الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ..
«فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ.
«قالَ مُوسى: أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ؟ أَسِحْرٌ هذا؟ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ..
«قالُوا: أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ.
«وَقالَ فِرْعَوْنُ: ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ.
«فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ.
سادسا: سورة النازعات
[الآيات 17- 25] وفي سورة النازعات يجىء الموقف في عرض قصير، سريع.. هكذا:
سابعا: سورة الذاريات
وفي الذّاريات، تعرض القصة كلها في لمحة خاطفة.. هكذا..
هذه معارض سبعة، قد عرض فيها هذا الموقف الذي كان بين موسى وفرعون، عرضا مبسوطا اتسع لأهم الأحداث التي جرت فيه، والتقط أدقّ الخلجات النفسية التي تحركت في صدور الناس الذين كان لهم مكان في هذا الحدث.. مباشرا أو غير مباشر..
فهذه المعارض السبعة إذا ضمّ بعضها إلى بعض، قامت منها صورة واحدة، هى صورة مكبرة، لكل واحدة من هذه الصور على حدة..
فإنك إذ تنظر في الصورة التي تجمع هذه الصور كلها، ثم تنظر في أيّ من الصور الصغيرة، تجد الملامح هي الملامح، والصورة هي الصورة، وإن حملت الصورة الكبيرة ألوانا أكثر، وشغلت مساحة أوسع.
ومن صنيع الإعجاز القرآنى في هذا، أنه مع تفرّق هذه الصور، وبعد ما بينها من مسافات، فى عرض القرآن الكريم لها- أنه يمكن أن تضمّ هذه الصور بعضها إلى بعض، على أي ترتيب تقع فيه، وعلى أي وضع تأخذه كل واحدة منها بين أخواتها، ثم يقرؤها القارئ أو يرتلها المرتل وكأنها صورة واحدة، دون أن يشعر أنه يعيد ما قرأ، أو يكرّر ما رتل! وهذه هي الصور السبع كما عرضناها من قبل، دون التفات إلى ترتيب خاص لها- وإن لك أن تقرأها قراءة أو ترتلها ترتيلا، ثم انظر فيما تجد لما تقرأ، من هذا التلاحم والتوافق الذي بينها، وستجد- كلما أعدت القراءة أو الترتيل- أكثر من هذا الذي حدثتك عنه من توافق وتلاحم بين هذه المعارض..
على أننى أودّ أن أصنع صنيعا آخر مع هذه الآيات جميعا، حتى يتضح لنا- بصورة أكثر وضوحا- خلوّ القصص القرآنى من التكرار، بالمعنى الذي فهم عليه، والذي كان في نظر الأغبياء والأدعياء تهمة يرمى بها القرآن فى
أعزّ ما يعتز به من فصاحة وبيان.
وننظر في الواقعة ذاتها، فنجد أنها تشتمل على عناصر أربعة:
1-
موسى ومعه أخوه هرون، وما عرضا على فرعون من مقولات وآيات.
2-
فرعون، والملأ الذين معه من قومه وسحرته، وما استقبلوا به موسى من مقولات وتحدّيات.
3-
ما كان من موسى والسحرة، وما انتهى إليه أمرهم، من عجز، وتسليم، وإيمان..
4-
ما كان من فرعون حين خذله سحرته، وخرجوا عن طاعته وأمره..
وما توعدهم به من عذاب ونكال، وما كان منهم من استخفاف بهذا الوعيد وعدم التفات إليه.
والذي سنصنعه هنا، هو أن نجمع لكل عنصر من هذه العناصر ما كان له من ذكر في هذه السور الست التي عرض فيها القرآن هذه المواقف..
فأولا: موسى وهرون في مواجهة فرعون..
«إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى» ..
(48)
(من سورة طه)«إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ» ..
(16- 17)(من سورة الشعراء)«يا فِرْعَوْنُ.. إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ» ..
(105 من سورة الأعراف)
«هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى» ..
(18- 19)(من سورة النازعات) واقرأ هذه المقولات الأربع، واحدة بعد أخرى، اقرأها على أي ترتيب شئت.. فهل تجد فيها تكرارا؟ وهل يمكن أن تستغنى عن واحدة منها، ثم لا يفوتك شىء مما يتطلبه الموقف، وما حملت تلك الصورة من رؤية جديدة له، ومن مشاعر وخلجات تلبست به؟
والذي أود الإشارة إليه، هو أن هذه المقولات الأربع ليست قولا واحدا جاء به القرآن الكريم في معارض مختلفة من القول، وإنما هي أقوال أربعة فعلا، كل قول منها مستقل بنفسه، قائم بذاته، وإن كان مكملا لغيره..
