المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث بين الوصل والإرسال وحكم الأئمة عليه - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفوائد الربوية

- ‌ثالثا: النقول عن الفقهاء:

- ‌ المسيح الدجال

- ‌ يأجوج ومأجوج

- ‌ الفرق بين أسماء الله وصفاته

- ‌ هل يمكن لأمة مهما بلغت أن تدمر أحدا ما لم يشأ الله ذلك

- ‌ هل لله صفة الهرولة

- ‌ الصلاة خلف رجل يقول: إن الله في السماء والأرض، يحل الله في الأرض خوفا من تحديد مكانه

- ‌ كيف يعبد الإنسان ربه حتى يجد الجنة

- ‌ أين كانا العرش والكرسي

- ‌ معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «يضحك الله من رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة

- ‌خلق القرآن

- ‌ معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به

- ‌ الرد على القائلين: بأن (الله في كل مكان)

- ‌ حكم من مات على التوحيد الأشعري قبل بلوغ توحيد الأسماء والصفات إليه

- ‌ الذي يجب على المسلم علمه من العقيدة حتى يكون مسلما حقا

- ‌ أنواع العقائد المطلوب من المسلم الإيمان بها

- ‌ فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌من ليس له شيخ

- ‌الخوارج ليسوا أنصار علي

- ‌الكافر ليس أخا للمسلم

- ‌شاب يتوب ثم يعود إلى المعاصي فكيف العمل

- ‌حكم أخذ العلاج عند المتصوفة

- ‌حكم نقل حجارة مسجد إلى البيت

- ‌حكم ذبح الأبقار أو الأغنام عند انتهاء بناء المسجد

- ‌طريقة السمانية الصوفية وضم الذكر بضرب الدف وغيره

- ‌الطريقة التيجانية

- ‌حكم السلام على المتحدث بالهاتف إذا كان لا يعرف هل هو مسلم أم كافر

- ‌سؤال عائشة رضي الله عنها لدخول الكعبة والجواب عنه

- ‌هذا منكر عظيم

- ‌تفصيل المقال على حديث كل أمر ذي بال

- ‌اعتناء العلماء بهذا الحديث

- ‌ألفاظ الحديث كما ورد في طرقه كلها

- ‌الحديث بين الوصل والإرسال وحكم الأئمة عليه

- ‌ أهم المواضع التي تذكر فيها البسملة والحمدلة استحبابا أو وجوبا

- ‌ في القرآن الكريم آيات تصرح بالأمر بالحمد لله

- ‌الباب الثانيالفلوس وما يتعلق بها من أحكام

- ‌إدراك السلف الصالح لأهمية الشعر ودوره:

- ‌مساهمة الشعر في حركة الدعوة:

- ‌رعاية الشعراء وتشجيعهم:

- ‌ذميم الشعر

- ‌النهي عن اتخاذ المساجد حلبات لتناشد الأشعار:

- ‌قبيح الشعر:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌الحديث بين الوصل والإرسال وحكم الأئمة عليه

الله تعالى، وإليك الآن الكلام على الحديث في وصله وإرساله وحكمه:

ص: 201

‌الحديث بين الوصل والإرسال وحكم الأئمة عليه

تقدم تخريج الحديث موصولا ومرسلا عند النسائي حيث أخرجه من طريق عقيل، والحسن بن عمر -مفرقا- عن الزهري مرسلا، وعن قرة عن الزهري موصولا، وعن سعيد بن عبد العزيز عن الزهري رفعه مثله - يعني مثل حديث قرة - وقوله: رفعه، يحتمل أنه رفعه بالإسناد السابق، أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

وقال المنذري: (وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا)(1).

وقال الخليلي: (هذا حديث لم يروه عن الزهري إلا قرة، وهذا ليس عند عقيل ولا غيره من المكثرين من أصحاب الزهري)(2).

قلت: ولعله يقصد من قوله: (هذا الحديث ليس عند عقيل ولا غيره من المكثرين من أصحاب الزهري) أي: ليس عندهم مسندا، وإلا فقد رواه النسائي عن عقيل والحسن بن عمر وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري مرسلا، وهم من مكثري أصحابه، وإسحاق عن شعيب بن أبي حمزة كما تقدم.

وقال أبو داود: (رواه يونس بن يزيد وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا)(3).

(1) انظر مختصر سنن أبي داود له (7/ 179).

(2)

انظر الإرشاد (10/ 448).

(3)

انظر سنن أبي داود (5/ 172) الأدب باب الهدي في الكلام.

ص: 201

وقال البيهقي: (أسنده قرة، ثم تبع أبا داود فقال: ورواه يونس. . . فذكر مثل قوله السابق)(1).

وقال الزيلعي: (وقال النسائي: والمرسل أولى بالصواب)(2).

قال الحافظ ابن حجر: (واختلف في وصله وإرساله، فرجح النسائي والدارقطني الإرسال)(3).

