الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا النور العظيم له سبحانه، وليس مخلوقا بل هو صفة من صفاته، كسمعه وبصره ويده وقدمه وغير ذلك من صفاته العظيمة سبحانه وتعالى. وهذا هو الحق الذي درج عليه أهل السنة والجماعة.
84 -
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}
(1) الآية
س: ما معنى قول الحق تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (2){يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (3) هل المقصود في الآية أن يفعل الإنسان الكبائر الثلاث ثم يخلد في النار؟ أم المقصود إذا ارتكب إحدى هذه الكبائر يخلد في النار؟ فمثلا: ارتكب جريمة القتل هل يخلد في النار أم لا؟ نرجو أن تتفضلوا بالتفسير المفصل لهذه الآية الكريمة؟
(1) سورة الفرقان الآية 68
(2)
سورة الفرقان الآية 68
(3)
سورة الفرقان الآية 69
ج: هذه الآية العظيمة فيها التحذير من الشرك والقتل والزنا، والوعيد لأصحاب هذه الجرائم بما ذكره الله سبحانه وتعالى في قوله:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (1) قال بعض المفسرين: إنه جب في جهنم، وقال آخرون معنى ذلك: إنه إثم كبير عظيم، فسره سبحانه بقوله:{يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (2) فهذا جزاء من اقترف هذه الجرائم الثلاث أنه يضاعف له العذاب ويخلد فيه مهانا لا مكرما، وهذه الجرائم الثلاث مختلفة في المراتب، فجريمة الشرك: هي أعظم الجرائم وأعظم الذنوب وصاحبها مخلد في النار أبد الآباد، لا يخرج من النار أبدا بإجماع أهل العلم، كما قال الله تعالى في كتابه العظيم:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} (3) وقال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4) وقال سبحانه:
(1) سورة الفرقان الآية 68
(2)
سورة الفرقان الآية 69
(3)
سورة التوبة الآية 17
(4)
سورة الأنعام الآية 88
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) وقال في حقهم: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (2) والآيات في هذا كثيرة، فالمشرك إذا مات على شركه ولم يتب فإنه مخلد في النار، والجنة عليه حرام والمغفرة عليه حرام بإجماع المسلمين، قال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} (3) وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (4) فجعل المغفرة حراما على المشرك إذا مات على الشرك، أما ما دون الشرك فهو تحت مشيئة الله.
والخلاصة: أن المشرك إذا مات على شركه فهو مخلد في النار أبد الآباد بإجماع أهل العلم، وذلك مثل الذي يعبد الأصنام أو الأحجار أو الأشجار أو الكواكب أو الشمس أو القمر أو الأنبياء، أو يعبد الأموات ومن يسمونهم بالأولياء، أو يستغيث بهم ويطلب منهم المدد، أو العون عند قبورهم، أو بعيدا منها، مثل قول بعضهم: يا سيدي
(1) سورة الزمر الآية 65
(2)
سورة المائدة الآية 37
(3)
سورة المائدة الآية 72
(4)
سورة النساء الآية 48
فلان المدد المدد، يا سيدي البدوي المدد المدد، أو يا سيدي عبد القادر أو يا سيدي رسول الله المدد المدد، الغوث الغوث، أو يا سيدي الحسين أو يا فاطمة أو يا ست زينب أو غير ذلك ممن يدعوه المشركون، وهذا كله من الشرك الأكبر والعياذ بالله، فإذا مات عليه صاحبه صار من أهل النار - والعياذ بالله - والخلود فيها.
أما الجريمة الثانية وهي: القتل، والثالثة وهي الزنا: فهاتان الجريمتان دون الشرك، وهما أكبر المعاصي وأخطرها إذا كان من يتعاطاهما لم يستحلهما، بل يعلم أنهما محرمتان، ولكن حمله الغضب أو الهوى أو غير ذلك على الإقدام على القتل وحمله الهوى والشيطان على الزنا، وهو يعلم أن القتل بغير حق محرم، وأن الزنا محرم، فأصحاب هاتين الجريمتين متوعدون بالعقوبة المذكورة، إلا أن يعفو الله عنهم، أو من عليهم بالتوبة النصوح قبل الموت، ولعظم هاتين الجريمتين وكثرة ما يحصل بهما من الفساد قرنهما الله بجريمة الشرك في هذه الآية، وتوعد أهل هذه الجرائم الثلاث بمضاعفة العذاب والخلود فيه تنفيرا منها وتحذيرا للعباد من عواقبها الوخيمة، ودلت النصوص الأخرى من الكتاب والسنة على أن القتل والزنا دون الشرك في حق من لم يستحلهما وأنهما داخلان
في قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) أما من استحلهما فهو كافر حكمه حكم الكفرة في الخلود في العذاب يوم القيامة. نسأل الله العافية والسلامة.
