الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبراهيم، واستجابة لدعوته في قوله:«وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ» .. وكأن الجواب: هذه هي الجنة قد أزلفت لك وللمتقين، فتبوأ منها حيث تشاء..
وأما أهل الشقاء، والضلال، فها هي ذى الجحيم تبرز لهم، أي تطلع عليهم، ويحيط بهم سرادقها.. ثم يقال لهم: أين ما كنتم تعبدون من دون الله؟ أين هم؟ وما حيلتهم لكم في هذا البلاء الذي تساقون إليه؟ «هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ» ؟ وهل يمدّون إليكم يدا تخرجكم مما أنتم فيه؟ «أَوْ يَنْتَصِرُونَ» هم لأنفسهم، إذا وقعوا فيما أنتم فيه من مهالك؟ لقد تقطع بينكم، وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون! وإذن فإلى مصيركم المشئوم:«إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ» (7- 8: الطور) .
«فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ» .
والكبكبة: أصلها الكبّ، وهو إلقاء الشيء على وجهه، والكبكبة:
تدهور الشيء وسقوطه في هوّة، حيث يكبّ مرة ومرة ومرات.
ثم إذ تجتمع هذه الأخلاط من الضلال بعضها إلى بعض، تتصارع وتتناهش كما تتناهش الحيات، يسوقها سائق عنيف إلى جحر واحد! وفي هذا الجحر الضيق الخائق، يكثر اللدغ والنّهش، ويعلو الصّراخ والعويل! «ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ» (25: العنكبوت) .
الآيات: (105- 122)[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 122]
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلَاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)
إِنْ أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)
التفسير:
وعلى نهج القرآن الكريم، فى تنويع المعارض، والانتقال بالناس من مشاهد الحياة الدنيا، إلى مشاهد القيامة، ثم العودة بهم إلى حيث هم في حياتهم الدنيا، وما هم فيه من غفلة، حيث تعرض عليهم الآيات والنذر، ليكون لهم فيها عبرة ومزدجر- على هذا النهج، جاءت قصة نوح وما بعدها من قصص الأنبياء مع أقوامهم، ليرى فيها هؤلاء المشركون من أهل مكة، بعد أن عادوا لتوهّم من مشاهد القيامة، وما يلقى فيها أهل الضلال من عذاب ونكال.. لعلّ في هذا ما يفتح لهم طريقا إلى الهدى والإيمان..
وفي قصة نوح صورة واضحة، تجرى فيها الأحداث على نحو مماثل تماما لما يجرى بين النبيّ وقومه.. يدعوهم إلى الله- وهو أخوهم- فلا تعطفهم عليه عاطفة النسب والقرابة، ولا ينكشف لأبصارهم شعاع من هذا النور
المشرق الذي بين يديه، ولا يستجيب له منهم إلّا قليل من حاشية القوم، من عبيد وإماء، وصغار، وإلا بعض من أهل اللّين والتواضع، ممن لا يراهم القوم من أصحاب الجاه والسلطان فيهم! وهؤلاء الذين آمنوا من المستضعفين وأشباه المستضعفين، هم علة أخرى من العلل المريضة التي تدعو القوم إلى خلاف النبيّ، والوقوف في الجانب الآخر المعادى له.. «أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ» ؟ وهذا ضلال في التفكير، وسفاهة في الرأى.. فإن أول المستجيبين لأنبياء الله ورسله، كانوا دائما من عامة الناس، ممن لا يمسكهم الخوف على جاه أو سلطان أن يذهب به الدين الجديد.. وهكذا الشأن في دعوات الإصلاح والتجديد.. إن أكثر الناس حربا عليها، ووقوفا في وجهها، هم أصحاب المصالح من ذوى الرياسات المدنية أو الدينية.. على حين يكون أقرب الناس إليها، وأكثرهم استجابة لها هم من خلت أيديهم من كل سلطان مادّيّ، أو روحيّ! هكذا موقف النبيّ مع قومه، وهكذا كان موقف نوح مع قومه..
ولا يملك نوح إزاء هذا العناد الغاشم، إلا أن يرفع شكاته إلى ربّه، قائلا:«رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ» .. وإلا أن يسأله الحكم بينه وبينهم فى هذا الموقف، الذي بلغ الغاية من التأزم والحرج بينه وبينهم.. فهو إما أن يمسك عن الدعوة إلى الله، وإما أن يرجموه.. ولا ثالث غير هذين..
«فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» .. أي فاحكم بينى وبينهم، فإن الله هو الحكم العدل، الذي يقضى بهلاك الظالمين، ونجاة المؤمنين.. ولهذا طلب نوح النجاة له، ولمن معه من المؤمنين، من هذا البلاء الذي يحمله حكم الله في القوم الكافرين.. وقد نجّى الله نوحا ومن معه، وأغرق الكافرين الضالين.