المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ منهاج السورة - التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون - جـ ٧

[مأمون حموش]

فهرس الكتاب

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌40 - سورة غافر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌41 - سورة فصلت

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌42 - سورة الشورى

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌43 - سورة الزخرف

- ‌ما ورد في ذكرها

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌44 - سورة الدخان

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌45 - سورة الجاثية

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌46 - سورة الأحقاف

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌47 - سورة محمد

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌48 - سورة الفتح

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌49 - سورة الحجرات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌50 - سورة ق

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌51 - سورة الذاريات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌52 - سورة الطور

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌53 - سورة النجم

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌54 - سورة القمر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌55 - سورة الرحمن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌56 - سورة الواقعة

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌57 - سورة الحديد

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌58 - سورة المجادلة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌59 - سورة الحشر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

الفصل: ‌ منهاج السورة

‌45 - سورة الجاثية

وهي سورة مكية، وعدد آياتها (37).

‌موضوع السورة

مخالفة اللَّه بين المؤمنين والفاسقين ومشهد الأمم وهي جاثية لنيل الجزاء يوم الدين.

-‌

‌ منهاج السورة

-

1 -

ثناء اللَّه على كتابه المسطور، وإظهار بديع آياته في كونه المنشور.

2 -

تهديدُ اللَّه المعاندين لآياته المستكبرين، وتوعده لهم بعذاب الهون في نار الجحيم.

3 -

امتنان اللَّه على عباده تسخيره لهم البحر وما في السماوات والأرض لعلهم يشكرون.

4 -

ترغيب المؤمنين بالعفو والصفح حتى يأتي أمر اللَّه المبين، وكل نفس بما كسبت رهينة ثم إلى ربكم ترجعون.

5 -

إخبار اللَّه تعالى عن فضله ونعمه على بني إسرائيل، ومقابلة بعضهم نعمه بالبغي والظلم.

6 -

امتنان اللَّه تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه الشريعة المليئة بالحكم والعلم، وأمره -تعالى- له بمخالفة أهل الشرك والظلم.

ص: 243

7 -

مخالفة اللَّه تعالى بين المؤمنين والفاسقين في الدارين، وختمه -تعالى- على أسماع وقلوب أهل الهوى، وطمس أبصارهم عن الهدى.

8 -

نَسْبُ المشركين المصائب والموت إلى الدهر، وإنكارهم البعث من القبور والحشر.

9 -

إثباتُ الملك للَّه والخسارة على المبطلين، وكل أمة جاثية يوم القيامة لتدعى إلى كتابها وليظهر الحق واليقين.

10 -

إخبار اللَّه عن افتراق الأمم يوم القيامة فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير.

* * *

ص: 244

بسم الله الرحمن الرحيم

1 -

5. قوله تعالى: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)}.

في هذه الآيات: انتصار اللَّه تعالى لكتابه العظيم، فهو كتابه المعجز في آياته المسطور، يقابله آيات كبيرة في هذا الكون المنشور، فالسماوات والأرض والمخلوقات والدواب والليل والنهار والحياة والموت والرياح آيات عظيمة تدل على عظمته -تعالى- أصحاب العقول.

فقوله تعالى: {حم} كسابقه، يفيد التحدي والإعجاز، فإن هذا القرآن المعجز للجن والإنس مؤلف من جنس هذه الأحرف التي يتخاطب العرب بها.

وقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} . انتصار لهذا القرآن المنزل من اللَّه العزيز في انتقامه من أعدائه، الحكيم في تدبير شؤون خلقه وفي قدره وشرعه وجميع تصريفه.

وقوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} .

قال ابن جرير: (إن في السماوات السبع اللاتي منهن نزول الغيث، والأرض التي منها خروج الخلق أيها الناس لأدلة وحججًا للمصدقين بالحجج إذا تبينوها ورأوها).

وقوله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} .

أي: وفي خلقكم وخلق ما تفرّق في الأرض من دابة تذب عليها من غير جنسكم آيات وعبر لقوم يوقنون بحقائق الأمور فيقرون بمدلولاتها.

ص: 245

وقوله تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

قال ابن كثير: (واختلاف الليل والنهار، في تعاقُبهما دائِبينَ لا يَفتُران، هذا بظلامه وهذا بضيائه، وما أنزل اللَّه تعالى من السَّحاب من المطر في وقْتِ الحاجة إليه، وسَمَّاه رِزقًا لأنَّ به يحصل الرزق، {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}، أي: بعدما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء. وقوله عز وجل: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ}، أي: جَنوبًا وشمالًا، ودَبورًا وصَبًا، بَحْرية وبَرِّية، ليلية ونهارية. ومنها ما هو للمطر، ومنها ما هو لِلِّقاح، ومنها ما هو غذاءُ الأرواح، ومنها ما هو عقيمٌ لا ينتج. وقال سبحانه وتعالى أولًا: {لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ}، ثم {يُوقِنُونَ}، ثم {يَعْقِلُونَ}، وهو تَرَقٍّ من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى).