قلت: لم أقف على ترجيح النسائي صريحا في النسخة المطبوعة من عمل اليوم والليلة، ولا في تحفة الأشراف، وأما الدارقطني فصرح بأن المرسل هو الصواب عنده، وكذا أشار أبو داود إلى هذا الاختلاف كما تقدم ولم يرجح، وقد صحح الخطيب أن الحكم لمن وصل عند الاختلاف في الوصل والإرسال، كما نقل السخاوي عنه، ونقله عنه ابن علان، ونقل ابن الصلاح تصحيحه عن أهل الفقه وأصوله، وعزاه النووي أيضا للمحققين من أصحابه، وتعقب ذلك ابن دقيق العيد بأنه ليس قانونا مطردا، قال: وبمراجعة أحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقول، وكذا قال ابن سيد الناس، وبه جزم العلائي فقال: (كلام المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي، بل علمهم في

(1) انظر السنن الكبرى له (3/ 209).

(2)

انظر تخريج أحاديث الكشاف حديث رقم 1 ص10 تحقيق د / صالح الرفاعي.

(3)

انظر تلخيص الحبير (3/ 174).

ص: 202

ذلك دائر مع التخريج بالسنة إلى ما يقوى عندهم في كل حديث) (1). وكذا أشار الزيلعي إلى اختلاف الوصل والإرسال وسكت، وهذا نصه: (وهذا الحديث أعل من وجهين:

الأول: أنه قد روي مرسلا، أخرجه كذلك أبو داود والنسائي عن أبي سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه أبو هريرة رضي الله عنه، وقال النسائي: والمرسل هو الصواب).

قلت: تقدم أن بينت أني لم أقف على قول النسائي المذكور عند ذكره الحديث في عمل اليوم والليلة ولا في تحفة الأشراف، وكذلك ليس عنده ولا عند أبي داود ذكر لأبي سلمة، ولا لأبي هريرة، بينما عندهما: قال الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وكذا هو عند الإمام إسحاق، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، فلعله وهم من المؤلف، والله أعلم.

والثاني: في إسناده قرة. . . وفيه مقال، قال الحاكم في مستدركه في أواخر الصلاة: وقد استشهد مسلم رحمه الله بقرة بن عبد الرحمن في موضعين من صحيحه) انتهى (2).

قلت: لم أقف على كلام الحاكم المذكور، فيما بحثت لعله سقط من النسخة، ولم يذكر قرة في فهرس المستدرك، عمل د / يوسف المرعشلي.

(1) انظر الفتوحات الربانية لابن علان (3 / تفصيل 191).

(2)

انظر تخريج أحاديث الكشاف / 10 حديث رقم 1.

ص: 203

وقال العيني: (الحديث صحيح. . . وقد تابع سعيد بن عبد العزيز قرة، كما أخرجه النسائي)(1).

وقال الكتاني: (على أنه لم ينفرد به قرة، فإن النسائي في عمل اليوم والليلة رواه عن محمود بن خالد أيضا، عن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري به كذلك، فأفاد أن سعيد بن عبد العزيز تابع قرة على وصله، وسعيد ثقة إمام)(2).

قلت: تقدم تخريجه عند النسائي، وجاء عنده في الموضع الثاني عن الزهري رفعه مثله، فهذا يحتمل ما ذكره العيني والكتاني، ولكن لا يجزم به في مثله لو قال: به مثله، أو رفعه به مثله، فكان صريحا ومجزوما به، ثم وقفت على كلام للغماري هذا نصه:(وممن رواه عنه موصولا سعيد بن عبد العزيز، أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن محمود بن خالد، عن الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به. ورواه عنه أيضا مرسلا، كذلك أخرجه النسائي. فلعله سمعه منه مرتين: مرة موصولا، ومرة مرسلا (3).

قلت: لم أقف في عمل اليوم والليلة على ما ذكره الغماري من النسخة المطبوعة، وهو صريح في الوصل إن ثبت، وغالب ظني أنه اعتمد على ما تقدم من قوله: رفعه مثله، وكمل الإسناد باجتهاد منه والله أعلم.

(1) انظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 13)، وكذا نقله عنه الكتاني في الأقاويل المفصلة / 23.

(2)

انظر الأقاويل المفصلة للكتاني / 23.

(3)

انظر الاستعاذة والحسبلة.

ص: 204

ورجح النووي الموصول حيث قال: (وروي موصولا ومرسلا، ورواية الموصول إسنادها جيد)(1)، وجاء في الأذكار:(2) (وهو حديث حسن، وقد روي موصولا كما ذكرنا، وروي مرسلا، ورواية الموصول جيدة الإسناد.

وإذا روي الحديث موصولا ومرسلا، فالحكم للاتصال عند جمهور العلماء لأنها زيادة ثقة، وهي مقبولة عند الجماهير) (3).

وكذا السبكي حيث قال: (فإن قلت: هل يحكم للحديث بالرفع؟ مع أن الأثبات البذل عن الزهري، وهم: يونس بن يزيد، وعقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة، وسعيد بن عبد العزيز إنما رووه عن الزهري مرسلا، ولو أن واحدا من هؤلاء الأربعة عارض قرة لحكم له على قرة، فما ظنك باجتماعهم؟!

ومن أجل ذلك قال جهبذ العلل والحافظ الجبل أبو الحسن الدارقطني: إن الصحيح عن الزهري المرسل.

قلت (السبكي): لو أن بين الإسناد والإرسال معارضة لقضيت لهؤلاء على قرة، ولكن لا تنافي بينهما ولا معارضة، والحديث إذا أسند مرة، وأرسل أخرى فالحكم للإسناد) (4).

ثم قال مستدلا بذلك ومؤيدا قوله: (ولذلك حكم

(1) انظر المجموع شرح المهذب (1/ 73).

