شاكر لثبوت سماعه منه لديه، وكذا صححه الحاكم ووافقه الذهبي انظر المستدرك (3/ 614).
(4)
سورة الفاتحة الآية 2 (3){الْحَمْدُ لِلَّهِ}
(5)
سنن الترمذي الدعوات (3383)، سنن ابن ماجه الأدب (3800).
(6)
الترمذي في سننه (5/ 9130) أبواب الدعوات وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم، ورواه ابن ماجه في سننه (831)، وابن حبان في صحيحه كما في الموارد / 578، والخرائطي في فضيلة الشكر حديث 7، وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر / 113، والحاكم في المستدرك (1/ 498) وقال:(هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي بقوله: (صحيح)، وحسنه البغوي في شرح السنة (5/ 49).
حديث حسن.
وتقدم ما يقوله المرء عند قيامه من النوم في ذكر اسم الله عند النوم.
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقيل له، فقال: هذا حمد الله، وهذا لم يحمد الله (1)» متفق عليه.
وذلك أن العاطس إذا عطس فمن الآداب الإسلامية أن يقول: الحمد لله. وحقه على الذي يسمع أن يشمته فيقول له: يرحمكم الله (2).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع مائدته يحمد الله تعالى بعد الأكل شكرا لنعمه.
روى أبو أمامة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا (3)» رواه البخاري في صحيحه.
وورد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وجعلنا من مسلمين (4)» ، وفي رواية أبي داود:
(1) البخاري (7/ 124) كتاب الأدب باب الحمد للعاطس، وباب لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله، ومسلم (4/ 2292) الزهد والرقائق باب تشميت العاطس.
(2)
الحديث متفق عليه، وانظر عمل اليوم والليلة / 235 - 243 بطرق كثيرة.
(3)
(6/ 214) كتاب الأطعمة باب ما يقول إذا فرغ من طعامه.
(4)
سنن الترمذي الدعوات (3457)، سنن ابن ماجه الأطعمة (3283).
«كان إذا فرغ من طعامه قال: (1)» . . . . الحديث.
وورد أيضا أنه «من لبس ثوبا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (2)» رواه أبو داود.
فهذه جملة من الأحاديث تعلمنا الآداب، توجهنا بأن نعيش في أمور حياتنا ذاكرين الله تعالى وشاكرين له في كل نعمة له تستجد علينا، ولا نغفل عن المدح والثناء عليه في كل لحظة من حياتنا، ولا سيما فيما أمرنا الشارع بذلك، واستحب لنا ذكر اسم الله أو حمد الله والثناء عليه، لما يترتب من جراء ذلك فوائد مهمة وبركات عظيمة، وخيرات كثيرة، فيها مصالحنا في دنيانا وأخرانا.
وهذا آخر ما أردت إيراده في هذا البحث المفيد إن شاء الله تعالى، وأسأله سبحانه وتعالى أن ينفع به، ويعم نفعه، وأن يرزقنا الإخلاص وحسن النية في جميع الأعمال، إنه نعم المولى ونعم المجيب.
وصل الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين. آمين.
(1) رواه الترمذي (برقم 3453) كتاب الدعوات باب ما يقول إذا فرغ من الطعام، وأبو داود (برقم 3850) في الأطعمة باب ما يقول الرجل إذا طعم، وابن ماجه (برقم 3283)، وحسنه الحافظ بن حجر في نتائج الأفكار، وانظر جامع الأصول (4/ 306) تعليق (رقم 1).
(2)
السنن رقم (4023) في أول كتاب اللباس، وحسنه الحافظ في النتائج كما في الفتوحات الربانية لابن علان (1/ 304)، وانظر جامع الأصول (4/ 309 حاشية 1)
صفحة فارغة
أوراق النقود ونصاب الورق النقدي
بقلم: محمد بن علي بن حسين الحريري
الباب الأول
معرفة المقادير واجب شرعي.
لقد حدثنا القرآن الكريم عن قوم شعيب أنهم كانوا يخسرون المكيال والميزان، فأرسل الله سبحانه نبيه شعيبا صلى الله عليه وسلم ليعيد تلك الأمة إلى جادة العدل، وينهاهم عن الإفساد في الأرض، قال تعالى:{وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (1).
وما أروع لفتة الإمام القشيري في تفسيره أن المراد بالآية الكريمة -والله أعلم-: عدم إنقاص حجم المكيال عن المعهود والمتعارف، فالصنجات (الأوزان) يجب أن تكون وافية مضبوطة، وليس المراد إيفاء ما يكال أو يوزن، فذلك مضمون قوله تعالى:{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2).
فالأمر بإيفاء الكيل غير الأمر بإيفاء المكيال، فالآيات تقرر بوضوح ضرورة تحقق العدل في المكيل وآلة الكيل، وفي الموزون وآلة الوزن (3).
ولا يقال هنا أن آية قوم شعيب شرع لمن قبلنا، فالراجح أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد ما ينسخه فكيف إذا جاءت شريعتنا تؤكد هذا المعنى وتدعمه، فالعدل أمرت به كل الشرائع السابقة ولهذا كانت الأوزان
(1) سورة هود الآية 85
(2)
سورة الإسراء الآية 35
(3)
الإيضاح والتبيان، ص (46)، تحقيق د. محمد فاروق
والأكيال ضرورية لقيام العدل بين الناس، وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل الكيل والميزان: إنكم قد وليتم أمرين هلكت فيهما الأمم السالفة قبلكم (1)» قال عنه الترمذي: حديث حسن صحيح (2).
وقد عرف المسلمون في صدر الإسلام عددا من المكاييل والموازين منها ما يختص بهم ومنها ما أخذوه من الأمم المجاورة، ومن أشهر الأوزان المتعارفة بينهم الدرهم والدينار، فقد كانا معروفين في العصر النبوي يتعامل بهما الناس، بدليل ذكرهما في القرآن الكريم، ولا يعقل أن يخاطب الشارع الأمة بما لا تعقله ولا تدرك معناه أو تعرفه، فمن ذلك قوله تعالى متحدثا عن أهل الكتاب:. . . . . {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (3)، وقوله تعالى في سورة يوسف:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} (4) كما ذكرت الأحاديث النبوية الدرهم والدينار في أحاديث متعددة ومن أشهرها الحديث النبوي:. . . «منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم (5)» وقد فهم المستشرق - ولها وزن - من الحديث عكس معناه تماما عندما ظن أن الحديث يعني استحالة توحيد العملة الإسلامية، وعودة أقطار الإسلام إلى انفصالها القديم، بينما الراجح في معنى الحديث والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما لم يكن وهو في علم الله كائن بأن هذه البلاد ستدخل في الإسلام فتمنع بإسلامها ما يوظف عليها من الخراج والجزية (6).
(1) سنن الترمذي البيوع (1217).
(2)
الإيضاح والتبيان، ص (46)، تحقيق د. محمد فاروق
(3)
سورة آل عمران الآية 75
(4)
سورة يوسف الآية 20
(5)
رواه مسلم وأبو داود.
(6)
النظم الإسلامية، ص410، د. صبحي الصالح.
ولا يفهم من مجمل النصوص أن الحجاز عرفت سكة خاصة لضرب هذه النقود، بل كانت النقود المتداولة من ضرب الفرس والرومان، فكان الدرهم فارسي الضرب، بينما كان الدينار من بلاد الروم.
وكان العرب يتعاملون بهذه النقود وزنا لا عددا، وكأنها تبر غير مضروب نظرا لاختلاف القطع النقدية حجما ووزنا، وهناك ما يدل على أن أهل المدينة تعاملوا بالدراهم عددا وقت قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل النووي على ذلك في المجموع (1) بقول عائشة رضي الله عنها في قصة شرائها بريرة:(إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة فعلت) فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوزن وجعل عيار صنج الوزن بما يعرفه أهل مكة.
ما هو الدرهم؟
قال أبو عبيد: إن الدراهم التي كانت نقد الناس على وجه الدهر لم تزل نوعين: هذه السود الوافية، وهذه الطبرية العتق، فجاء الإسلام وهي كذلك (2) والدراهم السود المذكورة هي المعروفة بالدراهم البغلية، وزنها ثمانية دوانق - الدانق سدس الدرهم بعد الإصلاح النقدي - ولذا سميت وافية، وتنسب إلى ملك يدعى رأس بغل من الفرس، أما الطبرية: فهي أربعة دوانق وتنسب إلى طبرية بالشام - فلسطين - كما في المصباح المنير، ونسبها محقق الأموال إلى طبرستان وهو الصحيح؛ لأن العرب ما عرفوا الدراهم إلا من الفرس، أما الشام فعملتها الدينار الروماني. وعرف العرب الدراهم المغربية ووزنها: ثلاثة دوانق، ودرهم اليمن ووزنه: دانق واحد (3).
(1) المجموع 6/ 14، والأموال ص467.
(2)
الأموال ص467.
(3)
الخراج والنظم المالية للريس ص 342.
وقال في دائرة المعارف الإسلامية: الدرهم: اسم للمضروب من الفضة، وهو ستة دوانق أو:(نصف الدينار وخمسه) 7/ 10 أي: سبعة أعشار الدينار، وكانت مختلفة الوزن في الجاهلية، فمنها الطبرية الخفيفة، والبغلية الثقيلة (1) وهو عند اللغويين بكسر الدال وفتح الهاء وكسرها، وأصل الكلمة عند المؤرخين مشتق من لفظ (دراخمة) اليونانية، وكانت العملة السائدة في الأقاليم الشرقية من العالم الإسلامي، لأن منطقة فارس كانت منطقة فضة، وقد اضطرب وزنه عبر التاريخ حتى أخذ وزنه الشرعي ستة دوانيق ونسبته إلى المثقال 7/ 10 وهي النسبة الشرعية التي وحدت وزن الدرهم في العالم الإسلامي (2) وقبل أن يتحدد الدرهم بالنسبة الشرعية كان المسلمون يزكون أموالهم بشطرين من الكبار والصغار كما نقله عبد الحق ابن عطية عن صاحب الأموال (3).
أنواع الدراهم عند الفقهاء: إذا أطلق الدرهم فيراد به درهم الفضة الجيد الخالص، وللفقهاء في أنواع الدراهم بحسب الغش الذي تتعرض له اصطلاحات لا بد من معرفتها لمن يمارس كتبهم، فمن ذلك:
الجياد: وهي من الفضة الخالصة، وتدرج في التجارات، وتوضع في بيت المال.
الزيوف: وهي المغشوشة، وما يرده بيت المال للزيف، ولكن يتعامل بها التجار، ويجوز الشراء بها بشرط بيان عيبها، وأول من ضربها عبيد الله بن زياد.
النهرجة: ما يرده التجار ويضرب في غير دار السك التابعة للسلطان.
الستوقة: أو الستوق بوزن تنور وهو صفر مموه بالفضة (4) وقد يكون
(1) دائرة المعارف الإسلامية 9/ 227، شنتناوي.
(2)
النقود للمقريزي / كتاب الكرمللي ص24.
(3)
التراتيب الإدارية للكتاني 1/ 413.
(4)
حاشية ابن عابدين رد المحتار 5/ 233.
الطاق الأعلى والأسفل فضة وبينهما صفر وليس لها حكم الدراهم.
أما الدراهم الجياد فقد انتشرت في التعامل بين أهل مكة والمدينة، وفي الحديث عن علي رضي الله عنه قال:«زوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة على 480 درهما وزن ستة (1)» .
ما هو الدينار؟
مشتق من كلمة لاتينية يونانية - ديناريوس - وهو الوحدة الرئيسية من وحدات العملة الذهبية المتداولة في الإسلام وكثيرا ما يشبه بالشمس، كما يشبه الدرهم بالبدر كقول الشاعر:
ويظلم وجه الأرض في أعين الورى
…
بلا شمس دينار ولا درهم
والأشهر فيه أنه لم يختلف وزنه في جاهلية ولا إسلام، وأن وزنه بدقة كما سنرى في الصفحات القادمة هو:
4.
25 غرام، وهو 66 حبة بحسب الوزن الذي ضربه عبد الملك بن مروان، ومن ذلك الوزن كان مصدر التقديرات الشرعية عموما، وهذا الوزن هو نفس وزن:(الصوليدوس) البيزنطي المعاصر لعبد الملك (2)، ولكن التقدير بـ 66 حبة لم يقل به أحد، فهناك شبه اتفاق على أن الدينار 72 حبة، وقد ضرب عبد الملك الدينار الإسلامي أول مرة عام 76هـ - 696م في دمشق، ثم ضرب في القاهرة، وقرطبة بعد المائة الأولى.
وصار بعد عام 212 هـ يضرب في أكثر الحواضر الإسلامية، ولم يجر على الدينار أي تعديل في وزنه إلا في اليمن حيث ضرب دينار ذهبي بوزن
(1) الأموال ص468 والحديث عند أبي داود والنسائي عن ابن عباس، وفي سنده: أصبغ بن نباتة المجاشعي قيل عنه: فيه لين، ضعيف متروك لين الحديث.
(2)
دائرة المعارف الإسلامية 9/ 327، والنقود العربية للكرمللي ص25.
2.
97 غ، أي: بوزن الدرهم تماما.
وضرب آخر دينار في بغداد بعيد سقوط الدولة العباسية، واختفت كلمة دينار حوالي عام (661هـ - 1262م)(1) بعد الاجتياح المغولي.
وهذا الدينار كان معروفا لقريش في الجاهلية، فقد ذكر البلاذري في فتوح البلدان:(كانت لقريش أوزان في الجاهلية، فدخل الإسلام، فأقرت كما كانت عليه، فقد كانت قريش: تزن الفضة بوزن تسميه درهما، وتزن الذهب بوزن تسميه دينارا، ولهم وزن الشعيرة أو الحبة: 1/ 60 من وزن الدرهم، وكانت لهم الأوقية وزن أربعين درهما)، كما أورد البلاذري رواية أخرى قال:(كانت دنانير هرقل ترد إلى أهل مكة في الجاهلية، وترد عليهم دراهم الفرس البغلية - العبدية - فكانوا لا يتبايعون إلا على أنها تبر وزنا لا عددا، وكان المثقال عندهم معروف الوزن: اثنان وعشرون قيراطا إلا كسرا، ووزن العشرة دراهم سبعة مثاقيل، فكان الرطل اثنتي عشرة أوقية، وكل أوقية أربعين درهما، فأقر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون الأربعة، ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين)(2).
