الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(98: هود) ويقول سبحانه: «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» (71: الإسراء) .
وقوله تعالى: «وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ» - جملة حالية أي وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار يوم القيامة، ويوم القيامة لا ينصرون، أي وجعلناهم أئمة يقودون الناس إلى النار، ويتقدمونهم، ولا ناصر لهم ينصرهم من بأس الله في هذا اليوم.
قوله تعالى:
«وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ» .
أي جعل الله سبحانه وتعالى حديث الناس بعدهم لعنة تلحقهم من كل لسان، إذ كانوا مثلا سيئا للبغى والعدوان، فلا يذكرهم أهل الإيمان والتقوى إلا اقترن ذكرهم باللعنة عليهم.. وكذلك شأنهم يوم القيامة، تلقاهم اللعنات من كل لسان في المحشر.
الآيات: (43- 50)[سورة القصص (28) : الآيات 43 الى 50]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
التفسير:
قوله تعالى:
هذه الآية والآيات التي بعدها، تمهيد لذكر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، والكتاب الذي تلقاه وحيا من ربه، وتبليغ قومه إياه، وما كان منهم من تحدّ له، وخلاف عليه..
فالكتاب الذي آتاه الله سبحانه وتعالى موسى، إنما كان على فترة من الرسل، وبعد هلاك كثير من القرون التي بعث الله فيهم رسله، فاندثروا واندثرت آثارهم..
والبصائر: جمع بصيرة وهي ما يستبصر بها إلى طريق الحق والهدى..
وقوله تعالى: «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» - الضمير في لعلهم، يعود إلى الناس في قوله تعالى:«بَصائِرَ لِلنَّاسِ» .. وفي هذا إشارة من بعيد إلى المشركين من قريش، وأنه كما أرسل الله موسى على فترة من الرسل، بالكتاب الذي فيه بصائر وهدى ورحمة، أرسل الله «محمدا» على فترة من الرسل، بكتاب فيه بصائر للناس وهدى ورحمة..
قوله تعالى:
الخطاب للنبى- صلوات الله وسلامه عليه- وهو أنه لم يكن على علم بهذه الأخبار التي يقصها على قومه فيما أوحى الله إليه به، مما كان بين موسى وربه إذ ناداه ربه من جانب الطور الأيمن، وهو الجانب الغربي من سيناء، وأعلمه بأنه رسول الله، اختاره لرسالة كريمة إلى الناس..
قوله تعالى:
تكشف هذه الآية عن الحكمة في إرسال محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهو أنه قد سبقته فترة لم يكن فيها رسل، فشاءت إرادة الله أن يختار رسولا يكشف للناس معالم الطريق إلى الحق، وقد ضلوا وانحرفوا عن سواء السبيل..
وفي هذا يقول الله تعالى: «قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ» (19: المائدة) .
- وقوله تعالى: «وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ» .. هنا كلام محذوف، دل عليه السياق.. والتقدير:«وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ» فكان من رحمتنا أن نبعث في الناس رسولا، بعد هذا الزمن الطويل..
- وقوله تعالى: «وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ» - هو خطاب للنبى الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، وأنه لم يكن مقيما في أهل مدين، حتى يعلم هذه الأخبار التي يقصها على قومه، فيما كان بين موسى وشعيب.
- وقوله تعالى: «تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا» .. الضمير فى «عليهم» يراد به المشركون من قريش.. وهم وإن لم يجر لهم ذكر، فهم مذكورون بذكر الرسول صلوات الله وسلامه عليه.. وجملة «تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا» صلة لموصول منادى أي يأمن تتلو عليهم آياتنا.. فالنبى- صلوات الله وسلامه عليه- هو هنا في مقام الخطاب من ربه.. والخطاب يطوى في كيانه نداء خفيا، لا يجرى له ذكر في مقام القرب من ربه..
