المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ بيان أوراد شركية وبدعية - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٢٦

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ فصل في بيان الأذكار المشروعة بعد السلام في الصلوات الخمس

- ‌ فصل في أذكار الصباح والمساء

- ‌ فصل فيما يقال عند دخول المنزل

- ‌ فصل فيما يقال عند الخروج من المنزل إلى المسجد أو غيره

- ‌ فصل فيما يشرع عند دخول المسجد والخروج منه

- ‌ فصل فيما يشرع من الذكر والدعاء عند النوم واليقظة

- ‌ فضل في الأذكار والأدعية المشروعة في ابتداء الشرب والأكل والفراغ منهما

- ‌ فصل فيما يشرعمن الذكر والدعاء عند رؤية البلدة أو القفول منها

- ‌ فضل فيما يشرع من الذكر والدعاء عند الأذان وبعده

- ‌ فصل في مشروعية السلام بدءا وإجابة وتشميت العاطس إذا حمد الله، وعيادة المريض

- ‌ما ورد في النصيحة

- ‌ فضل الذكر

- ‌ شرح حديث: «لله ملائكة سياحون»

- ‌ الذكر بالقلب مشروع في كل زمان ومكان

- ‌ قراءة القرآن في أوقات العمل

- ‌ حديث:"من أراد أن يتقابل مع الله ويناجيه

- ‌ قول:" رب قارئ للقرآن، والقرآن يلعنه

- ‌ حكم سؤال العبد في صلاته إذا مر بآية رحمة أو آية عذاب

- ‌ دعاء الصباح والمساء

- ‌ أذكار تقال بعد صلاة الفجر والمغرب

- ‌ فضل الجلوس للذكر بعد صلاة الصبح

- ‌ حكم تكرار بعض الأذكار بعد صلاة المغرب والفجر

- ‌ مسألة في أذكار المساء

- ‌ حكم إذا تأخرت الأذكار عن أوقاتها

- ‌ مسألة في التسبيح

- ‌ حديث: " سبحان الله عدد ما خلق وسبحان الله مثل ما خلق

- ‌ أسماء الله وفضل من أحصاها

- ‌ لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة

- ‌ حكم من رأى رؤيا يكرهها

- ‌ الأحلام المزعجة

- ‌ من رأى في المنام ما يكره

- ‌ مسألة في الدعاء بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة

- ‌ صفة التكبير أيام التشريق

- ‌ التكبير المطلق والمقيد أيام التشريق

- ‌ مسألة في التكبير أيام التشريق وذكر مدته

- ‌ فضل الاستغفار

- ‌ مسألة في فضل الاستغفار

- ‌ حكم الاقتصار في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة (ص) أو (صلعم)

- ‌ الدعاء يشرع في كل وقت وليس من شرطه الطهارة

- ‌ مسألة في الأوراد الشرعية والدعوات الواردة عن النبي وكيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ حديث: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء

