الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجاز) (1).
هـ- كما نقل عنه قوله رضي الله عنه: (إذا قرأ أحدكم شيئا من القرآن، فلم يدر ما تفسيره، فليلتمسه في الشعر، فإنه ديوان العرب).
ووعن ابن أبي الزناد، قال: قيل لسعيد بن المسيب: إن ناسا يكرهون الشعر، قال:(نسكوا نسكا أعجميا)(2).
ز- وروي عن عبد الملك بن مروان، أنه قال لمؤدب أولاده:(علمهم الشعر يمجدوا)(3).
(1) أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (ج2، رقم / 2702).
(2)
أخرجه الطبري في التهذيب رقم 2705 جـ2.
(3)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (2/ 876 مدني).
مساهمة الشعر في حركة الدعوة:
-
ومن هذا المنطلق، ووفق هذا التوجه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل الشعر رفيقا ملازما لحركة الدعوة، يرصد ما تمر به من أحداث عظام، لها بصماتها المشرقة على صفحة التاريخ وجبهة الزمن، مستلهما - في الوقت ذاته - الآفاق السامقة لمستقبل وضاء وفق نهج راشد وشرعة سديدة: -
أ- فيوم دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء، كان عبد الله بن رواحة يتقدم الصفوف، وهو ينشد مهددا كفار قريش متوعدا سادتها بأن يفسحوا الطريق رحبا، أمام جحافل المسلمين، قبل أن يحل بهم ما لا تحمد عقباه، والنبي صلى الله عليه وسلم مثلوج الصدر مما يقول: -
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه ويقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله
…
اليوم نضربكم على تنزيله (1)
ضربا يزيل الهام عن مقيله
…
ويذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر: يا ابن رواحة، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خل عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل».
ب - ويوم فتح مكة، دخلها النبي الكريم من كداء، وقد تصدت نساء قريش لخيول المسلمين تلطمها بخمرهن، لتردها عن مطاردة فلول الشرك المنهزمة، فكان مما أعجب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المشهد موافقته لما كان قد تنبأ به حسان بن ثابت رضي الله عنه في شعره حين هجا أبا سفيان بن الحارث: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال.
«لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، جعل النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظر إلى أبي بكر وقال: كيف قال حسان؟ فأنشده: -
عدمنا خيلنا وإن لم تروها
…
تثير النقع موعدها كداء (2)
ينازعن الأعنة مصعدات
…
يلطمهن بالخمر النساء
(1) رواه الترمذي (2851) في الأدب، ما جاء في إنشاد الشعر، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (5/ 202) في المناسك، إنشاد الشعر في الحرم، وابن حبان (2020، 2021 موارد)، والبزار في زوائده (2099) في الأدب، هجاء أهل الشرك، وذكره المتقي في الكنز (7993)، والحافظ في الإصابة (2/ 299) وقال: أخرجه أبو يعلى بسند حسن، وقال في الفتح (7/ 384): ورواه عبد الرزاق من وجهين صحيحين عن أنس، كما ذكره ابن هشام في السيرة (4/ 5)، وابن سعد في طبقاته (3/ 526).
(2)
رواه الطبري في التهذيب (2739)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 296) بلفظ:(عدمت بنيتي إن لم تروها. .)، وابن حبان في صحيحه (6/ 44) عن عائشة. والنقع: الغبار،، وإثارته: نشره، وكداء: الثنية التي بأعلى مكة عند المقبرة، وتسمى (المعلى)، وليست هي (كدى) التي بأسفل مكة قرب شعب الشافعيين وابن الزبير عند قعيقعان، ولا (كدي) بالتصغير، وهو: الذي يكون في طريق الخارج من مكة إلى اليمن (انظر: جامع الأصول / لابن الأثير 5/ 178). وفي قوله: (ينازعن الأعنة): إشارة إلى قوة نفوس الخيل وصلابتها، وأنها تنازع الحديد وتعلكه. ومصعدات: ذاهبات صعدا، مقبلات إليكم متوجهات، والخمر: جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، ويقول:(إن الخيل تبعتهم تطاردهم، فانبعثت النساء يضربن خدود الخيل بخمرهن لتردها)، وهذا ما كان يوم الفتح.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخلوها من حيث قال حسان. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من كداء».
قلت: وفي هذا من إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لحسان وشعره ما فيه، إذ أصر عليه الصلاة والسلام على دخول المسلمين مكة من الموضع الذي ذكره حسان، كما أن في تلطيم النساء لوجوه الخيل - حين دخولها - تصديق الواقع لنبوءته في ذلك رضي الله عنه، وهذا من قبيل الرصد التنبؤي لما سيكون فكان.