- وقوله تعالى: «وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ» أي ولكن هذا القصص الذي تقصه على قومك- أيها النبي- هو وحي أوحى إليك من ربك، الذي أرسلك هدى ورحمة، إذ كان من حكمتنا ورحمتنا أن نرسلك إلى الناس رسولا، على فترة من الرسل..
قوله تعالى:
هو تأكيد لرسالة الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- وأنه إنما تلقى
هذا القرآن الذي بين يديه وحيا من ربه.. فهو- صلوات الله وسلامه عليه- لم يكن حاضرا مناداة الحق سبحانه وتعالى لموسى وهو بجانب الطور، حتى ينقل إلى الناس هذا الحديث الذي يحدثهم به، ويقصه عليهم من أمر موسى..
ولكن هذا الذي بين يديه هو رحمة من الله سبحانه وتعالى إلى هؤلاء المشركين، الذين بعثه الله نبيا فيهم، إذ لم يأتهم رسول من قبله، كما أتى غيرهم من الأمم..
فليذكروا هذه النعمة، وليأخذوا حظهمم منها، وليكن لهم فيها موعظة وذكرى..
قوله تعالى:
أي أنه لولا أن يكون لهؤلاء المشركين علة يتعللون بها في عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، وهو أن الله سبحانه لم يبعث فيهم رسولا، ولم يدعهم إليه على يد رسول منهم كما فعل ذلك بغيرهم من الأمم، كاليهود، والنصارى- لولا هذا ما أرسل الله إليهم رسولا، إذ كان مع كل منهم فطرة مؤمنة.. ومن وراء هذه الفطرة عقل، هو الرسول الذي يفتح مغالق الإيمان فيها.. ولكن رحمة الله اقتضت أن يبعث في الناس رسولا منهم يوقظ عقولهم، وينبه فطرتهم..
وبذلك لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل..
فما حجة هؤلاء المشركين بعد هذا وقد جاءهم رسول الله؟ وما العلة التي يتعللون بها في شركهم بالله، وكفرهم باليوم الآخر؟ إنه لا شىء إلا الكبر والعناد، وإلا الغفلة والهوى!.
قوله تعالى:
«فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ
يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ» .
وهذا مذهب من مذاهب الضلال والعناد، الذي غطى على عقول المشركين..
إنهم كانوا يتمنون على الله أن يبعث فيهم رسولا، وأن يكون لهم كتاب كما لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهذا ما يحكيه القرآن عنهم في قوله تعالى:
«أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ» (157: الأنعام) .
وها هو ذا رسول الله قد بعث فيهم، وها هو ذا الكتاب من الله، يتلى عليهم.. فماذا كان منهم؟ لقد ذهبوا يطلبون التعلات والمعاذير، يلقونها بين يدى رسول الله، وكتاب الله.
إن الرسول الذي جاءهم لم يؤت من الآيات المادية مثل ما أوتى موسى.. إنه ليس معه عصا كعصا موسى، ولا بد كيده.. وإن موسى قد نزّل على بني إسرائيل المنّ والسلوى.. فأين ما مع محمد من هذا؟ وأين الخير المادي الذي جاءهم به؟
فليجر لهم في هذه الصحارى أنهارا، وليفجّر لهم فيها عيونا.. وإلا فأين الرسول وأين رسالته؟ أرسول بغير هذه الآيات التي يجنون من ثمرها ما يملأ أيديهم من مال ومتاع؟ أرسول كل بضاعته إليهم كلام في كلام؟ إن ذلك أمر هين، يستطيع كل واحد منا أن يصبح رسولا، لو كانت محامل الرسالة كلاما، وكانت بضاعة الرسول حديثا وقصصا.. «لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا.. إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» (31: الأنفال) .. هكذا كانت نظرة المشركين إلى رسالات السماء.. وما دروا أن الله سبحانه، قد خصهم بأعظم رسالة..
