الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق فإنهم قائلون:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (1) والقائلون: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} (2)
والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به وأنه الحق، لم يبق عليه وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهودي على اليهودية والنصراني على النصرانية والمبتدع على بدعته. فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية أو النصرانية أو البدعة، وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به، ولم ينظروا لأنفسهم ولا طلبوا الحق كما يجب ولا بحثوا عن دين الله كما ينبغي، وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص. . . (3).
ويمتاز تفسير الشوكاني بأنه يناقش آراء المعتزلة ويرد عليهم وقد عد الذهبي تفسير الشوكاني من تفاسير الزيدية، والواقع أنه ليس كذلك، فالمتتبع لتفسير الشوكاني لا يجد الشوكاني يتبنى فيه رأيا للزيدية، فعقيدته سلفية، وهو يرد آراء المعتزلة، فلو كان زيديا لوافقهم، لأن الزيدية يوافقون المعتزلة في أقوالهم في تأويل الصفات، ومسألة العدل، وغير ذلك من المسائل التي اختلف فيها أهل السنة والمعتزلة، وكذلك أيضا في آرائه الفقهية لا يتبنى آراء الزيدية، وإنما يذكرها كما يذكر آراء غيرهم، ويعني بذكر آرائهم لمعرفته بها، لأنه تفقه في الأصل على مذهب زيد، ثم ترقى في العلم حتى بلغ مرتبة الاجتهاد.
ومما جعله يعني بآراء الزيدية أنه يمنى ويعاهد طائفة الزيدية في بلاده، فكان عليه أن يذكر آراءهم ويناقشهم.
(1) سورة الزخرف الآية 23
(2)
سورة الأعراف الآية 28
(3)
تفسير الشوكاني (2/ 295).
5 -
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني
للألوسي
* التعريف بمؤلف هذا التفسير:
هو أبو الثناء شهاب الدين السيد محمود أفندي الألوسي، ولد سنة 1217هـ.
في جانب الكرخ من بغداد، كان رحمه الله شيخ العلماء في العراق، جمع كثيرا من العلوم حتى أصبح علامة في المنقول والمعقول، فبرز في التفسير والحديث والأصول والفروع، أخذ العلم عن فحول العلماء، منهم والده، والشيخ خالد النقشبندي، والشيخ علي السويدي. وقد اشتغل بالتدريس والتأليف وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وتخرج عليه جماعة من العلماء، وكان ذا حافظة عجيبة، وكثيرا ما كان يقول: ما استودعت ذهني شيئا فخانني، ولا دعوت فكري لمعضلة إلا وأجابني، وقد قلد إفتاء الحنفية، وولى الأوقاف بالمدرسة المرجانية وكانت مشروطة لأعلم أهل البلد، وكان رحمه الله عالما باختلاف المذاهب مطلعا على الملل والنحل، سلفي الاعتقاد، شافعي المذهب، إلا أنه في كثير من المسائل يقلد الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه وكان في آخر أمره يميل للاجتهاد، توفي في 25 ذي القعدة سنة 1270هـ. ودفن بالكرخ، وقد خلف مؤلفات نافعة منها:
1 -
شرح السلم في المنطق.
2 -
الأجوبة العراقية على الأسئلة اللاهورية.
3 -
درة الغواص في أوهام الخواص.
4 -
تفسيره: روح المعاني.
