الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن في ذلك لآية، فيها العبرة والموعظة، لهؤلاء المشركين من أهل مكة، ولكن أكثرهم لا يؤمنون بهذه الآيات، ولا يقفون عندها، ليطالعوا وجه العبرة فيها.
الآيات: (123- 140)[سورة الشعراء (26) : الآيات 123 الى 140]
كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127)
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132)
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (136) إِنْ هذا إِلَاّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)
وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)
التفسير:
وآية أخرى من آيات الله هي في هذا الصراع الذي كان بين «هود» عليه السلام، وبين قومه. إن قوم «هود» على شاكلة قوم نوح.. سواء بسواء.. فهل يجد فيها المشركون عبرة لهم؟.
«إن هودا» يدعوهم إلى الله، وإلى أن يستقيموا على طريقه المستقيم، وهو فى هذا الذي يدعوهم إليه، لا يريد إلّا الخير لهم، والنجاة لأنفسهم، من عذاب الله.. وليس له أجر على هذا، يقتضيه منهم، وإنما أجره على ربّه، الذي حمّله رسالته تلك.. إنه الطبيب الذي يكشف لهم عللهم وأدواءهم، ويقدّم لهم الدواء الذي إن قبلوه وتعاطوه، كان فيه شفاؤهم وسلامتهم.
وإن الداء المتمكن منهم، هو تكالبهم على الدنيا، واستعبادهم لزخارفها، دون أن يكون لهم نظر إلى ما وراء هذه الحياة..
«أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ» .؟
الرّيع: المكان المرتفع، وواحده ربعة.
فهذا هو بعض ما يشغلهم في دنياهم.. الافتنان في بناء مجالس ألهو والسّمر، والإبداع في تصويرها ونقشها، وجلب كلّ غريب نفيس إليها.. حتى لتبدو كأنها آية في الحسن والجمال.. ومن شأن الآيات أن تثير العقل، وتغذّى الوجدان، وتعلو بالنفس عن مدارج الأرض إلى معارج السماء! ولكن تلك الآيات، التي يبدعها القوم، هى آيات لاهية عابثة، تعلو بحيوانية الإنسان على آدميته، وتنتصر لجسده على روحه! «وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ» .؟
المصانع: الأمكنة الجيدة الصنع، وهي التي للإنسان فيها تقدير وتدبير، كما يقال:«صُنْعَ اللَّهِ» .. ويقال: رجل صنع، أي حاذق الصنعة جيّدها، وامرأة صناع.. والصنيعة: ما يصنع من خير للغير..
وهذا وجه آخر من الوجوه التي يصرف القوم فيها جهدهم، وهو أنهم يجوّدون في صناعة منازلهم وأمتعتهم، وأدوات ركوبهم.. حتى لكأنهم خالدون في هذه الدنيا، لا يموتون أبدا.. فليتهم إذ أجادوا الصنعة وأحسنوا
العمل فيما هو لدنياهم- أن يجيدوا بعض الإجادة، ويحسنوا بعض الإحسان، لما بعد هذه الحياة الفانية.
«وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ» .
فقد كان القوم على بسطة خارقة في الجسم، ومع هذه البسطة الخارقة فى الجسم قوة طاغية في الحرب والقتال.. وتلك نعمة أساءوا استعمالها، فاستبدّوا بمن حولهم، وأزعجوا أمّن جيرانهم، بغيا وعدوانا في غير رحمة..
فكانوا أشبه بالوحوش الكاسرة، تقتل كل ما يقع ليدها من حيوان أو إنسان، فى حال جوعها وشبعها على السّواء.. إنها تغذّى طبيعة الافتراس على أية حال.. وشأن القوم مع هذه العظات، شأن كل غويّ ضال، قد استبدّ به ضلاله، فلم ير إلا ما يراه، وهو الأعمى الذي لا يرى إلا ظلاما وأوهاما..
يلقاهم الداعي الكريم بهذا النذير: «إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» فيلقونه بهذا الرد الهازئ الساخر.
«سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ» !! إننا لا نسمع لك قولا، ولا نقبل منك رأيا.
«إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ» .
أي فما هذا الذي تحدث به إلا أكاذيب وأضاليل، تحدّث بها أناس قبلك، وتوعدوا الناس بالعذاب، فلم يقع شىء مما تحدثوا به.
«وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ» إن كان هناك حقا عذاب. فنحن أقوى الناس قوة، وأعزهم مكانا، وأمنعهم سلطانا- فكيف نعذب؟ إنما يعذب هؤلاء الضعفاء، الذين لا يملكون ما يدفعون به عن أنفسهم الأيدى التي تمتد إليهم بأذى! .. ذلك ظن من غرهم