الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاصب، وهو ما يحصب به، أي يرمى به من حصى وغيره.. ومنه الحصباء، وهو صغار الحصى. ومنه قوله تعالى:«حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ» «98: الأنبياء» أي أنهم يلقون فيها كما يلقى الحصى!.
وهذا الضرب من العذاب، هو ما أخذ به قوم لوط، إذ رماهم الله بحجارة من سجيل، وهو الذي أخذ به من قبل، قوم صالح، إذ أهلكوا بريح صرصر عاتية، فكانت كأنها رجوم.
والصيحة، وهي الرجفة، هى العذاب الذي أهلك به قوم عاد، إذ صلح فيهم صائح، فزلزل بهم الأرض، وهدم عليهم دورهم.
والخسف، هو ما حل بقارون.. والغرق، هو ما هلك به فرعون وهامان..
الآيات: (41- 45)[سورة العنكبوت (29) : الآيات 41 الى 45]
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَاّ الْعالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45)
التفسير:
قوله تعالى:
(م 28 التفسير القرآنى ج 20)
مناسبة هذا المثل هنا، هو أنه لما ذكر الله سبحانه وتعالى بعضا من تلك الأقوام الضالة، التي كذبت برسل الله، واستمسكت بما كانت عليه من شرك- كان هذا المثل مرآة يرى عليها الناس- وخاصة أولئك الذين غلظت طباعهم، وتبلدت مشاعرهم- صورة مجسدة لهؤلاء المشركين وما عبدوا من دون الله..
إن هؤلاء المشركين، كالعنكبوت.. فى ضعفها وصغر شأنها..
فهؤلاء المشركون، هم في يد القدرة القادرة، وإزاء سلطان الله الغالب القاهر- أقل من العنكبوت شأنا، وأضعف منها حيلة وحولا..
ثم إن هؤلاء المشركين في ضعفهم وصغر شأنهم، قد اتخذوا من الأصنام، وغير الأصنام، آلهة يعبدونها من دون الله، ليكون لهم منها قوة وسندا- كما يقول سبحانه:«وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا» (81: مريم) فكان مثلهم في ذلك مثل العنكبوت، حين تتخذ لها بيتا، تقيمه حولها، وتسكن إليه، وتحتمى به.. إنه لا يثبت لأية لمسة من ربح عابرة، أو حشرة طائرة.. وإن هذه الآلهة التي دخل القوم في حماها، لهى أو هي من بيت العنكبوت، لا تدفع عن الداخلين في حماها أذى، ولا ترد شرا..
- وفي قوله تعالى: «لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» . وصف للقوم بالصفة الغالبة عليهم، وهي الجهل، لأنهم لو كانوا على أي قدر من العلم، لما ارتضوا أن ينسجوا من هذا الضلال دروعا يحتمون بها من رميات القدر..
وفي تشبيه آلهة القوم بنسيج العنكبوت، إعجاز من إعجاز القرآن، إذ أن العنكبوت إنما تتخذ بيتها من خيوط رفيعة هي لعابها الذي إذا لامس الهواء تماسك في صورة خيوط دقيقة واهية.. وهؤلاء المشركون إنما
أقاموا معتقدهم الفاسد الذي يعتقدونه، ويلتمسون الطمأنينة والأمن في ظله- إنما أقاموا من تلك الأبخرة العفنة التي تتصاعد من مشاعرهم، فتتشكل منها تلك الأوهام الخادعة، ويقوم عليها هذا البناء المتداعى!! قوله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» .. هو بيان لعلم الله بهم وبما يعبدون من أباطيل، لا وزن لها، مع عزة الله، ولا تدبير لها، مع تدبيره المحكم.
ويمكن أن يكون للآية مفهوم آخر، وهو أن تكون «ما» نافية..
ويكون مفعول العلم مطلقا، بمعنى أن الله يعلم كل شىء.. وقوله تعالى:
«ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ» نفى لوجود هذه المعبودات، أي أنها لضالتها، وعدم جداوها لهم، لا تعدّ شيئا.. أما الله سبحانه، الذي أعرضوا عنه، فهو العزيز الحكيم..