(2)

انظر الأذكار / 103.

(3)

انظر الأذكار / 103.

(4)

انظر طبقات الشافعية الكبرى (1/ 19).

ص: 205

إمام الصناعة ومقدم الجماعة أبو عبد الله البخاري لإسناد إسرائيل بن يونس، عن جده أبي إسحاق السبيعي، عن أبي بردة، عن أبيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث:«لا نكاح إلا بولي (1)» على إرسال سفيان وشعبة، وهما من هما في الحفظ والإتقان وعلو الشأن، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وأقسم بمن فاوت بين مقدارهم لنسبة إسرائيل إليهما أبعد من نسبة قرة إلى الأربعة) (2).

قلت: في ذلك نظر، لأن إسرائيل من أحفظ الناس في أبي إسحاق كما ذكر في ترجمته، فالتفاوت موجود مع بقاء الاستدلال، ثم قال السبكي:(كيف وقرة فيما ذكر أعلم الناس بالزهري، وقد توبع في هذا الحديث، وشيخه الزهري كان كثير الإرسال، ثم كان يفصح بالإسناد بعد الإرسال، بل ربما أرسل ثم أفصح بإسناد لا يقبل. . . وإنما رد إرساله عند الإطلاق، ولاحتمال أن يكون طوى ذكر من لو أفصح به لرددناه، كما فعل في حديث الضحك، فإنه طوى ذكر سليمان وهو ضعيف)(3).

وأما إذا بين برواية قرة أن المطوي ذكره أبو سلمة وهو ثقة من الثقات، فلئن أرسله الحافظ الجبل فلقد أسنده الإمام الأجل، أعني محمد بن إسماعيل.

وأقول (السبكي) أيضا: (إن الأخذ بالإسناد هنا أولى منه في

(1) سنن الترمذي النكاح (1101)، سنن أبو داود النكاح (2085)، سنن ابن ماجه النكاح (1881)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 418)، سنن الدارمي النكاح (2182).

(2)

انظر طبقات الشافعية الكبرى (1/ 20 - 21).

(3)

انظر طبقات الشافعية الكبرى (1/ 20 - 21).

ص: 206

حديث: «لا نكاح إلا بولي (1)» من وجهين: حديثي وفقهي:

أما الحديثي: فإن راوي الإسناد عن قرة إمام كبير وهو الأوزاعي، فالأكثر في الرواية عنه الإسناد، ورواية الإرسال عنه قليلة.

وأما الفقهي: فإن الحمد حديث في فضائل الأعمال، فكان قبوله أقرب من حديث:«لا نكاح إلا بولي (2)» لما يتعين من مزيد الاحتياط في ذلك.

هذا منتهى الكلام على الحديث، ولا ريب في أنه بعد ثبوت صحته ورفعه مسندا غير بالغ مبلغ الأحاديث المتفق على أنها مسندة صحيحة ولكن للصحيح مراتب) (3).

وقال محمد بن جعفر الكتاني، بعد أن نقل ترجيح النسائي والدارقطني للإرسال:(هذا مسلم لو تفردا -أي قرة وصدقة - بوصله، وكان بين الوصل والإرسال معارضة، ولكن لا نسلم كلا منهما، فإن سعيد بن عبد العزيز وصله عن الزهري أيضا عند النسائي كما تقدم، وكذا الأوزاعي، وهما ثقتان، وإنما يصار إلى الترجيح عند التعارض، ولا تعارض بين الإسناد والإرسال؛ فالزهري معروف أنه كثيرا ما يرسل ثم يصرح بالرفع لكونه لا منافاة بينهما)(4).

وقال الغماري: (ورواه عن الزهري جماعة من الحفاظ

(1) سنن الترمذي النكاح (1101)، سنن أبو داود النكاح (2085)، سنن ابن ماجه النكاح (1881)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 418)، سنن الدارمي النكاح (2182).

(2)

سنن الترمذي النكاح (1101)، سنن أبو داود النكاح (2085)، سنن ابن ماجه النكاح (1881)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 418)، سنن الدارمي النكاح (2182).

(3)

انظر طبقات الشافعية الكبرى (1/ 20 - 21).

(4)

انظر الأقاويل المفصلة له / 15.

ص: 207

الثقات: الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، ويونس بن يزيد، وعقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة، وقرة بن عبد الرحمن وغيرهم، إلا أن الزهري كان يوصله مرة ويرسله أخرى على عادته المعروفة في ذلك؛ فإنه كان كثيرا ما يرسل الأحاديث الموصولة عنده في الأوقات التي يحصل له فيها نشاط لذكر الإسناد كما نص عليه ابن عبد البر وغيره) (1).

فهذا آخر ما توصلت إليه من كلام العلماء حول وصل الحديث وإرساله.

ولا شك أن كل من صحح الحديث أو حسنه فهو يعتبر من مرجحي الوصل على الإرسال، بل ويتقوى المرسل بالمسند كما أن مرسل الزهري يتقوى بمرسل معمر لتعدد المخارج، كما يتقوى بعمل أهل العلم بذلك، وإجماعهم العملي على العمل به.

وبعد أن ثبت أنه لا منافاة بين الإرسال والإسناد؛ لأن الرجل قد يكون نشيطا فيسند الحديث، وقد يكون في مورد المذاكرة فيسأل عن الحديث فيذكره مرسلا، فمن هنا لم أقف على تضعيف الأئمة لهذا الحديث فيما بحثت بلفظه المذكور سوى الشيخ الألباني، والدارقطني لحديث كعب بن مالك رضي الله عنه.