وهذا الدينار الذي كان يحمل من بلاد الروم هو: الذي ضربه عبد الملك عام 76هـ، وسأل عندها عن أوزان الجاهلية فأخبروه أن المثقال: اثنان وعشرون قيراطا إلا حبة بالشامي، وأن عشرة من الدراهم تعادل سبعة مثاقيل، فضربها كذلك، واستقر الأمر عليه فيما بعد (3).
المثقال والدينار:
المثقال: من أوزان الكيل، أما الدينار فهو من أوزان النقد، وهذا
(1) دائرة المعارف الإسلامية 9/ 327.
(2)
فتوح البلدان للبلاذري ص572، نشر د. صلاح الدين المنجد.
(3)
قطع المجادلة للسيوطي ينقل عن الخطابي في معالم السنن والماوردي في الأحكام السلطانية
الأمر أحد أسباب الاشتباه بين الوزنين، وهما في الحقيقة كمية واحدة وهو الراجح عند الفقهاء.
فالدينار عند الزيلعي من الحنفية هو المثقال، وقال ابن الهمام في فتح القدير: والظاهر أن المثقال: اسم للمقدار المقدر به، والدينار اسم للمقدر به بقيد ذهبيته (1).
وكذلك الأمر عند ابن الرفعة من الشافعية الذي يعتبر درهم الكيل ودرهم وزن النقد واحدا (2) فكذلك الأمر في المثقال والدينار، ويرجح الدكتور صبحي الصالح أن المثقال والدينار شيء واحد باتفاق الفقهاء (3).
ولكن الدكتور ضياء الدين الريس يميل إلى وجود اختلاف بين الدينار والمثقال، وهو ممن يهتم برأيه في هذا المجال، وبخاصة إذا علمنا أن علي مبارك في " الميزان في الأقيسة والأوزان " يرى نفس الرأي، ولكن الدكتور الريس يجزم أن الدينار الإسلامي الذي ضربه عبد الملك هو المثقال المكي بلا خلاف، ومن هنا نشأ القول بأن المثقال والدينار شيء واحد أي بميزان مكة.
ويمكنني أن أضيف إلى ما سبق: أن الآثار الواردة في نصاب الذهب كانت تعبر بالمثقال حينا وبالدينار حينا آخر، ففي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب، ولا في أقل من مائتي درهم صدقة» .
وفي حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار (4)»
ومهما قيل في ضعف هذه الأحاديث فهي تقوي بعضها بعضا ويعرف
(1) رد المحتار لابن عابدين 2/ 292.
(2)
الإيضاح والتبيان ص59، 60.
(3)
النظم الإسلامية ينقل عن مقدمة ابن خلدون، د. صبحي الصالح ص425
(4)
سنن ابن ماجه الزكاة (1791).
رواتها ألا فرق بين المثقال والدينار (1).
النسبة الشرعية تتعلق بالوزن لا بالقيمة
لقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد المكاييل والموازين للدولة المسلمة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «المكيال مكيال أهل المدينة، والوزن وزن مكة (2)» ، وهذا يدل على أن وزن الدرهم والدينار (المثقال) كان معروفا لأهل مكة بشكل جيد، ولولا معرفتهم به لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاعتماد عليه في تقدير فروض الزكاة والأنكحة والديات وأروش الجنايات، ومن المعروف تاريخيا أن الدرهم يساوي:[2. 975] غرام، وأن الدينار (المثقال) يساوي:[4. 25] غرام، وهو ما انتهى إليه الباحثون من الفقهاء والمؤرخين بعد تجارب متعددة أجراها العلماء على وزن الحبوب، فكان مثقال الذهب:[72 حبة]، وكان الدرهم:[2/ 5 50] خمسون حبة وخمسا حبة.
وتكون نسبة الدرهم إلى الدينار: 7/ 10 أي أن الدرهم يساوي سبعة أعشار المثقال (3)، وهذه النسبة 7: 10 تعرف بالنسبة الشرعية، أو وزن بيت المال، فهي الصفة المميزة لنقود الدولة الإسلامية منذ تعارفها تجار مكة حتى ضربها عبد الملك بن مروان عام 76هـ، ويفهم من الحديث النبوي السالف الذكر أن هذه النسبة الشرعية تكاد تكون حكما شرعيا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها تبعا لإقرار موازين مكة.
وقد شاع استعمال هذه النسبة في جميع أوزان المسلمين كما ذكر الدكتور
(1) فقه الزكاة للقرضاوي 1/ 248 - يراجع تخريج الأحاديث.
(2)
أخرجه أبو داود في البيوع، عون المعبود 3/ 249، والنسائي في الزكاة، وصححه ابن حبان كما في شرح السنة للبغوي. وقال ابن حجر في التلخيص صححه ابن حبان والدارقطني والنووي، انظر الفتح الرباني 8/ 244.
(3)
الخراج والنظم المالية، د. ضياء الدين الريس ص346.
عبد الرحمن فهمي في موسوعته عن النقود الإسلامية، حتى أن صناعة الموازين تأثرت بهذه النسبة، فقد ذكر إيليا المطران المتوفى 1406م في ذلك:(اتخذ ميزانا يكون عموده مستقيما صحيحا، وقسم عموده هذا إلى سبعة عشر قسما متساوية، وجعل علاقته - وسطه - على بعد سبعة أقسام من أحد طرفيه، وعلى بعد عشرة أقسام من الطرف الآخر، وركب عليه الكفتين وصححه، وإذا أردت أن تستخرج صنج المثاقيل من الدراهم فخذ سنجة الدرهم وضعها في الكفة التي تلي العشرة أقسام، وضع في الكفة الأخرى السنجة المجهول، فإذا صححته فذلك وزن المثقال)(1).
وأما عن سبب اتخاذ هذه النسبة 7/ 10 بين الدرهم والمثقال فقد اختلف الباحثون حولها إلى فريقين نعرضهما فيما يلي:
المذهب الأول: أن هذه النسبة هي العلاقة القائمة بين كثافة الذهب وكثافة الفضة، وهو تطبيق لقانون الوزن النوعي المعاصر في الكيمياء.
المذهب الثاني: أن هذه النسبة تمثل القيمة التبادلية لسعر صرف النقدين ببعضهما في الأسواق.
المذهب الأول:
يتزعم هذا القول الفقيه الشافعي ابن الرفعة في كتابه: الإيضاح والتبيان في المكيال والميزان، حيث قال في كتابه ينقل كلام القمولي الشافعي 727 هـ من كتابه البحر المحيط شرح الوسيط: (وإنما جعلت كل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب؛ لأن الذهب أوزن من الفضة، فكأنهم جربوا حبة من الفضة ومثلها من الذهب ووزنوهما، فزاد وزن الذهب على الفضة مثل ثلاثة أسباعه، فلذلك جعلوا كل عشرة دراهم
(1) مجلة البحث العلمي عدد 4، جامعة أم القرى العدد 4، مقال د. خاروف عن الموازين ص435.
بوزن سبعة مثاقيل، فإذا أضيف للدراهم ثلاثة أسباعه صار وزن المثقال) (1) وهذا الكلام صحيح حسابيا كما يلي:
(وزن الدرهم)2. 97 [2. 97 × 3/ 7] = 4. 25 غرام (وزن الدينار).
ولكنه إن صح حسابيا فلا يصح فيزيائيا؛ فكثافة الفضة [10. 5] وكثافة الذهب [19. 26]، وهذه الأرقام لا تمثل تلك النسبة الشرعية. وقد تابع ابن الرفعة على قوله هذا الذهبي من متأخري الشافعية في رسالته عن النقود وكذلك المقريزي، وكلاهما مثبت في كتاب النقود العربية، وعلم النميات الذي أصدره: ماري انستاس الكرمللي (2)، وقد افترض العلماء مسبقا أن تكون نسبة حبة الدرهم إلى حبة الدينار 7/ 10، حيث جعلوا سنجة حبة الدينار منذ إنشائها تعادل 100 حبة خردل بري بينما تكون حبة الدرهم [70] خردلة برية، ويستقيم ذلك بوزن الغرام كما يلي:
الدينار 4. 25 × 7 = 29. 75
الدرهم 2. 975 × 10 = 29. 75، وتكون الحبة لكل منهما بحب الخردل هو غير الحبة التي تشكل 1/ 60 من كل من الدرهم والدينار، وتبقى حقيقة النسبة الشرعية اصطلاحا للمجتمع أكثر منها واقعا علميا ولا علاقة لذلك بالكثافة أو الوزن النوعي للذهب والفضة.
(1) الإيضاح والتبيان لابن الرفعة، ص58، تحقيق د. خاروف - نشر المركز العلمي لجامعة أم القرى.
(2)
النقود العربية للكرمللي، ص41، 76، وانظر الوجيز للغزالي بحاشية المجموع 6/ 6.
المذهب الثاني:
ذهب فريق آخر إلى تعليل هذه النسبة الشرعية بأنها تمثل آخر رمز أو
قيمة حسابية وصلت إليها علاقة الذهب بالفضة في سلم علاقات هذين المعدنين في التجارة الدولية منذ أقدم العصور، فالنسبة تعبر عن القيمة التبادلية لسعر صرف أحد المعدنين بالآخر، فمنطقتنا هذه - الشرق الأوسط - كانت منذ أقدم العصور تنقسم إلى منطقتين تجاريتين:
الأولى: بلاد ما بين النهرين وما يتبعهما من أقاليم فارس، وكانت تعتمد على الفضة في نقدها ومبادلاتها بمعنى أن الفضة هي قاعدتها النقدية.
الثانية: بلاد الشام ومصر وأوربا وهي التي تتبع الرومان اقتصاديا، وكانت قاعدتها النقدية هي الذهب، وكانت كل منطقة من هذه المناطق تدعم نقدها خلال تعاملها مع المنطقة الأخرى، وكان سعر صرف أحد النقدين بالنسبة للآخر يختلف متأثرا بموازين التجارة العالمية، ففي مرحلة ما كانت النسبة بين النقدين 1/ 10 ثم صارت 2 - 3 - 4/ 10 حتى وصلت إلى النسبة 7/ 10، وشاعت هذه النسبة في بلاد العرب بعد أن انتشرت عندهم البطالة (1)، وظلت كذلك حتى ظهر الإسلام فأقرها في أوزان سك النقود حيث كانت عرفا لتجار مكة.
وهذا التعليل الثاني يقبله المنطق الاقتصادي أكثر من سابقه، وإذا صح التعليل بأن النسبة كانت سعر صرف أحد النقدين بالآخر، فهل تعتبر هذه النسبة الشرعية حكما لا محيد عنه في المستقبل، والذي يبدو لي والله أعلم أن الحديث لا يلزمنا بهذه النسبة كحكم شرعي، وإنما هي واقع عاشه مجتمع المسلمين الأول، ويمكن سك النقود المستقبلية بحسب اختلاف سعر الصرف، ولنا على ذلك دليلان:
الدليل الأول: أن عمر رضي الله عنه ضرب الدراهم بوزن ستة دوانق
(1) مقال د. خاروف، مجلة البحث العلمي لجامعة أم القرى ص438، العدد الرابع.
لا سبعة، فقد قال زياد لمعاوية رضي الله عنه:(يا أمير المؤمنين إن العبد الصالح عمر بن الخطاب صغر الدرهم - وزن ستة بدلا من سبعة، وكبر القفيز، وصارت تؤخذ عليه ضريبة أرزاق الجند، وترزق على الذرية طلبا للإحسان إلى الرعية)(1).
فتصرف عمر رضي الله عنه كان منوطا بمصلحة الأمة حيث اضطرته ظروف اقتصادية إلى تخفيف عيار الدرهم (الفضة)، وهو اجتهاد منه، ولو كانت النسبة الشرعية حكما شرعيا لما أقره الصحابة، ولما اجتهد رضي الله عنه في ذلك.
صحيح أن روايات المؤرخين اضطربت في صحة ذلك؛ فقد ذكر ابن الأخوة في: "معالم القربة في أحكام الحسبة" أن عمر ضرب وزن سبعة إلى عشرة ورواية ابن الأخوة مخالفة لجمهور المؤرخين، وقد وفق بعضهم أن عمر رضي الله عنه ضرب وزن ستة دوانق أي: وزن سبعة مثاقيل (2)، والراجح أن عمر لم يضرب الدراهم، وإنما ضربت له في فارس على نقش الدراهم الكسروية، وإذا صح أنها بوزن ستة فهي اجتهاد لضرورة تقدر بقدرها.
الدليل الثاني: اختلاف سعر الصرف بين الفضة والذهب عن النسبة الشرعية منذ عصر النبوة إلى العصور التالية، وبالرغم من أن الفقهاء يحبذون ثبات أسعار صرف العملات ببعضها، ولكن يبدو من الأحاديث اختلاف هذا السعر عبر العصور.
فقد كان سعر الصرف بين الدرهم والدينار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر هو 1: 10 فالدينار يعادل عشرة دراهم ويتضح ذلك من الأمور
(1) شذور العقود، للمقريزي، من النقود العربية للكرمللي.
(2)
مقال الدكتور محمد خاروف، مجلة البحث العلمي ص438، العدد الرابع.
التالية:
- نصاب زكاة النقدين 200 درهم فضة = 20 مثقالا من الذهب.
- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كانت قيمة الدية على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار، أو ثمانية آلاف درهم (1)» فالدينار يعادل عشرة دراهم.
وهذا التقدير هو قيمة الإبل الواجبة في الدية، فلما استخلف عمر رضي الله عنه قام خطيبا فقال: إن الإبل قد غلت، قال: ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا (2)، وهذا يعني أن الدينار بلغ في عهد عمر 12 درهما.
- جعل عمر رضي الله عنه الجزية أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعين درهما على أهل الورق، وروى أبو يوسف عن ابن مسعود أنه قال:(لا يقطع إلا في دينار أو عشرة دراهم)(3). ويقول أبو عبيد في الأموال: (لأن أصل الدنانير أن يعدل الدينار بعشرة دراهم، فهذا كان سعر الصرف، وقد أخذ هذا السعر يتغير فيما بعد حتى صار في العصر الأموي الدينار يعادل اثني عشر درهما، ووصل في العصر العباسي إلى مساواته لخمسة عشر درهما وأكثر. ونقل علي مبارك عن المقريزي أن الدينار في زمن الفاطمين صار بأربعة وثلاثين درهما)(4).
الدليل الثالث: روى البخاري في الحدود -السرقة- عن ابن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم (5)» ، وهي ربع
(1) سنن أبي داود - باب الدية كم هي.