وعن قتادة: ({وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} قال: تصريفها إن شاء جعلها رحمة، وإن شاء جعلها عذابًا).

وفي التنزيل نحو ذلك: قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164].

أخرج الطبراني في "الأوسط"، واللالكائي في "السنة" بسند حسن لشواهده، عن عبد اللَّه بن عمر مرفوعًا:[تفكروا في آلاءِ اللَّه، ولا تفكروا في اللَّه عز وجل](1).

وله شاهد عند أبي نعيم بسند حسن من حديث ابن عباس بلفظ: [تفكروا في خلق اللَّه، ولا تفكروا في اللَّه](2).

وشاهد آخر عنده عن عبد اللَّه بن سلام مرفوعًا بلفظ: [لا تفكروا في اللَّه، وتفكروا في خلق اللَّه، فإن ربَّنا خلقَ ملكًا، قدماه في الأرض السابعة السفلى، ورأسه قد جاوز

(1) حديث حسن لغيره. أخرجه الطبراني في "الأوسط"(6456)، واللالكائي في "السنة"(1/ 119 - 1 - 2)، والبيهقي في "الشعب"(1/ 75). وانظر السلسلة الصحيحة (1788).

(2)

حديث حسن. انظر "الحلية" لأبي نعيم (6/ 66 - 67)، وصحيح الجامع الصغير (2973).

ص: 246

السماء العُليا، ما بين قدميه إلى ركبتيه مسيرة ست مئة عام، وما بين كعبيه إلى أخمص قدميه مسيرة ست مئة عام، والخالق أعظم من المخلوق] (1).

6 -

11. قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ آلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ آلِيمٌ (11)}.

في هذه الآيات: تهديدُ اللَّه تعالى -بعد تعريفه بآياته الكبيرة- كل أفاك أثيم، يُصِرُّ على الكبر والعناد والاستهزاء بالدين، وقد توعده اللَّه وأمثاله من المشركين عذاب الجحيم.

فقوله: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} . قال النسفي: (إشارة إلى الآيات المتقدمة، أي: تلك الآيات {آيَاتُ اللَّهِ}). قلت: بل آيات القرآن كلها حجج وبراهين على وحدانية اللَّه وقدرته.

وقوله: {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} . قال القرطبي: (أي بالصدق الذي لا باطل ولا كذب فيه).

وقوله: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} . قال القاسمي: (أي بعد آياته ودلائله الباهرة. وتقديمُ اسم اللَّه للمبالغة والتعظيم).

وقوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} . قال ابن كئير: (أي: أفاكٍ في قوله كذّاب، حلاف مَهين أثيم في فعله وقيله، كافر بآيات اللَّه).

وقوله تعالى: {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .

قال ابن جرير: (يقول: يسمع آيات كتاب اللَّه تُقرأ عليه {ثُمَّ يُصِرُّ} على كفره وإثمه فيقيم عليه، غير تائب منه، ولا راجع عنه {مُسْتَكْبِرًا} على ربه أن يذعن لأمره ونهيه

(1) إسناده حسن في الشواهد. أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 66 - 67)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ج (4) ص (396) عقب الحديث (1788).

ص: 247

{كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} يقول: كأن لم يسمع ما تلي عليه من آيات اللَّه بإصراره على كفره {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} يقول: فبشر يا محمد هذا الأفاك الأثيم الذي هذه صفته بعذاب من اللَّه له. {أَلِيمٍ} يعني موجع في نار جهنم يوم القيامة).

وقوله: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا} . قال النسفي: (إذا بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها {اتَّخَذَهَا} اتخذ الآيات {هُزُوًا}).

وقوله: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} . أي: سيقابلهم اللَّه لقاء استهزائهم بآياته بعذاب يهينهم ويؤلمهم ويذلهم في نار جهنم.

وقوله: {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} . قال ابن عباس: (أي أمامهم). أي من وراء ما هم عليه من التكبر على الحق والاستهزاء بآيات القرآن جهنم.

وقوله: {وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا} . أي: من الأموال والأولاد ومتاع الحياة الدنيا. كقوله تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المجادلة: 17].

وفي صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يقول اللَّه لأهون أهل النار عذابًا يوم القيامة: يا ابن آدم! كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شر مضجع. فيقال له: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديًا بها؟ فيقول: نعم. فيقول: كذبت، قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئًا ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك، فيؤمر به إلى النار](1).

وقوله: {وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} . يعني: من الأوثان والأصنام والطواغيت والرؤساء، فكل هؤلاء لا يستطيعون نصر أنفسهم يوم القيامة فضلًا عن نصر أتباعهم {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .

وقوله: {هَذَا هُدًى} . مبتدأ وخبر، يعني القرآن. قال ابن عباس:(يعني كل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم).

وقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} . أى: جحدوا آياته وحججه ودلائله. {لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} . أي: لهم عذاب من أوجع العذاب اليم. والرجز هو أشد العذاب.