شارحا له، أو مؤكدا..
1-
فهذا موسى ومعه أخوه هرون، يدخلان على فرعون، ويتحدثان إليه بصوت واحد معا.. إذ كان ذلك هو شعور موسى من لقاء فرعون، قبل أن يلقاه، فقد طلب إلى الله أن يشدّ أزره بأخيه هرون، فهو أفصح منه لسانا..
ويدخل موسى وهرون على فرعون.. فينظر إليهما نظرة من يقول: ماذا تريدان؟ ..
فيقولان معا وبصوت واحد: «إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى» ..
(48)
(سورة طه) 2- ثم ها هما وقد أخذت تزايلهما رهبة الموقف ودهشة اللقاء فيلقيان فرعون لقاء مباشرا، ويلقيان إليه بهذا الأمر العظيم، فيقولان معا:
«إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ!!» (16- 17)(سورة الشعراء)
ونستشعر من هذا أن «موسى» لا يزال يجد الرهبة والخوف من فرعون، وأنه لم تزايله رهبة الموقف بعد، ولا يزال في حاجة إلى هرون يسنده، ويشدّ أزره، ويثبت جنانه.
3-
ثم ها هو ذا «موسى» بعد أن تمرّس بالموقف، وارتاد الطريق، واختبر المواجهة، واحتمل الصدمات الأولى لها- ها هو ذا يلقى فرعون وحده، ويسمعه بلسانه مضمون رسالته، فى قوة وصراحة، وتحدّ:
«يا فِرْعَوْنُ..
«إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ..
«حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ..
«قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ..
«فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ.. (104- 105)(الإسراء) فيا للاعجاز الذي تذلّ لجلاله جباه الجبابرة، وتخضع له أعناق المكابرين، وتعنو له وجوه السفهاء المتطاولين..
«يا فرعون» ! هكذا يقولها موسى في وجه فرعون.. يناديه باسمه، متحدّيا، وينتزعه من سلطانه وجبروته انتزاعا.. فى غير تلطف أو رفق، أو مبالاة.
إنّها فعلة من يقدم على أمر محفوف بالمخاطر، بعد خوف، وتردد، حتى إذا لم يجد من المواجهة بدا ألقى بنفسه إليه، مخاطرا، يتوقع ما يطلع عليه وراء فعلته تلك من أهوال.
وما كان لموسى أن يقول هذه القولة: «يا فرعون» ولا أن يقول بعدها:
«إنى» بهذا الضمير المحقّق لشخصيته، المؤكد لذاته:«إنّى» لا أحد غيرى
«رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ» .. ولحرف الجر «من» هنا ماله من الإشعار بهذا الاعتزاز بتلك الشخصية، والرسالة التي تحملها، والجهة التي جاءت منها.. ففيها ما ليس في قوله تعالى:«إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ» من الشّحنة القوية، المليئة بالاعتزاز بهذا السلطان، الذي يستند إليه، وهو سلطان رب العالمين.
ما كان لموسى أن يقول هذا، ثم يمضى فيقول:
«حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ» .. وهذا اعتزاز بعد اعتزاز لشخصه الذي يحمل رسالة السماء..
ما كان لموسى أن يقول هذا، لولا أن دخل على فرعون هذا المدخل الذي اختبر به الأرض التي تحت قدميه.
ومن هذا الأفق العالي، يتنزل أمر موسى هادرا مدويّا في وجه فرعون:
«فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ» .
ولك أن تضع هذا الأمر الصّادع، إلى جانب هذا الرجاء الذي أسمعاه- موسى وهرون- لفرعون من قبل، فى قولهما:«أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ» وسيتضح لك بعد ما بين الأمرين.
ويستشعر موسى أنّه وقع بين فكى الأسد وبراثنه.. وأن فرعون لن يدعه ينجو من العقاب الأليم، على هذه الجرأة التي اقتحم بها هذا الحمى الذي لا يقتحم.
4-
وهنا لا يجد موسى بدّا من أن يصحح موقفه، وأن يلقى فرعون مترفقا متلطفا، كما أمره الله سبحانه بقوله:«فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى» ..
وهنا يلقاه موسى بهذا الأسلوب اللّين الرقيق، لعله يكسر بهذا حدّة الموقف، الذي وصل إلى هذا الحدّ من الخطر.. فيقول له: