المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ منهاج السورة - التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون - جـ ٧

[مأمون حموش]

فهرس الكتاب

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌40 - سورة غافر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌41 - سورة فصلت

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌42 - سورة الشورى

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌43 - سورة الزخرف

- ‌ما ورد في ذكرها

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌44 - سورة الدخان

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌45 - سورة الجاثية

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌46 - سورة الأحقاف

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌47 - سورة محمد

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌48 - سورة الفتح

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌49 - سورة الحجرات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌50 - سورة ق

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌51 - سورة الذاريات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌52 - سورة الطور

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌53 - سورة النجم

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌54 - سورة القمر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌55 - سورة الرحمن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌56 - سورة الواقعة

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌57 - سورة الحديد

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌58 - سورة المجادلة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌59 - سورة الحشر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

الفصل: ‌ منهاج السورة

وفي مسند البزّار ومعجم الطبراني عن زيد بن حارثة: [أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد: "إني قد خَبأْت خَبْأ فما هو؟ "- وخبأ له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سورة الدخان - فقال: هو الدُّخُّ، فقال: "اخسأ، ما شاء اللَّه كان". ثم انصرف](1).

‌موضوع السورة

تهديد الكافرين المعاندين للمرسلين بدخان الدنيا ودخان نار الجحيم

-‌

‌ منهاج السورة

-

1 -

انتصار من اللَّه تعالى للقرآن العظيم، الذي نزل في ليلة القدر من شهر رمضان الكريم.

2 -

تضييق اللَّه حياة المشركين في مكة بالدخان والجهد والقحط لعلهم يرجعون.

3 -

كشف اللَّه العذاب عن القوم حين دعوه، فلما غدروا أعقبهم يوم بدر يوم البطشة الكبرى، والعذاب الأدنى.

4 -

تسلية اللَّه تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بذكر خبر موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون.

5 -

غرق فرعون وجنوده، ومغادرتهم الجنات والعيون، ليرثها من بعدهم بنو إسرائيل.

6 -

إنكار مشركي العرب البعث بعد الموت والحساب، ومطالبتهم بإحضار الآباء وتعجيل الثواب أو العقاب.

7 -

التقريع على المشركين بأنهم ليسوا أقوى من قوم تُبَّعٍ والأمم السالفة المتجبرة التي كذبت بالحساب، فنزل بها انتقام اللَّه وعاجل العقاب.

8 -

تقرير اللَّه تعالى حكمته في الخلق، أنها للجِدّ والعبادة لا للهزل واللعب.

(1) متن صحيح. أخرجه البزار (3399) والطبراني (4666)، وقال الهيثمي في (المجمع) (12562):(فيه زياد بن الحسن، ضعفه أبو حاتم، ووثقه ابن حبان). لكن للحديث شواهد كثيرة منها الحديث الذي قبله في صحيح مسلم.

ص: 219

9 -

تأكيد جمع اللَّه الخلائق ليوم الفصل حيث لا يغني حميم ولا قريب، ولا ينجو إلا من رحم اللَّه وجاء بقلب منيب.

10 -

نَعْتُ طعام المشركين بأنه من شجرة الزقوم، فهو يغلي في البطون كغلي الحميم.

11 -

الأمر بإدخال الطغاة إلى وسط الجحيم، وأن يصب على رأس أحدهم من الحميم. ثم يقال له توبيخًا: ذق إنك أنت العزيز الكريم.

12 -

نعْتُ مقام المتقين في جنات النعيم، وطعامهم ولباسهم ونكاحهم وقد وقاهم اللَّه عذاب الجحيم.

13 -

تسلية النبي صلى الله عليه وسلم بهذا البيان والذكر الحكيم، ووعده بالنصر القريب على القوم الكافرين.

* * *

ص: 220

بسم الله الرحمن الرحيم

1 -

8. قوله تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)}.

في هذه الآيات: نزولُ القرآن الكريم في ليلة القدر من شهر رمضان، وهي ليلة خير من ألف شهر، يُفْصَل فيها من اللوح المحفوظ كل أمر محكم لا يتبدل، رحمة من اللَّه الواحد الأحد رب العالمين.

فقوله تعالى: {حم} . هو كسابقه في مفهوم الحروف المقطعة أوائل السور. وأنه يقتضي الإعجاز.

وقوله: {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} . انتصار لهذا القرآن عقب تلك الحروف. فهو الكتاب الواضح في آياته، البين في دلالاته وأحكامه ومعانيه.

وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} . هي: ليلة القدر، في شهر رمضان. كما قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]. وكما قال جل ذكره: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

قال قتادة: (أنزل القرآن كله في ليلة القدر من أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ، إلى بيت العزة في سماء الدنيا، ثم أنزله اللَّه على نبيّه صلى الله عليه وسلم في الليالي والأيام في ثلاث وعشرين سنة).

وفي سنن ابن ماجة بسند حسن عن أنس بن مالك قال: دخل رمضان. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [إنّ هذا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وفيه لَيْلةٌ خَيْرٌ من أَلْفِ شَهْر. مَنْ حُرِمَهَا فقد

ص: 221

حُرِمَ الخيرَ كُلَّه. ولا يُحْرَمُ خَيْرها إلا مَحْرومٌ] (1).

وقوله: {إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} . قال ابن كثير: (أي: مُعلِمين الناسَ ما ينفَعُهم ويضُرُّهم شرعًا، لِتَقومَ حُجّة اللَّه على عباده).

وقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} . أي: يُفْصَل في هذه الليلة من اللوح المحفوظ كل أمر محكم لا يتبدل ولا يتغيّر، فينزل إلى الكَتَبةِ ما سيكون في السَّنة من الآجال والأرزاق والأحوال الهامة.

قال ربيعة بن كلثوم: قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر، أفي كل رمضان هي؟ قال:(نعم واللَّه الذي لا إله إلا هو، إنها لفي كل رمضان، وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، يقضي اللَّه كلَّ أجل وخلق ورزق إلى مثلها). وفي رواية: (فيها يقضي اللَّه كل أجل وأمل ورزق إلى مثلها).

وعن عمر مولى غفرة قال: (يقال: ينسخ لملك الموت من يموت ليلة القدر إلى مثلها، وذلك لأن اللَّه عز وجل يقول: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} وقال: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} قال: فتجد الرجل ينكح النساء وبغرس الغرس واسمه في الأموات).

وعن مجاهد: (قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}. قال: في ليلة القدر كلّ أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها).

وقوله: {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} . أي: كل ما يكون وَيُقَدَّر تلك الليلة فبإذن اللَّه وعلمه. قال ابن عيسى: (هو ما قضاه اللَّه في الليلة المباركة من أحوال عباده). وقوله: {أَمْرًا} في محل نصب حال، أو في محل نصب على الاخنصاص.

وقوله: {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} . قال القاسمي: (أي مرسلين إلى الناس رسولًا من أنفسهم يتلو عليهم آيات اللَّه ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، رحمة منه تعالى بهم، لمسيس الحاجة إليه).

وقوله: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} . أي: إنما أرسل اللَّه الرسل رحمة بالعباد لاستقامة أمور دنياهم وأخراهم. وقوله: {رَحْمَةً} في محل نصب حال. وقيل: مفعول لأجله، أي: أرسلناه للرحمة.

(1) حسن صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (1644) - كتاب الصيام. باب ما جاء في فضل شهر رمضان. انظر صحيح سنن ابن ماجة (1333).

ص: 222

وقوله: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} . أي: السميع لأقوال عباده العليم بأحوالهم.

وقوله تعالى: {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} .

{رَبِّ} بدل من {ربك} . والمعنى: هو رب السماوات والأرض وما بينهما. ومقصود الشرط: إن كان إقراركم للَّه بالربوبية عن علم وإيقان، فإنه هو الذي أنزل الكتب وأرسل الرسل رحمة بكم، وإنه هو السميع لدعاء عباده وقيلهم العليم بما يصلح أحوالهم.

وقوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} .

قال القرطبي: (أي: هو خالق العالم، فلا يجوز أن يشرك به غيره ممن لا يقدر على خلق شيء. {هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي: يحيى الأموات ويميت الأحياء. {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} أي: مالككم ومالك من تقدّم منكم. واتقوا تكذيب محمد لئلا ينزل بكم العذاب).

9 -

16. قوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}.

في هذه الآيات: تضييقُ اللَّه الخناق على مشركي قريش بالدخان والجهد والقحط حتى لجؤوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يناشدونه بالرحم أن يسأل ربه رفع العذاب، فكشفه تعالى ثم تمادوا فأخزاهم يوم بدر بأشد العقاب.

فقوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} . أي: بل هؤلاء المشركون من قريش في شك يمترون ولا يوقنون. قال النسفي: (وإِن إقرارهم غير صادر عن علم وتيقن بل قول مخلوط بهزء ولعب).

وقوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} الآيات.

أخرج البخاري ومسلم عن مُسلِم بن صَبيح، عن مسروق قال: قال عبد اللَّه: [إنما

ص: 223

كان هذا لأن قريشًا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسنين يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل اللَّه تعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال: فَأُتِي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول اللَّه، استسق اللَّه لمضر فإنها قد هلكت، قال: لمضر؟ إنك لجريء، فاستسقى فسقوا، فنزلت:{إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} . فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل اللَّه عز وجل:{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} قال: يعني يوم بدر].

وفي رواية لمسلم: [جاء إلى عبد اللَّه رجل فقال: تركت في المسجد رجلًا يفسر القرآن برأيه، يفسِّر هذه الآية: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} قال: يأتي الناس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام. فقال عبد اللَّه: مَنْ عَلِم عِلْمًا فليقل به ومن لم يعلم فليقل اللَّه أعلم، فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: اللَّه أعلم. إنما كان هذا فذكره].

وفي رواية: [فجعل الرجل ينظرُ إلى السماء، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجَهْدِ، قال اللَّه تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فَأُتِي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول اللَّه، استسق اللَّه لِمُضَرَ، فإنها قد هَلَكَت. فاستسقى لهم فَسُقُوا، فأنزل اللَّه عز وجل: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}. قال ابن مسعود: فيكشِفُ العذابَ عنهم يومَ القيامة؟ ! فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم، فأنزل اللَّه: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}، قال: يعني يوم بدر. قال ابن مسعود: فقد مضى خمسة: الدخان، والرومُ، والقمرُ، والبطشة، واللِّزام](1).

وأخرجه الطبراني بسند صحيح عن مسروق قال: [دخلنا المسجد -يعني مسجد الكوفة- عند أبواب كِنْدَةَ، فإذا رجلٌ يقصُّ على أصحابه:{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} ، تدرون ما ذلك الدخان؟ ذلك دخان يأتي يومَ القيامة، فيأخذ بأسماعِ المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام، قال: فأتينا ابنَ مسعود فذكرنا

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (4821)، ومسلم (2798)، والترمذي (3251)، والنسائي في "التفسير"(501)، (503).