(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (8/ 134). انظر مختصر صحيح مسلم (1905) - كتاب صفة القيامة. باب: في كثرة العرق يوم القيامة.

ص: 248

12 -

15. قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)}.

في هذه الآيات: امتنانُ اللَّهُ تعالى على عباده تسخيره البحر لهم للمنافع والركوب لعلهم يشكرون، وتسخيره لهم ما في السماوات وما في الأرض لعلهم يتفكرون، وترغيب المؤمنين بالعفو والصفح حتى يأتي أَمْرُ اللَّه البين، فكل نفس بما كسبت رهينة ثم إلى ربكم -معشر العباد- ترجعون.

فقوله: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} .

فيه ذكر كمال قدرته وتمام نعمته على عباده، بأن سخّر لهم البحر بما فيه، والسفن تجري فيه بأمره. قال ابن كثير:(فإنه هو الذي أمر البحر أن يحملها).

وقوله: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} . أي: في الأسفار والتجارات والمكاسب والمعايش.

قال النسفي: (بالتجارة أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان واستخراج اللحم الطري).

وقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . أي: ما ذلَله لكم عبر البحر، إما من داخله أو من العبور فوقه بالخيرات والأمتعة من الأقاليم النائية والأقطار المتباعدة.

وقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} .

أي: من النجوم والجبال، والشجر والدواب والبحار والأنهار، وغير ذلك من النعم التي لا تعد ولا تحصى من فضله وحده. قال القرطبي:({جَمِيعًا مِنْهُ} يعني أن ذلك فعله وخلقه وإحسانٌ منه وإنعام).

وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} . قال القاسمي: (أي: في آيات اللَّه وحججه وأدلته، فيعتبرون بها ويتفكرون).

ص: 249

وقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} . قال مجاهد: (لا يبالون نِعَم اللَّه، أو نِقم اللَّه. وهذه الآيات منسوخة بأمر اللَّه بقتال المشركين).

والمقصود: كان الأمر من اللَّه للمؤمنين ابتداء الإسلام أن يصفحوا عن أذى المشركين ويصبروا على تماديهم، من باب التأليف لهم، فلما أصَرُّوا على العناد ورضي اللَّه عن إعداد المؤمنين شرع لهم الجلاد والجهاد. قال أبو صالح:(نسختها التي في الحج: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}). وقال ابن زيد: (هؤلاء المشركون، وقد نسخ هذا وفرض جهادهم والغلظة عليهم).

وعن قتادة: ({قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} قال: نسختها ما في الأنفال: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} وفي براءة: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه).

وقوله: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} . أي: ليجزي بالمغفرة قومًا مخصوصين بصبرهم على أذى أعدائهم مقابل إحسانهم. فتنكير {قَوْمًا} على المدح لهم.

وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} .

أي: من عمل بطاعة اللَّه فانتهى إلى أمره وانزجر لنهيه فإنما يخص بذلك الخير نفسه ويقدمها لسعادتها، ومن أساء في عمله وأسخط ربه فإنما يرتد ذلك على نفسه فيقدمها لشقاوتها، والمرجع إلى اللَّه تعالى لتوضع الأعمال على الميزان بين يديه. قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7 - 8].

وأخرج الحاكم بسند جيد عن سلمان، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال:[يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت. فتقول الملائكة: يا رب: لِمَنْ يزن هذا؟ فيقول اللَّه تعالى: لمن شئت من خلقي. فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك](1).

16 -

20. قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ

(1) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (4/ 586)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (941).

ص: 250

وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)}.

في هذه الآيات: إخبارُ اللَّه تعالى عن فضله ونعمه على بني إسرائيل ومقابلة بعضهم نعمه بالبغي والظلم، وامتنانُ اللَّه على رسوله صلى الله عليه وسلم بشريعة غراء فيها الحكم والعلم، وأمْره تعالى نبيّه بالثبات على الحق ومخالفة أهل الشرك والإثم.

فقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} .

قال ابن جرير: (الكتاب: يعني التوراة والإنجيل. والحكم: يعني الفهم بالكتاب والعلم بالسنن التي لم تنزل في الكتاب. والنبوة: يقول: وجعلنا منهم أنبياء ورسلًا إلى الخلق).

وقوله: {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} . أي: من المآكل والمشارب. قال القرطبي: (أي: الحلال من الأقوات والثمار والأطعمة التي كانت بالشام. وقيل: يعني المَنّ والسَّلوى في التّيه).

وقوله: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} . أي على عالَمِي زمانهم.

وقوله: {وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ} . قال ابن كثير: (أي: حُجَجًا وبراهين وأدلة قاطعات، فقامت عليهم الحجج).

وقوله: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} . أي: فما حصل الاختلاف بينهم إلا بعد قيام حجة اللَّه البالغة عليهم، وإنما كان ذلك طلبًا للرياسات ورغبة في المناصب الدينية الواهية؛ لأنها كانت على حساب الحق.

وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .

أي: إن ربك -يا محمد- سيفصل بينهم يوم الحساب بالحق، فينصر المحق ويخذل المبطل، ويكشف البغي والحسد وطلب الرياسة في الدين على حساب الحق. وفي الآية تحذير لهذه الأمة أن تسلك في دينها مسلك بني إسرائيل.

ص: 251

وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} . قال ابن عباس: (يقول: على هدى من الأمر وبينة). وقال قتادة: (والشريعة: الفرائض والحدود والأمر والنهي فاتبعها {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}).

وقال ابن زيد: ({ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} قال: الشريعة: الدين. وقرأ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}. قال: فنوح أولهم وأنت آخرهم).

وقوله: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} . أي: ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون.

وقوله: {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} . أي: فهؤلا -يا محمد- لن يغنوا عنك لو اتبعتهم من عقاب اللَّه وسخطه، والكلام يتوجه للأمة من بعد نبيها لتحمل الدين بقوة ولا تمضي وراء أهواء الجاهلين والظالمين.

وقوله: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} .

أي: وإن الظالمين بعضهم أنصار بعض، واللَّه يلي من اتقاه. قال النسفي:(وما أبين الفضل بين الولايتين). وقال ابن كثير: ({وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، أي: وماذا تُغني عنهم وَلَايَتَهُم لبعضهم بعضًا، فإنهم لا يزيدونهم إلا خسارًا ودمارًا وهَلاكًا، {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}. وهو تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات).

وقوله: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} . قال ابن زيد: (القرآن. هذا كله إنما هو في القلب. قال: والسمع والبصير في القلب. وقرأ: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. وليس بِبَصر الدنيا ولا بسمعها).

قال الزمخشري: (جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع، بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل روحًا وحياة). أي: فهو تشبيه بليغ {وَهُدًى} أي: من الضلالة {وَرَحْمَةٌ} أي: من العذاب لمن آمن وأيقن {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أي: يطلبون اليقيق - ذكره القاسمي.

21 -

23. قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ

ص: 252

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)}.

في هذه الآيات: مخالفةُ اللَّه تعالى بين المؤمنين والفاسقين في الدارين، وخلقُه تعالى السماوات والأرض بالحق ثم الحساب في الآخرة وهم لا يظلمون، وختمُ اللَّه على أسماع وقلوب أهل الهوى، وطمس عيونهم وأبصارهم عن الهدى.

فقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} .

الاجتراح: الاكتساب. قال قتادة: (لقد تفرق القوم في الدنيا، وتفرقوا عند الموت، فتباينوا في المصير).

والمقصود: هل من اجترح السيئات واكتسب الآثام وكذب الرسل وعبد غير اللَّه كمن صدق اللَّه الإيمان والعمل الصالح؟ ! كلا لا يستوون في أحوال محياهم ومماتهم.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35 - 36].

2 -

وقال تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20].

3 -

وقال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18].

وفي الصحيحين والمسند عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [إن اللَّه يدنى المؤمن فيضع عليه كَنَفَهُ (1) ويسترُه فيقول: أتعرف ذنبَ كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربِّ، حتى قرَّره بذنوبه، ورأى فى نفسه أنه قد هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]] (2).

(1) أي: حفظه وستره.

(2)

حديث صحيح. أخرجه البخاري (2441)، وأخرجه مسلم (2768)، وأخرجه أحمد (2/ 74).

ص: 253

وعن مجاهد: ({سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} قال: المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن، والكافر في الدنيا والآخرة كافر). وقال ليث: (بعث المؤمن مؤمنًا حيًا وميتًا، والكافر كافرًا حيًا وميتًا).

وقال إبراهيم بن الأشعث: (كثيرًا ما رأيت الفُضيل بن عياض يردّد من أول الليل إلى آخره هذه الآية ونظيرها، ثم يقول: ليت شعري! من أي الفريقين أنت؟ وكانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين لأنها محكمة).

وقرأ قراء المدينة والبصرة {سَوَاءٌ} بالرفع على أنها خبر مقدم، وأما قراء الكوفة فقرؤوها {سواءً} بالنصب على الحال من مفعولي نجعل، والقراءة بالنصب أشهر.

وقوله: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} . قال ابن كثير: (أي: ساء ما ظنُّوا بنا وبِعَدْلِنا أن نُساوِيَ بين الأبرار والفجار في الدار الآخرة، وفي هذه الدار).

وقوله تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} .

قال ابن جرير: (فلم يخلق اللَّه السماوات والأرض للظلم والجور ولكن خلقناهما للحق والعدل. ومن الحق أن نخالف بين حكم المسيء والمحسن في العاجل والآجل).

وقوله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} . قال ابن عباس: (ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من اللَّه ولا برهان). وقال قتادة: (لا يهوى شيئًا إلا ركبه لا يخاف اللَّه). قال النسفي: (أي: هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه إليه، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه).

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله وعلمه، فإن كان عمله تبعًا لهواه فيومه يوم سوء، وإن كان عمله تبعًا لعلمه فيومه يوم صالح).

