الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ»
(80- 81: البقرة) .
وهكذا جاء القرآن يقصّ على بني إسرائيل، ويكشف لهم مفترياتهم على الله، وما خالفوا فيه شريعته، وكان موضع خلاف بين أهل العلم، فيهم..
قوله تعالى:
«وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» .
إشارة إلى هذا القرآن، وما تحمل آياته من الحق والهدى.. وأن الذين يؤمنون به من المشركين، ومن أهل الكتاب، سيجدون الهدى مما هم فيه، من زيغ وضلال، واختلاف.
قوله تعالى:
«إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ» .
وإذ كان القرآن الكريم هو الحق، فإن من ينحرف عنه سيضل، ومن ضل فإنما يضل على نفسه، وسيقضى الله سبحانه وتعالى فيه بحكمه، ويأخذه بعد له:«وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ» العزيز الذي لا يخرج عن سلطانه أحد، العليم، الذي لا يغيب عن علمه ما يعمل الظالمون..
الآيات: (79- 85)[سورة النمل (27) : الآيات 79 الى 85]
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَاّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (85)
التفسير:
قوله تعالى:
«فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ» .
هو تثبيت لقلب النبيّ صلّى الله عليه وآله، وتوثيق للصلة التي بينه وبين الكتاب المنزل عليه، وأن ما يلقى به اليهود إلى المشركين من تلبيسات، يحاجّون بها النبيّ، ويدخلون بها الشك في قلوب الضعفاء- لا ينبغى أن يلتفت إليه النبيّ، ولا أن يعطيه شيئا من التوقير والاحترام- على اعتبار أن ذلك من واردات الكتاب السماويّ الذي في أيدى اليهود.. فهذا الكتاب قد عبث به اليهود، وغيّروا معالمه، وقد جاء القرآن الكريم بالحق المبين، الذي يكشف مفتريات القوم، ويفضح أكاذيبهم:«إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» .
وإذن فليمض النبيّ في طريقه، متوكّلا على ربّه، غير ملتفت إلى تلك المقولات التي في أيدى اليهود، أو على ألسنة المشركين الذين أخذوها عنهم..
فهو على هدى وبصيرة من ربّه، وعلى صراط مستقيم بهذا الكتاب الذي بين يديه.. وليس عليه من أمر هؤلاء المعاندين المخالفين شىء..
قوله تعالى:
«إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ» .
هو تحريض للنبيّ على المضيّ في طريقه، غير ملتفت إلى أهل آراء والخلاف.. وغير آسف على ما يوردهم به هذا المراء والخلاف من موارد الهلاك والبلاء.. فإنهم موتى، إذا نودوا لا يسمعون، وإنهم صمّ، لا تقع الكلمات على آذانهم إلا كما تقع على الحجر الأصمّ..
وفي تشبيه القوم بالأموات، وفي وصفهم بعد ذلك بالصمم- إشارة إلى أنهم درجات في الإعراض عن آيات الله. فمنهم من لا يستمع إلى آيات الله أبدا، ولا يدنو من صوت يرتل كلمات الله، خوفا على نفسه أن يقع تحت تأثيرها، فهو يهرب منها، ويقيم على نفسه حجابا بينه وبينها.. وهذا هو والميت سواء بالنسبة لما يتلو الرسول من قرآن.. ومنهم من يسمع القرآن، لا ليتدبّر آياته، ولا ليعرض ما يسمع على عقله، وإنما ليقع على كلمة، يدبرها على غير وجهها، ويتخذ منها مادة للهزء والسخرية.. فهو بهذا أصمّ، وإن كان ذا أذنين يسمعان! وقوله تعالى:«إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ» - هو شرط لإفادة الحكم بعدم سماعهم، وهو- فى معناه- قيد وارد على هذا الحكم، أشبه بالحال.. أي أنهم لا يسمعون ما يلقى إليهم وهم يولّون مدبرين..
والسؤال هنا: كيف يكون عدم سماعهم مقيدا بهذا القيد، وهم صمّ، والأصمّ لا يسمع مطلقا، سواء أقبل أو أدبر؟
والجواب على هذا- والله أعلم- أن الأصم وإن كان لا يسمع بأذنيه، فإنه إذا أقبل على محدثه، ربما فهم عنه بالإشارة، وربما قرأ على حركة شفتيه
بعض الكلمات، فوقع له من هذا وذاك شىء من الإدراك والفهم.. وهؤلاء القوم قد ولوا على أدبارهم، وأعطوا ظهورهم لما يتلى عليهم، فلم يسمعوا شيئا، وهذا فى آذانهم من وقر، ولم يروا شيئا وقد أعطوا ظهورهم لما يلقى إليهم! قوله تعالى:
فقوله تعالى: «وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ» - هو استكمال للوصف الذي عليه هؤلاء المشركون وأمثالهم.. فهم أموات، وإن كانوا في الأحياء، وهم صم وإن كانوا في السامعين، وهم عمى وإن كانوا في المبصرين..
«فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» (46: الحج) وفي تعديه اسم الفاعل: «يهادى» بحرف الجرّ «عن» بدلا من حرف الحجر «من» الذي يتعدى به الفعل، فيقال هداه من ضلاله- فى هذا إشارة إلى أن هدى القوم لا يكون بأضواء الحق، وأنوار المعرفة، فهذه معنويات تهتدى بها العقول السليمة، وتستضىء بها البصائر المبصرة.. أما هؤلاء القوم، فقد غابت عقولهم، فانطمست بصائرهم، وأصبحوا في عداد الحيوان، الذي يقاد من مقوده، حتى يستقيم إلى الطريق..
ومن هنا ضمّن اسم الفاعل «هاد» معنى «حاجز» أو «مبعد» - الأمر الذي يكون بمعالجة حية، وبقهر مادى.. وهذا ما ليس من رسالة الرسول. الذي تقوم دعوته على الحكمة، والموعظة الحسنة، كما يقول له الحق جل وعلا:«ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (125: النحل) وفي قوله تعالى: «إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ» تحديد