تتجه إلى أكرم ما في الإنسان من روح وعقل.. إنها الرسالة التي تغذى العقل وتهذيب النفس، وتسموا بالروح إلى الملأ الأعلى.. وإنها المائدة التي لا تزهد فيها النفوس، ولا تنقطع عن وردها العقول، بل إنه كلما أخذ الإنسان منها، اشتد طلبه، وقويت رغبته- وليس كذلك ما كان طعاما للبطون، فإن المرء إذا
أخذ حاجته منه زهد فيه، ثم إذا عاوده مرة ومرة عافه، كما عاف بنو إسرائيل ما أنزل الله عليهم من المنّ والسلوى!.
ومن هنا كانت هذه المعجزة «الكلامية» هى المعجزة الخالدة على الزمن لأنها تصحب العقل دائما، وتلتقى به في كل زمان ومكان.. حيث تجد فيها العقول على اختلاف مستوياتها، وعلى امتداد أزمانها وأمكنتها- النور الذي يكشف لها معالم الطريق، إلى الحق والخير، فلا تضلّ، ولا تزيغ.
- وقوله تعالى: «أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ» هو كشف عما بين هؤلاء المشركين من أهل مكة، وبين فرعون وآل فرعون، حيث يجمعهم الضلال، والعناد، والاستكبار.. فإذا كان فرعون قد كفر بما أوتى موسى، وقال لموسى حين أراه آيات ربه الكبرى:«ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً» .. «36:
القصص» فلن يكون من هؤلاء المشركين إلا الكفر بكل آية.. إنهم وفرعون على سواء.. فهم وإن لم يكونوا قد التقوا بموسى وكفروا بما معه من آيات، فقد التقوا به في شخص فرعون، الذين هم من طينته، وعلى شاكلته!! فلم يطلبون إذن أن يأتيهم النبيّ بمثل تلك الآيات التي كانت مع موسى، وقد كفروا بها على لسان فرعون، الذي هو واحد منهم، وإمام من أئمتهم؟
- قوله تعالى: «قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ» .. هو مزج المشركين بفرعون، مزجا كاملا، وجمعهم وإياه في كيان واحد، بحيث يكون لهم موقف واحد، ومنطق واحد، وإن بعد المدى بينهم وبينه، زمانا، ومكانا، ولسانا، ومجتمعا.. فهذه الفواصل كلها فواصل مادية.. لا تقوم حجازا بين ائتلاف الأهواء، والتقاء المشارب.. إن هواهم جميعا واحد، وإن مشربهم على سواء..
وهنا ترى فرعون يبعث من مرقده بعد آلاف السنين، ويحضر مجلس
المشركين في مكة، وبين يديهم جميعا آيات موسى، وآيات محمد، فيرى فرعون فى آيات محمد ما رآه من قبل في آيات موسى، ويرى المشركون في آيات موسى ما رأوه في آيات محمد، وإذا هم جميعا ينطقون بلسان واحد في آيات موسى، وآيات محمد:«سِحْرانِ تَظاهَرا» .. أي تساندا، وتعاونا، فهذا سحر، وذاك سحر.. وإذن فهى مؤامرة يأتمر بها هذا الساحران علينا.. قديما وحديثا «وقالوا: إنا بكل كافرون» ..
فلو أن فرعون بعث من قبره، واستمع إلى كلمات الله التي يتلوها محمد لكفر بها، ولقال إنها سحر، كما يقول بذلك المشركون..
ولو أن المشركين ردّوا إلى عهد موسى، ورأوا من الآيات ما رأى فرعون لقالوا ما قال فرعون فيها:«ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً» ! وهكذا يلتقى أهل الضلال والفساد على طريق واحد، ينتظم السابقين منهم واللاحقين، ويجمع الماضين والحاضرين.. والله سبحانه وتعالى يقول:
قوله تعالى:
هو ردّ على مجتمع الضالين الغاوين، الذين كفروا بآيات موسى، وآيات محمد، وقالوا إنها سحر، يظاهر بعضه بعضا، وإنا بهذا وبهذا كافرون.