(2)
نيل الأوطار 7/ 240 - طبعة دار الإفتاء.
(3)
فتوح البلدان للبلاذري، والخراج لأبي يوسف.
(4)
فقه الزكاة للقرضاوي ج1 ص214.
(5)
صحيح البخاري الحدود (6795)، صحيح مسلم الحدود (1686)، سنن الترمذي الحدود (1446)، سنن النسائي قطع السارق (4908)، سنن أبو داود الحدود (4385)، سنن ابن ماجه الحدود (2584)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 64)، موطأ مالك الحدود (1572)، سنن الدارمي الحدود (2301).
دينار كما فسرته الأحاديث الأخرى عند البخاري، ولم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم في أقل من ثمن المجن (1) فالأحاديث تدل على أن ربع الدينار ثلاثة دراهم وهي أصح من كل الأحاديث التي تدل على أن الدينار يعادل عشرة دراهم.
الدليل الرابع: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، آخذ هذه من هذه، وهذه من هذه، فأتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة فقلت: رويدك يا رسول الله أسألك -وكرر الحديث- فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء (2)» ، وفي رواية الترمذي "بالقيمة" لمراعاة سعر اليوم الذي يفهم من الحديث تغيره يوميا (3)، والنتيجة:
أنه يصعب قبول قول من قال بأن نصاب الزكاة من الدراهم والدنانير قيمة واحدة لا تتغير لمجرد أن الدينار كان يعدل عشرة دراهم (20 دينار = 200 درهم).
فالنسبة الشرعية من قبيل السياسة الشرعية في سك النقود، ولا بأس أن تراعى هذه النسبة في تنظيم إصدار النقود، ولا أثر لها على النصاب، فيبقى نصاب الذهب مستقلا عن نصاب الفضة، فكل منهما نصاب مستقل لا علاقة له بالآخر.
(1) فتح الباري 12/ 97، نشر دار الإفتاء السعودية.
(2)
سنن الترمذي البيوع (1242)، سنن النسائي البيوع (4582)، سنن أبو داود البيوع (3354)، سنن ابن ماجه التجارات (2262)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 139)، سنن الدارمي البيوع (2581).
(3)
عون المعبود شرح سنن أبي داود 3/ 259، وتحفة الأحوذي 2/ 240.
رد اعتراض وتصحيحه:
انتقد الدكتور الريس في الخراج (1) وتابعه الدكتور القرضاوي (2) في فقه الزكاة مؤلفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة عندما قدرا نصاب العملة الورقية بنصاب يختص بالذهب وآخر بالفضة، وهما محقان في ذلك من وجه- كون العملة الورقية جنسا واحدا- يحسب لها نصاب واحد؛ إما بالذهب، وإما بالفضة، فنصاب كل منهما نصاب مستقل يصلح للتقدير به. ولكن الاعتراض على كتاب الفقه على المذاهب الأربعة بأن نصاب الذهب والفضة نصاب واحد غير مقبول في ضوء الأدلة المتقدمة، ونصاب الورق النقدي يحدد كما قررته لجنة مجمع البحوث الإسلامية بأقل النصابين من الذهب والفضة، ولنا مع النقد الورقي جولة مقبلة.
إن النسبة الشرعية (7: 10) هي نسبة تتعلق بسك النقود، بمعنى أن تخرج دار الضرب درهما وزنه سبعة أعشار المثقال، أما سعر صرف الدرهم بالدينار فقد عرفنا أن الدينار يصرف بعشرة دراهم (1: 10) وهي نسبة صرف قد ترتفع وقد تنخفض في المستقبل، فقد بلغت نسبة الصرف بين الدراهم والدينار في عهد المعز الفاطمي (1:15. 5) حيث كان دينار المعز يصرف بـ:15. 5 درهما، فنسبة الوزن ثابتة ولا علاقة بسعر الصرف المتغير، فالدرهم الذي هو 7/ 10 المثقال كان يصرف بـ 1/ 10 من الدرهم.
ومن المعروف أن تحديد النصاب الزكوي في النقدين الثمينين إنما حدده الشارع بالوزن لا بالقيمة، فهو تابع للوزن فقط ولا يتأثر النصاب بتغير
(1) الخراج للريس ص 358.
(2)
فقه الزكاة، للقرضاوي، 1/ 262.
سعر الصرف بين الذهب والفضة.
أقول هذا لأن بعض أساتذتنا المعاصرين (1) قال:
إن قيمة العشرين دينارا من الذهب مساوية لقيمة مائتي درهم فضة، وبالعكس فوزن المعدن الذهب في العشرين دينارا يعادل في الحقيقة من الفضة مائتي درهم ما زنته 200 × 7/ 10 = 140 فإذا تكون النسبة 1: 7 وليس 1: 10، وهذا يصح وزنا ولا يصح قيمة، بدليل:
200 × 2. 97= 595
140 × 4. 25= 595
فالنسبة 1/ 7 هي نسبة وزن وليست نسبة قيمة إطلاقا، وتبقى نسبة 1/ 7 نسبة تتعلق بوزن سك النقود، ولا صلة لها بالقيمة، ونصاب الزكاة يقدر بالوزن لا بالقيمة، فلا داعي لربطه بسعر صرف الفضة إلى الذهب حتى يظهر نص جديد تشريعي يأمرنا بذلك، ثم إن هذا الرأي يستلزم كون نظام المعدنين - النقد المزدوج من الذهب والفضة حكما شرعيا يجب اتباعه، وهو تقول على الشارع.
مراحل الاستقرار النقدي في القرن الأول:
المرحلة الأولى: بزغ فجر الإسلام وعرب الجزيرة يتعاملون بالدينار والدرهم على ما في الدرهم من اضطراب تبعا لتعدد أنواعه، ولهذا نجدهم يتعاملون بها وزنا، وجاءت الإشارة الأولى إلى ضرورة توحيد المكاييل والموازين بالحديث النبوي الشريف:«المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة (2)» والسبب في ذلك واضح فأهل مكة تجار يتعاملون
(1) التطبيق المعاصر للزكاة، ص108، د. شوقي إسماعيل شحاته، دار الشروق.
(2)
أخرجه أبو داود في البيوع / عون المعبود: 3/ 249، والنسائي في الزكاة: باب كم الصاع؟ وفي البيوع: باب الرجحان في الوزن، وصححه ابن حبان، شرح السنة للبغوي ج8 ص تحقيق شعيب الأرناؤوط، وقال ابن حجر في التلخيص: صححه ابن حبان والدارقطني والنووي وأبو الفتح القشيري، وله طريق آخر عن ابن عباس.
بالوزن فهم فيه حجة، أما أهل المدينة فمزارعون يتعاملون بالوسق والصاع والمد فهم فيها أدق وأضبط. وكان الحديث توجيها للأمة إلى توحيد مكاييلها وموازينها وسائر المقاييس والمعايير لتستقيم معاملات الناس، وكان المفترض أن تقتدي بلاد الإسلام بقبلتها الأولى (مكة) في موازينها، وأن تكون الأوزان موحدة في كل البلاد الإسلامية، فكان من الواجب أن نحفظ نماذج صحيحة من الصاع والمد والدرهم والدينار، وتبقى محفوظة مختومة يلزم الولاة والقضاة وأهل الحسبة باتخاذها معيارا للتبادل، لكن واقع الأمر أن هذه المعايير اختلفت، فالرطل شامي وبغدادي ومصري ومديني، والدرهم (12 - 14 - 15 - 16) قيراطا، مما جعل بعض فقهاء الحنفية يقولون:(يفتى في كل بلد بوزنهم)، وهو ما يراه ابن حبيب الأندلسي (أن أهل كل بلد يتعاملون بدراهمهم)(1).
المرحلة الثانية:
إذا كان الحديث النبوي السابق يرسي الأساس النظري لتوحيد المكاييل والموازين، فإن الخطوة العملية قد اتخذها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والمنطق التاريخي يؤكد أن عمر توصل إلى تحديد الوزن الموحد للدرهم بعد اتساع رقعة الفتح وحاجته إلى تقدير الخراج، وقد رجح ذلك دائرة المعارف الإسلامية والفيومي في المصباح المنير وابن خلدون في المقدمة والماوردي في الأحكام السلطانية والبلاذري في فتوح البلدان. فقد نظر عمر رضي الله عنه في الدراهم الفارسية المختلفة الأوزان، فوجدها كما يلي (20 - 12 - 10) قيراط، فمجموع أوزانها 42 قيراطا، وبقسمتها على 3 فالمتوسط 14 قيراطا من قراريط المثقال، ونسبة 14/ 20 = 7/ 10، وهي
(1) فقه الزكاة، للقرضاوي 1/ 255.
النسبة الشرعية المعتمدة. فكل 10 دراهم تعادل سبعة مثاقيل، وتعادل 140 قيراطا، هذه رواية عن فعل عمر رضي الله عنه أوردها الدكتور ضياء الدين الريس في الخراج (1)، وهناك رواية أخرى أن عمر رضي الله عنه: أخذ المتوسط بين الدرهم البغلي - 8 دوانق - والدرهم الطبري - 4 دوانق - فجعل الدرهم نصفها، وهو 6 دوانق، وهو الدرهم الشرعي المعروف بوزن سبعة، أي العشرة منه تساوي سبعة مثاقيل، وهو أيضا ستة دوانق (2) وهذه الرواية تفسر لنا الخلاف الذي ذكره ابن الأخوة في معالم القربة من أن عمر رضي الله عنه أنقص الدرهم فضربه على ستة، والصحيح أنه جعله ستة دوانق بوزن سبعة مثاقيل لكل عشرة دراهم. ثم ذكر النووي أن أهل العصر الأول أجمعوا على التقدير بهذا الوزن وهو أن الدرهم ستة دوانق وكل عشرة منه تعادل سبعة مثاقيل:
ومما يعكر ذلك ما ذكره أبو عبيد في الأموال قال: (فلما كان زمن بني أمية قالوا: إن ضربنا البغلية ظن الناس أنها هي المعتبرة في زكاة الأموال فيضر الفقراء، وإن ضربنا الطبرية تضرر أرباب الأموال (3) فجمعوا الدرهم البغلي والطبري وأخذوا متوسطها 8 + 4 = 12 ÷ 2 = 6 ستة دوانق، ثم ذكر الماوردي بعد أن نسب الفعل إلى عمر رضي الله عنه فقال:(ومتى زدت على الدرهم الواحد ثلاثة أسباعه كان مثقالا، ومتى نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما، فكل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب)، وعلل المسعودي أن هذه النسبة 7: 10 ترجع إلى كون الذهب أرجح من الفضة وزنا (4) بمثل ثلاثة أسباعها، وسنرى عدم صحة هذا
(1) الخراج والنظم المالية، الريس ص346.
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي ص154، والمجموع للنووي ج 6 ص 15.
(3)
الأموال أبو عبيد ص 467.
(4)
الوجيز للغزالي بحاشية المجموع 6/ 6.
القول في الصفحات القادمة.
بقي أن نشير إلى ما ذكره بعض المؤرخين أن عمر رضي الله عنه حاول ضرب الدراهم من جلود الإبل، فقيل له ستهلك الإبل، فأمسك عن ذلك، وجزم الكتاني في التراتيب الإدارية نقلا عن توفيق البكري في شرحه صهاريج اللؤلؤ: أن عمر رضي الله عنه كان يستعمل الورق والجلود كنقود، وأنشد لأبي تمام (1).
لم ينتدب عمرا للإبل يجعل من
…
جلودها النقد حتى عزه الذهب
المرحلة الثالثة:
إذا تجاوزنا كل روايات المؤرخين التي ذكرت ضرب الدراهم والدنانير قبل عبد الملك بن مروان وهي بجملتها روايات يشك في صحتها، فإن إجماع المؤرخين منعقد على أن عبد الملك كان أول من ضرب النقود في الإسلام، فقد ضرب الدنانير المنقوشة عام 74هـ، ثم ضربها له الحجاج عام 75هـ، ثم عممت التجربة عام 76هـ؛ ويعلل المؤرخون هذه الخطوة بسبب استياء العلاقات بين الروم والدولة الأموية بعد حربهم عام 73هـ، حيث صالحهم عبد الملك بسبب مشاكله الداخلية على أن يدفع لهم إتاوة سنوية ثم رفض دفعها، وهاجم الروم ثانية في عهد: جستنيان الثاني (الأخرق)(685 - 695) م، وتوالت انتصارات المسلمين واستعدوا للهجوم على القسطنطينية.
وذكر الطبري في حوادث عام 73هـ وفيها: (غزا محمد بن مروان الصائفة، فهزم الروم، واقترنت هذه الحرب بمسألة خطيرة تعرف بمسألة القراطيس، حيث كانت الروم تستورد الورق من مصر مقابل دنانير الروم
(1) فتوح البلدان، البلاذري ص578 - التراتيب الإدارية للكتاني 1/ 422.
وكان الأقباط يكتبون على القراطيس ما ينسب المسيح إلى الربوبية، فأبدلها عبد الملك بعبارة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) مما ساء ملك الروم، وهدد عبد الملك بأن يكتب على الدنانير ما يسيء إلى نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك سببا لضرب عملة خاصة به بإشارة: خالد بن يزيد بن معاوية، وتوقف التبادل بين الدولتين في الأوراق والدنانير.
وأنشأ عبد الملك دارا للضرب عام 74هـ، وضربت الدنانير الدمشقية (2)، والحقيقة أن عبد الملك كان يفكر منذ زمن في إيجاد نقد للدولة المترامية الأطراف، ولا يعقل أن تعتمد دولة في نقدها على دولة معادية تهدد علاقتهما حروب مستمرة، وإذا أضفنا إلى ذلك أن دراهم فارس شاع فيها الغش وفسدت فسادا كبيرا، كما أن عدم وجود نقد للدولة يسبب حرجا للرعية في مبادلاتهم، وفي دفع زكاتهم ومختلف معاملاتهم، وهكذا وجه عبد الملك صفعة للقيصر باستقلاله النقدي عن الذهب الروماني، وأصبح للدولة الإسلامية دارا للضرب، وأصبح ضرب العملة في غيرها أمرا محظورا يعاقب عليه النظام، كما يعاقب من يسيء إلى النقد وسلامته ونظامه. وقد أرسل عبد الملك جزءا من نقوده إلى القيصر من الإتاوة التي كان يدفعها، وبأسلوب ساخر متهكم مهذب يخبره بأن الخلافة أصبحت تتمتع بسلطة إصدار النقود، وكان من نكد جستنيان أن تخلى عنه فيلق الصقالبة في وقت لا بد له من مواجهة عبد الملك الذي انتصر على الروم انتصارا ساحقا ورفع على حرابه معاهدة عام (686م) المنقوضة (3).
