الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذكاة الشرعية وأحكامها
وحكم اللحوم المستوردة
بقلم الدكتور
صالح بن فوزان
الدراسات العليا بكلية الشريعة (الرياض)
والدكتوراه في أحكام الأطعمة
التدريس بالمعهد العلمي فكلية الشريعة فكلية أصول الدين ثم مديرا للمعهد العالي للقضاء المؤلفات:
1 -
التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية.
2 -
أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية.
3 -
نقد كتاب الحلال والحرام في الإسلام.
4 -
شرح العقيدة الواسطية.
5 -
شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
6 -
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية.
7 -
التعقيب على ما ذكره الخطيب في حق الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
الحمد لله رب العالمين أرسل إلى عباده رسولا يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. فبلغ رسالة ربه وترك أمته على المحجة البيضاء. صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بسنته وقاموا بنشر دينه حتى بلغ المشارق والمغارب. أما بعد.
فإنه لا يخفى ما لإطابة المطعم بتحري ما أحل الله وترك ما حرم الله من أثر بالغ على قلب الإنسان وسلوكه، ولهذا أمر الله جميع الناس بالأكل من الحلال الطيب حيث يقول:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا} (1) فقوله: حلالا، أي محللا لكم تناولها ليس بنصب ولا سرقة ولا متحصل من معاملة محرمة كالربا والغش، وقوله: طيبا، أي ليس بخبيث كالميتة والدم ولحم الخنزير والخبائث كلها (2).
وأمر المؤمنين خاصة أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم حيث يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (3) فأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين حيث يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} (4) فالأكل من الطيبات له آثار حميدة على النفوس والأبدان، لأن الطيبات تؤثر الخير والنفع للأبدان والعقول والأخلاق، والخبائث تؤثر شرا وضررا في الأبدان والعقول والأخلاق، وكل ما ينفع فهو طيب وكل ما يضر فهو خبيث.
(1) سورة البقرة الآية 168
(2)
تفسير السعدي (1 - 96).
(3)
سورة البقرة الآية 172
(4)
سورة المؤمنون الآية 51
أغذية الإنسانية تنقسم إلى قسمين:
* القسم الأول: كل طعام طاهر غير حيوان كالنبات والثمار الجامدات والمائعات فهذا القسم قد اتفقوا على أنه مباح ما لم يكن متنجسا أو ضارا (1).
* القسم الثاني: حيوانات وهي على نوعين: برية وبحرية:
فالحيوانات البرية: هي ما لا يعيش إلا في البر، والأصل فيها الحل إلا ما نص الشارع على تحريمه.
وما يحل أكله منها نوعان:
* النوع الأول: حيوان أهلي كبهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم وكالدجاج.
* النوع الثاني: حيوان وحشي كالظباء والنعام والأرانب والطيور المباحة.
والحيوانات البحرية: هي ما لا يعيش إلا في الماء كالسمك والحيتان.
وكل هذه الحيوانات برية كانت أو بحرية يباح أكلها، إلا ما دل دليل من الشرع على تحريمه.
لكن الفرق بين النوعين أن الحيوانات البرية لا تحل بدون ذكاة، وأما الحيوانات البحرية فتحل بدون ذكاة؛ لأن الشارع قد فرق بينهما بذلك، قال تعالى في حيوانات البر:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} (2)، وقال في حيوانات البحر:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} (3)، والمراد بطعامه ميتته عند جمهور العلماء (4)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في البحر:«هو الطهور ماؤه، الحل ميتته (5)» ، فهذه النصوص تدل على التفريق بين حيوانات البر والبحر من حيث الذكاة وعدمها.
(1) الإفصاح لابن هبيرة (2/ 452).
(2)
سورة المائدة الآية 3
(3)
سورة المائدة الآية 96
(4)
تفسير الشنقيطي (1/ 90).
(5)
رواه مالك والشافعي والأربعة وصححه ابن خزيمة.
والذكاة في اللغة: تمام الشيء ومنه الذكاء في الفهم، يقال فلان ذكى، إذا كان تام العقل سريع القبول (1).