- ‌مسألة في الصلاةوالسلام على الأنبياء والرسل

- ‌ الأدعية المستجابة

- ‌ حكم الدعاء جماعة بعد الصلاة

- ‌ أفضل الأدعيةالتي يجب على المسلم أن يرددها

- ‌ حكم الدعاء جهرا

- ‌ من شروط الدعاء

- ‌ الأوقات التي تجاب فيها الدعوات

- ‌ حكم قول: أدعو فلا يستجاب لي

- ‌ دعوة الوالد على الولد

- ‌ مسألة في الدعاء

- ‌ حكم الدعاء للفاسقين

- ‌ الاستثناء في الدعاء

- ‌ حكم السجع في الدعاء

- ‌ حكم الدعاء على غير وضوء

- ‌ دعاء ختم القرآن

- ‌ حكم قراءة الدعاء من الورقة أثناء الصلاة

- ‌ الدعاء للمتصدق

- ‌ حكم مسح الوجه بعد الدعاء

- ‌ حكم رفع اليدين في الدعاء

- ‌ مسألة في حكم المداومةعلى رفع اليدين أثناء الدعاء

- ‌ مسألة في رفع اليدين في دعاء خطبة الجمعة

- ‌ مسألة في رفع اليدين عند الدعاء

- ‌ مسألة في رفع اليدين في الدعاء

- ‌ حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء

- ‌ القراءة على المريض

- ‌ في القرآن والسنة علاج لجميع الأمراض الحسية والمعنوية

- ‌ مسألة في الأذكار

- ‌ كيفية علاج المرض النفسي

- ‌ علاج صرع الجن للإنسان

- ‌ حكم علاج السرطان بالقرآن

- ‌ يجوز التدواي بالأدوية المباحة شرعا

- ‌ مسألة في التداوي قبل وقوع الداء

- ‌ حكم استعمال بخور لطرد الشياطين

- ‌ حكم إحضار أكثر من قارئ للقراءة على المريض

- ‌ مسألة في الرقية

- ‌ ما يقال عن قراءة سورة الزلزلة على المريض والحامل

- ‌ تكرار بعض سور القرآن والأذكار بلا عدد معين

- ‌ بيان أوراد شركية وبدعية

- ‌ حول دعاء الركوب في المصعد

- ‌ حكم السلام بالإشارة باليد

- ‌ ما يقال عند العطاس

- ‌ السنة في وضع اليدفي الصلاة وما يقال بعد الرفع من الركوع

- ‌كتاب الأحاديث الضعيفة

- ‌ حديث: أخروهنمن حيث أخرهن الله

- ‌ حديث: أفضلطعام الدنيا والآخرة اللحم

- ‌ حديث: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم

- ‌ حديث: فضل علىوسلمان وأبي ذر والمقداد رضي الله عنهم

- ‌ حديث: إذا كثرت ذنوبك فاسق الماء

- ‌ حديث "حبك الشيء يعمي ويصم

- ‌ حديث: علي رضي الله عنه أنه تصدق بخاتمه وهو راكع

- ‌ حديث دفن عيسى عليهالسلام مع النبي صلى الله عليه وسلمبعد نزوله آخر الزمان

- ‌ حديث: "عقوبة تارك الصلاة بخمس عشرة عقوبة

- ‌ حديث "إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي

- ‌ حديث: يا أسماء إن المرأة إذا بلغتالمحيض لم يصلح أن يري منها إلا هذا

- ‌ حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها

- ‌ حديث: صلاة التسبيح

- ‌ حديث: كيف أنتم إذا غدي عليكم بجفنة

- ‌ حديث: «إذا مشت أمتي المطيطاء»

- ‌ حديث «سب أصحابي ذنب لا يغفر»

- ‌ حديث «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»

- ‌ حديث إن الله تعالى لا يقبل صلاه رجل مسبل إزاره

- ‌ حديث:إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش

- ‌ حديث:تعشوا ولو بكف من حشف

- ‌ حديث:اطلبوا العلم ولو في الصين

- ‌ حديث: إذا فعلت أمتيخمس عشرة خصلة حل بها البلاء

- ‌ حديث: إذا اتخذ الفيءدولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما

- ‌ حديث: «السخي قريب من الله قريب من الجنة

- ‌ حديث من دخل السوق فقال:لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك

- ‌ حديث: من اغتسليوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام

- ‌ حديث: من غش العرب لم يدخل في شفاعتي

- ‌ حديث: «الصبحة تمنع الرزق

- ‌ حديث: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا

- ‌ حديث: «يا علي أسبغ الوضوء وإن شق عليك ولا تأكل الصدقة

- ‌ حديث: «إذا أكل أحدكم طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه

- ‌ حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة

- ‌ حديث: «من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر

- ‌ حديث: «اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك»

- ‌ حديث: «إذا تزوج أحدكم فكان ليلة البناء فليصل ركعتين»

- ‌ حديث: «إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني»

- ‌ حديث: «أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر…في الصلاة

- ‌ حديث: «إن حسنات الصبي لوالديه أو أحدهما»

- ‌ حديث: «عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين وختنهما

- ‌ حديث عائشة رضي الله عنها أنها أمت نسوة في المكتوبة فقامت بينهن

- ‌ حديث «صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عند قبر الخليل وقبر موسى عليهما السلام»