وإنما حصل الترجيح من بعضهم بين المرسل والمسند، فرجح الإمام الدارقطني المرسل على المسند، ولكنه تبين مما سبق من أقوال الأئمة أن المرسل يؤيد المسند ولا يعارضه، والعكس

(1) انظر الاستعاذة والحسبلة له / 7.

ص: 208

كذلك، فمن هنا نرى عددا من العلماء صححوا الحديث وعددا آخر حسنوه.

فممن صححه ابن حبان، والحاكم، وأبو عوانة، وابن الصلاح في رواية، والسبكي - كما تقدم- والمناوي، والعيني وغيرهم.

ونقل السبكي عن ابن الصلاح أنه قضى بأن الحديث حسن دون الصحيح وفوق الضعيف، محتجا بأن رجاله رجال الصحيحين سوى قرة، قال: فإنه ممن انفرد مسلم عن البخاري بالتخريج له (1).

وكذا نقل الزبيدي في مقدمة " إتحاف السادة المتقين " عنه أنه قال: (حسن بل صحيح)(2).

وكذا نقله عنه العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (حديث رقم 594)(3) والعيني في عمدة القاري (4).

وقال النووي في الأذكار (5): (هو حديث حسن). وقال في المجموع (6): (ورويناه فيه من رواية كعب بن مالك الصحابي رضي الله عنه، والمشهور رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وحديثه هذا حديث حسن). وكذا قال في شرحه على صحيح مسلم (7)

(1) انظر طبقات الشافعية الكبرى (1/ 9).

(2)

انظر / 7 / ج، وانظر (3/ 466).

(3)

انظر تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للعراقي وابن السبكي والزبيدي، لأبي عبد الله الحداد (1/ 536).

(4)

انظر (1/ 13).

(5)

انظر / 103.

(6)

انظر (1/ 73).

(7)

انظر (13/ 185).

ص: 209

للحديث الحسن المشهور بعد أن ذكر حديث أبي هريرة.

ورمز له السيوطي بالحسن، وقال المناوي:(رمز المصنف لحسنه تبعا لابن الصلاح)(1).

وقال العيني في عمدة القاري - بعد أن ذكر أنه ليس على شرط البخاري؛ لأن في سنده قرة بن عبد الرحمن - ما نصه: (الحديث صحيح صححه ابن حبان، وأبو عوانة، وقد تابع سعيد بن عبد العزيز قرة كما أخرجه النسائي) ا. هـ (2).

وقال الحافظ ابن حجر -كما نقله عنه ابن علان - بعد تخريجه حديث الباب: (إنه حديث حسن، أخرجه ابن ماجه وأبو عوانة في صحيحه (3)، وقال السخاوي في جزئه:(وهذا الحديث تبع ابن الصلاح على تحسينه الإمام النووي في أذكاره، وشيخ شيوخنا العراقي، وادعى بعضهم صحته)(4).

قال ابن علان: (غفل عن ذكر شيخه الحافظ ابن حجر فيمن حسنه)(5).

وقال السندي في التعليق على سنن ابن ماجه: (الحديث قد حسنه ابن الصلاح والنووي)(6) ونقل عنهما غير واحد هذا الحكم.

(1) انظر فيض القدير (5/ 13).

(2)

انظر (1/ 13)، والأقاويل المفصلة للكتاني / 523 نقلا عنه.

(3)

انظر الفتوحات الربانية لابن علان (3/ 288).

(4)

انظر الفتوحات الربانية لابن علان (3/ 288).

(5)

انظر الفتوحات الربانية لابن علان (3/ 288).

(6)

انظر (1/ 610) كتاب النكاح باب خطبة النكاح تعليقه على الحديث.

ص: 210

ومنهم من عزى لابن الصلاح أنه بعدما حسنه صححه، ويشير لذلك كلام التاج السبكي في الطبقات، وكلام الزبيدي في شرح الإحياء، والعيني حيث نقلوا عنه:(هذا حديث حسن بل صحيح) كما تقدم.

وقال أبو العلاء العراقي: (وصحح له - أي لقرة - الترمذي، وابن حبان وهو من تساهله إذ يسمي الحسن صحيحا كهذا، والصواب ما جزم به ابن الصلاح من أنه حسن على ما هو معلوم في الاصطلاح من أن حديث المختلف فيه حسن، وتبعه الأسيوطي، وممن صححه أيضا أبو عوانة، وقال الحافظ ابن حجر: ليس على شرط البخاري، في إسناده مقال)(1).

قلت: تقدم استدراك ابن الصلاح على نفسه في الحكم كما ذكرت.

وقد قال في الكوكب المنير للعلقمي في هذا الحديث ما نصه: (بجانبه علامة الصحة).

وقال المناوي في التيسير: (إسناده صحيح).

وقال أبو الطيب محمد شمس الحق: (والحديث قد أخرجه البيهقي أيضا بإسناد حسن)(2).

(1) انظر الأقاويل المفصلة للكتاني / 22.

(2)

انظر التعليق المغني على سنن الدراقطني (1/ 229).

ص: 211

وذكره العجلوني فقال: (والحديث حسن) وعزاه لأبي داود وابن ماجه (1).

وقال الدكتور فاروق حماده في تعليقه على هذا الحديث: (حسن هذا الحديث ابن الصلاح والنووي وابن حجر وغير واحد من الحفاظ، وقال ابن الصلاح: إن رجاله رجال الصحيحين سوى قرة بن عبد الرحمن (2)؛ فإنه لم يخرج له مسلم في الأصول، وقد وثق في الزهري) (3).

قال الشيخ الألباني بعد أن ساق الحديث بلفظ: " بسم الله الرحمن الرحيم ": (إن الحديث بهذا اللفظ ضعيف جدا. . . ولئن كان اللفظ الآتي - أي في منار السبيل - وهو اللفظ المذكور عندنا هنا يحتمل التحسين، فهذا ليس كذلك لما في سنده من الضعف الشديد كما رأيت)(4).

قلت: حكم الشيخ الألباني عليه بالضعف مع بيان احتمال التحسين عنده أيضا كما تقدم، وقال الكتاني:(وحاصل هذا أنه بالنظر لطريق قرة بانفرادها حسن، وبالنظر لما احتف به من المتابعات والشواهد، وهذا ما تشد عليه الأيدي في هذه الرواية)(5).

والذي يظهر لي أن الحديث بلفظ: "بحمد الله" أو: "بذكر الله" لا يقل عن درجة الحسن لذاته، ومن حكم عليه بالصحة

(1) انظر كشف الخفاء (2/ 119).

(2)

جاء عنده سهوا (قرة بن خالد) والصواب ما ذكرته.

(3)

انظر تعليقه على حديث رقم 494 من عمل اليوم والليلة للنسائي / 345

(4)

انظر إرواء الغليل (1/ 30).

(5)

انظر الأقاويل المفصلة له / 23.

ص: 212

فالمراد بها الصحيح لغيره، لأن الحديث الحسن لذاته يتقوى بالشواهد والمتابعات إلى الصحيح لغيره والله أعلم.

قال الحافظ ابن حجر: (وقد اعترض على المصنف -أي البخاري - لكونه لم يفتتح الكتاب بخطبة تنبئ عن مقصوده بالحمد والشهادة امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله أقطع (1)»، وقوله:«كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء (2)» أخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

والجواب عن الثاني: أن الحديثين ليسا على شرطه، بل في كل منهما مقال) ثم قال:(سلمنا صلاحيتهما للحجة، لكن ليس فيهما أن ذلك يتعين بالنطق والكتابة معا، فلعله حمد وتشهد نطقا عند وضع الكتاب، ولم يكتب ذلك اقتصارا على البسملة؛ لأن القدر الذي يجمع الأمور الثلاثة ذكر الله، وقد حصل بها، ويؤيده أن أول شيء نزل من القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (3) فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة والاقتصار عليها) (4).

ويؤيده أيضا وقوع كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون حمدلة وغيرها، مما سيأتي في حديث أبي سفيان في قصة هرقل، وكما سيأتي في حديث البراء في قصة سهيل بن عمرو في صلح الحديبية، وغير ذلك من الأحاديث) (5).

ثم قال الحافظ ابن حجر: (وهكذا كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) سنن أبو داود الأدب (4840)، سنن ابن ماجه النكاح (1894).

(2)

سيأتي تخريجه بعد قليل إن شاء الله تعالى.

(3)

سورة العلق الآية 1

(4)

انظر فتح الباري (1/ 8).

(5)

انظر فتح الباري (1/ 8).

ص: 213

إلى الملوك بـ: (بسم الله الرحمن الرحيم)، كما جاء في صحيح البخاري (1) - كتاب التفسير - حيث جاء فيه قال: " ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. . .) (2).

قال النووي: (فيه استحباب تصدير الكتب بـ: بسم الله الرحمن الرحيم، وإن كان المبعوث إليه كافرا، وأن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم (3)» يحمل على ذكر الله كما جاء في رواية أخرى: «بذكر الله تعالى» ، وهذا الكتاب كان ذا بال، بل من المهمات العظام، وبدأ فيه بالتسمية دون الحمد) (4).

ثم قال الحافظ ابن حجر بعد أن نقل كلام النووي السابق الذكر: (والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو عوانة في صحيحه، وصححه ابن حبان أيضا، وفي إسناده مقال، وعلى تقدير صحته فالرواية المشهورة فيه بلفظ: "حمد الله"، وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النووي وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية)(5) قلت: نعم ورد في بعضها بأسانيد واهية كما تقدم في متن الحديث، وليس كلها كما سبق في التخريج.

ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه شاهد من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أيضا.

ولذا قال الشوكاني بعد أن ذكر حديث أبي هريرة رضي الله

(1)(8/ 215) مع الفتح.

(2)

انظر فتح الباري (8/ 220).

(3)

سنن أبو داود الأدب (4840)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 359).

(4)

انظر شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 107 - 108).

(5)

انظر فتح الباري (8/ 220).

ص: 214

عنه: (وفي الباب عن كعب بن مالك عند الطبراني والرهاوي)(1).

قال الطبراني: (حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، ثنا عبد الله بن يزيد الدمشقي، ثنا صدقة بن عبد الله، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الله بن كعب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع أو أجذم (2)».