وظهر دينار عبد الملك الذي يزن 72 حبة شعير، كما ظهر الدرهم الذي يزن 2/ 5 50 خمسون حبة وخمسا حبة، روى البلاذري قال: حدثنا
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2)
فتوح البلدان، البلاذري، والخراج للريس ص209، والطبري في حوادث عام 73.
(3)
بحوث في التاريخ الاقتصادي، لعدد من المستشرقين، تعريب توفيق إسكندر ص120
وهب بن كيسان أنه قال: رأيت الدنانير والدراهم قبل أن ينقشها عبد الملك، فوجدتها ممسوحة وهي وزن الدنانير التي ضربها عبد الملك. وروى أيضا عن عبد المطلب بن وداعة السهمي أنه أراه وزن المثقال، قال: فوزنته، فوجدته وزن مثقال عبد الملك، ومثقال أبي وداعة كان عنده في الجاهلية (1). ولم ينكر الصحابة التعامل بها بعد ضربها.
لقد استبدل عبد الملك صورة القيصر بصورته، وأبقى العمود القائم على المدرجات الأربعة، ولكنه حذف شارات الصليب وما يدل عليه، وقد اعترض الصحابة على صورة عبد الملك على نقده الدمشقي وكان هذا رأيا لبعضهم، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تعاملوا بالنقد الروماني وعليه صور ملوكهم، وكان ضرب عبد الملك للدينار الإسلامي سببا لنزاعه مع الروم من جديد، حيث استقل المسلمون بنقدهم المنقوش بعبارات إسلامية:(محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)، (بسم الله ضرب في سنة سبع وسبعين)، وحصر الأمويون دار الضرب في دمشق والفسطاط.
أما وزن هذا الدينار فهو 4. 25 غرام، وهو محفوظ إلى اليوم في متحف بغداد (2).
وفي عهد عبد الملك تمتعت الدولة الإسلامية بما يعرف بالاستقرار النقدي أو الاستقلال عن النفوذ النقدي لفارس والروم.
هل ضربت نقود إسلامية قبل عبد الملك؟
ذكر المقريزي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب الدراهم على نقش الكسروية بصورها، وزاد عليها عبارة (الحمد لله)، (محمد رسول الله)، (لا إله إلا الله وحده)، وضربها على وزن ستة لظروف اقتصادية
(1) فتوح البلدان، البلاذري ص472.
(2)
النقود العربية ماضيها وحاضرها عبد الرحمن فهمي ص45، والدينار الإسلامي في المتحف العراقي للنقشبندي.
عند من يرى أن وزن ستة فيه نقص عن التمام، وقد رجحنا أن درهم الستة واف لا نقص فيه. كما ضرب عثمان دراهم نقش عليها (الله أكبر)(1).
وهناك أقاويل أن خالد بن الوليد ضرب الدنانير الرومية عام 15 - 16هـ وكتب عليها اسمه، ويرى المرحوم مصطفى الذهبي أن هذا الأمر كان سبب عزل خالد، وهو مردود بأن العزل تم قبل فتح دمشق، بل ذهب بعضهم أن عمر ضرب الدراهم الفارسية ولم يضرب الدنانير الرومية إزعاجا لخالد وإهمالا لرأيه (2)، وكلها أقاويل لا صحة لها ولا خطام ولا زمام.
وقد نقش عبد الله بن الزبير دراهم مستديرة بمكة، ونقش على استدارتها:(عبد الله)، وعلى إطارها بالخط الكوفي (بسم الله ربي) (محمد رسول الله) وعلى الوجه الآخر:(أمر الله بالوفاء والعدل)(3).
وذكر آخرون أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (41 - 60) قد ضرب دنانير عليها صورته، وما تزال بعض دراهمه محفوظة في المتحف البريطاني، أما الدنانير التي ذكرها المقريزي على أنها من ضرب معاوية، فلم يصلنا منها شيء، وربما استهلكت خلال عملية الإصلاح النقدي لعبد الملك (4).
وجملة هذه الروايات يرفضها ثقات المؤرخين، ولكن يعكر عليهم رفضهم هذا ما جاء في الأحاديث من النهي عن كسر سكة المسلمين والمحافظة على سلامة النقد في ديار الإسلام بمنع قرضها وتشويهها إذا
(1) المقريزي من كتاب النقود العربية للكرمللي ص32.
(2)
الذهبي من كتاب النقود العربية للكرمللي ص91.
(3)
النقود العربية للكرمللي ص92، وتاريخ الطبري، ط بيروت 4/ 416، وفتوح البلدان للبلاذري.
(4)
النقود العربية ماضيها وحاضرها، عبد الرحمن فهمي محمد ص29.
كانت سكة الإمام، وعقد أبو داود في سننه بابا خاصا للنهي عن كسر سكة المسلمين، واشترط للنهي ثلاثة شروط:
1 -
كون النقود رائجة.
2 -
كونها من ضرب الإمام.
3 -
ألا يكون بها بأس كزيف أو عيب (1)، ومجيء مثل هذه الأحاديث كالصريح في أنه كان للمسلمين سكة رائجة متداولة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وقد ادعى جرجي زيدان مثل هذه المقولة، ورد عليه محمد أمين الحلواني منكرا أن أحدا من الخلفاء الراشدين قد ضرب نقدا نحاسيا أو غيره وذلك في كتابه " نشر الهذيان من تاريخ جرجي زيدان "، ولكن جاء في شرح العيني على البخاري أنه نقل عن المرغنياني أن الدراهم كانت شبه النواة، ودورت على عهد عمر رضي الله عنه لما بعث معقل بن يسار وحفر نهره المشهورة، فضرب عمر الدراهم على نقش الكسروية (2).
وهذه الروايات كلها لا ترفع اتفاق المؤرخين أن النقد الرسمي للدولة الإسلامية إنما أخذ شكله الرسمي على يد عبد الملك بن مروان عام 76هـ.
أما أحاديث النهي عن كسر سكة المسلمين فلا تدل بالضرورة على وجود نقد رسمي متداول ضربه الخلفاء، ويمكن حملها على ما سيكون في المستقبل، أو على العملة نفسها المستوردة من فارس والروم.
وما قاله المؤرخون فيمكن حمله على أنه محاولة فردية، وخاصة إذا عرفنا أن سك النقود كان مهنة للأشخاص وليس من عمل الحكومة، وإن السكة الإسلامية كوظيفة رسمية للسلطان إنما اتخذت إطارها الرسمي في عهد
(1) عون المعبود 3/ 286.
(2)
التراتيب الإدارية للكتاني 1/ 419.
عبد الملك بن مروان.
نستنتج ما يلي:
1 -
أن الدرهم الإسلامي المعروف لدى أهل مكة كان معروفا للمسلمين منذ أن وجههم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الاقتداء بأهل مكة في ميزانهم، وهذا الدرهم المعروف بوزن الإسلام الذي هو ستة دوانيق ونستبه إلى المثقال 7/ 10 هو الذي تؤدى به الواجبات المالية، وتقدر به الديات، وتعقد به الأنكحة والضمانات وأروش الجنايات وغير ذلك، وعرف فيما بعد بوزن بيت المال.
2 -
أن ما روي من أن عمر رضي الله عنه هو أول من ضرب الدرهم يمكن حمله على أن ملك الفرس (رأس بغل) كان يضرب له الدراهم ويرسلها إليه بناء على طلبه، وهذا ما يحتمله كلام العيني في شرح البخاري من أن عمر ضربها على نقش الكسروية، فليس فيه ما يدل أن عمر اتخذ دارا للضرب والسكة.
3 -
أن مفهوم الدرهم الإسلامي كان يعرفه تجار مكة كلهم معرفة دقيقة، يعرفون وزنه ويتخيلونه، ولا يضيرنا ألا يكون للدولة نقد مطبوع في أرضها حتى عام 76 هـ، ولكن المقادير معروفة معلومة بدليل حديث عائشة عندما اشترت بريرة، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوزن وهو وزن مكة.
وحديث سماك بن حرب «أن مالكا أبا صفوان قال: بعت للنبي صلى الله عليه وسلم سراويل بثلاثة دراهم، فوزن لي فأرجح، وأعطى الوزان أجره (1)» فلو لم يكن الدرهم معلوما في هذه البيع لما صح البيع ولما عرف الرجحان.
4 -
بالرغم من تعامل المسلمين بنقد أجنبي فإنهم كانوا يتعاملون بهذه
(1) رواه النسائي في باب البيوع، والترمذي في التجارات، وأحاديث الأمر بالرجحان في الوزن كثيرة في البخاري ومسلم، وفي كتب السنن.
النقود وكأنها مادة خام وتبر غير مضروب أو سبائك توزن وزنا بسنج الوزن الشرعية التي قررها الرسول صلى الله عليه وسلم.
5 -
أن ضرب النقود الإسلامية رسميا من قبل عبد الملك بن مروان وصنعه السنج الزجاجية على العيار الشرعي الذي قرره النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفت السنج بسنج السكة الإسلامية؛ لم يكن إلا تقريرا لمقادير معروفة مقننة، وكان ضرب السكة الإسلامية يستغني الناس عن الميزان في التعامل بها، وهذا المعنى الذي صرح به النووي في قوله:(فرأوا في زمن عبد الملك صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه، وتصييرها وزنا واحدا لا يختلف، وأعيانا يستغنى بها عن الموازين)(1) فصنيع عبد الملك من موقعه كمسئول أول في الدولة ليس إلا تبنيا لحكم شرعي أقره المشرع، وتعميم هذا الحكم على أرجاء الدولة إحياء للسنة النبوية، وتخليصا للمسلمين من المتاعب، وإرساء لدعائم الدولة باختصاص نقد رسمي خاص بها، ولذا قال المؤرخون: إن سكة عبد الملك عدلت بين الكبار والصغار من الدراهم، وجعل كل عشرة منها سبعة مثاقيل، وأن عمله موافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
6 -
أن مقدار الدينار لم يحدث حوله أي خلاف كما حصل حول الدرهم.
(1) المجموع - ج 6 ص 15
أوزان الكيل فأوزان النقد:
لا يوجد أمة من أمم الأرض إلا ولها مكاييلها وموازينها الخاصة بها، والمتكونة عبر حياة طويلة من العرف الاجتماعي الذي يسود علاقاتها، وهناك أوزان خاصة للنقود ومكاييل خاصة للمكيلات.، والراجح تاريخيا أن وحدات الكيل - الوزن المجرد - هي الأصل الذي تفرع عنه كافة أوزان النقود، وقد أكد الطبري والبلاذري والمقريزي أن سن السكة
الإسلامية جاءت متأخرة زمنا عن صناعة سنج المكاييل، فالمقريزي يقول:(إن الدراهم عند المسلمين كانت مجموعات من ضرب فارس والروم، فجمعوا أصغرها وأكبرها وضربوه على وزنهم الكيل)، فسنج السكة صنعت على غرار أوزان الكيل، حيث كانت تستعمل بحسب ما يتسع حجم المكيال، ثم تستخدم المادة في ثقل الحاجات. وهي عادة قديمة انحدرت إلى المسلمين شأنهم شأن أمم الأرض قاطبة. فهناك إذن تداخل شديد بين أوزان النقد وأوزان الكيل، يتضح من خلال استعراض أسماء المكاييل والموازين، فأسماء النوعين واحدة: قيراط، حبة، دانق، إلخ، وكلها تشكل أجزاء في وحدة القنطار الذي يوجد منه قنطار لوزن النقد الشرعي وآخر لوزن الكيل الشرعي. وهناك تشابه آخر ليس في الأسماء فحسب بل في التقسيم الوزني وتسلسلها في أوزان النقد وأوزان الكيل، وإذا تجاوزنا المكاييل والأوزان العرفية واتجهنا إلى الاعتبار الشرعي فسيتحصل معنا نوعان من المقادير الشرعية:(وحدات وزن النقد)(وحدات كيل).
وأهم وحدات الكيل هي: الصاع والمد، وقد بين ابن الرفعة صلة هذين المكيالين بالدرهم الشرعي وهو درهم الكيل 2/ 5، 50 حبة، هذا الدرهم الذي يتكون منه الرطل الشرعي والمد والصاع، ثم يأتي الرطل البغدادي ومضاعفاته من المن حتى القنطار وأجزاؤه من الدرهم والمثقال والدانق والقيراط والذرة.
وجمهور الفقهاء على أن الصاع الشرعية 1/ 3 5 رطل بالبغدادي، والرطل البغدادي 4/ 7 128 درهم من الدرهم الذي هو خمسون وخمسا حبة من الشعير المعتدل، فلم يقدر الفقهاء حجم الصاع بالمكعبات، بل اشتفوه من الدرهم الشرعي.
وقد صنع لهذه الأوزان جميعا صنجات إسلامية لأول مرة في زمن عبد الملك، وأشير عليه أن يصنعها من الزجاج كيلا تستحيل إلى زيادة أو نقصان (1).
أما عن وحدات أوزان النقد فيقول المقريزي:
كانوا يتبايعون بأوزان اصطلحوا عليها وهي الرطل = 12 أوقية والأوقية أربعون درهما، فيكون الرطل 480 درهما، والنش: نصف أوقية (حولت صادة شينا) وهو: 20 عشرون درهما، والنواة: خمسة دراهم (2).
وقال السيوطي: الرطل جمع كل الموزونات فهو: 12 أوقية، والأوقية: إستار وثلثا إستار، والإستار: أربعة مثاقيل، والمثقال: درهم وثلاثة أسباع الدرهم، والدرهم: ثمانية دوانيق، والدانق قيراطان، والقيراط طسوجان، والطسوج حبتان، والحبة: هي حبة الحنطة (3).
وكانت قريش تزن الذهب بوزن تسميه دينارا، والفضة بوزن تسميه درهما، فكل عشرة من أوزان الدراهم: سبعة أوزان من وزن الدنانير، وكان لهم وزن الشعيرة وهو 1/ 60 من وزن الدرهم، وكانت لهم الأوقية 40 درهما، والنش: عشرين درهما، والنواة: خمسة دراهم (4)، وهذه الأوزان كلها مجهولة، ولا يتوصل إليها إلا بعد معرفة الدينار أو المثقال والدرهم، فعندما يحدد وزن الدرهم والدينار سيتحدد بالضرورة وزن كل من هذه الوحدات.