وهي شرعا: ذبح أو نحر الحيوان المأكول بقطع حلقومه ومريئه أو عقر الممتنع (2)، وقد أجمع العلماء على أنه لا يحل الحيوان المأكول غير السمك والجراد إلا بذكاة أو ما في معنى الذكاة، والحكمة فيها تطييب الحيوان المذكى بإسالة دمه الضار وذكر اسم الله عليه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:«ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا (3)» وأنهر الدم معناه أساله وصبه فدل الحديث على أن القصد من الذكاة استخراج الدم الخبيث من الذبيحة والتنبيه على أن تحريم الميتة لبقاء دمها فيها. فإن الميتة إنما حرمت لاحتقان الرطوبات والفضلات والدم الخبيث فيها، فالذكاة لما كانت تزيل ذلك الدم والفضلات كانت سبب الحل، فليس السبب في تحريم الميتة مجرد موتها، لأن الموت يحصل بالذكاة أيضا. ولذلك يحل السمك والجراد بالموت بدون ذكاة لأنه ليس فيها فضلات ودم، وحرمت الميتة أيضا لأنها فقدت ذكر اسم الله عليها، لأن ذكر الله على الذبيحة يطيبها ويطرد الشيطان عنها. فالذكاة تطيب الحيوان حسيا بإخراج الدم والفضلات منه، ومعنويا يطرد الشيطان عنه بذكر الله عليه.
* * *
(1) مختار الصحاح (1/ 224).
(2)
الروض المربع بحاشيته (3/ 354).
(3)
صحيح البخاري الشركة (2507)، صحيح مسلم الأضاحي (1968)، سنن الترمذي الأحكام والفوائد (1491)، سنن النسائي الضحايا (4410)، سنن أبو داود الضحايا (2821)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 463).
وللذكاة الشرعية محل معين ولها شروط:
فأما محلها فيختلف باختلاف حالات الحيوان، فتارة يكون مقدورا عليه، وتارة يكون غير مقدور عليه، فإن كان مقدورا عليه فقد اتفقوا على أن الذكاة هو الحلق واللبة ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالإجماع كما حكاه صاحب المغنى (1)، وإنما اختصت الذكاة بهذا المحل لأنه مجمع العروق، فإذا وقعت الذكاة فيه انسكبت الدماء وأسرع زهوق النفس، فيكون ذلك أطيب للحم وأخف على الحيوان
(1) ص: 44 جزء 11 مع الشرح الكبير.
المذكى، والذكاة في الحلق تسمى ذبحا، وتكون فيما عدا الإبل، وفي النحر تسمى نحرا وتكون للإبل خاصة.
وإن كان الحيوان غير مقدور عليه لكنه متوحشا أصلا، أو توحش بعد استئناس أو تردي في بئر ونحوه فهذا تكون تذكيته بجرحه من أي موضع من بدنه بشيء حاد من سهم ونحوه لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال:«كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فند بعير من إبل القوم ولم يكن معهم خيل فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها هذا فافعلوا به هكذا (1)» ، ولحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال:«سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض قال: إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ (2)» والمعراض بكسر الميم وسكون العين عصا رأسها محدد، وقال تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} (3).
فدلت هذه النصوص على أن ما لا يقدر عليه من الصيد وما في حكمه تكون تذكيته بإصابته في أي موضع من بدنه إذا مات من جراء تلك الإصابة قبل الوصول إليه بشروط واعتبارات مذكورة في باب الصيد من كتب الفقه. أما المقدور عليه ابتداء أو الصيد الذي تمكنا من إمساكه وفيه حياة مستقرة فإنه لا يحل إلا بتذكيته في المحل المعين وبشروط معتبرة، بعضها يعتبر في الذابح وبعضها يعتبر في آلة الذبح وبعضها يعتبر في صفة الذبح.
(1) رواه الجماعة.
(2)
متفق عليه
(3)
سورة المائدة الآية 4
فقد نص فقهاؤنا على أنه يشترط للذكاة أربعة شروط:
* أولها: أهلية المذكى، وإنما يكون أهلا للذكاة من توفر فيه شرطان: -
الشرط الأول: أن يكون عاقلا، لأن الذكاة يعتبر لها القصد كالعبادة، ومن لا عقل له كالمجنون وغيره لا يصح منه القصد؛ فيكون ذبحه بمثابة ما لو وقعت الحديدة بنفسها على حلق شاة فذبحتها.