قوله تعالى:
«وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ» الإشارة هنا، هى إلى هذا المثل المضروب، وإلى تلك الأمثال التي يضربها الله للناس، ليروا فيها مواقع العبرة والعظة، وليكون لهم منها طريق إلى الحق والهدى.. ولكن هذه الأمثال لا يعقلها، ولا ينتفع بما يعقل منها إلا أهل العلم.. «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا» (26: البقرة) قوله تعالى:
«خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ» - هو
بيان لما أبدع الله «الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» وما أقام في هذا الوجود من عوالم، وما بث فى هذه العوالم من مخلوقات.. وفي هذا الوجود، وعوالمه ومخلوقاته، صحف يتلو فيها المؤمنون آيات الله، ويسبحون بحمده، فى كل نظرة ينظرون بها، وفي كل نفس يتنفسونه، وفي كل خاطر يخطر لهم:«إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.. رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا.. سُبْحانَكَ.. فَقِنا عَذابَ النَّارِ»
(190: 191: آل عمران) قوله تعالى:
«اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ» ومن آيات الله، تلك الآيات المتلوة، التي هي كلماته، التي أوحاها سبحانه إلى نبيه الكريم.. إنها تناظر تلك الآيات المبثوثة في السموات والأرض.. فى كل منها شاهد يشهد لجلال الله وقدرته، وعلمه وحكمته..
وفي أمر النبي بتلاوة ما أوحى إليه من الكتاب- إلفات للعقول إلى هذه الآيات القرآنية، بعد إلفات الأبصار إلى الآيات الكونية، فيكون من هذه وتلك لقاء بين المحسوس والمعقول، وبهذا تكتمل المعرفة، وتثبت قضايا العلم فيقع للإنسان من ذلك علم يقينى، يقوم عليه إيمانه بالله رب العالمين..
- وفي قوله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلاةَ» إشارة إلى ما للصلاة من شأن في وصل العبد بربه، وفي قيادته نحو الطريق القاصد إلى الله.. إذ كانت تسبيحا بحمده، وتمجيدا لجلاله..
- وفي قوله تعالى: «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ» - إشارة إلى
الأثر الذي تتركه الصلاة في المصلين: من إيقاظ المشاعر الطيبة في الإنسان، تلك المشاعر التي تعاف الفحشاء، وتنفر من المنكر..
- وقوله تعالى: «وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ» . المراد بالذكر هنا، استحضار عظمة الله، وجلاله في الصلاة، حيث يكون الإنسان في صلاته في حال من الخشوع، والتخاضع بين يدى الله، لما يملأ قلبه من جلال الله وعظمته، وهذا هو الذي يجعل للصلاة ثمرا طيبا مباركا، يذوق الإنسان منه حلاوة الإيمان، ويستروح منه أنسام التقوى، وبذلك يدخل في عباد الله المفلحين المكرمين.. كما يقول سبحانه:«قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ» (1: المؤمنون) فالصلاة التي لا يحضرها ذكر الله، ولا يغشاها الخشوع والرهب، ولا تظللها سكينة النفس، وطمأنينة القلب- هى صلاة قليلة الثمر، ضثيلة الأثر.. يقول الله سبحانه لموسى عليه السلام:«وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» «14: طه» أي لتذكرنى بها..
وإذا كان ذكر الله مطلوبا في كل حال، فى الصلاة وفي غير الصلاة، فإن ذكره سبحانه في الصلاة، أولى وأوجب.. إذ كانت الصلاة في ذاتها ذكر الله.. فالذكر في مقام الذكر أولى، وأوجب، وأنفع.
هذا، وقد يصغر شأن الصلاة عند من ينظرون إلى كثير من المصلين، فلا يجدون للصلاة أثرا عليهم في سلوكهم، حيث لم تنههم صلاتهم عن فحشاء أو منكر.. ففى المصلين من يكذب، وفي المصلين من يشهد الزور، وفي المصلين من يبخس الكيل والميزان، وفي المصلين من يشرب الخمر، وفي المصلين من يزنى، ومن يسرق
…
ومن، ومن..
ونعم، فى المصلين، من هم على هذا الوصف الذميم.. وليس ذلك لعلة فى الصلاة، وإنما العلة كامنة في المصلّى نفسه، لأنه يصلى بجسمه، ولا يصلى بعقله،
وقلبه، وروحه، فلا يذكر الله في صلاته ذكرا يملأ كيانه خشوعا، وجلالا..
ومع هذا، فإن مداومة الصلاة، والحرص على أدائها في أوقاتها، ستصل بالمصلّي يوما وإن طال به الطريق، إلى الثمرة الطبية التي وعد الله المصلين بها، وهي الانتهاء عن الفحشاء والمنكر..
وفي هذا يقول الرسول الكريم فيمن بلغه عنه أنه يصلى، ولا ينتهى عن الفحشاء والمنكر- يقول صلوات الله وسلامه عليه.. «دعوه.. فإن صلاته ستنهاه يوما ما» والله يقول الحق، وهو يهدى السبيل