ومن طريقه عبد القادر الرهاوي في الأربعين قال: (أخبرني عمر بن محمد بن أبي بكر المؤدب، أخبرنا السيد أبو الحسن علي بن هشام العلوي، أخبرنا أبو بكر - هو ابن زبيدة - أخبرنا أبو القاسم - هو الطبراني الحافظ - فذكره بمثل إسناده المذكور، وكذا ساقه السبكي من طريقه).

قال الهيثمي: (رواه الطبراني في الكبير، وفيه صدقة بن عبد الله ضعفه أحمد، والبخاري، ومسلم وغيرهم، ووثقه أبو حاتم ودحيم في رواية)(3).

(1) انظر نيل الأوطار (3/ 299).

(2)

انظر المعجم الكبير (19/ 72)، ومن طريقه رواه السبكي في طبقاته (1/ 14)، وذكره الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف / 11 (حديث رقم 1) بإسناد الطبراني.

(3)

انظر مجمع الزوائد (2/ 188).

ص: 215

وقال الشيخ الألباني: (وهذا سند ضعيف، صدقة هذا ضعيف كما قال الحافظ في التقريب)(1).

قلت: مثله يعتبر به، وإنما ضعفه من ضعفه من قبل حفظه، وكذا من جهة البدعة، ولذا قال أبو زرعة: كان قدريا لينا، وقال أبو حاتم: محله الصدق أنكر عليه القدر فقط، وقال أيضا: نظرت في مصنفات صدقة بن عبد الله السمين عند عبد الله بن يزيد بن راشد المقرئ، وقلت لدحيم عنه، فقال: محله الصدق، غير أنه كان يشوبه القدر، وكتب عن الأوزاعي ألفا وخمسمائة حديث، وكان صاحب حديث، كتب إليه الأوزاعي في رسالة القدر يعظه فيها (2). قلت: وهذا يدل على ملازمته وقربه من الأوزاعي حيث إنه أكثر عنه، قال سعيد بن عبد العزيز:(جاءني الأوزاعي فقال لي: من حدثك بذاك الحديث؟ قلت: الثقة عندي وعندك، صدقة بن عبد الله)(3)، فتلاميذ صدقة أدرى به من غيره، فهذا سعيد بن عبد العزيز يخاطب الأوزاعي بقوله: صدقة الثقة عندي وعندك، وأقره الأوزاعي.

قال ابن عدي: (أكثر أحاديثه مما لا يتابع عليه وهو إلى الضعف أقرب)(4).

(1) انظر إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل (1/ 32).

(2)

انظر الميزان (2/ 310 - 311).

(3)

انظر الميزان (2/ 311).

(4)

انظر الميزان (2/ 311).

ص: 216

وضعفه أحمد والبخاري وابن نمير ويحيى والنسائي والدارقطني (1).

قلت: ضعفه ناتج عن سوء حفظه أو عند بدعته كما تقدم، فمثله يصلح للاعتبار والتقوية.

وقال الدارقطني: (ورواه صدقة عن محمد بن سعيد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح الحديث، وصدقة ومحمد بن سعيد ضعيفان، والمرسل هو الصواب)(2).

قلت: ليس في إسناد الطبراني محمد بن سعيد، إنما عنده محمد بن الوليد الزبيدي، وهو من رجال الصحيحين، ثقة، وقد تابع محمد بن سعيد عن الزهري متابعة تامة، وأما صدقة فقد تقدم الكلام عليه.

ومن هنا لم يتعرض له الهيثمي كما تقدم في رجال الطبراني، ولم يذكر إلا صدقة فقط أنه مختلف فيه، فهذا يشهد لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولم يعلل الدارقطني الحديث بمخالفة صدقة قرة في إسناده، وإنما علله بضعف صدقة ومحمد، وأن المرسل هو الصواب، فقول الشيخ الألباني: فلا يصح أن تجعل هذه المخالفة سندا في تقوية الحديث كما فعل السبكي؛ ففيه نظر.

قلت: لأن الاحتمال الذي ذكره السبكي وارد بأن يكون الزهري

(1) انظر الميزان (2/ 310).

(2)

انظر سنن الدارقطني (1/ 229) في أول كتاب الصلاة.

ص: 217

سمع الحديث من أبي سلمة عن أبي هريرة، ومن ابن كعب، عن أبيه، وعندئذ هي تؤيد الرواية الأولى وتعضدها، ويكون بذلك روى الحديث عنه صحابيان: كعب، وأبو هريرة رضي الله عنهما كما ذكر السبكي (1)، ولا مانع فيه، وله نظائر عند المحدثين.

وبمناسبة تقارب الموضوع إليك تخريج حديث: «كل خطبة ليست فيها تشهد فهي كاليد الجذماء (2)» .

قال أبو داود: (حدثنا مسدد، وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. . .) الحديث (3).

رجاله ثقات كلهم سوى عاصم بن كليب بن شهاب الجرمي ووالده، فهم صدوقان، وأخرجه الترمذي في سننه (4) فقال:(حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا محمد بن فضيل عن عاصم به مثله وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب)(5).

وذكره المنذري في مختصر سنن أبي داود (6)، ونقل عن الترمذي أنه قال: حسن غريب.

وأخرجه ابن حبان فقال: (أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أنبانا

(1) انظر طبقات الشافعية الكبرى (1/ 16).

(2)

سنن الترمذي النكاح (1106)، سنن أبو داود الأدب (4841).

(3)

انظر سنن أبي داود (5/ 173) كتاب الأدب في الخطبة.