ص: 224

ذلك له، وكان مُضْطجعًا فَفَرغ فقعد، وقال: إن اللَّه عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]، إنَّ مِنَ العِلم أن يقولَ الرجلُ لما لا يعلَم: اللَّه أعلم. سأحدِّثكم عن ذلك، إنَّ قُريْشًا لما أبطأتْ عن الإسلام واستَعْصَتْ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، دعا عليهم بسنين كسِني يوسُف، فأصابهم من الجَهد والجُوع حتى أكلوا العظامَ والمَيتة، وجعلوا يرفَعونَ أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان] (1).

وقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم الدخان في الآياتِ التي تكون قبل قيام الساعة كما في حديث حُذيفة بن أَسِيدٍ الغفاري -في صحيح مسلم ومسند أحمد- قال: [اطّلَعَ النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكَرُ، فقال: ما تَذْكُرون؟ قالوا: نَذْكُرُ الساعة، قال: إنها لَنْ تقومَ حتى تَرَوْنَ قبلها عَشْرَ آيات. فذكر: الدُّخان، والدّجال، والدّابة، وطلوعَ الشمس مِنْ مَغْرِبِها، ونُزولَ عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوجَ ومأجوجَ، وثلاثةَ خُسوفٍ: خَسْفٌ بالمَشْرِق، وخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وخَسْفٌ بجزيرة العرب، وآخِرُ ذلك نارٌ تَخْرُجُ من اليمن، تطرُدُ الناس إلى مَحْشَرِهم](2).

قال ابن مسعود: [خمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، واللِّزامُ، والرُّوم، والبَطْشَةُ، والقَمَرُ](3).

وِفي صحيح مسلم عن أبي بن كعب، في قوله عز وجل:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [السجدة: 21]. قال: [مصائبُ الدنيا، والرومُ، والبَّطْشَةُ، أو الدُّخان](4) -شُعْبَةُ هو الشّاك في البطشة أو الدخان-.

وقوله: {يَغْشَى النَّاسَ} . أي: يتغشاهم ويَعُمُّهم. {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} -تقريع لهم وتوبيخ-. أي يقول اللَّه لهم: {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

وقوله تعالى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} .

هو قول قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: إنْ كشف اللَّه عنّا هذا العذاب آمنا بك وأسلمنا معك. قال

(1) حديث صحيح. أخرجه الطبري (31043)، وإسناده صحيح.

(2)

حديث صحيح. أخرجه مسلم (2901) - كتاب الفتن، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة. ورواه أحمد (4/ 6)، وابن أبي شيبة (15/ 163)، وأخرجه الحميدي (827).

(3)

حديث صحيح. أخرجه مسلم (2798) ح (41) - كتاب صفات المنافقين. باب الدخان.

(4)

حديث صحيح. أخرجه مسلم (2799) - كتاب صفات المنافقين، الباب السابق.

ص: 225

قتادة: (العذاب هنا الدخان). وقال النقاش: (الجوع). وكلا المعنيين وارد ولا تناقض، فقد اجتمع عليهم الجهد والجوع والدخان.

وقوله تعالى: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} . أي: من أي وجه يتذكرون وقد تولوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والقرآن والحجج.

قال ابن عباس: (أي متى يتّعظون واللَّه أبعدهم من الاتعاظ والتذكر بعد تولّيهم عن محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم إياه).

وقوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} .

قال مجاهد: (تولوا عن محمد عليه الصلاة والسلام وقالوا معلم مجنون).

قال النسفي: (كيف يذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} أي: وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الاذّكار من كشف الدخان، وهو ما ظهر على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الآيات والبينات من الكتاب المعجز وغيره، فلم يذكروا وتولوا عنه وبهتوه بأنّ عَدَّاسًا غلامًا أعجميًا لبعض ثقيف هو الذي علمه، ونسبوه إلى الجنون).

وقوله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} .

أي: إنا سنكشف عنكم العذاب الذي أنزلناه بكم زمانًا قليلًا أو كشفًا يسيرًا، ولكنكم سرعان ما تعودون إلى كفركم وغيكم وتنسون فضل ربكم.

قال ابن مسعود: (فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية) - رواه مسلم (1).

وقوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} .

قال ابن مسعود: (البطشة الكبرى: يوم بدر). قال ابن جرير: (فعادوا، فبطش بهم جل ثناؤه بطشته الكبرى في الدنيا فأهلكهم قتلًا بالسيف).

17 -

33. قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ

(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم (2798) - وقد مضى بتمامه.

ص: 226

بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلَا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)}.

في هذه الآياتِ: تسليةُ اللَّه تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بذكر خبر موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون، وتكذيب القوم بالوحي والنبوة حتى دكّهم اللَّه بالهلاك وتركوا الجنات والعيون، وأورثها اللَّه بني إسرائيل بعد أن نجّاهم، وأكرمهم بالتوراة والآيات ومحّص إيمانهم وابتلاهم.

فقوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} .

أي: ولقد اختبرنا قبل فشركي قومك يا محمد قوم فرعون، وهم قبط مصر، وبعثنا فيهم موسى عليه الصلاة والسلام. قال قتادة:(قوله: {رَسُولٍ كَرِيمٍ} قال: موسى عليه السلام، ووصفه جل ثناؤه بالكرم لأنه كان كريمًا عليه، رفيعًا عنده مكانُهُ، وقد يجوز أن يكون وصفه بذلك لأنه كان في قومه شريفًا وسيطًا).

