الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله؛ فاحذروهم (1) » . متفق على صحته. والله ولي التوفيق.
(1) أخرجه البخاري في كتاب (تفسير القرآن) باب منه آيات محكمات برقم (4183) ومسلم في كتاب (العلم) باب (النهي عن اتباع متشابه القرآن) برقم (4817) .
92 -
تفسير قوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ}
(1)
س: ما هو المراد بكلمة {اللَّمَمَ} (2) في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} (3) الآية؟ .
ج: إن علماء التفسير - يرحمهم الله - اختلفوا في تفسير ذلك، وذكروا أقوالا في معناه، أحسنها قولان:
(1) سورة النجم الآية 32
(2)
سورة النجم الآية 32
(3)
سورة النجم الآية 32
أحدهما: أن المراد به: ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب، كالنظرة والاستماع لبعض ما لا يجوز من محقرات الذنوب وصغائرها ونحو ذلك، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من السلف، واحتجوا على ذلك بقوله سبحانه في سورة النساء:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (1) قالوا: المراد بالسيئات المذكورة في هذه الآية: هي صغائر الذنوب، وهي: اللمم؛ لأن كل إنسان يصعب عليه التحرز من ذلك، فمن رحمة الله سبحانه أن وعد المؤمنين بغفران ذلك لهم إذا اجتنبوا الكبائر، ولم يصروا على الصغائر.
وأحسن ما قيل في ثبوت الكبائر أنها المعاصي التي فيها حد في الدنيا؛ كالسرقة، والزنا، والقذف، وشرب المسكر، أو فيها وعيد في الآخرة بغضب من الله أو لعنة أو نار؛ كالربا، والغيبة، والنميمة، وعقوق الوالدين.
ومما يدل على غفران الصغائر باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، فهو مدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، وزنا الأذن الاستماع،
(1) سورة النساء الآية 31
وزنا اليد البطش، وزنا الرجل الخطى، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه (1) » .
ومن الأدلة على وجوب الحذر من الصغائر والكبائر جميعا وعدم الإصرار عليها: قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (2){أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (3)
القول الثاني: أن المراد باللمم: هو ما يلم به الإنسان من المعاصي ثم يتوب إلى الله من ذلك، كما قال في الآية السابقة وهي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} (4) الآية، وقوله سبحانه:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (5) وما جاء في معنى ذلك من الآيات الكريمات،
(1) أخرجه البخاري في كتاب (الاستئذان) باب زنا الجوارح دون الفرج برقم (5774) ، ومسلم في كتاب (القدر) باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا برقم (4801) .
(2)
سورة آل عمران الآية 135
(3)
سورة آل عمران الآية 136
(4)
سورة آل عمران الآية 135
(5)
سورة النور الآية 31
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون (1) » . ولأن كل إنسان معرض للخطأ.
والتوبة النصوح يمحو الله بها الذنوب، وهي المشتملة على الندم على ما وقع من المعصية، والإقلاع عنها، والعزيمة الصادقة على ألا يعود إليها، خوفا من الله سبحانه، وتعظيما له، ورجاء مغفرته.
ومن تمام التوبة إذا كانت المعصية تتعلق بحق الآدميين، كالسرقة، والغصب، والقذف، والضرب، والسب، والغيبة ونحو ذلك: أن يعطيهم حقوقهم، أو يستحلهم منها إلا إذا كانت المعصية غيبة، وهي: الكلام في العرض - ولم يتيسر استحلال صاحبها، من وقوع شر أكثر، فإنه يكفي في ذلك أن يدعو له بظهر الغيب، وأن يذكره بما يعلم من صفاته الطيبة، وأعماله الحسنة في الأماكن التي اغتابه فيها، ولا حاجة إلى إخباره بغيبته إذا كان يخشى الوقوع في شر أكثر.
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه، وأن يحفظنا وإياكم من كل سوء، وأن يمن علينا جميعا بالاستقامة على دينه، والسلامة من أسباب غضبه، والتوبة إليه سبحانه من جميع ما يخالف شرعه، إنه جواد كريم.
(1) أخرجه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (12576) .