(4)

انظر (3/ 405) كتاب النكاح باب ما جاء في خطبة النكاح.

(5)

انظر (3/ 405) كتاب النكاح باب ما جاء في خطبة النكاح.

(6)

انظر (7/ 190) الأدب باب في الخطبة

ص: 218

المخزومي المغيرة بن سلمة، حدثنا عبد الواحد بن زياد به مثله) (1).

وذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير (2) فقال: صحيح، وأحال إلى الأجوبة النافعة (ص48).

وكذلك يستأنس في الموضوع بالأحاديث الواردة في خطبة الحاجة وأولها: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (3)» ، ورواها ستة من الصحابة أخرجها الشيخ الألباني كلها من طريقهم جميعا.

والأحاديث الواردة في ذكر الحمد والبسملة واستحباب ذكرهما كذلك تؤيد معنى الحديث، كما أن استناد الأئمة على هذا الحديث في بناء حكم الاستحباب بذكر الحمد والبسملة والبدء بهما يؤيد ذلك ويقويه.

إليك بعض من ذكر الحديث، وبنى عليه استحباب البدء بالحمد مستندا إليه أو بالبسملة: ممن استند على الحديث

(1) انظر موارد الظمآن في زوائد صحيح ابن حبان / 152.

(2)

انظر (4/ 172)، برقم (4396).

(3)

صحيح مسلم الجمعة (868)، سنن النسائي النكاح (3278)، سنن ابن ماجه النكاح (1893)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 350).

ص: 219

المذكور ووضع له عنوانا: ابن أبي شبية في مصنفه (1) كتاب الأدب فقال: (باب ما قالوا فيما يستحب أن يبدأ به الكلام) ثم ساق الحديث، وابن حبان في صحيحه (2)، حيث قال في موضع:(ذكر الأخبار عما يجب على المرء من ابتداء الحمد لله جل وعلا في أوائل كلامه عند بغية مقاصده)، ثم ساق الحديث، ثم عنون في موضع آخر فقال:(ذكر الأمر للمرء أن تكون فواتح أسبابه بحمد الله جل وعلا لئلا تكون أسبابه بترا)(3).

وكذا ذكره أبو عوانة في خطبة كتابه الصحيح المستخرج على صحيح مسلم مستندا به.

وأخرجه الرهاوي في خطبة الأربعين له، كما نقله عنه السخاوي، وعن السخاوي نقله ابن علان (4)، مما يدل على الامتثال به.

وقال الخطيب في كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: (وينصت المستملي الناس إن سمع منهم لغطا، فإذا أنصت الناس قال: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وإنما استحببت له ذلك؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه

(1) انظر (9/ 116) له.

(2)

انظر الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (1/ 103)، وكذا هو في الموارد برقم (1993).

(3)

انظر الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (1/ 103)، وكذا هو في الموارد برقم (1993).

(4)

انظر الفتوحات الربانية (3/ 290).

ص: 220

قال، فذكر حديث البدء بالبسملة والحمدلة (1) وقد تقدم تخريجه، فاستناده على الحديث واستحبابه ذكر ذلك يدل على صلاحية الحديث للاحتجاج عنده، ولو في فضائل الأعمال، وعقبه بعد ذكر الحديث بقوله:(وإذا استعمل الخبرين حاز الفضلين).

وقال أيضا في كتابه الفقيه والمتفقه (2): (وليكن أول ما يفتتح به الكلام بعد التسمية " الحمد لله ").

وذكره البيهقي تحت باب ما يستدل به على وجوب التحميد في خطبة الجمعة (3)، مع غيره من الأحاديث التي ذكرها في هذا الموضوع.

وذكره النووي في شرحه على صحيح مسلم قبيل باب آداب الطعام فقال: (قال أصحابنا: يستحب أن يذكر اسم الله تعالى على كل أمر ذي بال، وكذلك يحمد الله في أول كل أمر ذي بال للحديث الحسن المشهور فيه)(4).

وفي المجموع شرح المهذب (5) عند بدء المصنف الشيخ أبو إسحاق بـ "الحمد لله" فقال: (بدأ رحمه الله بالحمد لله للحديث المشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بألفاظه الواردة كلها، وقال: (ورينا كل هذه

(1) انظر (2/ 69).

(2)

انظر (2/ 123).

(3)

انظر السنن الكبرى للبيهقي (3/ 208).

(4)

انظر (13/ 185).

(5)

انظر (1/ 73).

ص: 221

الألفاظ في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي. . .) (1).

ثم قال: (قال العلماء رحمهم الله: يستحب البداءة بالحمد لكل مصنف ودارس ومدرس، وخطيب وخاطب، ومزوج ومتزوج، وبين يدي سائر الأمور المهمة. قال الشافعي رحمه الله: أحب أن يقدم المرء بين يدي خطبته وكل أمر طلبه حمدا لله تعالى، والثناء عليه سبحانه، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).

ثم عقد النووي فصلا في الأذكار (3) فقال: (اعلم أن الحمد مستحب في ابتداء كل أمر ذي بال كما سبق، ويستحب بعد الفراغ من الطعام والشراب والعطاس، وعند خطبة المرأة - وهو طلب زواجها - وكذا عند عقد النكاح، وبعد الخروج من الخلاء)(4)، ويستحب في ابتداء الكتب المصنفة كما سبق.