أما من تاب من أهل هذه الجرائم الثلاث وغيرها توبة نصوحا فإن الله يغفر له، ويبدل سيئاته حسنات إذا أتبع التوبة بالإيمان والعمل الصالح، كما قال سبحانه بعدما ذكر هذه الجرائم الثلاث وعقوبة أصحابها:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (2) فالله سبحانه يغفر لأهل المعاصي التي دون الشرك إذا شاء ذلك، أو يعذبهم في النار على قدر معاصيهم ثم يخرجهم منها بشفاعة الشفعاء، كشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة الملائكة والأفراط والمؤمنين، ويبقى في النار أقوام من أهل التوحيد لا تنالهم الشفاعة من أحد فيخرجهم الله سبحانه وتعالى برحمته؛ لأنهم ماتوا على التوحيد والإيمان، ولكن لهم أعمال خبيثة ومعاص دخلوا بها النار، فإذا طهروا منها ومضت المدة التي كتب الله عليهم أخرجوا من النار برحمة من الله عز وجل، ويلقون في نهر يقال له (نهر الحياة) من أنهار الجنة ينبتون فيه كما تنبت
(1) سورة النساء الآية 48
(2)
سورة الفرقان الآية 70
الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة، وبهذا يعلم أن العاصي كالقاتل والزاني لا يخلد في النار خلود الكفار، بل له خلود خاص على حسب جريمته لا كخلود الكفار، فخلود الشرك خلود دائم ليس له منه محيص وليس له نهاية، كما قال تعالى في سورة البقرة في حق المشركين:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (1) وقال تعالى في سورة المائدة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2){يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (3) أما من دخل النار من العصاة فإنهم يخرجون منها إذا تمت المدة التي كتب الله عليهم، وإما بشفاعة الشفعاء، وإما برحمة الله سبحانه وتعالى من دونها شفاعة أحد، كما جاء ذلك في أحاديث الشفاعة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فيها أنه يبقى في النار أقوام لم يخرجوا بشفاعة الشفعاء، فيخرجهم سبحانه منها بدون شفاعة أحد، لكونهم ماتوا على التوحيد، وخلود من يخلد من العصاة في النار خلود مؤقت له نهاية، والعرب تسمى الإقامة
(1) سورة البقرة الآية 167
(2)
سورة المائدة الآية 36
(3)
سورة المائدة الآية 37
الطويلة خلودا، كما قال بعض الشعراء يصف قوما:
أقاموا فأخلدوا
. أي طولوا الإقامة، فلا يخلد في النار الخلود الدائم إلا أهلها وهم الكفرة فتطبق عليهم ولا يخرجون منها كما قال سبحانه:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} (1){عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} (2) وقال سبحانه: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} (3){فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} (4) نسأل الله العافية والسلامة.
(1) سورة البلد الآية 19
(2)
سورة البلد الآية 20
(3)
سورة الهمزة الآية 8
(4)
سورة الهمزة الآية 9
85 -
تفسير قوله تعالى: {الم} (1){غُلِبَتِ الرُّومُ} (2)
س: ما تفسير هذه الآيات الكريمات منها قوله تعالى: {الم} (3){غُلِبَتِ الرُّومُ} (4){فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (5) ؟ أرجو من فضيلة الشيخ تفسير هذه الآيات الكريمة، ومن هم الروم المذكورون فيها؟
ج: الروم: هم النصارى المعروفون، وكانت الحرب بينهم وبين الفرس سجالا، تارة يدال هؤلاء على هؤلاء، وتارة هؤلاء على هؤلاء، أخبر الله سبحانه وتعالى أنهم غلبوا، غلبتهم الفرس:
(1) سورة الروم الآية 1
(2)
سورة الروم الآية 2
(3)
سورة الروم الآية 1
(4)
سورة الروم الآية 2
(5)
سورة الروم الآية 3
{فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (1){فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} (2) فوقع ذلك فغلبت الروم الفرس، وكان ذلك في أول مبعث النبي صلى الله عليه وسلم حين كان الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة، وكان ذلك من الآيات والدلائل على صدقه صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقا، لوقوع الأمر، كما أخبر الله به في كتابه العظيم.
فالله جل وعلا هو العالم بالمغيبات، ويخبر نبيه بما يشاء منها سبحانه وتعالى، كما أخبره عن الكثير مما يكون في آخر الزمان، كما أخبره فيما مضى من الزمان؛ من أخبار عاد، وثمود، وقوم نوح، وفرعون وغيرهم، وكما أخبره أيضا عليه الصلاة والسلام عما يكون يوم القيامة، ومن حال أهل الجنة وأهل النار إلى غير ذلك، فهذا من جملة الأخبار الغيبية التي أخبر بها القرآن ووقعت كما أخبر، وكان ذلك من علامة صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقد فرح المسلمون بذلك؛ لأن الروم أقرب إلى المسلمين من الفرس؛ لأنهم أهل كتاب،
(1) سورة الروم الآية 3
(2)
سورة الروم الآية 4