وإذن فبم يؤمنون؟ وبأى كتاب يصدّقون؟ فليأتوا بكتاب يحمل من معالم الحق، أكثر وأضوأ مما يحمل موسى، ومحمد، من آيات الله، حتى تكون
لهم حجة يقضون بها على هذه الآيات، ولا يكون لمحمد إلّا أن يتّبع هذا النور الذي يغطى على نور هذه الآيات! وفي قوله «من عند الله» . إشارة إلى أن هذه الآيات التي مع موسى، ومع محمد، هى من عند الله، وليس في هذا قيد يتقيد به المشركون المطالبون بالإتيان بما هو أهدى من آيات موسى ومحمد، بل إن لهم أن يأتوا بالكتاب المقترح عليهم، من أي مورد يردونه، على شريطة أن يكون أهدى مما هو معروض عليهم من آيات الله تلك! وإنما قوله «من عند الله» هو تقرير لحقيقة واقعة، وهي أن ما يأتى به الرسل، هو من عند الله، فتلك هي الحقيقة، وهو ما يصرح به الرسل أنفسهم، فى مواجهة أقوامهم.. فهو تحد لهم بأن يتصلوا بالله، ويتلقوا منه كتابا سماويا.. فهذا هو الوجه الذي يطلب منه الكتاب، الذي يناظر هذين الكتابين! والسؤال هنا، هو: إذا كان مفهوم ما أوتيه موسى هو تلك الآيات المادية، التي عرضها على فرعون، فكيف يستقيم النظم القرآنى، على هذا الفهم، وقد جاء قوله تعالى:
«فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما» ؟ ألا يدلّ الضمير في «منهما» على أن المراد بآيات موسى هي كتابه، وهو التوراة؟
ونقول- والله أعلم- إن آيات موسى المادية هي بعض رسالته، وهي مكملة للكتاب الذي تلقاه من ربه.. فهى بهذا صحف من كتاب موسى..
وعلى هذا، فإن هذه الآيات المادية، إذا اجتمعت إلى الآيات القرآنية، كان منهما كتابان، كتاب مادى، وكتاب كلامى.. وقد كذب المشركون قديما وحديثا بالكتابين معا، ما اشتمل منهما على آيات مادية، وما اشتمل على آيات كلامية..
قوله تعالى:
الاستجابة هنا مرادة لأمرين: أن يأتى المشركون بكتاب من عند الله، هو أهدى من الكتابين المنزلين من الله، فيتبعهم النبيّ، أو أن يظهر عجزهم، فيؤمنوا بهذا الكتاب الذي يتلوه الرسول عليهم، ويدخلوا في دين الله..
فإن لم يستجيبوا، ولم يؤمنوا بالله وبرسوله، وبكتاب الله، فليس لهم وجهة إلا أن يضلّوا، ويتبعوا أهواءهم الفاسدة.. فليعلم الرسول هذا، وليقم موقفه منهم على هذا التقدير.
- وقوله تعالى: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ» هو تأكيد لضلال هؤلاء المشركين، وأنهم إنما ينقادون لأهوائهم، انقياد الكلب لصاحبه.. وأهواؤهم ضالة فاسدة، لا تقود إلا إلى ضلال وفساد! والاستفهام هنا بمعنى النفي.. والتقدير: أنه لا أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله والسؤال هنا: ما السرّ في تقييد الهوى المضلّ بهذا الوصف، وهو أنه بغير هدى من الله؟ وهل يكون هناك هوى معه هدى من الله؟
والجواب على هذا- والله أعلم- أن الهوى مضلّة أبدا، وأن الإنسان حيث يتبع هواه، فهو على ضلال، كما يقول سبحانه في ذمّ المشركين:«إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ» (23: النجم) .
وكما يقول سبحانه: «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ» (14: محمد) .