تقدير الدرهم والمثقال (الدينار)
في كيفية التقدير ابتداء يقال: أن الذي اخترع الوزن في الدهر الأول
(1) حاشية محقق الإيضاح والتبيان ص46، قطع المجادلة ص102 نقلا عن التمهيد لابن عبد البر.
(2)
المقريزي ص26 من كتاب الكرمللي.
(3)
المقريزي ص27 من كتاب الكرمللي.
(4)
المقريزي ص27 من كتاب الكرمللي.
يرون أن المثقال يختلف عن الدينار، فالدينار عندهم أصغر من المثقال بنسبة يسيرة، وهذه نصوصهم:
قال الخطيب الشربيني الشافعي: (ونصاب الذهب الخالص ولو غير مضروب: عشرون مثقالا، والمثقال لم يتغير جاهلية ولا إسلاما، وهو اثنتان وسبعون حبة، وهي شعيرة معتدلة لم تقشر، وقطع من طرفيها ما دق وطال، ونصاب الورق مائتا درهم تحديدا «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة (1)»، والأوقية: أربعون درهما بالنصوص المشهورة والإجماع، قاله في المجموع، والمراد بالدراهم الدراهم الإسلامية التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشرة درهما وسبعان، ووزن الدرهم ستة دوانق، والدانق ثمان حبات وخمسا حبة، فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة) (2).
وقال المالكية: وزن كل دينار 72 حبة من مطلق الشعير (3)، وكل درهم خمسون حبة وخمسا حبة من الشعير المتوسط (4) فتكون المائتا درهم تساوي: 140 مثقالا من مثاقيل الأندلس والمغرب التي كل دينار منها عشرة دراهم، وكل سبعة دنانير أوقية (5)، وتكون المائتا درهم 185 ونصف وثمن درهم بدراهم مصر لكبرها (6).
وقال ابن حجر: لم يخالف في أن نصاب الزكاة مائتا درهم يبلغ (مائة
(1) صحيح البخاري الزكاة (1459)، صحيح مسلم الزكاة (979)، سنن الترمذي الزكاة (626)، سنن النسائي الزكاة (2484)، سنن أبو داود الزكاة (1558)، سنن ابن ماجه الزكاة (1793)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 86)، موطأ مالك الزكاة (576)، سنن الدارمي الزكاة (1633).
(2)
الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 1/ 203، ومغني المحتاج 1/ 389.
(3)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 455
(4)
القوانين الفقهية، ابن جزيء ص89.
(5)
القوانين الفقهية ص89.
(6)
الشرح الصغير للدردير 2/ 140.
وأربعين مثقالا) من الفضة الخالصة إلا ابن حبيب الأندلسي، فإنه انفرد بقوله: إن أهل كل بلد يتعاملون بدراهمهم (1) وذكر ابن عبد البر اختلافا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم البلاد (2) وكذا فرق المريسي الإجماع باعتبار النصاب بالعدد لا بالوزن.
وخالف الحنفية في تقدير الدرهم، فبعد أن قرروا النصاب مائتي درهم شرعي قالوا: زنة كل درهم 14 قيراط، والقيراط: خمس شعيرات، فيكون الدرهم الشرعي: 70 شعيرة. وفي الذهب قالوا نصاب الذهب: عشرون مثقالا - زنة كل مثقال عشرون قيراطا، فالمثقال الشرعي: مائة شعيرة، فهو: درهم وثلاثة أسباع الدرهم، لأن الدرهم سبعون شعيرة، والمثقال: مائة شعيرة (3)، وأكدوا على أن النسبة الشرعية 7/ 10 أمر لا يمكن تجاهله في تقدير النصاب.
وقال ابن حزم وبحثت أنا غاية البحث عند كل من وثقت بتمييزه، فكل اتفق لي على أن دينار الذهب بمكة وزنه: اثنان وثمانون حبة وثلاثة أعشار الحبة بحب الشعير المطلق، والدرهم: سبعة أعشار المثقال، فوزن الدرهم المكي: سبعة وخمسون حبة وستة أعشار الحبة وعشر عشرها، فالرطل: مائة درهم وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور (4)، ونقل النووي نص ابن حزم السابق، وأضاف إلى مقدار الرطل السابق وأربعة أسباع الدرهم (5)، وقد ذكر ابن خلدون رأي الجمهور المتقدم بأن الدرهم: سبعة أعشار المثقال، وأن الأوقية: أربعون درهما، والمثقال: 72 حبة شعير
(1) فتح الباري ص311 ج 3.
(2)
انظر الكافي لابن عبد البر 1/ 285 تحقيق د. محمد ولد ماديك الموريتاني.
(3)
اللباب شرح الكتاب 1/ 148، وحاشية ابن عابدين 2/ 296.
(4)
المحلى 5/ 246، نشر دار الآفاق الجديدة.
(5)
المجموع شرح المهذب 6/ 16.
والدرهم: خمسون وخمسا حبة، ثم ذكر رأي ابن حزم وقال إنه واهم (1).
وكما اختلف الفقهاء حول عدد حبات الدرهم والدينار اختلفوا أيضا في تقريطه، ومع هذا الاختلاف في قراريط كل منهما تبقى النسبة الشرعية (الدرهم 7/ 10 من المثقال) ثابتة عند الفقهاء فهي محل إجماع.
قال البلاذري: قال محمد بن سعد: وزن الدرهم من دراهمنا هذه أربعة عشر قيراطا من مثقالنا الذي جعل عشرين قيراطا، وهو وزن خمسة عشر قيراطا من واحد وعشرين قيراطا وثلاثة أسباع (2).
وقد اختلف الفقهاء في التقريط، فالحنفية يرون المثقال عشرين قيراطا والدرهم أربعة عشر قيراطا، فيكون القيراط عندهم 3/ 5 3 الشعيرة (3).
والجمهور على أن المثقال 22 قيراطا، والدرهم ستة عشر قيراطا.
ويختلف وزن القيراط بحسب البلاد، فهو بمكة ربع سدس الدينار 1/ 24 وبالعراق نصف عشره كما ذكره في القاموس، وهو حاليا يدل على جزء من الذهب 1/ 24 قيراطا، ولا يستخدم إلا لوزن الأحجار الثمينة، وقد عرفنا فيما سبق أن المثقال إذا قسم إلى 20 قيراطا فإن أحد الدراهم التي كانت قبل تحديده من عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يساوي ويماثل المثقال في القراريط:(20) قيراطا، وثانيهما:(12) قيراطا، وثالثها: عشر قراريط، ولكن البلاذري ذكر أن المثقال مقسم إلى: 22 قيراطا إلا كسرا، فتختلف قيمة الدراهم، وتبقى النسبة 7: 10 ثابتة بين الدرهم والدينار (4) ففي تقريط المثقال عندنا ثلاثة أقوال: (24، 22،
(1) النقود للكرمللي ص107.
(2)
البلاذري كتاب النقود للكرمللي ص10.
(3)
كتاب النقود للكرمللي ص77 الذهبي.
(4)
الخراج للريس ص341.
20) والتقريط بـ (24) خاص بالصاغة ودور السك.
ويتداول الفقهاء رأيين:
أ- الحنفية: الدينار: 20 قيراطا، والدرهم: 14 قيراط.
ب- الجمهور: الدينار: 22 قيراطا إلا كسرا أو تاما، والدرهم: 15، 16 قيراطا.
تقدير الدرهم والدينار بالغرامات
يوجد عدة محاولات لتحويل المقادير الشرعية إلى غرامات، بل ما من مفت وسدت إليه وظيفة الإفتاء إلا وقام بمحاولة تحديد تلك الأوزان بالموازين المعاصرة، ونعرض هنا لبعض هذه المحاولات.
تقدير المرحوم العلامة الشيخ عبد العزيز عيون السود (1) شيخ قراء الشام، وكان في حياته ينتهي إليه أعلى أسانيد القراءات لكتاب الله الكريم، وكان يشغل وظيفة أمين فتوى مدينة حمص السورية، وقد أعد رسالة خاصة في المقادير الشرعية معادلة بالغرام، واطلع عليها الشيخ أسعد العبجي مفتي الشافعية بحلب، فكتب إليه قائلا: (ثم ظهر لي أن الحق في معادلة الدرهم العرفي بالغرام كان كما قدرتموه لا كما قدرته أنا، والفرق بيننا حبة في كل درهم. وموجز الرسالة فيما يخص بحثنا هو قوله:
المتعارف عليه عند الصاغة:
5/ 6، 20 مثقالا عرفيا = 100 غرام.
1/ 4، 31 درهما عرفيا = 100 غرام.
فالدرهم العرفي =3. 20 غرام. كما تعارف الصاغة.
5 قراريط عرفية = 1 غرام.
(1) أثبتها الشيخ عزت عبيد الدعاس رحمه الله في آخر سنن الترمذي ج 9 - الذي طبع بإشرافه.
1 قيراط عرفي = 4 حبات.
والدرهم العرفي = 64 حبة.
وبتقسيم الحبات تكون الحبة 3. 20 ÷ 64 =0. 05 غرام.
والدرهم الشرعي درهمان: درهم أخذت به الحنفية وهو 14 قيراطا شرعيا كل قيراط خمس حبات فدرهم الحنفية 70 حبة =3. 5 غرام.
ودرهم أخذت به الأئمة الثلاثة وهو على الصحيح: 2/ 5، 50 حبة فيساوي2. 52 غرام، فيكون المثقال عند الحنفية (100 × 0. 05 = 5 غرامات، ويكون المثقال عند الجمهور 72 × 0. 05 = 3. 6 غرام).
وهذا جدول ببعض المقادير المرتبطة بأحكام الفقه كما أثبتها الشيخ رحمه الله:
المقادير الشرعية مقدرة بالغرام على المذاهب من رسالة الشيخ / عبد العزيز عيون السود
المقدار
…
الحنفية
…
المالكية
…
الحنابلة والشافعية تخريج النووي
…
الشافعي تخريج الرافعي
…
ــ
الحبة
…
0.05
…
0.05
…
0.05
…
0.05
…
ــ
الدرهم
…
3.5
…
2.52
…
2.52
…
2.52
…
ــ
المثقال
…
5
…
3.60
…
3.60
…
3.60
…
ــ
الرطل الشرعي
…
455
…
322.56
…
324
…
327.60
…
سبب الوجهين عند الشافعية اختلاف الشيخين النووي والرافعي في الصاع والمد والرطل
المد
…
910
…
430.08
…
432
…
436.80
…
ــ
الصاع
…
3640
…
1720.32
…
1728
…
1747.20
…
ــ
الأوسق الخمسة
…
1092000
…
516096
…
518400
…
524160
…
-
أقل المهر عند الحنفية
…
10 دراهم
35 غرام
3.
5 ليرة فضة
…
ــ
…
ــ
…
ــ
…
ــ
القلتان
…
ــ
…
ــ
…
162000
…
163800
…
ــ
تقدير المرحوم العلامة الشيخ حسن حبنكة الميداني:
قدر شيخنا رحمه الله الدراهم المائتين في نصاب الزكاة بما يعادل 80 ليرة سورية من الليرة الفضية التي كانت متداولة قبل 20 سنة تقريبا ثم سحبت من السوق بسبب ارتفاع سعر الفضة وكانت الليرة السورية المذكورة زنة 10 غرام منها 3.5 غرام غش فيبقى منها 605 غرام من
الفضة 80 × 6. 5 = 520 غرام، وهو وزن المائتي درهم، فيكون الدرهم 520 ÷ 200 = 2. 6 غرام.
كما قدر المثاقيل العشرين في نصاب الزكاة بما يعادل 12 ليرة ذهبية (1) ثم فهمت من تلامذة الشيخ الكبار أنه رحمه الله لم يقصد تحديد الدرهم والدينار بدقة، بل وضع مقادير يتيقن المكلف من براءة ذمته خلالها بيقين، فلا داعي لمتابعة الحساب - والجدول التالي يبين النصاب والدية عند المذاهب ببعض العملات
(1) حاشية على نظم الغاية والتقريب للعمريطي، باب الزكاة.
تقدير الدردير المالكي ذكر الشيخ الدردير: (أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري 1127 هـ 1201 هـ) في شرحه الصغير على أقرب المسالك (1) أن نصاب الفضة: (200 درهم) يعادل بدراهم مصر - لكبرها - مائة وخمسة وثمانين ونصف وثمن درهم 5/ 8، 185 درهما عرفيا بدراهم مصر، وقدرت الكمية في كتاب فقه الزكاة (2) بما يعادل:579. 15 غراما، فيكون الدرهم الشرعي: 2. 896 غراما وهو تقدير قريب من المعتمد.
ولكن هذا التقدير تبين لي أنه ليس تقدير الدردير، ولا يمكن إجراء الحساب بدراهم عصره، فقد ذكر التتائي (محمد بن إبراهيم التتائي المتوفى 942 هـ) في شرحه نظم مقدمة ابن رشد عند قول الناظم
عشرون دينارا نصاب العين
…
من ذهب فرضا بغير مين
ومائتان درهما من ورق
…
كلتاهما سكة أهل المشرق (3)
قال التتائي (4): قال سيدي الشيخ خليل بن إسحاق (المتوفى 767): النصاب بدراهم مصر الآن مائة وخمسة وثمانون درهما ونصف درهم وثمن درهم، ويمكن الرجوع إلى النقود الأيوبية، ووزن الدرهم الموجود في ذلك العصر ومقارنته بحساب الدردير. وأظن أن الدراهم المصرية المقصودة هي دراهم الظاهر بيبرس التي كانت تحتوي على 70% فضة و 30% نحاس وظلت رائجة حتى فسدت عام 781هـ بدخول الدراهم الحموية التي ضربها المماليك البحرية (5) بمعنى أن 5/ 8، 185 درهما من دراهم
(1) الشرح الصغير على أقرب المسالك، طبعة الشيخ آل مبارك ج 2 ص 140.
(2)
فقه الزكاة القرضاوي 1/ 259.
(3)
كي لا يختلط بحساب ابن عبد البر وأهل المغرب
(4)
شرح خطط الرشاد والسداد للتتائي بحاشية الدر الثمين والمورد المعين لميارة علي بن عاشر ص281.
(5)
النقود العربية للكرمللي ص61 من كلام المقريزي.
الظاهر بيبرس تساوي 200 درهم شرعي، فيبقى أن يعرف وزن الدرهم المذكور لتحديد الدرهم الشرعي الذي قدره الدكتور القرضاوي بـ:(2. 896 غرام).