وقال الأصمعي: سمعت رجلًا يقول:

إن الهوان هو الهوى قلب اسمه

فإذا هويت فقد لقيت هوانا

وسئل ابن المقنع عن الهوى فقال: هَوانٌ سرقت نونه، فأخذه شاعر فنظمه وقال:

ص: 254

نونُ الهوان من الهَوى مسروقةٌ

فإذا هَوِيت فقد لقيت هوانا

وقال آخر:

إن الهوى لهو الهوان بعينه

فإذا هويت فقد كسبت هوانا

وإذا هويت فقد تعبّدك الهوى

فاخضع لحبِّك كائنا من كانا

وقال عبد اللَّه بن المبارك:

ومن البلايا للبلاء علامة

ألا يُرى لك عن هواك نزوع

العبد عبد النفس في شهواتها

والحرّ يشبع تارةً ويجوعُ

وفي مسند البزار، وكتاب "الحلية" -لأبي نعيم- بسند حسن في الشواهد، عن أنس مرفوعًا:[ثلاثٌ مهلكاتٌ، وثلاثٌ منجياتٌ، فقال: ثلاثٌ مهلكاتٌ: شحٌّ مطاع، وهوًى مُتَبَعٌ، وإعجابُ المرءِ بنفسه. وثلاثٌ مُنْجيات: خشيةُ اللَّه في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا](1).

وقوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} . قال ابن عباس: (أضله اللَّه في سابق علمه).

والمقصود: خذله اللَّه تعالى عن محجة الطريق، وإصابة التوفيق، وسبيل الرشاد، لعلمه بحبه الغي ومعاندة الحق وتعظيم نفسه وهواه.

وقيل: أضله اللَّه بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه، وهذا المعنى يقتضي الأول.

وقوله: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} .

قال القرطبي: (أي: طبع على سمعه حتى لا يسمع الوعظ، وطبع على قلبه حتى لا يفقه الهدى. {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} أي: غطاء حتى لا يبصر الرشد).

والمقصود: خذله اللَّه حتى لا يسمع ما ينفعه، ولا يعي شيئًا يهتدي به، ولا يبصر حجة الوحي ليستضيء بها، بل القلب تعظيم هواه على سمعه وبصره وقلبه فانعطب ذلك منه ليبقى غارقًا في مستنقع جهله وشهواته.

(1) صحيح بشواهده. أخرجه البزار (80)، وأبو نعيم (2/ 343)، والقضاعي (325، 326، 327)، والديلمي (2475). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1802).

ص: 255

وقوله: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} .

قال ابن جرير: (فمن يوفقه لإصابة الحق، وإبصار محجة الرشد بعد إضلال اللَّه إياه {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أيها الناس، فتعلموا أن من فعل اللَّه به ما وصفنا فلن يهتدي أبدًا).

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186].

2 -

وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5].

3 -

وقال تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر: 34].

قلت: والآية دليل على المرتبة الثانية من مراتب الضلال. فإن مراتب الضلال ثلاث:

1 -

الضياع والانحراف.

2 -

الترك والإهمال والتناسي والخذلان.

3 -

الهداية إلى النار يوم القيامة.

فمن ضيَّع هداية الدلالة والإرشاد -هداية الرسل- وأصرَّ على معاندة الحق وتعظيم الهوى والشهوات، وقع في الإهمال والخذلان: عقوبة اللَّه تعالى له.

وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب اشربها نكتت فيه نكتةٌ سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبدًا كالكوز مُجَخِّيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منْكرًا إلا ما أشرب من هواه](1).

24 -

26. قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا

(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم (1/ 89 - 90). وانظر مختصر صحيح مسلم (1990) - كتاب الفتن. باب: عرض الفتن على القلوب ونكتها فيه. وقوله: "مجخيًا" -أي: منكوسًا.

ص: 256

ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)}.

في هذه الآيات: نَسْبُ المشركين المصائب والموت إلى الدهر، وتنطعهم بإنكار البعث من القبور بعد الموت إلى مشهد الحشر.

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بسند رجاله رجال الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا، فقال اللَّه في كتابه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}. قال: فيسبون الدهر، فقال اللَّه تبارك وتعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار](1).

وعن مجاهد: ({وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} قال: الزمان). قال قتادة: (قال ذلك مشركو العرب: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} إلا العمر). والمقصود: يقولون ما يهلكنا فيفنينا إلا مرّ الليالي والأيام وطول العمر، إنكارًا منهم أن يكون لهم ربٌ يفنيهم ويهلكهم.

وفي الصحيحين عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: [قال اللَّه تعالى: يسُب ابنُ آدم الدهرَ وأنا الدهرُ، بيدي الليل والنهار](2).

وفي صحيحِ البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، ولا تقولوا: خَيْبَة الدهر، فإن اللَّه هو الدَّهْرُ](3).

والآية إخبارٌ عن قول الدَّهرية من الكفار، ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد، فلقد أنكروا البعث ونسبوا النوازل -ومنها الموت- إلى الدهر.