- ‌ حديث: «كان الله ولم يكن شيء غيره

- ‌ حديث: «من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت

- ‌ حديث: " من صلى في مسجدي هذا أربعين صلاة لا تفوته صلاة دخل الجنة

- ‌ حديث: «من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه

- ‌ حديث: فضل الاستغفار عند النوم

- ‌ حديث: «ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بدون سواك»

- ‌ حديث: «لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث

- ‌ أثر عمر رضي الله عنه في أن الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك

- ‌ حديث: «من عمر مياسر الصفوف فله أجران»

- ‌ حديث «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»

- ‌ حديث: «نتر الذكر عند البول»

- ‌ حديث: «اقرءوا على موتاكم سورة يس

- ‌ حديث " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس

- ‌ الكلام على أثر: «إن من صلى لله أربع ركعات ثم دعا الله فإنه يستجاب له»

- ‌ حديث: «من قرأ بعض سور القرآن عدة مرات لم يتفلت منه»

- ‌ حديث: (السبعة الذين لا يكلمهم الله…منهم ناكح يده)

- ‌ حديث: «اختلاف أمتي رحمة»

- ‌ حديث: «إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة

- ‌ حديث: «من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ

- ‌ إيراد الحديث الضعيف في المواعظ والرقائق

- ‌ أنواع الحديث الضعيف

- ‌ حديث: «من جلس بعد صلاة الصبح يذكر الله حتى تطلع الشمس

- ‌ حديث: «من زراني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا»

- ‌كتاب الأحاديث الموضوعة

- ‌ الكلام على حديثخالد بن الوليد في سؤاله للنبي عليه الصلاة والسلام عن بضع وعشرين مسألة

- ‌ حديث: «لولا محمد ما خلقتك»

- ‌ نشرة تتضمن أحاديث مكذوبة

- ‌ حديث في الأخذ من اللحية

- ‌ رد على أخبار باطلة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الكلام على حديثموضوع حول صيحة تحدث في رمضان

- ‌ حديث: «إن الشيطان يلعب بالميت»

- ‌ حديث: "من صلى علي يوم الجمعة مئتي مرة غفر الله ذنبه مئتي عام

- ‌ حديث: "إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا بأهل القبور

- ‌ حديث " من كان اسمه محمدا فلا تضربه

- ‌ حديث: " تعلموا السحر ولا تعملوا به

- ‌ حكم كل ما صدر بياء النداء من الرسول صلى الله عليه وسلمإلى علي رضي الله عنه

- ‌ حديث: "اثنتا عشر ركعة تصليها من الليل والنهار

- ‌ التنبيه على بطلان نشرتين يتداولهما الناس حول حديث مرفوع فيمن تهاون بالصلاة

- ‌ حديث:" التمس لأخيك سبعين عذرا

- ‌ رد على ما كتبه أحد الكتاب في حق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌ حديث:«يوم صومكم يوم نحركم»

- ‌ حديث: "من زار أهل بيتي بعد وفاتي كتبت له سبعون حجة

- ‌ حديث:" من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني

- ‌ حديث: "الغناء زاد الراكب

- ‌ حديث: "من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني

- ‌ حديث: " ما رفع مسلم منزله فوق سبعة أذرع إلا قيل له: إلى أين يا فاسق

- ‌ حديث: "لا ربا بين المسلم والحربي

- ‌ حديث: "أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش

- ‌ حديث: "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد

- ‌ حديث: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر

- ‌ حديث:"لعن الله الناظر والمنظور إليه

الفصل: ‌ بيان أوراد شركية وبدعية

أو غيرها من القرآن فلا بأس؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك.

ويستحب تلقينه لا إله إلا الله حتى يختم له بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله (1) » رواه مسلم في صحيحه، والمراد بالموتى هنا المحتضرون في أصح قولي العلماء؛ ولأنهم الذين ينتفعون بالتلقين.