وقوله: {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} .

قال قتادة: (يعني به بني إسرائيل، قال لفرعون: علام تحبس هؤلاء القوم، قومًا أحرارًا اتخذتهم عبيدًا، خلّ سبيلهم).

والآية كقوله تعالى: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47].

وقوله: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} . قال ابن جرير: (أمين على وحيه ورسالته التي أوعدنيها إليكم).

ص: 227

وقوله: {وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ} . قال ابن عباس: (لا تفتروا على اللَّه). وقال قتادة: (أي: لا تبغوا على اللَّه).

وقال ابن كثير: (أي لا تَسْتَكْبِروا اتباع آياته، والانقياد لِحُججه والإيمانِ ببراهينه، كقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]).

وقوله: {إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} . قال قتادة: (أي: بعذر مبين).

والمراد: الآيات البينات والأدلة الساطعات والحجج الظاهرات التي أكرم اللَّه بها موسى.

وقوله تعالى: {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} . قال ابن عباس: (هو الرَّجم باللسان، وهو الشّتم). وقال قتادة: (الرجم بالحجارة). والمقصود: إني أعوذ باللَّه ربي وربكم أن تصلوا إلي بسوء بقول أو فعل.

وقوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} . قال قتادة: (أي فخلوا سبيلي). وقال مقاتل: (أي دعوني كَفافًا لا لِيَ ولا عَلَيّ). والمقصود: كفوا أذاكم عني ولا تتعرضوا لي ودعوا الأمر مسالمة بيني وبينكم حتى يحكم اللَّه بيننا.

وقوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ} .

أي: فلما طال مُقامه فيهم يقيم حجج اللَّه عليهم، ولم يظهروا إلا العناد والاستكبار والإجرام، دعا عليهم دعوة نفذت فيهم، كما قال سبحانه:{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس: 88 - 89].

وقوله تعالى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} .

في الكلام محذوف تقديره: فأجابه ربه في دعوته، وأمره أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم متجاوزًا فرعون وإذنه، كما قال جل ذكره:{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} [طه: 77].

قال النسفي: ({إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} أي: دبّر اللَّه أن تتقدموا ويتبعكم فرعون وجنوده، فينجي المتقدمين ويغرق التابعين).

ص: 228

وقوله: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} . الرّهو: السير السهل. قال ابن عباس: ({وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا}: كهيئته وامضِه). وقال مجاهد: (طريقًا يَبَسًا كهيئته، يقول: لا تأمره يرجعُ، اتركه حتى يرجعَ آخرُهم). والمعنى: لما جاوز موسى ببني إسرائيل البحر، أراد أن يضرب بعصاه البحر ليعود كما كان، حتى يصير حائلًا بينهم وبين فرعون فلا يصل إليهم، فأمره اللَّه بتركه ساكنًا وطمأنه بأن لا يخاف دركًا ولا يخشى، وبأن فرعون وجنوده في عداد الغرقى، وهو قوله:{إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} .

وقوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} . {كَمْ} : للتكثير. أي: كم تركوا من بساتين وعيون ماء، كالأنهار والآبار، كانوا ينعمون بخيراتها فأهلكهم اللَّه ومنعهم من الاستمرار في النعيم، وصيَّرهم إلى حياة الهلاك والجحيم.

وقوله تعالى: {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} . أي: وكم تركوا من زروع وثمار مختلفة، ومساكن أنيقة وأماكن حسنة كانوا يستمتعون بالمقام فيها. قال مجاهد:({وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}: المنابر). وقال قتادة: ({وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}: أي حسن).

وقوله تعالى: {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} . قال قتادة: (ناعمين).

قال ابن كثير: (أي: عيشة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما شاؤوا، ويلبسون ما أحبوا مع الأموال والجاهات والحكم في البلاد، فسلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة، وفارقوا الدنيا وصاروا إلى جهنم وبئس المصير، واستولى على البلاد المصرية وتلك الحواصل الفرعونية والممالك القبطية بنو إسرائيل).

وقوله تعالى: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} . قال قتادة: (يعني بني إسرائيل).

وهو كقوله جل ثناؤه: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 59]. وكقوله جل ذكره: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137].

وقوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} .

قال الحسن: (فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين).

قال القاسمي: ({فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} فيه تهكّم بهم وبحالهم، المنافية

ص: 229

لحال من يعظم فقده. فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض. {وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} أي: مؤخّرين بالعقوبة. بل عوجلوا بها، زيادة سخط عليهم).

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ} . أي: من استعباد فرعون وقتله أبناءهم. قال قتادة: (بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم).

وقوله تعالى: {مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ} .

{مِنْ فِرْعَوْنَ} بدل من العذاب، إنه كان جبارًا من المشركين. قال القرطبي:(وليس هذا عُلُوّ مَدْح بل هو عُلُوٌّ في الإسراف، كقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 4]. وقيل: هذا العلو هو الترفع عن عبادة اللَّه).

وقوله تعالى: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} . قال قتادة: (أي اختيروا على أهل زمانهم ذلك، ولكل زمان عالم). أي: اختار اللَّه بني إسرائيل على عالم ذلك الزمان، فخلّصهم من الغرق وأورثهم الأرض بعد فرعون.

وقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ} . قال قتادة: (أنجاهم اللَّه من عدوهم، ثم أقطعهم البحر، وظلّل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المنّ والسلوى). وقال ابن زيد: ({مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ} قال: اختبار يتميز به المؤمن من الكافر). وقال: (ابتلاؤهم بالرخاء والشدة، ثم قرأ: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]).

والمقصود: اختبرهم اللَّه تعالى بالآيات المعجزات، والخوارق البينات، والحسنات والسيئات، ليميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق.

34 -

37. قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)}.

في هذه الآيات: إنكارُ مشركي العرب البعث بعد الموت والحساب، وتحديهم بإحضار الآباء وتعجيل ذلك الثواب أو العقاب، فهل هم أقوى من قوم تُبَّعٍ والأمم السالفة المتجبرة التي دكّها العذاب؟ !

ص: 230

فقوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} .

قال قتادة: (قد قال مشركو العرب: {وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} أي: بمبعوثين). يقال: أنشر اللَّه الموتى، ونشرهم إذا بعثهم.

والمعنى: أن هؤلاء مشركي قومك يا محمد يكذبون بالنشور بعد الموت والثواب والعقاب.

وقوله تعالى: {فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} . خطاب من المشركين لمن يعدهم النشور من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

قال النسفي: (أي إن صدقتم فيما تقولون فعجلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك حتى يكون دليلًا على أن ما تعدونه من قيام الساعة وبعث الموتى حق).

وقوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} .

أي: أهم خير في القوة والمنعة أم قوم تبّع الحميري ومن مضى قبلهم من الأمم القوية المتجبرة دمّرهم اللَّه ودكّ عروشهم بإجرامهم وكفرهم بالبعث والحساب.

قال قتادة: (ذُكر لنا أن تُبَّعًا كان رجلًا من حمير، سار بالجيوش حتى حير الحيرة، ثم أتى سمرقند فهدمها. وذُكر لنا أنه كان إذا كتب كتبَ باسم الذي تسمّى وملك برًّا وبحرًا وصحًا وريحًا. وذُكر لنا أن كعبًا كان يقول: نُعِتَ نَعْتَ الرَّجُل الصالح ذمَّ اللَّه قومه ولم يذمه. وكانت عائشة تقول: لا تسبّوا تُبَّعًا، فإنه كان رجلًا صالحًا).

وقوم تبّع -هم سبأ- أهلكهم اللَّه وخرّب بلادهم وشرّدهم في البلاد، وفرقهم شذَر مذَر، وقد شبههم اللَّه في إنكارهم للمعاد بقريش، فقد كانوا عربًا من قحطان، وهؤلاء عربٌ من عدنان. وقد كانت حِمير -وهم سبأ- كلما ملَكَ فيهم رجلٌ سَمَّوه تُبَّعًا، كما يقال: كسرى لمن ملك الفرس، وقيصر لمن ملك الروم، وفرعون لمن ملك مصر كافرًا، والنجاشي لمن ملك الحبشة، ونحو ذلك.

ولكن يبدو أن تبعًا أسلم فجاءه المدح في السنة الصحيحة وبقي الذم لقومه. فقد

ص: 231

أخرج الإمام أحمد والطبراني من حديث سهل بن سعد الساعدي مرفوعًا: [لا تَسُبُّوا تُبَّعًا، فإنه كان قدْ أسْلَمَ](1).

وأخرجه الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين عن عائشة أنها قالت: [كان تُبَّعٌ رجلًا صالحًا، الا ترى أن اللَّه عز وجل ذمّ قومه ولم يذمّه؟ ](2).

وله شاهد مرسل جيد أخرجه عبد الرزاق قال: أخبرنا بكار بن عبد اللَّه قال: سمعت وهب بن منبه يقول: [نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس عن سبّ أسعد، وهو تُبَّع. قلنا: يا أبا عبد اللَّه! وما كان أسعد؟ قال: كان على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم](3).

وفي سنن أبي داود ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [ما أدري تُبَّعٌ ألعينًا كانَ أم لا؟ وما أدري ذا القرنين أنبيًّا كان أم لا؟ وما أدري الحدود كفاراتٌ أم لا؟ ](4).

وقد وقع في "المستدرك لفظ (أنبيًا) بدل (ألعينًا) ويبدو أنه خطأ من بعض نسّاخ "المستدرك" والصواب (ألعينًا).

قال ابن عساكر عقب الحديث: (وهذا الشك من النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يبين له أمره، ثم أخبر أنه كان مسلمًا، وذاك فيما أخبرنا. . . ثم ساق الحديث السابق: "لا تسبوا تبعًا فإنه قد كان أسلم").

وبنحوه قول الهيثمي: (يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قاله في وقت لم يأته فيه العلم عن اللَّه، ثم لما أتاه قال ما رويناه في حديث عبادة وغيره). يعني قوله صلى الله عليه وسلم: ". . . ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب فهو كفارة له. . . " أخرجه الشيخان وغيرهما.

(1) أخرجه أحمد (5/ 340)، والطبراني في "الأوسط"(ص 368 - مجمع البحرين)، وله شواهد تقويه. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (2423).

(2)

أخرجه الحاكم (2/ 450)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

(3)

أخرجه عبد الرزاق من مرسل وهب بن منبه. وبكار بن عبد اللَّه -هو اليمامي- قال الذهبي: "ما علمت به بأسًا". قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (ج 5/ ص 549): أخرجه ابن عساكر. فهو شاهد مرسل جيد.