قال سبحانه في سورة النحل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل: 38 - 39].

فهدَّدهم سبحانه عاقبة ما يحلفون كذبًا وزورًا وافتراء على اللَّه بغير علم.

(1) حديث صحيح. أخرجه الطبري (31207)، وإسناده على شرط البخاري ومسلم.

(2)

حديث صحيح. أخرجه البخاري (6181) كتاب الأدب، وأخرجه مسلم (2246)(1)، وأخرجه الطبري (25/ 152، وابن حبان (5714).

(3)

حديث صحيح. أخرجه البخاري (6182) - كتاب الأدب، باب: لا تَسُبُّوا الدهر.

ص: 257

وقوله: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} . قال ابن جرير: (ما هم إلا في ظن من ذلك وشك، يخبر عنهم أنهم في حيرة من اعتقادهم حقيقة ما ينطقون من ذلك بألسنتهم).

وجاء عن الشافعي وأبي عبيد وبعض الأئمة في تفسير قوله عليه السلام: "لا تسبوا الدهر فإن اللَّه هو الدهر": (كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شِدَّة أو بلاء أو نكبة قالوا: يا خيبة الدَّهر، فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويَسُبُّونه، وإنما فاعلُها هو اللَّه تعالى، فكأنهم إنما سَبُّوا اللَّه عز وجل لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نُهِيَ عن سبِّ الدهر بهذا الاعتبار، لأن اللَّه تعالى هو الدّهر الذي يعنونه ويَسنُدون إليه تلك الأفعال). ذكره الحافظ ابن كثير في التفسير واستحسنه ثم قال: (وقد غَلِطَ ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهريَّة في عَدِّهم الدهرَ من الأسماء الحسنى، أخذًا من هذا الحديث! ).

وقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .

أي: وإذا تليت على هؤلاء المشركين آيات اللَّه وقوارع الوحي التي يستدل بها على قدرته تعالى على إعادة الأبدان بعد فنائها وتفرّقها ما كان منهم إلا أن قالوا: أحْيوا آباءنا إن كنتم صادقين في حجتكم.

وقوله: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} . ردٌّ من اللَّه تعالى على هزالهم. قال النسفي: ({قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ} في الدنيا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} فيها عند انتهاء أعماركم {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: يبعثكم يوم القيامة جميعًا، ومَنْ كان قادرًا على ذلك كان قادرًا على الإتيان بآبائكم ضرورة {لَا رَيْبَ فِيهِ} أي: في الجمع).

وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} . أي: حقيقة قدرة اللَّه وهوان أمر البعث عليه، لإعراضهم عن التفكر في آياته وعظيم مخلوقاته التي تدل على جبروته وعظمته وهيمنته.

قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: [يقبض اللَّه

ص: 258

الأرض ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ ] (1).

وفيه أيضًا عن عبد اللَّه قال: [جاء حَبْرٌ من الأحبار إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمدُ، إنا نجِدُ أنّ اللَّه يجعل السماوات على إِصبع، والأرضين على إِصبع، والشَّجر على إِصْبَع، والماء والثّرى على إصبع، وسائرَ الخلائقِ على إصبع، فيقول: أنا الملِكُ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ نواجذُهُ تصديقًا لقول الحَبْرِ، ثم قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67]] (2).

27 -

29. قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)}.

في هذه الآيات: إثباتُ الملك للَّه والخسارة على المبطلين يوم الدين، وكل أمة تكون يومئذ جاثية ثم تدعى إلى كتابها للفصل وظهور الحق واليقين.

فقوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} .

قال القرطبي: ({وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} خلقًا وملكًا). وقال ابن جرير: ({وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} يقول تعالى ذكره: ويوم تجيء الساعةُ التي يُنْشِرُ اللَّه فيها الموتى من قبورهم، ويجمعهم لموقف العرض، {يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} يقول: يغبن فيها الذين أبطلوا في الدنيا في أقوالهم ودعواهم للَّه شريكًا، وعبادتهم آلهة دونه بأن يفوز بمنازلهم من الجنة المحقون، ويبدلوا بها منازل من النار كانت للمحقين، فجعلت لهم بمنازلهم من الجنة، ذلك هو الخسران المبين).

وقوله: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} . أي: من هَوْلِ ذلك اليوم.

والأمة هنا: أهل كل ملة، وفي تأويل {جَاثِيَةً} أكثر من قول:

1 -

قال مجاهد: (مستوفزة). قال سفيان: (المستوفز الذي لا يصيب الأرض منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله). وقال الضحاك: (ذلك عند الحساب).

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (4812) - كتاب التفسير. وانظر الحديث (7382).

(2)

حديث صحيح. أخرجه البخاري (481) - كتاب التفسير. باب قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} . وانظر الأحاديث (7414)، (7415)، (7451)، (7513).

ص: 259

2 -

قال ابن عباس: (مجتمعة). قال الفراء: (المعنى: وترى أهل كل دين مجتمعين).