(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب تلقين الموتى لا إله إلا الله برقم 917

ص: 178

81 -

‌ بيان أوراد شركية وبدعية

سؤال من الأخ ع. م. ح. من اليمن يقول فيه: يوجد في بلادنا أناس متمسكون بأوراد ما أنزل الله بها من سلطان منها ما هو بدعي ومنها ما هو شركي وينسبون ذلك إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، ويقرءون تلك الأوراد في مجالس الذكر أو في المساجد بعد صلاة المغرب زاعمين أنها قربة إلى الله، كقولهم: بحق الله رجال الله أعينونا بعون الله وكونوا عوننا بالله، وكقولهم: يا أقطاب ويا أوتاد ويا أسياد أجيبوا يا ذوي الأمداد فينا واشفعوا لله هذا

ص: 178

عبدكم واقف وعلى بابكم عاكف، ومن تقصيره خائف، أغثنا يا رسول الله ومالي غيركم مذهب ومنكم يحصل المطلب وأنتم خير أهل الله بحمزة سيد الشهداء ومن منكم لنا مددا أغثنا يا رسول الله، وكقولهم: اللهم صل على من جعلته سببا لانشقاق أسرارك الجبروتية وانفلاقا لأنوارك الرحمانية فصار نائبا عن الحضرة الربانية وخليفة أسرارك الذاتية، نرجو بيان ما هو بدعة وما هو شرك وهل تصح الصلاة خلف الإمام الذي يدعو بهذا الدعاء؟ (1)

ج: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصبحه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاعلم وفقك الله أن الله سبحانه إنما خلق الخلق وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام، ليعبد وحده لا شريك له دون ما سواه كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) والعبادة هي: طاعته سبحانه وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بفعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه

(1) نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عندما كان سماحته رئيسا للجامعة.

(2)

سورة الذاريات الآية 56

ص: 179

ورسوله. عن إيمان بالله ورسوله وإخلاص لله في العمل كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) أي أمر وأوصى بأن يعبد وحده وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2){الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (3){مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4){إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) أبان الله سبحانه بهذه الآيات أنه هو المستحق لأن يعبد وحده ويستعان به وحده، وقال عز وجل:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (6){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (7) وقال سبحانه: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (8) وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (9) والآيات في هذه المعنى كثيرة وكلها تدل على وجوب إفراد الله بالعبادة، ومعلوم أن الدعاء بأنواعه من العبادة، فلا يجوز لأحد من الناس أن يدعو إلا ربه ولا يستعين ولا يستغيث إلا به؛ عملا بهذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها. وهذا فيما عدا الأمور العادية والأسباب الحسية التي يقدر عليها المخلوق الحي

(1) سورة الإسراء الآية 23

(2)

سورة الفاتحة الآية 2

(3)

سورة الفاتحة الآية 3

(4)

سورة الفاتحة الآية 4

(5)

سورة الفاتحة الآية 5

(6)

سورة الزمر الآية 2

(7)

سورة الزمر الآية 3

(8)

سورة غافر الآية 14

(9)

سورة الجن الآية 18

ص: 180

الحاضر فإن تلك ليست من العبادة، بل يجوز بالنص والإجماع أن يستعين الإنسان بالإنسان الحي القادر في الأمور العادية التي يقدر عليها. كأن يستعين به أو يستغيث به. في دفع شر ولده أو خادمه أو كلبه وما أشبه ذلك، وكأن يستعين الإنسان بالإنسان الحي الحاضر القادر أو الغائب بواسطة الأسباب الحسية كالمكاتبة ونحوها في بناء بيته أو إصلاح سيارته أو ما أشبه ذلك، ومن هذا الباب قول الله عز وجل في قصة موسى عليه الصلاة والسلام:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) ومن ذلك استغاثة الإنسان بأصحابه في الجهاد والحرب ونحو ذلك. فأما الاستغاثة بالأموات والجن والملائكة والأشجار والأحجار فذلك من الشرك الأكبر وهو من جنس عمل المشركين الأولين مع آلهتهم كالعزى واللات وغيرهما، وهكذا الاستغاثة والاستعانة بمن يعتقد فيهم الولاية من الأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله، كشفاء المرضى وهداية القلوب ودخول الجنة والنجاة من النار وأشباه ذلك، والآيات السابقات وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث كلها تدل على وجوب توجيه القلوب إلى الله في جميع الأمور وإخلاص العبادة لله وحده؛ لأن

(1) سورة القصص الآية 15

ص: 181

العباد خلقوا لذلك وبه أمروا كما سبق في الآيات، كما في قوله سبحانه:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (1) وقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ رضي الله عنه: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (3) » متفق على صحته وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار (4) » رواه البخاري وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم «لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله (5) » وفي لفظ: «فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله (6) » وفي رواية للبخاري: «فادعهم إلى أن

(1) سورة النساء الآية 36

(2)

سورة البينة الآية 5

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار برقم 2856 ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة برقم 30.