(4)

أخرج أبو داود (4674) - دون الجملة الثالثة، وأخرجه الحاكم (1/ 36)، وعنه البيهقي (8/ 329)، وابن عساكر في "التاريخ"(3/ 251/ 1)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (2217)، وهو حديث صحيح على شرط الشيخين.

ص: 232

38 -

42. قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)}.

في هذه الآيات: تقريرُ اللَّه تعالى حكمته في الخلق للجدّ والعبادة لا للهزل واللعب، وتأكيدُه الفصل لجميع الخلائق في يوم الفصل حيث لا يغني حميم ولا قريب، ولا ينجو يومئذ إلَّا من رحم اللَّه وجاء بقلب منيب.

فقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} . قال مقاتل: (غافلين). وقال الكلبي: (لاهين). والآية إخبارٌ عن كمال عدله وحكمته سبحانه في غاية الخلق، وعن تنزيهه نفسه عن اللهو والعبث والباطل.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: 27].

2 -

وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115 - 116].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: [قال اللَّه عز وجل: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد اللَّه عز وجل، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه](1).

وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن عبد اللَّه قال: [نام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول اللَّه! لو اتخذنا لك وِطاءً، فقال: ما لي

(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم (8/ 17)، وأخرجه أحمد (5/ 160) - في أثناء حديث طويل.

ص: 233

وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استَظَلَّ تَحْتَ شجرة، ثمَّ راحَ وتركها] (1).

وقوله تعالى: {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} .

قال ابن جرير: (ما خلقنا السماوات والأرض إلا بالحق الذي لا يصلح التدبير إلا به. لم نخلق الخلق عبثًا بأن نحدثهم فنحييهم ما أردنا، ثم نفنيهم من غير الامتحان بالطاعة والأمر والنهي، وغير مجازاة المطيع على طاعته، والعاصي على المعصية. . . ولكن أكثر هؤلاء المشركين باللَّه لا يعلمون أنَّ اللَّه خلق ذلك لهم، فهم لا يخافون على ما يأتون من سخط اللَّه عقوبة، ولا يرجون على خير إن فعلوه ثوابًا لتكذيبهم بالمعاد).

وقوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} . قال قتادة: (يوم يُفصَلُ فيه بين الناس بأعمالهم). فيوم الفصل {مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} . أي: يوم يجمع اللَّه الأولين والآخرين ثم يفصل بينهم: فريق في الجنة وفريق في السعير.

وقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} .

{يَوْمَ} بدل من {يَوْمَ} الأول. والموْلى: هو الوليّ، وهو الناصر والمعين.

قال قتادة: (انقطعت الأسباب يومئذ بابن آدم، وصار الناس إلى أعمالهم، فمن أصاب يومئذ خيرًا سعد به آخر ما عليه، ومن أصاب يومئذ شرًا شقي به آخر ما عليه).

وقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .

قال النسفي: (أي: لا يمنع من العذاب إلا من رحمه الله {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} الغالب على أعدائه {الرَّحِيمُ} لأوليائه).

43 -

50. قوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)}.

في هذه الآياتِ: نَعْتُ طعام المشركين في نار الجحيم، إنه من شجرة الزقوم طعام

(1) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن -حديث رقم- (4109)، والترمذي - أبواب الزهد. انظر صحيح سنن الترمذي -حديث رقم- (1936).

ص: 234

يغلي في البطون كغلي الحميم، ويؤمر بإدخال صاحبه إلى وسط الجحيم، ثم يصب على رأسه من ماء الحميم، ويقال لصاحبه استهزاء: ذق إنك أنت العزيز الكريم.

فقوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} .

قال القرطبي: (شجرة الزقوم: الشجرة التي خلقها اللَّه في جهنم وسمّاها الشجرة الملعونة، فإذا جاع أهل النار التجؤوا إليها فأكلوا منها، فغليت في بطونهم كما يغلي الماء الحار. وشبَّه ما يصير منها إلى بطونهم بالمُهْل، وهو النُّحاس المذاب).

وفي لغة العرب: أثم الرجل إثمًا ومأثمًا إذا وقع في الإثم، فهو آثم وأثيم وأثوم.

وعن يحيى بن سلام: (الأثيم: هو المشرك المكتسب للإثم).

وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس: [أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشَهم، فكيف بمن يكون طعامه] (1).

وقوله تعالى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} .

قال مجاهد: (خذوه فادفعوه). وقال قتادة: ({إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} إلى وسط النار). وأصل العَتْل: أن تأخذ بتلابيب الرجل فتجرّه لتذهب به إلى حبس أو بليّة. فيقال يوم القيامة للزبانية خذوا هذا الأثيم فجرّوه وسوقوه إلى داخل جهنم.

وقوله تعالى: {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} .

قال ابن جرير: (-يقول-: ثم صبوا على رأس هذا الأثيم من عذاب الحميم يعني من الماء المسخن). وهو كقوله تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج: 19 - 20].

وقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} . استهزاء واستخفاف وتوبيخ وإهانة وانتقاص. أي: قولوا له ذلك على وجه التهكم والتوبيخ. قال ابن عباس: (أي لست بعزيز ولا كريم).

(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس. انظر تخريج: "مشكاة المصابيح"(5683)، وصحيح الجامع الصغير (5126).

ص: 235

وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} . أي: إن هذا العذاب -معشر الكفار- اليوم، هو الذي كنتم تشكون به في الدنيا فتختصمون فيه ولا توقنون بحدوثه، فها هو اليوم يمس جلودكم ويلفح وجوهكم فذوقوه وأيقنوا.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} [الطور: 13 - 15].

