الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إفك على الله:
ثم قال: "اعلم أن العلوم1 الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة؛ فإن الله تعالى يقول: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يسعى بها" فذكر أن هويته2 [هي] عين الجوارح التي هي عين العبد، فالهوية واحدة، والجوارح مختلفة، ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة، تختلف باختلاف الجوارح كالماء. حقيقة3 واحدة مختلف4 في الطعم باختلاف البقاع5"
قلت: وعلى هذا الضلال عول ابن الفارض، فقال:
وجاء حديث في اتحادي6 ثابت
…
روايته في النقل غير ضعيفة
مشيرا بحب الحق بعد تقرب
…
إليه بنقل أو أداء فريضة
وموضع تنبيه الإشارة ظاهر
…
بكنت له سمعا كنور الظهيرة
فكلي لكلي طالب متوجه
…
وبعضي لبعضي جاذب بالأعنة
ومني بدا لي ما علي لبسته
…
وعني البوادي بي إلي أعيدت
1 في الأصل: الأمور.
2 أي: حقيقته، وهدفه من هذا: إثبات أن الإحساسات، أو المشاعر، أو الأهام، أو الخيالات التي يشعر بها كل إنسان هي في الحقيقة من مكونات علم الله سبحانه، فعلم الله عند الصوفيه متوقف على علم عبيده، وتعالى الله عما يأفك الزنادقة.
3 في الأصول: حقيقته.
4 في الأصل. تختلف.
5 ص107 فصوص.
6 في الأصل: باتحادي.
وفيّ شهدت الساجدين لمظهري
…
فحققت أني كنت آدم سجدتي1
تعانقت الأطراف2 عندي وانطوى
…
بساط السِّوى عدلا بحكم السوية
1 قال القاشاني في شرح هذا البيت "أي: عاينت في نفسي الملائكة الساجدين لمظهري، فعلمت حقيقة أني كنت في سجدتي آدم تلك السجدة، وأن الملائكة يسجدون لي، والملائكة صفة من صفاتي، فالساجد صفة مني يسجد لذاتي. فالجمع واقع لا يدفع".
وأقول في قصة آدم، وأمر الملائكة بالسجود له، وطاعتهم لهذا الأمر، وتمرد إبليس عليه: في كل هذا ما ينقض دعاوى الصوفية في الحلول والوحدة والاتحاد؛ لأنها -أي: القصة- تثبت ربا آمرا بالسجود. وتثبت أغيارا كثيرين هم: آدم، والملائكة، وإبليس. لهذا يحاول ابن الفارض تصوير القصة. بما يتواءم وهوى زندقته، أي: بما يرفع في زعمه هذا التعدد في الوجود والذوات، ويرفع المغايرة بين الماهيات. فيقول: لا تحسبن الآمر بالسجود غير من أمروا به، أو غير من وقع الملائكة له ساجدين، أو غير من تمرد على هذا السجود، فإنهم جميعا عين واحدة هي الذات الإلهية. فالآمر هو الله باعتبار الهوية المجردة عن التعين. وآدم هو مظهر تعين الذات، أو الهوية، والملائكة هم تعينات الصفات، وكذلك إبليس، فلا تعدد في الوجود، ولا غيرية في الماهيات. فآدم هو الذات، والملائكة وإبليس هم الصفات، وما كان السجود الذي وقع سجود ذات لغيرها، بل كان من صفات لموصوفها
…
ثم ينتقل ابن الفارض من هذا التصوير الصوفي إلى تقرير أنه كان عين آدم، وكان عين الملائكة، أي: عين الذات الإلهية. وعين صفاتها. هذا هو دين سلطان العاشقين، أو قل: هذه زندقة رب الصوفيين!!
2 يزعم أنه ليس في الوجود متناقضات ولا أضداد، ولا أغيار، بل ولا أمثال، إذ الوجود كله حقيقة واحدة. والحقيقة الواحدة لا يقال عنها: إنها تناقض أو تضاد، أو تغاير، أو تماثل نفسها، ولهذا يؤمن الزنديق أن القدم عين الحدوث والأول والفوق عين التحت، والنور عين الظلمة، والأول عين الآخر، والأزل عين الأبد، والآن عين الماضي وعين المستقبل، وهذه هي الأطراف الوجودية والمكانية والزمانية التي يزعم ابن الفارض أنها تعانقت عنده، والتي يقول بعدها أنه حين رأى النقيض عين نقيضه، والضد والغير نفس ضده وغيره، انجلت عن بصيرته أوهام السوية، والغيرية، فبدت له الحقيقة التي غلفتها بالستر أوهامه. تلك هي أن الوجود حقيقة واحدة، وأن الخالق عين الخلق، وأنه هو الله!! هذا هو دين إله الصوفية العاشق.
وليس ألست1 الأمس غيرا لمن غدا
…
وجنحي غدا صبحي ويومي2 ليلتي
وسر بلى لله مرآة كشفها
…
وإثبات معنى الجمع نفي المعية 3
ظهور صفاتي عن أسامي جوارحي
…
مجازا بها للحكم نفسي تسمت
رقوم علوم في ستور هياكل
…
على ما وراء الحس في النفس ورت
1 يعني قوله سبحانه {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} مشيرا إلى ما فسرت به الإسرائيليات هذه الآية وهو سبحانه أخذ العهد على ذرية آدم جميعهم وهم في ظهره مودعا في إشارته تلك كفره الصوفي. ويريد بالغد في هذا البيت: يوم القيامة في عرف الشرع. وبيته هذا توكيد لكفره في البيت السابق. إذ يقرر هنا. أن الحضرة الأزلية، أو الذات الأحدية -رغم تكثر مظاهرها، وتعدد مجاليها- تنزهت عن عوارض الزمان، واختلاف الجهات، ورتب الآنات، فوقتها أحد، سرمدي أبدي. يندرج فيه الأزل والأبد، والمبدأ والأمد، والأمس والغد، ولذا فما ثم صباح ولا مساء، ولا نهار ولا ليل، ويقرر ابن الفارض أن هذا كله له، ليستدل به على أنه هو الذات الأحدية عينها، فهو فيما يسميه الصوفية بالآن الدائم، وهو عندهم امتداد الحضرة الإلهية الذي يندرج فيه الأزل في الأبد، وكلاهما في الوقت الحاضر لظهورها في الأزل على أحايين الأبد، وكون كل حين منها مجمع الأزل والأبد، فيتحد به الأزل والأبد والوقت الحاضر.
2 في الأصل: على، والتصويب من الديوان.
3 يشير ببلى في قوله: وسر بلى إلخ إلى قوله سبحانه: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} والجواب ببلى يستلزم وجود سائل ومجيب، أعني يستلزم الاثنينية، بيد أن ابن الفارض يدعي هنا أن السائل عين المجيب، وهذا في قوله: وإثبات معنى الجمع نفي المعية.