(4)

أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: '' ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا '' 4497

(5)

صحيح البخاري الزكاة (1458) ، صحيح مسلم الإيمان (19) ، سنن الترمذي الزكاة (625) ، سنن النسائي الزكاة (2435) ، سنن أبو داود الزكاة (1584) ، سنن ابن ماجه الزكاة (1783) ، مسند أحمد بن حنبل (1/233) ، سنن الدارمي الزكاة (1614) .

(6)

صحيح البخاري الزكاة (1496) ، صحيح مسلم الإيمان (19) ، سنن الترمذي الزكاة (625) ، سنن النسائي الزكاة (2435) ، سنن أبو داود الزكاة (1584) ، سنن ابن ماجه الزكاة (1783) ، مسند أحمد بن حنبل (1/233) ، سنن الدارمي الزكاة (1614) .

ص: 182

يوحدوا الله (1) » وفي صحيح مسلم عن طارق بن أشيم الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل (2) » والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهذا التوحيد هو أصل دين الإسلام وهو أساس الملة وهو رأس الأمر وهو أهم الفرائض وهو الحكمة في خلق الثقلين والحكمة في إرسال الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام كما تقدمت الآيات الدالة على ذلك، ومنها قوله سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3) ومن الأدلة على ذلك أيضا قوله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (4) وقوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (5)

(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم برقم 7372 ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام برقم 19.

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله برقم 23.

(3)

سورة الذاريات الآية 56

(4)

سورة النحل الآية 36

(5)

سورة الأنبياء الآية 25

ص: 183

وقال عز وجل عن نوح وهود وصالح وشعيب عليهم الصلاة والسلام أنهم قالوا لقومهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (1) وهذه دعوة الرسل جميعا كما دلت على ذلك الآيتان السابقتان.

وقد اعترف أعداء الرسل بأن الرسل أمروهم بإفراد الله بالعبادة وخلع الآلهة المعبودة من دونه كما قال عز وجل في قصة عاداتهم قالوا لهود عليه الصلاة والسلام: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} (2) وقال سبحانه وتعالى عن قريش لما دعاهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى إفراد الله بالعبادة وترك ما يعبدون من دونه. من الملائكة والأولياء والأصنام والأشجار وغير ذلك: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (3) وقال عنهم سبحانه في سورة الصافات: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (4){وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (5) والآيات الدالة

(1) سورة الأعراف الآية 59

(2)

سورة الأعراف الآية 70

(3)

سورة ص الآية 5

(4)

سورة الصافات الآية 35

(5)

سورة الصافات الآية 36

ص: 184

على هذا المعنى كثيرة ومما ذكرناه من الآيات والأحاديث يتضح لك وفقني الله وإياك للفقه في الدين والبصيرة بحق رب العالمين.

إن هذه الأدعية وأنواع الاستغاثة التي بينتها في سؤالك كلها من أنواع الشرك الأكبر؛ لأنها عبادة لغير الله وطلب لأمور لا يقدر عليها سواه من الأموات والغائبين، وذلك أقبح من شرك الأولين؛ لان الأولين إنما يشركون في حال الرخاء، وإما في حال الشدائد فيخلصون لله العبادة؛ لأنهم يعلمون أنه سبحانه هو القادر على تخليصهم من الشدة دون غيره، كما قال تعالى في كتابه المبين عن أولئك المشركين:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (1) وقال سبحانه وتعالى يخاطبهم في آية أخرى في سورة سبحان: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} (2) فإن قال قائل من هؤلاء المشركين المتأخرين: إنا لا نقصد أن أولئك ينفعون بأنفسهم ويشفون مرضانا بأنفسهم أو يعينونا بأنفسهم أو يضرون عدوا بأنفسهم وإنما نقصد شفاعتهم إلى الله في ذلك.

