الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: (1- 6)[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
التفسير:
يلفتنا هذا البدء الذي بدئت به هذه السورة إلى ما بدئت به سورة «الحجر» فقد كان بدء سورة «الحجر» هكذا: «الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ» على حين جاء بدء النمل كما ترى. «طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ» .
فقد اختلفت صورة النظم فيهما، بالمغايرة بين وضع الألفاظ المشتركة بينهما، هنا وهناك..
فالكلمات في الآيتين واحدة، هى آيات، والكتاب، وقرآن، ومبين.
ولكن نظم هذه الكلمات في السورتين قد اختلف، فقدم هنا ما أخر هناك.
وإنه لا بد من سرّ وراء هذه المغايرة بين وضع الألفاظ، فى الآيتين.
تلك آيات القرآن وكتاب مبين (النمل) .
تلك آيات الكتاب وقرآن مبين (الحجر) .
أذلك لأن اختلاف الحروف المقطعة التي بدئت بهما السورتان، اقتضى هذه المغايرة في نظم الكلمات المشتركة بينهما..؟
فكان من المناسب للحرفين: الطاء والسين، أن يجىء بعدهما.. «تلك آيات وقرآن وكتاب مبين» كما كان من المناسب للأحرف: ألف، لام، راء، أن يجىء بعدها.. «تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ» ؟
قد يكون هذا، ولكن لا مفهوم له عندنا، مادمنا عاجزين عن فهم الدلالة القاطعة لهذه الحروف المقطعة.!
والذي يبدو لنا وراء هذا السر المختفى، الذي لا سبيل إليه، والذي ندع تأويله للراسخين في العلم- هو أن الآيتين تصوران صورة واحدة- للقران الكريم..
فالقرآن، والكتاب، آيات.. مقروءة، أو مكتوبة..
والقرآن.. هو كتاب مبين.. وقرآن مبين..
وهذا يعنى أن القرآن يجب أن يدوّن، ويكتب في صحف، احتفاء به، وحرصا عليه..
وهذا يعنى أيضا، أن هذا الكتاب الذي تدوّن فيه آيات الله، ينبغى أن يقرأ، ويتعبد بقراءته.. وأنه ليس الغرض من كتابته مجرد الكتابة للصيانة والحفظ، وإنما ليكون بموضع أنظار المسلمين في كل وقت.
وهذا يعنى مرة ثالثة.. ألا يقف القارئون لآيات القرآن، أو المرتلون لها، عند حدود القراءة أو الترتيل، بل يجب أن يفقهوا آياته، وأن يتدبروا كلماته، وأن يلتسموا عندها البيان لكل ما خفى عنهم، سواء كانوا قارئين أو مرتلين..
فآياته بينة لمن يقرأ أو يرتل.. إنه قرآن مبين، وكتاب مبين.. فمن لم يجد
البيان فيما يقرأ أو يرتل منه فما أعطى القرآن أو الكتاب حقّه.
قوله تعالى:
«هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» هو بيان لما في القرآن من هدى وبشرى، لمن يؤمن بهذا القرآن، ويتدبر آياته، حيث يجد في آياته البينة ما يكشف له معالم الطريق إلى كل ما هو حق، وخير، وإحسان، وحيث يصله القرآن بالملأ الأعلى، ويصل حياته الدنيا، بالحياة الآخرة، وما أعد الله من جنات النعيم للمؤمنين، الذين سكن الإيمان قلوبهم، فامتثلوا ما أمرهم الله به، واستقاموا على طريقه المستقيم، فأقاموا الصلاة على وجهها، وأدوا الزكاة على ما أمر الله أن تؤدّى عليه، واستيقنوا أن هناك حياة آخرة، وأن فيها حسابا وجزاء، وجنة ونارا.. فعملوا لهذا اليوم العظيم بما ينجيهم من هوله، وبدنيهم من رحمة الله ورضوانه..
قوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ» العمه: الضلال، وعمى البصيرة..
والآية هنا تكشف عن الوجه الآخر، المعتم الضال، من وجهى الإنسانية، للقابل للمؤمنين بالله واليوم الآخر.. وهو وجه الذين لا يؤمنون بالآخرة..
وأنه إذا كان فى القرآن الكريم هدى وبشرى للمؤمنين، فإن هذا القرآن لا يزيد الكافرين الضالين إلا كفرا وضلالا..
وقوله تعالى: «زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ» - إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى قد أحلاهم لأنفسهم، وما توسوس لهم به أهواؤهم، فرأوا السيّء حسنا، والقبيح
جميلا، والشرّ خيرا» والله سبحانه وتعالى يقول:«أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً» (8: فاطر) .
- وقوله تعالى: «فَهُمْ يَعْمَهُونَ» أي يعشون عن طريق الهدى، فلا يقيمون وجوههم عليه، بل يتخبطون في ظلمات الجهل والضلال.
وفي قصر عدم إيمانهم، على الآخرة، ما يشير إلى أن الإيمان بالآخرة لا يكون إلا بعد الإيمان بالله.. فمن لم يؤمن بالله، وبقدرته على البعث، فلن يؤمن أبدا يبعث أو حساب وجزاء، أو جنة ونار..
قوله تعالى:
«أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ» .
هو الجزاء الذي يلقاه المكذّبون بالآخرة، الكافرون بالله، الذين أعمتهم أهواؤهم وشهواتهم عن أن يفكّروا، ويتدبروا في خلق السموات والأرض، وأن يستمعوا إلى آيات الله التي تتلى عليهم..
قوله تعالى:
«وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ» .
هو بيان لمتنزّل القرآن، وأن هذا المتنزّل هو مقام عال لا ينال.. فالله سبحانه وتعالى، هو الذي ينزّل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده.. وهذا القرآن هو منزّل من ربّ العالمين.. وإذن فالقول بأن القرآن شعر، هو باطل الأباطيل، حيث لا وجه للشبّه بينه وبين الشعر، من حيث نظم الكلام، ومحتوى هذا الكلام،، وما يحمل من معان.
وفي وصف الله سبحانه وتعالى في هذا المقام، بهاتين الصفتين: حكيم، وعليم.. إشارة إلى ما في القرآن من حكمة وعلم.. حكمة، فى تقرير الحقائق، وفي وزن التكاليف، ورسم الحدود الشرعية، وضبط ذلك كله بميزان دقيق،