الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلا زندقة أخرى أنجس منهما باطلة ببديهة العقل؛ إذ القائلون بها يجعلون الله تعالى أمرا اعتباريا لا وجود له في الخارج".
بعض مصطلحات الصوفية:
وقال1: "إن الملاحدة عبروا عن ضلالتهم بعبارات العارفين بالله2، يتسترون بها في زندقتهم، فينبغي الحذر من ذلك، فأرادوا بالفناء نفي حقائق الأشياء، وجعلوها خيالا وسرابا على ما هو مذهب السوفسطائية3، وبالبقاء ملاحظة الوجود المطلق، وبالوحدة المطلقة كون ما سوى الوجود من الأشياء خيالا وسرابا، وكون وجود جميع الأشياء -حتى وجود الخبائث والقاذورات4- إلها، وذلك
1 أي: علاء الدين البخاري.
2 التسمية بالعارف بدعة صوفية، تخفي وراءها كيدا خفيا للشريعة، إذ الغاية عندهم المعرفة وحدها لا العبادة، معرفة أن الحق عين الخلق. أما الغاية الحقة لكل مسلم، فهي الإيمان الصحيح مع التوحيد الخالص، مع التقوى، وكم من عارف صوفي دينه أساطير، ودعوته مجوسية.
3 مشتق من الكلمة اليونانية "سوفيا" أي: الحكمة، والسوفيست هو الحكيم، وبه لقب رجال هذه المدرسة أنفسهم، ولكنها تطورت معهم، وتغير مدلولها بهم، حتى صارت تدل على المغالطة والتشكيك والمماراة. والصيغة العامة لمذهبهم الفكري إنكار الحقيقة المطلقة، والجزم باستحالة الحكم العام، فالحقائق عندهم اعتبارية كلها، ومقياس الحقيقة هو الإحساس الفردي، فما يراه شخص ما حقا، فهو حق، وإن كان غيره يراه موغلا في تيه الباطل. وأشهر زعماء هذه المدرسة التي عاشت قبل سقراط "بروتاجوراس، وجورجياس" أما عقيدتهم في الإلهية فيوضحها قول الأول "لا أستطيع أن أعلم إذا كان الآلهة موجودين، أم غير موجودين" ونرى شبها واضحا بين السفسطائية والصوفية في المنهج وفي النتائج فالأولون يرون الإحساس الفردي مصدر المعرفة ومقياسها، والآخرون يرون الذوق الفردي، وكلاهما يدين بأن الحقائق اعتبارية.
4 نسبة هذا إلى الصوفية ثابتة صادقة.
غير ما أراده العارفون، فإنهم أرادوا بها معاني يصدقها الشرع1 وهم مصرحون بأن كل حقيقة يردها الشرع فهي زندقة، وأنه لس في أسرار المعرفة شيء يناقض ظاهر الشرع، بل باطن الشريعة يتم بظاهره، وسره يكمل صريحه [55] ولهذا إذا انكشفت على أهل الحقيقة أسرار الأمور على ما هي عليه2، نظروا إلى الألفاظ الواردة في الشرع، فما وافق ما شاهدوه قرروه، وما خالف أولوه بما يطابق الشرع، كالآيات المتشابهة3، ولا يستبعد وقوع المتشابه في الكشف ابتلاء
1 ما في الشرع تلك الزمزمات الكهنوتية التي يزعم البخاري أنها من حقائق العارفين، فما في القرآن، ولا في السنة، ولا في قول صحابي، أو تابعي، أو مؤمن ما يسمى: الفناء، البقاء، الوحدة المطلقة، فناء الفناء. ما في الشرع مطلقا أثارة من هذه بدلائلها الصوفية، اللهم إلا إذا شاءوا وصف القرآن بأنه خلي من المعارف الإيمانية الحقة، أو الرسول والصحابة والتابعين بأنهم غير عارفين. هنالك في الإسلام مرتبة عليا هي الإحسان وهي:"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك" فلم يبغض الصوفية هذه المرتبة؟!
2 هذا بهتان صوفي، فالذي يعلم ويدرك أسرار الأمور على ما هي عليه هو الله رب العالمين وحده، بيد أن المس الصوفي يجري على لسان العلاء البخاري تهاويل الخرافة والأسطورة.