(1) سورة العنكبوت الآية 65

(2)

سورة الإسراء الآية 67

ص: 185

فالجواب أن يقال لهم: إن هذا هو مقصد الكفار الأولين ومرادهم، وليس مرادهم أن آلهتهم تخلق أو ترزق أو تنفع أو تضر بنفسها فإن ذلك يبطله ما ذكره الله عنهم في القرآن إنما أرادوا شفاعتهم وجاههم وتقريبهم إلى الله زلفى، كما قال سبحانه وتعالى في سورة يونس عليه الصلاة والسلام:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1) فرد الله عليهم ذلك بقول سبحانه: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2) فأبان سبحانه أنه لا يعلم في السماوات ولا في الأرض شفيعا عنده على الوجه الذي يقصده المشركون وما لا يعلم الله وجوده لا وجود له؛ لأنه سبحانه لا يخفى عليه شيء وقال تعالى في سورة الزمر: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (3){إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (5) فأبان سبحانه أن العبادة له وحده، وأنه يجب على العباد إخلاصها له جل وعلا؛ لأن أمره للنبي صلى الله عليه وسلم بإخلاص العبادة له أمر للجميع. ومعني الدين

(1) سورة يونس الآية 18

(2)

سورة يونس الآية 18

(3)

سورة الزمر الآية 1

(4)

سورة الزمر الآية 2

(5)

سورة الزمر الآية 3

ص: 186

هنا هو العبادة والعبادة هي طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما سلف ويدخل فيها الدعاء والاستغاثة والخوف والرجاء والذبح والنذر كما يدخل فيها الصلاة والصوم وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله. ثم قال عز وجل بعد ذلك: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1) أي يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربنا إلى الله زلفى، فرد الله عليهم بقوله سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (2) فأوضح سبحانه في هذه الآية الكريمة أن الكفار ما عبدوا الأولياء من دونه إلا ليقربوهم إلى الله زلفى. وهذا هو مقصد الكفار قديما وحديثا وقد أبطل الله ذلك بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (3) فأوضح سبحانه كذبهم في زعمهم أن آلهتهم تقربهم إلى الله زلفى وكفرهم بما صرفوا لها من العبادة؛ وبذلك يعلم كل من له أدنى تمييز أن الكفار الأولين إنما كان كفرهم باتخاذهم الأنبياء والأولياء والأشجار والأحجار وغير ذلك من المخلوقات شفعاء بينهم وبين الله، واعتقدوا أنهم يقضون حوائجهم من دون

(1) سورة الزمر الآية 3

(2)

سورة الزمر الآية 3

(3)

سورة الزمر الآية 3

ص: 187

إذنه سبحانه ولا رضاه، كما تشفع الوزراء عند الملوك، فقاسوه عز وجل على الملوك والزعماء وقالوا: كما أن من له حاجة إلى الملك والزعيم يشفع إليه بخواصه ووزرائه، فهكذا نحن نتقرب إلى الله بعبادة أنبيائه وأوليائه، وهذا من أبطل الباطل؛ لأنه سبحانه لا شبيه له ولا يقاس بخلقه، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، ولا يأذن في الشفاعة إلا لأهل التوحيد، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وهو أرحم الراحمين لا يخشى أحدا ولا يخافه؛ لأنه سبحانه هو القاهر فوق عباده والمتصرف فيهم كيف يشاء، بخلاف الملوك والزعماء، فإنهم ما يقدرون على كل شيء، ولا يعلمون كل شيء؛ فلذلك يحتاجون إلى من يعينهم على ما قد يعجزون عنه من وزرائهم وخواصهم وجنودهم، كما يحتاجون إلى تبليغهم حاجات من لا يعلمون حاجته؛ ولأن الملوك والزعماء قد يظلمون ويغضبون بغير حق فيحتاجون إلى من يستعطفهم ويسترضيهم من وزرائهم وخواصهم، أما الرب عز وجل فهو سبحانه غني عن جميع خلقة، وهو أرحم بهم من أمهاتهم، وهو الحاكم العدل يضع الأشياء في مواضعها على مقتضى حكمته وعلمه وقدرته، فلا يجوز أن يقاس بخلقه بوجه من الوجوه؛ ولهذا أوضح سبحانه في كتابه أن المشركين قد

