الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشرذمة من الضلال يدخلون في فسوق الكفر بعد الإيمان، زمرا وأفواجا مع أنهم يرون أنه اتخذ آيات الله، وما أنذروا به هزوا، وأشرك جميع الممكنات -حتى الخبائث والقاذورات- بمن لم يكن له كفوا أحد".
تحقيق معنى الكافر والملحد والزنديق والمنافق:
وقال في آخر رسالته: "إنهم يسمون كفرة وملاحدة وزنادقة، وذلك أن الكافر اسم لمن لا إيمان له، فإن أظهر الإيمان من غير اعتراف بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم خص باسم المنافق، دون الزنديق، لأن الله تعالى لم يسم الذين نافقوا [54] في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زنادقة، فدروز 1 الشام -على ما تشهد به كتبهم الملعونة- إنما يظهرون الإيمان، ولا يعترفون بنبوة النبي عليه الصلاة والسلام، فهم مباحيون منافقون، لا زنادقة على ما يتوهم ذلك؛ لعدم التفرقة بين المنافق والزنديق، وإن طرأ كفره بعد الإيمان خص باسم المرتد؛ لرجوعه عن الإيمان، وإن قال بإلهين أو أكثر خص باسم المشرك؛ لإثباته الشريك في الألوهية، وإن كان متدينا ببعض الأديان والكتب المنسوخة خص باسم الكتابي، كاليهودي والنصراني، وإن كان يقول بقدم الدهر، واستناد الحوادث، خص باسم الدهري، وإن كان لا يثبت الصانع خص باسم المعطل، وإن كان مع اعترافه بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار شعائر الإسلام، يتبطن عقائد هي كفر بالاتفاق خص باسم الزنديق، وهو في الأصل منسوب
1 واضع نحلتهم محمد بن إسماعيل الدرزي، وقد تقدمت ترجمته، والدروز لا يضيفون الألوهية إلا إلى الحاكم، ويدينون برجعته آخر الزمان، وينكرون الأنبياء والرسل جميعا، وينكرون أصول الإسلام والنصرانية واليهودية، ويبغضون في الباطن جميع أبناء الأديان الأخرى، ولا سيما المسلمين، ويستبيحون دماءهم وأموالهم، ويفترون أن القرآن من صنع سلمان الفارسي، وهم الآن بالجبل المسمى باسمهم في سوريا، انظر كتاب الحاكم بأمر الله للأستاذ محمد عبد الله عنان.
إلى زند1 اسم كتاب أظهره مزدك2 في أيام قباذ، وزعم أنه تأويل كتاب المجوسي الذي جاء به زرادشت3 الذي يزعم أنه نبيهم، وإن كان مع تبطن تلك العقائد الباطلة يستحل الفروج، وسائر المحرمات بتأويلات فاسدة، كما يزعم الباطنة والوجودية4 خص باسم الملحد. والزنديق في عرف الشرع: اسم لما عرفت5، لا لكل من صدر عنه فعل، أو قول يوجب الكفر على ما هو
1 ليس من وضع مزدك، وإنما هو شرح زرادشت لكتابه هو المسمى أفستا.
2 ظهر مزدك بفارس سنة 487م، وهو ثنوي يدين بالنور والظلمة. أما دعوته الاجتماعية فيتحدث عنها الشهرستاني بقوله:"أحل النساء، وأباح الأموال وجعل الناس شركة فيها" وحين اشتدت وطأة بعض الخلفاء العباسيين على المزدكيين فر زعماؤهم إلى أوروبا. وتستطيع بهذا إدراك ما بين المزدكية والشيوعية من صلة، وتعرف المصدر القديم لهذه.
3 يزعم الفرس أنه نبي، ولد حوالي سنة 660 قبل الميلاد، وقد وضع دينا ليس بجديد كل الجدة، بل أرسى أصوله على أسس من الديانة الفارسية القديمة، ومات حوالي سنة 583 ق م. وكتابه الذي يزعم أنه أوحي إليه به يسمى: أفستا، أو أبستاق كما يسميه المسعودي في مروجه، وزرادشت ممن يدينون بأصلين، أحدهما: أصل الخير، ويسميه "أهورا مزدا" والآخر: أصل الشر، ويسميه "أهرمن" ويزعم زرادشت أن بين الأصلين نزاعا دائما، بيد أن الخير سيهزم الشر في النهاية، لذا كانت نزعته تفاؤلية، غير مبالغ في دعوته إلى الزهد، بل أباح التمتع بالطيبات، وفي ديانته ما يوحي بأنه كان يؤمن بالبعث والجزاء على تصور وتصوير خرافيين، ويرى بعض الباحثين أن زرادشت كان موحدا يؤمن بأن ما في العالم من خير وشر أثران للإله الواحد. انظر الملل والنحل، ومروج الذهب جـ1، والكامل لابن الأثير جـ1، وتاريخ ابن خلدون جـ1.
4 القائلون بوحدة الوجود.
5 ذكر الشهاب الخفاجي في شفاء الغليل أن لفظ الزنديق ليس عربيا، وذكر عن أبي حاتم أنه فارسي معرب" زند كرد" أي: عمل الحياة، ثم ذكر كلاما طويلا يظهرنا على مدى ما بين أئمة اللغة وغيرهم من اختلاف بيّن في تحديد مفهوم =
متعارف أهل عصرنا، وقد يتوهم بناء على عدم الشعور بمعنى الحلول والاتحاد، أن الوجودية حلولية، أو اتحادية، وليس كذلك؛ إذ الحلول والاتحاد إنما يكون بين موجودين متغايرين في الأصل، والوجودية يجعلون الله تعالى عين وجود الممكنات، فلا مغايرة بينهما، ولا اثنينية، فلا يتصور ههنا الاتحاد والحلول،
= هذه الكلمة.. والحق أنه ليس في الشرع ولا في اللغة تحديد جامع مانع لمفهومها والحق أن الزنديق لفظ غامض مشترك، لم يطلق بمعنى واحد في كل عصر، ولا على قوم بخصوصهم، بل تعددت معانيه، واختلفت إطلاقاته، فنراه أطلق على كل من اعتنق دينا فارسيا كالمانويين والزرادشتيين والمزدكيين والديصانيين، أعني على كل ثنوي فارسي، ونراه أطلق على كل ملحد، وكل مبتدع، وكل ماجن من الشعراء وغيرهم. قال بشار يهجو ابن أبي العوجاء:
لا تصلي، ولا تصوم، فإن صمـ
…
ـت، فبعض النهار صوما دقيقا
لا تبالي إذا أصبت من الخمـ
…
ـر عتيقا ألا تكون عتيقا
ليت شعري غداة حليت في الجنـ
…
ـد حنيفا حليت، أم زنديقا
وقال أبو نواس: تيه مغن، وظرف زنديق. قال الصولي "وإنما قال ذلك لأن الزنديق لا يدع شيئا، ولا يمتنع عما يدعى إليه، فنسبه إلى الظرف لمساعدته على كل شيء وقلة خلافه" والتأمل في تاريخ الكلمة يلحظ أنها أطلقت أول ما أطلقت على ثنوية الفرس، وعلى من أعداهم الفرس بثنويتهم من العرب. وهذا يجعلنا نؤمن بالتطور في تاريخ هذه الكلمة، نؤمن بأنه قصد بها أولا كل ثنوي فارس، ثم توسع بعد هذا في مفهومها، فتعددت تبعا لهذا التوسع إطلاقاتها، فإنك لتجد صلة قوية بين كل من أطلق عليهم هذا اللفظ بعد، وبين الثنويين: إما في دين، وإما في خلق، وإما في نزعات المشاعر والأحاسيس. والتصوف -بدراسة دقيقة لتاريخه- ما هو إلا امتداد لهذه المؤامرات التي قام بها الزنادقة الأول، لإفساد العقائد، فيفسد المسلمون، فلا تكون لهم دولة ولا جامعة، بيد أن الشيطان أوحى إلى أوليائه تسميتها صوفية! يا للمجوسية تتراءى للمسلمين في وشاح من الربانية، وشفوف من الروحانية العليا في الإسلام، ويا للمسلمين بينهم كتاب الله، ويخدعهم هذا الزيف المجوسي! انظر أمالي المرتضى جـ1، شفاء الغليل للخفاجي، ضحى الإسلام، من تاريخ الإلحاد للدكتور بدوي.