تقدير الدكتور شوقي إسماعيل شحاته
قال الدكتور شوقي في كتابه التطبيق المعاصر للزكاة (1):
من المعلوم أن الدينار الشرعي وزن مثقال، وأن المثقال يزن: 72 حبة شعير، والأوقية تزن:(28) مثقالا، فتكون الأوقية: 2016 حبة شعير. ولما كان كل 80 قمحة تعادل 63 حبة شعير متوسطة، فتكون الأوقية الشرعية:(2560) قمحة.
وبما أن الدرهم المصري 64 قمحة والأوقية المصرية 12 درهما فهي 768 قمحة.
فتكون النسبة بين الأوقية الشرعية والأوقية المصرية 2560 ÷ 768 = 10/ 3.
ويكون وزن الدينار الشرعي بالأوقية المصرية 1/ 28 × 10/ 3 = 5/ 42 من الأوقية المصرية التي تزن:37. 44 غراما فيكون وزن الدينار الشرعي بالجرام المصري 37. 44 × 5/ 42 = 4. 45714 غرام.
لقد استطاع الدكتور أن يبين الأوزان المصرية فهو بها حجة، إلا أن النسب المعروفة للأوزان عند الصدر الأول لا يمكن تغييرها بالنسبة للأوقية وأجزائها.
فالأوقية باتفاق الفقهاء والمؤرخين: ستة دنانير، أو ستة مثاقيل، وليست (28) مثقالا، وإذا كانت مثاقيل الأوقية المصرية كذلك فالأوقية الشرعية غيرها.
(1) التطبيق المعاصر للزكاة، ص110 دار الشروق، د. شوقي شحاته
صحيح أن الأوقية 12 درهما من دراهم الكيل وحبات كل درهم خمسون وخمسا حبة من حب الشعير المعتدل، ولكنها تعادل 40 درهما من دراهم الكيل.
والأوقية دائما 1/ 12 من أي رطل عرفي، والرطل المصري كما ذكر الدكتور الريس في الخراج 144 درهما (1)، وقدر علي مبارك الدرهم المصري:(3. 12) غرام وهذا الرقم فعلا يشكل سبعة أعشار الدينار الذي وزنه:4. 45714 مما يؤكد سلامة حساب الدكتور شحاته ودقتها بدليل الرطل المصري 450 غرام وهو 12 أوقية، فيكون وزن الأوقية 37. 5 غرام، ووزن درهمها 37. 5 ÷ 12 = 3. 12 غرام، ويبدو أنه قريب من وزن درهم الكيل الشرعي الذي سيأتي ذكره، والحقيقة أنني أميل إلى هذا التقدير لولا تقديره بحبات القمح، وضبط نسبة القمح إلى الشعير قد يسيء إلى دقة الحساب، ومع ذلك فالتقدير السابق للدرهم والدينار لا غبار عليه، ولكنه يختص بالكيل لا الوزن النقدي.
والدليل على أن الأوزان التي توصل الدكتور شحاته بالغرام هي أوزان الكيل الشرعية لا أوزان النقد، هي الأدلة التالية:
1 -
أن دراسة تاريخ النقود المصرية تدل على أنها تعرضت لتغيرات متعددة منذ عصر المماليك، أما أوزان الكيل فلم تتغير، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال مقارنة الأرقام ببعضها، فمثلا عرفنا أن الدينار الشرعي كما قدره الدكتور شحاته (4. 45714) غرام ولم يتعرض لوزن الدرهم، ويمكن استخراجه بضرب الدينار بـ 7/ 10 فيكون الدرهم:4. 45714 × 7/ 10 =3. 119998 غ، أي:3. 12 غرام تقريبا.
وهذا الدرهم المذكور هو درهم الكيل الذي لم يتغير منذ عصر خليل
(1) الخراج للدكتور الريس، ص367
بن إسحاق المالكي صاحب المختصر، بدليل أن تقدير الدردير المالكي بأن نصاب الفضة من الدراهم المصرية 185. 625 درهما مصريا. وهي تعادل 200 درهم شرعي.
فيكون نصاب الفضة المحسوب بالدراهم المصرية:
185.
625 × 3. 12 = 579. 15 غرام، فدرهم النقد يكون المجهول في 200 × س = 579. 15 غرام.
أي 579. 15 ÷ 200 = 2. 89575 غرام وهو درهم النقد وفق تقدير الدردير وخليل المالكي، ويؤكد ذلك ما ذكره علي مبارك أن درهم الكيل = 9/ 11 من درهم المعاملة.
2 -
قلنا إن الدكتور شحاته قدر الأوقية المصرية 37. 44 غرام فيكون رطلها 37. 44 × 12 = 449. 28 غرام، وهو ما قدره الدكتور الريس بالخراج 450 غرام قائلا: بأن الرطل البغدادي 408 غرام، فهو أقل وزنا من المصري، وهذا يعني أن الدرهم والدينار المقدر عند الدكتور شحاته هي: أوزان الكيل لا أوزان النقد، بل أوزان الكيل المصرية باعتبار درهمها 3. 12 غ، بينما درهم الكيل البغدادي 3. 17 غ.
3 -
إن التقدير الصحيح للدرهم يمكن الحصول عليه بشكل احتمالي بافتراض دراهم الدردير التي حسب بها النصاب بدراهم مصر هي الدرهم البغدادي فيكون النصاب 185. 625 × 3. 17 = 588. 43125 غ من الدراهم المصرية المقدرة بدراهم الرطل البغدادي 588. 43 ÷ 200 = 2. 942 غ، وهذا الرقم قريب جدا من الرقم الذي اعتمد مؤخرا 2. 97 غرام وزن درهم النقد الشرعي.
تقدير الدكتور يوسف القرضاوي في فقه الزكاة
نقل الدكتور القرضاوي محاولة تقدير الدرهم والدينار بحبة الخروب،
وهي تجربة الدكتور عبد الرحمن فهمي -أمين متحف الفن الإسلامي في القاهرة - بكتابه: (صنج السكة في فجر الإسلام) حيث توصل الأخير بعد فحص مجموعة من الصنج الأثرية أن متوسط حبة الخروب هو: 0. 194 غرام، وأن الدرهم يعادله 16 حبة خروب فيكون 16 × 0. 194 = 3. 104 غرام، وانتهى الدكتور القرضاوي أن هذا التقدير غير سليم لعدم انضباط حبة الخروب وللخلاف في دوانق الدرهم. كما رفض التقدير بدرهم (قايتباي) المختوم بخاتمه، وقرر أخيرا ألا سبيل إلى ذلك إلا باستقراء الآثار الإسلامية، وهو صنيع الدكتور ضياء الدين الريس في كتابه (الخراج والنظم المالية في الدولة الإسلامية)(1).
الدكتور ضياء الدين الريس في كتابه الخراج
عثر علماء الآثار على نقود عديدة من العصور الإسلامية لا تزال محفوظة إلى اليوم في متاحف العالم، وقد تناولها العديد من الباحثين، وبمراجعة جملة الأوزان التي ذكروها عرف بوجه قاطع أن وزن الدينار الذي ضربه عبد الملك هو:4. 25 غ فهو إذن وزن المثقال المكي كما ذكره علي مبارك في: (الميزان في الأقيسة والأوزان)، وكما ذكره (زمباور) في دائرة المعارف الإسلامية، مادة دينار، حيث ذكر أن هذا الوزن هو وزن الدينار البيزنطي (السوليدس)، وبما أن نسبة الدرهم للمثقال معروفة بإجماع الفقهاء والمؤرخين وهي 7/ 10، فإن الدرهم الذي ضربه عبد الملك يكون وزنه (2. 97غ) وهو الدرهم وزن سبعة، وحيث أمكننا معرفة وزن الدرهم والدينار، فيمكن بسهولة استخراج الأوزان الأخرى (2).
الحبة: بما أن الرأي المشهور للفقهاء أن المثقال 72 حبة.
(1) فقه الزكاة للقرضاوي 1/ 256 - 257.
(2)
الخراج والنظم المالية للريس ص352.
فتكون الحبة 4. 25 ÷ 72 = 0. 059 غرام، وتبقى عدد الحبات اصطلاحا لكل فقيه، فالحنفية يرون المثقال: مائة حبة، والسيوطي: 80 حبة، وابن حزم: 82 حبة، فوزن الحبة عند الحنفية 4. 25 ÷ 100 = 0. 0425غ وهي حبة الدينار الشرعي، أما وزن حبة الدرهم عندهم:2. 97 ÷ 70 = 0. 0424غ، بينما هي عند الجمهور:2. 97 ÷ 2/ 5، 50 = 0. 0589 غ.
القيراط: لقد كان أشد الاختلاف واقعا في التقريط، حيث افترق الفقهاء والمؤرخون على آراء متعددة:(24 - 20 - 22) قيراط، وأعقد التقديرات ما ذكره البلاذري من رواية محمد بن سعد وهي رواية الطبري: أن الدرهم 15 قيراطا من 3/ 7، 21 وهي نسبة مضبوطة (1)؛ لأن:
14: 20 = 15: 3/ 7، 21
14/ 15 = 20 / س إذا س = 20 × 14/ 15 = 300 ÷ 14 = 6/ 14 21 = 3/ 7، 21
ويكون القيراط: إذا كانت القراريط 20 - 22 - 24 كما يلي:
4.
25 ÷ 20 = 0. 2125غ
4.
25 ÷ 22 = 0. 193غ
4.
25 ÷ 24 = 0. 177 غ
الدانق: ينقسم الدينار والدرهم إلى 6 دوانق
دانق الدينار وهو سدس الدينار 25/ 4 ÷ 6 = 0. 708غ من الذهب
دانق الدرهم: 2. 975 ÷ 6 = 0. 495 غ من الفضة.
ودانق درهم الكيل: 3. 17 ÷ 6 = 0. 528غ ودانق مثقال الكيل: 4. 53 ÷ 6 = 0. 755غ
(1) الخراج للريس 349.
القيراط، وبما أن الدانق قيراطان فيكون:
قيراط الذهب 0. 708 ÷ 2 = 0. 354 غرام
قيراط الفضة 0. 495 ÷ 2 = 0. 2475 غرام
الطسوج: القيراط: طسوجان 0. 2475 ÷ 2 = 0. 1237 غرام، والطسوج حبتان
الحبة = 0. 06 غ، والحبة: فلسان، كل فلس 0. 03 من الغرام (1).
وبناء على التقديرات السابقة فقد رجح الدكتور محمد ضياء الدين الريس وتابعه على ذلك الدكتور القرضاوي في فقه الزكاة (2) والدكتور صبحي الصالح في كتابه: النظم الإسلامية.
نصاب الزكاة الأوقية 2. 975 غ × 40 = 119 غرام
النصاب 119 × 5 = 595 غرام
نصاب الذهب 20 × 4. 25 = 85 غرام
وزكاة نصاب الفضة خمسة دراهم (النواة)
النواة 2. 975 × 5 = 14. 875 غرام
وزكاة نصاب الذهب نصف مثقال 4. 25 ÷ 2 = 2. 125غ
وتكون نسبة ثمن الذهب إلى ثمن الفضة: 595 ÷ 85 = 14. 875 ÷ 2. 125 = 7 أي ثمن الذهب سبعة أمثال ثمن الفضة.
تقدير الدكتور محمد أحمد الخاروف في تحقيقه كتاب ابن الرفعة.
أخرج مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي التابع لجامعة أم القرى كتاب: (الإيضاح والتبيان في الأكيال والأوزان) للفقيه الشافعي ابن الرفعة بتحقيق الدكتور محمد الخاروف الذي أكد أن وزن دينار
(1) الخراج للريس / 354.
(2)
الخراج للريس / 357، وفقه الزكاة للدكتور القرضاوي 260، 261
عبد الملك: 4. 25، ولكن الدينار الإسلامي هو: 4. 22 أي بنقص 3% من الغرام، كما أكد وزن الدرهم الشرعي بكونه:2. 97 بينما المضروب وزنه 2. 95، ولم يذكر كيف توصل إلى معرفة هذه الأوزان، ثم أثبت أوزانا لدرهم ومثقال الكيل - الوزن المجرد على الشكل التالي فقال: إن دار الضرب صنعت مثقال الوزن المجرد - الكيل - وهو 4. 53 غرام وبنفس النسبة الشرعية 7: 10 ضربت درهم الكيل بوزن 3. 17 غرام، ويعضد هذا التقدير ما قاله ابن عبد الرؤوف محتسب الأندلسي أن درهم الكيل يعدل درهما وخمسي درهم من وزن المعاملة كما أشار علي مبارك في (الميزان) أن درهم الكيل يعادل 1/ 9، 1 من درهم المعاملة (1).
ودرهم الكيل كان مستعملا في مصر عند الحملة الفرنسية (1800م) وحددته لجنة (1845م) بـ: (3. 0898) غرام، ووزنه القانوني اليوم في استانبول 3. 207 غرام (2).
فتكون وزن الحبة من مثقال الكيل عند الحنفية:
4.
53 ÷ 100= 0. 045 غ وهو وزن حبة درهم الكيل عندهم وعند الجمهور
4.
53 ÷ 72 = 0. 062 غ وهو وزن حبة درهم الكيل عندهم (3)؛ وبهذا نستخلص أن الدرهم والدينار كانا يدلان على:
أ- قطعة نقد فضية أو ذهبية ثابتة المقدار في الشريعة هي وزن النقد.
ب- صنجة صغيرة تستخدم في الوزن المجرد ثابتة المقدار في الشريعة
(1) الإيضاح والتبيان حاشية المحقق ص49
(2)
دائرة المعارف الإسلامية - شنتناوي 9/ 227.
(3)
حاشية محقق الإيضاح والتبيان ص51.
يقدر بها الفقهاء زكاة الزروع، والثمار، وصدقة الفطر، والكفارات وما يتعلق بذلك. وكان ابن الرفعة لا يرى فرقا بين درهم الكيل ودرهم النقد، ولكن الآثار المكتشفة تدل على وجود الدرهم الخاص بوزن النقد إلى جانب درهم الكيل.
وقد اتفق الدكتور خاروف، والدكتور الريس على أن وزن درهم النقد الشرعي 2. 97غ، وبذلك يمكن الاطمئنان إلى تقدير الدينار بالنسبة إليه، ويسلم لنا درهم النقد 2. 97 غرام ودينار عبد الملك النقد 4. 25 غرام، وهو ما يتفق مع أوزان النقود المضروبة في عهد المقتدر (295 - 320هـ) والمكتشفة في الفيوم (1).