3 -

قال عكرمة: (متميزة). قال: (جاثية متميزة على ناحيتها، وليس على الركب).

4 -

قال مُؤَرِّج: (خاضعة، بلغة قريش).

5 -

قال الحسن: (باركة على الركب). وأصل الجَثْو: الجلوس على الركب.

قلت: ويبدو أن الجثو على الركب يكون عند الحساب، فإنه إذا جيء بجهنم تزفر لا يبقى أحد إلا جثا على ركبتيه من شدة الهول ورهبة الموقف.

ويؤيد هذا ما رواه الترمذي والحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة قال: حدثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [إن اللَّه تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكُلُّ أمة جاثية، فأول من يدعى رجل جمع القرآن، ورجل قُتل في سبيل اللَّه، ورجل كثير المال. . . .] الحديث (1).

وقوله: {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} . قال يحيى بن سلام: (إلى حسابها). وقال مقاتل: (إلى كتابها الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من خير وشر). وقال مجاهد: (ما كتبت الملائكة عليها). والراجح أنه كتاب أعمالها. قال النسفي: (إلى صحائف أعمالها).

والآية كقوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} [الزمر: 69].

وقوله: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . أي: اليوم يوم الجزاء، تجازون بأعمالكم خيرها وشرها. كما قال سبحانه:{يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13] وكقوله جل ثناؤه: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].

وفي صحيح الحاكم عن سلمان، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال:[يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت. فتقول الملائكة: يارب! لِمن يَزِنُ هذا؟ فيقول اللَّه تعالى: لمن شئت من خلقي. فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك](2).

(1) حديث صحيح. أخرجه الترمذي والحاكم. انظر صحيح الترغيب (1/ 20) ص (13/ 15) - كتاب الإخلاص (الترهيب من الرياء). وأصل معناه في صحيح مسلم.

(2)

حديث صحيح. أخرجه الحاكم (4/ 586)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (941).

ص: 260

فهو ميزان دقيق ذو كفتين، عالي الحساسية والدقة، يعطي الوزن الدقيق الصحيح لكل عمل حسب قيمته وظروف القيام به، فهو يزن أعمالًا صالحة هي عند اللَّه أثقل من الجبال، كما يزن أعمالًا فاسدة هي عند اللَّه ضخمة الأثقال.

وقوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .

قال ابن عباس: (هو أم الكتاب فيه أعمال بني آدم. {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} قال: نعم، الملائكة يَسْتَنْسِخون أعمال بني آدم).

أخرج الآجري في "الشريعة" بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: [إنَّ أوَّلَ شيءٍ خَلَقَهُ اللَّه عز وجل: القلمُ، فَأَخَذهُ بيمينِه -وكلتا يديه يمينٌ- قال: فكتبَ الدنيا وما يكونُ فيها من عملٍ معمولٍ: بَرٍّ أو فجورٍ، رَطْبٍ أو يابِسٍ، فأحصاه عندَه في الذِّكر، ثم قال: اقرؤوا إن شئتم: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فهل تكونُ النسخةُ إلا مِنْ أمْرٍ قد فُرِغَ منه](1).

30 -

37. قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}.

في هذه الآيات: إخبار اللَّه تعالى عن افتراق الأمم يوم القيامة إلى فريقين: أما أهل الإيمان والعمل الصالح على منهاج النبوة فهم أهل رحمة اللَّه يدخلهم في جنته برحمته،

(1) إسناده صحيح. أخرجه الآجري في "الشريعة"(321 - 322)، وللحديث شواهد كثيرة. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة -حديث رقم- (3136).

ص: 261

وأما أهل الكفر والاستكبار والاستهزاء بالساعة والحساب، فسينالهم أشد الخزي وأسوأ العقاب.

فقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} . أي: الجنة. قال ابن جرير: (يعني في جنته برحمته).

وفي الصحيحين والمسند من حديث أبي هريرة مرفوعًا: [قال اللَّه تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي](1).

وقوله: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} . أي: ذلك هو الظفر البين الواضح والفوز الكبير.

وقوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ} .

قال ابن كثير: (أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا: أما قُرِئت عليكم آيات الرحمن فاستكبرتم عن اتباعها، وأعرضتم عند سماعها).

وقوله: {وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ} . قال القرطبي: (أي: مشركين تكسبون المعاصي).

وقوله: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} .

أي: وإذا قال المؤمنون لهؤلاء المشركين إن وعد اللَّه بالجزاء حق والساعة آتية لا شك في وقوعها قلتم أي شيء الساعة، أحق هي أم باطل؟ !

وقوله: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} . قال المُبَرِّد: (-التقدير-: إن نحن إلا نظن ظنًا).

والمعنى: قالوا: إن نتوهم وقوعها إلا توهّمًا، أي مرجوحًا لا يقين فيه.

وقوله: {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} . أي: وما نحن بمتأكدين ولا بمتحققين من أمر الساعة، وإنما الغالب في ذلك الظن.