ج- وقد رصد لنا الشعر أيضا أن بيتين لكعب بن مالك رضي الله عنه كانا السبب في إسلام دوس، فعن محمد بن سيرين قال: «أنبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو يسير على ناقة، وشنقها بزمامها حتى وضعت رأسها عند قادمة الرحل، فقال:"أين كعب "؟ فقال كعب: هأناذا يا رسول الله. قال: "خذ" - وفي رواية: "أنشد" - فقال: -
قضينا من تهامة كل ريب
…
وخيبر ثم أجممنا السيوفا (1)
نخيرها ولو نطقت لقالت
…
قواطعهن دوسا أو ثقيفا
(1) رواه الطبري في تهذيب الآثار: (2736)، وعبد الرزاق في مصنفه (11/ 264)، وذكره المتقي في الكنز (8977)، والسيوطي في الدر المنثور (5/ 101) عن ابن سعد، وابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 335) وبهامش الإصابة (3/ 273)، وابن كثير في البداية والنهاية (4/ 345)، وابن حجر في الإصابة (3/ 286)، وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 188)، وابن هشام في السيرة (4/ 91)، والذهبي في سير الأعلام (2/ 525)، وشنقها بزمامها: شدها كما تكبح الدابة باللجام، وأجممنا السيوفا: أرحناها، (وفي رواية: أغمدناها).
قال: فأنشد الكلمة كلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لهي أشد عليهم من رشق النبل.
قال ابن سيرين: نبئت أن دوسا إنما أسلمت بكلمة كعب هذه».
د- وقد اتخذ الصحابيان الجليلان: عامر بن الأكوع وعلي بن أبي طالب من الشعر بلسما يشحذ في نفسيهما كل طاقات الشجاعة ويستثير فيهما روح المغامرة حين منازلتهما (مرحب) ملك يهود، عام خيبر:
عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: «لما قدمنا خيبر خرج ملكهم (مرحب) يخطر بسيفه ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب (1)
إذا الحروب أقبلت تلهب
وقال وبرز له عمي فقال: -
قد علمت خيبر أني عامر
…
شاكي السلاح بطل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له - يضربه من أسفله - فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله فكانت فيها نفسه.
قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت: يا رسول
(1) رواه مسلم (1806، 1807) في الجهاد والسير، غزوة ذي قرد وغيرها، والحاكم (3/ 437) وقال: والأخبار متواترة بأسانيد كثيرة أن قاتل مرحب هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وحيدرة: اسم للأسد، وذلك أن فاطمة بنت أسد أم علي لما ولدته سمته باسم أبيها، وكان أبو طالب غائبا، فلما قدم كره هذا الاسم وسماه عليا، والسندرة: مكيال ضخم، أي: أقتل الأعداء قتلا واسعا عريضا. وذكر الحديث ابن سعد في الطبقات (2/ 110).
الله، بطل عمل عامر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال ذلك؟ قال: قلت: ناس من أصحابك. قال: كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين، ثم أرسلني إلى علي وهو أرمد، فقال: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. قال: فأتيت عليا، فجئت أقوده وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبسق في عينيه فبرأ وأعطاه الراية، وخرج مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
…
كليث غابات كريه المنظرة
أوفيهموا بالصاع كيل السندرة
قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه»
هـ - وقد خلد خبيب بن عدي رضي الله عنه قصة استشهاده على يد مشركي مكة وجلاديها ببيتين من شعره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت، فانطلقوا، حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل، يقال لهم:(بنو لحيان)، فتبعوهم بقريب من مائة رام. . . فقاتلوهم، فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر،
فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم، حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها. . . وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر. . . فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه، قال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم، فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سن الركعتين عند القتل، وقال: اللهم أحصهم عددا، وقال: -
فلست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي شق كان في الله مصرعي (1)
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله)».
قلت: ويسمى ذلك اليوم الذي غدر فيه بهذه العصبة المؤمنة بـ (يوم الرجيع)، وكان ذلك سنة ثلاث للهجرة، والرجيع: ماء لهذيل بناحية الحجاز على صدور الهدأة (موضع بين عسفان ومكة).
أما مقتل خبيب فقد كان بالتنعيم؛ إذ خرجوا به بعد أن حشدوا لذلك نساءهم وأطفالهم، وصلبوه على خشبة، بعد أن أوثقوه، وقد خلد خبيب هذه الملحمة بشعره حتى غدا شعره فيها أذيع من الملحمة نفسها.
كما رصد حسان بن ثابت بشعره قطع النبي صلى الله عليه وسلم لنخل بني النضير وتحريقه له.
(1) رواه البخاري (4086) في المغازي، غزوة الرجيع، وأبو داود (2660، 2661) في الجهاد، في الرجل يستأسر، والطيالسي في مسنده (2597)، وذكر القصة بطولها ابن هشام في السيرة (3/ 93 وما بعدها)، والشلو: العضو من الإنسان، ممزع: مفرق، قال الحافظ في الفتح (7/ 444):(في الحديث أن للأسير أن يمتنع عن قبول الأمان، ولا يمكن من نفسه ولو قتل أنفة عن أن يجري عليه حكم كافر، وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة، فإذا أراد الأخذ بالرخصة فله أن يستأمن، وفيه إنشاء الشعر وإنشاده عند القتل).