الأوقية: اتفقوا على دنانيرها بأنها ستة، فهي ستة دنانير في أوقية النقد الشرعي، أو ستة مثاقيل في أوقية الكيل الشرعي.
واختلفوا في دراهمها فهي (40) درهما من دراهم النقد الشرعي في أوقية النقد، بينما هي (12) درهم كيل شرعي.
والأوقية دائما 1/ 12 من أي رطل عرفي (2).
جاء في الحديث: «ليس فيما دون خمس أواق من الفضة صدقة (3)» ، وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قال:«كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه اثنتي عشرة أوقية (4)» ، وفي رواية " ونشا ".
وقد عرفنا أن الأوقية النقدية = 40 × 2. 975 = 119 غراما من الفضة.
النش: وهو نصف الأوقية حولت صاده شينا فهو 20 درهما من الفضة
(1) فقه الزكاة للقرضاوي ص259
(2)
حاشية محقق الإيضاح والتبيان ص55 فما بعدها.
(3)
صحيح البخاري الزكاة (1405)، صحيح مسلم الزكاة (979)، سنن الترمذي الزكاة (626)، سنن النسائي الزكاة (2475)، سنن أبو داود الزكاة (1558)، سنن ابن ماجه الزكاة (1793)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 86)، موطأ مالك الزكاة (576)، سنن الدارمي الزكاة (1633).
(4)
صحيح مسلم النكاح (1426)، سنن النسائي النكاح (3347)، سنن أبو داود النكاح (2105)، سنن ابن ماجه النكاح (1886)، سنن الدارمي النكاح (2199).
20 × 2. 975 = 59. 5 غ
الإستار = 4. 5 مثقال، والمثقال درهم وثلاثة أسباع الدرهم، والدرهم ستة دوانق، والأوقية 2. 1 (إستار).
الرطل: اشتد الخلاف حول مقدار الرطل بعد اتفاقهم على أن الرطل اثنتا عشرة أوقية بالأكيال العرفية. وقد جاء في الحديث: «السنة في النكاح رطلا» و «السنة في النكاح اثنتا عشرة أوقية ونشا (1)» أي: ما يعادل 480 درهم فضة، ويعدل بالغرامات الرطل النقدي 119 × 12 = 1428 غراما، ولكنه لم يستخدم في وزن النقود، فغالبا ما يستخدم لوزن الكيل أو الأوزان المجردة، ولذا فهو كوزن عرفي فقط يقسم إلى (12) أوقية بشكل اصطلاحي، فأوقيته قد توافق الأوقية المصطلح عليها وقد لا توافق.
وقد اهتمت الشريعة بالرطل البغدادي حيث سيقدر الصاع من خلاله، واشتهر عند الفقهاء إذا أطلق الرطل أنه رطل بغداد (2) ولكنهم اختلفوا في دراهمه، فقيل: 130 درهما بدراهم الإسلام وقيل: 128 درهم، وقيل: 4/ 7، 128 الدرهم وهي تسعون مثقالا (3).
(1) صحيح مسلم النكاح (1426)، سنن النسائي النكاح (3347)، سنن أبو داود النكاح (2105)، سنن ابن ماجه النكاح (1886)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 94)، سنن الدارمي النكاح (2199).
(2)
الخراج للريس ص367.
(3)
المجموع 1/ 122.
تقدير الفقهاء للرطل البغدادي
الشافعية والحنابلة
تحدث فقهاء هاتين المدرستين وبخاصة الإمام النووي عن الرطل البغدادي، ونقلوا اتفاق أكثر الفقهاء على أن الرطل الشرعي 4/ 7 128 درهما شرعيا كيلا ويعادل 90 مثقال كيل، وهو الدرهم المعتمد في
تقدير القلتين من الماء، وفي تحديد الأوسق الخمسة في نصاب الزروع للزكاة.
وهذا القول هو الوجه الذي خرجه النووي من الشافعية وهو الراجح في المذهب، وهناك تخريج آخر يقدر الرطب بـ: 130 درهما ويبدو أنه قول الغزالي في الوجيز (1) وهو الراجح عند الرافعي في فتح العزيز (2) واختاره ابن الرفعة في الإيضاح والتبيان موافقا مذهب الحنفية، وقال: إنه مذهب الشيرازي صاحب المهذب، وسبب ترجيحه كما يقول: هو معايرته صيعانا على صاع النبي صلى الله عليه وسلم (3).
وقال المالكية: الصاع مائة وثمانية وعشرون درهما - مكيا - كما قيده خليل، كل درهم خمسون وخمسا حبة من مطلق الشعير، فصاعهم 128 درهما بلا أسباع (4) ويعادل أيضا 90 مثقال كيل.
أما الحنفية: فرطلهم الشرعي يبلغ 130 درهما، وسبق قلم الشيخ عبد الغني الغنيمي فذكر أنه 128 درهما. ومنطوق كتبهم أنه 130 درهما (5)، وقال ابن عابدين: الرطل نصف من، والمن: 260 فالرطل: 130 درهما (6) فيعادل: (91 مثقال كيل)، ويمكننا الآن معرفة الأوقية من هذه الأرطال فالرطل: 12 أوقية.
فالأوقية عند المالكية 128 ÷ 12 = 66. 10 درهما من دراهم الكيل
(1) الوجيز للغزالي 1/ 90، دار المعرفة.
(2)
فتح العزيز شرح الوجيز بحاشية المجموع 5/ 559.
(3)
الإيضاح والتبيان بتحقيق الدكتور خاروف ص76.
(4)
الدر الثمين شرح ميارة علي بن عاشر ص296، والشرح الصغير على أقرب المسالك 2/ 123.
(5)
اللباب شرح الكتاب 1/ 153 - 160.
(6)
ابن عابدين، رد المحتار 2/ 365
الشرعي، والأوقية عند الحنفية وابن الرفعة والرافعي والغزالي 130 ÷ 12 = 83. 10 درهم كيل شرعي.
والأوقية عند الشافعية (النووي)، والحنابلة 128. 57 ÷ 12 = 71. 10 درهم كيل شرعي.
وتعرف مثاقيل هذه الأوقية بتقسيم الرطل على (6) عند جميع المذاهب.
ولتحويل الرطل إلى غرامات نضرب دراهمه بـ: 3. 17 غرام درهم الكيل، فمثلا الرطل البغدادي عند الجمهور 128. 57 × 3. 17 = 407. 6 غرام. وهكذا.
المد: وهو مكيال شائع في عصر النبوة نذكره هنا لصلته بالرطل المذكور سابقا، فهو ربع الصاع باتفاق الفقهاء، ولكنهم اختلفوا في أرطاله على قولين:
جمهور الفقهاء: (الأئمة الثلاثة) على أن المد: 1/ 3، 1 رطل بغدادي فالصاع يساوي 4 × 1/ 3، 1 = 1/ 3، 5 رطل بغدادي، فالمد رطل وثلث عند الجمهور، وهو قول أبي عبيد في الأموال، وقول أبي يوسف رحمه الله عندما ناقشه الإمام مالك بن أنس في ذلك، فرجع عن قول إمامه إلى قول الجمهور عندما أراه مالك صيعان المدينة المنورة المتوارثة من عصر النبوة فوجداها 1/ 3، 5 رطل.
وذهب الحنفية: أن المد رطلان، وبنوا قولهم هذا على حديث:«أنه صلى الله عليه وسلم توضأ بمد واغتسل بصاع (1)» (أربعة أمداد)، وسنعرض له مفصلا في الكلام على الصاع، وممن قال بقول الحنفية - المد رطلان - يحيى بن آدم في الخراج قياسا على القفيز الحجاجي (2) فيكون المد كوحدة كيل:
(1) صحيح البخاري الوضوء (201)، صحيح مسلم الحيض (325)، سنن الترمذي الجمعة (609)، سنن النسائي المياه (345)، سنن أبو داود الطهارة (95)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 282)، سنن الدارمي الطهارة (689).
(2)
الخراج للريس ص312.
عند الحنفية: رطلان 130 × 2 = 260 درهم كيل، وهو: المن.
وهو بالغرام 260 × 3. 17 = 824. 20 غرام 1. 043 ليتر.
وعند المذاهب الثلاثة 170. 99 درهم كيل × 3. 17 = 542. 0383 غ 0. 688 ليتر.
وعند ابن الرفعة والرافعي والغزالي 130 × 1/ 3، 1 = 173. 33 درهم كيل 549. 466 غرام (1).
والحديث الذي احتج به الحنفية «أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع (2)» أخرجه أبو داود في سننه عن شريك العبسي، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الله بن جبر، عن أنس - ضعفه الزيلعي ما نقل محقق الإيضاح والتبيان (3).
الصاع: أربعة أمداد باتفاق المذاهب وإن اختلفوا في أرطال المد - كما تقدم - فمد الحنفية رطلان، ومد الجمهور رطل وثلث رطل - كما تقدم - فيكون الصاع ثمانية أرطال عند الحنفية، وخمسة أرطال وثلث عند غير الحنفية (4).
فيكون صاع الحنفية بدراهم رطلهم:
130 × 8 = 1040 درهم كيل تعادل 3296. 80 غرام وتساوي 3. 2968 ليترا.
ويكون صاع الجمهور برطلهم
4/ 7، 128 × 1/ 3، 5 = 685. 28 درهم كيل = 2175 غرام = 2. 175 ليترا (5)
(1) حاشية الإيضاح والتبيان ص56 لابن الرفعة، تحقيق الدكتور محمد أحمد خاروف.
(2)
صحيح البخاري الوضوء (201)، صحيح مسلم الحيض (325)، سنن الترمذي الجمعة (609)، سنن النسائي المياه (345)، سنن أبو داود الطهارة (95)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 282)، سنن الدارمي الطهارة (689).
(3)
الإيضاح والتبيان ص64.
(4)
الخراج للريس ص310.
(5)
الإيضاح والتبيان حاشية التحقيق ص56.
وقد أورد الدكتور الريس محاولة التوفيق بين فقهاء الحجاز والعراق في خلافهم حول أرطال الصاع، فنقل رأي المرحوم علي مبارك في:(الميزان في الأقيسة والأوزان) الذي يقول: والفرق الناتج بين علماء العراق وغيرهم نشأ عن كون العراقيين يعتبرون كمية الماء المظروف في المد والصاع، وغيرهم اعتبر كمية الحب التي يستوعبها هذان الكيلان (المد والصاع)، فالأرطال الثمانية توافق ما يستوعبه من الماء للغسل، والأرطال الخمسة والثلث توافق ما يستوعب الصاع من الحب، فلا خلاف، وهو تعليل مقبول إذا أثبته العلم، وبخاصة إن الماء للغسل هو جزء من التعليل في الحديث الذي استدل به الحنفية (1).
ثم يقول علي مبارك: إن الصاع 1/ 3، 5 رطل بالبغدادي، ولم يذكر العراقيون نوع رطلهم، فيبقى أن أرطالهم بابلية، وبما أن رطلين بابليين هما عين رطل وثلث بالبغدادي فالتقدير متساو بين الجميع.
ومما يؤكد هذا الرأي قول ابن عابدين في حاشية الدر المختار في محاولته التوفيق بين رأي أبي يوسف 1/ 3، 5 رطل، ورأي الطرفين (أبي حنيفة ومحمد) 8 أرطال قال: لا خلاف؛ لأن الثاني أبا يوسف قدره برطل المدينة وهو: 30 ثلاثون إستارا، والعراقي عشرون، وإذا قابلت ثمانية بالعراقي بخمسة وثلث بالمديني وجدتها سواء وهو الأشبه، لأن محمدا لم يذكر خلاف أبي يوسف ولو كان لذكره (2).
وكاد تعليل ابن عابدين أن يوهمني بعدم وجود الفارق بين الأرطال الثمانية وبين الخمسة والثلث التي تشكل صاع الجمهور من خلال تعليله رطل المدينة بثلاثين إستارا، ورطل العراقيين عشرين إستارا فقمت بإجراء
(1) الخراج للريس ص314.
(2)
رد المحتار ابن عابدين 2/ 365
الحساب التالي:
الإستار 4. 5 مثقال كيل، وهو 4. 53 غرام.
فيكون الإستار 4. 5 × 4. 53 = 20. 385 غرام.
رطل المدينة ثلاثون إستارا 20. 385 × 30 = 611. 55 غرام.
صاع المدينة 1/ 3، 5 رطل 611. 55 × 5. 33 = 3259. 561 غرام.
الرطل العراقي عشرون إستارا 20. 385 × 20 = 407. 7 غرام.
الصاع العراقي 8 رطل 407. 7 × 8 = 3261. 6 غرام.
فيكون كلام ابن عابدين صحيحا وتعليل علي مبارك مقبولا ولكن ينتقض كل هذه المحاولات التوفيقية إذا عرفنا أن الرطل الذي حسب به الجمهور صاعهم هو رطل بغداد لا رطل المدينة - الرطل البغدادي - بصريح عبارة النووي الذي عرفناه سابقا بما يعادل 10. 71 أوقية و 128. 57 درهما وهو بالغرامات 128. 57 × 3. 17 = 407. 5769 غرام وهو أقل من رطل المدينة المتقدم.
ولهذا فما يزال خلاف الحنفية قائما، وتعليل ابن عابدين رحمه الله ينقضه تصريح النووي بأن رطل الجمهور هو رطل بغدادي.
ولهذا شدد ابن حزم (1) رحمه الله النكير على الحنفية فقال: إن شريكا العبسي راوي حديث الوضوء بالمد والوضوء برطلين - مطروح اشتهر بتدليس المنكرات إلى الثقات، وقد أسقط حديثه عبد الله بن المبارك ويحيى بن سعيد القطان، كما أورد روايات أخرى احتج بها الحنفية وقد اضطربت فيها عدد أرطال إناء الوضوء: ثمانية، وتسعة، وعشرة أرطال، ثم روى ابن حزم ما يثبت أن صاع المدينة خمسة أرطال وثلث، ومدهم رطل ونصف وربع وثلث بحسب رزانة المكيل، فلا محيد إذن عن قول
(1) المحلى 5/ 241.
الجمهور الموافق لأصح الروايات.