* * *
* التعريف بتفسيره وطريقته فيه:
ذكر في مقدمة تفسيره أنه شرع في تأليفه في شعبان سنة 1252هـ. وانتهى من تأليفه سنة 1267هـ. وذكر أنه كان في نهاره يشتغل بالتدريس والإفتاء وفي أول ليلة يجتمع بالعلماء ويتناقش معهم في المسائل العلمية، وفي آخر ليلة يكتب في التفسير، ثم بعد ذلك يدفع ما كتبه إلى كتاب استأجرهم لهذه المهمة، فيبيضون ما كتبه في ليلته في عشر ساعات، فهذا يدل على كثرة كتابته وسرعة بديهته، والمطلع على تفسيره يجد نفسه أمام موسوعة تفسيرية كبيرة، حوت أقوالا في التفسير كثيرة للسلف والخلف كما أنه رجع إلى تفاسير كثيرة في كتابة تفسيره منها تفسير أبي
السعود وإذا نقل عنه قال: قال شيخ الإسلام، وتفسير البيضاوي وإذا نقل عنه قال: قال القاضي، وتفسير الفخر الرازي وإذا نقل عنه قال: قال الإمام، كما نقل عن تفسير ابن عطية وأبي حيان والزمخشري وابن كثير وغير ذلك من التفاسير، فقد نقل في تفسيره خلاصة هذه التفاسير، ولا يقتصر على النقل فقط، فنجده ينصب نفسه حكما بين هذه التفاسير ويناقشها ويرجح ما يراه صحيحا ويضعف ما يراه ضعيفا، فكان يناقش المعتزلة في آرائهم ويرد عليها كما في تفسير قوله تعالى:{وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (1) وقوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (2) ويناقش الشيعة ويرد عليهم في طعنهم على الصحابة كما في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (3) كما نجده يستطرد في ذكر المسائل النحوية متأثرا بأبي حيان في تفسيره في ذلك. ويعني بذكر القراءات المتواترة وغيرها وذكر المناسبات بين الآيات وبين السور، وذكر أسباب النزول، ويستطرد في ذكر مسائل الفقه عند تفسير آيات الأحكام، فيذكر أقوال الفقهاء وأدلتهم مع الترجيح وغالبا ما يرجح مذهب أبي حنيفة ولا يتعصب له، فنجده أحيانا يرجح مذهب الشافعي إذا اقتنع بأدلته، كما أنه يناقش الإسرائيليات ويفندها، ومن ذلك تفنيده لقصة عوج ابن عنق، وقصة سفينة نوح (4).
ويلاحظ على الألوسي اهتمامه بالتفسير الإشاري على طريقة الصوفية فإذا انتهى من التفسير الظاهر تكلم عن التفسير الباطن فينقل فيه كلام الصوفية في التفسير كالجنيد وابن عطاء وأبي العباس المرسي، فينقل عنهم نقولا في تفسير باطن الآية وهي بعيدة عن التفسير، ومن أمثلة ذلك تسيره لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (5)[آل عمران: 33].
قال الألوسي: وما يتعلق بالباطن من أصول الدين فهو ولده كأولاد المشايخ والولد سر أبيه ويمكن أن يقال: آدم هو الروح في أول مقامات ظهورها، ونوح هو هي مقامها الثاني من مقامات التنزل وإبراهيم هو القلب الذي ألقاه نمرود النفس في نيران
(1) سورة التوبة الآية 93
(2)
سورة البقرة الآية 15
(3)
سورة الجمعة الآية 11
(4)
تفسير الشوكاني (1/ 360).
(5)
سورة آل عمران الآية 33
الفتن ورماه فيما بمنجنيق الشهوات والقوى الروحانية، ومران هو العقل الإمام في بيت مقدس البدن والتابعون له في ذلك البيت المقتدون به كل ذلك ذرية بعضها من بعض لوحدة المورد واتفاق المشرب:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} (1) عن رق النفس مخلصا في عبادتك عن الميل إلى السوى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} (2) قال الواسطي: محفوظ عن إدراك الخلق: {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} (3) حيث سقاها من مياه القدرة، وأثمرها شجرة النبوة وكفلها زكريا لطهارة سره وشيبه الشيء منجذب إليه كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا هو ما علمت، ويجوز أن يراد الرزق الروحاني من المعارف والحقائق والعلوم والحكم الفائضة عليها من عند الله تعالى إذ الاختصاص بالعندية يدل على كونه أشرف من الأرزاق البدنية (4)، فهذا التفسير بعيد جدا عن ظاهر الآيات ولا علاقة له البتة بالآية، لأن الآية ورد فيها اصطفاء الله لآدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، فهؤلاء أشخاص فكيف يرمز لهم بالمعاني كالروح أو العقل أو القلب، فهذه الرموز لا علاقة لها بالآية ولا دليل عليها من السنة أو كلام السلف أو لغة العرب، فهذه التفسيرات وأمثالها باطلة لا يصح تفسير كتاب الله بها، فالسير على هذا المنهج في التفسير تحريف لآيات الله، وإبطال لمعانيها فكان الأولى بالألوسي أن ينزه تفسيره عن مثل هذا، كما لا يفوتني أن أبين أن الألوسي ينقل عن الصوفية تفسيرات قد تكون قريبة من معنى الآية أو لها وجه صحيح، وهذا كثير في مواضع متعددة من تفسيره ولا يحتاج إلى تمثيل.
(1) سورة آل عمران الآية 35
(2)
سورة آل عمران الآية 37
(3)
سورة آل عمران الآية 37
(4)
الألوسي (3/ 143)