الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ»
ومما يبتلى به المؤمنون على طريق الإيمان، هذه الفتن التي تطلع عليهم من إخوان السوء، وأهل الضلال والكفر، من الآباء والأهل والأصدقاء، حيث يزينون لهم الضلال، ويدعونهم إليه، فإذا حدثوهم عن الآخرة، وعن الحساب والجزاء، هوّنوا عليهم الأمر، وقالوا لهم: لا تخشوا شيئا إن كان هناك آخرة، وكان حساب وجزاء، فنحن الذين دعوناكم إلى ما نحن فيه، ونحن نحمل تبعة هذا عنكم، فما أنتم إلا تبع لنا في هذا المقام..!
وقد كذبهم الله سبحانه وتعالى في دعواهم تلك، فقال سبحانه «وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» .. إذ كل نفس بما كسبت رهينة، وليس لإنسان أن يتولى أمر إنسان، ويحمل تبعته.. فكل إنسان له ذاتيته، وعليه مسئولية ما يعمل.. هكذا الإنسان، أو هكذا يجب أن يكون!.
وقوله تعالى: «وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ» أي أن هؤلاء الضالين، الذين يعملون على إضلال غيرهم، سيحملون فعلا ذنوبهم هم، وذنوب الذين أضلوهم، على حين لا يرفع عن كاهل الذين أضلوهم ما حملوا من ذنوب، فهذه الذنوب هي من كسبهم، لا تحسب على أحد غيرهم.. ثم إنها- من جهة أخرى من غرس الذين دعوهم إليها وأصلّوهم بها. فلا بد أن يطعموا من ثمرها الفاسد المشئوم!.
الآيات: (14- 18)[سورة العنكبوت (29) : الآيات 14 الى 18]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَاّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (15) وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18)
التفسير:
مناسبة هذه الآيات لما قبلها، هى أنها تعرض في إيجاز معجز، صورتين من صور الصراع بين الحق والباطل، فتواجه بهاتين الصورتين، هذا الصراع القائم بين المؤمنين والمشركين.. بين النبي- صلوات الله وسلامه عليه- والمؤمنين معه، وبين المشركين ومن اجتمع إليهم..
وفي الصورة الأولى، يرى المشركون أنفسهم في قوم نوح، الذي طول مقامه فيهم حتى بلغ ألف سنة إلا خمسين عاما، فلم ينفعهم هذا الزمن الطويل، الذي وقفوا فيه إزاء دعوة الحق. ولم تلتق طريقهم مع طريقه.. فكان أن أخذهم الطوفان، وهم متلبسون بكفرهم، يحملونه معهم إلى يوم الجزاء.. أما نوح ومن آمن معه، فقد نجاهم الله، وكان في نجاته آية للعالمين..
وفي الصورة الثانية: يرى المشركون أيضا رسولا من رسل الله، هو جدهم الأعلى، إبراهيم، عليه السلام، يقوم في قومه مقام محمد فيهم. فكل من النبيين الكريمين- إبراهيم ومحمد- عليهما السلام يدعو قومه إلى عبادة الله وحده، وإلى الانخلاع عن عبادة الأوثان التي يخلقونها بأيديهم وإن عبادة تلك الأوثان
ضلال، وامتهان لكرامة الإنسان.. إنها لا تملك لهم رزقا.. وإنما لذى يبتغى عنده الرزق، هو الله رب العالمين..
هذه هي دعوة كلا النبيين الكريمين، وقد بلغها كل منهما إلى قومه، كما أمره ربه «وما على الرسول إلا البلاغ المبين» ..
ويلاحظ هنا، أن قصة نوح تحمل إنذارا بالهلاك العام الشامل للكافرين جميعا، على حين أن قصة إبراهيم لم تحمل نذيرا بالعذاب الذي سيحلّ بالمشركين فما سر هذا.
نقول- والله أعلم- إن قصة نوح تمثل الدور الأول من الدعوة الإسلامية وذلك في مكة قبل الهجرة.. وأن هجرة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، إلى المدينة مع أصحابه، كانت أشبه بسفينة نوح، حيث وجد المسلمون في المدينة أمنا وسلاما، وحيث غرق المشركون في موقعة بدر، ومن لم يغرق منهم في ميدان القتال، مات غرقا في بحر الكفر والضلال، قبل أن يدركه الإسلام يوم الفتح، أما من ظل منهم على الحياة، يتخبط في أمواج الضلال، فقد انتشله الرسول الكريم يوم الفتح، وألقى به في سفينة النجاة، يوم ألقت مراسيها على المرفأ الذي أقلعت منه..!
أما قصة إبراهيم فإنها تصافح قصة نوح، وتلتقى بسفينة النجاة التي حملت النبي ومن معه إلى المدينة، ثم عادت بهم يوم الفتح إلى مكة.. وهناك يقف الرسول صلوات الله وسلامه عليه، موقف إبراهيم يوم أقبل على الأصنام فحطمها، وجعلها جذاذا.. فقد أقبل النبي يوم الفتح على جماعات الأصنام التي كانت منصوبة حول الكعبة، فقلبها على وجوهها محطّمة، وهو يتلو قوله تعالى:«وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً» .. «81: الإسراء»