الوسق: وهو مما يتعلق بنصاب الزروع في الزكاة، وقدره ستون صاعا، كل صاع أربعة أمداد، وكل مد رطل وثلث بالبغدادي، وكل رطل (128، 3/ 7ر128، 130 درهما) والمن: رطلان، والرطل: نصف من، وهو:(12) أوقية، والأوقية: عشرة دراهم وأربعة دوانيق، والدرهم: 14 قيراط كل ذلك بالوزن البغدادي (1) وروى صاحب المهذب: «الوسق ستون صاعا (2)» وهي: 1600 رطل بالبغدادي، وهذه المقادير متفق عليها عند العلماء من حيث تسلسلها، ويأتي الخلاف في دراهم الرطل البغدادي. ولهذا من السهل معرفة هذه المقادير بما تقدم من الأوزان، والوسق والصاع كما قال المجد في شرح المنتقى وتبعه في الفروع: كيلان لا صنجتان، ونقل إلى الوزن ليحفظ وينقل (3)، وذكرهما بين الأوزان إتماما للفائدة.
القنطار: قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} (4) آل عمران: 14، وقال تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (5) آل عمران: 75.
وقد ذكر الرازي في تفسير الآية: أنها نزلت في رجل استودع عبد الله بن سلام رضي الله عنه (1200) أوقية، وهو ما ذكره الزمخشري في الكشاف، والشوكاني في فتح القدير، وابن كثير عند تفسير الآيتين المذكورتين، وقدره ابن عباس رضي الله عنهما بـ (80000) ثمانين ألف درهم، وذكر ثعلب
(1) فتح العزيز بهامش المجموع 5/ 559، والإقناع، الشافعي 1/ 205.
(2)
المجموع شرح المهذب 5/ 457، الحديث أخرجه ابن ماجه، والدارقطني وابن حبان، والنسائي -الفتح الرباني 9/ 6.
(3)
الفروع لابن مفلح 2/ 14، والإنصاف للمرداوي 3/ 92.
(4)
سورة آل عمران الآية 14
(5)
سورة آل عمران الآية 75
أن المتعارف عليه بين العرب 4000 دينار - وتقديره بـ: (1200) أوقية هو الصواب، فلو قدرنا الأوقية سبعة مثاقيل 1200 × 7 = 8400 دينار، وهو المقدار الذي ذكره قدامة بن جعفر في الخراج (1) وهو 100 رطل، ولا يستعمل إلا في أوزان المكيلات، ولا مكان له في الأوزان النقدية.
النتائج:
1 -
كان الدرهم والدينار وسائر المقادير المرتبطة بأحكام شرعية معروفة تماما لدى الصحابة رضوان الله عليهم، وإن كان لبقية أقطار الإسلام مقاديرها العرفية، وكانت هذه المقادير معروفة بشكل نظري، ولم يكن لها صنج، حتى جاء عمر رضي الله عنه فضربت له الدراهم على الأوزان المطلوبة، وجاء عبد الملك بن مروان فأعلن الاستقلال النقدي للدولة الإسلامية.
2 -
جمهور الفقهاء والمؤرخين على أن الدينار يعادل 72 حبة شعير والدرهم 2/ 5، 50 حبة، وهو 7/ 10 المثقال، وأن المثقال والدينار في أوزان النقد مقدار واحد.
3 -
النسبة الشرعية بين الدرهم والدينار 7: 10 هي نسبة وزن تستخدم في سك النقود، ولا علاقة لها بالقيمة التعادلية المتغيرة باستمرار، ولا تشكل جزءا من الحكم الشرعي بعد الجزم بأن نصاب الذهب مستقل عن نصاب الفضة في ظل النظام النقدي المزدوج الذي انتهجته الدولة الإسلامية.
4 -
سنج الكيل هي الأساس الذي تفرع عنه أوزان النقد بطريقة استظهارية، ويعتبر الرطل البغدادي هو الأساس الشرعي للأكيال الشرعية.
(1) الخراج للريس ص366.
5 -
اختلف الفقهاء حول التقريط وعدد حبات الدرهم والدينار، وكان مذهب الحنفية أبعدها عن التقدير الذي التزمه فقهاء الحجاز والشام، وهو رأي الجمهور والحق معهم والله أعلم.
6 -
مزج بعض الفقهاء في تقديرهم بين الكيل والوزن، ولهذا اضطربت النتائج لديهم، ومما زاد تقديرهم بعدا عن الصواب لجوءهم إلى الأوزان العرفية، وقد تبين لي أن التقدير بحبات الشعير وغيرها لا يعتبر مجديا إذا كانت أوزان الدرهم والدينار الذي ضربه عبد الملك محفوظة في المتاحف.
7 -
أن تقدير الدردير المالكي وتقدير الدكتور شوقي شحاته كان معتمدا على الدرهم المصري وأضعافه، وهو درهم كيل لا درهم نقد، وقد اتفقا في النتيجة مع تقدير أوزان الكيل التي توصل إليها الدكتور الريس، وتابعه عليها معظم الفقهاء المعاصرين.
8 -
أن التقدير المعتمد والراجح والله أعلم قد انتهى إلى المقادير التالية:
الدينار الشرعي الذي ضربه عبد الملك 4. 25 غرام
درهم النقد وهو 7/ 10 الدينار المذكور 2. 975 غرام.
المثقال الشرعي لوزن الكيل 4. 53 غرام.
الدرهم الشرعي لوزن الكيل 3. 171 غرام.
وبناء على هذا التقدير تكون الأوقية الشرعية لوزن الفضة 119 غرام.
ويكون نصاب الفضة خمس أواق 595 غرام.
ويكون نصاب الذهب 20 × 4. 25 = 85 غرام.
أما بقية المقادير فندرجها هنا إتماما للفائدة:
الحبة الشرعية من الدينار الشرعي 4. 25 ÷ 72 = 0. 059 غرام عند الجمهور
الحبة الشرعية من درهم النقد 2. 975 ÷ 2/ 5، 50 = 0. 0589 غرام عند الجمهور.
والحبة عند الحنفية من الدينار 0. 0425 غرام.
ومن الدرهم 0. 0424 غرام.
أما حبة مثقال الكيل عند الجمهور 0. 062 غرام.
وحبة درهم الكيل 0. 062 غرام.
الدانق سدس الدرهم والدينار
دانق دينار النقد 0. 708 غرام.
دانق الدرهم النقدي 0. 495 غرام
دانق مثقال الكيل 0. 755 غرام
دانق درهم الكيل 0. 528 غرام.
الدانق: قيراطان، فيكون القيراط ويحصل عليه: بتنصيف الدوانق السابقة.
الطسوج: نصف قيراط والطسوج حبتان والحبة فلسان.
النواة: خمسة دراهم 2. 975 × 5 = 875. 14 غرام وهو زكاة نصاب الفضة.
نصف المثقال 4. 25 ÷ 2 = 2. 125 غرام زكاة نصاب الذهب
وتكون النسبة الشرعية متحققة.
595 ÷ 85 = 875. 14 ÷ 2. 125 = 7
وزن الدرهم البغلي 3. 776 غرام
وزن الدرهم الطبري 2. 125 غرام وهو وزن نصف المثقال.
الأوقية: ستة دنانير أو مثاقيل وهي 12 درهم كيل شرعي و 40 درهم نقد وهي دائما تساوي 1/ 12 من أي رطل عرفي فيكون:
الأوقية الشرعية لوزن الفضة 119 غرام.
الأوقية الشرعية لوزن الذهب 29. 75 غرام
أوقية وزن الكيل الشرعية 34 غرام وهي أوقية الرطل البغدادي
فالرطل البغدادي 34 × 12 = 408 غرام - كيل
الرطل الشرعي لوزن الفضة = 1428 غرام، وهو السنة في النكاح.
النش نصف أوقية 20 × 2. 975 = 59. 5 غرام
الإستار 4. 5 مثقال 4. 25 × 4. 5 = 19. 125 غرام بوزن النقد.
المد: (ربع صاع، و 1/ 3، 1 رطل بغدادي) عند الجمهور، ورطلان عند الحنفية.
فيكون المد عند الحنفية 130 × 2 = 260 درهم كيل × 3. 17 = 824. 20 غرام 1. 043 ليتر.
وعند المذاهب الثلاثة 170. 99 درهم كيل × 3. 17 = 542. 0383 غرام 0. 688 ليتر.
وعند ابن الرفعة والرافعي والغزالي 130 × 1/ 3 1 = 173. 33 درهم كيل × 3. 17 = 549. 466
الصاع عند الحنفية 130 × 8 = 1040 × 3. 17 = 3296. 80 غرام 12074. 30 ليتر.
وعند الجمهور 2175 غرام 2. 75 ليتر.
والوسق ستون صاعا 2175 × 60 = 5. 130 كغ عند الجمهور فنصاب زكاة الزروع 5. 130 × 5 = 652. 5 كغ.
تقدير نصاب النقد مر بمرحلتين:
إن التقديرات السابقة سواء كانت تقديرات الفقهاء أو الاقتصاديين يلاحظ انقسامها إلى قسمين:
الأول: تقدير أنصبة الزكاة من النقد المتداول مباشرة كما صنع الشيخ الدردير، ومن قبله خليل صاحب المختصر، والشيخ حسن حبنكة وغيره من علماء الشام، والسبب في ذلك واضح جدا وهو كون النقد المتداول نفسه يحتوي على كمية معدنية من الذهب والفضة، فحسبوا ما تحتويه تلك النقود المتداولة وقدروا على ضوئها نصاب الزكاة.
الثاني: الانصراف إلى تحديد النصاب بالغرامات وهو ما صنعه الدكتور الريس والدكتور القرضاوي وغيرهم، ويجب أن نلاحظ لذلك سببا عبر التطور التاريخي للنقود المتداولة في العالم، فمن المعلوم أن النقود الورقية وغيرها من النقود المعدنية المتداولة كانت تقبل الاستبدال بالذهب والفضة من بنك الإصدار، وكان بعضها يحتوي على نسبة معينة من الذهب والفضة، وما لا يحتوي يمكن استبداله من بنك الإصدار في فترة سادت فيها النقود الاختيارية حتى الحرب العالمية الأولى.
أما بعد الحرب العالمية فقد أخذت دول العالم بمبدأ النقود الإلزامية التي لا يمكن استبدالها بالمعدن الثمين، وأصبح النقد المتداول هو البديل للذهب والفضة، ولا بد من التعامل به ضمن الدولة التي تصدره.
ولإيضاح ذلك نعرض لرأي الفقهاء في المملكة العربية السعودية في مسألة تقدير النصاب، فالنصاب من النقد الفضي بالريال العربي السعودي:(ستة وخمسون ريالا)، وبالريال الفرنسي ثلاثة وعشرون ريالا وثلث تقريبا.
والنصاب من الذهب بالجنيه السعودي وكذلك بالجنيه الفرنجي (الإنجليزي)(11. 5) جنيه تقريبا، أما النصاب في الأوراق الموجودة، فإذا ملك منها ما يقابل نصابا من الفضة وحال عليها الحول فإنه يخرج منها
ربع العشر (1) هكذا قدره الشيخ عبد العزيز السلمان، وهو تقدير الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي مضيفا أن:(56) ريالا عربيا وزنها 140 مثقالا على القول الأول بإهمال الغش المغلوب، وعلى القول الثاني (62) ريالا عربيا (2).
وإلى نحو هذا ذهب الشيخ صالح البليهي فقال: مقدار الدينار 4/ 7 جنيه فرنجي، والجنيه مثقالان إلا ربع مثقال فيكون نصاب الذهب (12. 5) جنيه فرنجي أو سعودي على سبيل التقريب ونصاب الفضة بالنقد الحالي (56) ريالا عربيا (3).
والتقديرات المذكورة هي المرقومة في كتب الفقه المدرسية، واستمع إلى أحد نزلاء المدينة المنورة يلخص المسألة نظما فيقول:(4).
ريالة السعودي وزنا أربع
…
دراهم تنقص ربا فاسمعوا
منها ثلاثة وخمسون ريال
…
ودرهم وربعه النصاب حال
وزنة الفرنسي بالدراهم
…
فتسعة تنقص ثلث الدرهم
منها ثلاثة وعشرون ريال
…
وثلثي الدرهم النصاب حال
وللسعودي جنيه من ذهب
…
يزن مثقالا وثلثيه فهب
أقل ما منه الزكاة اثني عشر
…
ومثله اجنيه الفرنج المشتهر
حسب ما اخبرينه الصوغة
…
في الحرمين عام شخس فاسمعه
فالتقديرات كلها كانت تقدر بالعملة المتداولة لاحتوائها على ذهب
(1) التلخيصات لجل أحكام الزكاة، عبد العزيز المحمد السلمان ص30.
(2)
حاشية النجدي على الروض المربع 3/ 244.
(3)
السلسبيل في معرفة الدليل، الشيخ صالح البليهي ـ ج 1 ـ ص 264.
(4)
نظم مبحث زكاة الفلوس والكاغد، محمد الحسن الشنقيطي.
وفضة ولما يدخل بعد النقد الورقي إلى مجال التداول. وكان النقد المتداول قبل عام 1346هـ، 1926م يتمثل في:
1 -
الريال الفرانسة، وهو ريال فضي عيار 5/ 6، كان الوحدة النقدية لإمبراطورية النمسا الصادر في عهد ماري تيريز 1780 م، وتوقفت النمسا عن التعامل به عام 1858م، ولكن سكان السواحل رغبوا به لشكله ودقة وزنه، ويعرف عندهم بالريال الفرنسة.
2 -
الروبية الهندية الفضية الصادرة في الهند 1818 م، وانتقلت إلى التداول في سواحل الخليج لقوة التبادل التجاري مع الهند.
وفي مطلع القرن العشرين دخلت نقود أخرى عثمانية ومصرية وهاشمية، ولم يبلغ التداول بها حجم النقدين السابقين.
ثم ألغى جلالة المغفور له الملك عبد العزيز كل هذه النقود عام 1346هـ 1926م، وأصدر الريال الفضي السعودي باسمه ولقبه:(ملك الحجاز ونجد وملحقاتها) وحددت قيمته بـ 1/ 10 من الليرة الإنجليزية الذهبية، ثم طرح النقد الذهبي السعودي، واستعمل إلى جانب الليرة الإنكليزية، وحدد سعر الجنيه الذهبي السعودي: 40 ريالا فضيا و11 دولارا أمريكيا.
وفي نيسان 1332هـ / 1952م شكلت مؤسسة إصدار النقد السعودي، وظهر النقد الورقي السعودي، ولا حاجة لمناقشة الأوزان المذكورة في زكاة النقود الذهبية والفضية فهي ثابتة المقدار إلى يومنا هذا، ويبقى النقد الورقي الذي اتفق الفقهاء من خلال فتوى مجمع الفقه الإسلامي على أن يحسب نصابه بأقل نصابي الذهب والفضة.
وسنعرض له في فصل قادم، والله أعلم.