3 في قوله بما يطابق الشرع تلبيس، فالتأويل إنما ابتدعه أصحابه، ليجعلوا النقل مطابقا للعقل، إذ القاعدة عندهم: العقل أصل النقل، والعقل حاكم على النقل، فما لم يرتض واحد من المؤولة بعضا من الكتاب والسنة، أول هذا الذي لم يرتضه، أو بتعبير أدق: جرده من معانيه الأصلية الصحيحة، ووضع له معاني من عنده، حتى يطابق -في زعمه- ما يحكم به العقل!! ولكن عقل من؟ هذا ما نطلب الجواب عنه من المؤولة، وستظل علامة الاستفهام هذه أمام العقل دون أن يحير عنها جوابا، ثم إنه لم يدن بالتأويل سوى من سموهم خلفا، أما الصحابة والتابعون والسلف الصالحون، فلم ير واحد منهم في آيات الصفات وأحاديثها ما يرعش طمأنينة الإيمان واليقين الثابت في الأعماق المشرقة من قلبه، ولم يصفها أحد منهم بأنها من المتشابه، ولم يؤول أحد منهم شيئا منها مطلقا، =
لقلوب العارفين1، كما أن وقوع المتشابه في الشرع ابتلاء لقلوب الراسخين، فأراد بالبقاء التخلق بالأخلاق الإلهية، والتنصل عن كدورات الصفات البشرية والفناء عندهم عبارة عن اطمحلال الكائنات في نظرهم مع وجودها، وعن الغيبة عن نسبة أفعالهم إليهم، وكذا الوحدة المطلقة عبارة عن مشاهدة الله -لا غير- من بين الموجودات لاطمحلالها مع تحققها ووجودها عند ظهور أنوار التجليات، كاطمحلال الكواكب مع وجودها عند ظهور نور الشمس في النهار، فإن كان العارف في هذه الحال يرى نفسه، فذلك هو الفناء في التوحيد، وهو مرتبة الخواص، وهو مشوب بكدورة وقصور، وإن غاب مع ذلك عن مشاهدة نفسه
= وأمشاج من الزور ما زعمه البخاري هنا، ألا تراه يدين بأن الشريعة، لا يحكم عليها حتى بالعقل، بل بما يغيم على النفس من خواطر الأوهام، ويدين على الفكر من غيوم الأهواء؟ يدين بأن الكشف -وهو ألعن أسطورة ابتدعها الصوفية لمحاربة الكتاب والسنة- هو مقياس حقائق الشرع، تقاس بأوهامه يقين الوحي الإلهي، وقيمه السماوية المقدسة. وأن الكشف هو الذي يحدد لكل حقيقة شرعية مفهومها وغايتها، أو ما أراده الله منها وبها؟ وهكذا يأبى الخبل الصوفي إلا أن ينطق علاء الدين بهوسه وخرافاته.
1 يعرف الصوفية الكشف بأنه الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية، والأمور الحقيقية وجودا وشهودا، والله سبحانه هو القائل {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} ، والبخاري -وهو يرد على الصوفية، ليبطل ما يدينون به من الوحدة- يتهاوى في نفس الحمأة، هذا لأنه صوفي، لا يحب أن ينسى -وهو يرد على غيره من الصوفية- تصوفه هو، لا ينسى طريقته التي يود أن يصرف الناس إليها وحدها. ولكن حسبنا منه -وهو أكبر صوفي في عصره- اعترافه الصريح، وحكمه البين على ابن عربي وابن الفارض بأنهما خارجان عن حقيقة الإسلام، والأول شيخهم الأكبر، وكبريتهم الأحمر، والآخر سلطان عاشقيهم.
وعن أحواله الظاهرة والباطنة وعن ذلك الفناء -بحيث لا يشاهد شيئا غير الله1 كما لا يشاهد في النهار من الكواكب غير الشمس- فذلك هو فناء الفناء في التوحيد، وهو درجة خواص الخواص، فيصير لهم معنى قوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [النمل: 88] ذوقا وحالا، كما أن حظ غيرهم من المؤمنين منه يكون علما وإيمانا، فالذوق نيل عين تلك الحال بالحصول الاتصافي، والعلم معرفة ذلك بالبرهان، ومأخذه القياس بأن ينظر إلى اطمحلال تلك الكواكب عند إشراق الشمس، فيقاس به اطمحلال وجود الكائنات عند إشراق أنوار التجليات، والإيمان قبوله بالتسامع والإذعان له، ولا يخالف هذا قولهم: إن الطريق إلى المعلوم بالكشف، إنما هو العيان دون البرهان؛ لأن المراد منا إقامة البرهان، على تحقق الكشف، لا على إثبات المعلوم، فقد عرفت أن معنى الوحدة المطلقة عند العارفين2 بعيد عما يريد به الكفرة الوجودية من الفلاسفة، ومن تبعهم ممن يدعي الإسلام؛ ليتمكن من هدمه عند الضعفاء.
1 هذه هي وحدة الشهود، وهي النبحة الأولى من وحدة الوجود، بل هي المدخل إليها، وسترى البخاري -رغم تكفيره للقائلين بوحدة الوجود- يدور حولها، ويتسرب في خفية إليها. ولكنه جبان الشطح، مكير الخيال والتصوير.
2 ما في الرسل جميعا، ولا في الأنبياء عامتهم، ولا في الأولياء الصادقين من هو أعرف بحق الربوبية والإلهية من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فيهم من أحد أدى هذا الحق كما أداه، فما جاءنا عنه صلى الله عليه وسلم خرافة الوحدة المطلقة الصوفية، أو أنه وصل إلى حال لم يشاهد فيها شيئا غير الذات الإلهية. والصوفية يعنون بالشهود معاينة الذات، وفناء الكائنات جميعها في هذا الشهود حتى في الليلة التي تجلى الله فيها على عبده بأعظم نعمة، وأراه فيها من آياته الكبرى ليلة الإسراء والمعراج، قال صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل رأي ربه: نور. أنى أراه؟! وفيها كان يشهد غير الله: الأنبياء، وجبريل، والجنة، والبيت المعمور وسدرة المنتهى، وغير ذلك، وسمى لنا كل شيء باسمه، فأين منه البيان عن شهود =