وحمد الله ركن في خطبة الجمعة، لا يصح شيء منها إلا به، ويستحب أن يختم دعاءه بالحمد لله رب العالمين، كذلك يبتدئه به، ويستحب حمد الله تعالى عند حصول نعمة أو اندفاع مكروه سواء حصل ذلك له أو لصاحبه أو للمسلمين؛

(1) انظر (1/ 73).

(2)

المجموع (1/ 73)، والأذكار للنووي / 103.

(3)

انظر (103 - 104).

(4)

وانظر لذلك أيضا تفسير ابن كثير (1/ 18) حيث ذكر أكثر هذه المواضع وزاد.

ص: 222

وذلك لما ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي ليلة أسري به بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما، فأخذ اللبن، فقال له جبريل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك (1)» . .

وقد تقدم كلام الحافظ ابن حجر في إجابته على الاعتراض الذي وجه للبخاري في عدم افتتاحه كتابه بخطبة تنبئ عن مقصوده بالحمد والشهادة امتثالا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم. فذكر الحديث المذكور، وحديث:" كل خطبة ليس فيها شهادة. . . ".

ثم قال الحافظ ابن حجر: (ثم اللفظ وإن كان عاما لكن أريد به الخصوص وهي الأمور التي تحتاج إلى تقدم الخطبة، أما المراسلات فلم تجر العادة الشرعية ولا العرفية بابتدائها بذلك، فالابتداء بالحمد واشتراط التشهد خاص بالخطبة، بخلاف بقية الأمور المهمة، فبعضها يبدأ فيه بالبسملة تامة كالمراسلات، وبعضها ببسم الله فقط كما في أول الجماع والذبيحة - (قلت: وعند الأكل) - وبعضها بلفظ من الذكر مخصوص كالتكبير، وقد جمعت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد بل بالبسملة وهو يؤيد ما قررته) ا. هـ (2).

(1) الحديث المشار إليه أخرجه البخاري في صحيحه (5/ 224) كتاب التفسير، باب قوله: أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام، ومسلم في صحيحه (1/ 154) الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

انظر فتح الباري (8/ 220).

ص: 223

قلت: كلامه يؤيد كلام السبكي من أن المراد من الحمد أو البسملة ما هو أعم، وهو ذكر الله؛ لأن غالب الأعمال الشرعية غير مفتتحة بالحمد كاملا، فإنها مفتتحة بالتكبير كما في الصلاة، أو بغيره كما في الحج وغير ذلك (1).

قلت: بل اجتمعت في افتتاح الصلاة بالجميع بذكر الله المتمثلة في التكبير والبسملة والحمد لله.

فالمهم أن تفتتح بذكر الله تعالى سواء بلفظ الحمد، أو بسم الله، أو بالتكبير ونحوها؛ لأن كلها داخلة في ذكر الله تعالى، ورواية " ذكر الله " حسنة كما تقدم.

وكذا استند على الحديث الزمخشري في تفسيره الكشاف (2) كدليل على تقديم اسم الله فقال: (إن المؤمن لما اعتقد أن فعله لا يجيء معتدا به في الشرع واقعا على السنة حتى يصدر بذكر اسم الله؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله (3)». . . الحديث.

وكذا استند الحافظ ابن كثير إليه في استحبابية التسمية في أول كل قول وعمل، حيث قال: ولهذا تستحب - أي التسمية - في أول كل عمل وقول، فتستحب في أول الخطبة؛ لما جاء:«كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أجذم (4)» ، وتستحب في أول الوضوء؛ لما ورد في مسند الإمام أحمد:«لا وضوء لمن لم يذكر الله (5)»

(1) انظر طبقات الشافعية الكبرى له (1/ 18).

(2)

انظر (1/ 31).

(3)

سنن أبو داود الأدب (4840)، سنن ابن ماجه النكاح (1894).

(4)

سنن أبو داود الأدب (4840)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 359).

(5)

سنن الترمذي الطهارة (25)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (398).

ص: 224

وهو حديث حسن (1).

وقال المناوي: وفيه - أي: في الحديث الذي ذكره بلفظ «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي (2)» . . . " - كالذي قبله - أي بدون هذه الزيادة- تعليم حسن وتوقيف على أدب جميل، وبعث على التيمن بالذكرين، والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما. . . وقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب، فحمدوا الله وصلوا على نبيه أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة وتذكرة، وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم من الفتوح والتهاني، وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن (3).

وقال الشوكاني: (افتتح المؤلف - أي أبو البركات - الكتاب - أي المنتقى- بحمد الله سبحانه وتعالى أداء لحق شيء مما يجب عليه من شكر النعمة التي من آثارها تأليف هذا الكتاب، وعملا بالأحاديث الواردة في الابتداء به، ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور (4).

كما ذكره الشيخ زكريا الأنصاري في افتتاح المؤلف بحمد الله في شرحه: فتح الباقي، كمستند للمؤلف ببدئه بذلك، وقال: فالمراد بعد ذكر الله ليشمل البسملة والحمدلة، وكل منهما ذكر

(1) انظر تفسير ابن كثير (1/ 18).

(2)

سنن أبو داود الأدب (4840)، سنن ابن ماجه النكاح (1894).

(3)

انظر فيض القدير (5/ 14).

(4)

انظر نيل الأوطار للشوكاني (1/ 14).

ص: 225