الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه حديث آخر رواه أبو داود وهو: «سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، والله أكبر مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك (1) » لكن في إسناده رجل غير معروف، فيكون ضعيفا من أجل هذه العلة. ويكفي عنه حديث جويرية السابق.
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب التسبيح بالحصى، برقم 1282.
28 ـ
أسماء الله وفضل من أحصاها
س: ما المقصود بكلمة (أحصاها) في حديث الرسول الكريم عن أسماء الله الحسنى «من أحصاها دخل الجنة (1) » ؟ (2)
ج: الإحصاء يكون بالحفظ، ويكون بتدبر وتعقل معانيها والعمل بمقتضى ذلك؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إن لله
(1) صحيح البخاري الشروط (2736) ، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2677) ، سنن الترمذي الدعوات (3507) ، سنن ابن ماجه الدعاء (3860) ، مسند أحمد بن حنبل (2/267) .
(2)
من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم 1500.
تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة (1) » وفي لفظ: «من حفظها دخل الجنة (2) » والمعنى: إحصاؤها بتدبر المعاني والنظر في المعاني مع حفظها؛ لما في ذلك من الخير العظيم والعلم النافع، ولأن ذلك من أسباب صلاح القلب وكمال خشيته لله والقيام بحقه سبحانه وتعالى.
س: سماحة الشيخ قد يتكل الناس على بعض مثل هذه الأحاديث فيعتقد أن حفظ أسماء الله الحسنى دون عمل يكفيه لدخول الجنة؟ (3)
ج: هذا من الفهم الخطأ؛ فأحاديث الترغيب مقصودها حث العباد على العمل بما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا إليه مثل: «من أحصاها دخل الجنة (4) » في الأسماء
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنايا في الإقرار برقم 2736، ومسلم في كتاب الذكر، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها برقم 2677.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب: إن لله مائة اسم إلا واحدا برقم 7392.
(3)
سؤال من برنامج نور على الدرب.
(4)
صحيح البخاري الشروط (2736) ، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2677) ، سنن الترمذي الدعوات (3507) ، سنن ابن ماجه الدعاء (3860) ، مسند أحمد بن حنبل (2/267) .
الحسنى ومثل: «من صام عرفة كفر الله به السنة التي قبلها والسنة التي بعدها (1) » «والصوم يوم عاشوراء يكفر السنة التي قبله (2) » وأشبه ذلك كله من باب الترغيب في طاعة الله عز وجل، وأن هذا من أسباب المغفرة مع توافر الأسباب الأخرى التي لا تمنع المغفرة، فإذا تعاطى المؤمن أسباب المغفرة، وليس هناك موانع من إصراره على الكبائر أثرت أثرها، وإذا كان موانع صار ذلك من أسباب عدم المغفرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (3) » وفي لفظ: «ما لم تؤت الكبائر (4) » ، ولهذا ذهب جمهور أهل العلم -أي أكثر أهل العلم- إلى أن هذه الأحاديث التي جاءت في فضل كذا، وفضل كذا، فضل الصلاة، وأنها تكفر الذنوب أو الوضوء أو صوم عرفة، أو صوم يوم عاشوراء أو إحصاء أسماء الله الحسنى أو ما أشبه ذلك، كل ذلك مقيد باجتناب الكبائر، بالاستقامة على ما أوجب الله وترك الكبائر، وأن هذه الفضائل وهذه الأعمال من أسباب المغفرة مع الأسباب الأخرى التي شرعها الله عز وجل، ومع السلامة من الموانع التي تمنع المغفرة، وذلك هو الإصرار على
(1) صحيح مسلم الصيام (1162) ، سنن أبو داود الصوم (2425) ، مسند أحمد بن حنبل (5/308) .
(2)
صحيح مسلم الصيام (1162) ، سنن أبو داود الصوم (2425) ، مسند أحمد بن حنبل (5/308) .
(3)
صحيح مسلم الطهارة (233) ، سنن الترمذي الصلاة (214) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1086) ، مسند أحمد بن حنبل (2/400) .
(4)
صحيح مسلم الطهارة (233) ، سنن الترمذي الصلاة (214) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1086) ، مسند أحمد بن حنبل (2/400) .
الكبائر، كما قال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (1) فشرط في هذا عدم الإصرار، والإصرار هو الإقامة على المعصية وعدم التوبة منها، وهو من أسباب عدم المغفرة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والخلاصة: أن هذه الفضائل وهذا الوعد الذي وعد الله به من أحصى أسماءه الحسنى بدخول الجنة، ووعد من صام يوم عاشوراء أن يكفر السنة التي قبلها، وهكذا في صوم عرفة، وهكذا غير ذلك كله مقيد بعدم الإصرار على المعاصي، وهكذا ما جاء في أحاديث التوحيد، وأن «من شهد أن لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة (2) » كل ذلك مقيد بعد إقامته على المعاصي، فأما إذا أقام على المعاصي فهو تحت مشيئة الله قد يغفر له، وقد يدخل النار بذنوبه التي أصر عليها ولم يتب، حتى إذا طهر ونقي منها أخرج من النار إلى الجنة.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر الاتكال على أحاديث الترغيب والوعد، والإعراض عن أحاديث الوعيد وآيات الوعيد، بل يجب أن يأخذ بهذا وهذا، يجب أن يحذر مما حرمه الله من
(1) سورة آل عمران الآية 135
(2)
مسند أحمد بن حنبل (5/229) .
المعاصي، وأن تكون على باله الأحاديث والآيات التي فيها الوعيد، لمن تعدى حدود الله وانتهك محارمه، ومع ذلك يحسن ظنه بربه ويرجوه ويتذكر وعده بالمغفرة والرحمة لمن يعمل الأعمال الصالحات، فيجمع بين هذا وهذا، بين الرجاء والخوف، فلا يقنط ولا يأمن، وهذا هو طريق أهل العلم والإيمان كما قال جل وعلا عن أنبيائه:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (1) أي: رجاء وخوفا {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (2) وقال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (3) وهكذا أهل الإيمان من أتباع الرسل هم على هذا السبيل يوحدون الله ويخشونه، ويؤدون فرائضه ويدعون محارمه، ويرجونه ويخافونه سبحانه وتعالى.
(1) سورة الأنبياء الآية 90
(2)
سورة الأنبياء الآية 90
(3)
سورة الإسراء الآية 57