الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22-
تنبيه حول القيام للمدرس
(1)
أما القيام عند دخول الأستاذ فظاهر الأحاديث الصحيحة يدل على كراهته أو تحريمه، كحديث أنس رضي الله عنه قال:«لم يكن أحد أحب إليهم - يعني الصحابة - من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يقومون إذا رأوه؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك (2) » رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب.
ولا ينبغي للأستاذ أن يرضى من الطلبة بذلك؛ لحديث معاوية رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال: «من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده في النار (3) » أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد جيد، وقد حسنه الترمذي، وأخرج أبو داود بإسناد فيه ضعف عن أبي أمامة رضي الله عنه قال:«خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا إليه، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا (4) »
(1) نشر في هذا المجموع في جـ2 ص 91.
(2)
سنن الترمذي الأدب (2754) .
(3)
سنن الترمذي الأدب (2755) ، سنن أبو داود الأدب (5229) ، مسند أحمد بن حنبل (4/100) .
(4)
أخرجه أبو داود برقم (4553) كتاب الأدب، باب في قيام الرجل للرجل، وأحمد برقم (21158) باقي مسند المكثرين، باب حديث أبي أمامة الباهلي.
وأخرجه أيضا أحمد وابن ماجه، وذكر هذه الأحاديث الحافظ محمد بن مفلح في (الآداب الشرعية) صفحة 464 و 465 المجلد الأول، وقد استثنى بعض أهل العلم من هذه الأحاديث القيام للقادم من السفر للسلام عليه ومصافحته أو معانقته، وكذا من طالت غيبته، واستثنى بعضهم قيام الولد لأبيه لإكرامه والأخذ بيده، وقيام الوالد لولده إذا كان أهلا لذلك، والمراد القيام للسلام والمصافحة، وهذا الاستثناء صحيح، وقد دلت عليه السنة الصحيحة، منها ما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للصحابة لما قدم سعد بن معاذ للحكم في قريظة:«قوموا إلى سيدكم (1) » والمراد: القيام للسلام عليه وإنزاله عن دابته، وفي الصحيحين أيضا عن كعب بن مالك «أنه لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد والناس حوله لما أنزل الله توبته قام إليه طلحة بن عبيد الله يهرول فصافحه وهنأه بتوبة الله عليه، ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (2) » وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كانت فاطمة رضي الله عنها إذا دخل
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (3043) ، صحيح مسلم الجهاد والسير (1768) ، سنن أبو داود الأدب (5215) ، مسند أحمد بن حنبل (3/22) .
(2)
أخرجه البخاري برقم (4066) كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، ومسلم برقم (4973) كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه.
عليها النبي صلى الله عليه وسلم قامت إليه فأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها، وإذا دخلت عليه قام إليها النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه (1) » فهذه الأحاديث صريحة في جواز مثل هذا وأنه لا يدخل في القيام المكروه، وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من القيام للأستاذ ونحوه كلما دخل عليهم لتعظيمه لا للمصافحة ونحوها، وإنما يقفون ثم يجلسون تعظيما له واحتراما، فلا شك في كراهة ذلك وإنكاره، وأنه لا يجوز للأستاذ ونحوه أن يرضى بذلك؛ لما تقدم في حديث معاوية وغيره، وأحق الناس بامتثال السنة والتأدب بآدابها هم العلماء والمعلمون وطلاب العلم ورؤساء الناس وأعيانهم؛ لأن الناس يقتدون بهم، فإذا عظموا السنة عظمها الناس، وإذا تهاونوا بها تهاون بها الناس، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو خير الناس وأفضلهم وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام وكان لا يرضى أن يقام له، بل كره ذلك ونهى الصحابة عنه خوفا عليهم من الغلو ومشابهة الأعاجم في القيام لرؤسائهم وعظمائهم، والله سبحانه يقول {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2)
(1) أخرجه أبو داود برقم (4540) كتاب الأدب، باب ما جاء في القيام، والترمذي برقم (3807) كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم.
(2)
سورة الأحزاب الآية 21