الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلي، فتتنوع الأحكام عليه، فيقبل كل حكم، وما يحكم عليه إلا عين ما تجلى فيه، وما ثم1 إلا هذا، شعر:
فالحق خلق بهذا الوجه، فاعتبروا
…
وليس خلقا بذاك الوجه فادكروا
من يدر ما قال، لم تخذل بصيرته
…
وليس يدريه إلا من له بص
جمع2، وفرق، فإن العين واحدة
…
وهي الكثيرة، لا تبقي ولا تذر3
دين ابن الفارض:
قلت: وهذا مراد ابن الفارض بقوله:
وجل في فنون الاتحاد، ولا تحد4
…
إلى فئة في غيره العمر أفنت
فواحده الجم الغفير ومن عدا
…
هـ شرذمة في غيره العمر أفنت
فمت بمعناه، وعش فيه، أو فمت
…
معناه، واتبع أمة فيه أمت
فأنت بهذا المجد أجدر من أخي اجـ
…
ـتهاد مجد عن رجاء وخيفة
فألغ الكنى عني 5، ولا تلغ ألكنا
…
بها، فهي من آثار صيغة صنعتي
1 في الأصل: ما.
2 في الأصل: وجمع.
3 ص78-79 جـ1 فصوص.
4 في الأصل: تجد.
5 لما كانت الكنى اصطلاحات وضعها الإنسان الذي هو من صنع الإله الذي تجسد في هيكل ابن الفارض، فإن هذا الإله الفارضي يأمر خلقه بإلغاء الكنى عنه، إذ لا يصح للمصنوع تعريف صانعه بكنية ما. وهدف ابن الفارض من هذا أن يؤمن الناس بما آمن به هو من الكفر الفاجر، وهو اعتقاد الوحدة التامة بين الحق والخلق، وأن يدينوا بأن ابن الفارض هو المجلي الأعظم، والمظهر الكامل للذات الإلهية، فليضيفوا إليه صفات الربوبية والإلهية!!! ولما كان ابن الفارض يعلم أن كفره هذا ينابذ الشرع، فإنه ألح في البيت الذي قبل هذا في تحذير أتباعه من الإصغاء إلى الشرع، أومن الميل إلى الأئمة المجتهدين الذين يعبدون الله =
وأي بلاد الله حلت بها، فما
…
أراها وفي عيني حلت غير مكة
وأي مكان ضمها حرم، كذا
…
أرى كل دار أوطئت1 دار هجرة
وما سكنته، فهو بيت مقدس
…
بقرة عيني، فيه أحشاي قرت
ومسجدي الأقصى مساحب بردها
…
وطيبي ثرى أرض عليها تمشت
وشكري لي، والبر مني واصل
…
إلي، ونفسي باتحادي استبدت
وثم أمور تم لي كشف سترها
…
بصحو مفيق عن سواي تغطت
بها لم يبح من لم يبح دمه، وفي الإشارة معنى ما العبارة حدت
وقلبي بيت فيه أسكن. دونه
…
ظهور صفاتي عنه من حجيبتي
ومنها يميني فيّ ركن مقبل
…
ومن قبلتي للحم في فيّ قبلتي
وحولي بالمعنى طوافي حقيقة
…
[17] وسعي لوجهي من صفائي لمروتي2
وفي حرم من باطني أمن ظاهري
…
ومن حوله يخشى تخطف جيرتي3
= وحده، وتمتلئ قلوبهم خوفا من الله وحده، ورجاء فيه وحده.. وهكذا كل شيطان صوفي يحذر أتباعه من الشرع وأتباعه، ويأمرهم أن يكونوا بين يديه هو كجثة الميت بين يدي الغاسل، ويظل يقتل فيهم الشعور، ويميت منهم الكرامة، ويستعبد منهم الفكر، ويبيد فيهم كل إحساس بالذاتية، حتى يصبحوا لهواه عبيدا صاغرين، فينتهك حرمات الله ظانين أنه ثم مع الله، ويلعق دم الجريمة، وهم يحسبون أنه بذلك يقضي دين حب الله، ويترع حميم الخمر، ويقسمون أنها شراب من يد الله!!
1 في الأصل: وطنت.
2 يقصد: الصفا والمروة: يريد أن يقول: إنه إذا طاف فإنما يطوف حول نفسه، وإذا سعى بين الصفا والمروة، فإنما يسعى لوجهه، ذلك لإيمانه بأن العابد والمعبود عين واحدة. ولقد أقسم لي صوفي. أنه ليس ممن يطوفون حول الكعبة بل هو ممن تطوف حولهم الكعبة.
3 يريد أن يقول: إنه هو الحرام، ويشير إلى قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67] بالزنديق يزعم أن باطنه الخبيث هو هذا القدس الطهور.
وشفع وجودي في شهودي ظل في اتحادي وترا في تيقظ غفوتي1
ولم أله باللاهوت عن حكم مظهري
…
ولم أنس بالناسوت مظهر حكمتي
وقد جاءني مني رسول. عليه ما
…
عنت، عزيز بي، حريص لرأفة2
ومن عهد عهدي قبل عصر عناصري
…
إلى دار بعث قبل إنذار بعثة
إليّ رسولا كنت مني مرسلا3
…
وذاتي بآياتي عليّ استدلت
1 الشفع عند الصوفية وجود الرب شفع بوجود العبد، والوتر عندهم وجود الرب فردا باقيا بعد فناء وجود العبد. ولما يستلزمه الشفع من الاثنينية راح ابن الفارض ينفيه هنا نفيا باتا، ثم يؤكد أنه تجلى له عن شهود جلي، ويقظة شاعرة تمام الشعور أن الوجود -وجود الرب، ووجود العبد- واحد في أزليته وأبديته وأنه ما ثم إلا عين واحدة سميت باعتبار الباطن حقا، أو ربا، وباعتبار الظاهر خلقا أو عبدا. تلك هي الذات الإلهية، ويؤكد الزنديق كذلك أنما كان يضيفه من سمات الوجود وصفات لنفسه، ويحسبه غير الوجود الإلهي، كان وهما من الأوهام استبد بخياله الغافل المغرور، هذا لأنه أدرك تمام الإدراك أنه ما ثم غير، ولا سوى، بل وحدة مطلقة تشمل كل مظاهر الوجود. هذا وغيره يجعلنا نوقن أن ابن الفارض ممن يؤمنون بالوحدة، لا بالاتحاد. لأن الاتحاد افتعال يستلزم ثبوت وجودين اتحد أحدهما بالآخر. في حين أنه هنا وفي مواضع كثيرة يقرر وحدة الوجود في أزل وأبد وسرمد وآن، وأنه ما كان في حال ما ولا آن ما ثنائيا أبدا، بل كان دائما هو الوجود الواحد.
2 في الأصل: برأفة.
3 قال القاشاني في شرحه: "فالذات الإلهية باعتبار التجرد والابتداء تكون مرسلا، وباعتبار تلبسها بلباس النفس تكون مرسلا إليها" وهكذا يشد كل صوفي وتر الثالوث، فابن الفارض يزعم هنا أنه منذ القدم كان الله، ثم تلبس بصورة النفس. فأرسل بصفته وجودا متجردا، رسولا إلى نفسه بصفته وجودا مقيدا بالتعين. فهو المرسل، والرسول، والمرسل إليه، كان كذلك حتى وهو في غيابة الأزل.