ص: 188

أقروا بأنه الخالق الرازق المدبر، وأنه الذي يجيب المضطر ويكشف السوء ويحيي ويميت، إلى غير ذلك من أفعاله سبحانه، وإنما الخصومة بين المشركين وبين الرسل في إخلاص العبادة لله وحده، كما قال عز وجل:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (1) وقال تعالى {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (2) والآيات في هذا المعنى كثيرة. وسبق ذكر الآيات الدالة على أن النزاع بين الرسل وبين الأمم إنما هو في إخلاص العبادة لله وحده كقوله سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) وما جاء في معناها من الآيات وبين سبحانه في مواضع كثيرة من كتابه الكريم شأن الشفاعة فقال تعالى في سورة البقرة {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (4) وقال في سورة النجم:

(1) سورة الزخرف الآية 87

(2)

سورة يونس الآية 31

(3)

سورة النحل الآية 36

(4)

سورة البقرة الآية 255

ص: 189

{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (1) وقال في سورة الأنبياء في وصف الملائكة: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (2) وأخبر عز وجل أنه لا يرضى من عباده الكفر، وإنما يرضى منهم الشكر، والشكر هو: توحيده والعمل بطاعته فقال تعالى في سورة الزمر: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (3) الآية.

وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو قال: من نفسه (4) » وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وأني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله

(1) سورة النجم الآية 26

(2)

سورة الأنبياء الآية 28

(3)

سورة الزمر الآية 7

(4)

أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب الحرص على الحديث برقم 99.

ص: 190

من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا (1) » والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وجميع ما ذكرنا من الآيات والأحاديث كله يدل على أن العبادة حق الله وحده، وأنه لا يجوز صرف شيء منها لغير الله لا للأنبياء ولا لغيرهم، وأن الشفاعة ملك الله عز وجل، كما قال سبحانه {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (2) الآية، ولا يستحقها أحد إلا بعد إذنه للشافع ورضاه عن المشفوع فيه وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما سبق. أما المشركون فلا حظ لهم في الشفاعة كما قال تعالى:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (3) وقال تعالى {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (4) الآية، والظلم عند الإطلاق هو الشرك كما قال تعالى {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (5) وقال تعالى {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (6)

(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته برقم 199.

(2)

سورة الزمر الآية 44

(3)

سورة المدثر الآية 48

(4)

سورة غافر الآية 18

(5)

سورة البقرة الآية 254

(6)

سورة لقمان الآية 13

ص: 191

أما ما ذكرته في السؤال من قول بعض الصوفية في المساجد وغيرها: اللهم صل على من جعلته سببا لانشقاق أسرارك الجبروتية وانفلاقا لأنوارك الرحمانية فصار نائبا عن الحضرة الربانية وخليفة أسرارك الذاتية

الخ فالجواب: أن يقال أن هذا الكلام وأشباهه من جملة التكلف والتنطع الذي حذر منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون قالها ثلاثا (2) » . قال الإمام الخطابي رحمه الله: المتنطع المتعمق في الشيء المتكلف البحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم. وقال أبو السعادات ابن الأثير: هم المتعمقون المغالون في الكلام، المتكلمون بأقصى حلوقهم؛ مأخوذ من النطع وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استعمل في كل تعمق قولا وفعلا. وبما ذكره هذان الإمامان وغيرهما من أئمة اللغة يتضح لك ولكل من له أدنى بصيرة أن هذه الكيفية في الصلاة والسلام على نبينا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من جملة التكلف والتنطع المنهي عنه، والمشروع للمسلم في هذا الباب أن يتحرى الكيفية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في

(1) صحيح مسلم العلم (2670) ، سنن أبو داود السنة (4608) ، مسند أحمد بن حنبل (1/386) .

(2)

أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب هلك المتنطعون برقم 2670. (1)

ص: 192

صفة الصلاة والسلام عليه وفي ذلك غنية عن غيره، ومن ذلك ما روى البخاري ومسلم في الصحيحين واللفظ للبخاري عن كعب بن عجرة رضي الله عنه «أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل ممد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » وفي الصحيحين عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم «قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2) » وفي صحيح مسلم عن أبي

(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: '' واتخذ الله إبراهيم خليلا '' برقم 3370 ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 406.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: '' واتخذ الله إبراهيم خليلا '' برقم 3369 ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 407.