- الشرط الثاني: أن يكون الذابح ذا دين سماوي، مسلما كان أو كتابيا، قال تعالى:{إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} (1) أي ما ذكاه المسلمون؛ لأن الخطاب لهم، وقال تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (2) وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والمراد بطعامهم ذبائحهم قطعا؛ لأن غير الذبائح يحل منهم ومن غيرهم، وقد أجمع (3) العلماء على حل ذبائح أهل الكتاب، أما من عداهم من الكفار فلا تحل ذبائحهم على اختلاف نحلهم من وثنيين ومجوس ومرتدين، لمفهوم قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (4) فمفهوم الآية تحريم ذبائح الكفار غير الكتابيين؛ لأنهم لا كتاب لهم، وهذا مجمع عليه، والحكمة في ذلك والله أعلم أن ذبح هؤلاء يكسب الذبيحة خبثا، قال الإمام ابن القيم رحمه الله:(إن ذبح هؤلاء يكسب المذبوح خبثا أوجب تحريمه، لأن ذكر اسم الأوثان والكواكب والجن على الذبيحة يكسبها خبثا، وذكر اسم الله وحده يكسبها طيبا (5) فإن قيل: لماذا أبيحت ذبيحة الكتابي مع أنه كافر؟ فالجواب: أن هناك فرقا بين أهل الكتاب؛ لأن أهل الكتاب يؤمنون بالبعث والجزاء والنبوات في الجملة، أما عبدة الأوثان فهم يكفرون بالبعث والجزاء، ويكفرون بالرسل جميعا ويعادونهم، وأهل الكتاب في دينهم تحريم الميتة، والوثنيون يستحلون الميتة.
* الشرط الثاني: من شروط صحة الذكاة: يتعلق بآلة الذبح، فلا بد أن يتوفر فيه شرطان:
- الشرط الأول: أن تكون محددة تجرح بحدها لا بثقلها، كالسكين والسيف والحجر المحدد وغير ذلك.
- الشرط الثاني: ألا تكون سنا ولا ظفرا، فإذا توفر فيها هذان الشرطان حل الذبح بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة (6)» .
(1) سورة المائدة الآية 3
(2)
سورة المائدة الآية 5
(3)
انظر تفسير ابن كثير (2/ 19).
(4)
سورة المائدة الآية 5
(5)
أعلام الموقعين (2/ 154).
(6)
رواه الجماعة.
وما جرح بثقله لا تحصل به الذكاة لأن ذلك وقذ وقد حرم الله الموقوذة، وفي حديث عدي: قال «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض قال: إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ (1)» والوقيذ ما قتل بمثقل.
* الشرط الثالث: قطع المريء والحلقوم فإن في الحلق أربعة أشياء المريء والحلقوم والودجان، والمريء هو مجرى الطعام والشراب، والحلقوم مجرى النفس، وبعض العلماء يشترط مع قطعهما قطع أحد الودجين، وهما عرقان في جانبي العنق يجري فيهما الدم، وفريق ثالث يرى أنه لا بد من قطع الأربعة المريء والحلقوم والدجين، ولعل الراجح في ذلك أنه يكتفى بقطع ثلاثة من هذه الأربعة من غير تعيين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال:(والأقوى أن قطع ثلاثة من الأربعة يبيح سواء كان فيها الحلقوم أو لم يكن، فإن قطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم وأبلغ في إنهار الدم)(2).
* الشرط الرابع: أن يذكر اسم الله تعالى على الذبيحة، قال الله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} (3){وَمَا لَكُمْ أَلَاّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} (4){وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} (5){وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (6) ففي هذه الآيات الكريمة أمر الله سبحانه المؤمنين أن يأكلوا من الذبائح ما ذكر عليه اسمه، ونهى عن الأكل من الذبائح التي لم يذكر عليها اسمه وسماه فسقا، وكذلك السنة المطهرة جاءت بالأمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا (7)» ففيه دليل على اشتراط التسمية لحل الذبيحة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم علق الإذن بالأكل منها على مجموع الأمرين وهما
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2)
الاختيارات الفقهية ص: 323.
(3)
سورة الأنعام الآية 118
(4)
سورة الأنعام الآية 119
(5)
سورة الأنعام الآية 120
(6)
سورة الأنعام الآية 121
(7)
صحيح البخاري الشركة (2507)، صحيح مسلم الأضاحي (1968)، سنن الترمذي الأحكام والفوائد (1491)، سنن النسائي الضحايا (4410)، سنن أبو داود الضحايا (2821)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 463).