2 -

وقال تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 43 - 44].

وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة، وعن أبي سعيد قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [يُؤتى بالعبد يومَ القيامة فيقول له: ألمْ أجعلْ لك سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا وسَخَّرْت لك الأنعام والحَرْثَ، وتَركْتُكَ تَرْأَسُ وتَرْبَعُ فكنت تظنّ أنَّك مُلاقِيَّ يَوْمكَ هذا؟ فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني](1).

قال أبو عيسى: (ومعنى قوله: "اليوم أنساك كما نسيتني": اليوم أتركك في العذاب، وكذا فسّر بعض أهل العلم هذه الآية: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} [الأعراف: 51] قالوا: معناه: اليوم نتركهم في العذاب).

51 -

59. قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلَا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}.

في هذه الآيات: نَعْتُ مقام المتقين بعد نَعْت مقام المجرمين، فالمتقون في جنات وعيون ولباس من حرير ويجلسون متقابلين، وقد زوجهم ربهم بالحور العين، فهم

(1) حديث صحيح. انظر صحيح الترمذي (1978) - أبواب صفة القيامة - وأصله في صحيح مسلم.

ص: 236

يدعون ألوان الفاكهة آمنين، فلا موت بعد اليوم وقد وقاهم اللَّه عذاب الجحيم، وذلك هو الفضل من اللَّه والفوز العظيم. فانتظر يا محمد مآل القوم المكذبين.

فقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} . قال قتادة: (إي واللَّه، آمين من الشيطان والأنصاب والأحزان).

وقوله تعالى: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} . ترجمة عن المقام الأمين، فهم في بساتين الخضرة والجمال وبين عيون الماء. قال ابن جرير:(والجنات البساتين، والعيون: عيون الماء المطرد في أصول أشجار الجنات). قال ابن كثير: (وهذا في مقابلة ما أولئك فيه من شجر الزقوم، وشرب الحميم).

وقوله تعالى: {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} . السندس: ما رقّ من الديباج، والإستبرق: ما غلظ منه.

قال عكرمة: (الإستبرق: الديباج الغليظ). وقال الزجاج: (هما نوعان من الحرير). فالسندس: رفيع الحرير كالقمصان ونحوها، والإستبرق: ما يلبس من الحرير على أعالي القماش، وله بريق ولمعان.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} [الإنسان: 21].

2 -

وقال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ} [الكهف: 31].

وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: [أهدى أكيدر (1) دومة إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة من سندس، فتعجب الناس من حسنها، فقال: لمناديل سعد في الجنة أحسن من هذا](2).

وفي الصحيحين أيضًا من حديث البراء قال: [أهدي لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فجعلوا يعجبون من لينه فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: تعجبون من هذا؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا](3).

(1) أي أميرها.

(2)

حديث صحيح. أخرجه البخاري (2615)، (3248)، وأخرجه مسلم (2469).

(3)

حديث صحيح. أخرجه البخاري (5836)، وانظر (3802)، وأخرجه مسلم (2468).

ص: 237

وقوله: {مُتَقَابِلِينَ} . أي: على السرر، ينظر بعضهم إلى بعض، ولا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره.

وقوله تعالى: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} . قال مجاهد: (أنكحناهم حورًا. قال: والحور: اللاتي يحار فيهن الطرف باد مُخُّ سوقهن من وراء ثيابهن، ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة الجلد، وصفاء اللون).

وعن قتادة: ({بِحُورٍ عِينٍ}: بيضاء عيناء). وفي رواية: (بيض عين). والعين: جمع عيناء، وهي العظيمة العينين من النساء.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74)} [الرحمن: 72 - 74].

2 -

وقال تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 58].

3 -

وقال تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 22 - 23].

ومن صحيح السنة المطهرة في آفاق ذلك أحاديث:

الحديث الأول: في الصحيحين وسنن ابن ماجة والترمذي عن أنس، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:[لَغَدْوة في سبيل اللَّه أو رَوْحَةٌ خَيْرٌ من الدنيا وما فيها، ولقابُ قوسِ أحدِكم أو موضِعُ يدِه في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أنّ امرأة من نِساء أهل الجنة اطّلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأتْ ما بينهما ريحًا، ولَنَصيفُها -أي خمارها- على رأسها خير من الدنيا وما فيها](1).

الحديث الثاني: أخرج الترمذي بسند صحيح عن داود بن عامر بن أبيِ وقاص عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لو أنَّ ما يُقِلُّ ظفُرٌ مما في الجنة بدا لتَزَخْرَفتْ له ما بين خوافق السماوات والأرض، ولو أنَّ رجلًا مِنْ أهل الجنة اطَّلَعَ فبَدا أساوِرُهُ لطَمَسَ ضوءَ الشمس كما تطمسُ الشمسُ ضوء النجوم](2).

الحديث الثالث: أخرج الطبراني وأبو نعيم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد

(1) حديث صحيح. أخرجه الشيخان، وابن ماجة (2757)، وانظر صحيح الترمذي (1345).

(2)

حديث صحيح. انظر صحيح سنن الترمذي (2061)، وتخريج:"مشكاة المصابيح"(5637).

ص: 238

قط، إن مما يغنين: نحن الخيِّرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بِقُرَّةِ أعيان] (1).

وله شاهد في الروض النضير من حديث أنس ولفظه: [إن الحور العينَ لتغنين في الجنة يقلن: نحن الحور الحسان، خبئنا لأزواج كرام].