ص: 193

مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: «قال بشير بن سعد يا رسول الله أمرنا الله أن نصلى عليك فكيف نصلي عليك؟ فسكت ثم قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم (1) » .

فهذه الألفاظ وأشباها وغيرها مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هي التي ينبغي للمسلم أن يتعلمها في صلاته وسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بما يليق أن يستعمل في حقه، كما أنه هو أعلم الناس بما ينبغي أن يستعمل في حق ربه من الألفاظ، أما الألفاظ المتكلفة والمحدثة والألفاظ المحملة لمعنى غير صحيح، كالألفاظ التي ذكرت في السؤال فإنه لا ينبغي استعمالها؛ لما فيها من التكلف، ولكونها قد تفسر بمعان باطلة مع كونها مخالفة للألفاظ التي اختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرشد إليها أمته، وهو أعلم الخلق وأنصحهم وأبعدهم عن التكلف، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم. وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة في بيان حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك،

(1) صحيح مسلم الصلاة (405) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (3220) ، سنن النسائي السهو (1285) ، مسند أحمد بن حنبل (5/274) ، موطأ مالك النداء للصلاة (398) ، سنن الدارمي الصلاة (1343) .

ص: 194

والفرق بين ما كان عليه المشركون الأولون والمشركون المتأخرون في هذا الباب، وفي بيان كيفية الصلاة المشروعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاية ومقنع لطالب الحق.

أما من لا رغبة له في معرفة الحق فهذا تابع لهواه، وقد قال الله عز وجل:{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1) فبين سبحانه في هذه الآية الكريمة أن الناس بالنسبة إلى ما بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق قسمان: أحدهما مستجيب لله ولرسوله، والثاني تابع لهواه، وأخبر سبحانه أنه لا أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله. فنسأل الله عز وجل العافية من اتباع الهوى، كما نسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من المستجيبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والمعظمين لشرعه والمحذرين من كل ما يخالف شرعه من البدع والأهواء، إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

(1) سورة القصص الآية 50

ص: 195

82 ـ مسألة في الدعاء.

س: حكم من قال: اللهم احشرني مع صاحب النقب؟ (1)

ج: هذا الدعاء لا أعلم له أصلا في الشرع، وإنما يذكر أنه من كلام بعض الأمراء لما رأى بعض الجنود نقب في بعض أسوار العدو نقبا صار سببا للفتح على المسلمين، ومثل هذا لا يكون كلامه شرعا للناس، وإنما المشروع أن يقال: اللهم احشرني في زمرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أو في زمرة عبادك الصالحين ونحو ذلك، وأسال الله أن يوفقنا وإياكم في دينه والثبات عليه انه خير مسؤول.

دعاء ركوب الدابة

س: الأخ ع. ع. ع. من بريدة يقول في سؤاله سمعت أن هناك دعاءين بصيغتين مختلفتين أحدهما: للركوب على الدابة: والثاني: للسفر فهل هذا صحيح، وما صيغة كل منهما.

(1) نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدنية المنورة، عندما كان سماحته رئيسا للجامعة.

ص: 196

أفتونا جزاكم الله خيرا؟ (1)

ج: يشرع للمسلم إذا ركب دابته للسفر أن يقول ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو «بسم الله والحمد لله ويكبر ثلاثا ويقول: اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم أني أعوذ بك من وعثاء السفر، ومن كآبه المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل (4) » وقد ذكر المفسرون رحمهم الله ومنهم الحافظ ابن كثير ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم عند السفر حين يركب دابته قوله سبحانه في سورة الزخرف {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} (5){لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} (6){وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} (7)

(1) من أسئلة المجلة العربية وأجاب عنه سماحته بتاريخ 18 \ 2 \ 1418هـ.

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره برقم 1342.

(3)

سورة الزخرف الآية 13 (2){سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}

(4)

سورة الزخرف الآية 14 (3){وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}

(5)

سورة الزخرف الآية 12

(6)

سورة الزخرف الآية 13

(7)

سورة الزخرف الآية 14

ص: 197