وقوله: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} . قال القاسمي: (أي قبائح أعمالهم، أو عقوبات أعمالهم السيئات).

وقوله: {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} . قال النسفي: (ونزل بهم جزاء استهزائهم).

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (4850) - كتاب التفسير، وأخرجه مسلم (2846)، وأحمد (2/ 450)، والترمذي (2561)، وابن حبان (72) - في أثناء حديث طويل.

ص: 262

وقوله: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ} . قال ابن عباس: (نترككم). وهو كقوله تعالى في سورة الأعراف: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} [الأعراف: 51]. قال الترمذي: (معناه: اليوم نتركهم في العذاب).

وقوله: {كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ} . أي: كما أهملتم العمل ليومكم هذا وتعاملتم معه بالشك والظن ولزمتم أهواءكم وشهواتكم، فإنا نعاملكم اليوم معاملة الناسي لكم في نار جهنم.

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: [قالوا: يا رسول اللَّه! هلْ نرى ربَّنَا يوم القيامة؟ قال: هل تُضَارُّون في رؤية الشَّمس في الظهيرة، ليست في سَحابة؟ قالوا: لا، قال: فهل تُضارّون في رؤية القمر ليلةَ البدر، ليس في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فوالذي نفسي بيده! لا تُضارُّون في رؤية ربكم إلا كما تُضارّون في رؤية أحدهما، قال: فيلقى العَبْدَ فيقولُ: أيْ فُلْ (1)! ألم أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لك الخيلَ والإبلَ، وأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فيقولُ: بلى، قال: فيقول: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أَنْسَاك كما نَسيتني](2).

وبنحوه رواه الترمذي وقال: (ومعنى قوله: "اليوم أنساك كما نسيتني": اليوم أتركك في العذاب).

وقوله: {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} . قال ابن جرير: (وما لكم من مستنقذ ينقذكم اليوم من عذاب اللَّه، ولا منتصر لكم ممن يعذبكم فيستنقذ لكم منه).

وقوله: {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} . قال ابن كثير: (أي: إنما جازيناكم هذا الجزاء لأنكم اتخذتم حُجج اللَّه عليكم سِخرِيًّا، تسخَرون وتستهزئون بها).

وقوله: {وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} . أي: وخدعتكم زينة الدنيا وزخارفها فاطمأننتم لها.

وقوله: {فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} . أي: فاليوم لا يخرجون من النار

(1) معناه يا فلان، وهو ترخيم على خلاف القياس.

(2)

حديث صحيح. أخرجه مسلم (2968) - كتاب الزهد، وانظر صحيح سنن الترمذي (1978).

ص: 263

ولا يطلب منهم العتبى والاعتذار، ولا يؤذن لهم بالرجوع إلى الدنيا لاستئناف الطاعة والاستغفار.

وقوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

أي: فلله الحمد على نعمه وأياديه عند خلقه، فإياه فاحمدوا أيها الناس فهو المالك المتصرف في السماوات والأرض رب العالمين.

وقوله: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . قال مجاهد: (يعني السلطان).

قال القرطبي: ({وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ} أي: العظمة والجلال والبقاء والسلطان والقدرة والكمال).

أخرج البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم في الصحيح، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [العِزُّ إزارُه، والكبرياءُ رِداؤُه، فَمَنْ ينازعني عَذَّبْتُه](1).

وفي لفظ عند مسلم: [قال اللَّه تعالى: الكبرياء رِدائي، والعِز إزاري، فمن نازعني في شيء منهما عذَّبته](2).

ورواه أحمد وأبو داود بلفظ: [قال اللَّه تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار].

ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل قال: [الكبرياء ردائي، فمن نازعني ردائي قصمته](3).

وقوله: {وَهُوَ الْعَزِيزُ} . أي: وهو القوي القاهر لكل شيء، الذي لا يُغالب ولا يمانع، الذي عزّ كل شيء وقهر أعداءه بنقمته منهم.

(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم (2620) - كتاب البر والصلة، ورواه البخاري في "الأدب المفرد"(552)، وأخرجه أبو داود (4090)، وابن ماجة (4174)، وأحمد (2/ 414).

(2)

حديث صحيح. أخرجه مسلم (8/ 35 - 36)، وانظر مسند أحمد (2/ 248)، لما بعده، وكذلك (2/ 414، 427)، وسنن أبي داود (4090).

(3)

حديث صحيح. أخرجه الحاكم (1/ 61)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وأقره الألباني في السلسلة الصحيحة، عقب الحديث (541).

ص: 264

وقوله: {الْحَكِيمُ} . أي: في أقواله وأفعاله وشرعه وتصريف شؤون خلقه وقضائه وقدره.

وافق الفراغ من تفسير هذه السورة -سورة الجاثية- ظهر يوم الأحد ثامن عشر جمادى الآخرة عام 1426 هـ، بمنزلنا بدمشق الشام -قدسيا-.

وتم ذلك بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منِّه وكرمه

* * *

ص: 265