وقوله تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} . قال ابن كثير: (أي: مهما طلبوا من أنواع الثمار أُحضِرَ لهم، وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه، بل يحضرُ إليهم كلما أرادوا).

وقوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} .

قال ابن جرير: (-أي- لا يذوق هؤلاء المتقون في الجنة الموت بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا). وهذا الاستثناء يؤكد النفي، فهو استثناء منقطع، والمقصود: انعدام الموت في الآخرة، واستمرار سعادة أهل الجنة.

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [يُؤتى بالموت كهيئة كَبْشٍ أمْلحَ فينادي مُنادٍ: يا أهل الجنة، فيشرئِبُّونَ ويَنْظُرون فيقول: هل تَعْرِفونَ هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرَئِبُّون ويَنْظُرون فيقول: هَلْ تعرفونَ هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموتُ، وكُلُّهم قد رآه، فيذبَحُ، ثم يقول: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موتَ، ويا أهل النار خلودٌ فلا مَوْتَ](2).

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ينادي مُناد: إنَّ لكم أن تَصِحُّوا فلا تَسْقَموا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَحْيَوا فلا تموتوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَشِبُّوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تَنْعَموا فلا تبأسوا أبدًا](3).

وفي مسند البزار ومعجم الطبراني بسند حسن عن جابر قال: [قيل يا رسول اللَّه،

(1) حديث صحيح. أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية". انظر صحيح الجامع الصغير (1557)، وكذلك (1598) للشاهد بعده.

(2)

حديث صحيح. أخرجه البخاري (4730) - كتاب التفسير، وأخرجه مسلم (2849) - كتاب الجنة ونعيمها، وانظر الحديث (2850).

(3)

حديث صحيح. أخرجه مسلم (2837) - كتاب الجنة ونعيمها، باب في دوام نعيم أهل الجنة.

ص: 239

هل ينام أهل الجنة؟ قال: لا، النوم أخو الموت] (1).

وفي رواية الطبراني: [النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون].

وفي رواية لغيره: [النوم أخو الموت، ولا ينام أهل الجنة].

وقوله: {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} . نور على نور، وفضل على فضل، فقد جمع لهم سبحانه بين الخلود في الجنان، وتحريم أجسامهم عن النيران، لتقر عيونهم وقلوبهم.

وقوله: {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ} . قال القرطبي: (أي فعل ذلك بهم تفضّلًا منه عليهم).

وفي الصحيحين والمسند من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [لن يُدْخِلَ أحدًا منكم عملُه الجنة، ولا يحجيه من النار، قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللَّه؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني اللَّه منه بفضل ورحمة. فسدّدوا وقاربوا وأبشروا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدُّلْجة، والقَصْد القَصْد تبلغوا. واعلموا أن أحبَّ العمل إلى اللَّه أدومُه وإنْ قلَّ](2).

وفي لفظ ابن ماجة: [قاربوا وسدّدوا. فإنّه ليس أحَدٌ مِنكم بِمُنْجيه عَمَلُه. قالوا: ولا أنت؟ يا رسول اللَّه! قال: ولا أنا. إلا أن يتغمدني اللَّه برحمة منه وفضل].

وقوله: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} . أي: غاية السعادة والربح العظيم والفوز الكبير، فإن الفرح بدخول الجنة والنجاة من النار لمن أعظم الفرح، ولا ينافسه إلا الحصول على رضوان اللَّه فلا يسخط أبدًا، ولذة النظر إلى وجهه الكريم فلا يبأس بعده أبدًا.

وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} . قال قتادة: (أي هذا القرآن). وقال ابن زيد: (القرآن، ويسرناه: أطلق به لسانه).

والمقصود: إنما أنزلناه قرآنًا عربيًا فصيحًا سهلًا واضحًا بأفصح اللغات وأجلاها وأحلاها وأعلاها، وسهّلنا ذكره وتلاوته على لسانك وعلى من يقرؤه لعلهم يتعظون ويتفهّمون وينزجرون.

(1) حديث حسن. أخرجه البزار (3517)، وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(923)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 90)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1087).

(2)

حديث صحيح. أخرجه البخاري (4/ 48)، ومسلم (8/ 140)، وأحمد (2/ 264)، والسياق لمسلم. وانظر صحيح سنن ابن ماجة (3386) - كتاب الزهد. باب التوقي على العمل.

ص: 240

وقوله تعالى: {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} . قال النقاش: (أي: انتظر ما وعدتك من النصر عليهم إنهم منتظرون لك الموت). وقال ابن جرير: (فانتظر أنت يا محمد الفتح من ربك والنصر على هؤلاء المشركين باللَّه من قومك من قريش، إنهم منتظرون عند أنفسهم قهرك وغلبتك بصدِّهم عما أتيتهم به من الحق من أراد قبوله واتباعك عليه).

والآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم من اللَّه عما يلقاه من عناد قومه وتكذيبهم، وحمل بشائر النصر له والظفر عما قريب.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21].

2 -

وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].

أخرج الخطيب في "التاريخ"، والديلمي بسند رجاله ثقات عن أنس مرفوعًا:[النَّصر مع الصَّبر، والفرجُ مع الكرب، وإن مع العسر يسرًا، وإنَّ مع العُسْرِ يُسْرًا](1).

تم تفسير سورة الدخان بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منِّه وكرمه

* * *

(1) حديث صحيح. أخرجه الخطيب في "التاريخ"(10/ 287)، والديلمي (4/ 111 - 112)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (2382).

ص: 241